الناس يريدون أن يشعروا بالحب، أن يكون في حياتهم طفل يمنحهم عاطفة صادقة، أو أم وأب يحيطونهم بالحنان. يبحثون عن انتباه الآخرين واهتمامهم، عن أصدقاء يدعمونهم، وأمل يضيء دروبهم. يرغبون في مشاركة محادثات عميقة ومليئة بالمعنى مع شخص يهتم لأمرهم ويستمتع بوجودهم، حتى في الساعات المتأخرة من الليل. يريدون التحرر من ثقل الروتين اليومي، والعيش بشغف، والتمتع باستقرار مادي وعاطفي.
يتوقون للنوم بجوار من يحبون، لشخص يحفزهم ليكونوا أفضل نسخة من أنفسهم، للشعور بالانتماء لفكرة أو مجموعة تمنح حياتهم معنى أعمق. يريدون أن يشعروا بالإنتاجية والإنجاز في حياتهم اليومية، وأن يروا طاقاتهم ومواهبهم تُستثمر بشكل مثمر، بعيدًا عن عبث المجتمعات أو الأيديولوجيات التي تبدو بلا جدوى.
يريدون أن يعيشوا حياتهم إلى أقصى حدودها، أن يتحرروا من ثقل القرارات التي لم يتخذوها والطرق التي لم يسلكوها، حتى وإن كانوا راضين عمّا وصلوا إليه. في النهاية، يسعون جميعًا إلى تحقيق التوازن بين الاستقرار والتحرر، بين الإنجاز والبحث عن المعنى.
يتوقون للنوم بجوار من يحبون، لشخص يحفزهم ليكونوا أفضل نسخة من أنفسهم، للشعور بالانتماء لفكرة أو مجموعة تمنح حياتهم معنى أعمق. يريدون أن يشعروا بالإنتاجية والإنجاز في حياتهم اليومية، وأن يروا طاقاتهم ومواهبهم تُستثمر بشكل مثمر، بعيدًا عن عبث المجتمعات أو الأيديولوجيات التي تبدو بلا جدوى.
يريدون أن يعيشوا حياتهم إلى أقصى حدودها، أن يتحرروا من ثقل القرارات التي لم يتخذوها والطرق التي لم يسلكوها، حتى وإن كانوا راضين عمّا وصلوا إليه. في النهاية، يسعون جميعًا إلى تحقيق التوازن بين الاستقرار والتحرر، بين الإنجاز والبحث عن المعنى.
لكن في الوقت نفسه، لا يرغب الناس في مواجهة عمق قصورهم أو الاعتراف بما يعيقهم شخصيًا عن تحقيق أفضل حياة ممكنة لهم. كلنا نحمل في داخلنا السم الذي يفتك بنا يومًا بعد يوم. نحن لا نحتمل المساوئ الخفية التي تكمن في كل شيء نرغب فيه. إذا عدت إلى الفقرة الأولى وقرأت ما ورد فيها مرة أخرى، ستلاحظ أن الثمن الذي ندفعه يظل متمثلًا في كل لحظة: نؤدي الثمن مرة للحصول على ما نريد، ومرة أخرى بينما نتمتع بما نملك، دون أن ندرك أحيانًا مقدار الألم والتضحية الذي يتسلل إلى حياتنا في كل مرة نبحث فيها عن شيء نعتقد أنه سيجعلنا أكمل.
وربما لهذا السبب تنتشر الأكاذيب الكبرى التي تروج لأكاذيبنا الصغيرة، تلك التي تساعدنا على الاستمرار في الحياة يومًا بعد يوم. هذه الأكاذيب تشكل تطبيقًا عمليًا للمقولة الشهيرة: "ما لا يقتلك يجعلك شخصًا ذو آليات تأقلم فاسدة وروح دعابة كئيبة." ليس هناك ما هو أسهل من ارتكاب الأخطاء الفادحة التي قد تظل ثابتة في حياتنا إلى الأبد. مثل ذلك العجوز البدين الذي قابلته ذات مرة عند الفجر، وهو يحاول إقناعي بأن المشي يحرق الدهون أسرع من الركض. لم أستطع إلا أن أنظر إلى الدهون المتراكمة على جسده، وأدركت أن السبب الوحيد لقناعته هو أن المشي هو الحد الأقصى لما يستطيع فعله. كان يحتاج إلى تصديق أن ما يعجز عن فعله ليس له تأثير حقيقي على حياته.
أو كـ (.....) الذي يعاني من عقدة نقص عميقة تجعله يتفاخر دومًا بثروته، ممتلكاته، كرمه، وقوة تحمله أمام أقاربه والغرباء الذين ينفق عليهم بسخاء؛ فقط ليظهر كأكثر الشخصيات جمالًا وقوة من الشخص الذي يشعر أنه ينبغي أن يكونه في أعماقه. كم هو محزن أن تقودك حياتك محاولات يائسة للتعويض عن شعورك بالضعف والانكسار والعجز عن الاستحقاق. والأكثر مرارة أن الخطوة الأولى للتخلص من هذه المشاعر هي الاعتراف بها، وهو ما يبدو أصعب خطوة على الإطلاق.
أو كـ (.....) الذي يعاني من عقدة نقص عميقة تجعله يتفاخر دومًا بثروته، ممتلكاته، كرمه، وقوة تحمله أمام أقاربه والغرباء الذين ينفق عليهم بسخاء؛ فقط ليظهر كأكثر الشخصيات جمالًا وقوة من الشخص الذي يشعر أنه ينبغي أن يكونه في أعماقه. كم هو محزن أن تقودك حياتك محاولات يائسة للتعويض عن شعورك بالضعف والانكسار والعجز عن الاستحقاق. والأكثر مرارة أن الخطوة الأولى للتخلص من هذه المشاعر هي الاعتراف بها، وهو ما يبدو أصعب خطوة على الإطلاق.
يتأرجح العقل بين الواقع والحلم، بين ماضٍ يمضي وأثره لا ينفكّ يتسلل إلى اللحظة الحاضرة. ذلك الأثير الخافت، صوت نعاسها الذي لم يكن مجرد نعاس، بل سيمفونية من الأسرار، يكاد يكون انعكاسًا لحقيقتك أنت أكثر مما هو حقيقة لها. غرابة إجاباتها لم تكن إلا مرايا صغيرة تعكس لك الطريق الذي طالما خشيت مواجهته، الطريق الذي لطالما التففت حوله، تُخفي نفسك من وهجه وتسترق النظر إليه من حين لآخر كأنك تراقب خصمًا تعرف أنك ستواجهه يومًا ما.
في تلك اللحظات العابرة، عندما كانت كلماتكما تتقاطع مثل ظلال تحت ضوء شاحب، شعرت بأنك لست سوى متفرج على نفسك، تراقب رجلاً آخر، يشبهك لكنه أكثر جرأة أو ربما أكثر يأسًا. كانت الحياة آنذاك تبدو وكأنها تنتظر منك تلك القفزة التي تخرجك من دوامة الزمن، لعلها قفزة نحوها، لعل ضوء النافذة الذي أصررت أن يقتحم الغرفة يغسل وحدتك المتراكمة، تلك الوحدة التي لم تكن سوى انعكاس لذكرى مضت ولم تتركك.
تداعب كلماتك لها كما تداعب عازف مبتدئ أوتار كمانه، خائفًا من أن ينكسر الوتر أو يخفت اللحن. تدرك جيدًا أن الكلمات لن تصل إلى حيث تريد، إلى قلبها، إلى تلك الزاوية المخفية التي تشكل جوهرها. ومع ذلك، كان صوتها يأتِيك من وراء بُعد لا تراه ولكنه حاضر كأنفاسك، كأنه جزء من ذلك الفضاء اللامرئي الذي يحتضن العالم حين يغرق في سكون ما بعد منتصف الليل.
الذكريات تتداخل كما لو أن الزمن يذوب في كأس ماء، وتجد نفسك فجأة في أماكن لم تغادرها أبدًا وإن مضت سنوات طويلة. يدها، وهي تعزف الحروف التي تقرب بينكما، لم تكن إلا حياة أخرى، حياة مجيدة تستحق أن تُعاش لا مرة، بل ألف مرة. تلك اللحظات الهاربة، التي تمنحك شعورًا طاغيًا بالخلود، تصفعك فجأة بحقيقتك: الوحدة التي تعود لتبتلعك بعد أن ظننت للحظة أنك امتلكت العالم بأسره.
في تلك اللحظات العابرة، عندما كانت كلماتكما تتقاطع مثل ظلال تحت ضوء شاحب، شعرت بأنك لست سوى متفرج على نفسك، تراقب رجلاً آخر، يشبهك لكنه أكثر جرأة أو ربما أكثر يأسًا. كانت الحياة آنذاك تبدو وكأنها تنتظر منك تلك القفزة التي تخرجك من دوامة الزمن، لعلها قفزة نحوها، لعل ضوء النافذة الذي أصررت أن يقتحم الغرفة يغسل وحدتك المتراكمة، تلك الوحدة التي لم تكن سوى انعكاس لذكرى مضت ولم تتركك.
تداعب كلماتك لها كما تداعب عازف مبتدئ أوتار كمانه، خائفًا من أن ينكسر الوتر أو يخفت اللحن. تدرك جيدًا أن الكلمات لن تصل إلى حيث تريد، إلى قلبها، إلى تلك الزاوية المخفية التي تشكل جوهرها. ومع ذلك، كان صوتها يأتِيك من وراء بُعد لا تراه ولكنه حاضر كأنفاسك، كأنه جزء من ذلك الفضاء اللامرئي الذي يحتضن العالم حين يغرق في سكون ما بعد منتصف الليل.
الذكريات تتداخل كما لو أن الزمن يذوب في كأس ماء، وتجد نفسك فجأة في أماكن لم تغادرها أبدًا وإن مضت سنوات طويلة. يدها، وهي تعزف الحروف التي تقرب بينكما، لم تكن إلا حياة أخرى، حياة مجيدة تستحق أن تُعاش لا مرة، بل ألف مرة. تلك اللحظات الهاربة، التي تمنحك شعورًا طاغيًا بالخلود، تصفعك فجأة بحقيقتك: الوحدة التي تعود لتبتلعك بعد أن ظننت للحظة أنك امتلكت العالم بأسره.
حين تجد نفسك في غرفتك مرة أخرى، حيث البيانو القديم ينتظر صبرًا، تدرك أنك لم تكن تعزف عليه بقدر ما كنت تعزف على فكرة وجودها. نافذة مفتوحة على المطر، يوم شتائي ثقيل يعبق برائحة الغيوم والمعاطف المبللة، يشكل امتدادًا لتلك اللحظة التي غادرتها لكنها لم تغادرك. تلمس أصابعك مفاتيح البيانو كما لو أنك تلمس حبات المطر التي انتظرتها طويلاً، تلك اللحظة التي تبدو فيها اليد والذاكرة والموسيقى متواطئة ضد الزمن.
أليس ذلك هو الخلود الذي كنت تبحث عنه؟ ليس في الزمن، بل في التداخل بين الماضي والحاضر، في لحظة تفيض بالحياة رغم أنف عبثيتها. ربما كانت يدها مجرد وهم، لكنك، في تلك اللحظة، شعرت بالحب كما لم تشعر به من قبل. ليس الحب الذي يكتمل، بل ذلك الحب الذي يبقى دائمًا بعيدًا، مستحيلًا، لكنه حاضر، يطاردك كظل لا يمكنك الهرب منه.
مع كل نغمة تعزفها، ومع كل قطرة مطر تلمس النافذة، تتلاشى الحدود بين الحاضر والماضي، بين الألم والسعادة. كأن العالم بأسره يتآمر ليضعك في مواجهة هذا الهذيان الجميل، هذا الجنون الذي يمنح الحياة معناها. تنتظر المطر، تنتظر صوتها، تنتظر نفسك، وكأن الانتظار هو الحياة نفسها، حياة مليئة بالوعد الذي لا يأتي أبدًا ولكنه يبرر كل شيء.
أليس ذلك هو الخلود الذي كنت تبحث عنه؟ ليس في الزمن، بل في التداخل بين الماضي والحاضر، في لحظة تفيض بالحياة رغم أنف عبثيتها. ربما كانت يدها مجرد وهم، لكنك، في تلك اللحظة، شعرت بالحب كما لم تشعر به من قبل. ليس الحب الذي يكتمل، بل ذلك الحب الذي يبقى دائمًا بعيدًا، مستحيلًا، لكنه حاضر، يطاردك كظل لا يمكنك الهرب منه.
مع كل نغمة تعزفها، ومع كل قطرة مطر تلمس النافذة، تتلاشى الحدود بين الحاضر والماضي، بين الألم والسعادة. كأن العالم بأسره يتآمر ليضعك في مواجهة هذا الهذيان الجميل، هذا الجنون الذي يمنح الحياة معناها. تنتظر المطر، تنتظر صوتها، تنتظر نفسك، وكأن الانتظار هو الحياة نفسها، حياة مليئة بالوعد الذي لا يأتي أبدًا ولكنه يبرر كل شيء.
في خضم هذا الانتظار، تشعر أن الزمن نفسه صار شريكًا في لعبتك العبثية. ليس مجرد لحظات تتساقط واحدة تلو الأخرى كحبات الرمل في ساعة زجاجية، بل نسيج يتداخل فيه كل شيء: الذكريات، الأحلام، والأحاسيس التي تراودك في كل مرة تذكر تلك الندوب الصغيرة على أصابعها، علامات الحياة التي خاضتها، وكأنها خريطة سرية لنفسك أنت.
تغمض عينيك للحظة. هناك، خلف الجفون المطبقة، تبدأ الصور بالتشكل، متقطعة وغير مكتملة، لكنها حية. ترى شرفة غمرها ضوء شاحب، ترى وجهها هناك، تحاول تمييز ملامحها لكنها تذوب كألوان مائية تتلاشى مع أول لمسة. هل كانت تلك نافذتك، أم نافذتها؟ أم أنها مجرد نافذة لا تنتمي لأي زمان أو مكان، مثل الحلم الذي يرفض الانصياع لقوانين المنطق؟
تتذكر أول مرة أدركت أن صوتها ليس مجرد صوت، بل موسيقى خفية تسحبك نحوها كالموج الذي يلتف حول صخرة عنيدة. كان يومًا شتائيًا أيضًا، لكنها لم تكن مجرد سماء ملبدة بالغيوم. كان هناك دفء لا تفسير له، دفء ينبعث من كلماتها، من حضورها، حتى لو لم تكن حاضرة بجسدها. كانت أصابعك تتلمس الآن، ليس فقط مفاتيح البيانو، بل كل ذكرى اختبأت في زوايا الغرفة.
تغمض عينيك للحظة. هناك، خلف الجفون المطبقة، تبدأ الصور بالتشكل، متقطعة وغير مكتملة، لكنها حية. ترى شرفة غمرها ضوء شاحب، ترى وجهها هناك، تحاول تمييز ملامحها لكنها تذوب كألوان مائية تتلاشى مع أول لمسة. هل كانت تلك نافذتك، أم نافذتها؟ أم أنها مجرد نافذة لا تنتمي لأي زمان أو مكان، مثل الحلم الذي يرفض الانصياع لقوانين المنطق؟
تتذكر أول مرة أدركت أن صوتها ليس مجرد صوت، بل موسيقى خفية تسحبك نحوها كالموج الذي يلتف حول صخرة عنيدة. كان يومًا شتائيًا أيضًا، لكنها لم تكن مجرد سماء ملبدة بالغيوم. كان هناك دفء لا تفسير له، دفء ينبعث من كلماتها، من حضورها، حتى لو لم تكن حاضرة بجسدها. كانت أصابعك تتلمس الآن، ليس فقط مفاتيح البيانو، بل كل ذكرى اختبأت في زوايا الغرفة.
تبدأ في العزف، ليس على البيانو فحسب، بل على كل شيء حولك: الحنين الذي يطاردك، المطر الذي يهمس بأغنية لا تنتهي، وحتى الغرفة التي تبدو وكأنها تردد صدى أفكارك. الموسيقى تصبح جسدًا يتحرك في الفضاء، تتخللها نبضات من صمت مهيب، كأنك تنتظر كلمة منها تقطع هذا الصمت. لكنها لا تأتي.
ترى نفسك في انعكاس النافذة، وجهك شاحب كضوء النهار في يوم شتائي، لكن عينيك تحملان بريقًا غريبًا. هو بريق الحب، أو ربما الحنين، أو ربما مزيج منهما معًا. تسأل نفسك: هل كانت تستحق كل هذا؟ هل كان من الممكن أن يكون هناك طريق آخر؟ لكن الإجابات لا تأتي، فقط المزيد من الأسئلة التي تذوب في لحنك.
عند هذه النقطة، تدرك أن الزمن ليس عدوك، بل شريكك في هذه الرحلة. أن حبك لها ليس مجرد ذكرى، بل فعل مستمر، يتجدد مع كل نغمة تعزفها، مع كل قطرة مطر تلامس النافذة. وأن الحياة، مهما كانت عبثية أو مؤلمة، تظل حياة مجيدة تستحق أن تعاش، حتى لو كانت مليئة بالانتظار.
ثم، كما يحدث دائمًا، تتلاشى الموسيقى ببطء. لكن في تلك اللحظة، حين يسود الصمت مجددًا، تدرك أنك لم تعد الشخص الذي كنت عليه. ربما لأنك أصبحت جزءًا من هذا الزمن الذي لا ينتهي، أو ربما لأنك، أخيرًا، تعلمت أن تحب الانتظار ذاته، لا ما تنتظره.
في النهاية، تفتح عينيك، تجد الغرفة كما هي، النافذة كما هي، لكنك تعلم أن شيئًا قد تغير. ليست الغرفة، ولا المطر، ولا حتى البيانو. بل أنت.
ترى نفسك في انعكاس النافذة، وجهك شاحب كضوء النهار في يوم شتائي، لكن عينيك تحملان بريقًا غريبًا. هو بريق الحب، أو ربما الحنين، أو ربما مزيج منهما معًا. تسأل نفسك: هل كانت تستحق كل هذا؟ هل كان من الممكن أن يكون هناك طريق آخر؟ لكن الإجابات لا تأتي، فقط المزيد من الأسئلة التي تذوب في لحنك.
عند هذه النقطة، تدرك أن الزمن ليس عدوك، بل شريكك في هذه الرحلة. أن حبك لها ليس مجرد ذكرى، بل فعل مستمر، يتجدد مع كل نغمة تعزفها، مع كل قطرة مطر تلامس النافذة. وأن الحياة، مهما كانت عبثية أو مؤلمة، تظل حياة مجيدة تستحق أن تعاش، حتى لو كانت مليئة بالانتظار.
ثم، كما يحدث دائمًا، تتلاشى الموسيقى ببطء. لكن في تلك اللحظة، حين يسود الصمت مجددًا، تدرك أنك لم تعد الشخص الذي كنت عليه. ربما لأنك أصبحت جزءًا من هذا الزمن الذي لا ينتهي، أو ربما لأنك، أخيرًا، تعلمت أن تحب الانتظار ذاته، لا ما تنتظره.
في النهاية، تفتح عينيك، تجد الغرفة كما هي، النافذة كما هي، لكنك تعلم أن شيئًا قد تغير. ليست الغرفة، ولا المطر، ولا حتى البيانو. بل أنت.
أواجه الحياة بسيف من ورق، يبدو وكأنه عبث أمام سطوة الواقع، لكنه يحمل قوة خفية لا يدركها سوى من اعتاد أن يحول الهشاشة إلى مقاومة، والضعف إلى معنى. هذا السيف ليس مجرد أداة، بل امتداد لذاتي، لروحي التي تقاوم بصمت، تكتب على حواف الهاوية تفاصيل معركة أبدية مع الزمن والظروف.
كل ضربة من الرياح، كل تحدٍّ تلقيه الحياة في طريقي، يبدو وكأنه محاولة لتذكيري بحدود وجودي، لكنني أصرّ على الرد، لا بالسلاح الذي يجرح، بل بالكلمات التي ترمم. الورق، برغم هشاشته، يحمل أثقال الماضي، الحاضر، وحتى الأحلام التي لم تتجسد بعد. إنه شاهد على المحاولات، على الأخطاء، وعلى الإصرار الذي يرفض أن يذوب في عاصفة اليأس.
ورقي لا يقطع، لكنه يخلق فجوات في جدار الواقع، يسمح للنور بالتسلل عبره. لا أسعى إلى هزيمة الحياة، بل إلى مرافقتها، إلى تحويل كل صفعة إلى درس، وكل سقوط إلى بداية جديدة. سيفي الهش، الذي يبدو بلا قيمة في عين العالم، هو رمزي الخاص، هو الطريقة التي أواجه بها العبث وأعيد تشكيله، أحوله من شيء بلا معنى إلى قصة أعيشها، أضيفها إلى صفحات وجودي.
وفي كل مرة تهب فيها رياح الحياة، أشعر أن سيفي الورقي يرتجف بين أصابعي، لكنه لا ينكسر. أحمله كأنه امتداد لذكرياتي، لكل ما تركه الزمن في داخلي من آثار باهتة وأحلام متكسرة. كل جرح تركته الأيام على روحي صار حبرًا، وكل لحظة ضعف باتت قصيدة مكتوبة على هذا الورق الهش.
كل ضربة من الرياح، كل تحدٍّ تلقيه الحياة في طريقي، يبدو وكأنه محاولة لتذكيري بحدود وجودي، لكنني أصرّ على الرد، لا بالسلاح الذي يجرح، بل بالكلمات التي ترمم. الورق، برغم هشاشته، يحمل أثقال الماضي، الحاضر، وحتى الأحلام التي لم تتجسد بعد. إنه شاهد على المحاولات، على الأخطاء، وعلى الإصرار الذي يرفض أن يذوب في عاصفة اليأس.
ورقي لا يقطع، لكنه يخلق فجوات في جدار الواقع، يسمح للنور بالتسلل عبره. لا أسعى إلى هزيمة الحياة، بل إلى مرافقتها، إلى تحويل كل صفعة إلى درس، وكل سقوط إلى بداية جديدة. سيفي الهش، الذي يبدو بلا قيمة في عين العالم، هو رمزي الخاص، هو الطريقة التي أواجه بها العبث وأعيد تشكيله، أحوله من شيء بلا معنى إلى قصة أعيشها، أضيفها إلى صفحات وجودي.
وفي كل مرة تهب فيها رياح الحياة، أشعر أن سيفي الورقي يرتجف بين أصابعي، لكنه لا ينكسر. أحمله كأنه امتداد لذكرياتي، لكل ما تركه الزمن في داخلي من آثار باهتة وأحلام متكسرة. كل جرح تركته الأيام على روحي صار حبرًا، وكل لحظة ضعف باتت قصيدة مكتوبة على هذا الورق الهش.
أنا لا أحارب لأنتصر، بل لأبقى. لأثبت لنفسي أنني قادر على الوقوف حتى عندما تبدو الأرض تحت قدمي خاوية. قد لا يرى أحد هذه المعركة، وقد لا يسمع أحد صدى ضرباتي، لكنها هناك، بيني وبين العالم، بيني وبين الصمت الذي يحاول أن يبتلعني.
سيفي من ورق، لكنه يحمل قدرة غريبة على الاحتفاظ بالحياة، على تسجيل اللحظات العابرة التي تفلت منا، على الإمساك بالمعنى وسط العبث. هو هش، لكنه مرن، كأنه يقول لي: "لا بأس أن تكون ضعيفًا، المهم أن تواصل."
وفي نهاية المطاف، ربما لا يتعلق الأمر بالحياة التي أقاتلها، بل بالمعنى الذي أصنعه من هذه المقاومة. ربما الورق لن يصمد طويلاً، وربما سيأتي يوم تتمزق فيه آخر صفحة، لكنني أعلم أنه، حتى في ذلك اليوم، ستظل معركتي شاهدة على شيء واحد: أنني حاولت.
وقد يعتقد البعض أن القتال بسيف من ورق ضرب من الجنون، لكنني أعلم أن القوة ليست في الأداة بل في اليد التي تحملها، وفي القلب الذي يؤمن أن حتى الهشاشة قادرة على الصمود، إن حملتها الإرادة.
سيفي من ورق، لكنه يحمل قدرة غريبة على الاحتفاظ بالحياة، على تسجيل اللحظات العابرة التي تفلت منا، على الإمساك بالمعنى وسط العبث. هو هش، لكنه مرن، كأنه يقول لي: "لا بأس أن تكون ضعيفًا، المهم أن تواصل."
وفي نهاية المطاف، ربما لا يتعلق الأمر بالحياة التي أقاتلها، بل بالمعنى الذي أصنعه من هذه المقاومة. ربما الورق لن يصمد طويلاً، وربما سيأتي يوم تتمزق فيه آخر صفحة، لكنني أعلم أنه، حتى في ذلك اليوم، ستظل معركتي شاهدة على شيء واحد: أنني حاولت.
وقد يعتقد البعض أن القتال بسيف من ورق ضرب من الجنون، لكنني أعلم أن القوة ليست في الأداة بل في اليد التي تحملها، وفي القلب الذي يؤمن أن حتى الهشاشة قادرة على الصمود، إن حملتها الإرادة.
توقفتُ عن مقاتلةِ الحياةِ بسيفي الورقي،
أدركتُ أخيرًا أن الريحَ لا تُهزمُ بالكلمات،
وأن الأحلامَ الهشةِ تتكسرُ كأمواجٍ على صخورِ الواقع.
ظننتُ أن حروفي درعٌ يحمي قلبي،
وأن المعاني سلاحٌ يشقُّ طريق الضوء،
لكن الحياة لم تكن معركة،
كانت نهرًا لا يأبهُ لمن يقفُ في مجراهُ أو من يُقاومه.
توقفتُ لأنني سئمتُ الطعنَ في الفراغ،
لأنني رأيتُ سيفي الورقي يحترقُ بين أصابعي،
يتحولُ رمادًا قبل أن يلمسَ صدر العدم.
اليوم، أفتحُ كفي للريح،
لا لأقاتلها، بل لأمضي معها،
لا لأهزمها، بل لأتعلمَ رقصة البقاء.
الحياةُ لا تُحارب، بل تُعاش،
والقوةُ ليست في السيوف، بل في الصبر،
في الانحناءِ كغصنٍ أمام العاصفة،
لا في كسرهِ حين يعاند الريح.
توقفتُ، لا ضعفًا، بل حكمة،
لا خوفًا، بل يقينًا بأن بعض المعارك لا تستحقُ القتال،
وأن السيفَ الحقيقي، لم يكن يومًا من ورق.
أدركتُ أخيرًا أن الريحَ لا تُهزمُ بالكلمات،
وأن الأحلامَ الهشةِ تتكسرُ كأمواجٍ على صخورِ الواقع.
ظننتُ أن حروفي درعٌ يحمي قلبي،
وأن المعاني سلاحٌ يشقُّ طريق الضوء،
لكن الحياة لم تكن معركة،
كانت نهرًا لا يأبهُ لمن يقفُ في مجراهُ أو من يُقاومه.
توقفتُ لأنني سئمتُ الطعنَ في الفراغ،
لأنني رأيتُ سيفي الورقي يحترقُ بين أصابعي،
يتحولُ رمادًا قبل أن يلمسَ صدر العدم.
اليوم، أفتحُ كفي للريح،
لا لأقاتلها، بل لأمضي معها،
لا لأهزمها، بل لأتعلمَ رقصة البقاء.
الحياةُ لا تُحارب، بل تُعاش،
والقوةُ ليست في السيوف، بل في الصبر،
في الانحناءِ كغصنٍ أمام العاصفة،
لا في كسرهِ حين يعاند الريح.
توقفتُ، لا ضعفًا، بل حكمة،
لا خوفًا، بل يقينًا بأن بعض المعارك لا تستحقُ القتال،
وأن السيفَ الحقيقي، لم يكن يومًا من ورق.
سُبات سّرمديّ،
أضحت الوحدة أكثر من كونها كوخًا في الغابة، تشبه بيت المرايا، حيثما نظرت أجد انعكاسًا لصورتي، مشوهة، غريبة، ومكررة مرات لا نهائية. كان يمكنني التحرر من كل شيء- إلا منها.
كانت تحاصرني كظل لا يفارق صاحبه، تهمس لي بأصوات لا أنتمي إليها، وتعيد على مسامعي قصصًا كنت أظن أني قد نسيتها. كل زاوية في هذا البيت العاكس كانت تحمل وجهي، لكن ليس كما أعرفه—أكثر شحوبًا، أكثر إرهاقًا، وأكثر غربة.
حاولت أن أشيح بناظري عن تلك الانعكاسات المتكررة، أن أجد نافذة أو بابًا يقودني للخارج، لكن الوحدة لا تمنح مهربًا، بل تلتف حولك كضوء خافت في ممر طويل لا ينتهي. كنت أحاول ألا أنظر، ألا أسمع، ألا أشعر، لكن كل صمت كان يضاعف الضجيج داخلي.
أحيانًا كنت أتوهم أن هناك آخرين معي في هذا البيت، ظلالًا تتحرك على أطراف المرايا، أصواتًا تتردد مثل صدى لا مصدر له. ربما كنت أنا من ينادي، ربما كنت أنا من يجيب.
لكن في النهاية، لم يكن هناك أحد سواي—وسواها.
حاولت أن أشيح بناظري عن تلك الانعكاسات المتكررة، أن أجد نافذة أو بابًا يقودني للخارج، لكن الوحدة لا تمنح مهربًا، بل تلتف حولك كضوء خافت في ممر طويل لا ينتهي. كنت أحاول ألا أنظر، ألا أسمع، ألا أشعر، لكن كل صمت كان يضاعف الضجيج داخلي.
أحيانًا كنت أتوهم أن هناك آخرين معي في هذا البيت، ظلالًا تتحرك على أطراف المرايا، أصواتًا تتردد مثل صدى لا مصدر له. ربما كنت أنا من ينادي، ربما كنت أنا من يجيب.
لكن في النهاية، لم يكن هناك أحد سواي—وسواها.
بدأت أشك في أنني كنت أعيش داخل هذا البيت منذ زمن بعيد، ربما منذ لحظة ولادتي. كيف يمكن للوحدة أن تتسلل إلى العظام بهذا العمق، أن تصبح نسيجًا ممتزجًا بالروح، حتى لا تعود تعرف نفسك بدونها؟
كنت أتحرك بين المرايا بحذر، أخشى أن يخذلني انعكاسي يومًا وأراه يتحرك وحده، دون أن أحركه. هل يمكن أن تخونك صورتك؟ هل يمكن أن تصبح الوحدة شيئًا منفصلًا عنك، ككائن قائم بذاته يراقبك بصمت، ينتظر لحظة ضعف ليبتلعك تمامًا؟
في إحدى الزوايا، لاحظت مرآة مختلفة. كانت مشروخة، خطوط الكسر تمتد في جميع الاتجاهات كأذرع عنكبوت عبثي. اقتربت منها ببطء، رأيت وجهي متشظيًا، كل قطعة تعكس جزءًا مني—عين قلقة، شفاه ترتجف، أنفاس متقطعة.
للمرة الأولى، لم أعد متأكدًا أي الانعكاسات هو أنا.
مددت يدي نحو الزجاج، وعندما لمست سطحه البارد، لمستني يد أخرى من الداخل.
كنت أتحرك بين المرايا بحذر، أخشى أن يخذلني انعكاسي يومًا وأراه يتحرك وحده، دون أن أحركه. هل يمكن أن تخونك صورتك؟ هل يمكن أن تصبح الوحدة شيئًا منفصلًا عنك، ككائن قائم بذاته يراقبك بصمت، ينتظر لحظة ضعف ليبتلعك تمامًا؟
في إحدى الزوايا، لاحظت مرآة مختلفة. كانت مشروخة، خطوط الكسر تمتد في جميع الاتجاهات كأذرع عنكبوت عبثي. اقتربت منها ببطء، رأيت وجهي متشظيًا، كل قطعة تعكس جزءًا مني—عين قلقة، شفاه ترتجف، أنفاس متقطعة.
للمرة الأولى، لم أعد متأكدًا أي الانعكاسات هو أنا.
مددت يدي نحو الزجاج، وعندما لمست سطحه البارد، لمستني يد أخرى من الداخل.