Telegram Web
من النبل وحسن الخلق أن لا تكسر أحدًا في مشاعره واختياراته الذوقية، وأن تجامله خصوصًا إذا كانت العلاقة عابرة وسريعة، فلا حاجة للمصارحة والنقد والمصادمة؛ التي لن تنتج إلا جرحًا في خاطره، في أمور غالبًا ما تكون جانبية وتتعلق بالأذواق والاجتهادات والآراء الشخصية التي لا تحتاج لتعقب.
كل روح تلامسها يقظة في لحظة ما من حياتها، نور يقذف في القلب أو فكرة تلهم العقل، لكن الاختلاف بين الناس هو في الفرق الذي يسمحون به لليقظة أن تعمل في حياتهم. فأحدهم يجعلها كبارق لاح سريعًا في الأفق ثم انطفأ، وآخر تكون له بمثابة ضوء أبصر به الطريق أمامه، فسار على هداه طوال حياته.
في شخصية كل إنسان، وخصوصًا المرأة، جانبان. جانب تتوارى فيه الطفولة والبراءة والضعف، ولا يظهر إلا عند من يثق فيه ويحبه، ويريد أن يحتمي به ويحتويه. وجانب آخر، فيه العقل والقوة وإظهار الاستقلال، ويُظْهِر ذلك عند معظم الناس كالدرع لحماية نفسه وخصوصيته من تجاوز الآخرين إلى ذلك الحصن.
وكسر الجانب الأول، الطفولة والضعف، ليس مثل كسر الجانب الآخر في عمق التأثير في الروح، فهذا الجانب يظل مخفيًّا عن معظم الخلق، ولا يظهر إلا للنوادر الذين يحبهم الإنسان، فإذا ما كسروا ذلك الجانب لديه كسروا جزءًا هشًّا في أعماقه قد لا يجبر أبدًا، وربما فقد بعدها الثقة في الخلق كلهم.
كيف تكسب نفسك بهدوء دون أن تفقد أو تتصارع مع الآخرين مهما كانوا؟

١.ترسيخ صورة متزنة عن نفسك والآخرين، فلا تدع توتر الآخرين أو انفعالاتهم تؤثر على رؤيتك لهم أو لنفسك. تحلَّ بالهدوء الذهني ووازن بين الفهم العميق للمواقف والتصرف الحكيم، ولا تجتمع بأحد وأنت تحمل نوايا قلقة وسيئة تجاهه.
٢.إتقان فن التحدث والتصرف ببطء مريح، فلا تتعجل في أفعالك أو ردودك. خذ وقتك قبل اتخاذ أي خطوة أو قول أي كلمة، تكلم بهدوء ولطف بروية وثبات، فهذا يعكس ثقتك بنفسك وعدم خضوعك للضغوط أو الخوف.
٣.التحكم في الاستجابات الكلامية، فلست مضطرًا للرد على كل تعليق أو نقد يوجه إليك، فأحيانًا، كلمات موجزة ولطيفة تكفي لتحويل مجرى الحديث دون تصعيد أو انفعال.
٤.عدم الانجراف في الدفاع أو التبرير، فلا تكن سريع التفاعل أو المبالغة في تبرير مواقفك. الهدوء أمام النقد، وعدم الاندفاع في الدفاع عن نفسك، يبرز قوتك الداخلية ويعكس ثقتك في قدرتك على التعامل مع المواقف بحكمة.
٥.ليس كل شخص مؤهل للتجاوب معه في المزاح أو النقد، فبعض الأشخاص دومًا الأفضل تجاوزهم وتجنبهم بأسلوب دبلوماسي مهذب، فهم مثل البقعة المتسخة ملامستها فقط كافية لأن تطبعك بأسلوبها وتنحدر بك إلى مستواها، والترفع والتغافل هو الحل.
"ليس هناك إنسان أكثر بؤسًا من هذا الذي لا يألف شيئًا سوى التردد". دبليو جيمس
قلتُ: التردد في البدايات يدل على عقل الشخص وحكمته، لكن التردد إذا استمر طويلاً ومعطلاً عن اتخاذ القرارات المناسبة في وقتها؛ صار ضعفًا ظاهرًا في شخصية الإنسان وربما يدل على مشكلة أعمق من ذلك، وهل تضيع الحياة والفرص إلا بمثل هذا التردد. إذا أردت شيئًا بوعي، فعله أو قوله، فتوكل على الله.
ربما تكوني شجرة وحيدة في صحراء شاسعة، لكن حين تكوني وحيدة في الخير والنقاء والرسوخ، تكوني في الحقيقة فريدة ومميزة واستثنائية، وهذا يمنحك خلودًا لا يستحقه إلا المتفردون الذي نسجوا طريقهم من خيوط من نور، يمنحون الخيرات والإثمار إلى كل تائه في تلك البراري القاحلة.
"كثرة النظر إلى الباطل يذهب بمعرفة الحق من القلب". إبراهيم بن أدهم
‏"تَأَمَّلْتُ أَنْفَعَ الدُّعَاءِ فَإِذَا هُوَ سُؤَالُ الْعَوْنِ عَلَى مَرْضَاتِهِ". ابن تيميَّة
"مَنْ ترك نفسه مُهْملاً سُدًى إهمالَ البهائم، لا يدري بما يستقبل كلَّ وقتٍ= فتنقضي أكثرُ أوقاته ضائعةً. وأوقاتُك عُمُركَ، وعُمُرك رأسُ مالك، وعليه تجارتُك". أبو حامد الغزالي
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أصاب أحدًا قط همٌّ و لا حزنٌ ، فقال : اللهمَّ إني عبدُك ، و ابنُ عبدِك ، و ابنُ أَمَتِك ، ناصيتي بيدِك ، ماضٍ فيَّ حكمُك ، عدلٌ فيَّ قضاؤُك ، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك ، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك ، أو أنزلتَه في كتابِك ، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك ، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ، و نورَ صدري ، و جلاءَ حزني ، و ذَهابَ همِّي ، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ و حزنَه ، و أبدلَه مكانَه فرجًا قال : فقيل : يا رسولَ اللهِ ألا نتعلَّمُها ؟ فقال بلى ، ينبغي لمن سمعَها أن يتعلَّمَها".
النفس تستهلكها الخلطة اليومية مع الناس ومع الحياة، ويفقدها هذا الاحتكاك طاقتها الضرورية، وفجأة تشعر بالإرهاق النفسي والتعب، وهي لا تدرك أنه تسرب تدريجي يحصل لها في كل يوم، ولهذا هي تحتاج يوميًا إلى الاطمئنان وإعادة شحن طاقتها بالقرب من الله وبالبعد عن المنهكين والمستهلكين نفسيًا.
"لا تنقل إلى صديقك ما يؤلم نفسه ولا ينتفع بمعرفته فهذا فعل الأراذل ولا تكتمه ما يضره جهله فهذا فعل أهل الشر". ابن حزم
لو علم النَّاس ما في قراءة سورة البقرة من الخير والبركة والسعادة وطرد حزن الأرواح وكآبة النفوس وغموم الدنيا وهموم المستقبل وشرور الآخرين، لما تركوا قراءتها كل يوم، من عظيم ما يجدوه من السعادة والبهجة، وكأنهم يولدون بعد قراءتها من جديد كأنَّ أرواحهم أرواح الأطفال!
من جرب ذلك عرفه حق المعرفة:

التزام أذكار الصباح والمساء بعناية وتدبر، له أثر عجيب في بركة اليوم، وحفظ النفس، وبعث النشاط والإنجازات، وطرد الهموم والأحزان من النفس.
السكينة أعظم ما يحتاج إليه الحزين والمكتئب والخائف والقلق والمهموم. وتأملوا هذه الآية العظيمة مليًا. قال الله تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). فصلاة النبي عليه الصلاة والسلام على هؤلاء منحتهم السكينة، وهي من أعظم ما يناله العبد من الخير.
ومن أيسر وأعظم الطريق إلى هذه السكينة الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، فقد قال في الحديث الصحيح: (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً).
سيتوقف هذا الحساب اليوم، ويعاود الكتابة بإذن الله بعد شهر رمضان الكريم.

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال والأقوال، ونراكم على خير ونعمة وعافية.
2025/02/21 17:09:00
Back to Top
HTML Embed Code: