419
جلسة الصفا
٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦
٢٢ تشرين الثاني ٢٠٢٤
لفضيلة الشيخ
محمد نعيم عرقسوسي
بعنوان:
*دور التجار في نشر الإسلام*
بسم الله الرحمن الرحيم
تكلمنا في الدرس الماضي عن أثر الدعوة إلى الله تعالى في انتشار الإسلام .
ونذكر اليوم أن من أهم أسباب إنتشار الإسلام ، إنما هو القدوة الحسنة والأخلاق الفاضلة من التسامح والعدل والصدق والأمانة والنصح واحترام الحقوق وحفظ العهود.
من الأمثلة على ذلك أنه لما توجه المسلمون نحو حمص لفتحها كانت فيها حامية رومية كبيرة، وخرجت تلك الحامية لمواجهة المسلمين على أبواب حمص، لكن المسلمين تمكنوا من هزيمتها، وفرَّ من بقي من الحامية إلى داخل الأسوار الحصينة، ففرض المسلمون الحصار على حمص، وبعد ١٨ يوما استسلمت المدينة وقبلت بالجزية، وكانت الجزية مقابل الحماية والدفاع عنهم، وكانت ١٧٠ ألف دينار، وتم إبرام المعاهدة بين المسلمين وأهل حمص.
لكن هرقل ملك الروم ما كان له أن يبقى متفرجا وهو يشاهد مدن بلاد الشام تسقط الواحدة تلو الأخرى، فجمع كل الحاميات والجيوش المنتشرة وحشدهم في جيش واحد، وصل عدده إلى أكثر من مئتي ألف جندي، ووصل نبأ ذلك الحشد الضخم إلى المسلمين، فتشاوروا فيما يفعلونه، واستقر الرأي على أن ينسحبوا إلى أطراف بلاد الشام.
وبالفعل، بدأ المسلمون بالانسحاب من حمص، ولكنهم قبل أن ينسحبوا قاموا بأمر عجيب، لقد أعادوا إلى أهل حمص أموال الجزية التي أخذوها منهم، وأمر أبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه حبيب بن مسلمة، عامله على الخراج، أن يرد على أهل حمص كل ما أخذه منهم من أموال، وقال له: أردد على القوم الذين صالحناهم من أهل البلد ما كنا أخذنا منهم، لأنه لا ينبغي لنا إذ لم نمنعهم أن نأخذ منهم شيئاً، ذلك لأن الجزية هي في مقابل أن يحموهم ويدافعوا عنهم، ولن يستطيعوا بعد الانسحاب أن يدافعوا عنهم .
وطلب منه أن يقول لهم: نحن على ما كنا عليه فيما بيننا وبينكم من الصلح، لا نرجع عنه إلا أن ترجعوا عنه، وإنما رددنا عليكم أموالكم، كرهنا أن نأخذ أموالكم ولا نمنع بلادكم.
استغرب أهل حمص من تصرف المسلمين كثيراً، إذ لم يكن يخطر في بالهم أن جيشاً منتصراً فاتحاً قد يتصرف كما تصرف المسلمون.
فما كان منهم إلا أن قالوا للمسلمين: ردَّكم اللهُ إلينا، ولعن الله الذين كانوا يملكوننا من الروم، والله لو كانوا هم علينا، ما ردوا علينا شيئاً، ولكن غصبونا، وأخذوا ما قدروا عليه من أموالنا، ثم قالوا للمسلمين: لَوِلايَتِكُم وعَدْلكُم أحبُّ إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم.
وكان ذلك من أسباب دخول أهل حمص في الإسلام لما رأوا من أمانة المسلمين وسماحتهم وصدق عهودهم.
وكذلك عديد من البلدان في أصقاع الأرض انتشر فيها الإسلام لا عن طريق الفتوحات التي قادها القادة المسلمون، وإنما عن طريق التجار المسلمين الذين جابوا مشارق الأرض ومغاربها، وكان لهم دورٌ كبيرٌ في نشر الإسلام هناك، وقسم منهم أقام فترة طويلة في البلدان التي قصدها من أجل التجارة.
وكان التاجر المسلم معروفاً بصدقه وأمانته وأخلاقه الطيبة السمحة، وكان هؤلاء التجار حريصين على أن يكون ما يكسبونه حلالاً خالياً من المحرمات، وبذلك زرعوا الثقة بينهم وبين تجار تلك البلاد فصاروا يحبون التعامل معهم لما لمسوه من أمانة وصدق في التعامل،
كانوا إذا هموا ببيع سلعة ما، يُبَيِّنون كل العيوب التي توجد فيها لمن يريد شراءها، وإذا أعطوا وعدا لشخص ببيعه سلعةً، أوفوا بعهدهم ولم يخلفوا به حتى وإن جاءهم سعر أعلى من السعر الذي اتفقوا عليه، لأنهم يعلمون أن الإخلال بالعهد والوعد من صفات المنافقين.
ولم يكونوا يحتكرون بعض السلع ويحبسونها عن الناس ينتظرون ارتفاع أسعارها ليربحوا الكثير من الأموال، فقد سمعوا قول رسول الله ﷺ:
لا يحتكر إلا خاطىء.
لقد كان التجار مثالاً حسناً للتعامل وحسن السيرة، وامتازوا بالنظافة ورقي المعيشة فكان التاجر يهتم بصقل(كوي) ثوبه وعمامته وجمال دابته وتنظيف عدتها وسرجها ولجامها.
وكان التاجر المسلم إذا دخل قرية وثنية يلفت النظر بوضوئه وانتظامه في المواظبة على الصلاة، فكانت مظاهر التقوى والورع لها تأثير في جذب الكافر الذي أصبح يتصل بهم يومياً.
وبذلك استهووا سكان البلاد حيث كانوا دمثي الأخلاق ذوي قابلية للاندماج بالأهلين .
ومع أنهم جاؤوا للكسب والتجارة وتبادل السلع، كانوا يقيمون شعائرهم الدينية حيثما وجدوا على مرأى ومسمع من أهل البلاد، فقد كانوا يؤدون الصلاة ويؤذنون لها.
ذكر ابن بطوطة عن أخلاقيات التجار المسلمين في أرخبيل الملايو عند زيارته للمنطقة فقال:
وجاء إليَّ احد كبار التجار فيهم وهو شرف الدين التبريزي، أحد التجار الذين استندت منهم حين قدومي على الهند، وهو كان أحسنهم معاملة حافظاً للقرآن، مكثراً للتلاوة.
جلسة الصفا
٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦
٢٢ تشرين الثاني ٢٠٢٤
لفضيلة الشيخ
محمد نعيم عرقسوسي
بعنوان:
*دور التجار في نشر الإسلام*
بسم الله الرحمن الرحيم
تكلمنا في الدرس الماضي عن أثر الدعوة إلى الله تعالى في انتشار الإسلام .
ونذكر اليوم أن من أهم أسباب إنتشار الإسلام ، إنما هو القدوة الحسنة والأخلاق الفاضلة من التسامح والعدل والصدق والأمانة والنصح واحترام الحقوق وحفظ العهود.
من الأمثلة على ذلك أنه لما توجه المسلمون نحو حمص لفتحها كانت فيها حامية رومية كبيرة، وخرجت تلك الحامية لمواجهة المسلمين على أبواب حمص، لكن المسلمين تمكنوا من هزيمتها، وفرَّ من بقي من الحامية إلى داخل الأسوار الحصينة، ففرض المسلمون الحصار على حمص، وبعد ١٨ يوما استسلمت المدينة وقبلت بالجزية، وكانت الجزية مقابل الحماية والدفاع عنهم، وكانت ١٧٠ ألف دينار، وتم إبرام المعاهدة بين المسلمين وأهل حمص.
لكن هرقل ملك الروم ما كان له أن يبقى متفرجا وهو يشاهد مدن بلاد الشام تسقط الواحدة تلو الأخرى، فجمع كل الحاميات والجيوش المنتشرة وحشدهم في جيش واحد، وصل عدده إلى أكثر من مئتي ألف جندي، ووصل نبأ ذلك الحشد الضخم إلى المسلمين، فتشاوروا فيما يفعلونه، واستقر الرأي على أن ينسحبوا إلى أطراف بلاد الشام.
وبالفعل، بدأ المسلمون بالانسحاب من حمص، ولكنهم قبل أن ينسحبوا قاموا بأمر عجيب، لقد أعادوا إلى أهل حمص أموال الجزية التي أخذوها منهم، وأمر أبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه حبيب بن مسلمة، عامله على الخراج، أن يرد على أهل حمص كل ما أخذه منهم من أموال، وقال له: أردد على القوم الذين صالحناهم من أهل البلد ما كنا أخذنا منهم، لأنه لا ينبغي لنا إذ لم نمنعهم أن نأخذ منهم شيئاً، ذلك لأن الجزية هي في مقابل أن يحموهم ويدافعوا عنهم، ولن يستطيعوا بعد الانسحاب أن يدافعوا عنهم .
وطلب منه أن يقول لهم: نحن على ما كنا عليه فيما بيننا وبينكم من الصلح، لا نرجع عنه إلا أن ترجعوا عنه، وإنما رددنا عليكم أموالكم، كرهنا أن نأخذ أموالكم ولا نمنع بلادكم.
استغرب أهل حمص من تصرف المسلمين كثيراً، إذ لم يكن يخطر في بالهم أن جيشاً منتصراً فاتحاً قد يتصرف كما تصرف المسلمون.
فما كان منهم إلا أن قالوا للمسلمين: ردَّكم اللهُ إلينا، ولعن الله الذين كانوا يملكوننا من الروم، والله لو كانوا هم علينا، ما ردوا علينا شيئاً، ولكن غصبونا، وأخذوا ما قدروا عليه من أموالنا، ثم قالوا للمسلمين: لَوِلايَتِكُم وعَدْلكُم أحبُّ إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم.
وكان ذلك من أسباب دخول أهل حمص في الإسلام لما رأوا من أمانة المسلمين وسماحتهم وصدق عهودهم.
وكذلك عديد من البلدان في أصقاع الأرض انتشر فيها الإسلام لا عن طريق الفتوحات التي قادها القادة المسلمون، وإنما عن طريق التجار المسلمين الذين جابوا مشارق الأرض ومغاربها، وكان لهم دورٌ كبيرٌ في نشر الإسلام هناك، وقسم منهم أقام فترة طويلة في البلدان التي قصدها من أجل التجارة.
وكان التاجر المسلم معروفاً بصدقه وأمانته وأخلاقه الطيبة السمحة، وكان هؤلاء التجار حريصين على أن يكون ما يكسبونه حلالاً خالياً من المحرمات، وبذلك زرعوا الثقة بينهم وبين تجار تلك البلاد فصاروا يحبون التعامل معهم لما لمسوه من أمانة وصدق في التعامل،
كانوا إذا هموا ببيع سلعة ما، يُبَيِّنون كل العيوب التي توجد فيها لمن يريد شراءها، وإذا أعطوا وعدا لشخص ببيعه سلعةً، أوفوا بعهدهم ولم يخلفوا به حتى وإن جاءهم سعر أعلى من السعر الذي اتفقوا عليه، لأنهم يعلمون أن الإخلال بالعهد والوعد من صفات المنافقين.
ولم يكونوا يحتكرون بعض السلع ويحبسونها عن الناس ينتظرون ارتفاع أسعارها ليربحوا الكثير من الأموال، فقد سمعوا قول رسول الله ﷺ:
لا يحتكر إلا خاطىء.
لقد كان التجار مثالاً حسناً للتعامل وحسن السيرة، وامتازوا بالنظافة ورقي المعيشة فكان التاجر يهتم بصقل(كوي) ثوبه وعمامته وجمال دابته وتنظيف عدتها وسرجها ولجامها.
وكان التاجر المسلم إذا دخل قرية وثنية يلفت النظر بوضوئه وانتظامه في المواظبة على الصلاة، فكانت مظاهر التقوى والورع لها تأثير في جذب الكافر الذي أصبح يتصل بهم يومياً.
وبذلك استهووا سكان البلاد حيث كانوا دمثي الأخلاق ذوي قابلية للاندماج بالأهلين .
ومع أنهم جاؤوا للكسب والتجارة وتبادل السلع، كانوا يقيمون شعائرهم الدينية حيثما وجدوا على مرأى ومسمع من أهل البلاد، فقد كانوا يؤدون الصلاة ويؤذنون لها.
ذكر ابن بطوطة عن أخلاقيات التجار المسلمين في أرخبيل الملايو عند زيارته للمنطقة فقال:
وجاء إليَّ احد كبار التجار فيهم وهو شرف الدين التبريزي، أحد التجار الذين استندت منهم حين قدومي على الهند، وهو كان أحسنهم معاملة حافظاً للقرآن، مكثراً للتلاوة.
وبالنسبة لانتشار الإسلام في بلاد أفريقية، ذكر المؤرخون أنه بعد أن تم فتح السودان وتم استقرار الإسلام فيه، صار السودان مركزا رئيساً للدعاة والعلماء بالنسبة لأفريقيا، فركبوا البحر الأحمر إلى قارة أفريقيا ، ونشروا الإسلام في أوغندا وكينيا وتنزانيا وجزر القمر وغيرها.
ومن شرق أفريقيا توجه التجار المسلمون إلى الجنوب الأفريقي، وأقام بعضهم في تلك المناطق فترة طويلة، وحدث تزاوج بينهم وبين نساء تلك المناطق، مما نتج عنه كذلك تقارب بين الطرفين، وبدأ الأفارقة يأخذون من ثقافة التجار المسلمين وبدؤوا يتعلمون اللغة العربية بعد دخولهم في الإسلام، وأخذ عدد المسلمين يزداد يوماً بعد يوم في شرق وجنوب القارة السمراء.
وكان بعض التجار يجمع بين التجارة والعلم، فكانوا ينشؤون حلقات تعليم القرآن الكريم، فكان لهم دور هام في نشر الإسلام في غرب أفريقيا وانشؤوا مراكز تجارية صارت مركز إشعاع ديني وثقافي.
وبدأ التجار يفتتحون المدارس ويعلمون أبناء تلك المناطق، ويقومون بإيفاد المتفوقين منهم للدراسة في المراكز العلمية المرموقة.
وكانوا لا يُميِّزون بين أبيض وأسود أو بين غني وفقير، وهذا ما كان يفتقده سكان تلك المناطق نتيجة ما عانوه من ظلم واستعباد قبل دخول الإسلام إليهم، كما أن البعثات التبشيرية التي كانت ترسلها أوروبا، كانت تتعالى على الشعوب.
ومثلما انتشر الدين الإسلامي في قارة أفريقيا، انتشر أيضاً في قارة آسيا التي تعد أكبر قارات العالم مساحة، فقد توجه التجار المسلمون باتجاه الهند، وبدؤوا يمارسون دورهم الدعوي من حيث الصدق وعدم الغبن و عدم الكذب وفي الوفاء بالعهود والمواثيق، فتقربوا من سكان تلك المناطق في الهند والصين، وبدأ السكان هناك يدخلون في الدين الإسلامي طواعية عن طريق هؤلاء التجار المسلمين الذين عاملوا أهل تلك البلاد بالسلوك الطيب والتعامل الحسن .
فهذه تركستان الشرقية في الصين عرفت الإسلام عن طريق التجار ، فانتشر الإسلام بين الصينيين، ووصل التجار المسلمون إلى بلدان جنوب شرق آسيا كماليزيا والفلبين وغيرهما .
وكان التجار المسلمون وراء وصول الإسلام إلى جزر المالديف التي تقع في الجنوب الغربي من سريلانكا.
وكان للتجار أيضا دور بارز في وصول الإسلام إلى اندونيسيا التي تعد اليوم من أكبر الدول الإسلامية، وأول المناطق التي دخلها التجار هي السواحل الاندونيسية، ونزلوا كذلك في جزيرة سومطرة، ثم انتقلوا إلى بقية الجزر الأخرى جامعين بين التجارة والدعوة إلى الله تعالى.
وكان للحضارمة والعمانيين على وجه الخصوص أدوارٌ عظيمة في انتشار الإسلام في تلك البلاد، وكان لهم دور الريادة المطلق في المحيط الهندي، إذ تطور الأمر إلى هجرات واسعة من الحضارمة اليمنيين المسلمين إلى مناطق كثيرة في أرخبيل الملايو، حتى إنهم استطاعوا تأسيس سلطنات مستقلة في جزيرة جاوا.
وثمة أمور أدت إلى أسلمة اندونيسيا، منها زواج هؤلاء التجار الحضارمة والعمانيين وغيرهم من النساء الجاويات،
وكان زواج ملك جاوة الوسطى في القرن الثاني عشر الميلادي من أميرة مسلمة حدثاً مفصلياً، فقد اشترطت عليه هذه الأميرة أن يسلم أولا قبل الزواج بها فأسلم، وكان إسلام هذا الملك فاتحة عهد إسلامي جديد لانتشار الإسلام في جاوة الوسطى.
ويذكر المستشرق توماس أرنولد أن التجار والمهاجرين المسلمين العرب والهنود، رأوا أن أقوم السبل لإدخال دين الإسلام إلى هذه البلاد أن اتخذوا لغة القوم وكثيراً من عادات الأهالي، وعملوا يداً واحدة، وكان الهدف لهذه الوحدة بينهم الدعوة إلى الإسلام ونشره بين الطبقات الاجتماعية الوثنية.
ويذكر الرحالة الإيطالي الشهير ماركو بولو الذي قضى خمسة أشهر على ساحل سومطرة الشمالي سنة ١٢٩٢ م أنه وجد مملكة بولاك الصغيرة على الزاوية الشمالية الشرقية من الجزيرة مسلمة، لأن تجار المسلمين قد أدخلوا الإسلام فيها لكثرة ترددهم عليها في القرن الثامن.
وتدل الأخبار التاريخية أن ملك منطقة في جاوة أسلم عل يد بعثة من الدعاة، أرسلها أحد أشراف مكة المكرمة في القرن الثاني عشر الميلادي برئاسة رجل اسمه الشيخ اسماعيل، وقد اتخذ هذا الملك لقباً جديدا بعد الإسلام، سمى نفسه: الملك الصالح، وتزوج من ابنة ملك مملكة برلاك المسلمة، وأنجب منها ولدين كان أكبرهما الملك الظاهر.
وقد زار الرحالة المغربي الأشهر ابن بطوطة هذه المناطق في حدود عام ٧٤٣ هجري، ١٣٤٥ ميلادي، ورأى الملك الظاهر ابن الملك الصالح سلطان جاوة، ووصفه فقال: هو من فضلاء الملوك وكرمائهم شافعي المذهب، محب الفقهاء، يحضرون مجلسة للقراء والمذاكرة، وهو كثير الجهاد والغزو، ومتواضع جداً، يأتي إلى صلاة الجمعة ماشياً على قدميه.
ومن شرق أفريقيا توجه التجار المسلمون إلى الجنوب الأفريقي، وأقام بعضهم في تلك المناطق فترة طويلة، وحدث تزاوج بينهم وبين نساء تلك المناطق، مما نتج عنه كذلك تقارب بين الطرفين، وبدأ الأفارقة يأخذون من ثقافة التجار المسلمين وبدؤوا يتعلمون اللغة العربية بعد دخولهم في الإسلام، وأخذ عدد المسلمين يزداد يوماً بعد يوم في شرق وجنوب القارة السمراء.
وكان بعض التجار يجمع بين التجارة والعلم، فكانوا ينشؤون حلقات تعليم القرآن الكريم، فكان لهم دور هام في نشر الإسلام في غرب أفريقيا وانشؤوا مراكز تجارية صارت مركز إشعاع ديني وثقافي.
وبدأ التجار يفتتحون المدارس ويعلمون أبناء تلك المناطق، ويقومون بإيفاد المتفوقين منهم للدراسة في المراكز العلمية المرموقة.
وكانوا لا يُميِّزون بين أبيض وأسود أو بين غني وفقير، وهذا ما كان يفتقده سكان تلك المناطق نتيجة ما عانوه من ظلم واستعباد قبل دخول الإسلام إليهم، كما أن البعثات التبشيرية التي كانت ترسلها أوروبا، كانت تتعالى على الشعوب.
ومثلما انتشر الدين الإسلامي في قارة أفريقيا، انتشر أيضاً في قارة آسيا التي تعد أكبر قارات العالم مساحة، فقد توجه التجار المسلمون باتجاه الهند، وبدؤوا يمارسون دورهم الدعوي من حيث الصدق وعدم الغبن و عدم الكذب وفي الوفاء بالعهود والمواثيق، فتقربوا من سكان تلك المناطق في الهند والصين، وبدأ السكان هناك يدخلون في الدين الإسلامي طواعية عن طريق هؤلاء التجار المسلمين الذين عاملوا أهل تلك البلاد بالسلوك الطيب والتعامل الحسن .
فهذه تركستان الشرقية في الصين عرفت الإسلام عن طريق التجار ، فانتشر الإسلام بين الصينيين، ووصل التجار المسلمون إلى بلدان جنوب شرق آسيا كماليزيا والفلبين وغيرهما .
وكان التجار المسلمون وراء وصول الإسلام إلى جزر المالديف التي تقع في الجنوب الغربي من سريلانكا.
وكان للتجار أيضا دور بارز في وصول الإسلام إلى اندونيسيا التي تعد اليوم من أكبر الدول الإسلامية، وأول المناطق التي دخلها التجار هي السواحل الاندونيسية، ونزلوا كذلك في جزيرة سومطرة، ثم انتقلوا إلى بقية الجزر الأخرى جامعين بين التجارة والدعوة إلى الله تعالى.
وكان للحضارمة والعمانيين على وجه الخصوص أدوارٌ عظيمة في انتشار الإسلام في تلك البلاد، وكان لهم دور الريادة المطلق في المحيط الهندي، إذ تطور الأمر إلى هجرات واسعة من الحضارمة اليمنيين المسلمين إلى مناطق كثيرة في أرخبيل الملايو، حتى إنهم استطاعوا تأسيس سلطنات مستقلة في جزيرة جاوا.
وثمة أمور أدت إلى أسلمة اندونيسيا، منها زواج هؤلاء التجار الحضارمة والعمانيين وغيرهم من النساء الجاويات،
وكان زواج ملك جاوة الوسطى في القرن الثاني عشر الميلادي من أميرة مسلمة حدثاً مفصلياً، فقد اشترطت عليه هذه الأميرة أن يسلم أولا قبل الزواج بها فأسلم، وكان إسلام هذا الملك فاتحة عهد إسلامي جديد لانتشار الإسلام في جاوة الوسطى.
ويذكر المستشرق توماس أرنولد أن التجار والمهاجرين المسلمين العرب والهنود، رأوا أن أقوم السبل لإدخال دين الإسلام إلى هذه البلاد أن اتخذوا لغة القوم وكثيراً من عادات الأهالي، وعملوا يداً واحدة، وكان الهدف لهذه الوحدة بينهم الدعوة إلى الإسلام ونشره بين الطبقات الاجتماعية الوثنية.
ويذكر الرحالة الإيطالي الشهير ماركو بولو الذي قضى خمسة أشهر على ساحل سومطرة الشمالي سنة ١٢٩٢ م أنه وجد مملكة بولاك الصغيرة على الزاوية الشمالية الشرقية من الجزيرة مسلمة، لأن تجار المسلمين قد أدخلوا الإسلام فيها لكثرة ترددهم عليها في القرن الثامن.
وتدل الأخبار التاريخية أن ملك منطقة في جاوة أسلم عل يد بعثة من الدعاة، أرسلها أحد أشراف مكة المكرمة في القرن الثاني عشر الميلادي برئاسة رجل اسمه الشيخ اسماعيل، وقد اتخذ هذا الملك لقباً جديدا بعد الإسلام، سمى نفسه: الملك الصالح، وتزوج من ابنة ملك مملكة برلاك المسلمة، وأنجب منها ولدين كان أكبرهما الملك الظاهر.
وقد زار الرحالة المغربي الأشهر ابن بطوطة هذه المناطق في حدود عام ٧٤٣ هجري، ١٣٤٥ ميلادي، ورأى الملك الظاهر ابن الملك الصالح سلطان جاوة، ووصفه فقال: هو من فضلاء الملوك وكرمائهم شافعي المذهب، محب الفقهاء، يحضرون مجلسة للقراء والمذاكرة، وهو كثير الجهاد والغزو، ومتواضع جداً، يأتي إلى صلاة الجمعة ماشياً على قدميه.
وهذا الوصف من ابن بطوطة يعني أن أهل البلاد أنفسهم بعدما دخل الجيل الأول منهم إلى الإسلام طواعية واقتناعا على يد الدعاة المسلمين تجاراً كانوا أم علماء، عرباً كانوا أم هنودا، فإن الجيل الثاني قد حمل على عاتقه مهمة نشر الإسلام في اندونيسيا وماليزيا المجاورة، وكونهم من أصحاب المذهب الشافعي يؤكد أن الدعوة الأولى قد جاءت من الحضارمة الشافعية، وكذلك من أبناء المليبار جنوب الهند.
ويذكر أرنولد أن موجة انتشار الإسلام لم تخفت مع احتلال الهولنديين في القرن السادس عشر، فقال: أخذ الإسلام ينتشر بالوسائل الحماسية عن طريق التجار الذين طوفوا في البلاد.
ومن إقليم جاوة والملايو أخذ الإسلام في التوسع إلى المناطق المجاورة من جنوب شرق آسيا مثل كمبوديا وتايلند .
وفي بداية العصور الحديثة حرص أبناء هذه المناطق على إرسال أبنائهم إلى التعلم في الأزهر وفي البلاد العربية ومنها سورية، وكان أشهرهم الشيخ ظاهر جلال الدين الأزهري الذي كان من أكبر دعاة الإسلام في سومطرة وماليزيا، وقد توفي فيها سنة ١٩٥٦ م.
اللهم اجعلنا من الدعاة إلى دينك وشريعتك يا رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
و الحمد لله رب العالمين.
ويذكر أرنولد أن موجة انتشار الإسلام لم تخفت مع احتلال الهولنديين في القرن السادس عشر، فقال: أخذ الإسلام ينتشر بالوسائل الحماسية عن طريق التجار الذين طوفوا في البلاد.
ومن إقليم جاوة والملايو أخذ الإسلام في التوسع إلى المناطق المجاورة من جنوب شرق آسيا مثل كمبوديا وتايلند .
وفي بداية العصور الحديثة حرص أبناء هذه المناطق على إرسال أبنائهم إلى التعلم في الأزهر وفي البلاد العربية ومنها سورية، وكان أشهرهم الشيخ ظاهر جلال الدين الأزهري الذي كان من أكبر دعاة الإسلام في سومطرة وماليزيا، وقد توفي فيها سنة ١٩٥٦ م.
اللهم اجعلنا من الدعاة إلى دينك وشريعتك يا رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
و الحمد لله رب العالمين.
جلسة الصفا
20 شعبان 1437
27 أيار 2016
لفضيلة الشيخ
محمد نعيم عرقسوسي
بعنوان
*(9) من كواشف الكبر*
*رفض الجلوس مع الفقراء والمساكين* (21)
بسم الله الرحمن الرحيم
ونحن نستعرض علامات الكبر وقد نكون متحققين بها ونحن لا ندري، ومن كواشف الكبر في النفس أن الرجل إذا جاءه فقير أو مسكين أو موظف أو عامل بسيط لم يُعرْهُ اهتماماً ولم يلقِ له بالاً، وإن سلَّم عليه، سلَّم برؤوس أصابعه ثم سرعان ما ينصرف عنه أو يتشاغل عنه، وقد يسمعه بعض الكلمات ليُعَجِّلَ في انصرافه، أما إن سلّم عليه أحد الأغنياء من أصحاب الثروات أو من أصحاب الجاه والمنزلة الاجتماعية العالية، اهتم به اهتماماً عظيماً وقام إليه واحتفى به وتملَّق له وأبدى له الاحترام الفائق والإجلال، وانهال عليه بعبارات الترحاب والتوقير والتقدير، فعدم الاكتراث بهذا الفقير أو المسكين البسيط يكشف عن كبرٍ كامنٍ في النفس، كبر يتحوَّل إلى مذلَّة وخضوع أمام الأغنياء، فهؤلاء أذلَّةٌ أمام الأغنياء، أعزٌّة متكبرون على الفقراء والمساكين، وهم يأنفون أصلاً من الجلوس إليهم أو إجابة دعوتهم، أو دعوتهم أصلاً إلى مناسباتهم وحفلاتهم ولو كانوا من الأقرباء، فهم يستحيون من وجودهم في مناسباتهم، وهذا السلوك سلوك فاسد وسيء وخطير لأنَّه يجعل صاحبه في عداد الجبارين المتكبرين، إضافة إلى أن هذا السلوك يحجب عنهم كثيراً من الخير، ويحرمهم كثيراً من الانتفاع.
وأكبر مثالاً على هذا، أن التكبر والأنفة عن الجلوس مع الفقراء والمساكين هو الذي حرم كفار قريش من متابعة النبي عليه الصلاة والسلام، فقد روى الإمام مسلم والترمذي عن سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع النبي ﷺ ستة نفر، وعدَّهُم وهم من الذين كان ينظر إليهم المشركين نظرة دون من العبيد والمستضعفين، فقال المشركون للنبي عليه الصلاة والسلام: اطرد هؤلاء لا يجترؤون علينا.
وفي رواية عند الإمام أحمد عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: مرَّ الملأُ من قريش على رسول الله ﷺ وعنده خباب وصهيب وبلال وعمار، وسموا ملأً: لأنهم يملؤون العين، فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء؟؟ّ، وفي رواية الطبري: قالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك؟؟!!، أهؤلاء الذين منَّ الله عليهم من بيننا؟؟!!، ونحن نكون تبعاً لهؤلاء؟؟!!، اطردهم عنك، فلعلك إن طردتهم أن نتبعك، فنزل قول الله سبحانه وتعالى:
وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ**
فبسبب كبرهم وأنفتهم ورفضهم الجلوس مع الفقراء و المساكين، حرموا أعظم خير في الحياة وحرموا أقوم سبيل للنجاة، وهو الإيمان بالله سبحانه وتعالى.
ولكي لا نقع في هذه المصيبة وحتى لا تغشانا هذه الصفة الذميمة وهذا الخلق السيِّء بأن نأنف من مخالطة الفقراء والمساكين، نبَّهنا النبي ﷺ وحذَّرنا إلى أن ننظر إلى من هو دوننا من مال وجاه، نظرة دونٍ وازدراءٍ واستخفاف، فجاءت توجيهات النبي ﷺ لنُطامِنَ من أنفسنا، ولنُطأطئ من كبريائنا وحثَّنا على التقرُّب من هؤلاء المساكين والفقراء والخدم ومن هم على شاكلتهم، فروى الإمام أحمد والنسائي وابن حبان وغيرهم عن سيدنا أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه قال: أمرني خليلي بسبع، ثم عدَّهم وكان أولهم، قال: *أمرني بحبِّ المساكين والدنوِّ منهم* .
نلحظ من هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأمره من الدنوِّ من المساكين فقط، بل أمره بحبِّهم، أي أمره وأمر كل من سمع هذا الحديث أن يلتمس الأسباب التي تجعله يحبُّ هؤلاء المساكين، كأن يُفكِّر في صفاء قلوبهم وخشوع عباداتهم، وأن يفكِّر بأنهم يعيشون وهم صابرون على أحوالهم، المهم أن يلتمس ما يجعله يحبهم ويباسطهم ويتقرّب منهم.
وهذا الأمر الذي أمر به النبي ﷺ سيدنا أبا ذر رضي الله تعالى عنه، أمر به كذلك زوجته السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، فروى الإمام الترمذي في سننه عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال رسول الله ﷺ: يا عائشة، أحبِّي المساكين وقرِّبيهم فإن الله يُقَرِّبُكِ يوم القيامة.
ثم جاء الأمر بهذا جميع المسلمين، فقد روى الإمام الحاكم في مستدركه عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله ﷺ قال: *أحبُّوا الفقراء وجالسوهم*.
وجاء في التطبيق العملي لهذا الأمر في التعامل مع العمال والخدم، فيما رواه الإمام أحمد والبخاري أن رسول الله ﷺ قال:
*إذا جاء أحدكم خادمه بطعامٍ فليُقعده معه أو ليناوله منه، فإنه وليَ حرّه ودخانه*
20 شعبان 1437
27 أيار 2016
لفضيلة الشيخ
محمد نعيم عرقسوسي
بعنوان
*(9) من كواشف الكبر*
*رفض الجلوس مع الفقراء والمساكين* (21)
بسم الله الرحمن الرحيم
ونحن نستعرض علامات الكبر وقد نكون متحققين بها ونحن لا ندري، ومن كواشف الكبر في النفس أن الرجل إذا جاءه فقير أو مسكين أو موظف أو عامل بسيط لم يُعرْهُ اهتماماً ولم يلقِ له بالاً، وإن سلَّم عليه، سلَّم برؤوس أصابعه ثم سرعان ما ينصرف عنه أو يتشاغل عنه، وقد يسمعه بعض الكلمات ليُعَجِّلَ في انصرافه، أما إن سلّم عليه أحد الأغنياء من أصحاب الثروات أو من أصحاب الجاه والمنزلة الاجتماعية العالية، اهتم به اهتماماً عظيماً وقام إليه واحتفى به وتملَّق له وأبدى له الاحترام الفائق والإجلال، وانهال عليه بعبارات الترحاب والتوقير والتقدير، فعدم الاكتراث بهذا الفقير أو المسكين البسيط يكشف عن كبرٍ كامنٍ في النفس، كبر يتحوَّل إلى مذلَّة وخضوع أمام الأغنياء، فهؤلاء أذلَّةٌ أمام الأغنياء، أعزٌّة متكبرون على الفقراء والمساكين، وهم يأنفون أصلاً من الجلوس إليهم أو إجابة دعوتهم، أو دعوتهم أصلاً إلى مناسباتهم وحفلاتهم ولو كانوا من الأقرباء، فهم يستحيون من وجودهم في مناسباتهم، وهذا السلوك سلوك فاسد وسيء وخطير لأنَّه يجعل صاحبه في عداد الجبارين المتكبرين، إضافة إلى أن هذا السلوك يحجب عنهم كثيراً من الخير، ويحرمهم كثيراً من الانتفاع.
وأكبر مثالاً على هذا، أن التكبر والأنفة عن الجلوس مع الفقراء والمساكين هو الذي حرم كفار قريش من متابعة النبي عليه الصلاة والسلام، فقد روى الإمام مسلم والترمذي عن سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع النبي ﷺ ستة نفر، وعدَّهُم وهم من الذين كان ينظر إليهم المشركين نظرة دون من العبيد والمستضعفين، فقال المشركون للنبي عليه الصلاة والسلام: اطرد هؤلاء لا يجترؤون علينا.
وفي رواية عند الإمام أحمد عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: مرَّ الملأُ من قريش على رسول الله ﷺ وعنده خباب وصهيب وبلال وعمار، وسموا ملأً: لأنهم يملؤون العين، فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء؟؟ّ، وفي رواية الطبري: قالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك؟؟!!، أهؤلاء الذين منَّ الله عليهم من بيننا؟؟!!، ونحن نكون تبعاً لهؤلاء؟؟!!، اطردهم عنك، فلعلك إن طردتهم أن نتبعك، فنزل قول الله سبحانه وتعالى:
وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ**
فبسبب كبرهم وأنفتهم ورفضهم الجلوس مع الفقراء و المساكين، حرموا أعظم خير في الحياة وحرموا أقوم سبيل للنجاة، وهو الإيمان بالله سبحانه وتعالى.
ولكي لا نقع في هذه المصيبة وحتى لا تغشانا هذه الصفة الذميمة وهذا الخلق السيِّء بأن نأنف من مخالطة الفقراء والمساكين، نبَّهنا النبي ﷺ وحذَّرنا إلى أن ننظر إلى من هو دوننا من مال وجاه، نظرة دونٍ وازدراءٍ واستخفاف، فجاءت توجيهات النبي ﷺ لنُطامِنَ من أنفسنا، ولنُطأطئ من كبريائنا وحثَّنا على التقرُّب من هؤلاء المساكين والفقراء والخدم ومن هم على شاكلتهم، فروى الإمام أحمد والنسائي وابن حبان وغيرهم عن سيدنا أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه قال: أمرني خليلي بسبع، ثم عدَّهم وكان أولهم، قال: *أمرني بحبِّ المساكين والدنوِّ منهم* .
نلحظ من هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأمره من الدنوِّ من المساكين فقط، بل أمره بحبِّهم، أي أمره وأمر كل من سمع هذا الحديث أن يلتمس الأسباب التي تجعله يحبُّ هؤلاء المساكين، كأن يُفكِّر في صفاء قلوبهم وخشوع عباداتهم، وأن يفكِّر بأنهم يعيشون وهم صابرون على أحوالهم، المهم أن يلتمس ما يجعله يحبهم ويباسطهم ويتقرّب منهم.
وهذا الأمر الذي أمر به النبي ﷺ سيدنا أبا ذر رضي الله تعالى عنه، أمر به كذلك زوجته السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، فروى الإمام الترمذي في سننه عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال رسول الله ﷺ: يا عائشة، أحبِّي المساكين وقرِّبيهم فإن الله يُقَرِّبُكِ يوم القيامة.
ثم جاء الأمر بهذا جميع المسلمين، فقد روى الإمام الحاكم في مستدركه عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله ﷺ قال: *أحبُّوا الفقراء وجالسوهم*.
وجاء في التطبيق العملي لهذا الأمر في التعامل مع العمال والخدم، فيما رواه الإمام أحمد والبخاري أن رسول الله ﷺ قال:
*إذا جاء أحدكم خادمه بطعامٍ فليُقعده معه أو ليناوله منه، فإنه وليَ حرّه ودخانه*
وفي رواية أخرى:
*إذا كفى أحدكم خادمه صنعة طعامه وكفاه حرَّه ودخانه، فليجلسه معه فليأكل، فإن أبى فليناوله أكلة أو أكلتين*
والنبي عليه الصلاة والسلام أصلاً قد قال عن هؤلاء الخدم الذين يخدمونك حتى تنظر إليهم نظرة إنسانية حقيقية، قال ﷺ :
*إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم(فوق طاقتهم)فإن كلفتموهم فأعينوهم*
وكان النبي ﷺ أول من تحقق به وأول من تمثل به عليه الصلاة والسلام، فروى الحاكم في المستدرك والبيهقي في كتاب الآداب وكتاب شعب الإيمان عن سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنه قال:
*كان رسول الله ﷺ يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم*
وروى الإمام أحمد وغيره عن سيدنا أنس بن كالك رضي الله تعالى عنه قال:
*إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة، لتأخذ بيد رسول الله ﷺ فتنطلق به حيث شاءت من المدينة في حاجتها*
قال العلماء: معنى تأخذ بيده، أي تطلب مساعدتها فيُلَبِّي طلبها وينقاد لها، أي ليس بالضرورة اللازمة لحرفية الكلام أنها تأخذ بيده.
وروى النسائي في السنن الكبرى وابن حبان عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه قال:
*كان النبي ﷺ لا يأنف من المشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له حاجته*
فالنبي ﷺ وهو سيِّد ولد آدم يجعل نفسه في خدمة أضعف بني آدم، فلا يأنف أن يمشي معه ويقضي له حاجته، واسمعوا إلى اهتمام النبي عليه الصلاة والسلام بهؤلاء المساكين والضعفاء، وهم في نظر الناس من طبقة اجتماعية متدنية، فروى الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن إنساناً أسوداً(رجل أو امرأة)، كان يقم(يخدم) المسجد، ففقده رسول الله ﷺ ولم يعد يراه، فسأل عنه(دليل على اهتمامه)، فقيل له: مات أو ماتت، فقال النبي ﷺ: أفلا آذنتموني(أي لماذا ما أخبرتموني؟!!)، فقالوا يا رسول الله، إنه كان ليلاً، وفي رواية في الصحيح: فكأنَّهُم صغَّروا أمره(أو أمرها)، فقال النبي عليه الصلاة والسلام دلُّوني على قبرها، فدلُّوه فأتى القبر فصلى عليها ، وبذلك أعطاهم النبي ﷺ برهاناً عملياً على احترامه لهم، واحترامه لهذا الذي يقوم بتنظيف المسجد.
وروى الحاكم والبيهقي في كتابه "شعب الإيمان" عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ كان يركب الحمار ويجيب دعوة المملوك ويعود المريض.
وكان الوجهاء من العرب لا يركبون إلا الخيل(من الخيلاء)، فالنبي عليه الصلاة والسلام ولكي يعلمهم التواضع بشكل عملي كان يركب الحمار الذي يركبه البسطاء من القوم، وكان يجيب دعوة العبد إذا دعاه، وفيه رفع لشأنه وجبرٌ لخاطره ومؤانسة له.
وهذا الخلق العظيم من التواضع مع الفقراء والمساكين، سرى إلى الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، كيف لا وقد رأوا النبي ﷺ أمامهم في ذلك التواضع، فروى الإمام البخاري في الأدب المفرد عن أبي محذورة قال: كنت جالساً عن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه، إذ جاءه صفوان بن أمية بجفنة(قصعة) يحملها نفرٌ في عباءة، فوضعوها بين يدي عمر رضي الله تعالى عنه، يقول أبو محذورة: فدعا إليها ناساً مساكين وأرقَّاء من أرقاء حوله فأكلوا معه.
وروى الإمام البخاري في صحيحه عن نافع مولى عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال:
كان عبد الله بن عمر لا يأكل حتى يؤتى بمسكين فيأكل معه.
وروى الإمام البخاري وغيره عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وكان أبو هريرة من فقراء أهل الصفِّة الذين جعل لهم النبي ﷺمكاناً خاصاً في المسجد وكان يزورهم ويجلس إليهم، وكان إذا جاءته هدية دعا أهل الصفة فأكل معهم، يقول أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: كان جعفر ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، وكان يحبُّ المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه، وكان رسول الله ﷺ يُسمِّيه بأبي المساكين.
وروى الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال:
*شر الطعام طعام الوليمة، يُدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء*، وفي رواية: *ويُمنعها المساكين* .
وهذا الأخلاق سرت أيضاً إلى التابعين بعد الصحابة الكرام، فهذا بكر بن عبد الله المزني وهو من كبار التابعين، ذكروا أنه كان يجالس الفقراء والمساكين ويُحدثهم, ويقول إنه يعجبهم ذلك.
وسفيان الثوري، وهو أمير المؤمنين في الحديث، جاء في سيرته أنه كان يُعَظِّم المساكين، وكان الفقراء في مجلسه هم الأغنياء.
وقال المروزي، وهو ممن لازم الإمام أحمد بن حنبل: لم أجد الفقير في مجلس أعزَّ منه في مجلس أحمد بن حنبل كان مائلاً إليهم، مقصراً عن أهل الدنيا.
*إذا كفى أحدكم خادمه صنعة طعامه وكفاه حرَّه ودخانه، فليجلسه معه فليأكل، فإن أبى فليناوله أكلة أو أكلتين*
والنبي عليه الصلاة والسلام أصلاً قد قال عن هؤلاء الخدم الذين يخدمونك حتى تنظر إليهم نظرة إنسانية حقيقية، قال ﷺ :
*إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم(فوق طاقتهم)فإن كلفتموهم فأعينوهم*
وكان النبي ﷺ أول من تحقق به وأول من تمثل به عليه الصلاة والسلام، فروى الحاكم في المستدرك والبيهقي في كتاب الآداب وكتاب شعب الإيمان عن سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنه قال:
*كان رسول الله ﷺ يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم*
وروى الإمام أحمد وغيره عن سيدنا أنس بن كالك رضي الله تعالى عنه قال:
*إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة، لتأخذ بيد رسول الله ﷺ فتنطلق به حيث شاءت من المدينة في حاجتها*
قال العلماء: معنى تأخذ بيده، أي تطلب مساعدتها فيُلَبِّي طلبها وينقاد لها، أي ليس بالضرورة اللازمة لحرفية الكلام أنها تأخذ بيده.
وروى النسائي في السنن الكبرى وابن حبان عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه قال:
*كان النبي ﷺ لا يأنف من المشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له حاجته*
فالنبي ﷺ وهو سيِّد ولد آدم يجعل نفسه في خدمة أضعف بني آدم، فلا يأنف أن يمشي معه ويقضي له حاجته، واسمعوا إلى اهتمام النبي عليه الصلاة والسلام بهؤلاء المساكين والضعفاء، وهم في نظر الناس من طبقة اجتماعية متدنية، فروى الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن إنساناً أسوداً(رجل أو امرأة)، كان يقم(يخدم) المسجد، ففقده رسول الله ﷺ ولم يعد يراه، فسأل عنه(دليل على اهتمامه)، فقيل له: مات أو ماتت، فقال النبي ﷺ: أفلا آذنتموني(أي لماذا ما أخبرتموني؟!!)، فقالوا يا رسول الله، إنه كان ليلاً، وفي رواية في الصحيح: فكأنَّهُم صغَّروا أمره(أو أمرها)، فقال النبي عليه الصلاة والسلام دلُّوني على قبرها، فدلُّوه فأتى القبر فصلى عليها ، وبذلك أعطاهم النبي ﷺ برهاناً عملياً على احترامه لهم، واحترامه لهذا الذي يقوم بتنظيف المسجد.
وروى الحاكم والبيهقي في كتابه "شعب الإيمان" عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ كان يركب الحمار ويجيب دعوة المملوك ويعود المريض.
وكان الوجهاء من العرب لا يركبون إلا الخيل(من الخيلاء)، فالنبي عليه الصلاة والسلام ولكي يعلمهم التواضع بشكل عملي كان يركب الحمار الذي يركبه البسطاء من القوم، وكان يجيب دعوة العبد إذا دعاه، وفيه رفع لشأنه وجبرٌ لخاطره ومؤانسة له.
وهذا الخلق العظيم من التواضع مع الفقراء والمساكين، سرى إلى الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، كيف لا وقد رأوا النبي ﷺ أمامهم في ذلك التواضع، فروى الإمام البخاري في الأدب المفرد عن أبي محذورة قال: كنت جالساً عن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه، إذ جاءه صفوان بن أمية بجفنة(قصعة) يحملها نفرٌ في عباءة، فوضعوها بين يدي عمر رضي الله تعالى عنه، يقول أبو محذورة: فدعا إليها ناساً مساكين وأرقَّاء من أرقاء حوله فأكلوا معه.
وروى الإمام البخاري في صحيحه عن نافع مولى عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال:
كان عبد الله بن عمر لا يأكل حتى يؤتى بمسكين فيأكل معه.
وروى الإمام البخاري وغيره عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وكان أبو هريرة من فقراء أهل الصفِّة الذين جعل لهم النبي ﷺمكاناً خاصاً في المسجد وكان يزورهم ويجلس إليهم، وكان إذا جاءته هدية دعا أهل الصفة فأكل معهم، يقول أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: كان جعفر ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، وكان يحبُّ المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه، وكان رسول الله ﷺ يُسمِّيه بأبي المساكين.
وروى الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال:
*شر الطعام طعام الوليمة، يُدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء*، وفي رواية: *ويُمنعها المساكين* .
وهذا الأخلاق سرت أيضاً إلى التابعين بعد الصحابة الكرام، فهذا بكر بن عبد الله المزني وهو من كبار التابعين، ذكروا أنه كان يجالس الفقراء والمساكين ويُحدثهم, ويقول إنه يعجبهم ذلك.
وسفيان الثوري، وهو أمير المؤمنين في الحديث، جاء في سيرته أنه كان يُعَظِّم المساكين، وكان الفقراء في مجلسه هم الأغنياء.
وقال المروزي، وهو ممن لازم الإمام أحمد بن حنبل: لم أجد الفقير في مجلس أعزَّ منه في مجلس أحمد بن حنبل كان مائلاً إليهم، مقصراً عن أهل الدنيا.
أيها الأخ الكريم أيها الغني، يا صاحب الجاه العريض، هناك فوائد أخرى أنت تستفيدها من مجالسة المساكين:
1- فلعلَّ هذا المسكين الفقير الذي تجالسه وتباسطه وتحسن إليه، لعلَّه أن يكون من أصحاب الدعاء المستجاب، فيدعو لك ولأولادك بدعوة تنفعك وآثارها في دنياك ويوم وقوفك بين يدي مولاك يوم القيامة، أما سمعت قول رسول الله ﷺ:
*ربًّ أشعث مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبرَّه*.
قال الإمام النووي في شرحه ل (مدفوع بالأبواب): أي لا قدر له عند الناس، فهم يدفعونه عن أبوابهم ويطردونه احتقاراَ له، ولو حلف على وقوع شيء أوقعه الله إكراماً له بإجابة سؤاله.
والنبي ﷺ أكَّد لنا هذا ليحثَّنا على الحفاوة بالضعفاء والمساكين في حديث آخر، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري في صحيحه:
*هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم*
وفي رواية عند النسائي وغيره:
*إنما ينصر الله هذا الأمة بضعفائهم، بدعوتهم وإخلاصهم وصلاتهم*.
فالضعيف يكون منكسر القلب، فعندما يصلي يكون لديه خشوع ولم يتعلق قلبه بزخارف الدنيا وزينتها، قال ابن بطال أحد شراح الحديث: هؤلاء زكت أعمالهم وأجيبت دعاؤهم.
2- حين تجلس إلى الفقير والمسكين وتباسطه، تزيل ما بينك وبينه من جفاء، وتحرك في قلبه محبته لك فلا يحسدك ولا يحقد عليك ولا يتربَّص بك الدوائر، بل إن مسَّك سوء أو ألم أو ضر، تألَّم لألمك ودعا لك.
قال الإمام البغوي:
التواضع لا يصغِّرُ كبيراً ولا يضع رفيعاً ولا يبطئُ لذي حقٍ حقَّه، ولكن يوجب لصاحبه فضلاً ويكسبه جلالاً وقدراً، لذلك يرفعك الله عز وجل بتواضعك لخلقه، كما قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد وغيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، قال ﷺ:
*من تواضع لله درجة، رفعه الله درجة حتى يجعله في عليين، ومن يتكبَّر على الله درجة، يضعه الله درجة حتى يجعله في أسفل سافلين*
أي كلما تواضع العبد رفعه الله تعالى حتى يكون في عليين، وقال العلماء ومنهم ابن حبان: يتكبَّر على الله أي على خلق الله، وكلما تكبَّر يضعه الله حتى يكون في أسفل سافلين.
وهناك فوائد أخرى ولكن سنقتصر على ما ذكرته لكم ، ولكن سأذكر هذا الرواية التي أخرجها القضاعي في مسند الشهاب، أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال وهو على المنبر:
يا أيها الناس تواضعوا، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول:
*من تواضع لله رفعه الله فهو في نفسه صغير وفي أعين الناس كبير، ومن تكبَّر وضعه الله فهو في نفسه كبير وفي أعين الناس صغير*
أيها الأخ أيها الغني أيها الثري أيها الكبير، يا صاحب الجاه ابتسم للصغير والكبير، ابتسم للغني والفقير، رحِّب بالناس جميعاً لا تفرق بين أمير ومأمور، فلعلَّك تصيبك دعوة من فقير يكون ممن لو أقسم على الله أبرَّه.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، يا رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
1- فلعلَّ هذا المسكين الفقير الذي تجالسه وتباسطه وتحسن إليه، لعلَّه أن يكون من أصحاب الدعاء المستجاب، فيدعو لك ولأولادك بدعوة تنفعك وآثارها في دنياك ويوم وقوفك بين يدي مولاك يوم القيامة، أما سمعت قول رسول الله ﷺ:
*ربًّ أشعث مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبرَّه*.
قال الإمام النووي في شرحه ل (مدفوع بالأبواب): أي لا قدر له عند الناس، فهم يدفعونه عن أبوابهم ويطردونه احتقاراَ له، ولو حلف على وقوع شيء أوقعه الله إكراماً له بإجابة سؤاله.
والنبي ﷺ أكَّد لنا هذا ليحثَّنا على الحفاوة بالضعفاء والمساكين في حديث آخر، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري في صحيحه:
*هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم*
وفي رواية عند النسائي وغيره:
*إنما ينصر الله هذا الأمة بضعفائهم، بدعوتهم وإخلاصهم وصلاتهم*.
فالضعيف يكون منكسر القلب، فعندما يصلي يكون لديه خشوع ولم يتعلق قلبه بزخارف الدنيا وزينتها، قال ابن بطال أحد شراح الحديث: هؤلاء زكت أعمالهم وأجيبت دعاؤهم.
2- حين تجلس إلى الفقير والمسكين وتباسطه، تزيل ما بينك وبينه من جفاء، وتحرك في قلبه محبته لك فلا يحسدك ولا يحقد عليك ولا يتربَّص بك الدوائر، بل إن مسَّك سوء أو ألم أو ضر، تألَّم لألمك ودعا لك.
قال الإمام البغوي:
التواضع لا يصغِّرُ كبيراً ولا يضع رفيعاً ولا يبطئُ لذي حقٍ حقَّه، ولكن يوجب لصاحبه فضلاً ويكسبه جلالاً وقدراً، لذلك يرفعك الله عز وجل بتواضعك لخلقه، كما قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد وغيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، قال ﷺ:
*من تواضع لله درجة، رفعه الله درجة حتى يجعله في عليين، ومن يتكبَّر على الله درجة، يضعه الله درجة حتى يجعله في أسفل سافلين*
أي كلما تواضع العبد رفعه الله تعالى حتى يكون في عليين، وقال العلماء ومنهم ابن حبان: يتكبَّر على الله أي على خلق الله، وكلما تكبَّر يضعه الله حتى يكون في أسفل سافلين.
وهناك فوائد أخرى ولكن سنقتصر على ما ذكرته لكم ، ولكن سأذكر هذا الرواية التي أخرجها القضاعي في مسند الشهاب، أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال وهو على المنبر:
يا أيها الناس تواضعوا، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول:
*من تواضع لله رفعه الله فهو في نفسه صغير وفي أعين الناس كبير، ومن تكبَّر وضعه الله فهو في نفسه كبير وفي أعين الناس صغير*
أيها الأخ أيها الغني أيها الثري أيها الكبير، يا صاحب الجاه ابتسم للصغير والكبير، ابتسم للغني والفقير، رحِّب بالناس جميعاً لا تفرق بين أمير ومأمور، فلعلَّك تصيبك دعوة من فقير يكون ممن لو أقسم على الله أبرَّه.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، يا رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
جلسة الصفا
ذي الحجة 1444
تموز 2023
لفضيلة الشيخ
محمد نعيم عرقسوسي
بعنوان:
*أعمال فيها مثل أجر الحج*
بسم الله الرحمن الرحيم
فريضة الحج تعد من أفضل الأعمال ، وله تتوق نفس كل مسلم، ويهتاج الشوق إليه حين رحيل الحجاج إلى بيت الله الحرام .
ولكن يمنع المسلم من أداء هذه الفريضة بعض العوائق والصعوبات، منها عدم الاستطاعة بسبب فقر أو مرض أو كبر في السن أو ارتفاع تكاليف الحج، وغير ذلك مما يحول بين المرء وأداء هذه الفريضة العظيمة.
هذا بالإضافة إلى أن من حجَّ قد لا يستطيع أن يكرر هذا الحج
ولو فرضنا أنه تمكَّن من أن يحجَّ كل عام، فلن يبلغ حجُّه أكثر من عدد سنوات عمره .
فكيف يستطيع المسلم أن ينال ثواب حجات كثيرة تفوق عدد سنوات عمره؟؟
الجواب:
أن الله سبحانه و تعالى شرع لعباده أعمالاً وقربات يبلغ أجرها ويعدل ثوابها مثل ثواب الحج والعمرة
ولا شك أن هذه الأعمال والقربات التي تعدل أجر الحج لا تسقط فريضة الحج عن القادر على القيام بها والمستطيع لها .
ولكن في حال وجود الموانع، أو حب الاستزادة من الأجر والثواب شرع الله تعالى هذه القربات التي لها مثل أجر الحج، ولذلك من حجَّ وأسقط الفريضة، يمكنه اغتنام هذه الأعمال والقربات ليزيد من أجره ويملأ بها ميزان حسناته.
فمن هذه الأعمال التي فيها مثل أجر الحج:
أولا: عقد النية الجازمة الصادقة على أداء الحج، إن أمكنه ذلك:
دليل ذلك، ما رواه الإمام البخاري عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: رجعنا من غزوة تبوك مع النبي ﷺ ، فقال:
إن أقواماً خلفنا بالمدينة، ما سلكنا شِعْباً ولا وادياً إلا وهم معنا حبسهم العذر.
ورواه الإمام مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أنه قال: كنا مع النبي ﷺ في غزاة، فقال:
إن بالمدينة رجالاً ما سِرْتُم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض.
وفي رواية:
إلا أشركوكم في الأجر.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: في هذا الحديث فضيلة النية في الخير، وأنَّ من نوى الغزو وغيره من الطاعات، فعرض له عذر منعه، حصل له ثواب نيَّتِه.
وقد قال النبي ﷺ فيما رواه الإمام مسلم وأبو داود والترمذي:
من سأل الشهادة صادقاً من قلبه، بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه.
وفي رواية:
أعطاه الله أجر الشهادة.
ففيه أن من نوى خيراً وحال بينه وبين فعله حائل، فإنه يكتب له أجره.
ومثله في ثواب النية الصادقة، ما أخرجه الإمام أحمد والترمذي عن أبي كبشة الأنماري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
إنما الدنيا لأربعة نفر: عبدٍ رزقه الله مالاً وعلماً، فهو يتقي فيه ربه، ويصل رحمه، ويعلم فيه لله حقاً، فهذا بأفضل المنازل .
وعبدٍ رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فأجرهما سواء.
ثانياً: المحافظة على صلاة الفريضة في المسجد جماعة:
فقد روى الإمام أحمد والبيهقي وغيرهم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهِّر، كان له كأجر الحاجِّ المُحرم، ومن مشى إلى سِبْحَةِ الضحى كان له كأجر المعتمر
فهذا الحديث يرشد إلى ثواب آخر لصلاة الجماعة في المسجد فهو إضافة إلى أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، وإذا خرج إلى المسجد لم يخط خطوة إلا رفعت له درجة ، وحط عنه بها خطيئة
فكم يضيِّع على نفسه من ضيَّع صلاة الجماعة؟؟!!.
ثالثاً: صلاة الفجر في جماعة ، ثم ذكر الله تعالى حتى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين:
فقد روى الإمام الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة.
وقوله: تامة تامة تامة، صفة لحجة وعمرة، وكررها ثلاثاً للتأكيد.
رابعاً: العمرة في رمضان تعدل حجة:
فقد أخرج الإمام البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي ﷺ لما رجع من الحج، قال لامرأة من الأنصار يُقال لها: أم سِنان: ما منعك أن تكوني حججت معنا؟، قالت: أبو فلان، تعني زوجها، كان له ناضحان، حجَّ هو وابنه على أحدهما، والآخر يسقي عليه غلامنا ارضاً لنا، فقال لها عليه الصلاة والسلام:
فعمرة في رمضان تعدل حجة
وفي رواية :
تعدل حجة معي
خامسا: الأذكار عقيب الصلوات المفروضة:
فقد روى الإمام مسلم وابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال:
جاء الفقراء إلى النبي ﷺ ، فقالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالدرجات العلا والنعيم المقيم، (والدثور: جمع دثر، وهو المال الكثير )، يُصلُّون كما نُصَلِّي، ويصومون كما صوم، ولهم فضل من أموال يحجُّون ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدقون، قال ﷺ:
ذي الحجة 1444
تموز 2023
لفضيلة الشيخ
محمد نعيم عرقسوسي
بعنوان:
*أعمال فيها مثل أجر الحج*
بسم الله الرحمن الرحيم
فريضة الحج تعد من أفضل الأعمال ، وله تتوق نفس كل مسلم، ويهتاج الشوق إليه حين رحيل الحجاج إلى بيت الله الحرام .
ولكن يمنع المسلم من أداء هذه الفريضة بعض العوائق والصعوبات، منها عدم الاستطاعة بسبب فقر أو مرض أو كبر في السن أو ارتفاع تكاليف الحج، وغير ذلك مما يحول بين المرء وأداء هذه الفريضة العظيمة.
هذا بالإضافة إلى أن من حجَّ قد لا يستطيع أن يكرر هذا الحج
ولو فرضنا أنه تمكَّن من أن يحجَّ كل عام، فلن يبلغ حجُّه أكثر من عدد سنوات عمره .
فكيف يستطيع المسلم أن ينال ثواب حجات كثيرة تفوق عدد سنوات عمره؟؟
الجواب:
أن الله سبحانه و تعالى شرع لعباده أعمالاً وقربات يبلغ أجرها ويعدل ثوابها مثل ثواب الحج والعمرة
ولا شك أن هذه الأعمال والقربات التي تعدل أجر الحج لا تسقط فريضة الحج عن القادر على القيام بها والمستطيع لها .
ولكن في حال وجود الموانع، أو حب الاستزادة من الأجر والثواب شرع الله تعالى هذه القربات التي لها مثل أجر الحج، ولذلك من حجَّ وأسقط الفريضة، يمكنه اغتنام هذه الأعمال والقربات ليزيد من أجره ويملأ بها ميزان حسناته.
فمن هذه الأعمال التي فيها مثل أجر الحج:
أولا: عقد النية الجازمة الصادقة على أداء الحج، إن أمكنه ذلك:
دليل ذلك، ما رواه الإمام البخاري عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: رجعنا من غزوة تبوك مع النبي ﷺ ، فقال:
إن أقواماً خلفنا بالمدينة، ما سلكنا شِعْباً ولا وادياً إلا وهم معنا حبسهم العذر.
ورواه الإمام مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أنه قال: كنا مع النبي ﷺ في غزاة، فقال:
إن بالمدينة رجالاً ما سِرْتُم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض.
وفي رواية:
إلا أشركوكم في الأجر.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: في هذا الحديث فضيلة النية في الخير، وأنَّ من نوى الغزو وغيره من الطاعات، فعرض له عذر منعه، حصل له ثواب نيَّتِه.
وقد قال النبي ﷺ فيما رواه الإمام مسلم وأبو داود والترمذي:
من سأل الشهادة صادقاً من قلبه، بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه.
وفي رواية:
أعطاه الله أجر الشهادة.
ففيه أن من نوى خيراً وحال بينه وبين فعله حائل، فإنه يكتب له أجره.
ومثله في ثواب النية الصادقة، ما أخرجه الإمام أحمد والترمذي عن أبي كبشة الأنماري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
إنما الدنيا لأربعة نفر: عبدٍ رزقه الله مالاً وعلماً، فهو يتقي فيه ربه، ويصل رحمه، ويعلم فيه لله حقاً، فهذا بأفضل المنازل .
وعبدٍ رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فأجرهما سواء.
ثانياً: المحافظة على صلاة الفريضة في المسجد جماعة:
فقد روى الإمام أحمد والبيهقي وغيرهم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهِّر، كان له كأجر الحاجِّ المُحرم، ومن مشى إلى سِبْحَةِ الضحى كان له كأجر المعتمر
فهذا الحديث يرشد إلى ثواب آخر لصلاة الجماعة في المسجد فهو إضافة إلى أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، وإذا خرج إلى المسجد لم يخط خطوة إلا رفعت له درجة ، وحط عنه بها خطيئة
فكم يضيِّع على نفسه من ضيَّع صلاة الجماعة؟؟!!.
ثالثاً: صلاة الفجر في جماعة ، ثم ذكر الله تعالى حتى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين:
فقد روى الإمام الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة.
وقوله: تامة تامة تامة، صفة لحجة وعمرة، وكررها ثلاثاً للتأكيد.
رابعاً: العمرة في رمضان تعدل حجة:
فقد أخرج الإمام البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي ﷺ لما رجع من الحج، قال لامرأة من الأنصار يُقال لها: أم سِنان: ما منعك أن تكوني حججت معنا؟، قالت: أبو فلان، تعني زوجها، كان له ناضحان، حجَّ هو وابنه على أحدهما، والآخر يسقي عليه غلامنا ارضاً لنا، فقال لها عليه الصلاة والسلام:
فعمرة في رمضان تعدل حجة
وفي رواية :
تعدل حجة معي
خامسا: الأذكار عقيب الصلوات المفروضة:
فقد روى الإمام مسلم وابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال:
جاء الفقراء إلى النبي ﷺ ، فقالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالدرجات العلا والنعيم المقيم، (والدثور: جمع دثر، وهو المال الكثير )، يُصلُّون كما نُصَلِّي، ويصومون كما صوم، ولهم فضل من أموال يحجُّون ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدقون، قال ﷺ:
ألا أعلمكم شيئاً إن أخذتم به تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم، إلا من صنع مثل ما صنعتم؟؟، قالوا : بلى يا رسول الله، قال: تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين.
وهذا بالإضافة إلى ما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله ﷺ قال:
من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد لله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، وقال في تمام المئة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر.
سادساً: التبكير إلى صلاة الجمعة:
فقد روى البيهقي في السنن بإسناد فيه ضعف من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
إنَّ لكم في كل جمعة حجة وعمرة، فالحجة الهجير(التبكير) إلى الجمعة، والعمرة انتظار العصر بعد الجمعة
ويؤكد ثواب التبكير إلى صلاة الجمعة ما رواه الإمام مالك والبخاري ومسلم وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنَّما قرَّب بدنة.
ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرَّب بقرة.
ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرَّب كبشا أقرن.
ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرَّب دجاجة.
ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرَّب بيضة.
فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر.
سابعاً: قضاء حوائج الناس:
روى البيهقي في "شعب الإيمان" والسخاوي في "الأجوبة العلية" بإسناد فيه ضعف عن زين العابدين علي بن الحسين، يروي عن عمه الحسن رضي الله تعالى عنه قال:
خرج الحسن يطوف بالكعبة، فقام إليه رجل فقال: يا أبا محمد، اذهب معي في حاجتي إلى فلان، فترك الطواف، وذهب معه، فلما ذهب قام إليه رجل حاسد للرجل الذي ذهب معه، فقال: يا أبا محمد تركت الطواف وذهبت معه؟؟!!، فقال الحسن: وكيف لا أذهب ورسول الله ﷺ قال:
من ذهب في أمر لأخيه المسلم فقضيت حاجته كتبت له حجة وعمرة، وإن لم تقض كتبت له عمرة.
فقد اكتسبت حجة وعمرة، ورجعت إلى طوافي.
وهذا الحديث ضعَّفه العلماء، لكن في ثواب قضاء الحوائج أحاديث أخرى، منها ما أخرجه الطبراني والبيهقي والحاكم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنه كان معتكفاً في مسجد رسول الله ﷺ ، فأتاه رجل فسلَّم عليه وجلس إلى جانبه، وكان يظهر عليه الكآبة، فقال له ابن عباس: يا فلان أراك مكتئباً حزينا!!، فقال: نعم يا ابن عم رسول الله ﷺ ، لفلان عليَّ حق، وحان أجله، وليس معي ما أقضيه، فقال ابن عباس: إن أحببت أن أكلمه لك؟، قال: نعم، فخرج ابن عباس من اعتكافه ليقضي حاجة الرجل، فقال الرجل: أنسيت ما كنت فيه؟؟!!، فقال له ابن عباس: سمعت صاحب هذا القبر ﷺ يقول:
لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته، أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين، وأشار بأصبعيه.
ويكفي في ذلك ما رواه الإمام البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله ﷺ قال:
من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته
وقوله ﷺ:
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه
ثامناً: برِّ الوالدين:
روى أبو يعلى في مسنده والطبراني في المعجم الأوسط و في المعجم الصغير بإسناد جيد عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال:
أتى رجل رسول الله ﷺ ، فقال: يا رسول الله، إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، فقال عليه الصلاة والسلام: هل بقي من والديك أحد؟، قال: نعم، أمي، قال: قابل الله في بِرِّها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاجُّ ومعتمرٌ ومجاهد.
ويؤيده ما رواه الإمام البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ يستأذنه في الجهاد، فقال: أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد.
تاسعاً: حضور مجالس العلم:
فقد روى الطبراني في "المعجم الكبير" بإسناد لا بأس به عن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ قال:
من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلَّم خيراً أو يُعلِّمه، كان له كأجر حاجٍّ تاماَ حجَّته.
ويؤكِّده ما رواه ابن ماجه في السنن، عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
يا أبا ذر، لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مئة ركعة، ولأن تغدو فتتعلِّم باباً من العلم، خير لك من أن تصلي ألف ركعة.
ويكفي في ذلك قوله ﷺ فيما رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له طريقا إلى الجنة.
عاشراً: حسن تَبَعَّل الزوجة لزوجها:
روى البيهقي في "شعب الإيمان"، بإسناد فيه ضعف عن أسماء بنت يزيد الأنصارية أنها أتت النبي ﷺ ، وذكرت له أعمالاً تفرَّد بها الرجال كالحجِّ والجهاد صلاة الجمعة والجماعة، وسألته: هل تشارك المرأة زوجها في الأجر؟، فقال لها رسول الله ﷺ:
وهذا بالإضافة إلى ما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله ﷺ قال:
من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد لله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، وقال في تمام المئة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر.
سادساً: التبكير إلى صلاة الجمعة:
فقد روى البيهقي في السنن بإسناد فيه ضعف من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
إنَّ لكم في كل جمعة حجة وعمرة، فالحجة الهجير(التبكير) إلى الجمعة، والعمرة انتظار العصر بعد الجمعة
ويؤكد ثواب التبكير إلى صلاة الجمعة ما رواه الإمام مالك والبخاري ومسلم وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنَّما قرَّب بدنة.
ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرَّب بقرة.
ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرَّب كبشا أقرن.
ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرَّب دجاجة.
ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرَّب بيضة.
فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر.
سابعاً: قضاء حوائج الناس:
روى البيهقي في "شعب الإيمان" والسخاوي في "الأجوبة العلية" بإسناد فيه ضعف عن زين العابدين علي بن الحسين، يروي عن عمه الحسن رضي الله تعالى عنه قال:
خرج الحسن يطوف بالكعبة، فقام إليه رجل فقال: يا أبا محمد، اذهب معي في حاجتي إلى فلان، فترك الطواف، وذهب معه، فلما ذهب قام إليه رجل حاسد للرجل الذي ذهب معه، فقال: يا أبا محمد تركت الطواف وذهبت معه؟؟!!، فقال الحسن: وكيف لا أذهب ورسول الله ﷺ قال:
من ذهب في أمر لأخيه المسلم فقضيت حاجته كتبت له حجة وعمرة، وإن لم تقض كتبت له عمرة.
فقد اكتسبت حجة وعمرة، ورجعت إلى طوافي.
وهذا الحديث ضعَّفه العلماء، لكن في ثواب قضاء الحوائج أحاديث أخرى، منها ما أخرجه الطبراني والبيهقي والحاكم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنه كان معتكفاً في مسجد رسول الله ﷺ ، فأتاه رجل فسلَّم عليه وجلس إلى جانبه، وكان يظهر عليه الكآبة، فقال له ابن عباس: يا فلان أراك مكتئباً حزينا!!، فقال: نعم يا ابن عم رسول الله ﷺ ، لفلان عليَّ حق، وحان أجله، وليس معي ما أقضيه، فقال ابن عباس: إن أحببت أن أكلمه لك؟، قال: نعم، فخرج ابن عباس من اعتكافه ليقضي حاجة الرجل، فقال الرجل: أنسيت ما كنت فيه؟؟!!، فقال له ابن عباس: سمعت صاحب هذا القبر ﷺ يقول:
لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته، أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين، وأشار بأصبعيه.
ويكفي في ذلك ما رواه الإمام البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله ﷺ قال:
من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته
وقوله ﷺ:
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه
ثامناً: برِّ الوالدين:
روى أبو يعلى في مسنده والطبراني في المعجم الأوسط و في المعجم الصغير بإسناد جيد عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال:
أتى رجل رسول الله ﷺ ، فقال: يا رسول الله، إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، فقال عليه الصلاة والسلام: هل بقي من والديك أحد؟، قال: نعم، أمي، قال: قابل الله في بِرِّها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاجُّ ومعتمرٌ ومجاهد.
ويؤيده ما رواه الإمام البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ يستأذنه في الجهاد، فقال: أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد.
تاسعاً: حضور مجالس العلم:
فقد روى الطبراني في "المعجم الكبير" بإسناد لا بأس به عن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ قال:
من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلَّم خيراً أو يُعلِّمه، كان له كأجر حاجٍّ تاماَ حجَّته.
ويؤكِّده ما رواه ابن ماجه في السنن، عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
يا أبا ذر، لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مئة ركعة، ولأن تغدو فتتعلِّم باباً من العلم، خير لك من أن تصلي ألف ركعة.
ويكفي في ذلك قوله ﷺ فيما رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له طريقا إلى الجنة.
عاشراً: حسن تَبَعَّل الزوجة لزوجها:
روى البيهقي في "شعب الإيمان"، بإسناد فيه ضعف عن أسماء بنت يزيد الأنصارية أنها أتت النبي ﷺ ، وذكرت له أعمالاً تفرَّد بها الرجال كالحجِّ والجهاد صلاة الجمعة والجماعة، وسألته: هل تشارك المرأة زوجها في الأجر؟، فقال لها رسول الله ﷺ:
انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من خلفك من النساء، أن حسن تبعُّل إحداكن لزوجها وطلبها لمرضاته، يعدل ذلك كله.
وحُسْنُ التبعل المراد به: أن تحسن المرأة عشرة زوجها وتطيعه في غير معصية الله عز وجل.
قال ابن منظور في كتابه "لسان العرب":
وامرأة حسنة التبعل إذا كانت مطاوعة لزوجها محبة له.
وليس حسن التبعل مقتصراً على النساء دون الرجال، بل هديُ النبي ﷺ يزيد هذا الأمر تجلياً ووضوحاً، وهذا يحتاج إلى بيان مفصل لنعرف كيف كان النبي ﷺ يعامل زوجاته.
وفي الأثر عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال:
إني أحب أن أتزيَّن لامرأتي كما أحب أن تتزيَّن لي، لأن الله تعالى يقول:
وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ
حادي عشر: أن يكون سبباً في حجة مسلم، وينفق من ماله ليحج مسلم لم يحج، فقد روى الإمام أحمد و البخاري ومسلم وغيرهم عن زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلَّفه في أهله فقد غزا
وفي رواية في غير البخاري ومسلم:
من جهز غازياً أو حاجاً أو معتمراً، أو خلَّفه في أهله فله مثل أجره.
اللهم اجعلنا ممن يغتنم هذه الخيرات، واجعلنا من المقبولين، يا رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
والحمد لله رب العالمين
وحُسْنُ التبعل المراد به: أن تحسن المرأة عشرة زوجها وتطيعه في غير معصية الله عز وجل.
قال ابن منظور في كتابه "لسان العرب":
وامرأة حسنة التبعل إذا كانت مطاوعة لزوجها محبة له.
وليس حسن التبعل مقتصراً على النساء دون الرجال، بل هديُ النبي ﷺ يزيد هذا الأمر تجلياً ووضوحاً، وهذا يحتاج إلى بيان مفصل لنعرف كيف كان النبي ﷺ يعامل زوجاته.
وفي الأثر عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال:
إني أحب أن أتزيَّن لامرأتي كما أحب أن تتزيَّن لي، لأن الله تعالى يقول:
وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ
حادي عشر: أن يكون سبباً في حجة مسلم، وينفق من ماله ليحج مسلم لم يحج، فقد روى الإمام أحمد و البخاري ومسلم وغيرهم عن زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلَّفه في أهله فقد غزا
وفي رواية في غير البخاري ومسلم:
من جهز غازياً أو حاجاً أو معتمراً، أو خلَّفه في أهله فله مثل أجره.
اللهم اجعلنا ممن يغتنم هذه الخيرات، واجعلنا من المقبولين، يا رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
والحمد لله رب العالمين
جلسة الصفا
27 شعبان 1437
3 حزيران 2016
لفضيلة الشيخ
محمد نعيم عرقسوسي
بعنوان:
*كيف نعالج الكبر وكيف نتخلَّص منه*
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد أن تكلمنا عن كثير من كواشف الكبر وعرفنا العديد من علاماته، تبيَّن لنا أنَّ في كل واحد فينا شيئاً من الكبر، قلَّ ذلك أو كثُر، ذلك لأنَّ لكل واحد منا رجلٌ كان أو امرأة، صغيراً كان أم كبيراً، غنياً كان أم فقيراً، أميراً أم مأموراً، عالماً أو متعلماً، كلٌ منا مهما كان شأنه يتمحور حول ذاته ويطوف حول نفسه.
و ليست المشكلة أن يحبَّ الإنسان نفسه، فهذا أمرٌ طبيعي وأمرٌ فطري، ولكن المشكلة والخطأ والخطر أن تستبد به أنانيته فتتحكَّم في تصرفاته، فلا يعمل إلا بما يوافق ويُرضي أنانيته المتورِّمة مما يؤدِّي به إلى رفض الحق الصريح الواضح، حين يرى أن خضوعه للحق يخدش من أنانيته وينال من كبريائه، وهذا هو عين الكبر الذي عرَّفه و حذَر منه سيدنا محمد ﷺ ، وبيَّن لنا وحذَّرنا أن ذرَّة منه إذا استقرَّت في القلب منعت الإنسان من دخول الجنة ابتداءً.
إذن أردنا اليوم أن نتعرف كيف نعالج أنفسنا من هذا الداء الدفين، وكيف نتخلَّص من هذه الآفة الخطرة التي تتعبنا في الدنيا وتكدِّرُ عيشنا، والتي تحرمنا من دخول الجنة ابتداءً وسريعاً، والواقع أنَّ علاج الكبر له أدوات عديدة وله أدوية متعددة، و أكثرها مُرْ ولكن لا بدَّ منها لمن أراد أن يتخلص من هذا الداء الذي يحرمه من دخول الجنة ابتداءً، ولا بدَّ من أن نحمل أنفسنا عليها فنجاهد أنفسنا وهوانا، لكي نرتاح من ثقل هذا الداء الذي عرفنا عقابيله الوخيمة.
فمن علاج الكبر، أن لا يعظم في عينك عملُك مهما كان كبيراً، وأن لا تزهو بشخصك إن تقرَّبت إلى الله تعالى بطاعة مهما كانت عظيمة، إذ ينبغي أن تذكر:
أولاً:
أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أعانك على هذه العبادة وهذا العمل وهذه الطاعة، فله الحمد والمنَّة.
ثانياً:
ينبغي أن تعلم أنك لست متيقناً من أن الله تعالى قد قَبِلَ عملك، فلعلك لم تستوف شروط القبول، والله سبحانه وتعالى قال: (إنما يتقبل الله من المتقين) ، والتقوى محلها القلب ولا يعلمها إلا علام الغيوب سبحانه وتعالى، فقد يكون المرء مرائياً وهو لا يدري، قد يخالط عمله شيء من الرياء المُحْبِط للعمل، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام علمنا أن نقول كل صباح وكل مساء: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم) ، وذكر الله سبحانه وتعالى أن عباده الصالحين الذين يسارعون في الخيرات، هم على خوفٍ دائم ووجلٍ من أن لا تقبل أعمالهم، فهم لا يتيهون لا يتكبَّرون بها على خلق الله تعالى، فقال عز وجل عنهم: *وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ* ، ولقد فسَّر النبي عليه الصلاة والسلام المراد من هذه الآية، ورد في مسند الإمام أحمد عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت:
يا رسول الله (والَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) ، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل؟؟، فقال لها: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون وهم يخافون ألا يُقبل منهم.
فإذا ذكر الواحد منا هذا، فلن يتيه بعمله، ولم يعد يزدهي بنفسه وعبادته ولا يتكبر بذلك على خلق الله عز وجل، فمن علاج الكبر ألا تعجب بعملك بل تخشى أن يردَّه الله عليك، لذلك قال بعض السلف: لو أعلم أن الله تعالى قد قبل منِّي تسبيحة، لتمنِّيت أن أموت الآن.
ومن علاج الكبر كذلك، ألا تظن في نفسك أنَّك أفضل من غيرك وأنك أتقى وأكثر ورعاً منه، وأعظم خشية لله سبحانه وتعالى، إياك أن تظن أنك أفضل من غيرك، بل عليك لتعالج الكبر أن تتهم نفسك وتصفها بالتقصير وتصفها بالذنوب والمعاصي، ثم عليك أن تخشى من سوء الخاتمة وكيف تظن أنك أفضل من غيرك، والعبرة بالخواتيم والعبرة بالانتقال إلى الله بالحال التي تُرضي الله تعالى، وقد ورد أن القلوب بين اصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبُها كيف يشاء، واسمعوا إلى هذا الحديث الذي رواه البخاري أن النبي ﷺ قال:
إن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة، وإنه من أهل النار، ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار، وإنه من أهل الجنة، ثم قال عليه الصلاة والسلام:
وإنما الأعمال بخواتيمها.
وروى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله ﷺ قال:
لا عليكم ألَّا تُعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بما يختم له، فإن العامل يعمل زماناً من عمره أو برهة من دهره بعملٍ صالحٍ لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحوَّل فيعمل عملاً سيئاً، وإن العامل ليعمل البرهة من دهره بعملٍ سيء لو مات عليه دخل النار، ثم يتحوَّل فيعمل عملاً صالحاً.
27 شعبان 1437
3 حزيران 2016
لفضيلة الشيخ
محمد نعيم عرقسوسي
بعنوان:
*كيف نعالج الكبر وكيف نتخلَّص منه*
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد أن تكلمنا عن كثير من كواشف الكبر وعرفنا العديد من علاماته، تبيَّن لنا أنَّ في كل واحد فينا شيئاً من الكبر، قلَّ ذلك أو كثُر، ذلك لأنَّ لكل واحد منا رجلٌ كان أو امرأة، صغيراً كان أم كبيراً، غنياً كان أم فقيراً، أميراً أم مأموراً، عالماً أو متعلماً، كلٌ منا مهما كان شأنه يتمحور حول ذاته ويطوف حول نفسه.
و ليست المشكلة أن يحبَّ الإنسان نفسه، فهذا أمرٌ طبيعي وأمرٌ فطري، ولكن المشكلة والخطأ والخطر أن تستبد به أنانيته فتتحكَّم في تصرفاته، فلا يعمل إلا بما يوافق ويُرضي أنانيته المتورِّمة مما يؤدِّي به إلى رفض الحق الصريح الواضح، حين يرى أن خضوعه للحق يخدش من أنانيته وينال من كبريائه، وهذا هو عين الكبر الذي عرَّفه و حذَر منه سيدنا محمد ﷺ ، وبيَّن لنا وحذَّرنا أن ذرَّة منه إذا استقرَّت في القلب منعت الإنسان من دخول الجنة ابتداءً.
إذن أردنا اليوم أن نتعرف كيف نعالج أنفسنا من هذا الداء الدفين، وكيف نتخلَّص من هذه الآفة الخطرة التي تتعبنا في الدنيا وتكدِّرُ عيشنا، والتي تحرمنا من دخول الجنة ابتداءً وسريعاً، والواقع أنَّ علاج الكبر له أدوات عديدة وله أدوية متعددة، و أكثرها مُرْ ولكن لا بدَّ منها لمن أراد أن يتخلص من هذا الداء الذي يحرمه من دخول الجنة ابتداءً، ولا بدَّ من أن نحمل أنفسنا عليها فنجاهد أنفسنا وهوانا، لكي نرتاح من ثقل هذا الداء الذي عرفنا عقابيله الوخيمة.
فمن علاج الكبر، أن لا يعظم في عينك عملُك مهما كان كبيراً، وأن لا تزهو بشخصك إن تقرَّبت إلى الله تعالى بطاعة مهما كانت عظيمة، إذ ينبغي أن تذكر:
أولاً:
أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أعانك على هذه العبادة وهذا العمل وهذه الطاعة، فله الحمد والمنَّة.
ثانياً:
ينبغي أن تعلم أنك لست متيقناً من أن الله تعالى قد قَبِلَ عملك، فلعلك لم تستوف شروط القبول، والله سبحانه وتعالى قال: (إنما يتقبل الله من المتقين) ، والتقوى محلها القلب ولا يعلمها إلا علام الغيوب سبحانه وتعالى، فقد يكون المرء مرائياً وهو لا يدري، قد يخالط عمله شيء من الرياء المُحْبِط للعمل، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام علمنا أن نقول كل صباح وكل مساء: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم) ، وذكر الله سبحانه وتعالى أن عباده الصالحين الذين يسارعون في الخيرات، هم على خوفٍ دائم ووجلٍ من أن لا تقبل أعمالهم، فهم لا يتيهون لا يتكبَّرون بها على خلق الله تعالى، فقال عز وجل عنهم: *وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ* ، ولقد فسَّر النبي عليه الصلاة والسلام المراد من هذه الآية، ورد في مسند الإمام أحمد عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت:
يا رسول الله (والَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) ، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل؟؟، فقال لها: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون وهم يخافون ألا يُقبل منهم.
فإذا ذكر الواحد منا هذا، فلن يتيه بعمله، ولم يعد يزدهي بنفسه وعبادته ولا يتكبر بذلك على خلق الله عز وجل، فمن علاج الكبر ألا تعجب بعملك بل تخشى أن يردَّه الله عليك، لذلك قال بعض السلف: لو أعلم أن الله تعالى قد قبل منِّي تسبيحة، لتمنِّيت أن أموت الآن.
ومن علاج الكبر كذلك، ألا تظن في نفسك أنَّك أفضل من غيرك وأنك أتقى وأكثر ورعاً منه، وأعظم خشية لله سبحانه وتعالى، إياك أن تظن أنك أفضل من غيرك، بل عليك لتعالج الكبر أن تتهم نفسك وتصفها بالتقصير وتصفها بالذنوب والمعاصي، ثم عليك أن تخشى من سوء الخاتمة وكيف تظن أنك أفضل من غيرك، والعبرة بالخواتيم والعبرة بالانتقال إلى الله بالحال التي تُرضي الله تعالى، وقد ورد أن القلوب بين اصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبُها كيف يشاء، واسمعوا إلى هذا الحديث الذي رواه البخاري أن النبي ﷺ قال:
إن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة، وإنه من أهل النار، ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار، وإنه من أهل الجنة، ثم قال عليه الصلاة والسلام:
وإنما الأعمال بخواتيمها.
وروى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله ﷺ قال:
لا عليكم ألَّا تُعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بما يختم له، فإن العامل يعمل زماناً من عمره أو برهة من دهره بعملٍ صالحٍ لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحوَّل فيعمل عملاً سيئاً، وإن العامل ليعمل البرهة من دهره بعملٍ سيء لو مات عليه دخل النار، ثم يتحوَّل فيعمل عملاً صالحاً.
معنى الحديث: أن الأول فُتِنَ بعد ذلك بالدنيا وشهواتها فوقع فيها، والثاني تاب إلى الله تعالى وعاد إليه وآب إليه وتطّهَّر من آثامه وذنوبه، فإذا ذكر المرء هذا وخشي من سوء الخاتمة تطامنت نفسه وسأل الله تعالى أن يثبته، فبدل أن يقول: أنه أفضل من غيره، صار يقول ما علمنا النبي ﷺ: اللهم يا مقلب القلوب ثبِّت قلبي على دينك، وعلمنا الله تعالى أن نقول:
*رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ*.
إن كان أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي قال الله تعالى له: *إني جاعلك للناس إماماً* ، كان يقول: *والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين*.
وسيدنا يوسف عليه السلام كان يدعو الله ويقول: *توفني مسلمناً وألحقني بالصالحين* ، قال الإمام الشربيني في تفسيره: إنما قال سيدنا يوسف ذلك هضماً لنفسه، وإظهاراً للحاجة والفاقة والافتقار إلى فضل الله تعالى في كل المطالب.
فإذن، من ذكر هذا ألا يقتلع الكبر من قلبه؟؟!!، قال العلماء وأهل السلف الصالح في هذا المجال الخطير لكي لا يتسرَّب الكبر إلى قلوبنا، ففي كلِّ واحدٍ منا كبر نرجو من الله تعالى أن يعافينا منه.
قال أبو يزيد البسطامي رحمه الله تعالى، ونقله عنه الإمام الذهبي في كتابه " سير أعلام النبلاء:
ما دام العبد يظنُّ أن في الخلق من هو شرٌّ منه فهو متكبِّر، فقيل له: فمتى يكون متواضعاً؟؟!!، قال: إذا لم يرى لنفسه مقاماً ولا حالاً.
ورويَ أنَّ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه نادى مرة: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس صعد المنبر فحمد الله وأثتى عليه وصلى على النبي ﷺ ثم قال: أيها الناس، لقد رأيتني أرعى على خالاتٍ لي من بني مخزوم، فيُقبض لي القبضة من التمر والزبيب، فأظلُّ اليوم وأي يوم، ثم نزل، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه: والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن قمئت نفسك!!!، فقال له سيدنا عمر: ويحك يا ابن عوف، إني خلوْت فحدثتني نفسي فقالت: أنت أمير المؤمنين فمن ذا أفضل منك؟؟، فأردت أن أعرِّفها نفسها أمام الناس جميعاً.
وهذا أبو حازم، سلمة بن دينار الأعرج وهو من كبار التابعين، كان يُخاطب نفسه فيقول: يا أعرج، يُنادى يوم القيامة: يا أهل خطيئة كذا وكذا فتقوم معهم، ثم ينادى: يا أهل خطيئةٍ أخرى فتقوم معهم، فأراك يا أعرج تريد أن تقوم مع أهل كل خطيئة.
وقال أبو حازم أيضاً: من رأى أنه خيرٌ من غيره فهو مستكبر، وذلك لأن إبليس قال: أنا خيرٌ منه، فكان ذلك منه استكباراً.
وهذا الرجل العظيم مالك بن دينار كان يقول: لو أن منادياً يُنادي بباب المسجد ليخرج شرَّكم رجلاً، والله ما كان أحدٌ يسبقني على الباب، إلا رجلاً بفضل قوة وسعي، فلما بلغ عبد الله بن المبارك قول مالك، قال: بهذا صار مالكٌ مالكاً.
وهذا محمد بن واسع الذي كان الناس يأتون إليه ويطلبون منه الدعاء، كان يقول: لو كان يوجد للذنوب ريح ما قدرتم أن تدنو مني من نتن ريحي.
هؤلاء السلف الصالح يعلموننا كيف ينبغي أن نفكِّر، وكيف ينبغي أن ننظر إلى أنفسنا.
ويقول عبد الله بن بكر المزني: سمعت إنساناً يحدث عن أبي أنه كان واقفاً بعرفة فرقَّ وتواضع وبكى، فلما رأى أن من حوله أحسوا به قال: لولا أني فيهم(في الحجيج) لقلت: لقد غُفِرَ لهم، أي أنه قال: أنا شؤم على من حولي، وعلَّق الإمام الذهبي على هذا الكلام فقال: كذلك ينبغي للعبد أن يزري على نفسه ويهضمها، لأنه إن لم يزرِ عليها تعالت وانتبجت وتعاظمت فأهلكت صاحبها.
وكان ذو النون المصري، وهو من كبار الصالحين العابدين، يقول: كيف أفرح بعملي وذنوبي مزدحمة، أم كيف أفرح بأملي وعاقبتي مبهمة.
ويقول المغيرة: كنا نهاب إبراهيم النخعي، وهو من كبار الفقهاء المحدثين والذي انتهى إليه علم سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وكان إبراهيم النخعي يقول: وددت أني لم أكن تكلمت، ولو وجدت بداً من الكلام ما تكلَّمت، ثم يقول: وإن زماناً صرت فيه فقيهاً لزمان سوء.
وقال أحد السلف الصالح: أرفع ما يكون المؤمن عند الله تعالى أوضع ما يكون عند نفسه، وأوضع ما يكون عند الله أرفع ما يكون عند نفسه.
وهذا هو الفضيل بن عياض يقول: إذا كان قول الناس لك: أنت رجل صدق، أحبَّ إليك من قولهم: أنت رجل سوء، فأنت والله رجل سوء.
ويقول شعيب بن حرب وهو أحد المحدثين: بينما أنا أطوف إذ لكزني رجلٌ بمرفقه، فالتفتُّ فإذا أنا بالفضيل بن عياض، فقال: يا أبا صالح، فقلت: لبيك يا أبا علي، فقال: إن كنت تظن أنه قد شهد الموسم(موسم الحج) شرٌ مني ومنك فبئس ما ظننت.
وهذا هو الإمام أحمد بن حنبل والذي يُضربُ به المثل في الورع والتقوى، قال له تلميذه أبو بكر المرُّوزي، والذي كان ملازماً له: إني أرجو أن يكون يدعى لك في جميع الأمصار، فقال له الإمام أحمد: يا أبابكر، إذا عرف الرجل نفسه فلا ينفعه كلام الناس.
*رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ*.
إن كان أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي قال الله تعالى له: *إني جاعلك للناس إماماً* ، كان يقول: *والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين*.
وسيدنا يوسف عليه السلام كان يدعو الله ويقول: *توفني مسلمناً وألحقني بالصالحين* ، قال الإمام الشربيني في تفسيره: إنما قال سيدنا يوسف ذلك هضماً لنفسه، وإظهاراً للحاجة والفاقة والافتقار إلى فضل الله تعالى في كل المطالب.
فإذن، من ذكر هذا ألا يقتلع الكبر من قلبه؟؟!!، قال العلماء وأهل السلف الصالح في هذا المجال الخطير لكي لا يتسرَّب الكبر إلى قلوبنا، ففي كلِّ واحدٍ منا كبر نرجو من الله تعالى أن يعافينا منه.
قال أبو يزيد البسطامي رحمه الله تعالى، ونقله عنه الإمام الذهبي في كتابه " سير أعلام النبلاء:
ما دام العبد يظنُّ أن في الخلق من هو شرٌّ منه فهو متكبِّر، فقيل له: فمتى يكون متواضعاً؟؟!!، قال: إذا لم يرى لنفسه مقاماً ولا حالاً.
ورويَ أنَّ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه نادى مرة: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس صعد المنبر فحمد الله وأثتى عليه وصلى على النبي ﷺ ثم قال: أيها الناس، لقد رأيتني أرعى على خالاتٍ لي من بني مخزوم، فيُقبض لي القبضة من التمر والزبيب، فأظلُّ اليوم وأي يوم، ثم نزل، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه: والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن قمئت نفسك!!!، فقال له سيدنا عمر: ويحك يا ابن عوف، إني خلوْت فحدثتني نفسي فقالت: أنت أمير المؤمنين فمن ذا أفضل منك؟؟، فأردت أن أعرِّفها نفسها أمام الناس جميعاً.
وهذا أبو حازم، سلمة بن دينار الأعرج وهو من كبار التابعين، كان يُخاطب نفسه فيقول: يا أعرج، يُنادى يوم القيامة: يا أهل خطيئة كذا وكذا فتقوم معهم، ثم ينادى: يا أهل خطيئةٍ أخرى فتقوم معهم، فأراك يا أعرج تريد أن تقوم مع أهل كل خطيئة.
وقال أبو حازم أيضاً: من رأى أنه خيرٌ من غيره فهو مستكبر، وذلك لأن إبليس قال: أنا خيرٌ منه، فكان ذلك منه استكباراً.
وهذا الرجل العظيم مالك بن دينار كان يقول: لو أن منادياً يُنادي بباب المسجد ليخرج شرَّكم رجلاً، والله ما كان أحدٌ يسبقني على الباب، إلا رجلاً بفضل قوة وسعي، فلما بلغ عبد الله بن المبارك قول مالك، قال: بهذا صار مالكٌ مالكاً.
وهذا محمد بن واسع الذي كان الناس يأتون إليه ويطلبون منه الدعاء، كان يقول: لو كان يوجد للذنوب ريح ما قدرتم أن تدنو مني من نتن ريحي.
هؤلاء السلف الصالح يعلموننا كيف ينبغي أن نفكِّر، وكيف ينبغي أن ننظر إلى أنفسنا.
ويقول عبد الله بن بكر المزني: سمعت إنساناً يحدث عن أبي أنه كان واقفاً بعرفة فرقَّ وتواضع وبكى، فلما رأى أن من حوله أحسوا به قال: لولا أني فيهم(في الحجيج) لقلت: لقد غُفِرَ لهم، أي أنه قال: أنا شؤم على من حولي، وعلَّق الإمام الذهبي على هذا الكلام فقال: كذلك ينبغي للعبد أن يزري على نفسه ويهضمها، لأنه إن لم يزرِ عليها تعالت وانتبجت وتعاظمت فأهلكت صاحبها.
وكان ذو النون المصري، وهو من كبار الصالحين العابدين، يقول: كيف أفرح بعملي وذنوبي مزدحمة، أم كيف أفرح بأملي وعاقبتي مبهمة.
ويقول المغيرة: كنا نهاب إبراهيم النخعي، وهو من كبار الفقهاء المحدثين والذي انتهى إليه علم سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وكان إبراهيم النخعي يقول: وددت أني لم أكن تكلمت، ولو وجدت بداً من الكلام ما تكلَّمت، ثم يقول: وإن زماناً صرت فيه فقيهاً لزمان سوء.
وقال أحد السلف الصالح: أرفع ما يكون المؤمن عند الله تعالى أوضع ما يكون عند نفسه، وأوضع ما يكون عند الله أرفع ما يكون عند نفسه.
وهذا هو الفضيل بن عياض يقول: إذا كان قول الناس لك: أنت رجل صدق، أحبَّ إليك من قولهم: أنت رجل سوء، فأنت والله رجل سوء.
ويقول شعيب بن حرب وهو أحد المحدثين: بينما أنا أطوف إذ لكزني رجلٌ بمرفقه، فالتفتُّ فإذا أنا بالفضيل بن عياض، فقال: يا أبا صالح، فقلت: لبيك يا أبا علي، فقال: إن كنت تظن أنه قد شهد الموسم(موسم الحج) شرٌ مني ومنك فبئس ما ظننت.
وهذا هو الإمام أحمد بن حنبل والذي يُضربُ به المثل في الورع والتقوى، قال له تلميذه أبو بكر المرُّوزي، والذي كان ملازماً له: إني أرجو أن يكون يدعى لك في جميع الأمصار، فقال له الإمام أحمد: يا أبابكر، إذا عرف الرجل نفسه فلا ينفعه كلام الناس.
وقال أبو بكر المروزي للإمام أحمد مرةَّ: يا إمام، ما أكثر الداعين لك، فتغرغرت عيناه وقال: أخاف أن يكون هذا استدراجاً، (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ)
ويقول أبو بكر المروزي: سمعت الإمام أحمد مرة وهو يذكر أخلاق الورعين، فقال: أسأل الله ألا يمقتنا، أين نحن من هؤلاء؟؟!!.
وذكر أن العلاء بن زياد وهو أحد الصالحين، قال له رجل: رأيتك كأنَّك في الجنة، فقال له: ويحك، أما وجد الشيطان أحداً يسخر به غيري وغيرك؟؟!.
ووهب بن منبه، وهو من كبار التابعين وله روايات في كتب السنن جميعاً، قال: إني لأتفقد أخلاقي ما فيها شيءٌ يُعجبني.
وعون بن عبد الله، وهو من الرواة والمحدثين، يقول: كفى بك من الكبر أن ترى لك فضلاً على من هو دونك.
والجنيد، وهو من كبار الصالحين، يقول: أعلى درجة الكبر وشرُّها أن ترى نفسك.
وهذه نبذة من أقوال السلف الصالح، وهناك الكثير لم أنقله لكم لكفاية ما ذكرته، كان الواحد منهم يخشى على نفسه من سوء الخاتمة، أما نقول نحن في كل صلاة: أعوذ بك من فتنة المحيا و فتنة الممات، ألا نخشى على أنفسنا أن نفتن عند الممات فيموت الإنسان على غير الإيمان؟، فكيف تظن أنك أفضل وأعظم من غيرك؟؟، فإذا ذكرت هذا تطامنت نفسك وصغرت في عينك، وحينئذٍ نسأل الله تعالى أن يقبلنا جميعاً.
وبناء على هذا، من علاج الكبر، أنك إذا رأيت من وقع على معصية ألا تتعالى عليه وألا تزدريه، وألا تعجب أنت بنفسك وعملك، فربما تاب العاصي إلى الله سبحانه وتعالى فارتقى درجات، وربما فُتِنِ العابد فهبط درجات، لذلك إذا رأيت العاصي أبغض معصيته ولكن لا تزدره، قال تعالى عن سيدنا لوط عليه السلام، قائلاً لقومه: *إنى لعملكم من القالين*.
وروى الإمام مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله ﷺ : قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، يقول عليه الصلاة والسلام: فقال الله تعالى: من ذا الذي يتألى عليَّ ألا أغفر لفلان؟؟!!، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عمله.
من هنا قال ذو النون المصري:
لا تلقينَّ أحداً بعين الازدراء والتصغير، خوفاً من عاقبتك وعاقبته، فلعلك تُسلب المعرفة ويرزقها.
ومن علاج الكبر: ألا تردَّ نصيحة ناصح ولا نقد ناقد، وأن تُصغي إليه بسمعك وقلبك ولا تجد في نفسك حرجاً من كلامه ولا يضيق به صدرك، وألا تبحث عن قصده ونيَّته من نصيحته، بل اقبلها واشكره عليها، واحمل نفسك على ذلك لتقتلع جذور الكبر من نفسك، وردد ما كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول: رحم الله امرأً أهدى إلينا عيوبنا.
وقال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: كفى بالمرء إثماً أن يقول له أخوه: اتق الله، فيقول له: عليك بنفسك مثلك يوصيني!.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، يا رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
ويقول أبو بكر المروزي: سمعت الإمام أحمد مرة وهو يذكر أخلاق الورعين، فقال: أسأل الله ألا يمقتنا، أين نحن من هؤلاء؟؟!!.
وذكر أن العلاء بن زياد وهو أحد الصالحين، قال له رجل: رأيتك كأنَّك في الجنة، فقال له: ويحك، أما وجد الشيطان أحداً يسخر به غيري وغيرك؟؟!.
ووهب بن منبه، وهو من كبار التابعين وله روايات في كتب السنن جميعاً، قال: إني لأتفقد أخلاقي ما فيها شيءٌ يُعجبني.
وعون بن عبد الله، وهو من الرواة والمحدثين، يقول: كفى بك من الكبر أن ترى لك فضلاً على من هو دونك.
والجنيد، وهو من كبار الصالحين، يقول: أعلى درجة الكبر وشرُّها أن ترى نفسك.
وهذه نبذة من أقوال السلف الصالح، وهناك الكثير لم أنقله لكم لكفاية ما ذكرته، كان الواحد منهم يخشى على نفسه من سوء الخاتمة، أما نقول نحن في كل صلاة: أعوذ بك من فتنة المحيا و فتنة الممات، ألا نخشى على أنفسنا أن نفتن عند الممات فيموت الإنسان على غير الإيمان؟، فكيف تظن أنك أفضل وأعظم من غيرك؟؟، فإذا ذكرت هذا تطامنت نفسك وصغرت في عينك، وحينئذٍ نسأل الله تعالى أن يقبلنا جميعاً.
وبناء على هذا، من علاج الكبر، أنك إذا رأيت من وقع على معصية ألا تتعالى عليه وألا تزدريه، وألا تعجب أنت بنفسك وعملك، فربما تاب العاصي إلى الله سبحانه وتعالى فارتقى درجات، وربما فُتِنِ العابد فهبط درجات، لذلك إذا رأيت العاصي أبغض معصيته ولكن لا تزدره، قال تعالى عن سيدنا لوط عليه السلام، قائلاً لقومه: *إنى لعملكم من القالين*.
وروى الإمام مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله ﷺ : قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، يقول عليه الصلاة والسلام: فقال الله تعالى: من ذا الذي يتألى عليَّ ألا أغفر لفلان؟؟!!، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عمله.
من هنا قال ذو النون المصري:
لا تلقينَّ أحداً بعين الازدراء والتصغير، خوفاً من عاقبتك وعاقبته، فلعلك تُسلب المعرفة ويرزقها.
ومن علاج الكبر: ألا تردَّ نصيحة ناصح ولا نقد ناقد، وأن تُصغي إليه بسمعك وقلبك ولا تجد في نفسك حرجاً من كلامه ولا يضيق به صدرك، وألا تبحث عن قصده ونيَّته من نصيحته، بل اقبلها واشكره عليها، واحمل نفسك على ذلك لتقتلع جذور الكبر من نفسك، وردد ما كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول: رحم الله امرأً أهدى إلينا عيوبنا.
وقال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: كفى بالمرء إثماً أن يقول له أخوه: اتق الله، فيقول له: عليك بنفسك مثلك يوصيني!.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، يا رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
https://www.facebook.com/share/p/14zvZiyZpE/
كيف نحافظ على النصر
==============
"درس جلسة الصفا 422
لفضيلة الشيخ - محمد نعيم عرقسوسي
18 جمادى الآخرة 1446 هجري
20 كانون الأول 2024 ميلادي
رابط الفيديو على موقع اليوتيوب:
https://youtu.be/iiAr4UhpFVM
كيف نحافظ على النصر
==============
"درس جلسة الصفا 422
لفضيلة الشيخ - محمد نعيم عرقسوسي
18 جمادى الآخرة 1446 هجري
20 كانون الأول 2024 ميلادي
رابط الفيديو على موقع اليوتيوب:
https://youtu.be/iiAr4UhpFVM
Facebook
Log in or sign up to view
See posts, photos and more on Facebook.