Telegram Web
قناة أ.د. حاكم المطيري
Photo
العالم الإسلامي
بين المشروعين
التركي والإيراني


ما ذكره هنا أستاذ جمال @GamalSultan1
مقارنة صحيحة وتوصيف دقيق بين المشروعين التركي والإيراني، ولذلك أسباب عقائدية تنعكس على سلوك كل منهما تجاه الأمة وشعوبها، فالممارسات السياسية للدول هي تعبير عن العقائد والأفكار التي تقوم عليها، وتؤمن بها، وتسود فيها.
فإيران الملالي اليوم وولاية الفقيه هي وريثة الدولة الصفوية ومشروعها الطائفي، وهي امتداد للفرق الباطنية التي ظلت عبر تاريخها الدموي حركات ثأرية من الأمة وارتدادا عليها -منذ اغتيالها الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب ثم الخليفة الراشد الثالث عثمان رضي عنهما- فلا تقوم لهذه الفرق الهدامة دولة إلا وتبدأ بالقتال الداخلي والحروب الأهلية مع الأكثرية السنية بدعوى الثأر لأهل البيت! وهو ما سجله المؤرخون المسلمون لتاريخ دولها كلها والحروب الدموية التي خاضتها والانحياز للحملات الخارجية سواء الصليبية النصرانية أو المغولية الوثنية، وهي أبرز مظاهر تاريخها السياسي ابتداء من الحركة القرمطية في الخليج العربي والمشرق، والحركة العبيدية في المغرب ثم مصر تحت شعار الفاطمية، إلى الدولة الصفوية، ثم الدولة الخمينية المعاصرة، فتكاد تكون كل حروبها داخلية مع الأمة وشعوبها لمصلحة الطائفة على حساب الأمة، فهي دول طائفية ثأرية دموية تجاه الأمة!
بينما تركيا وريثة السلطنة السلجوقية والخلافة العباسية ثم العثمانية والتي بطبيعتها -أي الخلافة- ومفهومها وروحها حركة توحيد داخلي للأمة وشعوبها وحركة فتح وامتداد خارجي لنشر الإسلام في أوربا، فهي مشروع أمة لا مشروع طائفة.
ولا يمكن فهم تاريخ الإسلام السياسي خارج إطار الخلافة عبر عصورها منذ الخلافة الراشدة حتى الخلافة العثمانية حيث عبرت عن وحدة الأمة ورسالتها وحضارتها ودينها.
ولهذا كانت الأمة وشعوبها حين تواجه خطر الانهيار الداخلي والعدوان الخارجي؛ كانت ترى في الأتراك قوة حماية لوجودها السياسي منذ عصر الخليفة المعتصم العباسي، ثم السلطان طغرل بك، حتى السلطان سليم الأول، ثم مراد الرابع.
وهو ما بدا بجلاء ووضوح في المشروع الإيراني الذي خاض حربه الأولى مع العراق مدة ثمان سنوات ذهب ضحيتها مليون مسلم عراقي وإيراني، ثم انحاز للمحتل الأمريكي في غزو أفغانستان والعراق، والمحتل الروسي في غزو الشام والذي ذهب ضحيته ملايين المسلمين السنة، فكان مشروعها قوة احتلال للمنطقة وتدمير!
بينما عادت تركيا بروحها الإسلامية من جديد كقوة حماية للعالم الإسلامي وتوحيد وتحرير!
﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
#سوريا وإرادة التغيير

واقع المجتمعات العربية انعكاس لإرادة شعوبها وتصوراتها لذاتها ونظام حياتها وقبولها له ورضاها به ولا يتغير إلا بتغير نظرتها ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾..
وقد دفع الشعب السوري ثمنا باهظا من حريته وأمنه ودمه وثروته نصف قرن؛ لأنه تأخر في تغيير نظرته لواقعه، وتأخر في خوض معركة تحرير وطنه من نظام الأسد خمسين سنة ظنا منه أنه نظام وطني مستبد يمكن إصلاحه سلميا، لا نظام وظيفي للمحتل الروسي الأمريكي الأوربي لحماية حدود إسرائيل!
📎
﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
قناة أ.د. حاكم المطيري
Photo
ثبوت النسب
بين الحكم الشرعي والقانون الوضعي


بقلم: أ.د. حاكم المطيري

الواجب شرعا فيما يجري من طعون حول قضية الأنساب الدخيلة -والنسبة إلى الأسر والقبائل الأخرى ومحاولة التحقيق فيها لوجود من ينفي نسب غيره عنه- رد الحكم إلى الكتاب والسنة وأحكام الشريعة؛ لأنها موروث اجتماعي ديني لا يمكن إخضاعه اليوم للثقافة المدنية وقوانينها الوضعية، فقد أقر الإسلام أكثر صور الانتماء للقبائل والأسر بالحلف، والولاء، والمجاورة، ولم يبطل الإسلام في أنساب العرب في الجاهلية إلا نسب التبني، لأنهم كانوا يعدونه كالابن بالولادة في كل أحكامه، فأبطل ذلك الإسلام، وأقر الإسلام باقي صور النسبة في العرب للقبائل ومنها:
١- نسب المولى إلى مواليه، كما منع النبي ﷺ مولاه أبا رافع من أخذ الصدقة، وقال: (مولى القوم منهم)، فجعله من بني هاشم ولاء وحكما، وقال ﷺ: (الولاء لحمة كلحمة النسب).
فكان كل من أعتق عبدا انتسب إليه ولاءً، وورثه المولى إن مات وليس له وارث، كما قال النبي ﷺ (الولاء لمن أعتق).
٢- وكذا أقر نسب الحليف إلى حلفائه، وهو شائع في الجاهلية وأقره الإسلام، كالمقداد بن الأسود رضي الله عنه، وهو من كندة وحالف الأسود بن عبد يغوث الزهري القرشي، ونسب إليه حلفا وولاء، لا نسبا ولادة وصلبا، وبقي كذلك بعد الإسلام ينسب للأسود حلفا، وقال ﷺ: (أيما حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة)، وقد بقيت قبائل العرب إلى وقت قريب تعد الحليف منها، ويحمل اسمها، ويدفع معهم الدية، وحتى قيل كل قبائل العرب أحلاف؛ لكثرة ارتحالهم في الصحراء، واختلاط بعضهم ببعض بالمصاهرة والمجاورة، فتبقى النزائع من الأسر مع القبائل التي نزعت إليها.
٣- والنسب إلى الخؤولة لمن انقطع عن أهله وانحاز مع أخواله وانتسب إليهم، كما قال النبي ﷺ: (ابن أخت القوم منهم).
٤- وزاد الإسلام صورة أخرى وهي نسبة من أسلم على يد رجل إليه كالإمام البخاري الجعفي؛ لأن جده أسلم على يد رجل جعفي، وكذا الإمام مسلم القشيري مولاهم، وجاء في الأثر: (من أسلم على يدي رجل فله ولاؤه).
وقد كانت المجتمعات الخليجية إلى ما قبل الاستقلال والدول الحديثة تعرف هذه الأنساب وتعترف بها، فكان كل من عاش مع أسرة أو قبيلة -وانقطع عن أهله- نسب إليها سواء كان جارا، أو راعيا، أو خادما، أو عبدا، أو معدوما، أو مجهول النسب، فيحمل اسم من عاش معهم، وينتسب إليهم، ولا يجدون في ذلك أدنى غضاضة، ولما قامت الدول الحديثة وبدأ اصدار الأوراق الرسمية تم تسجيلهم بحسب العرف الاجتماعي الجاري إلى أسرهم التي عاشوا فيها لا إلى أسرهم التي انقطعوا عنها، وربما لا يعرفونها أصلا .
فالواجب اليوم معالجة هذه القضية بالذات وفق أحكام الشريعة والعرف الاجتماعي آنذاك لا بحسب القانون الوضعي اليوم!
والمحرم شرعا هو فقط من يرغب عن نسبه إلى أبيه وهو يعرفه لغير ضرورة، فينتسب إلى غيره نسبة بنوة غير صحيحة، بخلاف من انتسب لغير أبيه نسبة ولاء، كما قال تعالى: ﴿فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم﴾.
وقد قال النبي ﷺ: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا تدعها: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب..)، فلا يُجترأ على هذا الأمر العظيم، ولا يُنفى نسب أحد عن قبيلته أو أسرته بالقيل والقال، والتنابز بالألقاب، والطعن في الأنساب، والتفاخر بالأحساب، ولا بالشك والظن، ولا بالأوهام أو الخصام، فكل ذلك محرم تحريما قطعيا وهو من أمر الجاهلية، إلا ببينة ودليل قطعي، وحكم قضائي شرعي، لا مدني وضعي، ولا يرجع في التحقق من النسب المشهور إلى الأسرة والقبيلة إلى الفحص الجيني الوراثي؛ لأن الأنساب تثبت شرعا بالولادة على فراش الزوجية، إلا أن ينفي الأب نسب الولد ويلاعن زوجته، كما تثبت شرعا وعرفا بالولاء والحلف والمجاورة.
وقد كتبت دراسة فقهية في أحكام الانتساب للقبائل والأسر على خلاف المشهور من أنسابها فيما بينها حال ظهور نتائج فحص الحمض النووي على خلاف المشهور في النسب، كما في المشجرات السلالية التي تصدر عن مراكز علمية خاصة، وكيف يمكن التوفيق بينها حال الاختلاف مع نتائج الفحص الجيني، بعنوان (أحكام النسب لقبائل العرب بين رواية التاريخ والعلم الحديث) وهي منشورة في موقعي.

﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
بعد صمودها الأسطوري‏⁧
#غزة هاشم تنتزع النصر
من براثن العدو الصهيوني
بدماء شهدائها
وثبات شعبها
‏وشجاعة مجاهديها
‏⁧ #غزة_تنتصر
📎
﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
"حقيقة الإسلام
‏وما يجب على العامة
‏من الأحكام"


‏الإسلام الذي تتحقق به النجاة يوم القيامة هو أركان الإيمان الواردة في آخر سورة البقرة: ﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله..﴾، والفرائض الخمس المعلومة من دين الإسلام بالضرورة القطعية -مع اجتناب ما يناقضها من الشرك وما حرم الله من الفواحش- وهي الأركان، والفرائض الواردة في حديث جبريل المشهور، والتي قال الأعرابي حين أمره النبي ﷺ بها (هل علي غيرها؟ فقال النبي ﷺ: لا إلا أن تطوع، فقال الأعرابي: والله لا أزيد عليها ولا أنقص) فقال ﷺ: (دخل الجنة إن صدق).
‏وقال النبي ﷺ: (من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، فذلك المسلم له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم) وقال أيضا: (فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته).
‏وكل من حقق فاتحة سورة المؤمنون من قوله تعالى: ﴿قد أفلح المؤمنون﴾ إلى قوله: ﴿والذين هم على صلواتهم يحافظون﴾ فقد تحقق له وعد الله: ﴿أولئك هم الوارثون . الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون﴾.
‏فمن ادعى أن النجاة يوم القيامة لا تكون إلا بمذهبه، أو طائفته، أو طريقته، أو بمعرفة أصول الكلام، أو أصول العقيدة، أو بقراءة ودراسة هذا الكتاب أو ذاك، فقد قال على الله بلا علم، واستدرك على الله ورسوله، واشترط للنجاة يوم القيامة شرطا لم يسمع به العرب الأميون الذين بعث فيهم النبي ﷺ، وقد دخل العرب في دين الله أفواجا، في عهد النبي ﷺ والخلفاء الراشدين ومن بعدهم، واكتفى النبي ﷺ منهم بالشهادتين والصلوات الخمس والزكاة، كما قال تعالى عنهم: ﴿فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين﴾ ولم يسمعوا قط بعلم الكلام، ولا بأصول الدين، ولا كتب العقيدة.
‏وإنما هذه فنون من علوم أهل الإسلام، يعنى بها العلماء والدارسون، لا يشترط للعامة معرفتها، ولا يُشغلون بها، ولا يمتحنون بها، وعلى هذا الأئمة المحققون، كما ذكره ابن حجر في فتح الباري في شرح حديث ابن عباس (فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله، فإن هم أجابوا فأعلمهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة..)، وذكر كلام القرطبي والآمدي والسمعاني وأطال في بيان المسألة.
‏فالواجب على العلماء الاقتصار في تعليم العامة في المساجد على أركان الإيمان والفرائض الخمس التي علمها النبي ﷺ عامة المسلمين، وتعليمهم ما يجب عليهم اجتنابه من المحرمات، وآداب الإسلام كما في القرآن والسنة.
‏فلا يحتاج عامة المسلمين أكثر من ذلك.

﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
ما زلنا في #نظرات_قرآنية في #سورة_هود، والتي جاءت البشارات والرؤى الصادقة قبل الشروع فيها، بحدوث الفتوحات أثناء تفسيرها، والتي تحقق أولها بتحرير حلب وحماة وحمص ودمشق، ثم بتحرير غزة، وسيتوج النصر قبل الفراغ منها بإذن الله بفتح الفتوح، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله..

قال تعالى عن نوح عليه السلام مخاطبا قومه:
﴿وَيا قَومِ لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ مالًا إِن أَجرِيَ إِلّا عَلَى اللَّهِ وَما أَنا بِطارِدِ الَّذينَ آمَنوا إِنَّهُم مُلاقو رَبِّهِم وَلكِنّي أَراكُم قَومًا تَجهَلونَ ۝ وَيا قَومِ مَن يَنصُرُني مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُهُم أَفَلا تَذَكَّرونَ ۝ وَلا أَقولُ لَكُم عِندي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعلَمُ الغَيبَ وَلا أَقولُ إِنّي مَلَكٌ وَلا أَقولُ لِلَّذينَ تَزدَري أَعيُنُكُم لَن يُؤتِيَهُمُ اللَّهُ خَيرًا اللَّهُ أَعلَمُ بِما في أَنفُسِهِم إِنّي إِذًا لَمِنَ الظّالِمينَ ۝﴾ [هود: ٢٩-٣١]

🔸 كما بينت السورة فيما سبق أثر الطغيان الاجتماعي، وأنه كان سبب رفض الملأ من قوم نوح عليه السلام لدعوته، فقالوا: ‏﴿وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا﴾[هود:٢٧]، ذكرت هنا أثر المال وحبه على نفوسهم، حتى صدهم عن الإيمان بالله، واتباع رسوله، وشدة أثر طغيان الحياة المادية على النفس البشرية، وأنهما من أسباب رفض المجتمعات الجاهلية -منذ ظهورها- لدعوة الرسل، والامتناع عن اتباعهم، وقد أدرك ذلك نوح عليه السلام، وهو أول رسول بعثه الله في الأمم، فقال: ‏﴿ويا قوم لا أسألكم عليه﴾ يعني على عمله ودعوته إياهم إلى الإيمان بالله، وتوحيده، وعبادته وحده لا شريك له، ولا يريد منهم عليه ‏﴿مالا﴾، فهم يستبعدون أن يكون نوح في دعوته إياهم، واشتغاله بها كل وقته ليلا ونهارا، كما قال الله عنه في سورة نوح: ‏﴿إني دعوت قومي ليلا ونهارا﴾[نوح:٥]، يعظهم، ويذكرهم، وينذرهم، يفعل ذلك كله لا يريد منهم جزاءً ولا شكورا، وبلا ثمن ولا جزاء يرجو نوح حصوله عليه باتباعهم إياه، من مال يصيبه منهم، ‏فبين لهم أن ما يرجوه هو الثواب من الله ‏﴿إن أجري إلا على الله﴾ وحده، فلا أرجو شيئا منكم، إلا هدايتكم، وجزائي إنما هو على الله يوم القيامة، وكل عمل أخروي ديني لا يقبل إلا بهذا الشرط، وهو الإخلاص لله فيه، فلا يكون للعامل قصدٌ غيره، وإلا حبط عمله؛ ولهذا منع كثير من الأئمة أخذ الأجرة على الأعمال الدينية المتعدية بنفعها للخلق، كالأذان للصلوات، وتعليم القرآن، وإنما أجاز بعضهم أخذ الرزق عليها من بيت المال، لا على أنه أجرة عليها مقابل عمله، بل إعانة له، ليتفرغ للقيام به لمصلحة المسلمين، ويبقى عمله له، وأجره على الله.

🔸 وقال: ‏﴿وما أنا بطارد الذين آمنوا﴾ وهو أحد شروط الملأ من قوم نوح لاتباعه، حيث بلغ بهم طغيانهم الاجتماعي ازدراء نوح؛ لأنه اتبعه الأرذلون من الفقراء والضعفاء، وهو ما يمنعهم من اتباعه حتى يطردهم، ‏كما قالوا: ‏﴿أنؤمن لك واتبعك الأرذلون﴾[الشعراء:١١١]، وعلل نوح امتناعه عن طردهم هنا بقوله: ‏﴿إنهم ملاقو ربهم﴾، وقال ‏أيضا: ‏﴿وما علمي بما كانوا يعملون. إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون. وما أنا بطارد المؤمنين﴾[الشعراء:١١٢- ١١٤]، فالله الذي يحكم ويفصل بينكم وبينهم، وهو الذي هداهم إلى دينه بفضله، وصرفكم عن باب رحمته بعدله، فأمرهم ليس إلي ولا إليكم، بل إلى الله وحده الذي فضلهم بالإيمان عليكم، فهداهم وأضلكم، وآواهم وصرفكم، واصطفاهم وترككم، واجتباهم ونبذكم، فلا أستطيع منعهم لجلبكم، ولا طردهم لأجلكم!
ولقاء المستضعفين المؤمنين ‏بربهم ‏﴿ملاقو ربهم﴾ يكون في الدنيا بالعبادة، والصلوات، والدعاء، حيث يناجون ربهم، وقد جاء في الصحيح أن العبد إذا قام يصلي: (فإن الله قِبل وجهه)، وفي الحديث الصحيح أيضا: (فإذا صليتم، فلا تلتفتوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته، ما لم يلتفت).
فلا يجرؤ نوح على منعهم وطردهم، وهم يصلون ويناجون الله، وفي كنفه، ومعيته، وحضرته، ولقائه.
ويكون اللقاء كذلك يوم القيامة، وهو أكثر ما ورد في القرآن، وعليه يحمل في هذه الآية، كما قال تعالى: ‏﴿الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم﴾[البقرة:٤٦]، ‏﴿واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه﴾[البقرة:٢٢٣]، ‏﴿قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله﴾[البقرة:٢٤٩]،‏ ‏﴿إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه﴾[الانشقاق:٦].
فلم يقتصر طغيان الملأ من قوم نوح -كما هو حال كل مجتمع جاهلي- وبغيهم على المستضعفين بطردهم ونبذهم من حياتهم الاجتماعية، ونظرتهم إليهم نظرة دونية دنيوية شيطانية، بل بلغ الحال بهم أنهم يريدون طردهم حتى من دائرة الدين واتباع الرسول، ومن رحمة الله، ومن الآخرة!
وهي ظاهرة تفسر حال النفس البشرية حين تنخلع من الفطرة السماوية الإنسانية، إلى النزعة الأرضية الأنانية، فيتحول بسببها الإنسان إلى شيطان مدفوع إلي كل شر، ممنوع عن كل خير.
🔸 وقد كان نوح أول من أطلق على المستكبرين الكافرين وصف الجاهلية ‏﴿ولكني أراكم قوما تجهلون﴾، وظلت هذه الأحوال الجاهلية تعتري المجتمعات الإنسانية كلما طمست الفطرة، واندرست معالم النبوة، ولهذا كان معرفة الجاهلية وأحوالها شرطا لمعرفة الإسلام الذي جاء لهدمها، كما نعى النبي ﷺ على أبي ذر رضي الله عنه، حين قال لخادمه يا ابن السوداء، فقال له: (أعيرته بأمه يا أبا ذر! إنك امرؤ فيك جاهلية)!
فقال: وأنا على هذه السن؟ قال:(نعم)!
وقال ﷺ: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب..).
ولهذا حرم الإسلام كل خلق جاهلي فيه كبر وعلو وبطر، فقال ﷺ: (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد)، وقال: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم).

🔸 وقد عد نوح طرد هؤلاء الضعفاء إعلان حرب على الله ‏﴿ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون﴾، فإيذاؤهم إيذاء لله، وهو معنى الحديث الصحيح: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)، وفي صحيح مسلم: (أن أبا سفيان أتى على سلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي، في نفر، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، قال: فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟! فأتى النبي ﷺ فأخبره، فقال: يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك. فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه، أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي)!
فقد جعل النبي ﷺ إغضاب المستضعفين والمساكين من المؤمنين إغضابا لله تبارك وتعالى، فهو وليهم، وهم أولياؤه وأحباؤه، فمن آذاهم فقد آذى الله، وآذن بحربه وعدواته.

🔸 وما زالت المجتمعات الإنسانية حتى اليوم ترتكس في حمئة هذه الطبقية الاجتماعية الجاهلية، فيبغي الإنسان على أخيه الإنسان بسبب العرق والقومية، أو التراب والوطنية، أو النسب والقبائلية، أو بالثروة الاقتصادية، أو بالسلطة السياسية!

🔸 وقد نفى نوح هنا عن دعوته كل مصلحة دنيوية مادية، وعن نفسه كل صفة غير بشرية، فقال: ‏﴿ولا أقول لكم عندي خزائن الله﴾ فحتى أعطيكم منها أو أمنعكم، وكما لا أسألكم على دعوتي مالا، كذلك لا أعدكم على اتباعكم لي مالا، وإنما أجري وأجركم على الله، فجزاء الإيمان بالله، والاتباع للرسول؛ النجاة يوم القيامة من عذاب الله، والفوز بالجنة، ولولا ذلك لما كان للإيمان بالغيب حقيقة، ولا للإخلاص به معنى، وهذه الآيات تؤكد مدى بلوغ حب المال في المجتمع الإنساني منذ نشأته، فهم يمتنعون عن اتباع الرسول خشية أن يأخذ أموالهم، ويشترطون لاتباعه أن يعطيهم مالا كما يعطي الملوك رعاياهم الذين يطيعونهم ويتبعونهم!
فنفى نوح ذلك كله، فليس هو ملكا وسلطانا يجبي أموال الناس لشد ملكه وسلطانه، ولا يعطي الناس من أموال خزائنه لحشد جنده وأعوانه، بل هو بشر مثلهم، ‏ولا يدعي ما ليس من طبعه البشري، ‏﴿ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك﴾، فقد كانت المجتمعات الجاهلية منذ وجدت مفتونة بالملوك وأموالهم وخزائن ذهبهم، وبالعرافين ومدعي علم الغيب وأكاذيبهم، الذين يستميلون الناس بخوارقهم، ويؤثرون على عقول سامعيهم وأتباعهم، ويسلبون إرادتهم.
وكذا نفى نوح عن نفسه أن يكون ملكا سماويا جاءهم برسالة من الله، وهو ما كان يشترطه الجاهليون على أنبيائهم ‏﴿وقالوا لولا أنزل عليه ملك﴾[الأنعام:٨].
وكل ذلك لتأكيد حقيقة النبوة والرسالة، وأنها لا تتنافى مع الطبيعة البشرية، وأن الأنبياء بشر من بني آدم مثلهم، إلا أن الله اصطفاهم لرسالته ووحيه، رحمة بالخلق، لردهم إلى فطرتهم، وهدايتهم إلى سبيل ربهم، وقد كان نوح أول رسول فاحتاج لكل هذه المحاججة لتقرير هذا الأصل الذي لا عهد للأمم به قبل نوح، وهو ما احتاجه أيضا آخر الرسل محمد ﷺ، فقد تعرض إلى ما تعرض له نوح حتى كأنما قصتهما واحدة!
🔸 وكذا نفى نوح عن نفسه القول على الله بلا علم، اتباعا للأهواء‏ ‏﴿ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم﴾، والازدراء: الاحتقار، وأسند الازدراء لعيونهم لأنهم ينظرون إلى ظواهر أحوال المستضعفين، فلا يرون منها ما يعجبهم، لفقرهم، وضعف حالهم، فحجبهم ذلك عن النظر إلى بواطن الأمور وحقائقها، والنفوس ونفاستها، والأرواح وتفاضلها، وكما في الصحيح: (رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (مر على رسول الله ﷺ رجل، فقال النبي ﷺ: ما تقولون في هذا الرجل ؟ قالوا: رأيك في هذا، نقول: هذا من أشراف الناس، هذا حري إن خطب، أن يخطب، وإن شفع، أن يشفّع، وإن قال، أن يسمع لقوله. فسكت النبي ﷺ، ومر رجل آخر، فقال النبي ﷺ: ما تقولون في هذا ؟ قالوا: نقول، والله يا رسول الله، هذا من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب، لم ينكح، وإن شفع، لا يشفع، وإن قال، لا يسمع لقوله، فقال النبي ﷺ: لهذا خير من ملء الأرض مثل هذا).
وكأن الملأ من قوم نوح يشترطون عليه ألا يكون للضعفاء مكانة كمكانتهم عند الله يوم القيامة! فهم قد يؤمنون بالله بشرط المحافظة على جاههم الدنيوي في الآخرة! فلا يؤتي الله الضعفاء يوم القيامة خيرا مما يؤتيهم، كما هو حال مكانة الملأ عند الملوك والرؤساء في الدنيا!
ولشدة هذا الطغيان، كان الجزاء لهم الطوفان؛ ليطهر الأرض من كبرهم وبطرهم وأشرهم وشرهم!

🔸 ولم ترد مادة (زري) في القرآن إلا في هذا الموضع الفريد، وكذا صيغة لفظ (أراذل) في الآيات التي قبلها، فهي من أفراد القرآن في هذه السورة، ووردت أيضا لفظة: (الأرذلون) في سورة الشعراء في قصة نوح، ولم يتكرر استعمال هذا اللفظ في غير قصة نوح، ولا في القرآن إلا في هذين الموضعين، ولعل مناسبة ذلك هو أن قوم نوح كانوا أول مجتمع إنساني بلغ من الطغيان المجتمعي والازدراء للضعفاء واحتقارهم هذا الحد، فلم ترد هذه الألفاظ (تزدري)، (الأرذلون)، (أراذلنا) في قصة غيرهم، وخص بها ذكرهم؛ لتظل أبرز خصائص هذه الحالة الجاهلية المجتمعية في أول ظهور لها، فكأن كل طبقية اجتماعية حدثت بعدهم، وكل من ازدرى واحتقر أخاه من الأمم غيرهم، فبعيونهم نظر، ولسنتهم اتبع، ولسبيلهم سلك، فعليهم وزر هذه السبيل الجائرة عن الفطرة الإنسانية، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة!

🔸 وقد احتج عليهم نوح بأن الله يجزي العباد يوم القيامة على الإيمان، وما في القلوب من تقوى وإخلاص، لا على ظواهر صورهم‏ ‏﴿الله أعلم بما في أنفسهم﴾، وكما في الصحيح: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).

🔸 ثم علل نوح امتناعه من فعل شيء مما اشترطه الملأ من قومه عليه ‏﴿إني إذا لمن الظالمين﴾ إن أطعتكم فطردتهم، أو سألتكم على دعوتكم مالا، أو وعدتكم به على اتباعكم لي، أو ادعيت علم الغيب، أو علم ما في نفوس العباد، أو قلت إني ملك.
والظالمون هنا هم الملأ الذين اشترطوا كل هذه الشروط على نوح، ولم يصرح بذلك لهم، ولم يجبههم به، ولم يقل إنكم لظالمون، أو إني إذا لظالم مثلكم إن أطعتكم وأجبتكم إلى ما أردتم، رعاية منه عليه السلام لآداب الدعوة إلى الله، فكانت غاية نوح هدايتهم، والنصح لهم، بالرفق بهم، والتلطف معهم، فبين لهم حكمه لو فعل ذلك، وهو الاتصاف بالظلم، الذي تستقبحه العقول والنفوس بفطرتها، حين يقع عليها، وتستحسن العدل، وهو نقيضه، وتنشده، فصار هو المعيار الذي يعرف به الفرق بين الحق، والباطل، فعلل امتناعه عن إجابة ما سألوه، حتى لا يكون من الظالمين، ولا يوصف بالظلم، تحريا منه للعدل والالتزام به، وهو معيار يمكن الاحتكام إليه، ولا يرفضه ذوو العقول الصحيحة، والفطر السليمة، ولولا ذلك لما كان في قوله ذلك ما يقنعهم، ولا أقام به الحجة عليهم.

#تدبر

📎مجموع النظرات

https://tinyurl.com/8wr86xw7
﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
قناة أ.د. حاكم المطيري
Photo
نظرات [سورة هود ٢٩-٣١].png
3.6 MB
ما زلنا في #نظرات_قرآنية في #سورة_هود، والتي جاءت البشارات والرؤى الصادقة قبل الشروع فيها، بحدوث الفتوحات أثناء تفسيرها، والتي تحقق أولها بتحرير حلب وحماة وحمص ودمشق، ثم بتحرير غزة، وسيتوج النصر قبل الفراغ منها بإذن الله بفتح الفتوح، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله..

قال تعالى عن نوح عليه السلام مخاطبا قومه:
﴿ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون ۝ ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون ۝ ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين ۝﴾ [هود: ٢٩-٣١]

https://www.tgoop.com/DrHAKEM/13277
📎
https://www.tgoop.com/DrHAKEM/13278
📎
https://www.tgoop.com/DrHAKEM/13279
📎
https://tinyurl.com/8wr86xw7
﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
2025/02/10 19:19:43
Back to Top
HTML Embed Code: