Telegram Web
اشراقات فكرية/السيد محمد الصدر
. الإسلام وما دام مستهدفاً لنشر عدله في المجتمع. وأمّـا إذا صار الحاكم بصدد تطبيق أغراضه الخاصّة وشهواته الشخصيّـة على المجتمع الإسلامي، فإنَّ التشريع الإسلامي سوف يسحب منه هذه السلطة، ولن يبقى في يديه شيء منها، ويعتبره خارجاً على تعاليمه مخالفاً للمصلحة…
.

وبخاصّـةٍ وأنَّ أمير المؤمنين عليه السلام أهلٌ لهذا التحويل العظيم، وهذا المنصب الإلهي الجليل، كيف لا ؟

وهو ابن الرسالة وربيب القرآن، والتجسيد الثاني لتعاليم الإسلام،

وهو الشخص المعصوم الذي لا يصدر منه ظلمٌ أو تعسّف، أو خطأٌ أو نسيان.


وبهذا التخويل العظيم، أصبح الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام أميراً للمؤمنين، وصيّاً على المسلمين من قبل ربِّ العالمين،

لكي يتولّى قيادة المجتمع الإسلامي بعد نبيّه الكريم صلى اللّٰه عليه و آله؛

ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى الصراط المستقيم.

وهذا التخويل العظيم هو الذي أُوكل بعد ذلك إلى الأئمّـة المعصومين الهداة المهديّين بعد أمير المؤمنين (عليهم الصلاة والسلام)،

فكانوا أُمناء اللّٰـه في أرضه، وحججه على خلقه،

ليضمن بذلك خلود الشريعة وبقاء الجذوة الإسلاميّـة متقدة على مدى الدهور،

ووجود من له القابلية التامة لقيادة الأمة الإسلامية في كلِّ عصر من العصور
.

أيُّـها المسلمون:

ونحن الآن إذ نعيش في هذه الذكرى وهذا اليوم الخالد، تلك الذكرى التي تتجـدّد على مدى العصور، عاماً بعد عام،

ما الذي يمكن أن نعيشه في هذه الذكرى،

وما مقدار الدفع الثَـوْرَوي الذي تملكه الذكرى في أذهاننا ونفوسنا، وفي أعمالنا وعلاقاتنا،

وفي تطبيق أوامر الإسلام ونواهيه على خصوصيّـات سلوكنا،

وما الذي يمكننا ونحن نمـرّ في هذا العيد الإسـلامي أن نتمثّل في أذهاننا من مُـثل الإسلام الكبرى وغاياته النبيلة،

ومن إيمانٍ بروح الإسلام، واعتقادٍ بالمغازي العظيمة التي جاء من أجلها تشريعه.

------------------------------

- السيّد الشهيد محمّد الصدر (قُدس سره)

-أشراقات فكرية ،ج1،ص174
اشراقات فكرية/السيد محمد الصدر
. وبخاصّـةٍ وأنَّ أمير المؤمنين عليه السلام أهلٌ لهذا التحويل العظيم، وهذا المنصب الإلهي الجليل، كيف لا ؟ وهو ابن الرسالة وربيب القرآن، والتجسيد الثاني لتعاليم الإسلام، وهو الشخص المعصوم الذي لا يصدر منه ظلمٌ أو تعسّف، أو خطأٌ أو نسيان. وبهذا التخويل…
.

وإلى أيّ حدٍّ يمكننا أن نطبّق الخُلق الإسلامي العادل على حياتنا وعلى سلوكنا الاجتماعي،

ذلك الخُلق الإسلامي الذي أراد رسول اللّٰـه صلى اللّٰه عليه و آله أن يوصله إلينا غضّاً طريّاً

حين زرع فيه عناصر البقاء بتنصيب أمير المؤمنين عليه السلام وصيّـاً على المسلمين مِـن قبله في مثل هذا اليوم.

كلّ هذه أسئلة يجب أن نوجّـهها إلى أنفسنا كمسلمين، وأن نصارح بها أفكارنا،

وأن نستخلص الجواب الصحيح من داخل ذواتنا من دون مواربة أو محاولة هروب،

فإنَّ مواجهة الواقع على حقيقته أولى بكثير، في سبيل إصلاحه ووضع الحلّ العادل عليه، من تناسيه ومحاولة الإعراض عنه والهروب منه.


ويجب علينا أيضاً أن نجدّد إلقاء هذه الأسئلة على أنفسنا في كلِّ مناسبة يمرّ فيها هذا العيد الإسلامي الكبير؛

لكي نستطيع أن نجعل من هذه المناسبة الكبرى مشعلاً إسلامياً وضّـاءً ينير لنا الطريق ويذكّـرنا بتعاليم الإسلام، كلّـما ضاق الطريق،

ولكي نجعل من عودة هذه الذكرى في كـلِّ عـامٍ حافزاً أساسيّاً في بقاء الدفع الإسلامي الثَوْرَويّ الأوّل حيّاً في أذهاننا،

يقظاً في شعورنا نتوسّم خطاه ونحاول جاهدين تطبيق روحه و مغزاه على حياتنا الفكريّة العقائديّة وعلى حياتنا الاجتماعيّة العمليّة،

لكي نستطيع أن نمثّل الحياة الإسلاميّـة في خضمّ التيارات المختلفة في هذا المجتمع الكبير.

ولعلّ أجمل رمزٍ للحياة الشعوريّـة الإسلاميّة التي ينبغي للفرد المسلم أن يحياها في هذه المناسبة الكبرى،

هو ما ندب إليه الإسلام استحباباً، من أنَّـه إذا تلاقى الأخوان المؤمنان في مثل هذا اليوم من كلِّ عامٍ ينبغي لكلِّ واحد منهما أن يقول:

«الحمـدُ للّٰـه الـذي جـعلنـا من المتمسّـكيـن بـولايـة أميـر المؤمنيـن والأئمّـة عليـهم السـلام )(١).

------------------------------
(١) إقبال الأعمال (للسيّـد ابن طاووس ) ٢ : ٢٦١ ، فصل ٦ ، فيما تذكره من فضل يوم الغدير.
------------------------------

- السيّد الشهيد محمّد الصدر (قُدس سره)

-أشراقات فكرية ،ج1،ص175
اشراقات فكرية/السيد محمد الصدر
. وإلى أيّ حدٍّ يمكننا أن نطبّق الخُلق الإسلامي العادل على حياتنا وعلى سلوكنا الاجتماعي، ذلك الخُلق الإسلامي الذي أراد رسول اللّٰـه صلى اللّٰه عليه و آله أن يوصله إلينا غضّاً طريّاً حين زرع فيه عناصر البقاء بتنصيب أمير المؤمنين عليه السلام وصيّـاً على…
.

وما مغزى ذلك إلَّا التوجّـه بالشكر إلى اللّٰـه العليّ العظيم على أن وفّـق قائله المؤمن،

على تمسّكه بذلك العهد الإسلامي الكبير الذي عهده رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله إلى المسلمين بإيكال القيادة الإسلاميّـة إلى وصيه الأمين عليه الصلاة والسلام.

وحمده عزّ وجلّ على إيمانه بتلك القيادة الإسلاميّـة الرشيدة التي انبثقت يوم غدير خـمّ ،

وعلى أعتراف المؤمن بكلِّ جنانه وشعوره بتلك القيادة،

وأنَّـها بحـقٍّ أولى بـه من نفسه وأمواله في حدود المصلحة العامّـة، كما عهد رسول اللّٰـه صلى اللّٰه عليه و آله،

وأنَّ القائد الذي نُصّـب في ذلك العهد قائدٌ له وولـيٌّ لأمره؛ بصفته مؤمناً بتعاليم الإسلام، متّـبعاً لقول رسوله اللّٰـه صلى اللّٰه عليه و آله.

ويـحمد اللّٰـه هذا المـؤمـن أيضاً على إيمانه بالقيادة الإسلاميّـة التي أوكلت إلى الأئمّـة الاثني عشر،واحداً بعد الآخر،

فكان كلّ منهم بحقٍّ حجّـة اللّٰـه عليه، وأولى به من نفسه،

حتّـى تصل هذه القيادة الإسلاميّـة الكبرى إلى يد الإمام الثاني عشر، الإمام القائم والقائد الفعليّ الغائب، الحجّـة المهديّ عليه الصلاة والسلام،

الذي ينتظره المؤمن بإيمانٍ وثقة، وبشوقٍ متزايد؛ لكي يظهر «فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلما وجوراً » (١) .


وحيّـاكم اللّٰه أيَّـها المسلمون، والسلام عليكم ورحمة اللّٰـه وبركاته (٢) .

------------------------------

(١) الكافي ١: ٣٤١ ، باب في الغيبة، الحديث ۲۱ ، كمال الدين وتمام النعمة (للصدوق) ۲۸۷، الباب الخامس والعشرون، ما أخبر به النبيّ صلى اللّٰه عليه و آله من وقوع الغيبة، الحديث ٤، وسنن أبي داود ۲: ۳۰۹ ، كتاب المهديّ، الحديث ٤٢٨٢، ومستدرك الحاكم ٤: ٤٦٥ ، ذكر خروج المهديّ عليه السلام.

(۲) نشر هذا المقال في مجلّـة الأضواء الإسلاميّـة، العدد ۹۸، السنة الخامسة، بتاريخ محـرّم ۱۳۸۵ - مایس ١٩٦٥ ( منه قُدس سره).
------------------------------

- السيّد الشهيد محمّد الصدر (قُدس سره)

-أشراقات فكرية ،ج1،ص176
عـدد أجزاء القرآن الكـريم…
Anonymous Quiz
13%
٦٠ جـزء
84%
٣٠ جـزء
2%
٢٠ جـزء
كم حزب في القرآن الكريم…
Anonymous Quiz
33%
٣٠ حـزب
51%
٦٠ حـزب
16%
٩٠ حـزب
كـم عـدد السور في القرآن الكريم ؟
Anonymous Quiz
5%
١٠٠ سـورة
5%
٢٠٠ سـورة
91%
١١٤ سـورة
كـم عدد الآيات في القرآن الكريم ؟
Anonymous Quiz
40%
٦٢٣٦ آيـة
28%
٦٣٢٦ آيـة
32%
٦٦٣٢ آيـة
مـا هـي أول سورة نزلت على النبيّ محمد صلى اللّٰه عليه و آله ؟
Anonymous Quiz
12%
سـورة الفاتحة
51%
سـورة العلق
37%
سـورة القلم
الأسماء الأُخرى لسورة الفاتحة [ فاتحة الكتاب، أم القرآن، السبع المثاني، أم الكتاب].
Anonymous Quiz
92%
صـح
8%
خطأ
ما هي السورة في القرآن ذكرت فيها البسملة مرتين؟
Anonymous Quiz
19%
سورة الرحمـٰن
13%
سـورة الملك
69%
سـورة النـمل
سورتان في القرآن الكريم، بدأت الأولى بكلمة انتهت بها الثانية، ما هما؟
Anonymous Quiz
28%
الفـاتحة و الملك
41%
الفـجر و القـدر
31%
الحجر و الكهف
السيّـد الشهيد محمّد الصدر قُدس سره

أشـراقات فكـريـة
الجـزء الأول ،صــ177ٕـــ
اشراقات فكرية/السيد محمد الصدر
. وما مغزى ذلك إلَّا التوجّـه بالشكر إلى اللّٰـه العليّ العظيم على أن وفّـق قائله المؤمن، على تمسّكه بذلك العهد الإسلامي الكبير الذي عهده رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله إلى المسلمين بإيكال القيادة الإسلاميّـة إلى وصيه الأمين عليه الصلاة والسلام. وحمده…
. بين يدي التربية الإسلامية (١)

التربية بمعناها العام هي تعهّـد الفرد بالعناية والرعاية في جميع أدوار حياته من مهده إلى الحده،

والسير بأخلاقه وثقافته وعقيدته وأُفـق تفكيره من حسنٍ إلى أحسن، بالأُسـلوب الذي يلائم الدور الذي يمـرّ به الفرد.

ومن هنا نجد أنَّ التربية التي تستهدف خير الإنسان، ليست مقتصرةً على فترةٍ معيّـنـةٍ من الحياة تلقي بعدها حبل الفرد على غاربه ليفعل ما يشاء مهما كان خارجاً بفعله على مقتضيات التشريع أو النظام العام،

بل هي نظامٌ شاملٌ وقواعد مسلسلةٌ يبدأ تطبيقها بمجرّد أن يلامس الهواء بدن الوليد الصغير، وتنتهي عندما ينتهي من لفظ نفَـسه الأخير،

وتتعهّـده خلال هذه الفترة بالإصلاح والتهذيب، وتمـدّه بالنصيحة والإرشاد،

لينمو راشداً وليعطي ثمره ناضجاً حلواً شهيّـاً، ولا يكون ويلاً على نفسه أو على أبناء جلدته وإخوانه في الإنسانيّـة.

هذا هو هدف التربية بمعناها العامّ، وهو هدفٌ سامٍ وجميلٌ ونبيلٌ إلى أبعد الحدود،

وكلّـما كانت التعاليم والقواعد التي يتلقّـاها الفرد في تربيته أكثر صلاحاً وعمقاً،

كلّـما كان هدفها أدقّ وأبعد، ووسيلتها أجمل وأشرف

والإسلام أثبتَ في هذا المضمار جدارةً فائقة، وحصافةَ رأيٍ بعيدةَ المدى،

في سبيل إنشاء الإنسان المهذّب الصالح والمجتمع السعيد العادل
.
------------------------------

(۱) تاريخ كتابة البحث ] ۱۳۸۲/۳/۱۲ - ١٣/ ١٩٦٢/٨ ( منه قُدس سره) .

------------------------------

- السيّد الشهيد محمّد الصدر (قُدس سره)

-أشراقات فكرية ،ج1،ص178
1- المغيب السيد موسى الصدر
https://www.tgoop.com/Alsadr1986

2- السيد محمد باقر الصدر
https://www.tgoop.com/Alsadr1987

3- مكتبة ال الصدر الكرام
https://www.tgoop.com/Alsadr1988

4-دروس سيد محمد الصدر 2
https://www.tgoop.com/Alsadr1989

5-دروس سيد محمد الصدر 1
https://www.tgoop.com/Alsadr1990

6-لقاءات السيد مقتدى الصدر
https://www.tgoop.com/Alsadr1991

7-استفتاءات آل الصدر
https://www.tgoop.com/Alsadr1992

8-من فكر السيد محمد الصدر
https://www.tgoop.com/Alsadr1993

9-منهج الصالحين السيد محمد الصدر
https://www.tgoop.com/Alsadr1994

10-كلمات ال الصدر
https://www.tgoop.com/Alsadr1995

11-دروس سيد محمد الصدر 3
https://www.tgoop.com/Alsadr1996

12-شذرات من فلسفة تأريخ الحسين
https://www.tgoop.com/Alsadr1997

13-خطب الجمعة
https://www.tgoop.com/Alsadr1998

14-منهج الأصول السيد محمد الصدر
https://www.tgoop.com/Alsadr1999

15-موسوعة الامام المهدي
https://www.tgoop.com/Alsadr2000

16-مسائل وردود السيد محمد الصدر
https://www.tgoop.com/Alsadr2001

17-فقه الاخلاق السيد محمد الصدر
https://www.tgoop.com/Alsadr2002

18-منهج العقيدة
https://www.tgoop.com/Alsadr2003

19-دفاعات عن ال الصدر الكرام
https://www.tgoop.com/Alsadr2005
اشراقات فكرية/السيد محمد الصدر
. بين يدي التربية الإسلامية (١) التربية بمعناها العام هي تعهّـد الفرد بالعناية والرعاية في جميع أدوار حياته من مهده إلى الحده، والسير بأخلاقه وثقافته وعقيدته وأُفـق تفكيره من حسنٍ إلى أحسن، بالأُسـلوب الذي يلائم الدور الذي يمـرّ به الفرد. ومن…
.

والإسلام بحكمته البالغة وبُـعد نظره الثاقب،

وجد أنَّ التربية التي تبدأ بالميلاد وتنتهي بالموت، أصغر شأناً وأضعف قـوّة من أن تـؤدّي إلى الفرد الخدمة المطلوبة،

تلك الخدمة التي تجعله صالحاً بكلِّ ما في هذه الكلمة من المعنى،

ووجد أنَّ العناية بالفرد يجب أن تبدأ قبل ميلاده كما ينبغي أن تستمرّ بعد وفاته.

فالعناية به قبل الولادة تتمّ من ناحيةٍ أُولى بأن يختار الرجل لنفسه الزوجة الصالحة في عقيدتها ودينها وفي سلوكها وسمعتها،

وبريئـةّ من الأمراض الخبيثة والعادات الدنيئة،

وأن يهـذّب نفسه ويتعهّـدها بالتثقيف الدينيّ والخلقي، لينمو ولده في مدرسته الأولى صالحاً مهـذّباً،

ويزداد به المجتمع عضواً نافعاً وفعّالاً في سبيل الحـقّ والمثل العليا.

وتتمّ من ناحيةٍ ثانية بإصلاح المجتمع ونشر العدالة بين ربوعه وتثقيف أفراده وتوسيع مداركهم وتعهّدهم بالإرشاد والتوجيه،

لينمو جيلهم الجديد صالحاً مهـذّباً، ويكون لهم ثمرةٌ طيّبـةٌ تشكرهم عليها الأجيال.

وأمّـا العناية به بعد موته، فتتمّ من ناحيةٍ أُولى بإهداء الأعمال العباديّة إلى روحه الصاعدة إلى عالم الملكوت الأعلى،

ليزداد اللّٰـه تعالى عنه رضى، وليفيض عليه من رحمته أكثر ممّا أفاض.

وتتمّ من ناحيةٍ أُخـرى - وهي الأهـمّ والأَولـى بالعناية والاهتمام بقراءة ما قد يكون خلّفه من العلم والثقافة،

والتدبّر فيه بإمعانٍ ورويّـة، للأسترشاد بإرشاداته، والتناول من الثمار الصالحة من بنات أفكاره،

ونشرها في ربوع المجتمع، لتكون أداةً مساعدة في قيادته إلى العدالة والسعادة والسلام.

كما يشمل هذا الحقل أيضاً: الصلاة في مسجده، والدراسة في مدرسته والانتفاع بخيراته العامّـة،

إن كان قد خلّـف مثل هذه الخيرات؛ فإنَّ في ذلك…
------------------------------

- السيّد الشهيد محمّد الصدر (قُدس سره)

-أشراقات فكرية ،ج1،ص179
اشراقات فكرية/السيد محمد الصدر
. والإسلام بحكمته البالغة وبُـعد نظره الثاقب، وجد أنَّ التربية التي تبدأ بالميلاد وتنتهي بالموت، أصغر شأناً وأضعف قـوّة من أن تـؤدّي إلى الفرد الخدمة المطلوبة، تلك الخدمة التي تجعله صالحاً بكلِّ ما في هذه الكلمة من المعنى، ووجد أنَّ العناية بالفرد يجب…
.

صلاحاً للمجتمع من ناحية، وثواباً ينال الميّـت فيصعد به درجاتٍ عديدة ًفي جنان الخلد من ناحيةٍ أُخرى.

وفي ذلك يقول إمامنا الصادق أبو عبد اللّٰـه (عليه أفضل الصلاة والسلام):

«ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلَّا ثلاث خصال: صدقةٍ أجراها في حياته، فهي تجري بعد موته، وسنَـةِ هدىً سنّـها، فهي يُعمل بها بعد موته، أو ولـدٍ صالح يدعو له»(١) .

والإسلام في هذا الحديث الشريف قد نظر [إلى] صالح الفرد وصالح المجتمع معاً.

فقد حـثّ الفرد بأن يسعى جهده لكي ينال هذه الخصال، فتكون له صـدقةٌ جارية،

كالمسجد والمدرسة، لينتفع بها المسلمون، أو يكون عالماً ينفع المجتمع الإسلامـيّ بإرشاداته وتوجيهاته أثناء حياته وبعد موته،

أو يربّـي ولداً صالحاً يدعو له ويكون أداةً صالحة في بناء المجتمع وفي السير به نحو الكمال،

فيكون الفرد بذلك قد خدم المجتمع الإسلامـيّ خدمـةً كبرى، وسعى في تقـدّمه وازدهاره،

وضمن لنفسه من ناحيةٍ أُخـرى حياةً جديدةً في هذه الدنيا، تتمثّـل بالذكر الطيـّب، والتمجيد بحسن الفعال وجميل الخصال،

وضَـمِـنَ لنفسه أيضاً الثواب الأُخـرويّ الذي يرده متواتراً كلما استغفر له ولده الصالح، أو انتفع المسلمون بصدقته الجارية وبسنّـة الهدى التي سنّـها.

كما أنَّ الحديث من الناحية الأُخرى قد حثّ المجتمع على الانتفاع بهذه…
------------------------------

(١)الكافي ٥٦٧ ، كتاب الوصايا، باب ما يلحق الميّـت بعد موته، الحديث ١، تهذيب الأحكام ۹: ۲۳۲ ، كتاب الوصايا الباب ۲۰ ، باب من الزيادات، الحديث ٢، وسائل الشيعة ۱۹: ۱۷۱ ، كتاب الوقف والصدقات الباب ۱، باب استحبابها، الحديث ١ و ٢.
------------------------------

- السيّد الشهيد محمّد الصدر (قُدس سره)

-أشراقات فكرية ،ج1،ص180
اشراقات فكرية/السيد محمد الصدر
. صلاحاً للمجتمع من ناحية، وثواباً ينال الميّـت فيصعد به درجاتٍ عديدة ًفي جنان الخلد من ناحيةٍ أُخرى. وفي ذلك يقول إمامنا الصادق أبو عبد اللّٰـه (عليه أفضل الصلاة والسلام): «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلَّا ثلاث خصال: صدقةٍ أجراها في حياته، فهي…
.

المخلّـفات الصالحة، واستعمالها في سبيل الرقـيّ الدينـيّ والاجتماعـيّ.

هذا كلّـه، والإنسان غير موجود بين إخوانه، إمّـا لأنَّـه لم يولد بعد، أو لأنَّـه ودّعـهم وذهب.

وبالطبع تنصـبّ العناية العظمى من قبل الإسلام على تهذيب الفرد وصقل سلوكه في حياته الدنيا أكثر من ذلك بكثير.

وقد تناول الإسلام بدقّـةٍ وإحكام، جميع الجهـات التي تحيـط بالفـرد، فأبـدى فيها حكمه وأظهر عدله.

وإنَّ الإنسان ليأخذه العجب - ولا عجب من دين اللّٰـه القويم - عندما يراجع التوجيهات التربويّـة الإسلاميّـة في مظانّـها،

فيجد أنَّ الإسلام لم يـدّعُ صغيـرةً ولا كبيـرةً في حيـاة الإنسان إلَّا ذكرها، وأورد لها من حكمته وبُـعد نظره حلاً مناسباً،

سواءٌ كان ذلك من الناحية النفسيّـة أو الفكريّـة أو العاطفيّـة أو الدينيّـة أو العلميّـة

أو السياسيّـة أو الاجتماعيّـة أو الاقتصاديّـة أو الأخلاقيّـة أو غيرها من مقتضيات الحياة.

ولعلّـي أستطيع أن أستعرض معك بعض هذه الجوانب لنتبيّن معاً باختصار، مدى الدور الذي قام به الإسلام في هذا المضمار،

ومدى حسن النتائج وطيّـب الثمرات التي يمكن أن تجتنى من هذه القواعد الإسلاميّـة التي وضعها للسير بالإنسانيّـة إلى كمالها المنشود.

الناحية النفسية

إنَّ الإنسان بكيانه ونفسه وأفعاله هو شعاعٌ من نـور اللّٰه تعالى، وظلٌ من ظلال رحمته،

أنعم عليه بالوجود، وبسط أمامه نور الحياة بفضله وإحسانه لينظر ماذا يعمل، وإلى أيّ حـدٍّ يجتهد بتنفيذ أوامره ونواهيه.

وحيث كان الفرد مرتبطاً بتكوينه بالـذّات الإلهيّـة اللانهائيّـة الكاملة من جميع جهات الكمال،

------------------------------

- السيّد الشهيد محمّد الصدر (قُدس سره)

-أشراقات فكرية ،ج1،ص181
اشراقات فكرية/السيد محمد الصدر
. المخلّـفات الصالحة، واستعمالها في سبيل الرقـيّ الدينـيّ والاجتماعـيّ. هذا كلّـه، والإنسان غير موجود بين إخوانه، إمّـا لأنَّـه لم يولد بعد، أو لأنَّـه ودّعـهم وذهب. وبالطبع تنصـبّ العناية العظمى من قبل الإسلام على تهذيب الفرد وصقل سلوكه في حياته الدنيا…
.

ومرتبطاً من حيث التنظيم الصحيح لسلوكه والتهذيب الصحيح لعقيدته بالأوامر والنواهي التي بلّـغها الرسول الأعظم صلى اللّٰه عليه و آله عن اللّٰه عزّ وجلّ.

إذن، فينبغي - أداءً لواجب الشكر نحو المنعم المتفضّـل جلّ وعلا-

أن يكون منقاداً له خاشعاً عند ذكره منفّـذاً لأوامره، منزجراً عند نواهيه، مقيماً لشريعته ونظمه.


ومن هنا نشأت : في نفس المسلم عـدّة صفاتٍ و امتيازاتٍ لم يكن من الممكن أن تنمو تحت تأثير أيّ قانونٍ آخر مهما كان صالحاً وفعّـالاً،

فمنها الضمير الإسلامي الذي بناه الإسلام في نفس كلّ مسلم، ليتعهّـده من دخيلة نفسه بالنصح والإرشاد،

وليوجّـهه إلى العمل الصالح وإلى خدمة نفسه وإخوانه، ويزجر عن ارتكاب الرذائل والموبقات.

وكان الإسلام مصيباً كل الصواب في استخدام هذا الجانب المهـمّ من النفس الإنسانيّـة،

وإثارة حساسيّـته في الانصياع إلى أوامره والارتداع عن نواهيه؛ لأنَّ الضمير ذو تأثير مهمٍّ وفعّالٍ في النفس الإنسانيّـة،

حتّـى عند أقرب الناس إلى الرذيلة وأكثرهم مراساً في أساليب الإجرام،

حتّـى أنَّـه قد يصاب الإنسان بالهزّات النفسيّـة العنيفة من جراء تأنيب الضمير، كما ينصّ على ذلك علماء النفس.

ومن جملة الأُمور التي نشأت في نفس المسلم:

إيثاره للحقّ وإن كان مخالفاً لمشتهياته، وتفضيله لغيره على نفسه فيهما أنعم اللّٰـه عليه،

وإن كان يعاني من ذلك الضيق، ومحبّته للعمل الصالح، وإن كان مسبّباً للتعب والضني.

كلّ ذلك لأجل نيل رضاء اللّٰـه تعالى وقربه إليه، وزلفى لديه، وتجنّـباً لسخطه عليه، أو في سبيل الحصول على الجنّـة التي أعدها للمتقيّـن من عباده،
------------------------------

- السيّد الشهيد محمّد الصدر (قُدس سره)

-أشراقات فكرية ،ج1،ص182
2024/10/01 05:55:06
Back to Top
HTML Embed Code: