Telegram Web
رأيت مِن الأطفال مَن كانت أمه تأمره وتنهاه بنظرة العين فقط، ثم عندما كبر أصبح مستهلكًا للمهلوسات بشتى أنواعها، ورأيت من كان من أهل المساجد والقرآن، ثم عندما كبر ترك كل ذلك ظهريًا، والأمثلة في هذا كثيرة، والخلل التربوي راجع إلى غياب محاضن الإصلاح والتشغيل النافع، وجزء من سبب غيابها راجع إلى عدم استشعار أهميتها، والإيمان بنموذج التربية الإنغلاقي ( الأسري) .. وللأخير نتائج فعلية، ولكنها غير قوية، خاصة في العقود الأخيرة، وعندما يتخلص الطفل من جاذبية والده الأولية، والتي عليها يقوم سلوكه التقليدي الاول، فإنه سيسعى إلى نيل اعتراف جماعة "الاقران" به، والأخيرة في الغالب "شوارعية" التنشئة، فلا يحصل على الاعتراف إلا بالقيام بالافعال الخارجة، وإلا جُلد بسياط التنمر المولد لسلوك الامتثال القهري، ولهذا فنمط التربية الإنغلاقي اليوم أصبح غير قادرًا على تربية الطفل خاصة عند خروجه من مرحلة الطفولة إلى مرحلة "المراهقة".. وخروج الرجال من ساحات الإصلاح، وعدم سعيهم في تأسيس المشاريع التربوية الجامعة التي تحتضن "المراهقين" وتوجه طاقتهم وتعصمهم من نتائج التربية "الشوارعية" يزيد في المشكل، وضررره لايلحق بالناس فقط، بل قد يدخل منزل ذلك التي استقال من العمل الإصلاحي بدعوى التفرغ للتربية الأسرية العائلية الخاصة، باعتباره أولويته الوقتية..

نور الإسلام.
كانَ القرآن رفيقاً له منذ نعومة أظفاره
ملازماً له في حلّه وترحاله، في سجنه وحرّيته، في الطريق ماشياً، أو في الحافلة راكباً، كثير قيام الليل، كثير التّلاوة للقرآن، انكّب على تعلّم التّلاوة وحفظ القرآن والتّدبّر للآيات؛ فحفظَه في سجنه وظلّ بارّاً بمصحفه وآياته حتّى وهو في أحلك أيّام حياته..

إذا أوى البيت للنّوم قام هو ليحيي ليله، وإذا قام الليل فإنّه لا يقومه قليلاً من الوقت؛ فلربما قضى السّاعة والسّاعتين والثلاث وربّما أكثر قائما يصلّي في جوف الليل بجزء وجزئين وثلاثة، حتّى بدت لوحة الحائط التي تزيّن بيتنا ليلا: قيامُه اللّيل..

يغلق عليه بابه ونافذته ساعات القيام في الجوّ الحار وإذا لُمته يقول بلاش الناس تسمعني..، وعلى سبيل المزاح كانت رفيقات السّجن في اعتقالي الأخير يسألنني، ما تظنّين أبا أحمد يفعل الآن؟؛
فأردّ بكلّ ثقة: يصلّي القيام..

وظلّ على هذه الحال ما شاء الله له أن يبقى، ثم خرجت من السّجن، أبحث عنه بين جدران بيتنا؛ فاستوحشت البيت والجدران، لم يكن أبو أحمد في البيت، ولم أجد من يقوم الليل في محرابه، لقد كان في المشفى..

لقد كانت بدايات مرضه، ومع ذلك كان يقوم الليل جالساً لأنّه باتَ مُرهقا، حاملاً مصحفه لأنّه بات ينسى بسبب المرض..

مع تقدّم المرض فقدَ أبو أحمد كثيرا من ذاكرته وبقي القرآن بفضل الله عالقاً في ذهنه، وبدأ يفقد أبو أحمد بصرَه شيئا فشيئا، ومع ذلك كان يطلب المصحف، ويقول لي: لا أرى بوضوح، حتّى وجدت له مصحفاً كبير الحجم ليقرأ منه؛ ولكن ..

كان فاقدا لمعظم بصره، يقرأ ببصيرته ومن حفظه؛ فإذا سمعني أقرأ على مسامعه كان يقول: أغار منك، يا ليتني أعرف القراءة وأتمكن من التّلاوة.

اشتدّ عليه المرض حتى فقد كل بصره، وكلّ ذاكرته، وكلّ حركته وكلّ طاقته، وفقد الإدراك، وصار يفقد وعيه كثيرا، ومع غياب ذاكرته و إدراكه ووعيه، مع كلّ هذا بقي القرآن العظيم..

فإذا سألناه لم يجب عن أي شيء، لا يعرف الإجابة، ولا يقوى على الكلام، فإذا قلنا له أكمل الآية أكملها، وهكذا نختبره بآية تلو آية، فإن عدنا لسؤاله عن ما عدا القرآن سكت ولم يجب؛ فكان لسانه لا يفتر عن قراءة سورة (الكافرون) دائم الذكر والاستغفار طوال فترة مرضه..

فاللهمّ ارحم عبدك أبا أحمد بالقرآن العظيم رحمة واسعة تطمئن بها نفسه وتقرّ بها عينه، واجعله ممّن يقال له اقرأ وارتق، وارفع درجاته، واجعله في الفردوس الأعلى.

دعواتكم له ولنا وللمسلمين جميعا.

- أمنا خديجة خويص أم أحمد متحدثة عن زوجها أبي أحمد إبراهيم رحمه الله
ما أكثر فضائل ذنوبنا علينا، تُكسِبنا الافتقار، وتسُوقنا لأعتاب الغفار، وتستخرج منا الوقوف عند أقدارنا وعدم تعدّيها؛ إذ تزهو النفس بما يبدو منها وتنسى أنه مُغدَق عليها؛ فتغفل عن حقيقتها وتكسو نفسها بما ليس فيها، فإذا جاء الذنب مع الاعتراف لمست فقرها وتبرأت من الحَّول واعترفت لله بالفضل والطَّول؛ إذ به تصل إليه، ومنه ترِدُ مُورداتك عليه.
يمر الإنسان بحالات يرجو فيها لو يخترق الفلاة ثم يجلس إلى شيء من الحيوان أو النبات، في مكان نقي جديد لم تطأه رجل المدنية ولم تعبث به يد الحضارة ولم تشوش صفاءه نشازات الضجيج، يجاور ذلك الشيء ويبكي ويصلي عنده ويقول له ولذلك الشبر الذي أذَّن فيه وسجد عليه: اشهَد لي فإني والله أحبُّ ربّي وربّك وأطمع في رحمة ربي وربك، وأستعين به على قلبي؛ فإن بي شوقا له، وميلا إليه، وتعويلا عليه؛ لكني عبد ضعيف مذنب ذو قلب مضطرب أحنّ لهذه الجدّة وهذا النقاء والصفاء، ولأن أعيش مثلك على قطرات الغيث، حديثة العهد بربها، يحركني النسيم فأسترسل معه، أُسبِّح بلغة لا تفهمها المخلوقات، أُرى ميّالا وأنا في الملكوت جوال.
عالماشي: أيها الفُقراء.
رضي الله عن سيدي أبي حامد إذ يقول: "فإن الحُبَّ إنما يُراد للآخرَة"، وهي عبارة عظيمة حقا؛ فالحُب الصالح خير، وصُنعٌ للخير، وابتغاءٌ للخير، وخيرُ الخيرِ الآخرة، وخيرُ ما يُصنع في الدنيا ما لاق أن يكون زادا في الآخرة، وأعظمُ ما يبتغيه الإنسان نجاته وعلو مقامه في الآخرة؛ فما انعقد على سوى ذلك بليت رابطته وانقطعت، ولم يُعوَّل عليه ولا التُفِت إليه، وانسحبَ عليه وصف أمِّه الدنيا الفانية الزائلة، إذ العرق دسّاس؛ فطالَه الفناء والخفوت لأنه يستمِد أسباب بقائه من زائل منقطِع؛ فكيف يستديم إشراقَه والأصل محكوم بالانقطاع والضمور، أمّا المعنى الأخروي فمتصِّلُ الحبال دائم الإمداد بالنور؛ لاغترافه من أصلٍ خالِد.
عالماشي: يا طالبِ العز.
لا تبذل نفسكَ إلا فيما هو أعلى منها، وليس ذلك إلا في ذات الله عزَّ وجل.

ابن حزم.
من مال بطبعه إلى علم ما وإن كان أدنى من غيره فلا يشغلها بسواه فيكون كغارس النارجيل بالأندلس وكغارس الزيتون بالهند وكل ذلك لا يُنْجِب.

ابن حزم.
الاقتتال بين المسلمين قديم قدم الإسلام، وممكن في منطق القرآن، قال تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}؛ فلا جدوى من المنطق المثالي في التعاطي معه، ولا للمنطق البراغماتي البحت أيضا؛ بل نحتكم للمنطق القرآني؛ فإصلاحٌ بينهما أو {فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ}، أي النظر إلى الباغي والأخذ على يده..

فلا داعي لمحاضرة المظلوم اللاجئ المهجّر ولا قيمة للاسطوانات الوطنية والإقليمية وغيرها في هذا الحال؛ بل تكون رجلا ومؤمنا كما يوصي القرآن فترفع عنه البغي أو تصمُت، لا أن تقف مع عقيد إيراني يحتل ضيعة حلبية وتعتب على صاحبها الذي يسكن خيمة إدلبية!!، أي منطق هذا؟.
يحضرني هذه الأيام موقفان أثرا في نفسي أعظم التأثير، ليلة حزينة قضيتها مع واحد من أعز إخواني، كان يشغل قصيدةً تنعى حلب، ونحن نغالب الدمع، والآهات المزكومة تكسر حالة الصمت الحزين، وبعد ثمان سنوات، أخ عزيز آخر يقول لي "ها نحن مجددا"، يحذرني ونفسَه من الأمل العظيم الذي تعقبه خيبة، وكم كان نصيب جيلنا من هذا عظيما، يقول لي "خايف عليك"، يسألني كلما اتصل، "مع حلب صح؟"، ثم ينسى عقلانيته للحظة ويتغلّب عليه نداء القلب فيقول "إذا صار جديد خبرني"، الحمد لله على نعمة الأخ المشارك للهم، والحمد لله الذي ألهمنا الارتباط بالأمّة وموالاة المؤمنين، نسأل الله أن يرفع الغمّة عن الأمّة.
الجاهل بالشيء يعاديه، والذي لم يكلّف نفسه لعقد كامل من الزمن أن يبحث ويتثبت ويُحيِّن معارفه حول قضية ما، وبقي عالقا في صناديق واسطوانات عصر غابر؛ فمجادلتك له من إهدار الوقت الذي تُحاسَب عليه؛ ومخاصمتك له من العبث فهو مستحق للشفقة والدعاء في مواطن الاستجابة؛ فهوّن عليك واختصر النقاشات الفارغة، واحرص على ما ينفعك؛ فأنت مكلَّف بما فهمتَه لا بمن لم يفهم، والله يسهّل.
الاقتتال بين المسلمين قديم، ولم يكن دائما بسبب الفتنة والإملاء الخارجي؛ بل كان في مرات كثيرة ردا لبغاة وطردا لغزاة وإرغاما لأنوف طغاة..

= أحيانا الموقف السهل للرجال تسميتها فتنة دون تفصيل، وصبغها بالتآمر والإملاء دون تثبّت وتدليل، أما الموقف القرآني فيدعو للموقف الرجولي الحقيقي، وهو البحث عن "التي تبغي" [الحجرات 09] والأخذ بيدها حتى تفيء للحق، لا مجرد الاستعاذة من الفتن، ولا مجرد الاختباء خلف الأحكام المعلّبة الجاهزة، ومن هُنا لا تعجَب أن الله قال قبلها بآيَتين فقط "فتَبيَّنُوا"، وقالَ بعدها مباشرةً إنما المؤمنون إخوة إذا تحقَّقَ شرطُ: "فَإنْ فَاءَتْ"؛ أما الحديث عن مثاليات الأخوة مع بقاء المظالم على حالها وعدم السعي للانتصاف لأصحابها؛ فموقف آمِن بارد أقرب للجُبن النفسي إن كنتَ بعيدا، ويصير للجبن العمَلي إن كنت قريبا من الموقف؛ ثم يصير بك إلى موالاة الظلَمة والاستكانة لهم، ثم التبرير لهم، والله يسهّل.
2024/12/02 02:17:11
Back to Top
HTML Embed Code: