Telegram Web
أرضٍ مغصوبة فإنّ صلاته فاسدة وسبب ذلك أنّ النّهي عن العبادات يدلّ على فساد العبادة. وهذا بحث طويل توصّل العلماء من خلاله إلى هذه النّتيجة وأثبتوها وسوف يأتي إن شاء الله بحثه.
في المقابل يقول علماء آخرون: أنّ النّهي عن المعاملة لا يدلّ على فساد المعاملة ولا يدلّ على عدم صحّة المعاملة، فإذا قال الله تعالى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} نقول البيع محرّم ولكنّه صحيح بسبب وجود قاعدة في الأصول تقول أنّ النّهي عن المعاملة لا يقتضي فسادها (بطلانها)، فإنّ النّهي يقتضي الحرمة فقط. ولذلك يفتي الفقهاء بأنّ النّهي عن البيع وقت النّداء من صلاة الجمعة يدلّ على حرمة البيع ولكن في الوقت نفسه نحكم بصحّة البيع لأنّ النّهي عن المعاملة لا يدلّ على أنّ المعاملة فاسدة وباطلة.
فإذا ورد سؤال مفاده: ما هو الحكم التّكليفي والحكم الوضعي في مسألة البيع وقت النّداء؟

الجواب:

الحكم التّكليفي هو الحرمة والحكم الوضعي هو الصّحّة.
كيف يكون شكل الخطاب في الأحكام الوضعية ؟وهل من أمثلة توضح ذلك ؟[١]
ولماذا جعل الله الأحكام الوضعية ؟

الجواب :

شكل الخطاب في الأحكام الوضعية هو غير مباشر لسلوك الإنسان ، نذكر مثالين :

المثال الأول : " الصّلاة بالثّوب المتنّجس صلاة باطلة " .

المثال الثاني : " الصّلاة بجلد الميتة باطلة"

المثال الثالث : "الصّلاة بالحرير للرّجل باطلة".

المثال الرابع : "من حاز ملك"

المثال الخامس : "سوق المسلمين أمارة شرعيّة على التذكية والطهارة"

المثال السادس : "البينة حجة"


هنا في هذه الأمثلة كما تلاحظون لا يوجد فيها خطاب مباشر للمكلّف.

فالأحكام الوضعية يكشف عنها الخطابات الشرعية التي توجه السلوك بشكل غير مباشر.
وكما تقدم عندنا فالاحكام الوضعية يوجد في باطنها أحكام تكليفيّة لأن الأحكام الوضعيّة هي عبارة عن حوادث وكلّ حادثة لا بدّ أن يكون لها حكم.

ففي المثال الرابع الذي أتينا به وهو "من حاز ملك" يعني من حاز مباحاً كما لو صاد سمكاً فإنه يملكه فالملكية هنا هي حكم وضعي وهذا الحكم الوضعي يوجب أحكاماً تكليفيّة، فإذا صار مالكاً للأسماك كما لو اصطاد بسفينته طن من الأسماك ، وبعد يوم حال عليها رأس سنته الخمسية فيجب عليه اخراج الخمس ، فهذا حكم تكليفي نتج من الحكم الوضعي ، ويوجد هناك حكم تكليفي آخر وهو حرمة تصرف الآخرين بملك هذا الصياد.

إذاً كل حكم وضعي يوجد إلى جانبه حكم تكليفي.

وإنما جعَلَ اللهُ تعالى هذه الأحكامَ الوضعيّة لتنظيم حياة الإنسان ، كما في جعْلِ الزوجيّةِ والملكيّة والحريّة والرقيّة.


📚المحاضرة المكتوبة للشيخ ميرزا عباس شمس الدين.


<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<

[١]ولتتميم الفائدة نذكر امثلة أخرى على الأحكام الوضعية :

١- (الكلب والخنزير نجسان) حُكْمٌ وضعيّ .
٢- (يُشترَطُ في تطهير الآنية من ولوغ الكلب تعفيرُه بالتراب) .
٣- (النوم ناقضٌ للوضوء).
٤- (كلام الآدميين عمداً في الصلاة يبطل الصلاة) .
٥- (عقد الوكالة يسبّب التوكيل).
٦- (إتلاف مال الغيرِ سبب للضمان).
٧- (عقد الزواج يُنْتِجُ الزوجيّةَ) .
٨- (تَرْجِعُ المعتدّةُ بالعدّة الرجعيّة بمجرّد الوطء) .
٩- (يشترط في الطلاق أن تكون الزوجة المدخول بها في طهر لم يواقعها فيه).
هذه كلّها أحكامٌ وضعيّة.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
📚 الدرس [41] في علم أصول الفقه .(الحلقة الأولى)
📚 الدرس [41] في علم أصول الفقه .(الحلقة الأولى)


#نص الحلقة الأولى :


[أقسام الحكم التكليفي

ينقسم الحكم التكليفي - وهو الحكم المتعلق بأفعال الانسان والموجه لها مباشرة - إلى خمسة أقسام، وهي كما يلي:


۱ - " الوجوب " وهو حكم شرعي يبعث نحو الشئ الذي تعلق به بدرجة الالزام، نحو وجوب الصلاة ووجوب إعادة المعوزين على ولي الامر.
۲ - " الاستحباب " وهو حكم شرعي، يبعث نحو الشئ الذي تعلق به بدرجة دون الالزام، ولهذا توجد إلى جانبه دائما رخصة من الشارع في مخالفته، كاستحباب صلاة الليل.
۳ - " الحرمة " وهي حكم شرعي يزجر عن الشئ الذي تعلق به بدرجة الالزام، نحو حرمة الربا وحرمة الزنا وبيع الأسلحة من أعداء الاسلام.
٤ - " الكراهة " وهي حكم شرعي يزجر عن الشئ الذي تعلق به بدرجة دون الالزام، فالكراهة في مجال الزجر كالاستحباب في مجال البعث، كما أن الحرمة في مجال الزجر كالوجوب في مجال البعث، ومثال المكروه خلف الوعد.
٥ - " الإباحة " وهي ان يفسح الشارع المجال للمكلف لكي يختار الموقف الذي يريده، ونتيجة ذلك أن يتمتع المكلف بالحرية فله ان يفعل وله ان يترك.]


=====================

#الشرح:
الحكم التكليفي هو ذلك الحكم المتعلق بأفعال الإنسان والموجه لها بشكل مباشر ، وينقسم الحكم التكليفي الى خمسة أقسام :


القسم الأول : "الوجوب": وهو حكم شرعي يبعث نحو الشّيء الّذي تعلّق به بدرجة الإلزام بالفعل ، والمنع عن نقيضه ، فالشارع يلزم المكلف بالصوم في نهار شهر رمضان ويمنع عن نقيضها وهو الافطار.

وكتوضيح أكثر نأتي بمثال آخر : وجوب الصلاة ، فالصلاة يلزم الاتيان بها ، ومعنى الإلزام أنّه لا يسمح للمكلف بالتّرك فلا طريق إلى ترك الصّلاة ، وكوجوب الزكاة والخمس فلا طريق إلى ترك الزكاة والخمس ، وكوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكوجوب الحج للمستطيع ، وكوجوب العدل على الحاكم ، كذلك سائر الوجوبات - طبعاً بلحاظ التّمكّن - فإذا تركها العبد استحق العقاب.
فالواجبات في الشريعة هي أمور واجبة على نحو الطلب الشديد الذي ليس فيه رخصة في الترك ، فوجوبها لا على نحو الطّلب الضّعيف مع إمكانيّة التّرك ، ولكنّها واجبة على نحو الطّلب القويّ الإلزامي. وسيأتينا في المستقبل أنّ الأحكام الشّرعيّة لها مبادئ فمثلاً الوجوب انما اوجبه الله لوجود مصلحة فيه وتلك المصلحة لا نعلمها ولكن يعلمها الله تعالى، ويوجد فيه إرادة الله تعالى وتُسمّى بالإرادة التّشريعيّة. فالله عزّ وجلّ أسّس في الصّلاة مصلحة وأراد هذه المصلحة وأحبّها لذلك قال: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} وهناك مصلحة في الزّكاة –الملاك يعني المصلحة- وأحبّ الله هذه المصلحة وأرادها ولذلك قال الله عزّ وجلّ: {وَآتُوا الزَّكَاةَ}، وهناك مصلحة في إقامة صلاة الجمعة وهذه المصلحة أحبّها الله تعالى وأرادها ولذلك قال: { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ} ، وهناك مصلحة في إقامة الحج قال تعالى : {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، فكلّ وجوب له مبادئ ومصالح للعباد وهذه المبادئ والمصالح نعبّر عنها بالملاكات وعالم المصالح والحبّ من قبل الله تعالى وعالم الإرادة. وهذا الملاك-المصلحة- والحبّ والإرادة إذا كان شديداً فإنّ الشّيء يصبح واجباً بحيث أنّ الله تعالى يرى مصلحة لا يمكن أن تُترك وحبّ لا يمكن أن يُهمل وإرادة لا يمكن أن تُعوّض, فقال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ}، فلا يقبل ترك الصّلاة وذلك لشدّة المصلحة ولشدّة الحبّ ولشدّة الإرادة ولذلك أوجب علينا الصّلاة.


القسم الثاني : "الاستحباب": وهو حكم شرعي، يبعث نحو الشّيء الّذي تعلّق به بدرجة دون الإلزام ، ومخالفته لا يستحق العقاب ، ومثاله استحباب الاتيان بصلاة الليل ، واستحباب الصدقة فهنا توجد مصلحة في الاتيان بصلاة اللّيل، ولكن المصلحة أضعف وأقل من مصلحة الاتيان بالصّلاة اليوميّة، ويوجد هناك مصلحة في الاتيان بالصّدقة المستحبّة ولكن مصلحتها أقلّ من مصلحة الزّكاة الواجبة، والخمس الواجب ، فالحبّ والإرادة من الله تعالى لصلاة اللّيل وللصّدقة المستحبّة أقلّ من الحبّ والإرادة للصّلاة الواجبة وللزّكاة، ولذلك الأوّلان مستحبّان والآخران واجبان.[١]

>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>

[١][الاستحباب: هو الإلزام بفعل شيء ولكن لا بنحو يمنع عن نقيضه، فيبقى الطرف الآخر جائز الارتكاب، بعبارة أخرى: إن الشارع يريد وقوع الفعل من المكلف ولكن بدرجة دون الإلزام، ودون المنع من الطرف الآخر، بحيث توجد رخصة شرعية في ارتكاب النقيض، كاستحباب صلاة الليل لغير النبي (صلى الله عليه وآله ).]
راجع: شرح الحلقة الأولى - الحيدري - ص٩٤.
سؤال:

ما هو السّبب في كون حكم الصّلوات اليوميّة(الفرائض) هو الوجوب؟

الجواب:

السّبب وجود مصلحة أقوى في الصّلاة اليوميّة، يعني ملاك أقوى في الإلزام وكذلك الحبّ أقوى والإرادة أقوى من قبل المولى.

بخلاف نوافلها فحكمها هو الاستحباب وسبب ذلك هو أن الملاك والمصلحة فيها أضعف ومن هنا جاز ترك العمل بالمستحبّ، لذا يجوز تركها النوافل وترك صلاة اللّيل ويجوز ترك الصّدقة المستحبّة.

فإنّ المصلحة في اتيان صلاة اللّيل أضعف من المصلحة في اتيان صلاة الفجر ولذلك لا يجوز ترك صلاة الفجر في حين يجوز ترك صلاة اللّيل.

القسم الثالث : "الحرمة": وهي حكم شرعي يزجر عن الشّيء الّذي تعلّق به بدرجة الإلزام، ومثاله حرمة القمار ، و حرمة  الرّبا ، وحرمة الزّنا ، وحرمة بيع الأسلحة لأعداء الإسلام ، فالحرمة يوجد فيها ملاك[١]فالحرمة يوجد فيها علة وسبب وسبب والحرمة وعلتها وجود مفسدة فيها .
إذاً، الحرمة فيها مفسدة (بدل المصلحة) وفيها، كذلك، بغض (بدل الحبّ) وفيها كراهة (بدل الإرادة).
فالله تعالى وجد في الربا والسرقة وشرب الخمر وفي الرّبا وفي بيع السّلاح لأعداء الدّين وفي الغيبة وفي البهتان مفسدة شديدة فأبغضها بغضاً شديداً وكرهها كراهةً شديدةً، ولذلك أمر بتركها دون السّماح لنا بالفعل. فشرعاً قال لا تبيعوا السّلاح لأعداء الدّين ولا تستغيبوا ولا تسرقوا ولا تشربوا الخمر. فالبغض في الحرمة هو بغض شديد ولا سماح لغيره.[٢]

القسم الرابع : " الكراهة " وهو عبارة عن حكم شرعي يزجر عن الشيء الذي تعلق به بدرجة دون الإلزام فالعمل المكروه يوجد فيه مفسدة ولكن المفسدة خفيفة، وتوجد فيه مبغوضيّة ولكن هذه المبغوضيّة خفيفة، فتمّ المنع من الاتيان بهذا العمل ، ولكن في الوقت نفسه سُمح للمكلّف أن يفعله لأنّ المفسدة فيه لا تصل إلى مرتبة المنع التّام كالصّلاة في الحمّام ولبس النّعل الأسود وكالأكل على الجنابة وخلف الوعد.

>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>

[١] المِلاكُ يعني العلة والسبب.
[٢] [الحرمة: وهي حكم شرعي في مقابل الوجوب، وهي الزجر عن الشيء بنحو يمنع من ارتكاب النقيض، فالحرمة بمعنى الترك، ونقيضها هو الفعل، كحرمة الربا، وحرمة الزنا، وبيع الأسلحة من أعداء الإسلام، ولكن لا بنحو تكون الحرمة مركبة من ترك الشيء ونقيضه وهو الفعل، وإنما على نحو الإلزام واللابدية العقلية.]
راجع: شرح الحلقة الأولى - الحيدري - ص٩٤.
[٣][الكراهة: هي الزجر عن الشيء بنحو لا يمنع من ارتكاب النقيض، فالشارع يريد زجر المكلف ولكن بدرجة دون الإلزام، ودون المنع من الطرف الآخر، بحيث توجد رخصة شرعية في ارتكاب النقيض، كما في خلف الوعد، ونحوه من الأمور التي ذكرت في الكتب الفقهية والرسائل العملية.]
راجع: شرح الحلقة الأولى - الحيدري - ص٩٤.
القسم الخامس : " الإباحة " المشهور قالوا بأنّ الإباحة من الأحكام الخمسة، فيباح شرب الماء ويباح الجلوس في الدّار في الغرفة أو في المطبخ ، ويباح أن يتغذّى الإنسان من أيّ شيء يريده في دائرة الحلال فهذه كلّها مباحات ، لذلك قالوا بأنّ الإباحة من الأحكام الخمسة، ولكن هناك علماء آخرون أشكلوا قائلين بأنّهم يعلمون أنّ الأحكام التكليفيّة تحتوي على ملاكات:

فالوجوب ملاكه المصلحة الشّديدة، والاستحباب ملاكه مصلحة أخفّ، والحرمة ملاكها المفسدة الشّديدة، والكراهة ملاكها المفسدة الأقلّ، لكن السّؤال: ما هو ملاك(علة وسبب) ومصلحة الإباحة؟ ومن هنا قال بعض العلماء أنّ الإباحة ليست من الأحكام التّكليفيّة، وقالوا بأنّ الأحكام التّكليفيّة هي أربعة فقط: الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة، أمّا الإباحة فليست حكم شرعي تكليفي لأنّه لا يوجد ملاك ومصلحة في الإباحة. ثمّ إنّ الأصل في الأشياء هو الإباحة حتّى يدلّ دليل على الحرمة أو على الوجوب أو على الاستحباب أو على الكراهة، وإلّا فبمقتضى الأصل فإنّ الإباحة ليست حكماً شرعيّاً، فالأصل في الأشياء والأفعال هو الإباحة وليست الإباحة حكماً شرعيّاً خامساً على حدّ قول البعض.

لكن المشهور من العلماء ردّوا على أصحاب الرّأي السّابق قائلين أنّه يوجد هناك ملاك في الإباحة، فكما أنّ الوجوب ملاكه المصلحة الشّديدة والاستحباب ملاكه المصلحة الأخفّ والحرمة ملاكها المفسدة الشّديدة والكراهة ملاكها المفسدة الأخفّ، فإنّ التّخيير ملاكه هو نفس التّخيير. فالله تعالى وجد مصلحة في أن يجعل المكلّف مخيّر في ماذا يأكل وأين يمشي ومخيّر في أن ينام وأين يصلّي. فنفس التّخيير يعتبر مصلحة، فالتّخيير هو ملاك الإباحة، إذاً هي من الأحكام الخمسة ولا مانع من ذلك.

المسألة الأخرى : أن لفظ الإباحة تارةً يراد منها :

الإباحة بالمعنى الأخص التي تعتبر قسماً خامساً من أقسام الأحكام التكليفية، وهي تعبر عن مساواة الفعل والترك في نظر المولى، فيكون قسماً خامساً من أقسام الاحكام التكليفية ويكون ملاكه التخيير.

وتارةً أخرى تطلق الإباحة ويراد بها الإباحة بالمعنى الأعم ، ويطلق عليها اسم " الترخيص " فيكون في مقابل الوجوب والحرمة، فتكون الإباحة بالمعنى الأعم شاملة للمستحبات وللمكروهات مضافاً إلى المباحات بالمعنى الأخص لاشتراكها جميعاً في عدم الإلزام .
فإذا ذكر الفقهاء عبارة " الإباحة بالمعنى الأعم " فيكون مرادهم المستحبات والمكروهات والمباحات بالمعنى الأخص.



📚المحاضرة المكتوبة للشيخ ميرزا عباس شمس الدين.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
📚 الدرس [42] في علم أصول الفقه .(الحلقة الأولى)
📚 الدرس [42] في علم أصول الفقه .(الحلقة الأولى)

#نص الحلقة الأولى :


[تنويع البحث :

حينما يتناول الفقيه مسألةً كمسألة الإقامة للصلاة ، ويحاول استنباط حكمها يتساءل في البداية : ما هو نوع الحكم الشرعيّ المتعلّق بالإقامة؟ فإن حصل على دليلٍ يكشف عن نوع الحكم الشرعيّ للإقامة كان عليه أن يحدِّد موقفه العمليّ واستنباطه على أساسه ، فيكون استنباطاً قائماً على أساس الدليل.

وإن لم يحصل الفقيه على دليلٍ يعيّن نوع الحكم الشرعيّ المتعلّق بالإقامة فسوف يظلّ الحكم الشرعيّ مجهولاً للفقيه ، وفي هذه الحالة يستبدل الفقيه سؤاله الأوّل الذي طرحه في البداية بسؤالٍ جديدٍ كمايلي : ما هي القواعد التي تحدّد الموقف العمليّ تجاه الحكم الشرعيّ المجهول؟ وهذه القواعد تسمّى بالاصول العملية ، ومثالها : أصالة البراءة ، وهي القاعدة القائلة : «إنّ كلّ إيجابٍ أو تحريمٍ مجهولٍ لم يقم عليه دليل فلا أثر له على سلوك الإنسان ، وليس الإنسان ملزماً بالاحتياط من ناحيته والتقيّد به» ، ويقوم الاستنباط في هذه الحالة على أساس الأصل العمليّ بدلاً عن الدليل.]


=====================

#الشرح:
[١] عندما يطرح على الفقيه سؤال حول حكم شرعي ما او أراد الفقيه أن يعرف حكم واقعة من الوقائع التي تواجهه فعليه أن يتدرج في عملية الاستنباط ، فعليه في المقام الأول أن يبحث في الأدلة المحرزة في قسم الأدلة القطعية منها فإن لم يجد فيبحث في الأدلة الظنية الحجة .

والأدلة المحرزة تنقسم الى قسمين:

الأول: الدليل الشرعي: والمراد به كل ما يصدر من الشارع مما له دلالة على الحكم الشرعي, ويشمل ذلك القران الكريم , والسنة وهي قول المعصوم وفعله وتقريره.

الدليل العقلي: والمراد به تلك القضايا التي يدركها العقل ويمكن أن يستنبط منها حكم شرعي، كالقضيّة العقليّة القائلة بان إيجاب شيء يستلزم إيجاب مقدمته.

فإن لم يجد تصل النوبة الى الأصول العملية.

فإذا واجه الفقيه هذا السؤال :

هل الإقامة في الصّلاة واجبة أم مستحبّة؟ وهل الإقامة في صلاة الجماعة واجبة أم مستحبّة؟ فهناك كلام عند الفقهاء بأنّ الإقامة في صلاة الفرادى قد يختلف حكمها عن الإقامة في صلاة الجماعة. فبعض الفقهاء قالوا أنّ الإقامة في صلاة الفرادى مستحبّة وفي صلاة الجماعة شرطٌ في صحّة الجماعة، وبعض الفقهاء قالوا أنّ الإقامة مستحب خارج عن الصّلاة، وبعض الفقهاء قالوا أنّ الإقامة جزء من الصّلاة.
فإذا طرحنا هذا السّؤال على الفقيه وهو: "هل الإقامة واجبٌ أم مستحب؟" و "هل هي جزء من الصّلاة أم لا؟"
فعلى الفقيه أن يبحث في المقام الأول في الأدلة المحرزة فإن وجد الدليل فعليه الاستناد عليه وإن لم يجد فيستند الى الأصل العملي.

فإن حصل على دليل يكشف عن نوع الحكم الشّرعي للإقامة، كان عليه أن يحدّد موقفه العملي واستنباطه على أساسه، فيكون استنباطاً قائماً على أساس الدّليل. فعلى الفقيه أوّلاً أن يحدّد النّوع ومن ثمّ يفتي على طبق ما قام بتحديده وإن لم يحصل الفقيه على دليل يعيّن نوع الحكم فرضاً لو لم يكن هناك دليل يحدّد لنا أنّ الإقامة واجبة أو مستحبّة أو أنّها شرط في صحّة الجماعة أو أنّها جزء من الصّلاة فحينئذ سوف يظلّ الحكم الشّرعي مجهولاً للفقيه ، فسوف يقول الفقيه أنا لا أملك آية ولا رواية تبين حكم الإقامة، فإذا بقي الحكم الشّرعي مجهولاً للفقيه فإنّه حينئذٍ يحتاج إلى استبدال الأدلّة. فبعدما كانت الأدلّة الّتي بين يديه هي أدلّة شرعيّة من آيات قرآنيّة مباركة ومن روايات معصوميّة شريفة ولم يجد جواب السّؤال في هذه الأدلّة، فعليه أن ينتقل الى أدلة أخرى وهي الأصول العملية.

فبعد أن كان السّؤال: ما هو حكم الإقامة؟ وماهو الدّليل على وجوبها أو استحبابها وعلى كونها جزء أو شرط في الصّلاة؟


<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<

[١][توجد مناهج متعددة في تقسيم الأبحاث الأصولية ، ولكن الذي يهمنا هنا هو بيان المنهج المتبع لدى المصنف (قدس سره) في تقسيم الأبحاث الأصولية.
إن المنهج المعتمد في الحلقات الثلاث يختلف عن المناهج المتبعة في كتب الأصوليين، ويمكن إيضاح إطار هذا المنهج من خلال البيان التالي:
إن الفقيه - عادة - عندما يريد ممارسة عملية استنباط الحكم الشرعي لأي مسألة من المسائل، كالأذان والإقامة، أو شرب الخمر، فإنه يمر بمراحل يعتمد عليها للوصول إلى ذلك الحكم، وهذه المراحل هي:
المرحلة الأولى: مرحلة الأدلة المحرزة، وهو الرجوع إلى المصادر الأساسية الموجودة في الشريعة، وهي الكتاب الكريم والسنة الشريفة الأعم من قول النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام المعصوم (عليه السلام) قولاً وفعلاً وتقريراً، فإن وجد الفقيه نصاً يدلّ على الحكم، اعتمد عليه حسب الشروط المقررة في محلها لاستنباط الحكم الشرعي، والمرتبطة بالواقعة المبحوث عنها. وإن لم يجد نصاً في المصادر الموجودة لديه؛ يعيّن له الموقف العملي، يبقى الحكم الشرعي مجهولاً لدى الفقيه، فينتقل إلى المرحلة الثانية.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة الرجوع إلى الأصول العملية، ولا يمكن الصيرورة إلى هذه المرحلة إلا بعد فقد النص الشرعي في المرحلة الأولى ففي هذا الحالة نلجأ إلى ضوابط وقواعد شرعية، يمكن من خلالها تحديد الموقف الشرعي للمكلف إزاء الحادثة المشكوكة، مع الالتفات إلى أن الأصل العملي ليس له نظر إلى بيان حكم الله والكشف عنه، وإنما وظيفته هي إخراج المكلّف عن مقام الشك وأن لا يبقى متحيراً. وهذا ما يعبر عنه في كلماتهم بـ «الأصول العملية وهي أربعة: البراءة، والاستصحاب، والتخيير، والاحتياط، وسيأتي الكلام في جملة من هذه الأصول في نهاية هذه الحلقة إن شاء الله تعالى .
إن تدرج الفقيه من مرحلة إلى أخرى عند ممارسته لعملية الاستنباط قد اعتمده المصنف (قدس سره) منهجاً لتقسيم مباحث الأصول، فهو منهج قائم على أسلوب التدرج الذي يعتمده الفقيه في استنباط الحكم الشرعي.
ومن هنا نجده (قدس سره) تعرض لبحث العناصر المشتركة المرتبطة بالدليل الشرعي، ثم بحث العناصر المشتركة المرتبطة بالأصل العملي.]
شرح الحلقة الأولى - الحيدري - ص٩٩-١٠٠.
فلم يجد دليل محرز هنا . فحينئذٍ يستبدل السّؤال وبالتّالي لن يبحث عن حكم: الوجوب، الاستحباب، الجزئيّة، الشّرطيّة، بل سوف يبحث، بدلاً عن ذلك، عن الموقف العملي تجاه الإقامة. فيكون السؤال الجديد :

"ما هي القواعد الّتي تحدد الموقف العملي تجاه هذا الحكم الشّرعي المجهول؟"
فيرجع إلى الأصول العمليّة وهذه القواعد تسمّى بالأصول العمليّة حينئذٍ نسأل هذا السّؤال: "ما في الوظيفة العمليّة للإقامة؟"

والجواب سيكون بالاستناد إلى الأصل العملي البراءة. فبما أنّه لا توجد آية قرآنيّة مباركة ولا رواية شريفة تحدّد لي نوع الحكم الشّرعي بلحاظ الإقامة من كونها واجبة أم أمستحبّة ومن كونها شرط أو جزء فعلينا ان ننتقل الى المرحلة الثّانية من مراتب الأدلّة وهي مرتبة الأصول العمليّة، فنستبدل السّؤال الّذي مفاده: "ما هو حكم الإقامة؟"، بسؤال جديد مفاده: "ما هي الوظيفة العمليّة تجاه الإقامة؟".

وكما تعلمون فإنّ الأصول العمليّة منحصرة بأربعة وهي: الاستصحاب والبراءة والاحتياط والتّخيير. وهنا نحكم بالبراءة، لأنّ الاستصحاب خاصّ بما كانت له حالة سابقة، والمفروض أنّ الإقامة ليست لها حالة سابقة، ونحن نشكّ شكّاً بدويّاً في حكم الإقامة وليس عندنا شكّ مقرون بالعلم الاجمالي، فلا احتياط ولا تخيير فتثبت عندي البراءة. فعند الشّكّ في الوجوب نستعمل البراءة وعند الشّكّ في الجزئيّة أو الشّكّ في الشّرطيّة نستعمل البراءة، كذلك.

هذا هو معنى أصالة البراءة فإذا شككت فيما إذا كان الدّعاء عند رؤية الهلال واجباً أم لا، فأذا لم نحصل على دليل محرز ننتقل الى مرحلة الأصل العملي ، فإنّ أصل البراءة يقول ليس بواجب. فبما أنّه أنت لا تعلم بالوجوب فهو ليس بواجب ولا يجب عليك أن تحتاط من احتمال الوجوب. وإذا شككت أنّ التّدخين حرام أم لا، فإنّ الجواب هو أنّ التّدخين ليس بحرام لعدم وجود دليل على الحرمة ولا يجب الاحتياط في ترك التّدخين.
إذاً، أصل البراءة ينفي الوجوب المشكوك ولا يوجب الاحتياط وينفي الحرمة المشكوكة ولا يوجب الاحتياط، أيضاً.

إذاً، القاعدة تقول أنّ أيّ سؤالٍ يُطرح على الفقيه وأيّ حكم يحتاج الفقيه فيه أن يستنبط له دليل فأوّل باب على الفقيه أنّ يطرقه هو باب الأدلّة المحرزة، يعني الآيات الكريمة والرّوايات الشّريفة. فإذا كان عند الفقيه آية أو رواية في مسألة من المسائل فلا يحقّ له الذّهاب إلى الأصول العمليّة كالاستصحاب والبراءة والاحتياط والتّخيير. فلا يطرق باب الأصل العملي مع وجود دليل شرعي: كالآية الكريمة والرّواية الشّريفة، وأمارة شرعيّة: كأمارة سوق المسلمين أو أصالة الطّهارة وما شاكل.
أمّا إذا بحث الفقيه وحقّق ولم يجد جواباً وحكماً لسؤال من الأسئلة، فلم يجد جواباً في القران الكريم ولا في السّنّة فحينئذٍ عليه أن يطرق باب الأصول العمليّة.

فلا يجوز العمل بالبراءة قبل الفحص في الأدلة المحرزة ، فهذه تعتبر قاعدة وهي عدم جواز العمل بالبراءة قبل الفحص.
يعني لا يجوز لي أن أعمل بأصل البراءة لأنفي وجوب الدّعاء عند رؤية الهلال قبل أن أفحص في الآيات والرّوايات فلعلّ هناك دليل يدلّ على الوجوب من آية أو رواية، ولكن يجب الفحص أوّلاً في الأدلّة، فإذا فحصنا ولم نجد دليلاً على وجوب الدّعاء عند رؤية الهلال حينئذٍ جاز لي أن أعمل بالبراءة.
ولا يجوز لي أن أعمل بالبراءة وأحلّل التّدخين دون أن أفحص عن الدّليل من الكتاب أو السّنّة، فيجب أن أفحص وأدقّق وأبحث. فإذا لم أجد دليلاً فحينئذٍ يقول لي الشّارع أنّه الآن يجوز لك أن تعمل بالبراءة.

إذاً القاعدة تقول: لا يجوز العمل بالبراءة قبل الفحص في القرآن والسّنّة. إذاً، هناك طوليّة بين الأدلّة وبين الأصول العمليّة. فالأدلّة تأتي أوّلاً ومع وجود الأدلّة – أي الكتاب والسّنّة – فلا قيمة للأصول العمليّة. وأمّا إذا لم نجد أدلّة في القرآن والسّنّة على حكم واقعة من الوقائع الّتي تواجهنا، فحينئذٍ نلجأ للأصول العمليّة.

الأصل العملي لا يحرز الواقع وإنّما يعطينا الوظيفة العمليّة. مثلاً، الدّليل يقول: الثوب المتنّجس إذا وقع في الكرّ أصبح طاهراً، وهذا نعبّر عنه بالدّليل، وهذا الدّليل يريد أن يعطيني حكم شرعي واقعي، وهو أنّ هذا الثّوب طاهر واقعاً. ولكن هذا الثوب لو كان في الأمس طاهراً، واليوم كان عندي طفل وتبوّل في الغرفة الّتي يوجد فيها ذلك الثوب، وشككت فيما إن أصاب هذا الثوب بولاً أم لم يصبه، لأنّ الثوب لونه أبيض والبول شفّاف فهنا نقول أنّ الثوب محكوم بالطّهارة للاستصحاب، لكن الاستصحاب لا يقول لي أنّ الثوب طاهر واقعاً. فالاستصحاب يقول لي: "الله العالم لعلّ الثوب نجس واقعاً ولكن أنا الاستصحاب أعطيك الوظيفة العمليّة، فعملاً تعامل مع الثوب المشكوك تعامل الثوب الطّاهر."


📚المحاضرة المكتوبة للشيخ ميرزا عباس شمس الدين.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
📚 الدرس [43] في علم أصول الفقه .(الحلقة الأولى)
📚 الدرس [43] في علم أصول الفقه .(الحلقة الأولى)


#نص الحلقة الأولى :


[والفرق بين الأصل والدليل ان الأصل لا يحرز الواقع وانما يحدد الوظيفة العملية تجاهه وهو نحو من الاستنباط ولأجل هذا يمكننا تنويع عملية الاستنباط إلى نوعين: أحدهما الاستنباط القائم على أساس الدليل، كالاستنباط المستمد من نص دال على الحكم الشرعي، والاخر الاستنباط القائم على أساس الأصل العملي كالاستنباط المستمد من إصالة البراءة.
ولما كان علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في عملية الاستنباط فهو يزود كلا النوعين بعناصره المشتركة، وعلى هذا الأساس ننوع البحوث الأصولية إلى نوعين نتكلم في النوع الأول عن العناصر المشتركة في عملية الاستنباط التي تتمثل في أدلة محرزة للحكم، ونتكلم في النوع الثاني عن العناصر المشتركة في عملية الاستنباط التي تتمثل في أصول عملية.]


=====================

#الشرح:
سؤال:
ما هو الفرق ما بين الدّليل والأصل؟

الجواب:

الدّليل يحرز الواقع، فهو يقول أنّ الثوب المتنّجس إذا وقع في الكرّ فواللهِ هو طاهر وهذا حكم واقعي، فتتمكّن من أن تلبسه وتصلّي في الصّلاة. ولكن الأصل، أي الأصل العملي، لا يحرز الواقع. فالأصل يقول لي: أنا أعطيك الوظيفة العمليّة ماذا تصنع وماذا تفعل وكيف تتعامل. فإنّ ثوبك الّذي كنت على يقين بطهارته أمس، وشككت بنجاسته اليوم فأنا أسجّله بكونه ثوباً طاهراً، ولكن هو طاهر من ناحية العمل لا من ناحية الواقع. فقد يكون في الواقع نجساً ولكنّني أجهل هذا الواقع. فهنا عملاً يُسمح لنا الصّلاة بهذا الثّوب للاستصحاب الّذي يعطيني الوظيفة العمليّة.
إذاً، الفرق بين الدّليل وبين الأصل هو أنّ الدّليل يحرز الواقع أمّا الأصل فلا يحرز الواقع وإنّما يعطيك الوظيفة العمليّة فقط.
والاصل العملي هو استنباط، أيضاً، فهو استخراج للأحكام الشّرعيّة ، ومن هنا يتضح أن عمليّة الاستنباط تنقسم إلى نوعين:

النوع الأول : الاستنباط القائم على أساس الدّليل، كالاستنباط المستمدّ من نصٍّ دالٍّ على الحكم الشّرعي كآية او رواية ، فاستنبط حرمة أكل لحم الميتة ولحم الخنزير من القرآن، واستنبط وجوب صيام شهر رمضان من القرآن الكريم، واستنبط حرمة شرب الخمر من القرآن الكريم، واستنبط حرمة قطع الرّحم من السّنّة الشّريفة. وهكذا، تكون هذه الاستنباطات مباشرة من القرآن والسّنّة، وهذا هو النّوع الأوّل من أنواع الاستنباط.

النّوع الثاني: الاستنباط القائم على أساس الأصل العملي كالاستنباط المستمدّ من أصالة البراءة ، فاستنبط عدم وجوب الدّعاء عند رؤية الهلال هو استنباط من أصل البراءة، واستنبط طهارة الثّوب هو استنباط من أصالة الاستصحاب، واستنباط وجوب الاجتناب عن الإناءين معاً إذا تنجّس أحدهما هو استنباط من منجزية العلم الاجمالي ومن وجوب الاحتياط فيما لو اقترن الشّكّ في العلم الاجمالي، وأصالة الاشتغال هو أصل عملي.

إذاً، تارةً يستنبط الفقيه من الأدلّة المحرزة التي تحرز الواقع كالاستنباط من الآيات والروايات وتارةً يستنبط الفقيه من الأصول العنبية[١]، إلّا أنّ الأدلّة هي محرزة للواقع لكنّ الأصول ليست محرزة للواقع.

وتقدم عندنا أن علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في عمليّة الاستنباط فهو يزوّد كلا النّوعين - الأدلة المحرز والأصول العنلية - بعناصره المشتركة.
فيزود علم الأصول الأدلة المحرزة بالعناصر المشتركة فيقول حجّيّة الظّهور وخبر الثّقة حجّة والقياس ليس حجّة... إلى آخره. فيرتّب لنا علم الأصول الآليّات والعناصر المشتركة الّتي يحتاجها الفقيه فيما لو راجع الأدلّة المحرزة.

>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>

[١] عند عدم العثور على دليل محرز حينئذ تأتي مرحلة الاستنباط من الأصول العملية.
وكذلك يعطينا علم الأصول الآليّات والعناصر المشتركة فيما لو راجع الفقيه الأصول العمليّة فينصّ على أنّ أصالة البراءة في هذا الموضع حجة وأصالة الاشتغال في هذا الموضع حجة وأصالة الاستصحاب في هذا الموضع حجة و استصحاب العدم الأزلي، مثلاً، هو ليس بحجّة، وهكذا.

إذاً، علم الأصول يرتّب ما يحتاجه الفقيه في استنباط الحكم الشّرعي، ومن هنا تمّ تقسيم مباحث الأصول إلى قسمين:

القسم الأوّل: مباحث الأدلّة .
القسم الثّاني: مباحث الأصول العمليّة .

فمباحث الأدلّة يوجد فيها عناصر مشتركة متعدّدة ومباحث الأصول العمليّة، أيضاً، يوجد فيها عناصر مشتركة متعدّدة ونحن نباحث جميع هذه العناصر المشتركة في علم الأصول.

وعلى هذا الأساس ستتنوّع البحوث الأصوليّة إلى نوعين نتكلم في النّوع الأوّل عن العناصر المشتركة في عمليّة الاستنباط التي تتمثّل في أدلّة محرزة للحكم الواقعي، ونتكلّم في النّوع الثّاني عن العناصر المشتركة في عمليّة الاستنباط الّتي تتمثّل في أصول عمليّة التي تعطينا الوظيفة العملية تجاه الحكم المشكوك.


📚المحاضرة المكتوبة للشيخ ميرزا عباس شمس الدين.
📚للاطلاع على قائمة الدروس، يُرجى الضغط على الرابط التالي: 👇🏻 

https://www.tgoop.com/HawzaMasuma/7629
2025/06/25 23:30:18
Back to Top
HTML Embed Code: