Telegram Web
قَيِّم نَفسَك.
أليس رمضان شهر الحصاد! فإني لم أزرع له قبله ما أحصده فيه، ولم يبق بيني وبينه غير أيامٍ لا أستطيع فيها منافسة الزارعين قبلي، كآيِسٍ أنا.

يا حبيبي؛ بلى رمضان شهر الحصاد؛ لكن لو لم يبق للعبد قبله إلا ساعةٌ يتيمةٌ؛ فليغتنمها بكل خيرٍ يقدر عليه قلبًا وقولًا وعملًا، مستعينًا على اليقظة والهرولة بربه، معترفًا له بسوالف تفريطه في جنبه، مبالغًا في إظهار ذلته وافتقاره إليه؛ عسى الله إن شهد ذلك منه -مجموعًا غيرَ مفروقٍ، صادقًا غيرَ مكذوبٍ- أن يرحم ضعفه وعجزه، ويجبر كسره وقطعه، فيفتح له في رمضان أبواب طاعاتٍ ولو فتحًا مقارِبًا، وقد يفتح له برحمةٍ لا مُمسك لها فتحًا عجبًا فيُلحقه بالزارعين لرمضان قبله بعامٍ حتى لكأنه واحدٌ منهم؛ لا إله إلا هو مَنَّانٌ قديرٌ.

كيف وقد بقيتْ بين يدَي الشهر العظيم مدةٌ؛ إذا بارك الرب عليها آتت فوق ما يُرجى منها! ألا إن من جد فيما بقي من شعبان لياليَ وأيامًا صادقةً عزماتُه؛ لم يُخَيِّب أرحمُ الراحمين طمعَه، وأناله من لذائذ الوصل ما وعد به الأوَّابين إذا صدَقوا، هو الله مولانا على كل حالٍ لنا وحينٍ، لا غنى لنا عنه طرفة عينٍ محسنين وغيرَ محسنين، عبيدُه سوانا كثيرٌ وليس لنا سيدٌ إلا هو، نرجوه بصفات كماله وكمال صفاته أن يُهَيِّئنا لضيفه الأكرم بما ينبغي له، واغفر اللهم لنا الغفلة وسيئاتها، ولا تؤاخذنا بما نستحق؛ إنك أنت الغفور الرحيم.

يا حبيبي؛ لا أقول لك: افعل قبل رمضان من القُرُبات كذا وكذا، مما لو وافق نوعًا من العِباد لعله ألا يوافق سواهم؛ لكني أقول لك: لا تدَع طاعةً بصَّرك الله بفضلها وأقدرك عليها؛ إلا استعنت الله عليها فعملتها، يُكَبِّرها حياؤُك من صَغرها، ويُكَثِّرها خجلُك من قِلَّتها، لسان كل شيءٍ فيك يقول لربك: واسَوْأَتاه منك وإن أدخلتني عليك! لك العُتبى حتى ترضى. فإن قلت: الآن تركبني الحيرة لا أدري ما أفعل فيما بقي! قلت لك: نِعمت الحيرة حيرة عبدٍ بين مراضي مولاه أيُّها يتحبب بها إليه، إلى ربك فاخْطُ، عليك البدءُ وعلى الله التمام.

الشيخ: حمزة أبو زهرة.
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
رجل عالم فقيه ولا تعجب أنه مسجون؛ فنحن أمة تُحارب علماءها!
ركضًا إلى الله بغير زادِ إلا التُّقى وعمل المعادِ والصبرُ في الله على الجهادِ وكلُّ زاد عُرضة النفادِ إلا التُّقى والبرِّ والرَّشادِ..

عمير بن الحُمام قبل شهادته.
جَاءَت أمُّ حَارثَة بنُ سُراقَة إلى النَّبي صلَّى الله عليه وسَلم بعدَ غزوةِ بدر..

فقَالت يا رسولَ الله ألا تخبرُني عن حارِثة؟
فقال يا أمَّ حارِثة إنَّها جنانٌ في الجَنة وإنَّ ٱبنَكِ حارِثة أصابَ الفِردوسَ الأعلى؛ قُتِل وهو يَشربُ بالحَوض أصابه سهم غَرب.

فكيف بمن قُتل يوم بَدرٍ في نَحرِ العدوِّ؛ الله أكبر.
ابن حزم رحمه الله:

لا شيء أقبح من الكذب، وما ظنك بعيب يكون الكفر نوعًا من أنواعه، فكل كفر كذب، فالكذب جنس، والكفر نوع تحته.

والكذب متولد من الجور والجبن والجهل؛ لأن الجبن يولد مهانة النفس، والكذاب مهين النفس؛ بعيد عن عزتها المحمودة.
‏فالعبد المؤمن الذي عرف الله بأسمائه وصفاته لا تجده إلا راضياً؛ لأنه يعلم أن تدبير الله خير من تدبيره لنفسه، وأنه تعالى أعلم بمصلحته من نفسه، وأرحم به من نفسه، ولذا تراه يرضى ويسلِّم، ويرى الأقدار أنها رحمة وحكمة، ولسان حاله:
"رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ﷺ نبيا".
"المرء حريصٌ على ما منع، وتوّاقٌ إلى ما لم ينل".
لمَّا بحث -ابن الجوزيّ- عن سبب ذلك، وجد سببين:
أحدهما: أنَّ النَّفس لا تصبر على الحصر، فإنَّه يكفي حصرها في صورة البدن. فإذا حصرت في المعنى بمنعٍ زاد طيشها.
ولهذا لو قعد الإنسان في بيته شهرًا، لم يصعب عليه. ولو قيل له: لا تخرج من بيتك يومًا، طال عليه.
والثاني: أنَّها يشقُّ عليها الدخول تحت حكم، ولهذا تستلذُّ الحرام، ولا تكاد تستطيب المُباح.
ولذلك يسهل عليها التَّعبد على ما ترى، وتؤثره لا على ما يؤثر.

-صيد الخاطر| ابن الجوزي.
والدُّنيا مفازةٌ فينبغي أن يكون السَّابق فيها العقل، فمَن سلَّم زمام راحلته إلى طبعه وهواه، فيا عجلة تلفه!

-صيد الخاطر| ابن الجوزي.
فرار المشركين كالحمير معرضين عند سماع القرآن دليل على قوة الحق، حتى أنه يصعب عليهم مجرد السماع، ولو سمعوا لأكل من أجسادهم كما تأكل الأسد فرائسها.

فسبحان من زين القرآن بقوة الوضوح والبيان؛ والمؤمن يستمد قوته وطبيعته وشخصيته من تعاليم الدين حيث الفطنة والاعتدال.

فاللهم اجعل سيف الحق قهرًا للباطل وأعوانه.
الشيخ : سمير مصطفي وهو بيقول إرجع وافضل خبط علىٰ بابه قوله:

يا ربّ أنا مُجر'م وغلطان!
والله العظيم عارف إن أنا مُجر'م، لكن!

ما عصيتُك إلا بشهوةٍ سرت في نفسي ، وعزَّتك ما أفتئتُ علىَ أحكامك ولا أتعدَّى حدودك ، وإنَّما نفسٌ جاهلةٌ وشيطانٌ ودُنيا وهوى!

وها قد كرعتُ مُرَّها يا سيدي، وانطرحتُ على بابك يا سيدي.
وإنَّما أنا صَنْعَتُكَ يا سيدي، وليس لي إلا أنتَ يا سيدي".
من نزلت به بلية، فأراد تمحيقها فليتصورها أكثر مما هي تَهُن.

وليتخايل ثوابها وليَتوهم نزول أعظم منها، يرى الرِّبح في الاقتصار عليها وليتلمح سرعة زوالها، فإنَّه لولا كرب الشِّدة ما رُجيت ساعات الرَّاحة.

وليعلم أنَّ مدّة مقامها عنده كمدة مقام الضَّيف، فليتفقد حوائجه في كل لحظة، فيا سرعة انقضاء مقامه، ويا لذّة مدائحه وبشره في المحافل، ووصف المضيف بالكرم.

فكذلك المؤمن في الشِّدة ينبغي أن يُراعي السَّاعات ويتفقد فيها أحوال النَّفس، ويتلمَّح الجوارح، مخافة أن يبدو من اللسان كلمة أو من القلب تسخُّط.

فكأن قد لاح فجر الأجر، فانجاب ليل البلاء، ومدح السّاري بقطع الدُّجى، فما طلعت شمس الجزاء إلا وقد وصل إلى منزلة السَّلامة.

- صيدُ الخاطر| ابن الجوزي.
وكيف لا أحبُّ من أنا به، وبقائي منه، وتدبيري بيده، ورجوعي إليه، وكل مستحسن محبوب هو صَنعَه وحسَّنه وزيَّنه وعطف النفوس إليه.

ابن الجوزي| صيدُ الخاطر.
"قَالَ إِنِّىٓ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَىَّ هَٰتَيْنِ".. وهكذا في بساطة وصراحة عرض الرجل إحدى ابنتيه في غير تحرج ولا التواء، فهو يعرض نكاحًا لا يخجل منه.

يعرض بناء أسرة وإقامة بيت؛ وليس في هذا ما يخجل، ولا ما يدعو إلى التحرج والتردد والإيماء من بعيد، والتصنع والتكلف مما يشاهد في البيئة التي تنحرف عن سواء الفطرة، وتخضع لتقاليد مصطنعة باطلة سخيفة، تمنع الوالد أو ولي الأمر من التقدم لمن يرتضي خلقه ودينه وكفايته لابنته، أو أخته، أو قريبته.

وتحتم أن يكون الزوج، أو وليه، أو وكيله هو الذي يتقدم، أو لا يليق أن يجيء العرض من الجانب الذي فيه المرأة!

ومن مفارقات مثل هذه البيئة المنحرفة؛ أن الفتيان والفتيات يلتقون، ويتحدثون، ويختلطون، ويتكشفون بعضهم لبعض في غير ما خطبة، ولا نية نكاح!

فأما حين تعرض الخطبة أو يذكر النكاح، فيهبط الخجل المصطنع، وتقوم الحوائل المتكلفة، وتمتنع المصارحة والبساطة والإبانة.

ولقد كان الآباء يعرضون بناتهم على الرجال على عهد رسول الله ﷺ؛ بل كانت النساء تعرض نفسها على النبي ﷺ، أو من يرغب في تزويجهن منهم.

وكان يتم هذا في صراحة ونظافة وأدب جميل، لا تخدش معه كرامة ولا حياء.

وقد عرض عمر -رضي الله عنه- ابنته حفصة على أبي بكر فسكت، وعلى عثمان فاعتذر، فلما أخبر النبي ﷺ بهذا طيب خاطره، عسى أن يجعل الله لها نصيبًا فيمن هو خير منهما، ثم تزوجها ﷺ.

وعرضت امرأة نفسها على رسول الله ﷺ فاعتذر لها، فألقت إليه ولاية أمرها يزوجها ممن يشاء، فزوجها رجلًا لا يملك إلا سورتين من القرآن علمها إياهما؛ فكان هذا صداقها.

وبمثل هذه البساطة والوضاءة سار المجتمع الإسلامي يبني بيوته، ويقيم كيانه في غير ما تعلثم ولا جمجمة، ولا تصنع، ولا التواء.

- الظلال.
يا حبيبي؛ لا تيأس من نفسك، أنت بخيرٍ ما جاهدت نفسك في فعل الطاعة وترك ال‍معصية، عبادتك التي خلقك الله لأجلها هي عبادة المجاهدة، وأبشر.

يا حبيبي؛ لو لم يُرد الله بك خيرًا بعد معصيتك ما عرَّضك للمتاب، فإذا عرَّضك للمتاب فتُب، تُب من فورك وإن حدثتك نفسك أنك راجعٌ لمعصيتك، وأبشر.

يا حبيبي؛ عمَّا قليلٍ تخِفُّ عليك طاعاتٌ طالما جاهدت نفسك في فعلها، وتشقُّ عليك معاصٍ طالما جاهدت نفسك في تركها، كلٌّ ببركات المجاهدة، وأبشر.

الشيخ: حمزة أبو زهرة.
ما ظنك بربك!

ألم يُعَوِّدك رحمته!

متى كنت بدعائه شقيًّا!

ألست الغاديَ الرائحَ عُمُرَك أجمعَ بين فِجاج آلائه!

هل غادر الله فيك من مثقال ذرَّةٍ لم يغرقه في أَنْهُر فضله!

فيم سوء الظن به وما أَلِفْت سوى لطفه! أم أن إيلافك اللطف بجَّحك!

ألست الناقم على كل من أحسنت إليه بالنقير والقِطمير؛ فلم يشكر لجلال نَعمائك! أين نقمتك على نفسٍ كَنودةٍ تعدُّ يسير المصائب وتنسى وفير المِنن!

كم كشف عنك من ضرٍّ وهمٍّ! وأذهب عنك من بأسٍ وغمٍّ!

تذكُر يوم صبَّحك راضيًا مجبورًا؛ وقد بِتَّ بمعصيته مسرورًا!

ألست محوطًا بأنعُمه ظاهرةً وباطنةً؛ في نفسك ومن تحب!

كم يشتاق لحرِّيتك أسيرٌ لا يرجو عليها مزيدًا! ويتمنى عافيتك سقيمٌ قرَّح جلدَه طولُ الرُّقاد! ويتوق إلى صيانة وجهك فقيرٌ جفَّف ماءَ وجهه ذلُّ السؤال! ويشتهي مفضوحٌ بخطيئته بين الناس سَترًا من الله يراه عليك مسدولًا!

كم تبغَّضت إلى الله -جافيًا- بما يكره؛ فوالاك -متودِّدًا- بما تحب!

هل فرَّط في هدايتك الكونية والشرعية من شيءٍ؛ فتعتب عليه بشيءٍ!

من علَّمك أن لك عنده شيئًا وأن عليه فِعلَه لك! عزَّ الفعَّال لما يريد وتبارك.

ساعةَ أثنى عليك أحدهم خيرًا ولم تغسل يدَك بعدُ من فسوقٍ؛ كيف نسيتها!

كم دلَّك عليه، وعلَّمك من لدنه، وعرَّفك سبيله، ووصلك بهُداه!

كم أقامك في مراضيه حين قام غيرك في مساخطه؛ يختصك بالعناية!

أرأيت كيف جعل إمهاله إلهامًا وإنظاره إنذارًا؛ فهو يتابع لك بين آياته لتؤوب!

أفلما شرح للطاعات صدرك من بعد سعيك في المعاصي؛ كان شكره نسيانه!

الساعة التي تصلِّي فيها هي هي ساعة إشراكِ مشركٍ، وابتداعِ مبتدعٍ، وظُلمِ ظالمٍ، وفجورِ فاجرٍ، وشرودِ شاردٍ، وإلحادِ مطرودٍ عن الطريق كلها.

أمستحقٌّ أنت عصمة الله إياك من فاحشةٍ قارفها أدنى الناس منك! وإنجاءَك من ظلمٍ لابَسَه جارٌ ليس بينك وبينه أكثرُ من جدارٍ! وتسليمَك من غوايةٍ أشهدك احتراق العامة بها! فبما نعمةٍ من الله لم يكن شيءٌ من ذلك.

أي حسنةٍ لك عنده حتى يَنْظِمك في صفوف الموحدين حقًّا؛ تعادي أعداءه وتوالي أولياءه! ولو شاء جعل عقوبتك في معاداة أوليائه وموالاة أعدائه.

هذا الإسلام الذي أنعمك به؛ ضل عنه كافرٌ يودُّ يوم التغابن لو أنه أسلم، هذه السُّنة التي ترغد فيها حُرِمها مبدِّلٌ يُذاد عن الحوض غدًا، تلك الفتن التي تُصَد آناء الليل وأطراف النهار عنها؛ هو الذي أنقذك برأفته ورحمته منها.

لماذا لم تكن في صفات الله معطِّلًا أو مجسِّمًا! وفي حقيقة الإيمان خارجيًّا أو مرجئًا! وفي عقيدة القدَر نافيًا أو غاليًا، وفي الصحابة شِيعيًّا أو ناصِبيًّا!

لولا أن منَّ عليك بمنهاج أهل السُّنة تتقلَّب في ساجديهم؛ لخُسِف بك.

أوجدك من العدم ليُعَرِّضك لسعادة العبادة في الدنيا، ولو أنه جعل نفس العبادة جزاءها لكان أوفى الشاكرين؛ لكنه وعدك عليها جنةً عرضها السماء والأرض، تَخْلُد بها في رضوانه الأكبر محبورًا بلذة النظر إلى وجهه الأكرم، ثم أعانك على ما له أوجدك، ولو شاء لم يكن من ذلك شيءٌ.

كم باعدَت ألطافُه الخفية بين ذرَّات بلائك الكثيف؛ حتى أبرزتك إلى براح العافية! لولا إيصاله دقائق برِّه برفقٍ إلى جَوَّانِيَّاتك قبل بَرَّانِيَّاتك من حيث لا تشعر ولا تحتسب؛ ما نجوت منها، فانظر إلى آثار اسمه اللطيف!

كم يسَّر لك عسيرًا، وقرَّب إليك بعيدًا، وفتح عليك مغلَّقًا، وجمع لديك مفرَّقًا!

كم قطَعته -فقيرًا إليه، وهو الغني الحميد- فوصلك!

كم بعُدت عنه -لا حول لك ولا قوة إلا به- فأدناك منه!

كم استدبرت رحمته فاستقبلك بها تلقاء وجهك؛ يقول لك: لا تُعرض عني!

كم أعميت عينك عن رسالةٍ أرسلها إليك، فأقرأها قلبَك -قاهرًا صُدودك- فوعاها؛ فصلُح بها شأنك، ومشيت بها سويًّا على صراطٍ مستقيمٍ!

إن الذين يشكون في الواقع والمواقع رحيمهم -تعاظمت رحمته- إلى من لا يرحمهم؛ لولا أنه جعل لهم عقولًا وأعيُنًا وألسُنًا، ولولا أنه وهبهم طاقاتٍ وأوقاتٍ، ولولا أنه يسر لهم أموالًا وأحوالًا؛ لولا هذا وأضعافه من مِنحه ما قدروا على شكايته، وإلا فالذين يعدمون هذا لا يقدرون على ذلك.

السماوات والأرض مكانًا، الليل والنهار زمانًا، الشمس والقمر آيتاهما، الماء والهواء ، المطاعم والمشارب والملابس والمساكن والمناكح والمراقد والملابس والمراكب، نفسك وجسمك ومخك، كل ذلك (بالنوع والكمِّ والكيف) من عطاءات الربوبية التي ما كانت قطُّ محظورةً عليك؛ بل لا يزال باسطُها باسطَها حواليك؛ كلها لدلالتك عليه فتودُّدك إليه.

القرآن آيةٌ آيةٌ، السنة حديثٌ حديثٌ، الملائكة ملَكٌ ملَكٌ، الأنبياء نبيٌّ نبيٌّ، عقائد الإسلام وشرائعه وآدابه، العُبَّاد والعلماء والحُفَّاظ والمصلحون والمجاهدون والمحسنون، كل هذا وما لا يحصى عدًّا من عطاءات الألوهية المُثلى؛ لإعانتك أنت -ما أنت!- على سعادتك الهائلة السرمدية.
كيف صارت عطاءات الربوبية وعطاءات الألوهية؛ نعمًا مألوفةً مغفولًا عنها لا تكاد تُذكر فتُشكر كأنما هي حقٌّ لنا! وكأن على المنعم بها شُكر قبولنا لها.

نعمٌ ما كان حق الواحدة منها؛ إلا سجود القلب الحياةَ كلَّها يحاول بعض الحمد وبعض الشكر وبعض الوفاء، وما هو ببالغٍ شيئًا من ذلك ولا يستطيع.

أتراه يستكثر بك من قلَّةٍ، أو يستعز بك من ذلَّةٍ؛ فهو يسارع في هواك!

لم يقل ربك: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"؛ حتى قال في عقبها: "مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ"؛ ليُعْلِمك أنه لا يكلِّف أحدٌ أحدًا بشيءٍ إلا وهو غانمٌ به منتفعٌ منه، إلا هو؛ فإنه بصفات الكمال وكمال الصفات كلَّف، وما كلَّف المكلَّفين إلا لِمَا هو عائدٌ عليهم هم من عوائد الخير في دُورهم الثلاثة، وما كانوا أجمعون ليَبْلغوا نفعه فينفعوه شيئًا.

ذلك الله؛ هو ربك وأنت صنعته، ولا يصنع صانعٌ حكيمٌ من الناس شيئًا ليُتلِفه؛ كيف بالحكيم الخبير واسع الرحمة والمغفرة! ما خلقك إلا للرحمة، ولا أنزل إليك الكتاب لتشقى، فما أصابك بعدُ من تلفٍ فمن نفسك.

من بصَّرك ما بصَّرك به أجمل الجُملاء من آيات كونه وشرعه!

من أسمعك ما أسمعكه أكرم الكُرماء: "يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ"!

لم لا تشهد من نعمه إلا ما منعك منه أو أخَّره عنك (مما لست له، أو ليس لك)؛ حتى صار ارتقابك إياه حجابًا لعينيك عن شهود حاقِّ النعم!

لم يُثيبك على صبرك في المصائب؛ وما أصابتك إلا بما كسبت يداك!

تسوؤك سويعاتٌ من بلاءٍ ما كان لها أن تخلو من لطف الله ورحمته؛ وأنت محوطٌ بالعافية قبلها وبعدها! ثم إنه ليس لبلاءٍ غايةٌ إلا تأهيلك للغفران والرضوان، وهو أعونُ أسباب دنيا العبد على دينه لو كان من الفاقهين.

كيف تطيع من أخرج أباك من الجنة في شهوةٍ يزينها! أم كيف تصدِّقه في شبهةٍ يزخرفها! أم كيف تكون سببًا في: "وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ"!

كيف إذ أعرضت لم تُقبل! أم كيف حين عثرت لم تنهض! ألا تستوحش بعيدًا!

ألم تعلم أنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه! ألم يأتك أن رُجْعاك إليه يومًا قريبًا!

قد أحبَّ لك أن تلقاه آمنًا مرحومًا؛ فلم يزل يُحَبِّبك ويُرَغِّبك ويُقَرِّبك مما تكون به يوم لقائه كذلك، لم يضرب عنك الذِّكر صفحًا أن كنت من المسرفين.

قد أعد النار يوم أعدها لغيرك؛ ففيم ركضُك أنت إليها وإصرارك عليها! أحالفٌ أنت بين الرُّكن والمقام أن تدخلها؛ فأنت آخذٌ في الوفاء بقسمك!

أليس عجيبًا أن فرض عليك حُسن الظن به والاستبشار برحمته؛ وإن عصيت!

أليس غريبًا أن جعل يأسك من رحمته كفرًا به أكبرَ؛ وإن كنت لذلك أهلًا!

أليس معيبًا أن تكون أحوج محتاجٍ إليه؛ ثم تعامله كالمستغني عنه!

"وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا"! خالعةٌ هذه القلوبَ تُطَيِّرُها، آهٍ وأوَّاهُ وأوَّتاهُ وأوَّهْ!

كيف يا رب أنجيتني من كُرَبٍ عاهدتك في لُجَجها: لئن أنجيتني منها لأكونن من الشاكرين؛ وكنت تعلم علمًا أزليًّا أني لا أُوفي الوعد ولا أحفظ العهد!

رب لو بدا لكل عبادك من بعضهم معشارُ ما بدا لك مني فردًا من أنواع الشنائع والفظائع؛ لقطعوهم ومنعوهم؛ كيف وأنت المحيط خُبْرًا بكل سيئاتي -ما ظهر منها وما بطن، ما دقَّ منها وما جلَّ- لم تقطعني ولم تمنعني! فلولا أنك العلي الكبير، وأنك الغني الحميد، وأنك البر الرحيم، وأنك الواجد الماجد، وأنك الحنان المنان؛ لم تفعل، رباه رباه بأنك الله لم تفعل.

رب لم وقد فرطت في الخير اختيارًا لم تُبَغِّضه إلي! ولم وقد حرصت على الشر تكرارًا لم تُحَبِّبه إلي! فأنا لا أزال -برأفةٍ منك، ورحمةٍ من لدنك- أتعشق الخير وأهله، وأمقت الشر وأهله؛ فإني لأحمدك على هذه -بخاصَّةٍ- حمدًا ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما، عائذًا بك من مكرك.

رب كيف لم ترفع عني سِترك قطُّ؛ وأنا الذي لم يَقْدُره حق قدره!

رب كيف قدَّمْتني في كثيرٍ من أمري؛ وقد أخَّرْتك في كثيرٍ من أمرك!

رب كيف لم تتوفَّني على خطيئةٍ من خطاياي؛ طال ما حلمت علي فيها!

رب كيف تركتني أدخل بيتك مصليًّا؛ وأنت من نهاني أن أُدخل بيتي غير تقيٍّ!

يا من لا تنفعه طاعة من أطاعه كما لا تضره معصية من عصاه؛ اقبل مني ما لا ينفعك وإن كان قليلًا، واغفر لي ما لا يضرك وإن كان كثيرًا.

أفلح الفارٌّون إلى سريع العفو والمعافاة، قد أيقظت أفئدتهم الموعظة؛ "مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ"! رباه شاكرون مؤمنون.

الشيخ: حمزة أبو زهرة.
الحَمدُ لله وبعد،

لو تمعنَّا تطوُّرَ نموِ فكرِ طالب العلمِ في مواجهة الشُّبهات لوجدتَ فرقًا كبيرًا في قدرات الاستيعابِ والفَهمِ، يتعمَّق الطالبُ للعلم قراءةً ظنًا منه تحصيله، فإذا به يهوي لدركات الشُّبه ويُجادل غرورًا أنه على حقٍّ بل ويتجرَّأ على أهلِ الفضلِ والعلم.

فلا شَكَ أنَّ البحث والتعلُّمَ سبيلُ خيرٍ لمُريديه، فإذا ٱنقلب لتشَرُّبٍ للشبه وتجرأ على أهل العلم، فذا ٱنحطاط للأدب لا يرضاه جاهل العلم فضلا عن العالم به والباحث عنه.

فإن كان ولابد باحثًا فليستعِن بأولي العلمِ الثقة فهمًا لا تنقيبًا وتمحيصًا إلا لو كان له من العلم يدا، ويتناوله بتمحيص صاحب أدبٍ لا سافلٍ منحط.

فاللّٰهم عَلمنا ما ينفعنا، وٱنفعنا بما علمتنا..
مِن دُعاء الثعالبيّ:

ساقَ الله إليك سعادة هلاله، وعرّفك بركة كماله. أسهمَ الله لك في فضله، ووفّقك لفرضه ونفله، لقاك الله فيه ما ترجوه، ورقاك إلى ما تحبّ فيما يتلوه، جعل الله ما أظلّك من هذا الصوم مقرونًا بأفضل القبول، مُؤذِنًا بدَرْكِ البغيّة ونجح المأمول، ولا أخلاك من برٍّ مرفوع، ودعاء مسموع، قابل الله بالقَبول صيامك، وبعظيم المثوبة تهجّدك وقيامك. عرَّفك اللهُ من بركاته ما يُربي على عدد الصائمين والقائمين، ووفّقك لتحصيل أجر المتهجّدين المجتهدين.
«كان بعض السلف يستحبّ في الختم قراءة الفاتحة وأوّل البقرة إلى المفلحون، ويسمّون ذلك الحالّ المرتحل، تشبيها للقارئ بالمسافر الذي لا يحلّ إلا وهو ينوي الارتحال، والقارئ كذلك يختم على نيّة افتتاح ختمة تالية.
وهذا المعنى أوحى إليّ مرة بأنّ قوله: ذلك الكتاب كما يحتمل الإشارة إلى الكتاب الذي أنت مقبل على تلاوته في افتتاح الختمة، يحتمل الإشارة إلى الكتاب الذي قضيت تلاوته في الختمة السابقة، فالمعنى الدائريّ في القرآن مراد والله أعلم، حتّى إنّ أوّل سوره وهي الفاتحة معدودة في السور القصار، مع أنّ السور القصار في آخر القرآن لا في أوّله».

الحال المرتحل والحجّة لأبي علي | مقالة.
2025/03/11 04:07:01
Back to Top
HTML Embed Code: