ويتم هذا الارتباط عن طريق إثراء الفكر وبعث الحياة فيه، على عكس إمتلاء الحياة واستخلاص الفكر منها. يتولد فهم نيتشه للوجودية من خلال فهمهِ للانسان، من خلال تأكيد تجدد الوجود الإنساني.
مراحل تطور فلسفة نيتشه
مرت فلسفة نيتشة بثلاثة مراحل أساسية، كان لكل منها صفات خاصة تميزت بها وتأثرت بظروف حياته، وهذه المراحل هي:
الأولى: مرحلة فنية رومانتيكية، تمتد ما بين ١٨٦٩ إلى ١٨٧٦، وهي المرحلة التي كان واقعًا فيها تحت تأثير شوبنهور وفانجر، وتنتهي بتخلصه منها.
الثانية: مرحلة وضعية نقدية، تمتد من ١٨٧٦ إلى ١٨٨٢، تتميز بالتأثر بالمنهج العلمي.
الثالثة: مرحلة صوفية خالصة، تبدأ من كتاب زرداشت في ١٨٩٣ وتستمر إلى ١٨٨٨، تتميز بأن تفكيره مستقل تمامًا ويسير في طريقه الخاص، ويتخذ أسلوبه الشكل الصوفي، لا التحليل النقدي.
المعرفة والحياة
إن المطلق في فلسفة نيتشه هو الحياة، أما فكرة الحياة فقد بلغت حدًا بعيدًا من الإتساع والعمومية، تجعل الإنسان غير قادرعلى فهم المقصود منها في كثيرمن الأحيان، فالحياة عنده تتحكم في بناء كل القيم، وهي أصل القيم العقلية والأخلاقية؛ أي أنها المبدأ الكامن وراء كل من المعرفة والسلوك
مراحل تطور فلسفة نيتشه
مرت فلسفة نيتشة بثلاثة مراحل أساسية، كان لكل منها صفات خاصة تميزت بها وتأثرت بظروف حياته، وهذه المراحل هي:
الأولى: مرحلة فنية رومانتيكية، تمتد ما بين ١٨٦٩ إلى ١٨٧٦، وهي المرحلة التي كان واقعًا فيها تحت تأثير شوبنهور وفانجر، وتنتهي بتخلصه منها.
الثانية: مرحلة وضعية نقدية، تمتد من ١٨٧٦ إلى ١٨٨٢، تتميز بالتأثر بالمنهج العلمي.
الثالثة: مرحلة صوفية خالصة، تبدأ من كتاب زرداشت في ١٨٩٣ وتستمر إلى ١٨٨٨، تتميز بأن تفكيره مستقل تمامًا ويسير في طريقه الخاص، ويتخذ أسلوبه الشكل الصوفي، لا التحليل النقدي.
المعرفة والحياة
إن المطلق في فلسفة نيتشه هو الحياة، أما فكرة الحياة فقد بلغت حدًا بعيدًا من الإتساع والعمومية، تجعل الإنسان غير قادرعلى فهم المقصود منها في كثيرمن الأحيان، فالحياة عنده تتحكم في بناء كل القيم، وهي أصل القيم العقلية والأخلاقية؛ أي أنها المبدأ الكامن وراء كل من المعرفة والسلوك
”محطة نقاش“
(أنا أفكر اذًا أنا مَوجود)
هكذا يُعبر لنا ديكارت عن الكيفية الألية لبرهنة وجوده.
يبرهن بِفكره. إذًا فهذا الفِكر دلّ على شيء حتى يُدرك الكائن المُفكِر ذاته على الوجود.
بالتأكيد أطرِأت تَغيُّرات موضوعية على الوجود والنفس من خلال الفكر حتى صيغت الـ "انا" فـالسؤال كيف دلّ على الـ "انا" وهو لم يُدرك وجوده بعد ؟
وإن سلمنا من جانب نقاشي ..
الأساس هو "التَغيُّر" فهل يصح ان نبرهن على دقة الأساس بإبهام ونقول "انا افكر اذًا انا مُغيَّر ؟" بغض النظر عن صيغة التغيُّر.. هذا التغيُّر هل يتعدى نطاق الذات ؟ وإن تعدى إذًا فهذه الركيزة هي التغيُّر كما ذكرنا ويتعين على الإنسان المُبرهن على وجوده بِفكره انّ يعترف بالتَغيُّر كمُعطى أساسي ويبين معطياته وصيغته وخواصه وابعاده، والفِكر هو الدلالة البعدية.
والسؤال هنا.. ما هيّ ألية التغيُّر التي أطرِأت على ديكارت حتى برهنت إثبات فكرهُ المُعبر عن وجوده ، هل هو مبدأهُ .. مبدأ "الشك" ؟
- عَلي الـرومِي.
(أنا أفكر اذًا أنا مَوجود)
هكذا يُعبر لنا ديكارت عن الكيفية الألية لبرهنة وجوده.
يبرهن بِفكره. إذًا فهذا الفِكر دلّ على شيء حتى يُدرك الكائن المُفكِر ذاته على الوجود.
بالتأكيد أطرِأت تَغيُّرات موضوعية على الوجود والنفس من خلال الفكر حتى صيغت الـ "انا" فـالسؤال كيف دلّ على الـ "انا" وهو لم يُدرك وجوده بعد ؟
وإن سلمنا من جانب نقاشي ..
الأساس هو "التَغيُّر" فهل يصح ان نبرهن على دقة الأساس بإبهام ونقول "انا افكر اذًا انا مُغيَّر ؟" بغض النظر عن صيغة التغيُّر.. هذا التغيُّر هل يتعدى نطاق الذات ؟ وإن تعدى إذًا فهذه الركيزة هي التغيُّر كما ذكرنا ويتعين على الإنسان المُبرهن على وجوده بِفكره انّ يعترف بالتَغيُّر كمُعطى أساسي ويبين معطياته وصيغته وخواصه وابعاده، والفِكر هو الدلالة البعدية.
والسؤال هنا.. ما هيّ ألية التغيُّر التي أطرِأت على ديكارت حتى برهنت إثبات فكرهُ المُعبر عن وجوده ، هل هو مبدأهُ .. مبدأ "الشك" ؟
- عَلي الـرومِي.
ان الفارق الجوهري بين المجتمعات البشرية والحيوانية يكمن في ان الحيوانات تجمع الادوات في الاكثر بينما يقوم البشر بانتاجها. يكفي هذا الفارق الجوهري وحده ليجعل من رابع المستحيلات تطبيق قوانين تصح بالنسبة إلى المجتمعات الحيوانية بصورة مباشرة وحرفية على المجتمعات البشرية. وهو يتيح امكانية ما لاحظته انت بحق: «ان الانسان لا يخوض كفاحا في سبيل البقاء فحسب، بل يناضل في سبيل لذته وفي سبيل زيادة لذاته… وهو على استعداد للنكوص عن المتع الدنيا في سبيل المتع العليا» ،ومن دون أن أماري في الاستنتاجات التي تستخلصها من ذلك فيما بعد، سألخص، من جانبي، إلى قول ما يلي انطلاقا من مقدماتي: ان الانتاج البشري يدرك اذن، في مرحلة معينة، مستوى عاليا لا يلبي معه الحاجات التي لا غنى عنها للحياة فحسب، بل ينتج ايضا منتجات كمالية حتى لو كانت وقفا، في البداية، على أقلية ما. الصراع في سبيل البقاء يتحول إذن، هذا إذا أردنا أن نعزو ولو لهنيهة من الزمن شيئا من القيمة لهذه المقولة، يتحول إلى كفاح في سبيل متع، لا في سبيل وسائل البقاء فحسب بل ايضا في سبيل وسائل التطور، في سبيل وسائل تطور منتجة اجتماعيا. وعلى هذا المستوى لا تعود المقولات المقتبسة من العالم الحيواني قابلة للاستعمال.
فريدريك انجلز
فريدريك انجلز
الفيلسوف الجديد
Photo
السر المكنون والمفتاح المفقود
«وكأن الرياح تهمس بين الغصون، فأقيس بين صمت الأبد وصوت الحياة. فيسري إليَّ ذكر الخلود وأزمنة انقضت والحاضر الزاهي، فيغمرني البحر الواسع. فيصبح الغرق في هذا المحيط حلاوة». – اللامتناهي، جياكومو ليوباردي.
في العشرين من يوليو، عام ألف وتسعمئة وأربعة وتسعين، وصل إلى جاك دريدا كتاب من موريس بلانشو، فيه يعلن بلانشو: «منذ خمسين عامًا، ذقت سعادة النجاة من الموت بحده». فُجاءة هذا التصريح، يتساءل: لماذا يجد المرء الفرح في التملص من الموت؟ سأعود إلى هذه الرسالة لاحقًا في سياق المقال، حين أستعرض مشكلات الشهادة والسيرة الذاتية، ولكن الآن، أركز على مسألة سعادة بلانشو، التي يمكننا إدراكها من خلال قصيدة ليوباردي «اللامتناهي». هنا، يرى الشاعر نفسه جالسًا على قمة تلة مفضلة، حيث الأفق محجوب بسياج، فيشعر بالأمن خلف هذا السور، ويتخيل المساحة اللامتناهية التي تمتد وراء الأفق، أي، ما يتجاوز إدراكه. يقارن بين خرير السور في الرياح وصوت الصمت اللامتناهي، ويشعر باللذة والخوف من هذه التجربة. ويمكن أن نقارب سعادة بلانشو مع الإحساس بالدوار الذي يعبر عنه الشاعر في «اللامتناهي». يعتقد بلانشو أن الموت هو «أغنى لحظة من المعنى»، ربما لأنه يجيب على السؤال الذي لا نعرفه في الحياة: ماذا يحدث عند الموت؟
في هذا المقال، الذي يتناول حدود الأدب والموت، هناك حديث واسع عن هذا الخوف والإثارة المرتبطة باللامتناهي؛ بما يتضمنه مفهوم اللامتناهي، والحد الذي يجب تجاوزه لدخول اللامتناهي، وهو الموت كحد للحياة. سأركز على «لحظة موتي - The Instant of my Death» لبلانشو و«المسكن - Demeure» لدريدا لأظهر كيف يقدم الموت للأدب لغزًا لا يُمثل؛ السؤال الذي لا يمكن الإجابة عليه، ماذا يحدث في اللحظة التي يتجاوز فيها الإنسان حدود الحياة؟ كما قال فاغنر، الموت «هو لغز لا يزال غير قابل للفهم كما كان عندما جلس الإنسان البدائي بجانب جسد رفيقه الساكن وتفكر في السماء بدهشة».
بدأت هذا المقال بالمقتطف من «اللامتناهي» لليوباردي لأبرز فكرة الاحتمالات اللامتناهية المحيطة بالإجابة على سؤال ما بعد حدود الحياة. ولكن يجب أن يُؤكد أن أي إجابة على هذا السؤال تنتمي إلى عالم الخيال؛ كما سماه بول دي مان، «prosopopoeial» أي «خيال الصوت من وراء القبر». فكرة اللامتناهي يتبناها بلانشو أيضًا في «لحظة موتي»، حيث يصف الراوي لحظة موته كـ «تحرر من الحياة؟ اللامتناهي يفتح؟» وما يثير الاهتمام هو أن الراوي يواجه الموت، لكنه لا يختبر الموت الفعلي، ومع ذلك، تمنحه هذه المواجهة فرصة للتعبير عن رؤية الموت من موقع الحياة.
في «المسكن»، يصف دريدا عنوان بلانشو المختار، «لحظة موتي»، قائلاً إنه «يعدنا بسرد أو شهادة – موقعة من شخص يخبرنا بطرق متعددة وحسب كل الأزمنة الممكنة: أنا ميت، أو سأكون ميتاً في لحظة، أو منذ لحظة كنت سأكون ميتاً».
هنا نقطتان رئيسيتان يجب أن نتناولها؛ أولاً، هل «لحظة موتي» سرد أم شهادة؟ هذا سؤال لا يمكن الجواب عليه بدقة. من جهة، لدينا دليل رسالة كتبها بلانشو إلى دريدا، والتي يؤكد دريدا أنها «لا تنتمي إلى ما نطلق عليه الأدب. إنها شهادة». ومن جهة أخرى، في «لحظة موتي» نُقدم راوياً ينوي، من العنوان، أن يعلن عن موته – وهو، كما ناقشنا سابقاً، ممكن فقط في عوالم الخيال. وهذا يقودنا إلى السؤال التالي: كيف يكتب المرء عن موته إذا نجا منه؟
يلاحظ دريدا أن «نوعاً أساسياً من العمومية» هو أن «المرء يشهد فقط عندما يكون قد عاش طويلاً بعد ما مضى»، وبالنسبة إلى «لحظة موتي»، «ما يجري عبر هذه الشهادة الخيالية هو مفهوم فريد من نوعه لـ'تجربة غير مُختبرة'». الموت هو التجربة التي سيخوضها كل كائن حي، ولكن بما أن المرء لا يستطيع الشهادة على موته لأنه يتجاوز حد الحياة، يصبح الموت بالتالي «تجربة غير مُختبرة» عالمياً. لذا يمكننا فهم سبب اعتقاد بلانشو أن الموت هو «أغنى لحظة من المعنى» – لأن الموت هو ذروة الغموض. لا يمكن للمرء أن يعرف ما يحدث عند موته لأن الموت يعني الانتقال من الحياة، وبالتالي لا يمكن نقل الحالة الحقيقية للميت إلى الأحياء.
ونجد أنفسنا عند حد يمكن للأدب مواجهته فقط من خلال قوى الخيال، بتخيل اللامتناهي الذي يتجاوز إدراكنا – كما هو موضح في قصيدة ليوباردي. وبالتالي، يبقى الموت بعيداً عن أي نص يدعي أنه مصدر الحقيقة، مثل السيرة الذاتية، أو بمعنى آخر، الشهادة، إذ كما يشير دريدا، «في جوهرها، الشهادة دائماً سيرة ذاتية: تخبر، بصيغة المتكلم، السر القابل والمستحيل للمشاركة لما حدث لي، لي، لي وحدي». ولكن لا يمكن أن يكون الأمر أبداً عن ما يحدث لـ«لي وحدي» عند مناقشة موت المرء. في «المسكن» يعلق دريدا على كيف «الموت يعني: أنت ميت بالفعل، في الماضي السحيق، من موت لم يكن لك».
«وكأن الرياح تهمس بين الغصون، فأقيس بين صمت الأبد وصوت الحياة. فيسري إليَّ ذكر الخلود وأزمنة انقضت والحاضر الزاهي، فيغمرني البحر الواسع. فيصبح الغرق في هذا المحيط حلاوة». – اللامتناهي، جياكومو ليوباردي.
في العشرين من يوليو، عام ألف وتسعمئة وأربعة وتسعين، وصل إلى جاك دريدا كتاب من موريس بلانشو، فيه يعلن بلانشو: «منذ خمسين عامًا، ذقت سعادة النجاة من الموت بحده». فُجاءة هذا التصريح، يتساءل: لماذا يجد المرء الفرح في التملص من الموت؟ سأعود إلى هذه الرسالة لاحقًا في سياق المقال، حين أستعرض مشكلات الشهادة والسيرة الذاتية، ولكن الآن، أركز على مسألة سعادة بلانشو، التي يمكننا إدراكها من خلال قصيدة ليوباردي «اللامتناهي». هنا، يرى الشاعر نفسه جالسًا على قمة تلة مفضلة، حيث الأفق محجوب بسياج، فيشعر بالأمن خلف هذا السور، ويتخيل المساحة اللامتناهية التي تمتد وراء الأفق، أي، ما يتجاوز إدراكه. يقارن بين خرير السور في الرياح وصوت الصمت اللامتناهي، ويشعر باللذة والخوف من هذه التجربة. ويمكن أن نقارب سعادة بلانشو مع الإحساس بالدوار الذي يعبر عنه الشاعر في «اللامتناهي». يعتقد بلانشو أن الموت هو «أغنى لحظة من المعنى»، ربما لأنه يجيب على السؤال الذي لا نعرفه في الحياة: ماذا يحدث عند الموت؟
في هذا المقال، الذي يتناول حدود الأدب والموت، هناك حديث واسع عن هذا الخوف والإثارة المرتبطة باللامتناهي؛ بما يتضمنه مفهوم اللامتناهي، والحد الذي يجب تجاوزه لدخول اللامتناهي، وهو الموت كحد للحياة. سأركز على «لحظة موتي - The Instant of my Death» لبلانشو و«المسكن - Demeure» لدريدا لأظهر كيف يقدم الموت للأدب لغزًا لا يُمثل؛ السؤال الذي لا يمكن الإجابة عليه، ماذا يحدث في اللحظة التي يتجاوز فيها الإنسان حدود الحياة؟ كما قال فاغنر، الموت «هو لغز لا يزال غير قابل للفهم كما كان عندما جلس الإنسان البدائي بجانب جسد رفيقه الساكن وتفكر في السماء بدهشة».
بدأت هذا المقال بالمقتطف من «اللامتناهي» لليوباردي لأبرز فكرة الاحتمالات اللامتناهية المحيطة بالإجابة على سؤال ما بعد حدود الحياة. ولكن يجب أن يُؤكد أن أي إجابة على هذا السؤال تنتمي إلى عالم الخيال؛ كما سماه بول دي مان، «prosopopoeial» أي «خيال الصوت من وراء القبر». فكرة اللامتناهي يتبناها بلانشو أيضًا في «لحظة موتي»، حيث يصف الراوي لحظة موته كـ «تحرر من الحياة؟ اللامتناهي يفتح؟» وما يثير الاهتمام هو أن الراوي يواجه الموت، لكنه لا يختبر الموت الفعلي، ومع ذلك، تمنحه هذه المواجهة فرصة للتعبير عن رؤية الموت من موقع الحياة.
في «المسكن»، يصف دريدا عنوان بلانشو المختار، «لحظة موتي»، قائلاً إنه «يعدنا بسرد أو شهادة – موقعة من شخص يخبرنا بطرق متعددة وحسب كل الأزمنة الممكنة: أنا ميت، أو سأكون ميتاً في لحظة، أو منذ لحظة كنت سأكون ميتاً».
هنا نقطتان رئيسيتان يجب أن نتناولها؛ أولاً، هل «لحظة موتي» سرد أم شهادة؟ هذا سؤال لا يمكن الجواب عليه بدقة. من جهة، لدينا دليل رسالة كتبها بلانشو إلى دريدا، والتي يؤكد دريدا أنها «لا تنتمي إلى ما نطلق عليه الأدب. إنها شهادة». ومن جهة أخرى، في «لحظة موتي» نُقدم راوياً ينوي، من العنوان، أن يعلن عن موته – وهو، كما ناقشنا سابقاً، ممكن فقط في عوالم الخيال. وهذا يقودنا إلى السؤال التالي: كيف يكتب المرء عن موته إذا نجا منه؟
يلاحظ دريدا أن «نوعاً أساسياً من العمومية» هو أن «المرء يشهد فقط عندما يكون قد عاش طويلاً بعد ما مضى»، وبالنسبة إلى «لحظة موتي»، «ما يجري عبر هذه الشهادة الخيالية هو مفهوم فريد من نوعه لـ'تجربة غير مُختبرة'». الموت هو التجربة التي سيخوضها كل كائن حي، ولكن بما أن المرء لا يستطيع الشهادة على موته لأنه يتجاوز حد الحياة، يصبح الموت بالتالي «تجربة غير مُختبرة» عالمياً. لذا يمكننا فهم سبب اعتقاد بلانشو أن الموت هو «أغنى لحظة من المعنى» – لأن الموت هو ذروة الغموض. لا يمكن للمرء أن يعرف ما يحدث عند موته لأن الموت يعني الانتقال من الحياة، وبالتالي لا يمكن نقل الحالة الحقيقية للميت إلى الأحياء.
ونجد أنفسنا عند حد يمكن للأدب مواجهته فقط من خلال قوى الخيال، بتخيل اللامتناهي الذي يتجاوز إدراكنا – كما هو موضح في قصيدة ليوباردي. وبالتالي، يبقى الموت بعيداً عن أي نص يدعي أنه مصدر الحقيقة، مثل السيرة الذاتية، أو بمعنى آخر، الشهادة، إذ كما يشير دريدا، «في جوهرها، الشهادة دائماً سيرة ذاتية: تخبر، بصيغة المتكلم، السر القابل والمستحيل للمشاركة لما حدث لي، لي، لي وحدي». ولكن لا يمكن أن يكون الأمر أبداً عن ما يحدث لـ«لي وحدي» عند مناقشة موت المرء. في «المسكن» يعلق دريدا على كيف «الموت يعني: أنت ميت بالفعل، في الماضي السحيق، من موت لم يكن لك».
الفيلسوف الجديد
Photo
يمكن مناقشة الموت فقط من حيث التناقض الذي هو في ذات الوقت أكثر التجارب شمولاً، فكلنا نموت، وفي الوقت نفسه، أكثر التجارب الشخصية تماماً لأنه موتنا الخاص، اللحظة التي لا يمكننا ترجمتها. يمكننا أن نكون شهوداً على موت الآخرين، ولكن أن نقول «أنا ميت» فهذا مستحيل.
الموت الذي يعيشه السارد في «لحظة موتي» ليس بموتٍ جسدي، بل هو انقسام داخلي عن الحياة: «كما لو أن الموت الذي يحدق به، قد صار يصطدم بالموت الذي بداخله». كأنما، يقول دريدا، «الموت الذي أقبل عليه […] ينتظر بلانشو […] ما تبقى له من وجود […] هو هذا السباق نحو الموت، كي لا يرى الموت قادمًا». صعبٌ فهم معنى هذا الانقسام وتعليق دريدا عليه، لأن العقل يقول إن وجودنا مؤسس على هذا السباق نحو الموت، رحلة نحو الموت كجزءٍ جوهري من حياة الإنسان. ولكن ما يثير الاهتمام في تجربة السارد مع الموت في قصة بلانشو هو الموت الذي يشعر به من الداخل، والذي قد نرسم له موازنة هنا لفهم هذا الشعور؛ ففي كتابه «ماذا يحدث عندما تموت؟» جمع أوغست فاغنر مجموعة واسعة من آراء نقاد القرن العشرين حول موضوع الموت. فيه، يعلق هيروارد كارينغتون كيف «عندما يُطلق على إنسان رصاصة في رأسه، نقول إنه 'مات'. أما إذا قطفنا وردة، فلا نقول إن الوردة 'ماتت' حتى تذبل وتفنى». في «لحظة موتي» يمكننا أن نقول إن تجربة الموت الداخلي هذه هي بمثابة «قطف الوردة» مجازيًّا؛ يصف السارد الشعور الفوري بلقائه مع الموت بأنه «خفة استثنائية، نوع من النعيم […] ميت – خالِد. ربما نشوة. بل شعور بالتعاطف مع الإنسانية المعذبة، سعادة عدم الخلود أو الأبدية».
لكن هذا الخلود، يقول دريدا، «لا تعني بأي حال من الأحوال الأبدية […] في هذه اللحظة يمكن أن تكون هناك نشوة، خفة في خلود الموت، سعادة في التعاطف، مشاركة في الفناء، صداقة مع الكائنات المحدودة، في سعادة عدم كونك خالدًا – أو أبديًّا». من خلال مواجهته مع الموت، يفهم سارد بلانشو ضرورة الموت كجزء من التجربة الإنسانية، ورغم أن الموت داخلي للذات، «الظلام في الإنسان» كما قال تينييسون، فهو خارجي لأنه شامل للبشرية. مما يعقد هذه الحدود لتمثيل موت المرء نفسه هو أيضًا حدود اللغة في التعبير عن المشاعر الإنسانية القصوى. في مقدمة «حدود السيرة الذاتية». تؤكد لي غيلمور كيف أن «اللغة تفشل في مواجهة الصدمة […] الصدمة تسخر من اللغة وتواجهها بعجزها». وفي «لحظة موتي» يصف السارد كيف:
«بقي، […] الشعور بالخفة الذي لا أستطيع ترجمته: مُتحرر من الحياة؟ الفضاء اللامتناهي ينفتح؟ لا سعادة، ولا بؤس. ولا غياب الخوف وربما الخطوة التي تتجاوز ذلك».
هنا نواجه مجموعة من المشاعر المختلطة؛ خفة، حرية، سعادة، خوف، غياب الخوف. يبدو أن السارد، لعدم قدرته على ترجمة بدقة طبيعة المشاعر التي يختبرها، يكرر شيئًا مشابهًا لما قاله بلانشو في «الأدب وحق الموت»، أن «الأدب إذا تزامن مع لا شيء لبرهة، يصبح فورًا كل شيء، وهذا كل شيء يبدأ في الوجود». لكن - وهنا تكمن المشكلة - بمجرد أن يبدأ هذا كل شيء في الوجود، يجب أن نجد طريقة لتمثيله، لفهمه، لالتقاطه باللغة (ومن ثم الأدب أيضًا، الذي يستند إلى اللغة). ولكن كما هو متأصل في طبيعة اللغة تقويض المعاني الثابتة، ولا يمكن للعقل البشري تصور اللانهاية، التي هي كل شيء ولا شيء في ذات الوقت، فإن استحالة تمثيل الموت أو مواجهة الموت كهيكل أو لحظة واحدة تحدد حدود الأدب باعتباره شيئًا لا يمكنه أبداً استملاك الطبيعة الغامضة للحياة.
فكّر في دانتي، الذي، رغم استخدامه، كما تؤكد لوسيا بولدريني، «ما يقرب من ٢٨٠٠٠ كلمة» من اللغة الإيطالية، ينهي «الكوميديا الإلهية» بالتعليق «كم هي ضعيفة الكلمات وكم هي غير ملائمة لتكوين مفهومي». كان برنامج دانتي «تجاوز الواقع الإدراكي المباشر لقول ما لم يُقال من قبل – للتعبير عن الجديد، الإلهي، غير القابل للوصف». وفي «لحظة موتي» يسعى السارد أيضًا ليقول ما لم يُقال سيرتيةً من قبل، شعور الموت. خفة تجربة الموت الجسدي تقريبًا لكن العودة إلى الحياة في اللحظة الأخيرة، «في تلك اللحظة، عودة مفاجئة إلى العالم […] تحرك الملازم بعيدًا لتقييم الوضع».
يصف السارد في «لحظة موتي» كيف يتذكر "شابًا […] مُنع من الموت نفسه بالموت». ولعل معنى هذا ينطبق على فكرة رولان بارت عن «موت المؤلف». في مقدمتهم لبلانشو، تعقب هاس ولارج على أن «نكتب لكي تبقى كلماتنا بعدنا، حتى نُمنح الخلود في الحضور الأبدي للعمل. لكن هذا 'البقاء بعدنا' له معنى أكثر شناعة وظلامًا. الكلمات تبقى بعدي، لأن وجودي في معناها ليس له قيمة».
في هذا السياق، من خلال فعل الكتابة، يُحكم الكاتب على نفسه بنوع من الموت. هذا يرتبط بفكرة «ولادة القارئ يجب أن تكون على حساب موت المؤلف»، لأن معنى النص الأدبي يتوحد فقط من خلال تفسير القارئ الفرد وفهمه له.
الموت الذي يعيشه السارد في «لحظة موتي» ليس بموتٍ جسدي، بل هو انقسام داخلي عن الحياة: «كما لو أن الموت الذي يحدق به، قد صار يصطدم بالموت الذي بداخله». كأنما، يقول دريدا، «الموت الذي أقبل عليه […] ينتظر بلانشو […] ما تبقى له من وجود […] هو هذا السباق نحو الموت، كي لا يرى الموت قادمًا». صعبٌ فهم معنى هذا الانقسام وتعليق دريدا عليه، لأن العقل يقول إن وجودنا مؤسس على هذا السباق نحو الموت، رحلة نحو الموت كجزءٍ جوهري من حياة الإنسان. ولكن ما يثير الاهتمام في تجربة السارد مع الموت في قصة بلانشو هو الموت الذي يشعر به من الداخل، والذي قد نرسم له موازنة هنا لفهم هذا الشعور؛ ففي كتابه «ماذا يحدث عندما تموت؟» جمع أوغست فاغنر مجموعة واسعة من آراء نقاد القرن العشرين حول موضوع الموت. فيه، يعلق هيروارد كارينغتون كيف «عندما يُطلق على إنسان رصاصة في رأسه، نقول إنه 'مات'. أما إذا قطفنا وردة، فلا نقول إن الوردة 'ماتت' حتى تذبل وتفنى». في «لحظة موتي» يمكننا أن نقول إن تجربة الموت الداخلي هذه هي بمثابة «قطف الوردة» مجازيًّا؛ يصف السارد الشعور الفوري بلقائه مع الموت بأنه «خفة استثنائية، نوع من النعيم […] ميت – خالِد. ربما نشوة. بل شعور بالتعاطف مع الإنسانية المعذبة، سعادة عدم الخلود أو الأبدية».
لكن هذا الخلود، يقول دريدا، «لا تعني بأي حال من الأحوال الأبدية […] في هذه اللحظة يمكن أن تكون هناك نشوة، خفة في خلود الموت، سعادة في التعاطف، مشاركة في الفناء، صداقة مع الكائنات المحدودة، في سعادة عدم كونك خالدًا – أو أبديًّا». من خلال مواجهته مع الموت، يفهم سارد بلانشو ضرورة الموت كجزء من التجربة الإنسانية، ورغم أن الموت داخلي للذات، «الظلام في الإنسان» كما قال تينييسون، فهو خارجي لأنه شامل للبشرية. مما يعقد هذه الحدود لتمثيل موت المرء نفسه هو أيضًا حدود اللغة في التعبير عن المشاعر الإنسانية القصوى. في مقدمة «حدود السيرة الذاتية». تؤكد لي غيلمور كيف أن «اللغة تفشل في مواجهة الصدمة […] الصدمة تسخر من اللغة وتواجهها بعجزها». وفي «لحظة موتي» يصف السارد كيف:
«بقي، […] الشعور بالخفة الذي لا أستطيع ترجمته: مُتحرر من الحياة؟ الفضاء اللامتناهي ينفتح؟ لا سعادة، ولا بؤس. ولا غياب الخوف وربما الخطوة التي تتجاوز ذلك».
هنا نواجه مجموعة من المشاعر المختلطة؛ خفة، حرية، سعادة، خوف، غياب الخوف. يبدو أن السارد، لعدم قدرته على ترجمة بدقة طبيعة المشاعر التي يختبرها، يكرر شيئًا مشابهًا لما قاله بلانشو في «الأدب وحق الموت»، أن «الأدب إذا تزامن مع لا شيء لبرهة، يصبح فورًا كل شيء، وهذا كل شيء يبدأ في الوجود». لكن - وهنا تكمن المشكلة - بمجرد أن يبدأ هذا كل شيء في الوجود، يجب أن نجد طريقة لتمثيله، لفهمه، لالتقاطه باللغة (ومن ثم الأدب أيضًا، الذي يستند إلى اللغة). ولكن كما هو متأصل في طبيعة اللغة تقويض المعاني الثابتة، ولا يمكن للعقل البشري تصور اللانهاية، التي هي كل شيء ولا شيء في ذات الوقت، فإن استحالة تمثيل الموت أو مواجهة الموت كهيكل أو لحظة واحدة تحدد حدود الأدب باعتباره شيئًا لا يمكنه أبداً استملاك الطبيعة الغامضة للحياة.
فكّر في دانتي، الذي، رغم استخدامه، كما تؤكد لوسيا بولدريني، «ما يقرب من ٢٨٠٠٠ كلمة» من اللغة الإيطالية، ينهي «الكوميديا الإلهية» بالتعليق «كم هي ضعيفة الكلمات وكم هي غير ملائمة لتكوين مفهومي». كان برنامج دانتي «تجاوز الواقع الإدراكي المباشر لقول ما لم يُقال من قبل – للتعبير عن الجديد، الإلهي، غير القابل للوصف». وفي «لحظة موتي» يسعى السارد أيضًا ليقول ما لم يُقال سيرتيةً من قبل، شعور الموت. خفة تجربة الموت الجسدي تقريبًا لكن العودة إلى الحياة في اللحظة الأخيرة، «في تلك اللحظة، عودة مفاجئة إلى العالم […] تحرك الملازم بعيدًا لتقييم الوضع».
يصف السارد في «لحظة موتي» كيف يتذكر "شابًا […] مُنع من الموت نفسه بالموت». ولعل معنى هذا ينطبق على فكرة رولان بارت عن «موت المؤلف». في مقدمتهم لبلانشو، تعقب هاس ولارج على أن «نكتب لكي تبقى كلماتنا بعدنا، حتى نُمنح الخلود في الحضور الأبدي للعمل. لكن هذا 'البقاء بعدنا' له معنى أكثر شناعة وظلامًا. الكلمات تبقى بعدي، لأن وجودي في معناها ليس له قيمة».
في هذا السياق، من خلال فعل الكتابة، يُحكم الكاتب على نفسه بنوع من الموت. هذا يرتبط بفكرة «ولادة القارئ يجب أن تكون على حساب موت المؤلف»، لأن معنى النص الأدبي يتوحد فقط من خلال تفسير القارئ الفرد وفهمه له.
الفيلسوف الجديد
Photo
وهذه حدية الكتابة التي يعلق عليها بلانشو في «كتابة الكارثة»: «أن تكتب (عن) نفسك هو أن تتوقف عن أن تكون، لتثق في ضيف – الآخر، القارئ – موكلًا إليه من الآن فصاعدًا، أن يكون لديه، وفعلاً كحياة، لا شيء سوى عدم وجودك». لكن هذا الانتقال من المؤلف إلى القارئ يبرز أيضًا الجودة اللامتناهية التي يمتاز بها الأدب؛ كما يشير جون بارت، «الأدب لا يمكن أن يُستنفد أبدًا لأنه لا يوجد نص واحد يمكن أن يُستنفد – 'معناه' يكمن في تفاعله مع القراء الفرديين».
ولكن هذه اللامتناهية ليست مرادفة للحدود اللامتناهية - لأننا، القراء، ما زلنا محدودين بفهمنا الخاص للنص، وكما يقول بارت: «إذا أراد [المؤلف] أن يعبّر عن نفسه، فيجب أن يعرف على الأقل أن 'الشيء الداخلي' الذي يظن أنه 'يترجمه' هو نفسه مجرد قاموس جاهز، وكلماته قابلة للتفسير من خلال كلمات أخرى، وهكذا بلا نهاية...».
يمكن القول إذًا، أن الأدب يقدم لنا نفي الموت كالنهاية النهائية، ولكن اعتماد الموت كانتقال إلى مستوى جديد من الفهم. كما يصرح دريدا في «المعضلة - Aporia»: «عبور الحدود دائمًا ما يعلن عن نفسه وفقًا لحركة معينة من الخطوة […] – والخطوة التي تعبر خطًا». أي، خطوة تعبر الخط وتبقى في الوجود، رغم تغييرها، على الجانب الآخر من هذا الخط. وهذا يظهر في قصة بلانشو حيث يعلق السارد أيضًا: «ولا غياب الخوف وربما الخطوة التي تتجاوز ذلك. أعلم، أتخيل أن هذا الشعور غير القابل للتحليل غير ما تبقى له من وجود».
ربما هذا المفهوم لتجاوز الحد، تجاوز حدود الحياة والأدب، يُعرف الحد المطلق للموت. الإنسانية لا تستطيع فهم أنه بعد الحياة لا يوجد شيء مطلق – لأن حتى عند كتابة لا شيء، سيظل الإنسان يتخيل لا شيء كحالة من الوجود، كمسطح، كفراغ. الأسود، الرمادي، الأبيض. صوت الصمت اللامتناهي الذي يتخيله ليوباردي. حد الموت هو أنه توقف عن الحياة، والموت هو «هذه الحركة التي لا أستطيع فيها دفع الموت بعيدًا عني من خلال نسبته إلى 'الجميع'. بل هنا أكون 'الجميع'، أي أفقد نفسي وأختبر كيف 'يموت المرء'». تمامًا كما في إنتاج عمل أدبي، يؤكد بلانشو، «أتنصل من فكرة إنتاج وتشكيل نفسي؛ أتمثل في شيء خارجي وأُسجل نفسي في استمرارية البشرية المجهولة».
الموت هو حد الإنسانية الذي يمكن للكتابة تجاوزه ولكن فقط من خلال فقدان القدرة على قول 'أنا'، أي تمرير العمل إلى نطاق القارئ – الذي هو في ذات الوقت فردي وعالمي. يمكن القول إذًا، أن حد الأدب وحد الموت هو أحد أسرار الوجود التي لا يمكن بلوغها: الفردية. في الأدب، نُمنح وسيلة لتجاوز غياب الذات في الحياة، الأدب يسمح «بعلاقة مع لغز وجودنا الفردي». ولكن، بمجرد أن يصبح هذا اللغز «مطبوعًا» في اللغة، سواء كان حديثًا أو كتابة، فإنه يُفقد؛ هذا ما يعنيه بلانشو عندما يعلق كيف «عندما أتكلم، يتكلم الموت فيّ. [الكلام] موجود بيننا كالمسافة التي تفصلنا، ولكن هذه المسافة هي أيضًا ما يمنعنا من الانفصال، لأنها تحتوي على شرط كل فهم».
كفرد، يمكنني أن أختبر المشاعر الداخلية والأحاسيس حول حدث أو قطعة أدبية، ولكن بمجرد أن تُعبّر هذه التجارب، وتُسمى، فإنها تفقد جودتها الفردية وتدخل في نطاق مجموعة جاهزة من الكلمات، وكلمات عن الكلمات، عن مشاعر التجارب التي هي في ذات الوقت فردية وعالمية.
في «لحظة موتي»، نجد أن السارد يصف تجربته مع الموت على أنها تولد شعورًا بـ«الخفة»، حيث تنفصل الذات للحظة عن الإنسانية، وكأن المرء يقترب من مواجهة موته الشخصي، ولكن من خلال محاولة التعبير عن هذه اللحظة، يقترب السارد من الحد، العتبة الخطرة، حيث يقول: «أنا حي. لا، أنت ميت».
ميت لأنه قد تخلى عن فرديته من خلال التعبير (أي، موت المؤلف)، وميت لأنه في اللحظة التي كاد فيها أن يُقتل بالرصاص، يعلن السارد أنه بالفعل «ميت – خالد». يُعلق دريدا على هذا قائلاً: «إن [السارد] ميت بالفعل، لأنه صدر حكم [...] عندما يموت المرء، لا يحدث ذلك مرتين، لا يوجد موتان حتى لو مات اثنان [...] أنا لست ميتًا وأنا ميت. في تلك اللحظة أنا خالد لأنني ميت: لا يمكن أن يحدث لي الموت مرة أخرى».
لذلك، من لحظة موت السارد، يدرك حتمية الموت، ويعترف بأن «لحظة موتي منذ ذلك الحين دائمًا في تعليق». يعيدنا هذا إلى صورة الوردة التي تم قطفها والتي ناقشتها سابقًا؛ ما ينتظره السارد الآن هو ذبول الحياة من كيانه. يمكن بالتالي رؤية حد الأدب كحد يعجز عن التعبير عن التفرد المطلق إما في التجربة أو المعنى. وحدّ الموت هو أنه نهاية الحياة التي تلغي أيضًا تجربة التفرد. أما الحد الذي يجمع بين الأدب والموت فهو أن الموت لا يمكن التعبير عنه بالكامل في عوالم الشهادة أو الرواية الذاتية. ما يثير الاهتمام في «لحظة موتي» هو كيف أن هذا اللقاء مع الحد، العتبة الخطرة للحياة، والعودة إلى الحياة، يتيح للسارد رؤية للموت يمكن التعبير عنها في الحياة.
ولكن هذه اللامتناهية ليست مرادفة للحدود اللامتناهية - لأننا، القراء، ما زلنا محدودين بفهمنا الخاص للنص، وكما يقول بارت: «إذا أراد [المؤلف] أن يعبّر عن نفسه، فيجب أن يعرف على الأقل أن 'الشيء الداخلي' الذي يظن أنه 'يترجمه' هو نفسه مجرد قاموس جاهز، وكلماته قابلة للتفسير من خلال كلمات أخرى، وهكذا بلا نهاية...».
يمكن القول إذًا، أن الأدب يقدم لنا نفي الموت كالنهاية النهائية، ولكن اعتماد الموت كانتقال إلى مستوى جديد من الفهم. كما يصرح دريدا في «المعضلة - Aporia»: «عبور الحدود دائمًا ما يعلن عن نفسه وفقًا لحركة معينة من الخطوة […] – والخطوة التي تعبر خطًا». أي، خطوة تعبر الخط وتبقى في الوجود، رغم تغييرها، على الجانب الآخر من هذا الخط. وهذا يظهر في قصة بلانشو حيث يعلق السارد أيضًا: «ولا غياب الخوف وربما الخطوة التي تتجاوز ذلك. أعلم، أتخيل أن هذا الشعور غير القابل للتحليل غير ما تبقى له من وجود».
ربما هذا المفهوم لتجاوز الحد، تجاوز حدود الحياة والأدب، يُعرف الحد المطلق للموت. الإنسانية لا تستطيع فهم أنه بعد الحياة لا يوجد شيء مطلق – لأن حتى عند كتابة لا شيء، سيظل الإنسان يتخيل لا شيء كحالة من الوجود، كمسطح، كفراغ. الأسود، الرمادي، الأبيض. صوت الصمت اللامتناهي الذي يتخيله ليوباردي. حد الموت هو أنه توقف عن الحياة، والموت هو «هذه الحركة التي لا أستطيع فيها دفع الموت بعيدًا عني من خلال نسبته إلى 'الجميع'. بل هنا أكون 'الجميع'، أي أفقد نفسي وأختبر كيف 'يموت المرء'». تمامًا كما في إنتاج عمل أدبي، يؤكد بلانشو، «أتنصل من فكرة إنتاج وتشكيل نفسي؛ أتمثل في شيء خارجي وأُسجل نفسي في استمرارية البشرية المجهولة».
الموت هو حد الإنسانية الذي يمكن للكتابة تجاوزه ولكن فقط من خلال فقدان القدرة على قول 'أنا'، أي تمرير العمل إلى نطاق القارئ – الذي هو في ذات الوقت فردي وعالمي. يمكن القول إذًا، أن حد الأدب وحد الموت هو أحد أسرار الوجود التي لا يمكن بلوغها: الفردية. في الأدب، نُمنح وسيلة لتجاوز غياب الذات في الحياة، الأدب يسمح «بعلاقة مع لغز وجودنا الفردي». ولكن، بمجرد أن يصبح هذا اللغز «مطبوعًا» في اللغة، سواء كان حديثًا أو كتابة، فإنه يُفقد؛ هذا ما يعنيه بلانشو عندما يعلق كيف «عندما أتكلم، يتكلم الموت فيّ. [الكلام] موجود بيننا كالمسافة التي تفصلنا، ولكن هذه المسافة هي أيضًا ما يمنعنا من الانفصال، لأنها تحتوي على شرط كل فهم».
كفرد، يمكنني أن أختبر المشاعر الداخلية والأحاسيس حول حدث أو قطعة أدبية، ولكن بمجرد أن تُعبّر هذه التجارب، وتُسمى، فإنها تفقد جودتها الفردية وتدخل في نطاق مجموعة جاهزة من الكلمات، وكلمات عن الكلمات، عن مشاعر التجارب التي هي في ذات الوقت فردية وعالمية.
في «لحظة موتي»، نجد أن السارد يصف تجربته مع الموت على أنها تولد شعورًا بـ«الخفة»، حيث تنفصل الذات للحظة عن الإنسانية، وكأن المرء يقترب من مواجهة موته الشخصي، ولكن من خلال محاولة التعبير عن هذه اللحظة، يقترب السارد من الحد، العتبة الخطرة، حيث يقول: «أنا حي. لا، أنت ميت».
ميت لأنه قد تخلى عن فرديته من خلال التعبير (أي، موت المؤلف)، وميت لأنه في اللحظة التي كاد فيها أن يُقتل بالرصاص، يعلن السارد أنه بالفعل «ميت – خالد». يُعلق دريدا على هذا قائلاً: «إن [السارد] ميت بالفعل، لأنه صدر حكم [...] عندما يموت المرء، لا يحدث ذلك مرتين، لا يوجد موتان حتى لو مات اثنان [...] أنا لست ميتًا وأنا ميت. في تلك اللحظة أنا خالد لأنني ميت: لا يمكن أن يحدث لي الموت مرة أخرى».
لذلك، من لحظة موت السارد، يدرك حتمية الموت، ويعترف بأن «لحظة موتي منذ ذلك الحين دائمًا في تعليق». يعيدنا هذا إلى صورة الوردة التي تم قطفها والتي ناقشتها سابقًا؛ ما ينتظره السارد الآن هو ذبول الحياة من كيانه. يمكن بالتالي رؤية حد الأدب كحد يعجز عن التعبير عن التفرد المطلق إما في التجربة أو المعنى. وحدّ الموت هو أنه نهاية الحياة التي تلغي أيضًا تجربة التفرد. أما الحد الذي يجمع بين الأدب والموت فهو أن الموت لا يمكن التعبير عنه بالكامل في عوالم الشهادة أو الرواية الذاتية. ما يثير الاهتمام في «لحظة موتي» هو كيف أن هذا اللقاء مع الحد، العتبة الخطرة للحياة، والعودة إلى الحياة، يتيح للسارد رؤية للموت يمكن التعبير عنها في الحياة.
الفيلسوف الجديد
Photo
«الحياة سرٌّ خفيّ، والموت مفتاحه الذي يفتح الباب، ولكن من يدير المفتاح يغيب في السرِّ إلى الأبد». موريس ميترلينك في كتابه «قبل الصمت الكبير».
مهمةُ الفلسفة
✍️ الفيلسوف جون ديوي
"لو كان هناكَ إجماعٌ بين الناس على دلالة ما نعرفهُ من المُعتقدَات الخاصة بأمور القيم المثالية والعامة، لتميَّزت حياتنا بالتوحيد بدلاً من الانقسام والتنازع على الأهداف والمعايير المتنافِسة. والحاجة إلى الأفعال العملية في المجالات الاجتماعية الحرة الواسعة ستعطي توحيداً لمعرفتنا الخاصة، التي تُعطي بدورها صلابة وثقة للحكم على القيم الموجِّهة لسلوكنا. وبلوغ هذا الإجماع دليلٌ على أن الحياة الحديثة قد بلغت مرحلة النضوج في الكشف عن معناها في الحركة الفكرية. وسيهتدي هذا الإجماع بمصالح الحياة الحديثة ذاتها، وألوان نشاطها، ويتخذ منها مُرشِداً صاحب سلطة في تدبير شؤونها، يبحث عنه عبثاً في الوقت الحاضر، فيجده ضائعاً بين التقاليد البالية وبين الاعتماد على الحوافز الطارئة.
وهذا الموقف يُحدّد الوظيفة الهامة للفلسفة في الوقت الحاضر، إذ يجب عليها أن تبحث عن العوائق وتكشفها، و أن تنتقد العادات الذهنية التي تقف عقبة في الطريق، وأن تُوجِّه الفكر صوب الحاجات المتصلة بالحياة الحاضرة، وأن تُؤوِّل نتائج العلم في ضوء عواقبها على معتقداتنا الخاصة بأغراضنا وقيمنا في جميع مراحل الحياة".
📕 جون ديوي، البحث عن اليقين، ترجمة أحمد فؤاد الأهواني، المركز القومي للترجمة : مصر، ٢٠١٥.
"لو كان هناكَ إجماعٌ بين الناس على دلالة ما نعرفهُ من المُعتقدَات الخاصة بأمور القيم المثالية والعامة، لتميَّزت حياتنا بالتوحيد بدلاً من الانقسام والتنازع على الأهداف والمعايير المتنافِسة. والحاجة إلى الأفعال العملية في المجالات الاجتماعية الحرة الواسعة ستعطي توحيداً لمعرفتنا الخاصة، التي تُعطي بدورها صلابة وثقة للحكم على القيم الموجِّهة لسلوكنا. وبلوغ هذا الإجماع دليلٌ على أن الحياة الحديثة قد بلغت مرحلة النضوج في الكشف عن معناها في الحركة الفكرية. وسيهتدي هذا الإجماع بمصالح الحياة الحديثة ذاتها، وألوان نشاطها، ويتخذ منها مُرشِداً صاحب سلطة في تدبير شؤونها، يبحث عنه عبثاً في الوقت الحاضر، فيجده ضائعاً بين التقاليد البالية وبين الاعتماد على الحوافز الطارئة.
وهذا الموقف يُحدّد الوظيفة الهامة للفلسفة في الوقت الحاضر، إذ يجب عليها أن تبحث عن العوائق وتكشفها، و أن تنتقد العادات الذهنية التي تقف عقبة في الطريق، وأن تُوجِّه الفكر صوب الحاجات المتصلة بالحياة الحاضرة، وأن تُؤوِّل نتائج العلم في ضوء عواقبها على معتقداتنا الخاصة بأغراضنا وقيمنا في جميع مراحل الحياة".
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
الفيلسوف الجديد
Photo
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
الفيلسوف الجديد
Photo
الإيمان بارتجال مستحيل
مع كلّ ما أسالته وقتها من مداد، في الصّحافة الفرنسيّة والأميركيّة، لا تختزل واقعة اللّقاء بين دريدا وكولمان مجرّد مادّة إخباريّة عن سوء فهم طارئ بين جمهور عاشق للجاز الحرّ، سليل حركة أيار 1968 الثائرة على سلطة الجامعة والمجتمع، وبين أستاذ يُمثّل سطوة تلك المعرفة القاهرة التي تخلصّوا منها وعادت ليلتها لتحجب من خلال صوت المُعلّم متعة الموسيقى؛ بل إنّ الواقعة تعيد إلى الأذهان شرخاً قديماً بين الخطاب الفلسفيّ المحبوك والتعبيرات الفنيّة المرتجلة، أي بين تاريخ متراصّ للكينونة وتعبيرات عرضيّة للكائن. سيقول دريدا لاحقاً: "أؤمن بالارتجال وأقاتل من أجله، لكن معتقداً دائماً بأنّه مستحيل". وفي قوله هذا ما يُذكّرنا، مع اختلافات وتفصيلات كثيرة، بموقف ثيودور أدورنو (1903-1960) من الجاز. لقد اعتبر أدورنو هذه الموسيقى بمثابة "حداثة زائفة" تحمل في طيّاتها أوهام الحرية وجشع الإنتاج التجاريّ، ورأى في ادعائها التولد عن الارتجال استصغاراً للعقول واختلافاً جوهريّاً مع الفن الذي لا يمكن أن ينبع من غير كدّ الأداء وعرق الحياة.
يكتب أدورنو في "النظرية الجماليّة": "إنّ المقطوعات الموسيقيّة ليست على وجه التقريب أفضل دائماً من الأداءات فحسب، بل إنّها أكثر من مجرّد توجيهات إليها. […] فالتثبيت باستعمال العلامات أو النّوتات ليس خارجيّاً عن الشيء؛ فمنه يكتسب العمل الفنيّ استقلاليّته عن نشأته: ومن هنا تأتي أولويّة النصوص على تأويلاتها". لا يكتفي أدورنو في صِدامه الجذري مع الجاز عند نزع صفة الفن عنه، وإنّما يحشره في دائرة الفاشيّة. فبالنسبة إليه، لا يهتمّ الجاز بالكتابة وبالصّوت وإنّما بالاستعراض، وفي تهريج عازفيه في المسرح من أجل استمالة الحشود، يلتقون مع ساسة الفاشيّة في محاولتهم خداع الناس وايهامهم بأنّ هدماً تحرّرياً ما يحدث حيث لا توجد، في نظره، سوى استمرارية وتكريس الرّاهن. كذلك يمكننا القول إنّ ثقافة البوب، موسيقيّة أو أدبيّة أو بصريّة كانت، ليست ثقافة الشّعب، وإنما هي مستوى متوسط، وسيط وهجين، بالمعنى القدحي للهجانة، بين ذوق المسحوقين وتطلعاتهم الاقتصادية اليائسة. إنها حالة من الوهم التّسويقيّ الذي يجعل من الجماهير سيولة مالية افتراضية تتداولها المنصّات الرقمية، في البنوك والبورصات، وتستعين بها الأنظمة لتخدير الجماهير. الخبز والألعاب.
ولعلّنا نستجلي في ما حدث مع جاك دريدا، قبيل مطلع الألفية الثانية، ملامح ما قد أضحى اليوم تكتيكات حربائيّة لما يُسمّى بالفن المعاصر الذي يدّعي كثير من القائمين عليه، من فنانين وتُجّار ومضاربين في الغاليريهات والبينالات، الاقتراب من قضايا الفكر والمجتمع. بيد أنّهم، في صميم ادعاءاتهم تلك، ينهلون من أدوات ثقافة البوب التي تأسست على تحالف الصّناعة والفولكلور، الإيديولوجيا والانفصام، أي على الاغتراب والانتصار الجماليّ للبشع والمربح، وحيثما تحرّك المال والشهرة تسقط مزاعمهم الانعتاقيّة في انحياز صارخ للشعبوية والشموليّة.
إنّ كولمان "اللطيف للغاية والخجول"، كما وصفه دريدا، وإنْ كان يرتجل جواهر اللّحن، ويستذكر بشجن ممتع تاريخ العبيد ومآسيهم، فإنّه كان قد أصبح بقوّة الواقع جزءًا من آلة إنتاجيّة تُجيّش الحشود وتستلب أموالهم وقناعاتهم السياسيّة، بل وترتجل بأحلامهم وحيواتهم، وبوجودهم حتّى. يكتب دريدا بعد اللقاء: "قلت لنفسي حينها بأنّني لم أكن بالنسبة إليه (كولمان) إلاّ ضرباً من هيئة ظليّة - ولا أعتقد أنه قرأ لي في يوم - ترتسم من أشياء أميركيّة في فضاء أميركيّ".
يحدث أن أستمع لموسيقى الجاز، لكنّي أفضّل عيساوة وشوبان. ثمّ إنّي لن أذهب إلى أميركا قطعاً...
مع كلّ ما أسالته وقتها من مداد، في الصّحافة الفرنسيّة والأميركيّة، لا تختزل واقعة اللّقاء بين دريدا وكولمان مجرّد مادّة إخباريّة عن سوء فهم طارئ بين جمهور عاشق للجاز الحرّ، سليل حركة أيار 1968 الثائرة على سلطة الجامعة والمجتمع، وبين أستاذ يُمثّل سطوة تلك المعرفة القاهرة التي تخلصّوا منها وعادت ليلتها لتحجب من خلال صوت المُعلّم متعة الموسيقى؛ بل إنّ الواقعة تعيد إلى الأذهان شرخاً قديماً بين الخطاب الفلسفيّ المحبوك والتعبيرات الفنيّة المرتجلة، أي بين تاريخ متراصّ للكينونة وتعبيرات عرضيّة للكائن. سيقول دريدا لاحقاً: "أؤمن بالارتجال وأقاتل من أجله، لكن معتقداً دائماً بأنّه مستحيل". وفي قوله هذا ما يُذكّرنا، مع اختلافات وتفصيلات كثيرة، بموقف ثيودور أدورنو (1903-1960) من الجاز. لقد اعتبر أدورنو هذه الموسيقى بمثابة "حداثة زائفة" تحمل في طيّاتها أوهام الحرية وجشع الإنتاج التجاريّ، ورأى في ادعائها التولد عن الارتجال استصغاراً للعقول واختلافاً جوهريّاً مع الفن الذي لا يمكن أن ينبع من غير كدّ الأداء وعرق الحياة.
يكتب أدورنو في "النظرية الجماليّة": "إنّ المقطوعات الموسيقيّة ليست على وجه التقريب أفضل دائماً من الأداءات فحسب، بل إنّها أكثر من مجرّد توجيهات إليها. […] فالتثبيت باستعمال العلامات أو النّوتات ليس خارجيّاً عن الشيء؛ فمنه يكتسب العمل الفنيّ استقلاليّته عن نشأته: ومن هنا تأتي أولويّة النصوص على تأويلاتها". لا يكتفي أدورنو في صِدامه الجذري مع الجاز عند نزع صفة الفن عنه، وإنّما يحشره في دائرة الفاشيّة. فبالنسبة إليه، لا يهتمّ الجاز بالكتابة وبالصّوت وإنّما بالاستعراض، وفي تهريج عازفيه في المسرح من أجل استمالة الحشود، يلتقون مع ساسة الفاشيّة في محاولتهم خداع الناس وايهامهم بأنّ هدماً تحرّرياً ما يحدث حيث لا توجد، في نظره، سوى استمرارية وتكريس الرّاهن. كذلك يمكننا القول إنّ ثقافة البوب، موسيقيّة أو أدبيّة أو بصريّة كانت، ليست ثقافة الشّعب، وإنما هي مستوى متوسط، وسيط وهجين، بالمعنى القدحي للهجانة، بين ذوق المسحوقين وتطلعاتهم الاقتصادية اليائسة. إنها حالة من الوهم التّسويقيّ الذي يجعل من الجماهير سيولة مالية افتراضية تتداولها المنصّات الرقمية، في البنوك والبورصات، وتستعين بها الأنظمة لتخدير الجماهير. الخبز والألعاب.
ولعلّنا نستجلي في ما حدث مع جاك دريدا، قبيل مطلع الألفية الثانية، ملامح ما قد أضحى اليوم تكتيكات حربائيّة لما يُسمّى بالفن المعاصر الذي يدّعي كثير من القائمين عليه، من فنانين وتُجّار ومضاربين في الغاليريهات والبينالات، الاقتراب من قضايا الفكر والمجتمع. بيد أنّهم، في صميم ادعاءاتهم تلك، ينهلون من أدوات ثقافة البوب التي تأسست على تحالف الصّناعة والفولكلور، الإيديولوجيا والانفصام، أي على الاغتراب والانتصار الجماليّ للبشع والمربح، وحيثما تحرّك المال والشهرة تسقط مزاعمهم الانعتاقيّة في انحياز صارخ للشعبوية والشموليّة.
إنّ كولمان "اللطيف للغاية والخجول"، كما وصفه دريدا، وإنْ كان يرتجل جواهر اللّحن، ويستذكر بشجن ممتع تاريخ العبيد ومآسيهم، فإنّه كان قد أصبح بقوّة الواقع جزءًا من آلة إنتاجيّة تُجيّش الحشود وتستلب أموالهم وقناعاتهم السياسيّة، بل وترتجل بأحلامهم وحيواتهم، وبوجودهم حتّى. يكتب دريدا بعد اللقاء: "قلت لنفسي حينها بأنّني لم أكن بالنسبة إليه (كولمان) إلاّ ضرباً من هيئة ظليّة - ولا أعتقد أنه قرأ لي في يوم - ترتسم من أشياء أميركيّة في فضاء أميركيّ".
يحدث أن أستمع لموسيقى الجاز، لكنّي أفضّل عيساوة وشوبان. ثمّ إنّي لن أذهب إلى أميركا قطعاً...
" إن موت الفلسفة يكمن في تخليها عن وظيفتها النقدية المتمثلة في تحرير الوعي من الأوهام،
ورفض الأوضاع السائدة والإنصياع لها.
إن مهمة الفلسفة هي صون الحقيقة من الضياع،
والإهابة بالعقل بوضعه الواقع الأصيل المقابل للواقع اللا إنساني الزائف. "
- الفيلسوف هربرت ماركيوز
ورفض الأوضاع السائدة والإنصياع لها.
إن مهمة الفلسفة هي صون الحقيقة من الضياع،
والإهابة بالعقل بوضعه الواقع الأصيل المقابل للواقع اللا إنساني الزائف. "
- الفيلسوف هربرت ماركيوز
ديفيد هيوم (1711 - 1776) هو أحد الفلاسفة الأبرز في تاريخ الفلسفة الغربية ومن أبرز ممثلي الفلسفة التجريبية. وهو معروف بنقده الجذري للعديد من المفاهيم التي كانت سائدة في الفكر الفلسفي والديني آنذاك، بما في ذلك فكرة المعرفة المطلقة والعالم الموضوعي الذي يمكن معرفته بشكل قاطع.
1. المعرفة والحس
في فلسفة هيوم، الحس هو المصدر الوحيد للمعرفة. فهو يرفض أي مصدر آخر للمعرفة، مثل العقل أو الحدس أو أي نوع من التأملات غير المرتبطة بالواقع الحسي. وفقًا له، كل ما نعرفه عن العالم ينبع من تجاربنا الحسية المباشرة — بمعنى آخر، لا يمكن للإنسان أن يعرف شيئًا إلا من خلال الحواس الخمس.
2. النقد للعقلانية والتفسير الديني
هيوم كان ناقدًا للفكر العقلاني الذي يفترض أن الإنسان يستطيع الوصول إلى المعرفة من خلال التفكير المجرد أو التأمل العقلي. كما كان ناقدًا أيضًا للديانات التي تدعي أن هناك مصادر أخرى للمعرفة غير الحواس، مثل الوحي أو التأملات الدينية. في نظره، مثل هذه المفاهيم ليست سوى أوهام لا يمكن التحقق منها بالوسائل الحسية.
3. الفلسفة الذاتية مقابل الموضوعية
هيوم كان مؤمنًا بشدة بالذاتية (Subjectivism)، بمعنى أن المعرفة التي يمتلكها الإنسان عن العالم الخارجي هي معرفة مشوهة وذات طابع شخصي، وليست معرفة حقيقية عن العالم كما هو في ذاته (أي بمعنى الواقعية الموضوعية). وبالتالي، يعتقد هيوم أن معتقدات الإنسان وأفكاره عن العالم ليست انعكاسًا دقيقًا للواقع الخارجي، بل هي بناء ذهني يستند إلى تجاربه الحسية وتفسيراته الشخصية.
4. السببية والتجربة
واحدة من أهم الإسهامات الفلسفية لهيوم كانت في مجال السببية. هو يشكك في القدرة على التأكد من وجود علاقة سببية موضوعية بين الأحداث. وفقًا له، الإنسان لا يستطيع أن يعرف علاقة سببية بين حدثين بشكل مباشر، بل يتخذ هذا الاستنتاج استنادًا إلى تكرار الأحداث التي يحدث فيها شيء معين بعد شيء آخر. لكن هذا التكرار لا يثبت بالضرورة وجود علاقة سببية ثابتة، بل هو مجرد عادة أو ملاحظة متكررة.
5. النظرة الإنسانية إلى المعرفة
هيوم يرى أن "الإنسان" ليس كائنًا قادرًا على إدراك الحقائق الكونية بشكل دقيق، بل هو كائن محدود قادر فقط على إدراك تجاربه الحسية وتفسيرها. هذا الرأي يتناقض مع الفلسفات المثالية التي كانت تروج لفكرة أن العقل البشري يمكنه الوصول إلى أفكار كونية أو حقيقة مطلقة.
6. الانعكاس على العلوم
هيوم كان أيضًا مؤثرًا في مجال الفلسفة العلمية. فقد شكك في فكرة أن العلوم الطبيعية يمكن أن تكشف لنا عن "الحقائق الكونية" بطريقة موضوعية وقطعية. لذلك، اعتبر أن المعرفة العلمية ليست سوى مجموعة من التعميمات التي تعتمد على تكرار الظواهر، وليست حقائق ثابتة يمكن الاعتماد عليها في جميع الأوقات والأماكن.
7. الأخلاق والدين
في مجال الأخلاق، قدم هيوم أطروحة شهيرة تقول إن "العقل لا يحرك العواطف"، بل العواطف هي التي تحدد سلوك الإنسان الأخلاقي. ولذلك، كانت أخلاق الإنسان في نظره نتيجة لمشاعر الرغبة والتعاطف، وليست مجرد استنتاجات عقلية. أما في الدين، فقد تبنى هيوم رؤية نقدية حيث اعتبر أن المعتقدات الدينية تتولد من أوهام عقلية وتفسيرات لا تستند إلى أي دليل حسي أو علمي.
الخلاصة:
فلسفة هيوم تركز على أن المعرفة الحقيقية يجب أن تكون مبنية على التجربة الحسية، وأن كل ما نعرفه عن العالم هو مجرد تفسير شخصي له بناءً على ما مررنا به من تجارب سابقة. هو شكك في قدرة الإنسان على الوصول إلى حقيقة ثابتة خارج هذه التجارب، وقد انتقد بشدة فكرة وجود معرفة غير مرتبطة بالحواس أو في شكل ديني أو عقلاني غير قابل للتفسير الحسي.
1. المعرفة والحس
في فلسفة هيوم، الحس هو المصدر الوحيد للمعرفة. فهو يرفض أي مصدر آخر للمعرفة، مثل العقل أو الحدس أو أي نوع من التأملات غير المرتبطة بالواقع الحسي. وفقًا له، كل ما نعرفه عن العالم ينبع من تجاربنا الحسية المباشرة — بمعنى آخر، لا يمكن للإنسان أن يعرف شيئًا إلا من خلال الحواس الخمس.
2. النقد للعقلانية والتفسير الديني
هيوم كان ناقدًا للفكر العقلاني الذي يفترض أن الإنسان يستطيع الوصول إلى المعرفة من خلال التفكير المجرد أو التأمل العقلي. كما كان ناقدًا أيضًا للديانات التي تدعي أن هناك مصادر أخرى للمعرفة غير الحواس، مثل الوحي أو التأملات الدينية. في نظره، مثل هذه المفاهيم ليست سوى أوهام لا يمكن التحقق منها بالوسائل الحسية.
3. الفلسفة الذاتية مقابل الموضوعية
هيوم كان مؤمنًا بشدة بالذاتية (Subjectivism)، بمعنى أن المعرفة التي يمتلكها الإنسان عن العالم الخارجي هي معرفة مشوهة وذات طابع شخصي، وليست معرفة حقيقية عن العالم كما هو في ذاته (أي بمعنى الواقعية الموضوعية). وبالتالي، يعتقد هيوم أن معتقدات الإنسان وأفكاره عن العالم ليست انعكاسًا دقيقًا للواقع الخارجي، بل هي بناء ذهني يستند إلى تجاربه الحسية وتفسيراته الشخصية.
4. السببية والتجربة
واحدة من أهم الإسهامات الفلسفية لهيوم كانت في مجال السببية. هو يشكك في القدرة على التأكد من وجود علاقة سببية موضوعية بين الأحداث. وفقًا له، الإنسان لا يستطيع أن يعرف علاقة سببية بين حدثين بشكل مباشر، بل يتخذ هذا الاستنتاج استنادًا إلى تكرار الأحداث التي يحدث فيها شيء معين بعد شيء آخر. لكن هذا التكرار لا يثبت بالضرورة وجود علاقة سببية ثابتة، بل هو مجرد عادة أو ملاحظة متكررة.
5. النظرة الإنسانية إلى المعرفة
هيوم يرى أن "الإنسان" ليس كائنًا قادرًا على إدراك الحقائق الكونية بشكل دقيق، بل هو كائن محدود قادر فقط على إدراك تجاربه الحسية وتفسيرها. هذا الرأي يتناقض مع الفلسفات المثالية التي كانت تروج لفكرة أن العقل البشري يمكنه الوصول إلى أفكار كونية أو حقيقة مطلقة.
6. الانعكاس على العلوم
هيوم كان أيضًا مؤثرًا في مجال الفلسفة العلمية. فقد شكك في فكرة أن العلوم الطبيعية يمكن أن تكشف لنا عن "الحقائق الكونية" بطريقة موضوعية وقطعية. لذلك، اعتبر أن المعرفة العلمية ليست سوى مجموعة من التعميمات التي تعتمد على تكرار الظواهر، وليست حقائق ثابتة يمكن الاعتماد عليها في جميع الأوقات والأماكن.
7. الأخلاق والدين
في مجال الأخلاق، قدم هيوم أطروحة شهيرة تقول إن "العقل لا يحرك العواطف"، بل العواطف هي التي تحدد سلوك الإنسان الأخلاقي. ولذلك، كانت أخلاق الإنسان في نظره نتيجة لمشاعر الرغبة والتعاطف، وليست مجرد استنتاجات عقلية. أما في الدين، فقد تبنى هيوم رؤية نقدية حيث اعتبر أن المعتقدات الدينية تتولد من أوهام عقلية وتفسيرات لا تستند إلى أي دليل حسي أو علمي.
الخلاصة:
فلسفة هيوم تركز على أن المعرفة الحقيقية يجب أن تكون مبنية على التجربة الحسية، وأن كل ما نعرفه عن العالم هو مجرد تفسير شخصي له بناءً على ما مررنا به من تجارب سابقة. هو شكك في قدرة الإنسان على الوصول إلى حقيقة ثابتة خارج هذه التجارب، وقد انتقد بشدة فكرة وجود معرفة غير مرتبطة بالحواس أو في شكل ديني أو عقلاني غير قابل للتفسير الحسي.
- الصحفي : ما المهارة الخاصة المتوفرة عند الفيلسوف؟
-ميشال سير : توجد رواية لجيل فيرن، أحد شخصياتها، وهو خادم يطوف العالم، يُدعى "عابر-كل-مكان" . الفلسفة هكذا : تعبر كل الأمكنة. إنها مركبة صالحة لجميع أنواع الأراضي. فهي تطوف العالم، وتطوف العلوم، وتطوف الناس. إنه تفردها. وأيضا قوتها في عالم اليوم حيث كل المشاكل متقاطعة.
لنأخذ الطقس على سبيل المثال : فهو يستدعي في نفس الوقت الفيزياء والكمياء والبيولوجيا والكمياء الحيوية والكوسمولوجيا...إذا حاولتَ حلَّ مسألة بيئية من خلال منهج تحليلي فستكون مُتيقنا من الفشل. على سبيل المثال، إنه لأمر غبي وضع مخطط بغرض تعزيز عدد الضفادع إذا كان الطقس، المُخْتَل بدوره، عليه أن يقتل كل الضفادع التي أنجبها مخططك!
إن أحد أكبر المشاكل، اليوم، تخلقه الجامعة بصُنْعها لنوعين من الأغبياء : الأدبيون من ناحية، وهم مثقفون لكن جهلاء، والعلميون من ناحية أخرى، وهم علماء لكن غير مُثقفين. وهنا بالضبط حيث تملك الفلسفة دورا لتلعبه. دورها هو إعادة خياطة ما تم تقطيعه بشكل اصطناعي.
Sciences humains n°25 (ترجمة يوسف اسحيردة)
-ميشال سير : توجد رواية لجيل فيرن، أحد شخصياتها، وهو خادم يطوف العالم، يُدعى "عابر-كل-مكان" . الفلسفة هكذا : تعبر كل الأمكنة. إنها مركبة صالحة لجميع أنواع الأراضي. فهي تطوف العالم، وتطوف العلوم، وتطوف الناس. إنه تفردها. وأيضا قوتها في عالم اليوم حيث كل المشاكل متقاطعة.
لنأخذ الطقس على سبيل المثال : فهو يستدعي في نفس الوقت الفيزياء والكمياء والبيولوجيا والكمياء الحيوية والكوسمولوجيا...إذا حاولتَ حلَّ مسألة بيئية من خلال منهج تحليلي فستكون مُتيقنا من الفشل. على سبيل المثال، إنه لأمر غبي وضع مخطط بغرض تعزيز عدد الضفادع إذا كان الطقس، المُخْتَل بدوره، عليه أن يقتل كل الضفادع التي أنجبها مخططك!
إن أحد أكبر المشاكل، اليوم، تخلقه الجامعة بصُنْعها لنوعين من الأغبياء : الأدبيون من ناحية، وهم مثقفون لكن جهلاء، والعلميون من ناحية أخرى، وهم علماء لكن غير مُثقفين. وهنا بالضبط حيث تملك الفلسفة دورا لتلعبه. دورها هو إعادة خياطة ما تم تقطيعه بشكل اصطناعي.
Sciences humains n°25 (ترجمة يوسف اسحيردة)
Forwarded from باروخ سبينوزا
في ذكرى ميلاد الفيلسوف التنويري سبينوزا - تشرين الثاني عام 1632
كتب سبينوزا غي كتابه رسالة في اللاهوت والسياسة :" ( ليس هناك وسيلة أكثر فعالية لحكم الجماهير من الخرافات. السبب الذي يؤدي إلى الخرافات ويحافظ عليها ويشجعها هو الخوف ..إن حرية الفكر لا تمثل خطرا على الإيمان، إن العقل هو أساس الإيمان فإن غاب ظهرت الخرافة وإذا سادت الخرافة ضاع العقل )
يكتب الفيلسوف الفرنسي إدغار موران في كتابه لحظة أخرى أيضاً :" إن سبينوزا هو رائد الفهم " لا تضحك ،لا تبك ، لا تكره ، عليك أن تفهم " . يؤكد سبينوزا ان الدين يجب أن يخضع للقوانين العامة ، فحرية التفكير والرأي أمر مفيد ، انها شرط لإنهاء النزعات الدينية " لا أحد بامكانه التخلي عن حرية التفكير ، فكل سيد على افكاره " .
وترى ريبيكا غولدشتاين في كتابها خيانة سبينوزا :" يقول سبينوزا " إن الافتراءات الخادعة للذات تنبع من نقطتي الضعف هاتين في طبيعتنا البشرية - وهما التعظيم الذاتي ورهاب الموت ، وكلاهما جوانب من عقلنا المخيف وغير القابل للشفاء - التي تفسر القوة المخيفة لأشكال الدين الخرافية " . كما يلاحظ سبينوزا في مقدمة كتابه ( رسالة في اللاهوت والسياسة ) : " .. إنه الخوف ، إذن ، فهو الذي يلد الخرافة ويحفظها ويعززها " .
ويكتب جاستن شتاينبيرغ في كتابه سبينوزا :" يريد سبينوزا أن يثبت أن الإيمان والعقل ليسا في صراع ، فإن ما يظهره في الواقع هو أن الكتاب المقدس هو مستودع للحكايات والمبادئ الأخلاقية . وبما ان الحقائق الأخلاقية للكتاب المقدس واضحة مباشرة لجميع القراء ، فلا يوجد حاجة لطائفة كهنوتية ضليعة في فنون التأويل لتفسير مزاعم النص للجماهير " .
وفي كتابه سبينوزا كيف نحيا وكيف نموت يؤكد ستيفن نادلر ان سبينوزا يصر على ان " الذين يقودهم العقل ، لا يرغبون في شيء لانفسهم إلا ويرغبونه لغيرهم ، ولذلك فهم عادلون وحسنو النية ونزهاء " . الانسان الحر ايضا مبتهج ، ولطيف ، ومتسامح .وهو ، في مزاجه ، ليس عرضة للعديد من احوال النفس التي تشكل مصدرا للصراع بين الاشخاص : الكراهية ، والحسد ، والاستهزاء ، والإزدراء ، والغضب ، والانتقام ، وغير ذلك من الانفعالات الضارة .
في روايته مشكلة سبينوزا يكتب عالم النفس الشهير إرفين د. يالوم هذا الحوار : قال سبيتوزا : لو بحثت في العالم كله فلن تجد قوماً أو ديناً لا يؤمن بالخرافات ، فما دام هناك جهل ، فإن البعض سيتمسكون بالخرافات ، إن التخلص من الجهل هو الحل الوحيد .
فاجاب بنتو " أشعر انّها معركة خاسرة ، فالجهل والإيمان بالخرافات ينتشران كالنار في الهشيم ، وأعتقد أنّ رجال الدين يغذون هذه النار ليضمنوا مراكزهم .ولهذا أصبحت على قناعة بأنني يجب أن أكون حراً .وإذا لم تكن تلك الطائفة موجودة ، فعليّ أن أعيش دون طائفة "
يطرح الفيلسوف الفرنسي المعاصر فريدريك لونوار في كتابه المعجزة السبيونزية سؤالا : " كيف يمكن للفرد العادي ، أن يكون سبينوزيا، حتى لو لم يكن مختصا في الدراسات الفلسفية ؟ أو كيف يستطيع الإنسان أن يتسلح برؤية سبينوزا وفلسفته في الحياة ، ويرى في كتابه " المعجزة السبينوزية " ، ان فيلسوفنا يحاول من خلال كتبه أن يقدم لنا " أفضلَ طريق ممكن إلى الخلاص، لكل أفراد المجتمع في هذا العالم الذي يقف على حافة الانهيار، إذ تهتز الديمقراطيات العريقة، وتنتشر النزاعات الطائفية ونزاعات الهوية والحزبية في كل أرجاء العالم" . يخبرنا لونوار أن رسالة سبينوزا الفلسفية تبرز من خلال رحلته الحياتية : " فإذا أردنا أن نعرف معنى المعجزة السبينوزية، يكفي أن ندرك أننا أمام شخص له سمات خاصة، شخص ظل وفيا لحب الحقيقة، مفضلا حرية التفكيرِ على طمأنينةِ العائلة والطائفة، وعلى الاِنسياق للفكرِ السائدِ. لقد كانَ ضحية أبشعِ الانتهاكات، تم التنكر له من قبل أَهله وعاشَ تحْت التهديد المتواصل، ولكنه بقي وفيا دائما للخط الموجه لمسيرته. كان عُرضة للكراهية ولكنه لم يكره أبدا. تعرضَ للغدرِ ولكنه لم يغدر أَدا. تَعرضَ للسخريَة ولكنه لم يستخف بأحد قط. تم شتمه ، ولكن رده كان دائما هو الاحترام . عاش دائما باعتدال وكرامة وفي انسجام مع أفكاره" .
وختامنا مع المفكر العربي فؤاد زكريا وكتابه الشهير إسبينوزا حيث يكتب :" الرأي الحقيقي الذي يؤمن به اسپينوزا في هذا الصدد هو الرأي القائل إننا إذا شئنا أن نهتدي إلى دليل على القدرة الإلهية، وأن نكون متسقين مع أنفسنا في الوقت ذاته، فلدينا في عقلنا البشري نفسه أعظم دليل. فليس ثمة داعٍ لافتراض معرفة غير مألوفة، خارجة على قوانين الطبيعة، لتكون هي مظهر هذه القدرة الإلهية. بل إن عقلنا ذاته معجزة، وكفاحنا من أجل فهم الطبيعة والسيطرة عليها معجزة، ولا معنى — في نظره — لافتراض معجزات ونبوءات تتحدى العقل وتخرج عن نطاق الطبيعة من أجل إثبات هذه القدرة "
كتب سبينوزا غي كتابه رسالة في اللاهوت والسياسة :" ( ليس هناك وسيلة أكثر فعالية لحكم الجماهير من الخرافات. السبب الذي يؤدي إلى الخرافات ويحافظ عليها ويشجعها هو الخوف ..إن حرية الفكر لا تمثل خطرا على الإيمان، إن العقل هو أساس الإيمان فإن غاب ظهرت الخرافة وإذا سادت الخرافة ضاع العقل )
يكتب الفيلسوف الفرنسي إدغار موران في كتابه لحظة أخرى أيضاً :" إن سبينوزا هو رائد الفهم " لا تضحك ،لا تبك ، لا تكره ، عليك أن تفهم " . يؤكد سبينوزا ان الدين يجب أن يخضع للقوانين العامة ، فحرية التفكير والرأي أمر مفيد ، انها شرط لإنهاء النزعات الدينية " لا أحد بامكانه التخلي عن حرية التفكير ، فكل سيد على افكاره " .
وترى ريبيكا غولدشتاين في كتابها خيانة سبينوزا :" يقول سبينوزا " إن الافتراءات الخادعة للذات تنبع من نقطتي الضعف هاتين في طبيعتنا البشرية - وهما التعظيم الذاتي ورهاب الموت ، وكلاهما جوانب من عقلنا المخيف وغير القابل للشفاء - التي تفسر القوة المخيفة لأشكال الدين الخرافية " . كما يلاحظ سبينوزا في مقدمة كتابه ( رسالة في اللاهوت والسياسة ) : " .. إنه الخوف ، إذن ، فهو الذي يلد الخرافة ويحفظها ويعززها " .
ويكتب جاستن شتاينبيرغ في كتابه سبينوزا :" يريد سبينوزا أن يثبت أن الإيمان والعقل ليسا في صراع ، فإن ما يظهره في الواقع هو أن الكتاب المقدس هو مستودع للحكايات والمبادئ الأخلاقية . وبما ان الحقائق الأخلاقية للكتاب المقدس واضحة مباشرة لجميع القراء ، فلا يوجد حاجة لطائفة كهنوتية ضليعة في فنون التأويل لتفسير مزاعم النص للجماهير " .
وفي كتابه سبينوزا كيف نحيا وكيف نموت يؤكد ستيفن نادلر ان سبينوزا يصر على ان " الذين يقودهم العقل ، لا يرغبون في شيء لانفسهم إلا ويرغبونه لغيرهم ، ولذلك فهم عادلون وحسنو النية ونزهاء " . الانسان الحر ايضا مبتهج ، ولطيف ، ومتسامح .وهو ، في مزاجه ، ليس عرضة للعديد من احوال النفس التي تشكل مصدرا للصراع بين الاشخاص : الكراهية ، والحسد ، والاستهزاء ، والإزدراء ، والغضب ، والانتقام ، وغير ذلك من الانفعالات الضارة .
في روايته مشكلة سبينوزا يكتب عالم النفس الشهير إرفين د. يالوم هذا الحوار : قال سبيتوزا : لو بحثت في العالم كله فلن تجد قوماً أو ديناً لا يؤمن بالخرافات ، فما دام هناك جهل ، فإن البعض سيتمسكون بالخرافات ، إن التخلص من الجهل هو الحل الوحيد .
فاجاب بنتو " أشعر انّها معركة خاسرة ، فالجهل والإيمان بالخرافات ينتشران كالنار في الهشيم ، وأعتقد أنّ رجال الدين يغذون هذه النار ليضمنوا مراكزهم .ولهذا أصبحت على قناعة بأنني يجب أن أكون حراً .وإذا لم تكن تلك الطائفة موجودة ، فعليّ أن أعيش دون طائفة "
يطرح الفيلسوف الفرنسي المعاصر فريدريك لونوار في كتابه المعجزة السبيونزية سؤالا : " كيف يمكن للفرد العادي ، أن يكون سبينوزيا، حتى لو لم يكن مختصا في الدراسات الفلسفية ؟ أو كيف يستطيع الإنسان أن يتسلح برؤية سبينوزا وفلسفته في الحياة ، ويرى في كتابه " المعجزة السبينوزية " ، ان فيلسوفنا يحاول من خلال كتبه أن يقدم لنا " أفضلَ طريق ممكن إلى الخلاص، لكل أفراد المجتمع في هذا العالم الذي يقف على حافة الانهيار، إذ تهتز الديمقراطيات العريقة، وتنتشر النزاعات الطائفية ونزاعات الهوية والحزبية في كل أرجاء العالم" . يخبرنا لونوار أن رسالة سبينوزا الفلسفية تبرز من خلال رحلته الحياتية : " فإذا أردنا أن نعرف معنى المعجزة السبينوزية، يكفي أن ندرك أننا أمام شخص له سمات خاصة، شخص ظل وفيا لحب الحقيقة، مفضلا حرية التفكيرِ على طمأنينةِ العائلة والطائفة، وعلى الاِنسياق للفكرِ السائدِ. لقد كانَ ضحية أبشعِ الانتهاكات، تم التنكر له من قبل أَهله وعاشَ تحْت التهديد المتواصل، ولكنه بقي وفيا دائما للخط الموجه لمسيرته. كان عُرضة للكراهية ولكنه لم يكره أبدا. تعرضَ للغدرِ ولكنه لم يغدر أَدا. تَعرضَ للسخريَة ولكنه لم يستخف بأحد قط. تم شتمه ، ولكن رده كان دائما هو الاحترام . عاش دائما باعتدال وكرامة وفي انسجام مع أفكاره" .
وختامنا مع المفكر العربي فؤاد زكريا وكتابه الشهير إسبينوزا حيث يكتب :" الرأي الحقيقي الذي يؤمن به اسپينوزا في هذا الصدد هو الرأي القائل إننا إذا شئنا أن نهتدي إلى دليل على القدرة الإلهية، وأن نكون متسقين مع أنفسنا في الوقت ذاته، فلدينا في عقلنا البشري نفسه أعظم دليل. فليس ثمة داعٍ لافتراض معرفة غير مألوفة، خارجة على قوانين الطبيعة، لتكون هي مظهر هذه القدرة الإلهية. بل إن عقلنا ذاته معجزة، وكفاحنا من أجل فهم الطبيعة والسيطرة عليها معجزة، ولا معنى — في نظره — لافتراض معجزات ونبوءات تتحدى العقل وتخرج عن نطاق الطبيعة من أجل إثبات هذه القدرة "