نقل أبو الحسن الندوي في مقدمته على كتاب (الأبواب والتراجم) للكاندهلوي قول الشاه ولي الله الدّهلوي في رسالته: "شرح تراجم البخاري":
"وكثيرًا ما يستخرج -أي البخاري- الآداب المفهومة بالعقل من الكتاب، والسنة، والعادات الكائنة في زمانه ﷺ ومثل هذا لا يُدرك حسنه إلا من مارس كتب الآداب، وأجال عقله في ميدان آداب قومه، ثم طلب لها أصلا من السنة"
ثم علق الندوي بقوله:
"ومن أكثر قراءة الجامع الصحيح درسًا وتدريسًا وأنعم النظر فيه شهد بصدق شيخ الإسلام فيما قاله وإصابته الصميم، ووجد شيئًا كثيرًا ممّا يتأدب به، ويتخلق بأخلاق الرسول ﷺ وعادات الصحابة، منثورًا في ثنايا هذا الكتاب العظيم، حتى يستطيع أن يستخرج منه كتابا آخر ويسميه "الأدب المفرد" أو بما شاء..!
وقد يستهين المختصّ بالفقه والحديث بقيمة هذه الثروة العظيمة، وقد يلتوي عليه فهمها وحكمة وضعها في هذا الكتاب الذي أفرد لجمع الأحاديث الصحيحة على شروط الإمام البخاري، ولكن نظر المحبّ يختلف عن نظر غيره.
وقد أراد الإمام البخاري أن يكون هذا الكتاب نبراسًا للسَّاري، وصورة لما كان عليه الصحابة والمسلمون في عصر النبوة".
"وكثيرًا ما يستخرج -أي البخاري- الآداب المفهومة بالعقل من الكتاب، والسنة، والعادات الكائنة في زمانه ﷺ ومثل هذا لا يُدرك حسنه إلا من مارس كتب الآداب، وأجال عقله في ميدان آداب قومه، ثم طلب لها أصلا من السنة"
ثم علق الندوي بقوله:
"ومن أكثر قراءة الجامع الصحيح درسًا وتدريسًا وأنعم النظر فيه شهد بصدق شيخ الإسلام فيما قاله وإصابته الصميم، ووجد شيئًا كثيرًا ممّا يتأدب به، ويتخلق بأخلاق الرسول ﷺ وعادات الصحابة، منثورًا في ثنايا هذا الكتاب العظيم، حتى يستطيع أن يستخرج منه كتابا آخر ويسميه "الأدب المفرد" أو بما شاء..!
وقد يستهين المختصّ بالفقه والحديث بقيمة هذه الثروة العظيمة، وقد يلتوي عليه فهمها وحكمة وضعها في هذا الكتاب الذي أفرد لجمع الأحاديث الصحيحة على شروط الإمام البخاري، ولكن نظر المحبّ يختلف عن نظر غيره.
وقد أراد الإمام البخاري أن يكون هذا الكتاب نبراسًا للسَّاري، وصورة لما كان عليه الصحابة والمسلمون في عصر النبوة".
Forwarded from فوائد الديوانين
هَمْعٌ
Photo
مضمون هذا الجواب هو حال كبار أئمة الحديث الربانيين جميعا وهو الفارق بينهم وبين كل المشتغلين به صناعة ولو بلغوا فيه أعلى المراتب الصناعية وتحلوا بنعوتها الحفظ فما دونه.
وهو بعينه الملحوظ في التفريق بين الإمامة الجامعة بين الحديث والسنة، والإمامة في أحدهما دون الآخر.
ومن لم يعرف الفرق بين الحديث والسنة وكون الأول مجرد وسيلة للثاني فهو أجنبي عن هذا الباب أصلا.
فالإمامة في السنة تقتضي معرفة الحديث -ثبوتا ودلالة- برسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما أن الإمامة في الحديث تقتضي معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث.
ولا كمال في الامامة إلا باجتماع الأمرين
ولذا كان أكابر أئمة الحديث المتفقهين فيه لا تهولهم ظواهر الأسانيد والمتون ولو كانت عند غيرهم كالشمس جمالا وجلالا، بل خاصتهم تمييز علل ذلك التي تخفى على غيرهم لعدم الجمع بين المعرفتين والإمامة فيهما.
وهو بعينه الملحوظ في التفريق بين الإمامة الجامعة بين الحديث والسنة، والإمامة في أحدهما دون الآخر.
ومن لم يعرف الفرق بين الحديث والسنة وكون الأول مجرد وسيلة للثاني فهو أجنبي عن هذا الباب أصلا.
فالإمامة في السنة تقتضي معرفة الحديث -ثبوتا ودلالة- برسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما أن الإمامة في الحديث تقتضي معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث.
ولا كمال في الامامة إلا باجتماع الأمرين
ولذا كان أكابر أئمة الحديث المتفقهين فيه لا تهولهم ظواهر الأسانيد والمتون ولو كانت عند غيرهم كالشمس جمالا وجلالا، بل خاصتهم تمييز علل ذلك التي تخفى على غيرهم لعدم الجمع بين المعرفتين والإمامة فيهما.
هذه مقاطع منتخبة من جهود الباحث في دعوة القرى الوثنية في غرب إفريقيا للتوحيد، وهذا البحث أتى تبعًا بعد اشتغاله في دعوتهم؛ ولمثل هذه الغاية الرفيعة يطلب العلم، وتصنع البحوث..!
• https://youtu.be/CZVnR_Ybuxo?si=EZxqX_k1ImdKO2Ms
• https://youtu.be/grGIRb7uwDE?si=uqtB5c_I7KQUb3Bw
• https://youtu.be/EkNKttpvs_E?si=epxbU1ado4tHl5ux
• https://youtu.be/CZVnR_Ybuxo?si=EZxqX_k1ImdKO2Ms
• https://youtu.be/grGIRb7uwDE?si=uqtB5c_I7KQUb3Bw
• https://youtu.be/EkNKttpvs_E?si=epxbU1ado4tHl5ux
هَمْعٌ
هذه مقاطع منتخبة من جهود الباحث في دعوة القرى الوثنية في غرب إفريقيا للتوحيد، وهذا البحث أتى تبعًا بعد اشتغاله في دعوتهم؛ ولمثل هذه الغاية الرفيعة يطلب العلم، وتصنع البحوث..! • https://youtu.be/CZVnR_Ybuxo?si=EZxqX_k1ImdKO2Ms • https://youtu.be/grGIRb7u…
ما بين غرب أوروبا حيث مهد الحضارة الغربية ومعاقلها وبين وغرب إفريقيا من البون الشاسع، والفرق العريض، والبعد السحيق، من الحضارة، والعلم، والتقدم، ووو ما شئتم من الفروق..
إلا أنهما يلتقيان في ثقب أسود سحيق
ألا وهو الكفر بالله عز وجل واليوم الآخر..
فلا تعجبوا من سذاجة الوثني الإفريقي وحياته القريبة من نمط حياة وحوش الغاب..
فحضارة الأوروبي لم تنقذه من وحل الظلم والوحشية، والانسلاخ من مسلاخ الإنسانية، إلى البهمية، بل البهائم أقوم فطرة من بعضهم..!!
ولئن كان الوثني الإفريقي نحت صمنًا ساذجًا من أخشاب الغابة..
فإن الغربي نحت صنم الهوى من ضلالاته، وفلسفاته التي جانب فيها ما أجمعت الرسالات السماوية على تحسينه أو تقبيحه..
﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ﴾
إلا أنهما يلتقيان في ثقب أسود سحيق
ألا وهو الكفر بالله عز وجل واليوم الآخر..
فلا تعجبوا من سذاجة الوثني الإفريقي وحياته القريبة من نمط حياة وحوش الغاب..
فحضارة الأوروبي لم تنقذه من وحل الظلم والوحشية، والانسلاخ من مسلاخ الإنسانية، إلى البهمية، بل البهائم أقوم فطرة من بعضهم..!!
ولئن كان الوثني الإفريقي نحت صمنًا ساذجًا من أخشاب الغابة..
فإن الغربي نحت صنم الهوى من ضلالاته، وفلسفاته التي جانب فيها ما أجمعت الرسالات السماوية على تحسينه أو تقبيحه..
﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ﴾
هَمْعٌ
ما بين غرب أوروبا حيث مهد الحضارة الغربية ومعاقلها وبين وغرب إفريقيا من البون الشاسع، والفرق العريض، والبعد السحيق، من الحضارة، والعلم، والتقدم، ووو ما شئتم من الفروق.. إلا أنهما يلتقيان في ثقب أسود سحيق ألا وهو الكفر بالله عز وجل واليوم الآخر.. فلا تعجبوا…
والمذموم فيها هو الكفر الذي هو مرجعيتها، وما ولاه من مظاهر، فلا يحملنا انتفاعنا بها على الركون والإخلاد، واستمراء ما فيها من مظاهر الكفر بالله واليوم الآخر؛ فتزيغ أبصارنا وأفئدتنا عن القضية الكبرى: "التوحيد"
وما ينبغي لها من التعظيم والمهابة والإجلال..!
فالكفر الذي في أوروبا حيث التطور والحضارة، هو الكفر الذي في أدغال إفريقيا حيث السذاجة والبدائية..
فرونق الحضارة لا تستحيل معه نجاسة الكفر المغلظة بل ولا يخففها..!
وما ينبغي لها من التعظيم والمهابة والإجلال..!
فالكفر الذي في أوروبا حيث التطور والحضارة، هو الكفر الذي في أدغال إفريقيا حيث السذاجة والبدائية..
فرونق الحضارة لا تستحيل معه نجاسة الكفر المغلظة بل ولا يخففها..!
هَمْعٌ
والمذموم فيها هو الكفر الذي هو مرجعيتها، وما ولاه من مظاهر، فلا يحملنا انتفاعنا بها على الركون والإخلاد، واستمراء ما فيها من مظاهر الكفر بالله واليوم الآخر؛ فتزيغ أبصارنا وأفئدتنا عن القضية الكبرى: "التوحيد" وما ينبغي لها من التعظيم والمهابة والإجلال..! فالكفر…
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
لم تشقّ الأسماع والأبصار والأفئدة إلا لهذه القضية الكبرى، ولم تُنصب الآيات الكونية والشرعية إلا لأجلها..
وكلّ العلم راجع إليها، فلا ينبغي أبدا أن تخبو جذوتها؛ بدراسة بضعة متون في الاعتقاد..!
ثم تتشعب بنا مسالك العلم ومسائله ولا يُحدِّث أحدنا نفسه ولو بالأماني أن يدعو إلى توحيد الله عزّ وجلّ أقوامًا لم يسمعوا قطّ عن الله جلّ جلاله، ربّهم وخالقهم وباريهم..!
والله إن هذه الأماني جمرة في القلب
ولهيب في الكبد، نسأل الله أن يمنّ ويتفضل علينا..
وكلّ العلم راجع إليها، فلا ينبغي أبدا أن تخبو جذوتها؛ بدراسة بضعة متون في الاعتقاد..!
ثم تتشعب بنا مسالك العلم ومسائله ولا يُحدِّث أحدنا نفسه ولو بالأماني أن يدعو إلى توحيد الله عزّ وجلّ أقوامًا لم يسمعوا قطّ عن الله جلّ جلاله، ربّهم وخالقهم وباريهم..!
والله إن هذه الأماني جمرة في القلب
ولهيب في الكبد، نسأل الله أن يمنّ ويتفضل علينا..
كلنا نتحرّق لعزّة الأمة ورفعتها، ونتمنى لو استعملنا ربّنا في أسباب عزتها وعلوّها..
وشعورنا بالعجز والنقص، والقصور والتقصير، وانكبابنا على متابعة ما يجري للمسلمين في أصقاع الأرض بطرف حسير وقلب كسير، ينبغي ألّا يلفتنا عن الفرص المتاحة لإعلاء كلمة الله..
فالمؤمن القويّ الصّادق مع الله جلّ وعلا في رغبته في خدمة الإسلام سيجد بدل الثغر ثغورًا شاغرة..!
منها هذا الثغر العظيم الذي هو ثغر الأنبياء والمرسلين، وتحديث النفس بالاشتغال به، وعقد العزم والاجتهاد في تحقيقه، وبثه في الدروس وبين الطلبة والأقران، فما لا يتهيّأ لك، قد يتهيّأ لغيرك ببركة دلالتك وحرصك لما يترتب عليه تبليغ رسالة ربّ العالمين، وتكثير سواد المسلمين..!
وشعورنا بالعجز والنقص، والقصور والتقصير، وانكبابنا على متابعة ما يجري للمسلمين في أصقاع الأرض بطرف حسير وقلب كسير، ينبغي ألّا يلفتنا عن الفرص المتاحة لإعلاء كلمة الله..
فالمؤمن القويّ الصّادق مع الله جلّ وعلا في رغبته في خدمة الإسلام سيجد بدل الثغر ثغورًا شاغرة..!
منها هذا الثغر العظيم الذي هو ثغر الأنبياء والمرسلين، وتحديث النفس بالاشتغال به، وعقد العزم والاجتهاد في تحقيقه، وبثه في الدروس وبين الطلبة والأقران، فما لا يتهيّأ لك، قد يتهيّأ لغيرك ببركة دلالتك وحرصك لما يترتب عليه تبليغ رسالة ربّ العالمين، وتكثير سواد المسلمين..!
هَمْعٌ
هذه مقاطع منتخبة من جهود الباحث في دعوة القرى الوثنية في غرب إفريقيا للتوحيد، وهذا البحث أتى تبعًا بعد اشتغاله في دعوتهم؛ ولمثل هذه الغاية الرفيعة يطلب العلم، وتصنع البحوث..! • https://youtu.be/CZVnR_Ybuxo?si=EZxqX_k1ImdKO2Ms • https://youtu.be/grGIRb7u…
ألم وحسرة..
وأنت ترى فطرة الإنسان وضرورة التألّه التي يجدها في قلبه، وروحه، وعقله، ووجدانه تُصرف لدُمى منحوتة، وخِرق معقودة..!
والله إن هذا المشهد ليملأ النفس كمدًا، وشفقة، وزفرات وحسرات تقطعها!
لو رأيناهم خِلوًا عن أي عبادة لكان أهون على النفس، لكنها فطرة الله..!
فما خُلق الإنسان إلا ليكون عبدًا ذليلًا لربٍّ جليل..!
وأنت ترى فطرة الإنسان وضرورة التألّه التي يجدها في قلبه، وروحه، وعقله، ووجدانه تُصرف لدُمى منحوتة، وخِرق معقودة..!
والله إن هذا المشهد ليملأ النفس كمدًا، وشفقة، وزفرات وحسرات تقطعها!
لو رأيناهم خِلوًا عن أي عبادة لكان أهون على النفس، لكنها فطرة الله..!
فما خُلق الإنسان إلا ليكون عبدًا ذليلًا لربٍّ جليل..!
﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾
استوقفني بعض ما احتفّ بهذه الآية الكريمة من أحوال ومناسبات جعلتها مشحونة بمعان ودلالات عظيمة:
• أولها: كونها في سورة الأنعام، سورة المفاصلة بين الكفر والإيمان بالحجج والبراهين..!
• ومن ذلك: ما رُوي في نزولها:
"أن المشركين جادلوا الرسول ﷺ في أكل الميتة وقالوا: أتأكلون ما تقتلون ولا تأكلون ما قتله الله عز وجل؟!"
فمن دلالات ذلك قصور العقل البشري عن إدراك حقائق صغرى فضلًا عن إدراك الحقائق الكبرى المتعلقة بالوجود والغيبيات وحِكَم التشريع وأسراره..!
وليكن هذا الاعتراض وما شاكله كفَتِّ العظم الرميم واستبعاد إحيائه مثالًا لجهالة العقل البشري (البسيط)!
أما جهالة العقل البشري (المركب)
المتمثل في (بعض) نتاج الفلسفة فهو وليد قصورين:
- قصور (جبلِّي): في العقل البشري.
- قصور (منهجي): في تحييدهم الوحي جهلا أو عمدًا، وفرحهم بما "يظنونه" علمًا!
والنِّتاج هو مذاهب خِداج متناحرة..ترجم بالغيب ثم تتراجم هِيَهْ!
ومن تأمل الخلاف العريض والتصدع الكبير في مذاهب الفلسفة القديمة أو الحديثة -أدنى تأمل- يجد عجبًا من تناقضهم وتضادهم في الأُسّات والمعاقد..!
وإن في ذلك لشهادة بالغة على قصور العقل البشري وأنه لا قوام له ولا استقامة إلا بالوحي..
وأن العقل قاصر في ذاته، لكنه قابل لتلقي النور الإلهي، كما أن العين قابلة للإبصار عند الضوء؛ وإلا فليس إلا الظلام والتخبط..!
وهؤلاء -عباقرة الفلاسفة- مثلا لأعلى درجات ذكاء البشر، ومع ذا فَهُم بعلومهم ليسوا إلا كهباءة في مقابلة مؤمن عامي يقرأ القرآن ويدرك ما فيه من حقائق وجودية وغيبية بيسر وسهولة وتوافق مع الفطرة ومع الوجود، مُتوَّجةً بحقيقة التوحيد العظمى التي هي العلم كلّ العلم..
والتي أقفرت منها علوم أولئك؛ فباءت بالمَحْل والمُحال!
فما ظنك بالمؤمن العالم -أيًّا كان فنه- الذي ينطلق من ثوابت راسخة، في منهج مستقيم، ومحجّة بيضاء ينتهي فيها إلى ما سمع..!
وله مرجع محكم يردُّ إليه كل متشابه..!
ولذا فإن القرآن الكريم بعدما أرسى دعائم الإيمان الكبرى في الفاتحة، وتهيأت النفوس لتلقي مراد ربّ العالمين من عباده؛ كان أول ما ابتدأها به (الإيمان بالغيب) فهو الحَكَمَة الوثيقة لكل ما سيُقضى في الكتاب بعدُ من أحكام الشرع، وحِكمه، ومقاصده..
وما سيُثنّى فيه من الأخبار الماضية والمستقبلة..
وفوق هذا كله ما أخبر به جل ثناؤه عن نفسه، وملائكته، وأنبيائه، وكتبه، ولقائه..
في نظم نسيق، ورباط وثيق، ونسج لا اختلاف فيه ولا نشوز، وتفصيل يزيد الحق بلجًا، والباطل فلجًا.
وتآزر بديع بين آيات الله الشرعية والكونية؛ فيَفْسُر بعضها سرّ بعض، ويستشهد لبعضها بالآخر.
وما استبهم منها فيُسلّم إلى عالم الغيب والشهادة.. ولله هذه الآية، ما أثلجها على صدر المؤمن:
﴿الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾
استوقفني بعض ما احتفّ بهذه الآية الكريمة من أحوال ومناسبات جعلتها مشحونة بمعان ودلالات عظيمة:
• أولها: كونها في سورة الأنعام، سورة المفاصلة بين الكفر والإيمان بالحجج والبراهين..!
• ومن ذلك: ما رُوي في نزولها:
"أن المشركين جادلوا الرسول ﷺ في أكل الميتة وقالوا: أتأكلون ما تقتلون ولا تأكلون ما قتله الله عز وجل؟!"
فمن دلالات ذلك قصور العقل البشري عن إدراك حقائق صغرى فضلًا عن إدراك الحقائق الكبرى المتعلقة بالوجود والغيبيات وحِكَم التشريع وأسراره..!
وليكن هذا الاعتراض وما شاكله كفَتِّ العظم الرميم واستبعاد إحيائه مثالًا لجهالة العقل البشري (البسيط)!
أما جهالة العقل البشري (المركب)
المتمثل في (بعض) نتاج الفلسفة فهو وليد قصورين:
- قصور (جبلِّي): في العقل البشري.
- قصور (منهجي): في تحييدهم الوحي جهلا أو عمدًا، وفرحهم بما "يظنونه" علمًا!
والنِّتاج هو مذاهب خِداج متناحرة..ترجم بالغيب ثم تتراجم هِيَهْ!
ومن تأمل الخلاف العريض والتصدع الكبير في مذاهب الفلسفة القديمة أو الحديثة -أدنى تأمل- يجد عجبًا من تناقضهم وتضادهم في الأُسّات والمعاقد..!
وإن في ذلك لشهادة بالغة على قصور العقل البشري وأنه لا قوام له ولا استقامة إلا بالوحي..
وأن العقل قاصر في ذاته، لكنه قابل لتلقي النور الإلهي، كما أن العين قابلة للإبصار عند الضوء؛ وإلا فليس إلا الظلام والتخبط..!
وهؤلاء -عباقرة الفلاسفة- مثلا لأعلى درجات ذكاء البشر، ومع ذا فَهُم بعلومهم ليسوا إلا كهباءة في مقابلة مؤمن عامي يقرأ القرآن ويدرك ما فيه من حقائق وجودية وغيبية بيسر وسهولة وتوافق مع الفطرة ومع الوجود، مُتوَّجةً بحقيقة التوحيد العظمى التي هي العلم كلّ العلم..
والتي أقفرت منها علوم أولئك؛ فباءت بالمَحْل والمُحال!
فما ظنك بالمؤمن العالم -أيًّا كان فنه- الذي ينطلق من ثوابت راسخة، في منهج مستقيم، ومحجّة بيضاء ينتهي فيها إلى ما سمع..!
وله مرجع محكم يردُّ إليه كل متشابه..!
ولذا فإن القرآن الكريم بعدما أرسى دعائم الإيمان الكبرى في الفاتحة، وتهيأت النفوس لتلقي مراد ربّ العالمين من عباده؛ كان أول ما ابتدأها به (الإيمان بالغيب) فهو الحَكَمَة الوثيقة لكل ما سيُقضى في الكتاب بعدُ من أحكام الشرع، وحِكمه، ومقاصده..
وما سيُثنّى فيه من الأخبار الماضية والمستقبلة..
وفوق هذا كله ما أخبر به جل ثناؤه عن نفسه، وملائكته، وأنبيائه، وكتبه، ولقائه..
في نظم نسيق، ورباط وثيق، ونسج لا اختلاف فيه ولا نشوز، وتفصيل يزيد الحق بلجًا، والباطل فلجًا.
وتآزر بديع بين آيات الله الشرعية والكونية؛ فيَفْسُر بعضها سرّ بعض، ويستشهد لبعضها بالآخر.
وما استبهم منها فيُسلّم إلى عالم الغيب والشهادة.. ولله هذه الآية، ما أثلجها على صدر المؤمن:
﴿الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾