Telegram Web
الفصل الأول

منذ عامين..



سنو وايت.. الجميلة النائمة.. هكذا أطلقوا عليها بالمشفى.

نظر لها أحد الأطباء المستجدين وهمس لزميله بمكر:

ـ ربما تحتاج لقبلة لتخرج من غفوتها!

رمقه الآخر بنظرة حادة :

ـ عزيزي.. حاول أن تكون ملاكاً للرحمة!

منذ الحادث الأليم وهي على نفس الحال..

تشعر بهمساتهم..

بكاء أمها.. حسرة أبيها..

ولكنها حقاً لا تستطيع..

تأبى أن تغادر حُلمها الجميل..

فهذا هو المكان الوحيد الذي يوجد به من ملك فؤادها..

"حبيبي.. أشتاق إليك.. صوتك.. ابتسامتك الساحرة..

سحقاً لتلك الأحلام فهي تعطيني كل شيء ولا شيء..

فلمستك الساحرة ليست لها بصمة داخل عالم أحلامي, كلما اقتربت منك تبخرت كالسراب".

"إينــاس.. إينــاس"

كان يقف على شاطئ البحر, يناديها بنبرته المعتادة..

إيناس:

ـ خلاص الشط كله عرف اسمي.

شريف:

ـ وكمان حيعرفوا إنك حبيبتي!

التفت يداه حول خصرها ليحملها كالأطفال..

إيناس:

ـ يا مجنون!

شريف:

ـ كده.. طيب جبتيه لنفسك!

إيناس:

ـ حتعمل إيه؟!

شريف:

ـ حتشوفي.

حملها بقوة وانطلق بها نحو المياه وأغرق جسدها وهو يضحك بشدة

بمرح..

نعم..

كانت تلك لحظاتي معك يا شريف..

لحظات من المرح..

مجرد لحظات..

فلقد تركتني بعد الزواج بشهر واحد!!.

وهكذا كانت ملامح وجهها تتأرجح بين الإنبساط والإنقباض..

بسمة ودمعة..

فهي غارقة في بحر من الذكريات وترفض العودة للواقع..

نعم فالواقع لا يوجد به سوى حقيقة واحدة تأبى أن تتعايش معها..

لقد مات شريف.

*

بجانب الفراش تجلس سيدة باكية.. ملامحها تنبئ بعمر يفوق عمرها الحقيقي ببضع سنوات..

يديها المرتعشتين تمسكان بمصحف صغير.. تتمتم بكلمات الرحمن في خشوع وبكاء..

كانت تغوص في ذاكرتها وتعود لمنزلها الدافئ بعيداً عن برودة المشفى التي تحمل روائح الداء والدواء معاً..

فثريا سيدة مصرية تقليدية.. منزلها هو مملكتها الصغيرة التي طالما احتضنتها وقدستها لأبلغ الحدود, فمجرد أن تدلف للمنزل تشعر بالحميمية والدفء الصادر من الحوائط ذات اللون القاتم الذي يذكرك بغروب الشمس..

الأثاث العتيق.. والسجاد الفاخر..عبق الروائح المميزة الصادرة من مطبخها منبئة بطعام دافء تشتم طعمه اللذيذ قبل أن تتذوقه..

زمت شفتيها وهي تحاول أن تتذكر مملكتها الغالية التي تركتها منذ أيام قابعة بهذا المشفى هي وابنتها وزوجها تاركة إبنها الأصغر ليعيث في منزلها فساداً..

أغلقت المصحف وابتسمت بسخرية فهي تشغل نفسها بالتفكير في المنزل ربما لتنسى ولو للحظات ما حل بابنتها.

تنهدت ثريا في أسى ثم قالت لزوجها:

ـ إيه يا عبد الرحمن, الدكتور قالك إيه.

عبد الرحمن:

ـ بيقول حالة انهيار عصبي.

ثريا باكية:

ـ ما أنا عارفة بس إحنا بقالنا أسبوع دلوقتي وهي مش دريانه بحاجة

عبد الرحمن:

ـ واخدة مهدئات كتير..

ثريا:

ـ يا عيني عليكِ يا بنتي ملحقتيش تتهني.

عبد الرحمن:

ـ خلاص بقى يا ثريا.. ادعيلها.

ثريا:

ـ بنتي بتضيع مني يا عبد الرحمن.. أنا خايفة عليها قوي.. أنا خايفة بعد الشر تحصله.

عبد الرحمن:

ـ أستغفر الله العظيم يا رب.. يا شيخة حرام عليكِ بلاش الفال ده.. استهدي بالله كده واقري لها قرآن.

ثريا:

ـ ونعم بالله.. طيب يعني هي حتفضل نايمة كده لإمتى؟

عبد الرحمن:

ـ معرفش.. بس بيقولوا لازم يخففوا جرعات المهدئ, لإنها كده مش دريانه بحاجة خالص, والدكتور النفسي بعد كده حيساعدها تتقبل اللي حصل.

ثريا:

ـ أيوه.. الدوا الزفت ده مخليها زي ما تكون في غيبوبة.

عبد الرحمن:

ـ مضطرين يا ثريا.. إنتِ نسيتِ حالة بنتك كانت عاملة إزاي بعد ما مات؟.

ثريا:

ـ متفكرنيش.. متفكرنيش أبوس إيدك.

عبد الرحمن:

ـ لا حول ولا قوة إلا بالله.. يا رب صبرها وصبرنا.. أنا حاروح أصلي العصر على بال ما الدكتور يجي.

ثريا:

ـ ادعي لها يا أبو أيمن.

عبد الرحمن:

ـ بدعي لها في كل وقت.. يا رب ألطف بيها وبينا.

كان عبد الرحمن والد إيناس موظف بالمعاش.. ميسور الحال يعيش بشقة متواضعة بحي العجوزة.. لديه من الأبناء ثلاثة..

إيناس, وأيمن, ومصطفى..

الأكبر أيمن تخرج من كلية هندسة وتزوج وسافر منذ سنوات لإحدى الدول العربية, وعصفورته الوسطى إيناس تخرجت منذ أشهر قليلة من كلية الطب البيطري, والأصغر مصطفى طالب بكلية التجارة..

وُلد حب شريف وإيناس منذ عدة سنوات عندما قطن شريف بالشقة المقابلة لشقتهم..

شاب من أحد المدن الصغيرة المجاورة للقاهرة ذو خلق دمث وحال ميسور استأجر تلك الشقة بعد أن انتقل للعمل في القاهرة..

جذبته تلك الشابة رقيقة الملامح, خجولة للغاية.. اعتاد أن يراها يومياً في الصباح وهي متوجه للجامعة..

سلبت لبه وأصبحت ملكة أحلامه, وشغل هو تفكيرها بابتسامته الساحرة التي اعتاد أن يُحييها بها كلما رآها..

قصة حب بدأت واستمرت لسنوات وكللت بالزواج..

زواج لم يدم سوى شهر واحد لينتهي بأسوأ خبر..
صدمته سيارة وانتهت حياته مع توقف صوت جهاز ضربات القلب بغرفة العناية المركزة, لتسقط هي الأخرى بعد حالة شديدة من الإنهياروتبدأ رحلة العلاج النفسي في محاولة لتجميع بقايا إنسانة.

روضة. #همس_الجياد
عجبتكوا الروايه؟؟
Anonymous Poll
66%
ايوه حلوه
34%
لا مش حلوه
اسكريبت

نهايتي بدأت من ١٧ سنة، أو تِقدر تقول موت حياة قديمة لشخص يشبه ليا تمامًا، ساعتها كنت راكب قطر ورايح القاهرة شاب عنده ٢٠ سنة بيجري ورا حلمه ومرة واحدة راجل صوته عالي عدا جمبي بيقول:
- شاي شاي شاي، اللي عايز شاي.
"ناديت عليه"
= واحد شاي بعد إذنك.
- كام معلقة سكر!
= معلقة ونص.

"ولسه باخد منه الشاي لاقيت واحدة داخلة تقعد علي الكرسي اللي قدامي وبقُدرة قادر شنطتها تخبط في الكوباية وهدومي كلها تتغرق".

- أوووووووف! عنجد والله ماقصد هيك.
= ايه خلاص مابقتيش تشوفي!! مستقبلي هيضيع بسببك الله يسامحك.

"ردت عليا بصوت زعلان"

- سامحني أول مرة بركب قطار وما بعرِف اتعامل.

"وطلعت مناديل من شنطتها وعاوزة تنشف هدومي".

= لا هاتي أنا هنشفهم لنفسي تُشكري.

"وراحت قاعدة، كانت لابسة طرحة بس لافاها لفة غريبة كدة غير بتاعتنا كمصريين، تقريبًا مِن الشام أو دولة عربية تانية، عينيها سودا وطرحتها كانت بيضا، كإنها لوحة لبدر منور وسط سما سودا".

= خلاص ماتزعليش حقك عليا علشان أتعصبت عليكي، بس والله رايح مشوار مهم.
- أنت اللي حقك عليا لإني كُنت عَم أجري بسرعة، وأذيتك بدون قصد.
= لا عادي ماحصلش حاجة، ورُحت ضاحك وقايلها: "تشربي شاي"! 

"عينيها بدأت تضحك بعد ماكنت زعلانة".

- لا مش هشربه لسنتين قدام.

= أنتي مش مصرية صح؟
- لا أنا فلسطينية.
= نورتي مصر والله.
- منورة بـ أهلها الطيبين.
= علي فكرة أنا بحب فلسطين جدًا.
- يسلم قلبك.
= شكلك مابتعرفيش تتكلمي مصري.
- لا بعرف بس بغلط في شوية كلام، بس هحاول معك يعني.
= أنا ايمن.
- وأنا ريم.
= عاشت الأسامي يا ريم، جاية مصر دراسة ولا شغل؟

"بصت في الأرض"

=سؤالي ضايقك؟

"لاقيتها سِكتت شوية"

- هربانة.
= هربانة!!
-ده موضوع طويل.
= عادي أهو ندردش لحد مانوصل.

"راحت باصة من الشباك علي الطريق والقطر بيتحرك وبدأت تحكي:

- كنت في يوم خارج المنزل، سمعت صوت رصاص وقنابل، قلبي اهتز من الرهبة، جريت ناحية داري ولما وصلت، لما وصلت...

 "وبدأت تعيط"

-مالك؟

-لما وصلت ما وجدت دياري، أمي، أبي، أخي ماوجدتهم، إنفطر قلبي وكإني في الدنيا وحيدة، ساعتها سألت ربي علي فين أروح، لاقيته بيرد عليا علي لسان سيدنا يوسف: "ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ"، ومن يومها وأنا هنا.
 ما بعرِف ليه بحكيلك سامحني.

"قلبي اتقبض، بس حاولت أفضل ثابت علي قد ماقدر علشان تهدأ".

= يا الله، ربنا يرحمهم يارب، وينتقم من اللي كان السبب، والله مصر زادت نور وجمال بوجودك فيها، وهتفضل شايلاكي جوا قلبها الدافي طول عُمرك.
- تسلملي يارب.
= عايشة لوحدك يا ريم؟
- لا مع خالتي.
= طب كويس الحمد لله.

"فضلت تبص علي هدومي وتاكل في ضوافرها من التوتر"

- ليه لما الشاي وقع عليك قولتلي ضيعتي مستقبلي!
= لإني رايح مقابلة شُغل مهمة.
- مُحاسب؟
= لا لا، أنا كاتب بألف قصص وسيناريوهات أفلام وكدة، وعندي مقابلة مع مُخرج كبير علشان أعرض عليه فكرة الفيلم بتاعي.
- الله يكرمك ويوفقك.
= ربنا يخليكي يارب.

"فضلنا ساكتين حوالي ١٠ دقايق، لحد ما عدا واحد جبت منه إزازة ماية ودخلت الحمام ظبطت هدومي ورجعتلها".

- هو أنت المقابلة بتاعتك فين؟
= في مبني الإذاعة والتلفزيون.
- ممكن آجي معاك!
= أكيد طبعًا تنوريني.
- عنجد؟
= عنجد جدًا.

"فضلنا نتكلم طول الطريق ونتعرف علي بعض أكتر"

= وصلنا القاهرة أهو يا ستي، يلا بينا.
- ياااه الوقت عدا بسرعة.
= أه ما أنتي ماكنتيش زي الكتكوت المبلول، فمش حاسة بالوقت.
- أنت لسه زعلان؟
= مش أوي يعني.
- طب خد دي.
= ايه دي؟
- أنا شغالة فوتوجرافر، ودي آخر صورة التقطتها للمسجد الأقصي وأنا في القدس، أتمني تقبلها مني ياعم الزعلان.

"فرحت فرحة عمري ماحسيت بحاجة زيها، لإنها قِدرت بحاجة بسيطة تديهالي إنها ترسم الضحكة علي وشي لسنتين قدام".

= أعظم هدية من أجمل بنت فلسطينية شوفتها.

- هو أنت شُفت فلسطينيات قبل هيك؟
= كتيييييير.
- وأنا أجملهم؟
= وأنتي أجملهم.

" ساعتها شوفت نظرة رضا وجبر في عينيها، بنت بسيطة وجميلة وأقل حاجة تقدر تراضيها".

= المكان أهو يا ستي.
- طب استني بقي.

"وراحت مطلعة كاميرا من شنطتها، وكل حتة نعدي قدامها جوا المبني تصورها".

= يعني أنتي جاية معايا علشان تصوري؟
- أمال جاية معاك علشان خطيبي مثلًا.
= تصدقي إنك....
- هاخد منك الصورة.
= لا خلاص كله إلا الصورة، استنيني هنا بقي هدخل أقابل مصيري وأجيلك.

" فضلت نص ساعة جوا لحد ما المخرج جه، قعد معايا حوالي دقيقتين لإنه شخص مهم ومافيش منه أتنين علي الكوكب وبعد كدة قالي سيب فكرتك واسمك ورقم تليفونك، ساعتها عرفت إنها توزيعة وإن نصيبي لسه ماجاش".

- بتعمل ايه كل ده؟
= قاعد مستني البيه.
- وهو ماجاش؟
= لا جِه بس قعد معايا دقيقتين وسابني ومشي.
- يعني انت جايله من سفر علشان يقعد معاك دقيقتين، طب استني والله لـ أجيبلك حقك.

"وراحت سايباني ورايحة ناحية الباب وعاوزة تِدخُله، جريت وراها ومسكت ايدها".
= أنتي رايحة فين يا مجنونة أنتي؟
- ههزأه الحيوان ده.

" وفضلنا نضحك بصوت عالي لحد ما الأمن طردنا علشان عاملين إزعاج".

- عاجباك قعدتنا علي الرصيف هيك؟ هو ده كرم المصريين؟

= ما أنتي اللي ضحكتيني.
- ما أنت مابتعرفش تاخد حقك.
= يابت أنتي جريئة كدة ازاي!
- الزمان علمني ماسبش حقي، والاحتلال علمني إن العدو عامل زي الكلب، لو مارميتوش بالحجارة هيفضل ينبح.

= عندك حق والله، أنتي منين بقي يا ريم؟ أقصد قاعدة فين يعني!
- هنا في القاهرة، بس كنت بصور عروس وركبت القطر لما شوفتني.
= اه لما وقعتي عليا الشاي.
- أيوة بالضبط.
= حسبي الله.
- فيك.

= طب أنا هروح بقي يادوب ألحق القطر، اتشرفت بمعرفتك والله.
-تعالي ناخد صورة ونوثق اليوم ده.

"اتصورنا وقولتلها همشي بقي علشان ألحق القطر"

- توصل بالسلامة، وعلي العموم ده كارت فيه رقمي لو محتاج شغل تصوير، وياريت تطمنني لما توصل.
= حاضر، سلام.
- سلام.

"ريم كانت حلوة، بس مش البنت اللي أحبها يعني، أنا أصلًا ماعرفش يعني ايه حُب لإني عمري ما جربته، بس حسيت من كلامها بـ أمان كدة، وفضلت طول الطريق أفكر فيها وفي مصيرها اللي حصل غصب عنها، بس واثق إن ربنا شايلها حاجة كبيرة".

= ألو، المصورة الفلسطينية معايا؟
- بتاع الشاي اللي مستقبله ضاع بسببي.
= أنا وصلت أهو يا ستي، روحتي لخالتك ولا أتخانقتي وخدوكي علي القسم؟
- لا روحت ماتقلقش.

= كنت عاوز أقولك إنك ضيعتي مستقبلي بس هونتي عليا يوم صعب والله.
- وأنا عاوزة أقولك إنك طموح وربنا هيكرمك ومش هيخذلك.
= الله يجبر بخاطرك يا ريم.

"قفلنا المكالمة، وفضلنا حوالي شهر نتكلم كل يوم ونتعرف أكتر وأكتر علي بعض، وأول ما حسيت نفسي بدأت أميل ومتعلّق بيها، لاقيتها بتقولي".

- أيمن أوعي تحبني، أوعي بالله عليك.
= ليه بتقولي كدة؟
- حبيت أقولك وبس.
= لا ماتقلقيش مش هحبك.

"اتضايقت جدًا جدًا، طب هي ليه بتقول كدة! طب وأنا متضايق ليه! هو انا حبيتها بجد! ده أنا ماعرفهاش غير من شهر بس".

عدا أسبوع علي آخر مكالمة، لحد ما رنيت عليها تاني

= صباح الخير يا ريم.
- صباح النور.
= أنا جاي القاهرة كمان ساعتين هتكوني موجودة أشوفك؟
- فرحت أوي والله، أه هكون موجودة، جاي ليه بقي؟
= عندي معاد مع مخرج تاني وربنا يكرم.
- تمام هستناك تيجي بالسلامة.

" المرة دي اتأخرت في الطريق، ووصلت متأخر وخلصت المقابلة متأخر، وقابلتها قبل المغرب بحاجات بسيطة".

= تعرفي إنك أجمل من المرة اللي فاتت بكتير؟
- عنجد؟
= المرة اللي فاتت كنتي إنسانة عادية.
- والمرة دي؟
= ملاك.
- ما تيجي نقعد علي النيل!
= يلا بينا.

"وصلنا كان الجو بدأ يكون ليل، ومافيش في السما حاجة باينة غير القمر، ومن قدامي النيل وبنت جميلة زي القدس، عزيزة النفس زي فلسطين، فيها الجدعنة والطبع المصري، حاجة كدة مضروبة في الخلاط تطلعلك ريم".

= اتفضلي يا ريم.
- ايه ده؟
= مش انتي فوتوجرافر والهدية بتاعتك كانت صورة للقدس؟
- أه.
= أنا بقي كاتب ودي الهدية بتاعتي.

"مِسكت الورقة وبدأت تقرأ اللي فيها بصوت عالي وتقول: وليس عدلًا أن تحتل قلبًا عاش عُمرًا كفلسطين عزيزًا".

- أنا احتليت قلبًا عاش عُمرًا كفلسطين عزيزًا؟
= احتليتي كل حتة فيه.
- بس أنا قولتلك أوعي تحبني!!!!
= وحبيتك.
- بس أنا ....
= عمري ما كنت أعرف يعني ايه حُب لحد ما شوفتك.

" ورحت ماسك إيدها وإحنا قاعدين وقدامنا النيل هادي، ومرة واحدة لاقيتها حطت راسها علي كتفي وغمضت عينيها وقالت:

- دخلت مصر يارب، وبمشيئتك دلوقتي عرفت يعني ايه الأمان، وإننا جوا مصر هنكون آمنين.

= طول ما أنا عايش هفضل محسسك بـ الأمان، أنا لسه في أول حياتي بس والله طموح لأبعد الحدود وربنا هيكرمني علشانك، هحاول أعوضك عن أهل ووطن، هقف في وش المدفع لو أي كلب فكر يقرب مِنك.
نفسي أقولك كلام كتير بس وأنا في حرم جمال واحدة واخدة من القدس جمال مش قادر أتكلم.

- عارف أنا آخر مرة صليت في القدس كانت قبل ما اجي مصر علي طول، ساعتها دعيت ربنا إني ألاقي الأمان والوطن والأهل، والنهاردة ربنا استجاب لدعوتي وبكل الصبر اللي في الدنيا أنا كمان بحبك يا مصري.

"كُنا إتنين بُعاد، ولا كان علي البال يجمع بينّا سهر أو قُعاد، ولقيتني ببيع الدنيا خلاص عندي استعداد، أحبك وماخدتش يوم تفكير".

كان أجمل وأوحش يوم في حياتي، أجمل يوم لإني فعلًا حبيت بجد، وأوحش يوم لإنه كان آخر مرة أشوف فيها ريم أو أسمع صوتها.
موبايلها مرة واحدة غير متاح، استناها تكلمني وماحصلش، اليوم جاب أسبوع والأسبوع جاب شهر والشهر يعدي لحد ما وصلت سنة، وكل ده مستني ومش فاهم حصل ايه ولا أعرف عنها حاجة لحد ما عدا بالضبط ٧ سنين و٩ شهور و١٤ يوم و٧ ساعات علي آخر مرة شوفتها فيها، وصورتنا كل يوم جمبي أفضل باصصلها لحد ما أتعب من التفكير وأنام.

"إذا أردت شيئًا بـِ شِدة فأطلق سراحُه فإن عاد إليك فهو مِلكك للنهاية، وإن لم يعُد فهو لم يكُن لك مِن البداية"
دلوقتي أنا في مؤتمر صحفي كبير، كُتاب الوطن العربي كُلهم متجمعين، وكمان وزير الثقافة، والأغرب سيادة الريس من ضمن الموجودين، مصورين من كل حتة، الناس كلها مستنياني أطلع علي المسرح، كل دول جايين علشاني أنا، وواحدة ماسكة المايك وبتقول: والآن مع الكاتب والمؤلف، السيناريست الحاصل علي أوسكار أفضل فيلم في العالم لهذا العام / ....... ونادت اسمي

طلعت ع المسرح العيون كلها عليا، كُله مستنيني اقرأ السؤال بتاعه اللي كاتبهولي في ورقة، وصلت نص المسرح وقلت جملة افتتاحية، وبعد كدة قعدت وقدامي ورق كتير كل ورقة فيها سؤال لحد ما جت ورقة قدامي هزت كياني كله مكتوب فيها:
 " هتسامحني لو قولتلك إن السفارة قررت إن أنا وخالتي نرجع فلسطين تاني وخفت أعرفك لـ أكسر قلبك!".

"وقفت بسرعة ومسكت المايك وناديت بصوت عالي، بلهفة ابن بيدور علي أمه الغايبة عنه سنين، الناس استغربت من رد فعلي وبدأ يحصل دوشة"

= مين صاحب سؤال فلسطين والقدس؟؟

كررت السؤال ٣ مرات وبعد كدة لاقيت واحدة وقفت وقالت:

- أنت ليه بتحب القدس يا بتاع الشاي؟

"السؤال هز المكان كله وفجأة الناس كلها سكتت"

= علشان عزيزة زي قلب بنت قابلتها قبل كدة وحبيتها.

- لسه بتحبها.
= عدا سنين.
- بس هي بتحبك.
= وبِعدت عني؟
- غصب عني.
= استنيتها كتير!
- حاولت أجيلك أكتر.
= طب والقدس؟
- دعيتلك فيها.
= دعيتي بـ ايه؟
- علي قد ما حسستني إن ليا وطن وأهل علي قد ما يكون نجاحك بـ إيد ربنا سهل.

"رُحت جاري عليها وأخدتها في حضني وحلفت إنها ماهتخرج مِنه غير لما تواقف تتجوزني".

_

بس يا ستي وتوتة توتة خِلصت الحدوتة نامي بقي أبوس ايدك بقالي ساعة بحكيلك.
- مش أنت بتاع حواديت يا بابا؟
= اه ياحبيبتي بتاع حواديت.
- طب يلا كمل.
= أكمل ايه؟
- القصة دي، اتجوزتها بقي ولا ماتجوزتهاش؟
= هي ماما اسمها ايه؟
-ريم.
= وريم دي منين؟
- فلسطين.
= يبقي اتجوزتها ولا متجوزتهاش؟
- وانا هعرف منين.

= بصي أنتي غبية وطالعة لمامتك وآدي دقني أهي لو حكيتلك حدوتة تانية يا قدس.

-أنا غبية يا أيمن؟
= مش أنتي أمها يا ريم؟
- أه أمها.
= خلاص تبقي غبية.

- طب يا ماما قوليلي انتي وافقتي تتجوزي بابا ولا ماوافقتيش؟

- لا ده انتي غبية زي أمك فعلًا أبوكي ماكدبش.

" صوت ضِحكنا هز المكان ومن قدامنا فلسطين عزيزة وباصة علينا من نفس الصورة اللي أخدتها منها من ١٧ سنة للقدس"

ونظرة رضا خارجة مني لرب كريم، علي صَبر سنين كانت نهايته ريم.
وافتكر لو شوفت قطر، أو واحد بيقولي شاي ؛
اسأل نفسي ١٠٠ مرة، مِن غيرها هتعيش ازاي! #اسكريبت
الفصل التاني من رواية همس الجياد

كانت ثريا تقف خارج الغرفة وتضع يدها على فمها لتمنع نفسها من البكاء..
قدماها ال تقوى على حملها, فصراخ إيناس يمتد آلخر المشفى..
خرج الطبيب النفسي الهثاً دون أن ينظر نحوها وتتبعه الممرضة.. أمسكت ثريا
بذراعها بعنف قائلة:
ـ بنتي مالها؟.. عملتوا فيها إيه؟!
نظرت لها الممرضة بشفقة ثم انتظرت بعد أن ابتعد الطبيب:
ـ اهدي يا حاجة.
ثريا بنفس النبرة الغاضبة:
ـ أهدى إزاي!!.. البنت في حالة إنهيار.
الممرضة:
ـ معلش.. هي كانت بتاخد مهدئات جامدة وعايشة بره الواقع, والزم تواجهه.. ده
في األول بس, الدكتور إداها دوا مهدئ بس أبسط من األوالني, ومع الوقت
حتتحسن بس حنتعب في األول شوية.
ثريا:
ـ بس الدكتور خارج شكله ميطمنش.
الممرضة:
ـ ال.. ال.. أصله متنرفز من الدكتور الاولاني اللي استسهل بمهدئات قوية وشايف
إن ده مش صح.
ثريا:
ـ يعني إيه مش فاهمة؟
الممرضة: يا حاجة أقعدي جنبها وارقيها واقرئي قرآن.. خليها كده تهدى وترضى بقضاء
ربنا ومعلش أزمة وحتعدي.
تركت ثريا الممرضة وعادت مرة أخرى لغرفة إيناس وأهالها ما رأت على
وجهها من شحوب..
احتضنتها بقوة وما كان منها إال أنها انفجرت في البكاء قهراً على حال ابنتها
وظلت تدعو ربها تضرعاً أن تمر األيام وتخرج ابنتها من تلك الحالة.
***
مرت عدة أيام وبدأ العالج النفسي يُنبئ بتقدم مع إيناس..
بدأت تعود للواقع رويداً رويداً, خرجت من المشفى أخيراً بعد مرور شهر
وبضعة أيام وعادت للمنزل..
كانت والدتها سعيدة بتلك الخطوة فابنتها ستبتعد أخيراً عن جو المشفى بمرضه
وكآبته, ولكن كان القلق يستبد بوالدها..
فالمنزل كل ما فيه ينبض بذكرى شريف, والشقة المقابلة هي شقة عرسها التي
لما تقضي بها سوى عدة أيام..
وقد كان والدها على حق فلم يم ض على وجودها ساعة بمنزلها حتى انزوت في
غرفتها..
بعيدة.. وحيدة..
وعلى الرغم من هدوئها وخروجها من بؤرة اإلنهيار إال أن صمتها كان يذبحهم
جميعاً, وكأنها على شفا كارثة..
فهي ال تفعل شيئاً سوى النظر لتلك الشرفة التي اعتاد شريف مشاغلتها من
خاللها, واطالق العنان لدموعها التي يبدو أن منبعها لن ينبض أبداً.
ذكريات
كان ينتظرها يومياً..
يقف بالشرفة ممسكاً بهاتفه ونظراته موجهه نحوها دون انقطاع
شريف:
ـ بحبك..
تنظر له بابتسامة يشوبها الخجل, ثم تتلفت حولها والهاتف ما زال على أذنها..
شريف:
ـ سامعاني؟
إيناس:
ـ سامعاك.
شريف:
ـ بحبك.
تمكن االحمرار من وجنتيها وظلت صامتة..
شريف:
ـ بموت في كسوفك.. بس بجد نفسي أسمعها منك.
إيناس:
ـ هي إيه؟
شريف: كلمة بحبك.
إيناس تنظر لألرض وتهمس بصوت منخفض:
ـ بحبك.
يسقط شريف أرضاً بطريقة درامية وهو ممسك بقلبه..
إيناس:
ـ يا مجنون!
شريف:
ـ بيكي.
إيناس:
ـ طيب أنا الزم أدخل.
شريف:
ـ ال إله إال هللا.
إيناس:
ـ محمد رسول هللا.
عبراتها منهمرة كفيضان كاد أن يغرقها داخل ذكرى لحظات العشق بينها وبينه
بتلك الشرفة التي شهدت أجمل أيام عمرها.
*
ك
ان الدكتور علي ما زال بعيادته يستقبل الحاالت المعتادة..شعر الطبيب األربعيني باإلنهاك وود أن يقوم بإلغاء جميع الكشوفات لوال أن
أخبره مساعده بأنها آخر حالة..
كان ما زال شارداً بأوراقه عندما دخل عليه الرجل صاحب الميعاد..
كبير السن, يرتدي نظارة طبية سميكة اإلطار, وله شعر رمادي وقد استرسل
بنعومة خلف أذنه, وشارب بنفس لون شعره أعطاه هيبة ووقاراً ملحوظاً..
تذكره الطبيب على الفور بمجرد رؤيته رغم مرور حوالي ستة أشهر على
خروج إيناس من المشفى.ز
استقبله بابتسامة ودهشة قائالً:
ـ أهال ً.. أستاذ عبد الرحمن.. إتفضل
عبد الرحمن:
ـ متشكر يا دكتور.
الطبيب:
ـ خير.. مدام إيناس عاملة إيه؟
تنهد عبد الرحمن بألم ثم تابع:
ـ ما هو ده السبب اللي أنا جايلك علشانه.
نظر له على بإهتمام..
كان يشعر بنوع من المسؤولية عن حالة إيناس فلقد إنهارت بالمشفى مباشرة
بعد وفاة زوجها, ولم يكن هو متواجد بتلك الفترة حيث كان قد سافر لحضور أحد
المؤتمرات بعد أن رشح طبيب شاب ليحل محله..
وعاد ليفاجئ بحالة إيناس التي زادت تدهوراً بعد أن اتخذ الطبيب الطريق السهل
وقام بحقنها بأقوى المهدئات لتعيش بعالم منفصل عن واقعها األليم وعانت..
وعانى معها في فترة العالج رفض هذا الواقع.
نظر علي لزائره بإمعان ثم تابع :
ـ خير.. قلقتني.
عبد الرحمن:
ـ إيناس رجعت حالتها اتدهورت تاني يا دكتور.. تقريباً مش عايشة معانا.. بتنام
كتير قوي, زي ما تكون عايزة تهرب من الدنيا.. ولما بتكون صاحية على طول
سرحانة وقاعدة في أوضتها تبص على شقته وتفكر فيه.
علي:
ـ شقته!
عبد الرحمن:
ـ ما هو شريف _هللا يرحمه_ كان جارنا وساكن قدامنا.
شعر علي بغضب شديد وتوجه لضيفه الئماً:
ـ إزاي يا أستاذ عبد الرحمن ما تقوليش معلومة مهمة زي دي؟!.. أنا كنت نبهت
عليكم ما تجيبوش سيرة الماضي أصالً قدامها, أتاريها قاعدة جوه الماضي
وشايفاه قدامها ليل ونهار.
عبد الرحمن:
ـ يا دكتور طيب كنا حنعمل ايه؟.. ده بيتنا وحياتنا.. أنا بجد مش عارف أعمل
إيه!!
علي:
ـ إيناس مشكلتها دلوقتي إنه كل حاجة حواليها بتفكرها بشريف, وهي رافضة
الواقع ومش قادرة تعيش فيه, علشان كده بتهرب للماضي في أحالمها.. الزم
يحصل تغيير.. شوية مضادات اإلكتئاب والعالج مش كفاية, هي بتشتغل؟
عبدالرحمن: الحقيقة بعد ما اتخرجت اتجوزت على طول وما اشتغلتش.
علي:
ـ الزم تتشتغل وتخرج من الدوامة دي.. تشوف ناس جديدة تبدأ حياة جديدة..
تخرجها من بؤرة الماضي, والزم تبعد شوية.. تغير مكان ووجوه, آسف.. بس
ده الحل الوحيد..هي خريجة إيه؟
عبد الرحمن:
ـ إيناس خريجة طب بيطري.
صمت علي لفترة ثم لمعت عيناه وقال:
ـ أنا عندي الحل يا أستاذ عبد الرحمن.. إيناس مش محتاجة عالجي وأدويتي
بس.. إيناس محتاجة تبعد, محتاجة حياة جديدة ووجوه مختلفة تشغل واقعها
وتخرجها بره أحالمها وهمومها. لو ما عندكش مانع أنا عندي شغل كويس
إليناس ومكان أحسن تبدأ في من جديد.
نظر له عبد الرحمن باهتمام وقال:
ـ حل!!.. حل إيه؟!
علي:
ـ أختي, جوزها بيشتغل في مزرعة كبيرة قوي في طريق مصر_إسكندرية
الصحرواي.. المكان فيه مصنع إلنتاج األلبان وطبعاً أراضي زراعية.. مكان
تحفة.. وكمان من فترة كانوا بيدورا على طبيب بيطري يهتم بمزرعة الخيل
وطبعاً حيقيم هناك, إيه رأيك؟
عبد الرحمن:
ـ أيوه.. لكن..
علي: حضرتك متردد علشان هي بنت.. اعتبرها اشتغلت في بلد تانية وده بيحصل مع
ناس كثير.. المزرعة فيها ناس كتير مقيمة, بقت أشبه بمجتمع سكني صغير.. ده
غير إن أختي هناك حتابع حالتها وتبلغني أول بأول, أنا شاعر بالمسؤولية عن
حالة إيناس وبجد عايز أساعدها والمكان ده فرصة كويسة قدامنا.
عبد الرحمن:
ـ حضرتك شايف كده يا دكتور؟.. يعني بُعدها ووحدتها مش خطر؟
علي:
ـ ما تقلقش.. أنا واثق إن إيناس حتتحسن في المكان ده, أنا عارف أنا موديها
فين.
نظر له عبد الرحمن وهو يشعر أنه لا يوجد سبيل أمامه سوى قبول تلك
المجازفة, فوردته تذبل أمامه يوماً بعد يوم.
#همس_الجياد
لو لقيتكم اجمعتوا علي اه هنزل كل يوم اتنين
اسكريبت
هو الحسد فعلًا ممكن يوصل شخص للموت!
قبل ما تفكر فى الإجابة عاوزاك تاخد نفس طويل وتحافظ علي السر اللي في قلبك وماتقولوش لحد لإن يا عالِم بعد ما تِعرف حكايتي هتفضل عايش حياتك زي ما كانت ولا لا.

إمبارح بالليل نفس الكابوس اللي بشوفه مِن سنين إتكرر معايا تاني، نايمة في مكان ضلمة ومش قادرة أحرك أي حتة في جسمي غير عيني وشخص ملامحُه مش واضحة بيحاول يخنُقني وكُل مرة بحاول أصرُخ بس صوتي مابيخرُجش، لكن الغريب المرة دي إني سمعت صوت ست ماعرفهاش جاي مِن بعيد وبتقول:
- أنا هساعدك يا بنتي ماتخافيش.
" فوقت مِن سرحاني وأنا قاعدة قُدام المراية بسرّح شعري، وكالعادة كمية شعر كبيرة جدًا بتُقع مِن رأسي مِن غير سبب، وجِبت كل أدوية تساقُط الشعر وبرضو مافيش فايدة.
في اللحظة دي إفتكرت بنتين صُحابي زمان أيام ثانوي وهما بيقولولي:
- ربنا كرمك بجمال مش موجود فى أي واحدة فينا، وحالتك المادية الله أكبر، وكُل ولاد البلد عينيهم مِنك، ده أنتِ بعد الثانوية هتتخطفي خطف كِدة مِن كُتر العِرسان اللي هتجيلك.
" ابتسمت بـِ حُسن نية وقُلت:
= إدعولي بس أعدي السنة دي علي خير.
- ياختي ولو ماعديتيش يعني، هو أنتِ أبوكي قُليل، ما هو هيدفعلك مِن الفلوس اللي قد كدة اللي علي قلبه ويدَخلِك كُلية خاصة، ده إحنا لو عندنا اللي عندك هنمشي ندوس علي الناس.
" وإبتسمت ابتسامة خبيثة"
- يارب رُبع حظك.
" لميت الشعر اللي واقع مِن راسي وخرجت مِن الأوضة اللي حابسة نفسي فيها علشان أرميه في الزبالة، لحد ما سمعت صوت عياط جاي مِن أوضة أمي وأبويا، لحد ما قربت مِن الباب وسمعت أمي بتعيط وبتقول لأبويا:
- بنتنا بقت ٣٢ سنة وماتجوزتش يا حسن، وكل ما أقابل واحدة تسألني بقسوة بنتك إتجوزت ولا لا! 
دي مِن أجمل البنات في البلد، كان مستخبيلنا كُل ده فين بس!!
نفسي أشوف حفيد ليا قبل ما أموت.
وفجأة جسمي إرتعش وإفتكرت صوت الست اللي في الحلم وهي بتقولي:
- أنا هساعدك يا بنتي ماتخافيش.
بعدت عن الباب وروحت رميت الشعر وحسيت بـِ حاجة طابقة علي قلبي ومش قادرة آخد نفسي، فقررت أطلع أقعد قدام البيت وأشم شوية هوا.
فِضلت سرحانة في الأراضي الخضرا والسما، وأدعي ربنا كتير إنه يخرجني من اللي أنا فيه، علي الأقل أفرح أمي لإني بنتها الوحيدة.
لحد ما لاقيت راجل وست راكبيت عربية خشب عليها فخّار وجاررها حُمار، بس ملامحهم كانت غريبة، مِن هدومهم حسيت إنهم مِن البدو، فضلوا يقربوا مني واحدة واحدة، وأول ما وصلوا عندي وقفوا ولاقيت الراجل بيقولي:
- إزيك يا صبيّة، مِحتاجين نشرب ممُكن تجيبيلنا شوية ماية! 
" هزيت رأسي وقولتلهم حاضر ودخلت جِبت إزازاين ماية مِن التلاجة، ومرة واحدة وأنا خارجة لاقيت السِت واقفة علي باب البيت، ومِن الخضة الإزازتين وقعوا مِني إيدي، ولاقيتها بدأت تُدخل وتقرب مِني وبتبُص عليا بـ استغراب شديد أوي وملامح وش غريبة جدًا، فـ حسيت بالخوف وبدأت أرجع لورا، لحد ما قالت:
- ما تخافيش مني يا صبيّة، قربي مِني وإديني الماية.
" صوت الست دي مش غريب عني!! ومرة واحدة قالتِ:
- أنا هساعدك يا بنتي ماتخافيش.
" حسيت بقبضة في قلبي، وماكُنتش مستوعبة اللي بيحصل، ده نفس الصوت ونفس الجمُلة اللي إتقالتلي في الحِلم!!"
صوت نَفَسي بدأ يكون عالي وقُلت:
= أنتِ مين!!
- مش مهم أنا مين، بس المُهم إني هساعدك، قربي مِني يا أم العيون الزينة.
" بدأت أقرّب وأنا مش فاهمة حاجة، لحد ما لاقيتها قلعت الطرحة اللي لابساها وحَطِتها فوق راسي"
- كان مستخبيلك فين كُل ده يا بِنت الأكابر.
" وغمضِت عينيها وبدأت تحرك شفايفها زي ما تكون كانت بتقرأ قرآن وبتدعيلي في سرها، وفِضلت حوالي خمس دقايق علي الوضع ده، وعينيها بتدمّع كل شوية، وعماله تِتاوب ووشها عمال يِحمّر والعرق نازل مِن كُل حتة في جِسمها، ومرة واحدة فَتَّحِت عينيها وشالت طرحِتها من علي رأسي وقالِت:
- استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان.
"وحطِت إيدها علي قلبها"
- فإن كل ذي نعمة محسود.
صلّي وإعملي خير، إدعي ربنا كتير وهو هيقف جمبك ويسنِدك.
" وشاورِت علي قلبي"
- وإن كان اليوم مكسور، بُكرا هيعيش مجبور.
فـ خُديها نصيحة مِن شخص طيب، عُمر ما جمعتكُم قعدة، وعمرُه يوم ما كان قُريّب:
- دايمًا خلي الباب مقفول، وسِرك لازم يكون مستور.
وبدأت تِبعد، وتبعد، وكذلك السنين كمان بتِبعد.
ودلوقتي قاعدة قُدام بناتي وبقولهُم:
- للأسف الحسد مُمكن يوصَّل الشخص للموت، الحسد بيخرب بيوت وبيدمّر أرواح، بيبعد الحبايب عن بعض، بيفرق بين الإخوات.
الحسد مذكور في جميع الديانات.
فـ لو نِجحت في حاجة إفرح وأشكر ربنا، بس إدعيه إنه يبعد عنك شر النفوس اللي مش صافية.
سِرك حافظ عليه بروحك وماتعرفوش لأي حد مهما كان قُريب مِنك لإن يا عالِم هو باصصلك إزاي.
والأهم مِن كُل ده...
 إنكم لازم تستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان.
وهرجع في الآخر وأقولكم:
دايمًا هتقابلوا شياطين مؤذية في كُل مكان.
فـ خلوا بالكم كويس.
لإن شياطين الإنس ألعن مليون مرة من شياطين الجان.
#اسكريبت
الفصل الثالث من رواية همس الجياد
كانت ثريا تقف بالمطبخ تقذف قطع البطاطس بغضب داخل الزيت الغزير..
فشلت كل السبل إلخراج ابنتها العنيدة من غرفتها أو ربما من غفوتها, فاجئها
مصطفى إبنها األصغر وهي شاردة وتزفر بغضب..
دخل متصنعاً المرح للسيطرة على غضب أمه:
ـ كفاية بطاطس محمرة بقى.. جسمنا إتهرى كوليسترول يا بطة!
ثريا:
ـ أسكت يا واد.. أنا مش فايقة لك.
مصطفى:
ـ كده.. طيب.. هو حد في البيت ده بيرفع معنوياتك وبياكل غيري!!.. المانيكان
طول عمرها أكلتها قليلة, والحاج ما بقاش له تقل على السمنة البلدي يا جميل
إنت.
ثريا:
ـ أسكت يا مصطفى.. أديك شايف أختك.. مانيكان إيه بقى!!.. دي يا عيني وشها
بقى أصفر من قلة األكل وكتر الهم.
مصطفى:
ـ معلش يا ماما.. حتاخد وقتها.
ثريا:
ـ إيناس دبلت يا مصطفى.. بقى هي دي إيناس اللي كانت مالية البيت ضحك
وهزار؟.. يا بني إحنا بقى لنا 6 شهور دلوقتي من ساعة الحادثة وما فيش
تحسن.. أهو أبوك راح للدكتور امبارح ورجع نزل الصبح وما عرفتش عمل إيه.
مصطفى:
ـ ما عرفتيش!
ثريا:
ـ بيقولي بالليل الدكتور حيجي يشوف إيناس ويتكلم معاها شوية.
مصطفى:
ـ خالص.. أكيد الدكتور عنده حل يا ماما, وهو شاطر.. فاكرة في المستشفى
اتحسنت على إيده.
ثريا: آه.. ولما رجعنا هنا يوم ورا التاني وحالتها اتدهورت تاني كأنها عايشة معانا
بنص عقل.
مصطفى:
ـ ما هي طول ما هي حابسة نفسها في األوضة وبتبص على الشباك, مش
حتنسى.. مش حتتقدم خطوة لقدام.
ثريا:
ـ خالص.. ننقل بقى وال تسافر ألخوها لو ينفع.
مصطفى:
ـ مش عارف.. أما نشوف الدكتور حيعمل إيه.. آه.. على فكرة...
ثريا:
ـ إيه؟!
مصطفى:
ـ الكوليسترول اتحرق!!
خرج مصطفى من المطبخ تاركاً أمه تخرج البطاطس المحترقة وهي تصب جام
غضبها على الطعام..
ثم نظر لغرفة أخته في حسرة واتجه لغرفته.
*****
اجتمعت األسرة كعادتها على مائدة الغداء..
مائدة الغداء هي شيء مقدس لدى ثريا..
ال يصح أن يتخلف أحد..
وقد كانت ثريا شديدة اإلنتقاء في كل ما يخص منزلها, على الرغم من أن زوجها
كان مجرد موظف ليس لديه دخل سوى عمله الحكومي, إال أنها كانت تهتم بشدة
بكل قطعة أثاث داخل مملكتها الصغيرة..
تقتصد األموال.. وتقوم بالحسابات من أجل سفرة أنيقة, أو بعض األطباق
المزخرفة, وربما سجادة فاخرة..
وقد كان الحال نفسه بالنسبة ألبنائها فهي تهتم بهم ألقصى درجة وموعد الطعام
مقدس في عائلتها الصغيرة, وقد وقفت لساعات تتفنن لتعد لهم أشهى الوجبات
وترتب لهم طاولة أنيقة..
وبالتالي فالغياب عذر غير مقبول.
نظر عبد الحمن إلبنته نظرة فاحصة وهي تعبث بطعامها دون أن تلمس منه
سوى القليل..
قال على حين غرة:
ـ إيناس..
انتفض جسدها فزعاً وكان هذا هو حالها دائماً, فقد كانت تشرد أغلب األوقات
لتنتبه بعدها بفزع على صوت محدثها..
قالت بطريقة ديناميكية دون أن تنظر نحوه وكأنها اعتادت:
ـ حاضر.. أنا بآكل أهو.
عبد الرحمن:
ـ بس أنا مش باكلمك علشان األكل.
إيناس:
ـ طيب علشان إيه؟
عبد الرحمن: الدكتور علي حيجي يزورنا النهارده, وعايز يتكلم معاكي شوية.
انتفضت وقامت منزعجة وهي تنظر نحوهم بعيون دامعة:
ـ أنا مش عايزة دكاترة.. ومش عايزة حد يتكلم معا ّي.. يا ناس افهموا بقى.. أنا
مرتاحة كده.. ليه عايزني أنساه؟.. أنا مش حانسى جوزي.. مش حسيبه..
تنهد عبد الرحمن بيأس ثم تابع:
ـ هو مش جاي يتكلم معاكي عن شريف هللا يرحمه, وما حدش مننا طلب إنك
تنسيه.
تابعت:
ـ طيب جاي ليه؟
عبد الرحمن:
ـ ما عرفش.. حنعرف لما يجي, هو كلمني وقال جاي النهارده.ز فجهزي نفسك.
قال عبد الرحمن جملته بصرامة شديدة منعت إيناس من اإلعتراض, ثم تركهم
وتوجه لغرفته دون أن يضيف شيئاً.
******
كانت إيناس تشعر باإلضطراب لتلك الزيارة المرتقبة..
تفكر في أسبابها..
هل زار أبيها الطبيب ليشكو حالها؟.. هل ستضطر لخوض تجربة العالج مرة
أخرى؟.. من انصات لنصائح طبيبها النفسي, والتحدث بأمور تفضل اإلحتفاظ بها
لنفسها..
انتبهت لجرس الباب وعبارات الترحيب واإلطراء بين أبيها والطبيب الزائر, ولم
تمر دقائق حتى طلبت منها والدتها موافاة أبيها بغرفة الصالون..
تقدمت بملل وتردد نحو الرجلين..
مالمحها ذات الضجر الشديد الحظها الطبيب المتمرس على الفور ليقابلها بوجه
بشوش وهو يقول:
ـ إزيك يا إيناس..
نظرت له دون أن تتبدل مالمحها الضجرة وكأنها تصرخ بمالمح غاضبة
"ارحل":
ـ الحمد هلل.
نظر لها أبيها بغضب ولكنه استدرك نفسه وتحدث بنبرة هادئة:
ـ اقعدي يا إيناس.. الدكتور علي عايزك في موضوع.
إيناس:
ـ موضوع إيه؟.
ابتسم الدكتور علي وتابع بثقة:
ـ خدمة..
إيناس:
ـ خدمة؟!
الطبيب:
ـ أيوه.. بصراحة أنا عارف إنك طبيبة بيطرية, صح؟
إيناس والدهشة تعلو مالمحها:
ـ أيوه.
الطبيب: يا ستي.. أنا أختي مقيمة مع جوزها في مزرعة كبيرة قوي على طريق
إسكندرية الصحرواي, جوز أختي بقى المسؤول عن المكان.. وهو محتاج طبيب
بيطري ضروري علشان مزرعة الخيول هناك وسألني إن كنت أعرف حد.. ها
إيه رأيك؟
صمتت إيناس قليالً وكأنها تحاول استيعاب ما قاله ثم تابعت:
ـ أيوه.. بس أنا مشتغلتش قبل كده ومعنديش خبرة.
الطبيب:
ـ بس إنت خريجة طب بيطري وعندك األساس, الخبرة بقى تيجي مع الشغل.
إيناس:
ـ مش عارفة.. أنا ما فكرتش في الشغل خالص من زمان.
الطبيب:
ـ مش شايفة إن آن الآوان إنك تفكري؟
نظرت له بحدة وعندها أيقن الطبيب تسرعه في تلك الجملة همت ووقفت سريعاً
ثم تابعت:
ـ المكان ده بعيد, يعني في إقامة هناك؟
الطبيب:
ـ أكيد بس طبعاً ليكي أجازات.
إيناس:
ُمتخيلين إني كده حانسى؟!.. لما تبعدوني عن هنا حانساه؟
ـ
نظر لها الطبيب وقد لمعت عيناه واسترسل في الحديث بثقة:
ـ إنت شايفة إيه شايفة إنك لو بعدت عن هنا حتنسيه؟
إيناس باصرار:
ـ أنا.. ولو سافرت آخر الدنيا مش حنساه.
ابتسم الطبيب وكأنه كان ينتظر اجابتها تلك ثم تابع:
ـ خالص.. يبقى ما فيش مشكلة, وال إيه؟
إيناس:
ـ أنا مش خايفة.. بس بوضح لحضرتك.
الطبيب:
ـ خالص.. أنا حانتظر ردك, وأتمنى توافقي.. إحساسي إنك دكتورة شاطرة
وحتبيضي وشي.. أستأذن أنا بقى يا أستاذ عبد الرحمن..
األب بعد أن رمق إبنته بنظرة غاضبة:
ـ بدري يا دكتور.. حضرتك الزم تتعشى معانا.
الطبيب:
ـ معلش اعفيني, مرة تانية إن شاء هللا.
غادر الطبيب وبعدها توجهت إيناس على الفور لغرفتها لتتحاشى الحديث مع
أبيها.
*******
نظرت ثريا لزوجها بغضب وقالت له في دهشة:
ـ سفر!!.. سفر إيه يا أبو أيمن إحنا ما عندناش الكالم ده.
عبد الرحمن:
ـ يا أم إيناس.. وحقولك يا أم إيناس علشان القرار ده لمصلحة إيناس..
ثريا:
ـ مصلحتها إنها تروح تشتغل في مكان بعيد في الصحراء مع ناس ما
تعرفهومش!!.. مصلحتها إنها تبقى بعيد عننا بحالتها دي!!..
عبد الرحمن:
ـ بقى لنا 6 شهور.. 6 شهور.. وحالتها بتتأخر.. بنشوفها بالصدفة في البيت,
وعلى طول قاعدة في البلكونة.
ثريا:
ـ أل... يعني أل.. ما هي هناك برده حتبقى لوحدها.. وبرده حتقعد تفكر.. ال.. ال..
هنا قدامي أنا مطمنة عليها.. شايفاها بعيني.. وبعدين بنتك عمرها ما اشتغلت..
اتخرجت واتجوزت على طول.. وبعدين إيناس تعيش لوحدها إزاي يعني؟!.. هي
بتعرف تعمل لنفسها حاجو ال أكل وال شرب.. ال.. ال.. بنتي ما ينفعش تبعد عني.
عبد الرحمن:
ـ ما فيش فايدة.. طيب روحي كلميها.. شوفيها موافقة وال أل.. اسأليها األول.
خرجت ثريا متأففة وتوجهت لغرفة إبنتها, ولكنها كانت تعلم في قرارة نفسها أن
إيناس سترفض هذا العمل..
وربما يكون هذا القرار هو القرار الوحيد الذي ستساندها فيه, فهي ال تحتمل أن
تبتعد إبنتها عنها خاصة في ظروفها الحالية وقلقها الدائم عليها..
اقتربت ثريا من غرفة إبنتها بحذر, ولكن قبل أن تطرق الباب سمعت همسات..
همسات جعلت جسدها ينتفض, ودقات قلبها تتسارع لدقائق..
فقد كانت إيناس تتحدث إلى شريف!!!..
#همس_الجياد
اسكريبت
- عهد مش عارف ألَبِس حور! 
- أووف يا أحمد مش إنتَ اللي أصريت تغيرلها! 
- مكنتش أعرف إنه صعب كده! 
- أنا جاية. 

روحت أشوفه عمل إيه، كان ماسك الفستان ومش عارف يثبت حور عشان يلبسها وهي بتضرب برجليها الصغيرين ومش راضيه تلبس... ضحكت على شكله المُتحسر وقربت منهم. 

- بغرور: هات ربنا يخليني للغلابة اللي زيك! 
- ذلي في أمي بقى! 
- لبستها وقُلتله: هات الشوز البينك بتاعها. 
- بصيتله فقال: هو كان فين؟ 

حور عندها سنتين وأحمد بيحب الأطفال بطريقة رهيبة، وأصحابه قالوله إن البنت صاحبة أُمها فقرر إنه يبقى معاها ومُهتم بيها مِن أول يوم؛ عشان تطلع صاحبته هو! 
غيرت هدومي وهو غير هدومه وشال حور وخرجنا، كُنا رايحين لبيت باباه اللي بنتجمع فيه كل أسبوع، لما دخلنا والده ابتسم وأخذ منه حور. 

- والد أحمد: ملامحها بدأت تظهر أهُه! 
- شوفت يا بابا شبهي أنا مش شبه عهد! 
- والد أحمد بابتسامة: وهو في مِن عهد اتنين يا أحمد؟
- الله يا حاج! إنتَ مصاحب مراتي مِن ورايا ولا إيه؟ 
- والد أحمد ضحك: أُمال أنا مجوزك ليه؟ مش عشان أصاحب مراتك! 
- حور بدأت تعمل أصوات وهي بتمد ايديها الاتنين ناحية أحمد فعينيه لمعت بفرحة: بصوا عيزاني أنا إزاي! مجهودي مضاعش! 
- ضحكت عليه: هنيالك يا سيدي! 
- حضنها وباسها: دي حورية قلب أبيها. 
- حور ضحكت ومسكت وش أحمد بإيدها الصغيرة فهتف زي الأطفال: بتفهمني! 
- باباه ضحك وبصلي وقال: معلشِ يا بنتي الواد ملحقش يتهنى بطفولته! 

***

- أحمد معلشِ إنزل اشتري لحور بامبرز. 
- كان قاعد بيلعب معاها ويدغدغها فبصلي بضيق وقال: طيب! 
- فكر شوية وابتسم وقال: بس هاخذها معايا وأنا نازل. 
- ليه؟ 
- يابني أنا مامتها مش مرات أبوها! 
- مش هسيبكم تتصاحبوا وأنا مش هنا! 
- بطل شغل الأطفال ده أنا مش هاكلها! 
- خلاص مش نازل. 
- اتنهدت: خدها ياخويا خدها. 
- مين هينزل الصيدلية مع بابا؟ تعالي لبابا تعالي. 

هو غريب إن يبقى في أب حنين ومتعلق ببنته للدرجادي؟ 

- عهد الحقي! في ناموسة قرصتها! بتوجعك يا حوريتي؟ 

آه غريب! الواد ده هيشلني! 

- بصي يا عهد! بتوجعها؟ بتوجعها صح؟ طب أجيبلها حاجه مِن الصيدلية؟ 
- أحمد متقلقش مش بتوجعها، هي الناموسة بتوعجك لما بتقرصك؟ 
- ضحكت: متقلقش يا حبيبي البسكوتاية النواعم مبتوجعهاش القرصة. 
- تفتكري هتفضل شبهي لما تكبر ولا هتتغير وتبقى شبهك؟
- لو شبهك هتبقى محظوظه أوي. 
- حضني: ولو شبهك هتبقى جميلة أوي. 
- حور عيطت: عااا... عااا. 
- هتجيب البامبرز؟ 

***

كنت داخلة أوضتي عشان أنام فلقيت أحمد نايم على السرير وواخذ حور في حضنه، تلقائيًا ابتسمت ومسكت الموبايل وصورتهم ونمت جنبهم. 

في نص الليل صحيت على صوت حور بتعيط، فتحت عيني بتعب أنا مطبقة مِن يومين! 
لقيت أحمد صحي وشالها وقعد يلعبها وبصلي بابتسامة. 

- هقعد بيها بس عندي شرط! 
- أي حاجه بس أنام! 
- اتفقنا! تفطريني قبل ما أروح الشغل الصبح. 
- اتفقنا. 
- اشطا! حوريتي تعالي نلعب بره ونسيب ماما تنام. 

***

- عايزه حاجه يا حبيبتي؟ 
- ابتسمت: مع السلامة، كتبت هنا الحاجات اللي أنا عيزاها لِـ حور. 
- وإنتِ؟ 
- وأنا إيه؟ 
- أجيبلك إيه معايا؟ 
- تعالى إنتَ بس ومش عايزه حاجه تانية. 
- وأنا عايز أجيبلك حاجه تانية... ها؟ 
- شيكولاته. 
- ابتسم وسرح شوية: هي حور هتاكل حلويات امتى؟ 
- ابتسمت وأنا بتخيل: لسه تكبر الأول. 
- خلاص يا بنوتي الكبيرة هجيبلك إنتِ حاليًا. 
- بمشاكسة: حاليًا؟ يعني لما حور تكبر هتنسى عهد؟ 
- حور هتكبر بس عهد هتفضل صغيرة... سلامات يا سُكر. 
- سلامات يا جميل. 

***
عدت سنتين كمان وزي ما أحمد كان بيتمنى حور فضلت متعلقة بيه، وده مش مزعلني أبدًا بالعكس الموضوع لطيف ومرح. 

- كنت نايمة وسمعت صوت ضحك حواليا فاتكلمت وأنا مغمضة: بتضحكوا على إيه؟ 
- حطت حور ايديها على بوق أحمد: ششش هتمثكنا بثببك! 
- أحمد مسك ايديها وقال: الله إيدك حلوة أوي أنا عايز آكلها.
- ضحكت: لا يا بابا كده مث هيبقى عندي إيد! كُل إيد ماما. 
- رفعت راسي وفتحت عيني بغيظ: بعتيني بسرعة! 
- مث إنتِ إيدك حلوة بلدو؟ 
- بكاشة! يا ترى طالعة لمين؟ 
- لبابا. 
- حبيبة قلبي! 
- ضحكنا وبصيتلهم: كنتم بتضحكوا على إيه؟ 
- مفيش. 
- مفيث. 
- اممم أوكِ. 
- عهد حبيبتي نامي إنتِ تعبتي النهاردة. 
- بصيتله بتعجب: هاا؟ 
- آه يا ديدا تثبحي على حُولية. (حورية) 
- بصيتلهم بتعجب: ديدا؟! 
- قربوا الإتنين وباسوني على خدي: تصبحي على خير. 
- تثبحي على خير. 

قفلوا النور وطلعوا وأنا مش متطمنالهم! أصل دول ثنائي المصايب، قررت أشوف هيعملوا إيه وسمعت أحمد بيتكلم في الفون. 
- واحده بيتزا لارج بالفراخ وواحده ميكس جبن، وإيه ثاني يا حورية قلبي؟ 
- ثيكولاته. 
- بس كده شكرًا وياريت مترنش الجرس عشان مراتي نايمــ... أأ... أقصد عشان الإزعاج وكده، رن عليا بس وأنا هفتحلك... شكرًا لتفهمك.
- الثيكولاته يا بابا! 
- دي نتصل على عمو الثاني يجيبها. 
- بثُلعه بثُلعه قبل ما يقفل! 
- حاضر يالا بسرعة. 
- ديدا هتموتك! 
- ديدا هتموتك معايا! 
- هنموت ثوا مث مُهم. 
- ضحك وشالها: تعالي نجهز البليستيشن. 
- مث بعلف ألعب! 
- هعلمك. 
- بتعلف؟ 
- ضحك جامد: أُمااال! 

كنت مستخبية ورا الستارة براقبهم بضحك وقررت إني ألعب معاهم شوية! مش أنا ديدا الشريرة اللي خايفين منها؟ ليكُن إذًا. 

- كانت حور بتتنطط بفرحة: كثبتك كثبتك! 
- ابتسم وقال بحزن مُصطنع: ده مش عدل! 
- خلاث خلاث متثعلش! هات بوثه. 
- شاور على خده: أيوه أنا عايز بوسه هنا. 
- مووواااه... بوثه كبيله قد البيتثا. 
- ضحك وباسها: بوسه كبيرة قد حبي ليكِ. 
- بابا. 
- حبيبته. 
- بتحبني أكتل ولا ديدا؟ 
- ضحك: بحبكم انتم الإتنين. 
- مين أكتل؟ 
- سكت شوية وعامل نفسه بيفكر: سؤال صعب! غششيني. 
- همستله في ودانه: بتحبني أكتل. 
- همسلها هو كمان: ليه؟ 
- ضحكت جامد ببراءة: عثان أنا بنتك وبنت ديدا! يعني إتنين. 

قاطع كلامهم هزه فون أحمد؛ طبعًا كاتم الصوت! جريوا الإتنين ناحية الفون وبعدها فتحوا الباب براحة وهما بيتلفتوا حواليهم. 

- الحساب (...) يا فندم. 
- تمام، حوريتي هاتي محفظتي مِن درج التسريحة. 
- حادل. 
- جريت ناحية أوضتي فأنا جريت بسرعة وعملت إني نايمة وهي أخذت المحفظة وخرجت: اتفدل يا عمو الفلوث كلها. 
- ضحك أحمد وشالها على كتفه وأخذ البيتزا ودخل، وشوية والشيكولاته والشيبسي جم، وهما الإتنين قعدوا يلعبوا بليستيشن وفجأة ظهرتلهم: بتعملوا إيه؟ 
- حور صوتت مِن الخضة وقالت: ديدا ثحيت! اجلي بِثُلعه! 
- شدها مِن إيدها وجري وهو بيبصلي ويضحك: يالا بسرعة هتمسكنا. 
- لو مسكتكم هدغدغكم وآكل ايديكم! 
- عاااا اجلي يا بابا اجلي بِثِلعه... ماما اتحولت لمُثتذئب! 
- مُستذئب؟ هي عرفت المستذئبين مِن فين يا أحمد؟ 
- بلع ريقه وقال: مِن الكارتون طبعًا. 
- آه من الكلتون. 
- وبعد كده قعدت أجري وراهم لحد ما أحمد عمل إنه تعب ووقع في الأرض: بابا قوم بثلعه. 
- أحمد بدراما: آه! شكلها النهاية يا حور. 
- لا يا بابا قوم لثه في أمل. 
- معدش في ليا! 
- عثان عجذت؟ 
- نعم ياختي عجزت؟ أنا 31 سنة! 
- كمل بدرامية: انجي بنفسك يا حور... اهربي قبل ماما تمسكك.
- مث هثيبك! 
- لا يا حور خلاص أُمك هتدغدغني. 
- متقولث كده، هتعيث وتثوف أحفادك. 
- آه. 
- أحفادي من فين دول؟ 
- مث أنا هبقى ماما لما أكبل؟ 
- لا مش هتبقى ماما هتفضلي قاعده هنا!

ضحكت عليه وعلى وشه اللي إحمر بضيق وبعدين قربت منهم وسحبت حور وقعدت أدغدغها، وسهرنا سوى احنا الثلاثة، حور نامت وأحمد شالها ودخلها أوضتها وبعد كده دخل الأوضة وقعد على السرير وهو متدايق. 

- بتعجب: مالك؟ 
- مفيش. 
- على عهد بردو؟ 
- مش عايز حور تكبر. 
- ضحكت: اللي هو إزاي يعني!؟ 
- لما تكبر هتسيبنا وتمشي. 
- دي سنة الحياة
- زفر بضيق: مش هسيبها تبعد أبدًا. 
- ضحكت: نام يا أحمد! نام. 


"بعد تسع سنين كمان" 

- حور رجعت مِن المدرسة: بابا، يا بابا يا جميل. 
- ساب الورق اللي كان ماسكه وفتح دراعه وهي جريت حضنته: قلب الجميل مِن جوه. 
- المس بتقول الباباهات هييجوا يوم الخميس في يوم الأب. 
- والأمهات؟ 
- جريت حضنتني: والأمهات هياخذوا بوسة كبيرة أوي. 
- بكاشة! 
- زي بابا. 
- يالا تعالوا الغداء جاهز. 
- ضحكِت: إيه؟ 
- أكلها! 
- طب بتحبني أنا ولا ماما؟ 
- ضحك: ماما! 
- كشرت: ليه؟ 
- ضحك جامد: عشان مراتي ومامتك يعني اتنين! 
- افتكرنا جملتها وضحكنا وقعدنا ناكل: بابا تلعب بليستيشن؟ 
- مش فاضي يا حور. 
- بس... 
- قولت مش فاضي! 
- اتكلمت بزعل: أوكِ. 
- دخلت أوضتها وهي زعلانة فبصيتله بمعنى روح صالحها فبصلي بمعنى أنا مش غلطان فاتكلمت بخبث: خلاص سيبها زعلانة وبعدبن تحس بفراغ عاطفي وتكلم شباب يخطفوها منك! وهي داخلة على سن مُراهقة. 

وفي لمح البصر كان جري ناحية أوضتها وأنا بضحك عليه. 

- خبط على باب أوضتها: حور. 
- بذاكر يا بابا. 
- دخل الأوضة ولقاها قاعده على المكتب: بتذاكري؟ 
- آه. 
- والكتاب مقلوب؟ 
- أصلها نظرية عكسيه. 
- اقتنعت أنا كده! 
- حضرتك كنت عايزني؟ 
- آه أصل بصراحة يعني كده... 
- بصراحة إيه؟ 
- كنت عايز.. 
- إيه؟ 
- كنت عايز آكلك! 
- إيه! 
- وفجأة هجم عليها وقعد يدغدغها جامد وهي تضحك: خلاص هموت! هموت!  
- طب متموتيش زعلانة طيب. 
- مش زعلانه... هههههه. مش زعلانه خلاص... كفاية! 
- سابها: عفونا عنكم. 
- والله؟ 
- والله. 

***
- النهاردة يوم الأب كل واحد هيتكلم عن باباه... حور أحمد، والدكتور أحمد اتفضلوا... كلمينا عن بابا يا حور. 
- رجعت خصلة شعرها ورا ودانها وابتسمت واتكلمت: بابا ألطف وأجمل شخص موجود في الحياة، أنا وهو بنعمل حاجات كتير سوى، وبياخذني معاه الشركة؛ بابا دكتور صيدلي بيصنع أدوية جامده زيه! 
- ضحكت: بنهَرب أكل أنا وهو للبيت، بنسهر سوى وبنلعب بليستيشن سوى، وعلمني أركب الحصان. 
بابا لما بخاف بيبقى جنبي، ولما بفرح بيبقى جنبي، مفتكرش إنه خلاني مرة أعيط! 
الكل بيخاف مِن باباه وعشان كده بيسمع كلامه، لكن أنا مبخافش مِن بابا؛ أنا بسمع كلامه عشان بحترمه وبحبه مش عشان خايفة منه! إزاي هخاف منه وهو مصدر أماني؟ 
هو مش بس أب، هو صاحب وأخ وكُل حاجه جميلة في الحياة... (أحمد) أربع حروف بتساوي الدنيا عندي... أربع حروف متتكررش! أربع حروف صاحبهم ملهوش زي! 
 
كنت ببتسم بدموع وأنا ببص لحور اللي واقفة جنب أحمد على مسرح المدرسة وماسكة المايك وبتتكلم، وأحمد واقف جنبها بيبصلها بفخر وبابتسامة واسعة وحط إيده على كتفها وضمها ليه واتكلم: أنا مش سندها! هي اللي سندي والله... هي اللي سندي! 

الكل سقف جامد واليوم انتهى وروحنا البيت. 
- حوريتي. 
- التفتتله فباسها: تصبحي على خير يا حورية أبيكِ. 
- تصبح على حوريتك يا بابا. 
- دخلت أوضتها وهو بصلي بابتسامة واسعة وحط إيده على كتفي وأخذني الأوضة: فشتك عايمة كده ليه؟ 
- ضحك: شوفتيها قالت إيه عني!؟ أنا كده أموت مرتاح. 
- بعد الشر عليك، وبعدين دي تربيتك عايزها تقول إيه؟ 
- تربيتنا.. تربيتنا يا عهدي. 
- ضحكت: لا دا إنتَ رايق أوي! 
- ابتسم: أوي أوي! 
- وبعدين بصلي بجدية: بس زيارة النهاردة للمدرسة لفتت انتباهي لِـ حاجه. 
- الحجاب يا عهد! احنا مش حجبناها ليه لحد دلوقتي؟ 
- محبتش أخنقها. 
- لا هننزل نشتريلها هدوم مححبات. 
- ضحكت جامد: بتغيري يا بيضة؟ 
- حط إيده على صدره: هنا يا عهد، هنا بيحرقني لما حد يبصلها بس! 
- ابتسمت: نحجبها خلاص، نحجبها يا أبو حور. 

***

سنة ورا الثانية وحور كبرت واتخرجت مِن كلية صيدلة، كنتم متوقعين تدخل حاجه غيرها؟ دي أحمد الثاني! 

- ميدو يا جميل لقد عُدت! 
- فين البيتزا؟ 
- أوبس! نسيت يا ميدو، إيه رأيك أعملها أنا؟ 
- لا لا؛ هتطلع زي الأكلات اللي فاتت! 
- بزعل مُصطنع: مالها الأكلات اللي فاتت؟ 
- جميلة... جميلة أوي. 
- ضحكت: خلاص نطلب البيتزا مِن بره. 
- حور إيه رأيك تنزلي تجيبي إنتِ البيتزا؟
- حاضر يا ماما. 
- حور نزلت وأنا بصيت لأحمد فقالي بملل: بصي لو هتتكلمي في نفس الموضوع فمتتعبيش نفسك قراري نهائي. 
- ده رابع عريس ترفضه مِن الباب! 
- وليكُن! 
- يابني بنتك القطر هيفوتها. 
- مفيش حاجه اسمها القطر هيفوتها في حاجه اسمها نصيبها مجاش. 
- يوووه إنتَ منشف دماغك ومش هتسمع الكلام! 
- بعند: آه مش هسمع الكلام وبنتي مش محتاجة جواز أصلًا هي قاعدة معايا. 
- يا أحمد أنا... 
- سكت لما لقيت وشه قلب وتعب جامد وقعد يتألم فجأة وأغمى عليه وأنا مِن رعبي اتسمرت في مكاني ومش عارفه أتصرف، حور دخلت الشقة وأول ما بصت لأحمد جريت عليه وقعدت تحاول تفوقه واتصلت بالإسعاف اللي جه أخذه. 

***

- ها يا دكتور طمنا؟ 
- الحقيقة يا مدام زوجك عنده الكبد وحالته متأخره!  
- بعدم استيعاب: يعني إيه؟ 
- يعني مبقاش في العمر كتير... أنا آسف. 
- أحمد! لا لا مش ممكن! 
- جريت على الأوضة اللي كان فيها، لقيت حور ماسكه إيده وبتبوسها وهي بتقرأله قرآن وبالإيد الثانية كانت بتلعب في شعره وهو باصصلها بابتسامة: ها يا ماما الدكتور قال إيه؟ 
- بابا كويس يا حوريتي الضغط علي مش أكتر. 
- عيطت وباست إيده فقالها بمرح وهو بيخفي تعبه: أنا كويس أهه يا بت بلاش شغل مسلسلات! 
- يا بختها. 
- بتعجب: هي إيه؟ 
- رجلك! 
- بكاش! 
- زي بنتي. 

روحنا البيت وبعد ما حور نامت اديت أحمد أدويته وبعدين لقيته بصلي وقالي: الدكتور قال إيه؟ عايز الحقيقة يا عهد. 
- ارتبكت ومرديتش غير بدموعي، فأخذني في حضنه وطبطب عليا: الأعمار بيد الله يا عهد، وبعدين أنا عملت اللي كان نفسي أعمله في الدنيا خلاص عملته، كبرت بنتي وعلمتها وكونت مستقبلها وعملتلكم جبل تسندوا عليه بعدي، بنتي بتحبني وعشت عمري أسعدها وعمري ما زعلتها مني، هعوز إيه مِن الدنيا تاني؟ 
- آه يا عهد! إن غاب أحمد فرب أحمد موجود... أنا بس مش عايز أمشي مِن الدنيا وإنتِ زعلانه مني، سامحيني على أي تقصير في حقك؟ 
- اتنهدت: سامحتك يا سُكر. 
- هتوحشيني يا جميل .. 

ونمنا وتاني يوم صحيت ملقيتش أحمد دخلت أوضة حور لقيته واخذها في حُضنه ونايم مُبتسم، حور صحيت ولما لقت أحمد حاضنها ابتسمت وحضنته أكتر، بس انتفضت فجأة لما لقت جسمه بارد! 

- بدموع: بابا... بابا اصحى، رد عليا طيب، بابا... باباااااااا. 
- وقعدت تعيط وهي حضناه بس لمحت علبة شيكولاته على شكل قلب على مكتبها فعيطت أكتر وحضنته وأنا حضنتهم وقعدت أعيط واتكلمت: أنا عارفه إنك عارفه بس بابا بيحبك يا حور، بيحبك أكثر مِن أي حاجه ولو خيرتيه بينك وبين كل حاجه هيختارك إنتِ.
#اسكريبت
اسكريبت
- يا بني بتعمل إيه وسايبني لوحدي!
اتوترت وشيلت التليفون ورا ضهري بسُرعة بعد ما قفلته:
- مبعملش يا أُمي، كُنت بشوف حاجة بس عشان بحث الجامعة.
بصِت ليّ بشك وبعدين كمِلت اللي بتعملُه:
- ماشي يا زياد براحتك، أنا اصلًا معُدتش مستريحالك.
نفَخت من وراها وهيَ مِش شيفاني وتمتمت:
- يا ستي بقى، ده قرف!
بصِتلي بأستغراب:
- بتقول حاجة؟
رسمت على وشي ابتسامة:
- لا لا يا ماما مش بقول، أنا نازِل.. رايح البلايستيشن.
قبل ما أنزِل بصِتلي:
- يا بني بلاش صُحابك دول! هيودوك في داهية صدقني.
اتكلِمت بلا مُبالاة:
- لما اروح في داهية نبقى نشوف يا ماما، بلاش حوارات بقى عشان مِصدع.
- وهوَ اما تروح لِربنا هتقوله كده يا زياد؟ ربنا يهديك يا بني وينوَر بصيرتك ويبعدك عن صُحاب السوء.

قفلت الباب بعد وصلِة كُل يوم اللي زهقت مِنها الحقيقة، انا في تالتة كُلية، لو متمتعتِش بوقتي دلوقتِ.. هتسلى أمتى؟

"رِن رِن.."
بصيت على التليفون لقيتها روميساء، ضحِكت:
- ألو يا روما، وحشتيني أوي يا حبيبي.
- زياد، أنا عايزاك في موضوع ضروري.
استغربت نبرتها وكمِلت:
- فيه إيه يا بنتي خير!
- عايزة أشوفك يا زياد بعد الفطار!
حركت راسي بِهدوء وأنا برُد عليها في التليفون:
- خلاص يا ستي، حاضر.

- مالك يا معلم، شكلك منكِد!
شاورتله بِأيدي وأنا بلعب:
- يا عم روميساء وزنها، أصلًا زهقت بفكر أفضي حوارها عشان بصراحة مبقاش ليا تُقل عليها!
كان وقتها أدهَم قاعِد بعيد عننا، كان بيبُصلي بنظرة عارفها كويس، كعادتُه الشيخ أدهَم.
- يا عم خُد أشرب وروق دمك.
رفع الإزازة بعد ما مدهالي وضحِك بسُخرية:
- ولا صايم!
ضحِكت وشديت المية:
- من أمتى يا عم! هات هات.
أدهَم قام وقِف وبصلنا بهدوء:
- صدقوني أنتوا مِش هترتاحوا غير لما واحد يتاخِد من وسطنا وسط كل القرف ده، لما عرفت الصح وبعدت عن الغلط قُلت اساعدكُم يمكِن تتغيروا.. بس اللي فيه شيء مش بيغيرُه، أنا ماشي عشان ما صدقت خرجت مِن مُستنقع القـ.ذارة اللي كُنت فيه، على رأي أُمي.. الصاحب ساحب، وأنا اخاف تسحبوني للغلط من تاني، محدش يرن عليا تاني، مُمكن!
خرج وقفل باب السايبر، بصينا لبعض وبعدين إنفجرنا في الضحك:
- طب واللهِ الواد ده هيطلع تبع داعـ..ش ومش قايل، أنا اصلًا كُنت حاسس.
كمِلت وأنا بضحك بسُخرية، ولكِن جوايا جُزء اتهز:
- يا عم براحته، أحنا مبنشِدش في بنطلونه يعني!
قُمت وقفت وشديت مفاتيحي:
- أنا ماشي طيب عشان أُمي عيزاني في مشوار، واحتمال افكس وانام عشان الحق اقابل روميساء.
رَد ثائر بضحك:
- يارب رُبع مشاكلك ياض يا زياد.
ضحِكت وأنا خارج، اشتريت إزازة بيبسي وشربت مِنها، نظرات الناس كانت غريبة.. بس بصراحة مش قادر استوعِب فيه إيه؟ ما كُل واحد حُر، يصوم.. ميصومش، هوَ حُر.

- داخل أنام يا ماما، لما تعملي الفطار صحيني.
حركت راسها بِماشي وهيَ بتقرأ قُرآن، دخلت الاوضة بِلا مُبالاة، غيرت هدومي وفتحت التليفون على موقِع بفتحه دايمًا، موقِع مينفعش أفتحه.. ولكِني بفتحه، لِأن زي ما قُلت، لو مستمتعتش بوقتي دلوقتي! هستمتع أمتى!

نمت وأنا بتفرج، ولكِن سامع صوت ماما داخلة الاوضة وبتصحيني:
- زياد، يلا اصحى عشان الفطار.. يا زياد!
حطِت إيدها على قلبي، سِكتت شوية وبعدين صرَخت:
- زياد! زياد أنتَ كويس؟ ابني!
رديت عليها بِهدوء:
- فيه إيه يا ماما أنا أهو!
- زياد! ألحقنيي، زياد مبيصحاش يا محمد، زياد ابني مبيصحاش!
ضحِكت وأنا بقف قُدامها، بس ثانية.. لو أنا بقف، مين اللي نايم ده!
- ماما، ماما انا صاحي، ماما أنا عايش وكويس! يا ماما بُصيلي.
قعدت المس وشها، بس مش بتبُصلي، بدأت اصرُخ بصوت عالي:
- يا ماما! متسيبونيش! هدخُل النار يا أُمي، أرجوكِ متسيبنيش! يا أمي عايز اتوب، أنا كان في إيدي التوبة ومتوبتش يا أُمي.
قعدت تصرُخ، تليفوني رَن وعشان يردوا أخويا فتحُه، بَص لِلموبايل بصدمة وبعدين بَص لِبابا:
- زياد مـ.ات، مـ.ات وهوَ بيتفرج على حاجات مِش كويسة.

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ.}

عيطت وأنا بروح تجاه اخويا وبزقُه:
- امسح، امسح كُل ده، صحيني.. صحيني أرجوك عايز أتوب، أنا عايز أتوب.. متسيبونيش لوحدي، أرجوكم عايز أتوب.
بابا عيط، صوت عياط ماما زاد وهيَ بتردد:
- ياما قولتله، ياما قولتله يا زياد ارجع لِربنا، ليه كده يا بني! ليه تعمل في نفسك كده يا حبيبي، خسِرت دُنيتك وأخرتك يا زياد! خسِرتهُم!

عيطت زيادة ولكِن كان فيه صوت ضحك مِن مكان بعيد، بصيت تِجاه الصوت وروحت تِجاهه:
- أنتَ! أنتَ السبب، أنتَ اللي عملت كده.
ضحِك بشر وبَصلي:
- لا، كان قُدامك ده، وكان قُدامك ده، أنا هيأتلك الطريق.. وأنتَ اللي مشيت فيه أنا ماجبرتش حد على حاجة! أنتَ اللي اخترت بنفسك.
عيطت وأنا بلطُم على وشي:
- مش هقابل ربنا وأنا كده، رجعوني! أرجوكم.. انا في حلم وهفوق صح؟ أنا أكيد في حلم وهفوق.

كُنت بصوت، لِحد وأنا نازِل القبر، لما اتأكدت إن خلاص.. أنا مش في الدُنيا، كان اسوِد وضلمة، فيه حيَّة كبيرة جوا، كُنت خايف وبرتجِف وأنا بردد:
- يارب! يارب عايز أتوب، سامحني يارب.
- فات الآوان.
بصيت تِجاه الصوت، كُنت خايف:
- مَنْ ربك!
سِكتت، معرفتش أرُد.. أنا عارف، بس مش عارف أرُد!
بَصِلي تاني وصوته بيعلى:
- وما دينك؟
سكوتي طال، وعياطي زاد! أنا مش عارف أجاوب ليه؟ أنا كُنت ضامن، أنا كُنت ضامن عُمري ازاي؟
- ومَنْ نبيك.
معرفتش أجاوب، معرفتش أجاوب ليه! أنـ.. أنا عايز أجاوب!
بدأوا يضربوني، أنا كُنت بتألم ألم شديد! أنا مش عارف، مش قادر، مش فاهم، أنا مشيت! خلاص الدُنيا ضاقت، صُحابي مش موجودين، أنا بس اللي هنا، وأنا بس اللي بتحاسب! محدش هيُسأل عني طيب؟

دخل شخص عليا، كان شديد السواد، أنا كُنت مستني شيء يشفعلي، بس إيه هيشفعلي وأنا مكُنتش بصلي، ولا بصوم، ولا بتصدَّق! إيه هيشفعلي وأنا خلاص في دار الأخرة! خلاص، الفُرصة ضاعت! خلاص الحياة إنتهت! أنا خلاص مبقاش فيه فُرصة أتوب فيها!

وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى

{يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي* فَيَوْمَئِذٍ لّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ* وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ.}
#اسكريبت
2024/12/04 00:32:48
Back to Top
HTML Embed Code: