Telegram Web
*المحاضرات الأسبوعية*

💭 بسم الله الرحمن الرحيم 💭

يسر إخوانكم بـمركز بشائر الخير بصنعاء أن يقدموا لكم هذه المادة الصوتية

والتي  هي بعنوان:


*( الإنصاف في الحث على الاجتماع وذم الفرقة والاختلاف )*


وهي عبارة عن المحاضرة الأسبوعية لأهل السنة والجماعة في مدينة صنعاء

الجمعة 9 محرم 1447 هجرية


وكانت للأخ الفاضل:

*أبي عبدالرحمن زكريا الخيل*

حفظه الله ورعاه


سجلت هذه المادة في ليلة السبت العاشر من شهر الله المحرم لعام 1447


⌚️ *المدة الزمنية: 45:38*


رابط مباشر لتنزيل المقطع الصوتي
https://www.tgoop.com/AliAlHajjaji/14182


نسأل الله أن ينفع بها الإسلام والمسلمين

ــــــــــــــــــــــــــ

🕌 مركز بشائر الخير - بصنعاء - حرسه الله

للانضمام إلى قناة الشيخ على التليجرام:
http://www.tgoop.com/AliAlHajjaji

وللانضمام إلى قناة الشيخ على الواتس آب:
https://whatsapp.com/channel/0029Va8G4Kp90x2qRSoVy81y

وللانضمام إلى القناة الخاصة بالمقتطفات:
https://whatsapp.com/channel/0029Vb76WcXLdQelMuVRU52v

*انقر على هذا الرابط للانضمام إلى مجموعةخ صوتيات الشيخ علي الحجاجي واتساب (1):*
https://chat.whatsapp.com/B5h5Dn2vZjbCUM9PNHS2XN

*انقر على هذا الرابط للانضمام إلى مجموعة صوتيات الشيخ علي الحجاجي واتساب (2):*
https://chat.whatsapp.com/BiBxlf3PV0BHuk13uHrFHj
تفريخ_خطبة_للأخ_الفاضل_أبي_عبيدة_خالد_الشرعبي_بعنوان_لإعلام.pdf
284.3 KB
تفريغ خطبة جمعة بعنوان (الإعلام ببعض ما حصل للنبي عليه الصلاة والسلام وصحابته رضي عنهم من كربة وغربة في أول الإسلا) للأخ الفاضل: أبي عبيدة خالد الشرعبي حفظه الله ورعاه
الْخُطَبُ الْمُفَرَّغَة

بسم الله الرحمن الرحيم

يَسُرُّ إِخْوَانكُمْ بِمركزِ بَشَائِرِ الْخَيْرِ بِصَنْعَاءَ أَنْ يُقَدِمُوا لَكُمْ هَذِهِ المَادَة، وَالْتِي هِيَ بِعنْوَانِ:

(الإعلام ببعض ما حصل للنبي عليه الصلاة والسلام وصحابته رضي عنهم من كربة وغربة في أول الإسلام)

وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْرِيغٍ لِخطبَةِ الْجُمُعَةِ لِلْأَخِ الفَاضِلِ:

أَبِي عُبَيْدةَ خَالِدٍ الشَّرْعَبِيِّ
حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى.

🗓 أُلقِيَتْ هَذِهِ المَادَةُ في 24 ذيْ الحِجَةِ لِعَام 1446

بِمسْجِدِ بَشَائِرِ الْخَيْرِ.


الْخُطْبَةُ الأُولَى

إِنَّ الْحَـمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمن سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

﴿‌يَاأَيُّهَا ‌الَّذِينَ ‌آمَنُوا ‌اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ‌وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.

﴿‌يَاأَيُّهَا ‌الَّذِينَ ‌آمَنُوا ‌اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيْثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّار.

أيها المسلمون عباد الله!

روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا فطوبى للغرباء»

بدأ الإسلام غريبًا، أي: أن أهله كانوا في بدايته في قلة وضعف وخوف بين أعداء كُثر، قد كشروا أنيابهم ووجهوا سهامهم ورموهم عن قوسٍ واحد، كما أخبر الله عز وجل واصفًا حالتهم في أول الإسلام بقوله سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} [الأنفال: 26].

قال ابن كثير رحمه الله تعالى عند هذه الآية: هذا كان حالهم حين كان مُقامهم بمكة قليلين مستخفين مضطرين خائفين أن يتخطفهم الناس من سائر بلاد الله عز وجل؛ لأنهم كلهم أعداؤهم، وهم قلة وليس معهم قوة.
{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ}

وتأمل كيف وصف الله جل وعلا خوف المؤمنين في أول الإسلام بأنهم يخافون أن يتخطفهم الناس، ما قال: تخافون أن يقتلكم الناس. ولا قال: تخافون أن يشردكم الناس. بل قال: {تخافون أن يتخطفكم} قال أهل التفسير كالشنقيطي وغيره: {يتخطفكم}: الخطف هو الأخذ بسرعة، معنى ذلك كما قال أهل العلم: أن المؤمنين كانوا في مُتناول أيدي أعداء الله جل وعلا، متى ما شاءوا فهم قادرون على أخذهم واحدًا بعد واحد من أجل قتلهم؛ لأن الخطف هو الأخذ بسرعة، فهم قادرون على أن يأخذونهم بسهولة وبسرعة ويقتلونهم ويشردونهم؛ لأنهم تحت سلطانهم وأيديهم.

فقد كانوا في غربة وفي خوف وفي وحشة، ليس معهم معين ولا معهم من يحميهم ولا من يدافع عنهم سوى الله تبارك وتعالى الذي آواهم وأيدهم بنصره ورزقهم من الطيبات.

أيها المسلمون عباد الله، إن أول من عانى من الغربة في هذه الأمة وقاسى شدتها لهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أول غريب من هذه الأمة؛ لأنه قام بالدعوة لوحده حيث لا مُعين ولا نصير ولا مؤمن ولا مسلم يقف معه.

ولهذا جاء عند ابن ماجه، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أُخفت في الله وما يُخاف أحد» قال كثير من الشراح: لقد أوذيت في حال كونه لا يؤذى أحد، وأخفت في حال كونه لا يخاف أحد؛ لأنه بدأ الدعوة لوحده فأوذي وهدد وتوعد وسعوا في قتله بكل الوسائل عليه الصلاة والسلام، لكن الله عز وجل حماه ودافع عنه ورد كيدهم في نحورهم.

روى الإمام أحمد في مسنده، وصححه العلامة الألباني والوادعي رحمة الله عليهما، من حديث طارق المحاربي رضي الله عنه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو بسوق ذي المجاز وهو يقول للناس: «يا أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا»، وخلفه رجل أحول، له غديرتان يرميه بالحجارة قد أدمى كعبيه وعقبيه
عليه الصلاة والسلام.

انظروا إلى هذا الأذى، وراءه رجل يرميه بالحجارة أينما ذهب في ذلك المكان، قد صار الدم يسيل من كعبيه ومن عقبيه عليه الصلاة والسلام من أجل الدعوة إلى الله وإلى هذا الدين.

قال طارق: فقلت لهم: من هذا؟ قالوا: هذا غلام قريش، وهذا عمه عبد العزى أبو لهب. عبد العزى أبو لهب، صنو أبيه، من أقرب الناس إليه وهو أشد الناس عداوةً له وإيذاءً له.

تخيل يا أيها المسلم لو أنك تدعو إلى الله وتنصح في سوقٍ أو شارع وخلفك من يرميك بالحجارة ويقذفك بها، أي كربٍ ستكون عليه؟ أي حالة؟ الناس كلهم ينظرون إلى رسول الله، ما منهم من أحدٍ من يحرك شفته بكلمةٍ ولو حمية ذبًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أكثرهم لشدة عداوتهم وبغضهم لرسول الله ولهذا الدين يتمتعون برؤية بهذه المشاهد، وبمثل هذا الأذى.
يا لها من غربةٍ شديدة وكُربةٍ عظيمة مر بها أفضل الخلق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وروى البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، أن عروة قال له: أخبرني بأشد ما رأيت من صُنع المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم – أي من الأذى – فقال عبد الله بن عمرو: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه وخنقه خنقًا شديدًا يريد أن يقتله، خنقه خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟!
هذا من جملة الغربة والأذى والكرب الذي كان يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وجاء في الصحيحين، من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحابه ينظرون إليه، فقال أبو جهل: من ينطلق إلى سلا جزور بني فلان – ما يخرج من المخلفات من دم وفرث وغير ذلك من أنواع الأقذار – من ينطلق إلى سلا جزور بني فلان فيضعها على ظهر محمد وهو ساجد؟ فانطلق أشقى القوم عقبة بن أبي معيط فجاء بسلا الجزور فوضعه على كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فجعل أبو جهل وأصحابه يضحكون ويحيل بعضهم إلى بعض، أي: يميلون من شدة الضحك.
قال ابن مسعود رضِيَ اللهُ عنه: وأنا أنظر إلى رسول الله، لو كان لي منعة لأزحته عن ظهر رسول الله.
ما عندهم قوة، لا يقدرون أن يدافعوا عن رسول الله، لا يقدر الواحد منهم - غالبًا - أن يزيل مثل هذا الأذى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
انظروا إلى الغربة الشديدة التي مر بها الإسلام وأهله في بدء أمره.

وروى الإمام أحمد في مسنده، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتتبع الناس بسوق ذي المجاز ومجنة وفي منازلهم في منى يقول: «يا أيها الناس، من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة»
هذا رسول الله لا يجد من يؤويه، لا يجد من ينصره، يبحث عن مكان يأمن فيه ليبلغ رسالة الله: «من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلغ رسالة ربي».
ولأحمد في رواية أخرى من حديث جابر: «هل من رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي»
هذا رسول الله، وهذا بعض ما قاساه، وهذا بعض ما عاناه.

وأصحابه أيضا رضي الله عنهم عانوا ونالهم من الشدة والكربة والغربة فصبروا حتى نصرهم الله وأعزهم الله وأيدهم بتأييده رضي الله تعالى عنهم.

روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه في قصة إسلامه قال: فرأيت فاستضعفت رجلاً منهم – أي نظرت إلى أضعف رجل منهم حين جاء مكة؛ لأن الضعيف جانبه مأمون لا يُخشى منه – قال: فتضعفت رجلاً منهم فقلت له: أين الذي تدعونه بالصابئ؟ يريد أن يلتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم ليسمع ما معه، أين الذي تدعونه بالصابئ؟ فانظر ماذا فعل هذا المشرك الضعيف من ضعفاء المشركين.
قال: فأشار إلي وقال: الصابئ! – أي خذوا الصابئ، اضربوا الصابئ – قال: فمال علي أهل الوادي بكل عظم ومدرة حتى خررت مغشيًا علي، ثم ارتفعت حين ارتفعت وأنا كالنصب أحمر – النصب: الأحجار التي كانوا يذبحون فوقها فيصيبها الدم فتصير حمراء – صار أحمر كالنصب من شدة ما سال منه من الدم ومن شدة ما رموه بالأحجار والمدر والعظم رضي الله عنه.
قال: ثم أتيت زمزم فغسلت عني الدماء.
هذه بعض معاناتهم.

وروى الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه في سننه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أول من أظهر إسلامه بمكة سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، والمقداد، وبلال، وصهيب، وعمار، وأمه.

قال: فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بأبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأُلبسوا أدراع الحديد وصُهروا في الشمس، ألبسوهم أدراع الحديد من أجل أن تحمى في رمضاء وحر مكة على صدورهم، وصهروهم في الشمس.
قال: فليس منهم أحد إلا واتاهم على ما يريدون – أي أظهروا الكفر إكراهًا {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} – إلا واتهم على ما يريدون إلا بلال؛ فإنه هانت عليه نفسه وهان على قومه فدفعوه إلى الأولاد يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحدٌ أحدٌ.

انظر إلى أي ضعف بلغ بالصحابة رضي الله عنهم، وأي غربة وأي كربة! لا يستطيع أن يحمي نفسه من الأولاد – أولاد المشركين – لأنهم يوثقونه ويدفعونه إليهم ويطوفون به من شعب إلى شعب، ومن واد إلى واد، ولكنه يستحلي العذاب في ذات الله، يغيظهم بأبغض كلمة في قلوبهم توحيد الله: أحدٌ أحدٌ.

هذه بعض الغربة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في حديثه السابق: «بدأ الإسلام غريبًا».
نسأل الله عز وجل التوفيق والسداد.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد:
أيها المسلمون عباد الله، استمر الأذى برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واشتدت الغربة؛ لأن الناس يدخلون في دين الإسلام واحدًا بعد واحد، فيزداد غيظ المشركين وحنقهم على المسلمين، فيزيدون العقاب والعذاب والاستضعاف للمسلمين ليصدوهم عن دينهم ويفتنوهم عنه، وليكون ذلك زاجرًا لغيرهم ممن تسول له نفسه أن يدخل في الإسلام.

فلما اشتد الأذى وزاد وجاوز الحد، أذن الله لهم بالهجرة إلى الحبشة حيث يأمنون على دينهم ويعبدون الله في أمن وأمان.

ثم أذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة، فهاجر متخفيًا عليه الصلاة والسلام مع صاحبه العظيم أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، صِدِّيق هذه الأمة، وأول من آمن من الرجال، وأعظم من واسى رسول الله بنفسه وماله وأهله وكل ما يملك رضي الله تعالى عنه.

هاجر متخفيًا في خوف شديد من أبي بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتشروا -أي: المشركين- في الشعاب في الأودية، جعلوا الجوائز العظيمة والأموال الكثيرة للذي يأتي برسول الله وصاحبه حيا أو ميتا، ولكن أبى الله إلا أن يصل رسوله صلى الله عليه وسلم إلى مدينته عليه الصلاة والسلام لتكون أرضية الانطلاقة التي ينطلق منها رسول الله للدعوة، وينطلق منها إلى الجهاد في سبيل الله عز وجل ونصرة هذا الدين.

لكن أتظن أن الغربة انتهت؟ وأن الخوف زال عن المسلمين؟ لا والله! ما زال المشركون واليهود والنصارى يرمون المسلمين عن قوس واحدة، كما جاء من حديث أُبَي بن كعب رضي الله عنه، وهو في الصحيح المسند من أسباب النزول للعلامة الوادعي رحمه الله، قال أبي بن كعب: لما قدم المهاجرون إلى المدينة وآواهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوسٍ واحدة. قال: فكنا نبيت في سلاحنا ونصبح فيه، متوقعون أن يبغتنا أعداؤنا، نبيت في سلاحنا ونصبح فيه، فقلنا: هل نعيش حتى نكون آمنين مطمئنين، لا نخاف إلا الله؟ لا نخاف إلا الله، هل سيحصل هذا؟ نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين، ونصبح آمنين مطمئنين، لا نخاف إلا الله عز وجل؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55].

وهم في تلك الحالة من الخوف من أعدائهم، أنزل الله وعده لهم بأن يمكنهم. لكن ما هو الشرط؟ ما هو الشرط لتمكينهم وتأمينهم ونصرهم على عدوهم وإزالة كربتهم وغربتهم؟ أشار الله إلى الشرط بقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} – الإيمان والعمل الصالح، التمسك بهذا الدين، العض عليه بالنواجذ، هو سبب الأمان، هو سبب النصر، هو سبب التمكين، وبدون ذلك يحصل الخوف، بدون ذلك يحصل الضعف، بدون ذلك يحصل تسلط الأعداء.

فيا أيها المسلمون، ترون ما يحصل الآن للمسلمين من قبل أعداء الله رب العالمين من اليهود والنصارى وتسلطهم على المسلمين، فما هو المخرج؟ المسلمون صاروا مستضعفين، وصاروا غرباء بين أهل الملل، وصار المتمسكون بالدين الحق غرباء بين أهل الملل وبين أهل الإسلام نفسه، بين أهل الإسلام نفسه.

ما هو المخرج؟
المخرج الرجوع إلى كتاب الله تعالى، والرجوع إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، سبب زوال الغربة والكربة والتمكين للمسلمين في أرض الله تبارك وتعالى.

أما أن نبقى على هذا الحال، نحارب ديننا بأنفسنا! نضيق على ديننا بأنفسنا! إن جئنا إلى أحكامه وأخلاقه فهي عندنا مهجورة! وإن جئنا إلى لغته فهي عندنا مستهجنة وموضع السخرية! إن جئنا إلى لباسه فهو عندنا مستنكر ومحتقر! إن جئنا إلى المتمسكين به فهم شر الناس عندنا!
فكيف نريد أن نُنصر ونحن نحارب أصل نصرنا ومادة عزتنا وأصل كرامتنا وهو ديننا؟!
نحاربه، نضيق عليه وعلى أهله، وبعد ذلك نريد أن ننتصر؟!

الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد: 7].
إذا أردنا أن يعزنا الله، وأن يرفع عنا الشدائد والاستضعاف كما رفعه عن أسلافنا ورسولنا، فلنفعل كما فعلوا، ولنسر كما ساروا، ولنسلك سبيلهم، بذلك يتحقق العز والتمكين.

فنسأل الله عز وجل بمنه وكرمه وفضله وإحسانه أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن ينصر هذا الدين.
اللهم إنا نسألك لهذا الدين نصرًا مؤزرًا يا أكرم الأكرمين.
اللهم عليك باليهود والنصارى وأعداء الدين أجمعين، فإنهم لا يعجزونك.
اللهم دمرهم تدميرًا، وتبرهم تببيرًا.
اللهم لا تبق من مجرميهم كبيرًا ولا صغيرًا.
اللهم احفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين آمنة مطمئنة من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين في أرض فلسطين.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تفريغ_خطبة_جمعة_للأخ_الفاضل_أبي_عبيدة_بعنوان_فتح_الإله_ببعض_أسباب.pdf
281.4 KB
تفريغ خطبة جمعة بعنوان (فتح الإله بأسباب كفاية الله) للأخ الفاضل: أبي عبيدة خالد الشرعبي حفظه الله ورعاه
الْخُطَبُ الْمُفَرَّغَة

بسم الله الرحمن الرحيم

يَسُرُّ إِخْوَانكُمْ بِمركزِ بَشَائِرِ الْخَيْرِ بِصَنْعَاءَ أَنْ يُقَدِمُوا لَكُمْ هَذِهِ المَادَة، وَالْتِي هِيَ بِعنْوَانِ:

(فتح الإله ببعض أسباب كفاية الله)

وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْرِيغٍ لِخطبَةِ الْجُمُعَةِ لِلْأَخِ الفَاضِلِ:

أَبِي عُبَيْدةَ خَالِدٍ الشَّرْعَبِيِّ
حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى.

🗓 أُلقِيَتْ هَذِهِ المَادَةُ في 2 مُحَرم لِعَام 1447

بِمسْجِدِ بَشَائِرِ الْخَيْرِ.


الْخُطْبَةُ الأُولَى

إِنَّ الْحَـمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمن سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

﴿‌يَاأَيُّهَا ‌الَّذِينَ ‌آمَنُوا ‌اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ‌وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.

﴿‌يَاأَيُّهَا ‌الَّذِينَ ‌آمَنُوا ‌اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيْثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّار.

أيها المسلمون عباد الله!

إن من صفات الله سبحانه وتعالى التي أخبر بها عن نفسه في كتابه الكريم، وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم عن ربه في سنته المطهرة، لهي صفة: (الكفاية)، فالله جل وعلا هو الذي يكفي العباد الشرور وغيرها. يقول الله عز وجل في كتابه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر: 36]، وقال الله جل وعلا في كتابه الكريم: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95]، وقال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137].

ومن لم يكفِه الله فلن يجد من يكفيه، ولن يجد من يسد حوائجه، ولن يجد من يجلب مصالحه أو يدفع المضار عنه؛ لأنه لا كافي للعباد إلا الله سبحانه وتعالى، وغيره إنما هم أسباب يسخرها جل وعلا.

ولهذا جاء في صحيح مسلم، من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم من لا كافي له ولا مؤوي».

فإذا لم يكفِنا الله جل وعلا ما أهمنا، وإذا لم يكفِنا الشرور، فإنه لا كافي لنا من الخلق أحد ولو كان أقرب قريب وأعظم محب وأعظم حريص؛ فإنه لن يكفينا الشرور، ولن يدفع عنا منها مثقال ذرة.

إذن: فنحن بحاجة ماسة إلى كفاية الله لنا: أن يكفينا شر أعدائنا، وأن يكفينا أمر رزقنا، وأن يكفينا أمر الديون، وأن يكفينا شرور أنفسنا، وأن يكفينا شرور شياطين الإنس والجن، نحن بحاجة ماسة إلى ذلك، وإلا هلكنا.

فما هي الأسباب التي نكتسب بها كفاية الله رب العالمين سبحانه وتعالى، فنكون في رعايته وكلاءته وإحاطته ودفاعه؛ لأنه هو الذي يكفينا سبحانه، أسبابها كثيرة، وموجباتها متعددة، فمن ذلك:

1- التوكل على الله جل وعلا:
وهو اعتماد القلب على الله عز وجل، والثقة به مع الأخذ بالأسباب المباحة شرعًا، فمن توكل على الله كفاه الله جل وعلا ما أهمه. قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}** [الطلاق: 3].
قال القرطبي رحمه الله: أي من فوض أمره إلى الله، كفاه الله.
وقال بعض السلف: سائر الأعمال يقول الله فيها: (من عمل كذا فله كذا)، إلا التوكل، فقد جعل نفسه حسيبًا وكافيًا لمن توكل عليه: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.

فالتوكل هو الكفاية، التوكل هو الحماية، التوكل هو السد المنيع الذي تُحفظ به بإذن الله سبحانه وتعالى، ولو لم يكن معك من أسباب القوة وأسباب الدفاع المادية والحسية شيء، لو لم يكن معك عشيرة ولا قبيلة، ولا من يغضب لك، ولا أموال، ولا جنود، ولا حشم، ولا خَدَم، لو لم تكن إلا وحدك فردًا ضعيفًا لا يُؤبه لك ولا يُلتفت إليك، بل يُستهان بك، إذا توكلت على الله، فإنك تأوي إلى ركن شديد، ويجعل الله كفايتك في أيسر الأسباب وأصغرها بأمور لربما
لا تتوقع أن تكون كفايتك بها.

انظروا إلى موسى عليه الصلاة والسلام لما سار هو وقومه في البحر، وأتبعهم فرعون، بماذا نجاهم الله؟ ما هو السبب الذي كان به نجاة موسى وقومه وهلاك فرعون وجنده؟ هل كان مع موسى قوة لا تقهر؟ هل كان مع موسى كثرة عدد؟ لا، ففرعون أكثر منه عددًا وأقوى منه قوة، لكن سخر الله له عصًا، ففلق الله له بها البحر! من الذي يتوقع -لو لم يخبره الله بذلك- أن عصًا تفلق البحر، والله لورصوا جميع الأسلحة القوية من النووية والذرية في كل شبر من سواحل ذلك البحر فضربوه، ما أثرت فيه شيئًا، ولكن بقدرة الله وكفاية الله لمن وثق به وتوكل عليه، فلق الله عز وجل البحر لموسى، فمشى في أرض البحر وفي قاع البحر طريقًا يبسًا، وخرج بإذن الله.

فمن الذي فلق البحر؟ ومن الذي أمسك جانبي البحر حتى لا يلتطم على موسى وقومه حتى خرج؟ فلما دخل فرعون، أمر البحر فالتطم عليهم وأغرقهم، فكانت نهايتهم فيه. إنه الله! فلا تقل: أنا ضعيف، ليس عندي شيء، لا يُؤبه لي! معك القوة التي لا تقهر، معك القوة التي من أوى إليها فقد أوى إلى ركن شديد.

كذلك لو توكلت على الله، كفاك الله شر أعدائك، وإن كان يمكر بك من حيث لا تشعر، ربما يُخطط لك، ربما يمكر بك في الخفاء، وأنت لا تشعر: يُراد قتلك، يُراد أذاك، يُراد أخذ مالك، وأنت لا تدري بذلك كله، لكن توكل على الله الذي يعلم السر وأخفى، الذي هو بكل شيء عليم، يدفع عنك الشرور التي لا تعلمها من أعدائك.

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم مبينًا ذلك: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء: 81].

هم يبيتون ما لا تعلمه يا محمد بك وبأصحابك من المكر والخداع والكذب، لكن أعرض عنه وامض في دعوتك، وتوكل على الله، وكفى بالله وكيلًا.

صالح عليه الصلاة والسلام يجتمع قومه ليتفقوا على الخطة التي يقتلونه بها هو وأتباعه وأهله في خفاء. قال الله عز وجل: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [النمل: 49].
انظر إلى قوة العزم على أذاه وقتله، فمن قوة عزمهم على ذلك: تقاسموا بالله، وأخذ بعضهم من بعض العهد والمواثيق والأيمان على التعاون على قتل صالح وأهله في الليل حيث غفلة الناس: {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ}، ثم لنقولن لوليه: أحكموا الخطة، كيف يقتل، وكيف سيقولون لأولياء دمه بعد أن يقتل: {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}، قال الله: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [النمل: 50-53].

المكر: هو الإيقاع بالخصم بطريق خفية، كل ما دبروه لتُقتل صالح كان خفيًا دون أن يشعروا به صالح، لكن الله يعلم بذلك، فأحبط مكرهم، وحاق بهم سوء ما كانوا يعملون.

مؤمن آل فرعون جاهر فرعون وملأه بما يكرهون، صدع بالحق، بيَّن لهم أن موسى على الحق، وأن فرعون على الباطل، وأن ما يدعونه إليه دعوة باطلة ودعوة إلى النار، وفرعون لا يرحم، هناك دبروا له المكيدة ليقتلوه ويتلفوه -كما قال أهل التفسير- دون أن يشعروه. كما قال الله عز وجل: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [غافر: 44-45]. قال بعض المفسرين: سماه مكرًا لينبه على أنهم دبروا ذلك دون أن يشعروا به هذا المؤمن، فما كانت العاقبة حين فوض أمره إلى الله؟ كفاه الله ما خطط له وما كيد له به: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ}، انقلب السحر على الساحر، فسلم مؤمن آل فرعون، ودمر الله فرعون وجنوده في طرفة عين.

هكذا إذا توكلنا على الله، كفانا الله الشرور كلها وإن لم نعلم بها. ربما أنت تمشي ولا تدري ماذا يدبر لك وماذا يكاد لك، لكن كما قال الله: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء: 45]. الله أعلم بعدوك، الله أعلم بمن يمكر بك وأنت لا تشعر، ففوض أمرك إلى من يعلم الأمور كلها، إلى من بيده مقاليد كل شيء، وثق به، وأحكم صلتك به، يكفيك ما أهمك بإذنه سبحانه وتعالى

نسأل الله التوفيق والسداد لما يحب ويرضى.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
2- الدعاء:
ومن أسباب كفاية الله عز وجل لعبده ما أهمه من الشرور وغيرها: دعاء الله، أن تدعو الله، أن تلجأ إلى الله، أن تعتصم بمولاك سبحانه وتعالى الذي لا يخيب من اعتصم به، والذي يُجير ولا يُجار عليه سبحانه وتعالى، كما كان الأنبياء والرسل وكما كان الصالحون يفعلون عند توجه الشرور إليهم، وعند وجود ما يطلبون كفايته من الله، كانوا يدعون أن يكفيهم الله سبحانه وتعالى.

هذا نبينا عليه الصلاة والسلام، كما رواه ابن حبان وأحمد في مسنده، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في تعليقه على صحيح ابن حبان، لما هاجر صلى الله عليه وسلم وتبعه سراقة بن مالك، فلما اقترب سراقة من النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبه، خاف أبو بكر على رسول الله عليه الصلاة والسلام وبكى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ». قال: فغاصت يدا فرسه إلى بطنه، فقال سراقة: يا محمد، والله إني لأعلم أن هذا من عملك، فادع الله، وسأرد عنك الطلب، أعْمِ عنك الطلب. دعا الله أن يكفيه شر سراقة، فكفاه الله جل وعلا.

وجاء في صحيح البخاري، من حديث البراء أن قريشًا لما أبطأت في الإسلام، دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ»، اللهم اكفنيهم بسبع سنين قحط كسبع يوسف. قال: فأصابتهم سنة حصت كل شيء، أخذت كل ما معهم من طعام، من حبوب، من ثمار، حصت كل شيء، حتى أكلوا الجلود. وفي رواية: أكلوا الجلود والعظام من شدة الجوع الذي أصابهم، قال: وكان الرجل ينظر إلى السماء فيرى دخانًا بين السماء والأرض من شدة الجوع الذي أصابهم.
بماذا كان هذا؟ بدعاء رسول الله: «اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ».

وذلك الغلام الذي علمه الراهب، فلما اكتشفه الملك، قال لجنوده: خذوه إلى جبل كذا وكذا، حتى إذا علوتم ذروته فاطرحوه. أخذه الجنود، علوا ذروة الجبل، وهذا الغلام الصغير أسير ضعيف بين أولئك الجنود الطغاة الجبابرة، فلما صعدوا ذروة الجبل، ماذا قال ذلك الغلام؟ قال: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ. انظر إلى شدة التفويض لله عز وجل، ما طلب من الله أن يكفيه أمرهم بأمر كذا وكذا، بل فوض أمره إلى الله، وفوض كيفية إهلاكهم إلى الله: «اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ». قال عليه الصلاة والسلام: فاهتز الجبل فسقطوا، ورجع الغلام يمشي. أليس هو بينهم؟ أليس هو على الجبل مثلهم؟ أليس هو في نفس المكان الذي سقطوا منه؟ من الذي ثبته؟ من الذي أمسكه؟ من الذي أمر الجبل أن لا يسقطه؟ إنه الله الذي يكفي أولياءه الفتن والشرور.

رجع يمشي إلى الملك، قال: ما فعل أصحابك؟ أي الجنود. قال: كفانيهم الله. فأمر جندًا آخرين وقال لهم: اذهبوا به حتى إذا توسطتم به البحر، إن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه. أخذوه في قرقور (أي سفينة صغيرة)، فلما توسطوا به البحر، قال هذا الغلام: «اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ». دعا الله، قال: فانكفأ القرقور وسقطوا، ورجع يمشي إلى الملك، يمشي مشيًا إلى الملك. قال: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله.

انظر كيف يخرج الله عز وجل أولياءه من الشدائد وهم في وسطها، وقد تمكن منهم أعداؤهم وصاروا في أيديهم -كما يقال- كما تخرج الشعرة من العجين، لا يصيبهم شيء. ففوض أمرك إلى الله، وأكثر من دعاء الله أن يكفيك الله الشرور.

3- القيام بعبودية الله:
ومن أسباب الكفاية يا عباد الله: القيام بعبودية الله، أن تكون من الراكعين الساجدين، أن تكون من الذاكرين، أن تكون من التالين لكتاب الله. فكلما حققت عبودية الله، كلما كفاك الله الشرور، ودفع عنك المحن والفتن وما يهمك. قال الله عز وجل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}، وفي قراءة: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عِبَادَهُ}. قال أهل العلم: علق الكفاية باسم العبودية. قال ابن القيم: فالكفاية التامة مع العبودية التامة، والكفاية الناقصة مع العبودية الناقصة، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.

بقدر عبوديتك لله، بقدر طاعتك لله، يكفيك الله عز وجل ما أهمك. روى الإمام أحمد في مسنده، من حديث صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كَانُوا -أي الأنبياء- إِذَا فَزِعُوا يفزعون إِلَى الصَّلَاةِ». انظر: عند الشدائد يرجعون إلى عبادة الله؛ لأن بها كفايتهم من الشرور.

وروى الإمام أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم، من حديث نعيم بن همار وغيره من الصحابة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «يَا ابْنَ آدَمَ، ارْكَعْ لِي أَوَّلَ النَّهَارِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَكْفِكَ بِهِنَّ آخِرَهُ». فحقق العبودية، يكفك الله سبحانه وتعالى الشرور.
4- حسن الظن بالله:
ومن أسباب الكفاية يا عباد الله: حسن الظن بالله. فمن ظن أن الله سيكفيه، كفاه، ومن ظن بالله غير ذلك، كان له ما ظن بالله جل وعلا. بعض الناس عنده يقين، عنده ثقة أن الله عز وجل لن يضيعه فلا يضيع، أن الله عز وجل لن يسلط عليه أعداءه فلا يتسلط عليه أعداؤه، وبعض الناس بالعكس من ذلك، دائمًا يكلم نفسه بما فيه سوء الظن بالله جل وعلا: سيصيبني الهلاك، سيتسلط علي الأعداء، سيصيبني الفقر، سيصيبني المرض، سيصيبني كذا وكذا..! يظن بالله شيئًا فيصيبه ما ظنه بالله.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي»، وفي بعض الأحاديث: «فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ، إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ ظَنَّ بِي غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ». إن ظننت أن الله سيكفيك، فسيكفيك، ظننت بالله غير ذلك، سيكون لك ما ظننت بالله.

ما ظننت بالله؟ أحسن الظن بالله! من الذي كفاك منذ صغرك وأنت ما زلت في بطن أمك؟ من الذي حفظك؟ من الذي رعاك؟ من الذي كفاك؟ من الذي دفع عنك الشر إلى يومك هذا؟ الذي دفع عنك الشر في تلك الأزمنة السابقة والسنوات الماضية، أحسن الظن به أن يكفيك ما بقي من عمرك ومن حياتك.

وما أحسن ما قال ذلكم الشاعر:
أحسن الظَّن بِرَبّ عودك ... حسنا أمس وَسوى أودك
إِن رَبًّا كَانَ يَكْفِيك الَّذِي ... كَانَ بالْأَمْس سيكفيك غدك.

الذي كفاك شرور ما مضي سيكفيك شرور الغد، فأحسن الظن بالله.

5- البعد عن المعاصي:
وأخيرًا، من أسباب كفاية الله للعبد: البعد عن المعاصي؛ لأن من عصى الله جل وعلا، فإن الله جل وعلا يخذله ويتخلى عنه بقدر معصيته، ويسلط عليه المصائب والشرور بقدر معصيته. قال الله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30]. ما الذي سلط عليك المصائب؟ ما الذي فتح باب الشرور عليك؟ أنت بنفسك فتحت باب الشر على نفسك، لا غير، بسبب ذنوبك، بسبب معصيتك، بسبب تفريطك وتضييعك لحقوق الله، تجعل رب العالمين يتخلى عنك ويخذلك، ولا يكفيك، ولا يدفع عنك.

وقال الله عز وجل في كتابه الكريم: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]. والمقصود بالفساد هنا فساد المعايش: قلة الثمار، قلة الحبوب، ذهاب البركات، قحط السماء، قحط الماء، وغير ذلك من فساد المعايش، غلاء الأسعار، تدهور الأمور. ما هو السبب؟ {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لعلهم يرجعون إلى دين الله، لعلهم يرجعون إلى الله فيتمسكون بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

هذه يا عباد الله بعض أسباب الكفاية التي نحتاجها حاجة ماسة؛ لأنه لا حول لنا ولا قوة، ليس لنا قوة ندفع بها عن أنفسنا الشرور، ولا نجلب بها المصالح إلى أنفسنا، بل نحن بحاجة إلى ربنا في كل طرفة عين، وفي كل غمضة عين، في كل لحظة، في كل نفس، بحاجة إلى الله سبحانه وتعالى.

فنسأل الله عز وجل بمنه وكرمه وفضله وإحسانه أن يلطف بنا في الدنيا والآخرة.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا حاجة إلا يسرتها.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم اخذل أعداءك أعداء الدين من اليهود والنصارى والكافرين والمنافقين أجمعين يا رب العالمين.
اللهم احفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين آمنة مطمئنة من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم فرج عن المسلمين المستضعفين في أرض فلسطين وفي كل مكان.

وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تفريغ_خطبة_جمعة_للاخ_الفاضل_أبي_عبيدة_خالد_الشرعبي_بعنوان_بعض_معوقات.pdf
284.4 KB
تفريغ خطبة الجمعة 9 محرم 1447 بعنوان (بعض معوقات الزواج) للأخ الفاضل أبي عبيدة خالد الشرعبي حفظه الله ورعاه
الْخُطَبُ الْمُفَرَّغَة

بسم الله الرحمن الرحيم

يَسُرُّ إِخْوَانكُمْ بِمركزِ بَشَائِرِ الْخَيْرِ بِصَنْعَاءَ أَنْ يُقَدِمُوا لَكُمْ هَذِهِ المَادَة، وَالْتِي هِيَ بِعنْوَانِ:

(بعض معوقات الزواج)

وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْرِيغٍ لِخطبَةِ الْجُمُعَةِ لِلْأَخِ الفَاضِلِ:

أَبِي عُبَيْدةَ خَالِدٍ الشَّرْعَبِيِّ
حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى.

🗓 أُلقِيَتْ هَذِهِ المَادَةُ في 9 مُحَرَّم لِعَام 1447

بِمسْجِدِ بَشَائِرِ الْخَيْرِ.


الْخُطْبَةُ الأُولَى

إِنَّ الْحَـمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِن سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيْثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّار.

أيها المسلمون عباد الله!

إن الله سبحانه وتعالى امتن على عباده بنعمة الأزواج وبنعمة الزواج، فقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}، وقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}، وقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

فهذه نعمة عظيمة امتنَّ الله سبحانه وتعالى بها على عباده وعلى خلقه، ولكن هذه النعمة أمامها معوقات تعوقها وتؤخر الشباب عنها، نتحدث في هذه اللحظات بإذن الله جل وعلا عن بعض معوقات الزواج التي ينبغي على المسلمين أن يتركوها وأن يتجاوزوها، من أجل أن يتسهل الزواج، فينتشر العفاف، وتنتفع الأمة بذلك، وبانتشار الأخلاق الطيبة، وبزوال الفواحش بإذن الله جل وعلا، لأن ما يعوِّق الزواج يدعو إلى ضده من ارتكاب المحرمات ومن عدم العفاف، والعياذ بالله.

- فمن أعظم تلك المعوِّقات وأكثرها إعاقة للشباب عن الزواج لهو: المغالاة في المهور، المغالاة في المهور، هذا الأمر الذي جاء الإسلام بالنهي عنه، وجاء بالأمر والتأكيد على تيسير المهور، فقد روى الإمام أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه، من حديث عقبة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ»، أي أن يسير الصداق وقليله هو خير المهر والصداق، خيره في نفسه لما فيه من البركة، وخيره الذي يعود على المرأة وعلى الرجل بالتآم حالهما واتلافهما وإسعادهما بإذن الله سبحانه وتعالى.

وخيرٌ لأوليائها لما حصل من قبلهم من التيسير والتعاون، «وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»، وأيضاً فيه تفريج الهموم والكروب وتنفيسها عمن ضاقت عليه، فلو لم يكن من فضل تيسير المهور إلا هذا لكفا.

وروى الإمام الترمذي والنسائي عن عمر رضي الله تعالى عنه، أنه خطب الناس فقال: أيها الناس، ألا لا تغالوا في صداق النساء، فوالله لو كانت تقوى لله ومكرمة في الدنيا لكان أولى الناس بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وما أصدق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم امرأة من نسائه ولا امرأة من بناته زيادة على اثني عشرة أوقية. اهـ
هذا في حال اليسر، ما زاد على اثنتي عشرة أوقية، ما يساوي الآن ثمانمائة ألف تقريباً، ثمانمائة ألف تقريباً، خير النساء نساؤه عليه الصلاة والسلام، وخير البنات بناته، ومع ذلك ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يبالغ في مهورهن ويقول: هن بنات فلان وهذه أزواج فلان! لا، بل كان ييسر المهور في خير النساء عليه الصلاة والسلام، هذا في حال اليسر، أما في حال الشدة ومن ضاقت حاله، فقد كان عليه الصلاة والسلام يكره أن يمهر امرأته أربع أواقٍ، أن يمهر ذلك الفقير امرأته أربع أواقٍ، لأنها تشق عليه.

ولهذا جاء في مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني نكحت امرأة من الأنصار، قال: «هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا»، قال: قد نظرت إليها يا رسول الله، قال: «عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا؟» قال: على أربع أواقٍ (ما يعادل مئتين وأربعين ألفًا في هذه الأيام)، قال: على أربع أواقٍ يا رسول الله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا المهر يشق عليه، وقال: «عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ؟ لَوْ كُنْتُمْ تَنْحِتُونَ مِنْ عَرْضِ هَذَا الْجَبَلِ الْفِضَّةَ مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ، وَعَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ بَعْثًا فَتُصِيبَ مِنْهُ»، انظر كيف غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين شق على هذا الرجل، وحين تحمل هذا الرجل من المهر ما يشق عليه أداؤه أو قضاؤه إذا استدانة.

وروى الإمام أحمد في مسنده، وهو في الصحيح المسند للعلامة الوادعي رحمه الله تعالى، وصححه أيضًا العلامة الألباني في تعليقه على صحيح ابن حبان، من حديث أبي حدرد الأسلمي رضي الله عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستشيره، وفي رواية: أستعينه على مهر امرأتي، فقال النبي عليه الصلاة والسلام له: «كَمْ أَمْهَرْتَهَا؟» قال: أمهرتها خمسة أواقٍ، قال: «لَوْ كُنْتُمْ تَغْرِفُونَ مِنْ بُطْحَانَ مَا زِدْتُمْ عَلَى ذَلِكَ»، لو كنتم تغرفون من بطحان (أحد الأودية)، لو كنتم تغرفون الفضة من هذا الوادي ما زدتم على ذلك، أنكر المغالاة أن يتحمل هذا الرجل من المهر ما يشق عليه.

هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا كان صحابته، وهكذا كان يربيهم عليه الصلاة والسلام على القناعة، على التيسير، على التعاون، على التراحم، لا على الجشع، ولا على الطمع، ولا على المتاجرة بالنساء والبنات، ولا على غير ذلك من الصور الموجودة في هذا الزمن.

جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله، إني وهبت من نفسي إليك، فصعد فيها النظر فلم تعجبه، فلما طال الوقت قال رجل: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، قال: «وَمَا تُصْدِقُهَا؟» قال: يا رسول الله، ليس لي إلا إزاري، ليس لي إلا إزاري، قال: «فَمَا يَكُونُ عَلَيْكَ إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِزَارَكَ؟ اذْهَبْ فَالْتَمِسْ شَيْئًا»، فذهب فالتمس شيئًا فلم يجد شيئًا، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»، قال: لا أجده يا رسول الله، قال: «مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟» قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا (لسور يعدها)، فقال: «زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ».

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف وعليه أثر صفرة، فقال له: «مَهْيَم» (أي ما الخبر يا عبد الرحمن، ما هذه الصفرة؟)، قال: يا رسول الله، تزوجت امرأة من الأنصار، قال: «وَمَا سُقْتَ لَهَا؟» قال: وزن نواة من ذهب، وزن نواة من ذهب (ما يعادل خمسة دنانير، ربما لا تصل الآن إلى مئة ألف).

انظروا إلى التيسير، هذا هو المجتمع الذي كان قائماً على التراحم، الذي كان يعرف مقاصد الزواج، ويعرف أغراض المهور، ليس التجارة والتكسب، وليس التباهي والتفاخر، ولكنهم لا ينظرون إليه بأنه عوض، وإنما ينظرون إليه بأنه لاستحلال فرد، لذلك كانوا يسرون ويتعاونون فيما بينهم، لهذا سعدوا رغم فقرهم، سعدوا رغم قلة ذات أيديهم.

لو أن الواحد منا ينظر إلى أحوال الصحابة وكيف كانت شدة حالهم، ما سيقول اليوم: ظروف اختلفت، الظروف اليوم غلاء، وهل كان الصحابة ما عندهم ظروف شديدة؟ كان الواحد منهم ربما ما يأكل في اليوم إلا وجبة واحدة، ربما كان الواحد منهم في شدة الجوع، أبو هريرة رضي الله عنه يلقى مصروعاً من شدة الجوع، النبي عليه الصلاة والسلام يمر عليه الهلالان والثلاثة في شهرين ما يجد إلا الأسودان،
والأسودين: التمر والماء، فلماذا نحن عندنا ظروف وهم ليس عندهم ظروف؟ وليس عندهم فقر؟ وليس عندهم شدة؟ وليس عندهم ضيق حال؟ بلى والله، كانوا أضيق حالٍ منا، وأفقر منا، ولكنها القناعة، ولكنها القناعة التي متى ما حلت في القلب ذهبت محبة الدنيا منها، وذهب الطمع، وذهب الجشع، وحل التراحم والتعاون والتيسير.
أنت اليوم إذا جئت إلى من أغلى عليك الإجار، قلت لصاحب البيت: الدنيا ظروف شديدة، ظروف شديدة، ماذا تريد؟ لو قال لك: الظروف شديدة، سأرفع عليك السعر، ستقول له: لا، لأن الظروفشديدة لا بد أن تراعي.

تأتي إلى التاجر يرفع سعر السلعة ويقول: الظروف الشديدة، ما ستعذره، تقول: مقتضى شدة الظروف أن تتعاون مع الناس، فلماذا إذا جئنا إلى المهور قلنا: الظروف شديدة، وإذا بنا نقفز إلى الملائين؟ هذا ليس ما أمرنا به الإسلام، هذا ليس ما يريده منا الله ورسوله، لا سيما إن كان الإنسان مستقيماً وصالحاً، فأقبِح بفعله ذلك، ألا يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم، يدعي اتباع الكتاب والسنة، حتى إذا جاء المال لا يعرف كتاباً ولا سنة، ينسى، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، الآن وقت المال! الآن وقت المهر!
لابد أن أبطش! أين اتباع الكتاب والسنة؟!

فينبغي للصالحين قبل غيرهم أن يكونوا قدوة الناس في كل أمورهم وتعاملاتهم، حتى في الزواج، ما هو صالح وقت الصلاة، صالح وقت الحج والعمرة، صالح وقت تلاوة القرآن، صالح وقت طلب العلم وذكر الله، لكن أين صلاحك؟ أين استقامتك؟ أين تأسيك برسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء الكفء لخطبة ابنتك أو أختك؟ تنسى صلاحك واستقامتك وتأسيك برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا بك تطلب المليونين والثلاثة، وتزيد ذلك قبحًا، فتقول: هذا تعاون منا..! أي تعاون؟! أين تعاونك؟ أين تيسيرك؟ على من تضحك؟ بمن تستهزئ؟!

فينبغي للإنسان أن يكون قدوة في أقواله، في أفعاله، في تصرفاته، في معاملاته، وقت بيعه وشرائه، وقت زواجه وتزويجه، وغير ذلك، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، ويترك العادات التي سببت غلاء المهور، حق العم، حق الخال، حق الجدة، حق فلان، حق علان، والتكاليف الباهضة للأعراس والإسراف والمباهاة، كل ذلك يعود على المهور بالغلاء، لأن الأب أو الولي يحسب حساب ذلك، يحسب حساب ذلك فيتحمله المسكين، فيا عباد الله، أين التراحم؟ أين التعاون؟ أين العمل بالإسلام في هذه الأمور؟!
نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لطاعته ومرضاته.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد:

- ومن معوقات الزواج الشرعي يا عباد الله: التكاليف الباهضة التي سار عليها الناس في هذه الأيام، فالتكاليف سببت غلاء المهور، وسبب غلاء المهور إعاقة كثير من الشباب عن الزواج، مما أدى إلى فساد كثير من الشباب، فأصبحوا ربما بعضهم يتسلكع في الشوارع، وبعضهم مع الإنترنت ينظرون إلى الصور الخليعات، وإلى الأفلام الماجنات، وإلى غير ذلك من المحرمات، والصالح منهم الذي لا يريد أن يرتكب الحرام يكابد شهواته، يكابد معاناته، يكابد عزوبيته، فينبغي اجتناب التكاليف الباهضة وما يسببها.

هذه الأيام انظر من بدء الخطبة: احتفال الخطبة يأخذ مبلغًا وفوق رأس العروس يحسبه الأب! وبعد ذلك احتفالات العرس، اليوم الهندي، واليوم الصنعاني، ويوم الدروع، واليوم الذهبي، ويوم توديع العزوبية، ويوم ويوم... الخ، وفوق رأس العروس يحسبها الأب، وبعد ذلك ما يحتاجه من تكاليف.

حتى إن بعض من يتوسم فيه الصلاح أصبح يتعامل مع بعض الشعراء ليأخذ ستة أبيات أو سبعة أبيات بألف سعودي! بطر وإسراف وأشر، وخوض في مال الله بغير حق، ألف سعودي أو قريبًا منها من أجل أبيات شعرية! هذا خُوْضٌ وبطرٌ وإسرافٌ وأَشَرٌ.

دع عنك ما يحصل من المباهة في القاعات بمئات الآلاف، يستأجر القاعات، إلى آخر التكاليف، هذه التكاليف ماذا تسبب؟ هل تسهل الزواج؟ هل تيسره؟ أم تعسره وتعيق الشباب منه؟ الجواب هو الثاني.

انظروا إلى هذا رسول الله، انظروا إلى المجتمع الصالح الذي أمرنا بالاقتفاء بهم، السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنهم، كيف كانوا لا يتكلفون فوق طاقتهم، بما تيسر.

حتى في أمر الوليمة، عنده ما يكرم ضيوفه أكرمهم ووسع عليهم، ما عنده ذلك فبقدر ما يستطيع.
جاء في صحيح البخاري من حديث صفية بنت شيبة رضي الله عنها قالت: أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير، مدين من شعير (نصف صاع)، يفت أو يعمل أي شيء من الطعام، ويدعو من شاء الله من أصحابه، ولو كان عددًا قليلاً، المهم يقيم السنة، مدين من شعير.

والله لو لم تعزم الناس إلا على رز أو أقاربك أو بعض جيرانك، ولو على رز وبعض الدجاج، ولا تكلف نفسك، لا تكلف نفسك، لماذا تستدين مليونًا من أجل أن تقيم وليمة؟ هذا تكلف لا ينبغي لك أن تخوض فيه، رسول الله أكرم منك وأسمح منك بالنفقة، قد ضحى وأهدى مائة ناقة عليه الصلاة والسلام، لكن حين لا يجد لا يتكلف ما لا يطيق، بمدين من شعير.
قال أنس رضي الله عنه كما في الصحيحين، في قصة وليمته بصفية قال: فدعوت الناس، دعوت الناس، قال: فلا والله ما كان من خبز ولا لحم، ما كان إلا أن أمر بالأطعمة (أي السفر) فوضعت وألقي عليها التمر والسمن والأقط، فأكل الناس، انظر ما تكلف، وهو أكرم الناس عليه الصلاة والسلام، على حسب حاله، في الأولى مُدين من شعير، وهذا أحسن حالًا، تمر وسمن وأقط.

وجاء أيضًا من حديث أنسٍ رضي الله عنه قال: ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على امرأةٍ من نسائه ما أولم على زينب بنت جحش، أولم بشاةٍ، أولم بشاةٍ، قال الباجي وغيره ما معناه: هذا محمول على أن الإنسان يولم بحسب قدرته وحاله واستطاعته، بحسب قدرتك، بحسب استطاعتك، لا تبالي بكلام الناس، وإن قالوا: بخيل، فإنهم ما سيرحمونك، هؤلاء الذين يتكلمون همهم بطونهم، لا رحمة لهذا المسكين الفقير وتقدير ظروفه، والله هؤلاء ما سيتعاون معك ولا بألف ريال، ولا بألف ريال، فلماذا أنت تشق على نفسك وتكلف نفسك التكاليف الباهضة؟ إما تفاخراً وإما تباهياً وإما غير ذلك، وبعدها تبقى يومين ثلاث بعد العرس، وتبقى دوامة الديون وهمومها وذلها وأتعابها ونكدها، لماذا تكلف نفسك؟

النبي عليه الصلاة والسلام لما لقي عبد الرحمن بن عوف كما في الحديث السابق قال: «بَارَكَ اللهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ»، أولم ولو بشاةٍ، هذا هدي الإسلام، أما التفاخر والتباهي، ما هو من ديننا يا عباد الله، التباهي والتفاخر والتباهي نُهي حتى في المساجد، لا تقوم الساحة حتى يتباهى الناس في المساجد، ما يجوز التباهي حتى ببيوت الله، ببيوت الله، هذا يبنيها أحسن من هذا، فما بالك بهذه الأمور؟!

فالمقصود أن من معوقات الزواج الشرعي هذه التكاليف الباهظة، فلا تكلف نفسك ما لا تطيق، ولا تبالي بالناس، واكسر هذه العادات، وعَرِّس لنفسك بما تيسر، وسيجعل الله لك بركة، وسيحمدك الناس لأنهم سيقتدون بك.

- وأخيراً، من معوقات الزواج -وهي كثيرة-: ضعف التوكل على الله، وضعف الثقة بالله سبحانه وتعالى، يبقى يفكر: المهر يستطيع يدفعه، لكن يفكر: من أين لي بيت؟ أريد وظيفة، أريد عمل، أريد أثاث بيت، أريد غرفة نوم، من أين يآكل؟ من أين أشرب؟ من أين أستأجر؟ إلى آخر الأسئلة التي تعيق وتؤخر عن الزواج، إذا استطعت المهر فتوكل على الله، توكل على الله، وما سيضيعك الله، ما ضيع الله أخس مخلوقاته من الدواب والحشرات رزقها الله، فما سيضيعك، كن متوكلاً على الله ومتقيًا لله، والله سيفتح عليك، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}.

روى الترمذي والنسائي، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ»، ومنهم: «النَّاكِحُ يَبْتَغِي الْعَفَافَ»، سيعينك الله وييسر لك أمورك، لا تبقى تفكر في تأمين المستقبل، في الوظيفة، في أثاث البيت، {مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ} (أي المهر) {فَلْيَتَزَوَّجْ}، ما قال: من استطاع منكم الباءة وأثاث البيت وغرفة النوم والوظيفة! وغير ذلك، {مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ}، ماذا يصنع؟ {فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِع فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ}، ومتفق عليه من حديث ابن مسعود.

وأخيراً ننبه على أن يوم غد -كما معلوم لدى الكثير- بأنه يوم عاشوراء، الذي شرع الله عز وجل ورسوله صيامه، كما جاء في صحيح مسلم، من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام سُئِل عن صوم يوم عاشوراء فقال: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ»، ولو كان يوم سبت، فإن صيام السبت جائزٌ على الصحيح، لا سيما إذا لم يفرد، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يصوم شعبان كله إلا قليلاً، وكان يأمر ويحث على صيام يومٍ وإفطار يوم، ولابد أن يوافق يوم السبت، وكان عليه الصلاة والسلام -كما جاء في الصحيحين- يسرد على الصيام حتى يقول: لا يفطر، وهذا يدل على أنه كان يصوم الأسبوع كله بما فيه السبت، وأدلة كثيرة تدل على جواز ذلك، فلنغتنم هذه الفرصة، فإنه يكفر سنةً ماضية.

نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه وفضله وإحسانه أن يوفقنا لطاعته ومرضاته.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا حاجةً إلا يسرتها.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم اخذل أعداءك أعداء الدين أجمعين من اليهود والنصارى والكافرين والمنافقين.
اللهم فرج عن أهل فلسطين، اللهم فرج عنهم وانصرهم.

وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
# كلمات #

💭 بسم الله الرحمن الرحيم💭

يسر إخوانكم بـمركز بشائر الخير بصنعاء أن يقدموا لكم هذه المادة الصوتية

*( أسباب الرزق )*

وهي عبارة عن محاضرة قيمة

لشيخنا المبارك:

*أبي الحسن علي بن الحسين الحجاجي*

حفظه الله ورعاه

*ألقاها في المدينة النبوية*

وذلك يوم الأحد الحادي عشر من شهر الله المحرم لعام 1447 هجرية


⌚️ *المدة الزمنية: 32:17*

رابط تنزيل المقطع الصوتي
https://www.tgoop.com/AliAlHajjaji/14201


نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع بها الإسلام والمسلمين.

ــــــــــــــــــــــــــ

🕌 مركز بشائر الخير - بصنعاء - حرسه الله

للانضمام إلى قناة الشيخ على التليجرام:
http://www.tgoop.com/AliAlHajjaji
ــــــــــــــــــــــــــ

🕌 مركز بشائر الخير - بصنعاء - حرسه الله

للانضمام إلى قناة الشيخ على التليجرام:
http://www.tgoop.com/AliAlHajjaji

وللانضمام إلى قناة الشيخ على الواتس آب:
https://whatsapp.com/channel/0029Va8G4Kp90x2qRSoVy81y

*انقر على هذا الرابط للانضمام إلى مجموعةخ صوتيات الشيخ علي الحجاجي واتساب (1):*
https://chat.whatsapp.com/B5h5Dn2vZjbCUM9PNHS2XN

*انقر على هذا الرابط للانضمام إلى مجموعة صوتيات الشيخ علي الحجاجي واتساب (2):*
https://chat.whatsapp.com/BiBxlf3PV0BHuk13uHrFHj
2025/07/08 00:48:51
Back to Top
HTML Embed Code: