Telegram Web
[كيف تعامل طالب العلم مع سائل أساء الأدب؟]
كثيرًا ما يُواجه العالمَ وطالبَ العلم والمربّيَ مواقفُ من الناس، وفي بعضها إساءةُ أدب، وكثيرًا ما يسمع من بعضهم كلامًا بذيئًا، ويلقى معاملةً فيها حدّة وعجلة وغضب.
وطالب العلم ينبغي له أن يكون متأدّبًا قبل أن يؤدّب غيره، وآمرًا نفسَه بالمعروف وحسْن الأخلاق قبل أن يأمر غيره.
وإذا لم يحتمل سوءَ أخلاق الناس فلماذا تعلّم العلم؟
وسأذكر موقفًا لأحد طلاب العلم، تعامل فيه مع من أساء إليه، لعله يكونُ نافعًا وهادفًا.
أرسل له سائلٌ درَس العلم الشرعيّ في إحدى الجامعات سؤالا، يطلب منه مالا لمساعدة بعض المحتاجين.
فأجابه: لا أستطيع، وليس لي تواصل مع التجار، وفّقك الله لكل خير.
ولا ينبغي الإلحاح في المكالمات الصوتية وتكرارها وفقك الله.
فردّ عليه السائل: والسبب ماذا؟ ألست داعية الإسلام؟
لا مانع من الإلحاح إذا كان للحاجة والاستفسار.
ولن أرسل لك بعد اليوم رسالة، وسأمسح رقمك.
فأجابه: لكني لن أمسح رقمك ولو مسحت رقمي، ولن أقاطعك ولو قطعتني..
لأنك أخي في الإسلام، وأنا لا أنتقم لنفسي، ولا أنتصر لهواي، بل أجو - وأسعى - أن أنتقم لله، وأنتصر لله..
ونصيحتي لك يا أخي: إيّاك أن يستفزك الشيطان.
نحن إخوةٌ في الإسلام، والإخوةُ في الإسلام قد يقع بينهم ما يقع بين الإخوة في النسب، وأنا قد تأدّبت معك، فلم أُخاطبك بقسوة، ولم أقل: إنك قليل الأدب، وإنما طلبت طلبًا بهدوء ورفق، ودعوت لك، فقلت: أرجو ألّا تُلِح، وفقك الله لكل خير.
فهل في هذا إساءة إليك؟
انتبه من الشيطان يا أخي، واللهُ تعالى يكره الغضبَ والانتصارَ للنفس بغير حقّ، ويحب مكارم الأخلاق محبةً عظيمة، ويأمر بها كثيرًا، ويأمر بها النبي ﷺ، يقول الله تعالى: {خُذِ العَفْوَ}: أي خذ ما عفا من أخلاق الناس وما تيسّر.
ويقول سبحانه: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}.
ويقول بعدها: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}.
ثم يقول: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
يعني: لو فُرض أنني أسأت إليك، فإن الله يحب أن تُحسن إليّ، فكيف وأنا لم أُسئ إليك أصلًا! إنما طلبت منك طلبًا، ودعوت لك، فأنا أحسنت إليك، ولم أُسئ، فهل جزاء من أحسن إليك أن تُسيء إليه وتُقاطعه؟
هل يجوز لك شرعًا أن تُقاطع أخاك وتمسح رقمه لأنه طلب منك طلبًا؟
يا أخي، أين العمل بالعلم؟
نحن نتعلّم العلم لنعمل به، ونتعامل مع الناس برفق، وأنا طلبت هذا لأن هذا هو السنّة، والنبي ﷺ أمرنا: إذا طرق أحدنا الباب، أن يطرقه ثلاثًا فقط، ولا يزيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "‌الاستئذان ‌ثلاث، فإن أذن لك وإلا فارجع". [رواه مسلم: 2159]
وأنت الآن اتّصلت بي أكثر من مرة، وأرسلت لي رسالة، ثم رسالة أخرى، ثم مكالمة صوتية، وهنا وفي التليغرام أكثر من مرة، وهذا خلاف السنّة.
إذًا، أنا آمُرك بهذا لأن هذا هو سُنّة رسول الله ﷺ، والمفترض أن تقول: جزاك الله خيرًا أن ذكّرتني ونبّهتني.
إني لك ناصح، يا أخي، الله الله بمكارم الأخلاق، الله الله باللين والعفو والتماس الأعذار، الله الله بالأدب.
يقول ابن القيّم: “الأدب هو الدين كله”
ولو مسحت اسمي يا أخي، فلن يضرّني شيء، لكني أترفّع عن هذا، لأن الإسلام هو الذي يحكمني، أنا لا أحكم نفسي، ولو كنتُ أحكم نفسي، لقلت: امسح رقمي، ولا يهمّني شأنك، لأني لن أخسر شيئًا، فأنا لا أحكم نفسي، إنّما أنا محكوم، يحكمني ربّي، فربّي يأمرني الآن أن أُنبّهك وأُناصحك، “الدين النصيحة”، فنصحتُك الآن.
لا تفعل مثل هذه الأخلاق، لا معي ولا مع غيري.
كن لينًا، اعفُ عن الناس، والتمس الأعذار لهم، ولا تكن منتقمًا لنفسك، ولا غضوبًا، فهذه صفات يكرهها الله.
والأخلاق الحسنة عند الله عظيمة.
وقد ذكر النبي ﷺ أنه ضامنٌ للرجل ببيت في أعلى الجنة، لمن؟ لمن حسُن خُلقه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة ‌لمن ‌حسن ‌خلقه».
فأين الأخلاق الحسنة، يا أخي؟
الأخلاق الحسنة هي: كفّ الأذى، واحتمال الأذى، وبذل المعروف، وطلاقة الوجه.
ولا تسمح للشيطان أن يستولي عليك، وأنت طالب علم، أنت قدوة، والدعوة إلى الله ليست بأقوالنا فقط، وإنما بأفعالنا وأخلاقنا، إني لك ناصحٌ أمين، أخي الحبيب.
فأرسل له السائل: كلماتك دخلت إلي قلبي، جزاك الله خير الجزاء شيخي الكريم
فأجابه: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه.
ذلك من فضل الله عليّ وعليك.
فضل الله علي لأنه وفقني للنصيحة.
وفضل الله عليك لأنه وفقك لقبولها والعمل بها.
وبهذا أرضينا ربنا، وأغضنا عدونا, وهو الشيطان الرجيم.
انتهت القصة.
وأقول: إنّ الإنسان عندما يُوجهه أحدُ الناس بمثل هذه الإساءة فإنّه يشعر بالغضب، وتؤزّه نفسه أن ينتقم لها أزًّا، ويُجلب عليه الشيطان ويحثّه على أن ينتقم لنفسه ويردّ على المسيء بغلظة.
لكنه يقول لنفسه: إنّ ربي يحبّ مني أن أحسن إلى من أساء إليّ، وأنت تحبين أن أنتقم لك، فمن أطيع؟
لن أطيع إلا ربي، ولن أرضيكِ وأخالف ما يُحبه ربّي..
إنه يرجو من الله أن يكون ممن قال فيهم: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ - وَمَا يُلَقَّاهَا ‌إِلَّا ‌الَّذِينَ ‌صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
أسأل الله أن يجعلنا منهم بمنّه وكرمه.
خطبة يوم عيد الأضحى..
وخطبة صلاة الجمعة..
https://www.tgoop.com/ktab_ahmdty/163

أسأل الله تعالى أن ينفع بهما.
📻 | خطبة الجمعة
🗓 | ١٠ / ١٢ / ١٤٤٦ هـ
🎙 | أحمد الطيار
📝 | سلامة الصدر
https://youtu.be/e0aPX3gK5bo
‏يجب على من يقرأ في المسمّى "تفسير الرازي" أن يكون على حذر، وأن يتعلّم العلم النافع من مصادره الموثوقة قبل أن يقرأه، لأنّ الرازي يُورد الكثير من الشبهات والضلالات ولا يُجيب عنها، أو يُجيب إجابة لا تدحض الشُّبَه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الرازي: هذا الرجل كثير السفسطة والتشكيك.. لا يُعرف من جنس المتكلمين مَن هو أعظم تقريراً للشكوك والشبهات الباطلة وأضعف جواباً عنها منه. بيان تلبيس الجهمية (8/ 465)
بحمد الله وفضله ومنّته صدرت لي هذه الكتب
1-فَلَذَاتُ الْأَكْبادِ.
2-الْمُختَارُ من تَفْسيرِ الْمَنَار.
3-الْإِنْصَافُ عِنْدَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيّة رَحِمَهُ الله.
وهي من إصدارات دار الحجاز المباركة، زادها الله بركة وتوفيقا، وعجل شفاء صاحبها (أبي أنس)..
‏[طريقةٌ وفّقني الله لَها كانت سببًا في انْتِفاعي ونَفْعِي بِمَا أقْرأ]
إنّ ضبط العلم الذي حوته الكتب الكثيرة, على اختلاف فنونها وتنوعها صعب جدًّا, وهو أمْرٌ يؤرّق كلّ محبّ للعلم والقراءة.
وإنّ مما وفّقني الله له وأكرمني وأحسن إليّ: أن هداني لطريقة كانت سببًا في انْتِفاعي ونَفْعِي بِمَا أقْرأ, وها أنا أنقلها لك – أخي القارئ وطالب العلم – لعل الله أن ينفعك بها, كما نفعني بها.
وهي أن تتَّبع هذه الخطوات بالترتيب:
1- الدعاء بصدق أن ينفعك الله بما في الكتاب.
2- أن تنوي العمل بما فيه من الحق.
3- التركيز على الكتاب وجمعُ فكرك فيه.
4- تلخيصه تلخيصًا متقنًا.
5- مراجعة التلخيص بعد ذلك.
وتفصيل ذلك: أن تعتني بالدعاء بصدق أن ينفعك الله بما في الكتاب من الحق والصواب, وتنوي العمل به, ولن يخيّبك الله وقد صدقت معه, ودعوته ورجوته وافتقرت إليه, وعزمت على العمل بما تعلمت.
ثم ركّز على الكتاب واجمع فكرك فيه, واحذر من التشتت، وذلك بانشغال فكرك بغيره, وبتنوّع الكتب والفنون, بل اجعل فكرك وهمّك منصبًّا على كتاب أو فنّ واحد بقدر الإمكان, وإن أكثرت فاقرأ في كتابين أو فنّين, ثم اقرأ بتمهل وتفكر, واجتنب السرد والسرعة في القراءة, وتفهّم العبارات, وتأمّل في اللطائف, وحاوِل أن تتشرّبها وتحوّلها إلى سلوك وعمل ما استطعت.
فلا تجعل قراءتك قراءةَ سلوةٍ واستمتاع، بل قراءةَ فهم وانتفاع.
ثم لخّص ما قرأت, واجعل للفوائد والعبارات عنوانًا, ليسهل عليك حفظ الفوائد والرجوع إليها, ثم ضع في الهامش ما يجول في خاطرك من تعليق أو نقل متعلّق بالفائدة, ثم اكتب أمام الفائدة أو العبارة التي لخصتها رقم الصفحة.
فيكون الكتاب صديقك وأنيسك وغذاء روحك وعقلك وقلبك.
فإذا انتهيت من تلخيصه اطبعه واجعله في مكان خاصّ, وبعد مدة من الزمن اقرأ ما لخصته مرة أو أكثر, حسب الحاجة.
وبعد ذلك قد ترى أن ما لخصته يُناسب أنْ تطبعه, بعد استشارة أهل العلم والخبرة.
وإني أحمد الله أن كثيرًا من كتبي خرجت من رحم هذه الطريقة المباركة النافعة، وبعضها لم تُطبع إلا بعد عشر سنوات، فلا يلزم الاستعجال في النشر، المهم هو الاستفادة والضبط، وتحويل العلم النافع الذي تعلّمتَه إلا سلوكٍ وعمَلٍ واعتقاد، وألا تظلّ المعلومات حبيسةً في دماغك، بل تسري إلى قلبك وروحك، فيتأثر بعد ذلك بدنك، بالعمل الجاد بما تعلمتَه، وعند ذلك يفتح الله لك من خزائن فضله وعلمه وكرمه، ويُبارك لك في علمك وعملك وكلامك وكتابتك.
(كم يحمل هذا القلب من رحمة؟)
‏ردّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ردًّا واسعًا في ثمان مجلدات, على ما تضمّنه كلام الرازي من فلسفة وإلحاد وضلال وتأويلٍ للنصوص الكثيرة, وعلى نفْيه استواء الله على عرشه، وعلى زعمه أنه لا داخل العالم ولا خارجه, وفي آخر المجلّد الثامن استوقفتْني عبارة عظيمة، توقّفت معها طويلا، وأعطتني درسًا لن أنساه.
وإليك عبارته:
"إنّ ما سلكه أهل البدع من أهل الفلسفة والكلام لا يصلون إلى علم ويقين, بل إنما غاية صاحبه الشك والضلال, وهذا مما اعترفت به حذاقهم, وممن اعترف به أبو عبد الله الرازي رحمه الله في غير موضع من كتبه, ولفظه في بعضها: لقد تأملت الكتب الكلامية والمناهج الفلسفية, فما رأيتها تشفي عليلاً, ولا تروي غليلاً, ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن, أقرأ في الإثبات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} و {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} وأقرأ في النفي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}.
ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.
وهذا قاله في آخر عمره في آخر ما صنفه, وهو كثير التناقض, يقول القول ثم يرجع عنه, ويقول في الآخر ما يناقضه, كما يوجد هذا في عامة كتبه.
تغمّده الله برحمته, وعفا عنه, وسائر المؤمنين {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}, وتوبته معروفة مشهورة". بيان تلبيس الجهمية (8/ 529)
تأمل معي:
يدعو للرازي بهذه الدعوات التي تفيض بالرحمة وصدق الرجاء من الله أن يغفر له ويرحمه ويعفو عنه, ويسأل الله ألا يجعل في قلبه غلا للمؤمنين, ويُشير إلى أنه تاب من ضلاله وتحريفه وتأويله للنصوص ونفيه علوّ الله واستواءه.
فيا له من قلب مليء بالشفقة والرحمة على المسلمين, وبهذا رفعه الله واصطفاه, ورزقه القبول, وجعل قلوب المسلمين تحبّه وتقْبَل كلامه, وتُقبِل على عُلومِه, لأنها مبنيّةٌ على الإنصاف والرحمة والحق والعدل.
فيا أيها المسلم: طهّر قلبك من الغلّ على كلّ مسلم موحّد، وطهّر لسانك من سبّه والطعن فيه، والسلامةُ لا يعدلها شيء..
وادع الله لمن رأيته أخطأ وخالف الحقّ في بعض الأمور التي اجتهد فيها، وإن استطعت مناصحته فلا تتأخر.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.
2025/07/13 02:13:45
Back to Top
HTML Embed Code: