••
كثيرًا ما يمرّ القارئ على نصٍّ أدبي، أو مشهد تحليلي نفسي دقيق، فيُباغَت بانكشافه! كأن الكلمة التقطته من عمق وجدانه، وكأن الحرف قد طُبِع من مداد جراحه، كأن الكاتب –الذي لا يعرفه– قد سمع المناجاة السرية التي همس بها في قلبه ليلة الانكسار، أو شهد صمته الطويل عند مفترق خذلان.
ولفرط الدهشة، يتوهّم القارئ أن هذا النص قد كُتِب عنه وحده، حُبِكَ من نسيجه العائلي، وتخلّق من بيئته، وسُكِب على أحداثه، حتى ليكاد يُقسم أن الكاتب يسكن البيت المقابل، أو ينام على رفِّ الذاكرة ذاتها!
لكن هذا الإحساس الآسر، مهما اشتدّ وقعه، ومهما أضاء جوانب خفية من النفس، يظل في جوهره أثرًا من أثر بشريّ محدود، يَعرف ويَجهل، يُصيب ويُخطئ، يُلامس ولا ينفذ.
وهناك حقيقة كبرى تتجلّى لمن أُوتي بصيرة التلقّي: أنَّ النص الوحيد الذي يقرأك حقًا، قبل أن تقرأه، ويكشف ما فيك دون أن تبوح، هو القرآن.
كل نصٍّ آخر، مهما رقّت بلاغته، ومهما تسلّل إلى المسام، يظلّ في النهاية ناتجًا عن تجربة بشرية محدودة، تقرأ ظاهر الحال أو تُجيد الظنّ العاطفي، لكنه لا ينفذ إلى العمق الذي لا يُرى.
القرآن لا يصف الشعور فحسب، بل يقيمك، يعيد تركيب خرائطك، يربّت على هلعك، ويصفع وهمك، ويأخذ بيدك من دهشة الانهيار إلى سكينة الاستسلام.
••
كثيرًا ما يمرّ القارئ على نصٍّ أدبي، أو مشهد تحليلي نفسي دقيق، فيُباغَت بانكشافه! كأن الكلمة التقطته من عمق وجدانه، وكأن الحرف قد طُبِع من مداد جراحه، كأن الكاتب –الذي لا يعرفه– قد سمع المناجاة السرية التي همس بها في قلبه ليلة الانكسار، أو شهد صمته الطويل عند مفترق خذلان.
ولفرط الدهشة، يتوهّم القارئ أن هذا النص قد كُتِب عنه وحده، حُبِكَ من نسيجه العائلي، وتخلّق من بيئته، وسُكِب على أحداثه، حتى ليكاد يُقسم أن الكاتب يسكن البيت المقابل، أو ينام على رفِّ الذاكرة ذاتها!
لكن هذا الإحساس الآسر، مهما اشتدّ وقعه، ومهما أضاء جوانب خفية من النفس، يظل في جوهره أثرًا من أثر بشريّ محدود، يَعرف ويَجهل، يُصيب ويُخطئ، يُلامس ولا ينفذ.
وهناك حقيقة كبرى تتجلّى لمن أُوتي بصيرة التلقّي: أنَّ النص الوحيد الذي يقرأك حقًا، قبل أن تقرأه، ويكشف ما فيك دون أن تبوح، هو القرآن.
كل نصٍّ آخر، مهما رقّت بلاغته، ومهما تسلّل إلى المسام، يظلّ في النهاية ناتجًا عن تجربة بشرية محدودة، تقرأ ظاهر الحال أو تُجيد الظنّ العاطفي، لكنه لا ينفذ إلى العمق الذي لا يُرى.
القرآن لا يصف الشعور فحسب، بل يقيمك، يعيد تركيب خرائطك، يربّت على هلعك، ويصفع وهمك، ويأخذ بيدك من دهشة الانهيار إلى سكينة الاستسلام.
••
❤116👍9🕊7👌6😍1
••
•| شبهة بلا عنوان |•
الفتنة لا تطرق الباب بصوتٍ مريب، ولا تأتيك بوجهها الحقيقي، بل تمشي إليك متزيّنة، محمولة على أكتاف “الخيار الشخصي”، أو مبررة بـ”التنوع الثقافي”، أو ملفوفة بورق حرية الفكر، حتى تستقر في قلبك دون أن تنتبه لعلاماتها الأولى.
الشبهة لا تدخل العقل بعقلانيتها، بل تتسلل إليه بتكرارٍ ناعم، وتداخلٍ لغوي يُربك المعجم القيمي، فيتحوّل الحرام إلى المختلف فيه، والمنكر إلى اجتهاد، والذنب إلى حرية شخصية، وهكذا تُعاد هندسة الفطرة، لا بالجهر، بل بالتحايل على الألفاظ، حتى يفقد القلب مناعته، ويستبدل الإنكار بالتبرير، ويصير الصمت فضيلة، والإعجاب “تفهّمًا”.
وقد نبّه رسول الله ﷺ إلى طبيعة الفتنة التي لا يُدركها الحسّ، فقال عن أخطرها: “مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب” [صحيح مسلم]، فكان الشاهد النبوي دقيقًا: لا يقرأها إلا مؤمن، لا ببصره، بل ببصيرته، فليست المشكلة في وضوح الفتنة، بل في ظلمة القلب الذي لا يراها.
ومن هنا كانت أخطر الفتن ليست تلك التي تُرعبك من بعيد، بل التي تضحك لك من قريب، وتبدو مألوفة، مغلّفةً بالرحمة والتفهم والانفتاح، لكنها في حقيقتها انزلاقٌ ناعمٌ نحو التيه.
••
•| شبهة بلا عنوان |•
الفتنة لا تطرق الباب بصوتٍ مريب، ولا تأتيك بوجهها الحقيقي، بل تمشي إليك متزيّنة، محمولة على أكتاف “الخيار الشخصي”، أو مبررة بـ”التنوع الثقافي”، أو ملفوفة بورق حرية الفكر، حتى تستقر في قلبك دون أن تنتبه لعلاماتها الأولى.
الشبهة لا تدخل العقل بعقلانيتها، بل تتسلل إليه بتكرارٍ ناعم، وتداخلٍ لغوي يُربك المعجم القيمي، فيتحوّل الحرام إلى المختلف فيه، والمنكر إلى اجتهاد، والذنب إلى حرية شخصية، وهكذا تُعاد هندسة الفطرة، لا بالجهر، بل بالتحايل على الألفاظ، حتى يفقد القلب مناعته، ويستبدل الإنكار بالتبرير، ويصير الصمت فضيلة، والإعجاب “تفهّمًا”.
وقد نبّه رسول الله ﷺ إلى طبيعة الفتنة التي لا يُدركها الحسّ، فقال عن أخطرها: “مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب” [صحيح مسلم]، فكان الشاهد النبوي دقيقًا: لا يقرأها إلا مؤمن، لا ببصره، بل ببصيرته، فليست المشكلة في وضوح الفتنة، بل في ظلمة القلب الذي لا يراها.
ومن هنا كانت أخطر الفتن ليست تلك التي تُرعبك من بعيد، بل التي تضحك لك من قريب، وتبدو مألوفة، مغلّفةً بالرحمة والتفهم والانفتاح، لكنها في حقيقتها انزلاقٌ ناعمٌ نحو التيه.
••
❤41👍33😢17👏12🔥4💔3😭2
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
مكتبة الصاحب الغالي | مشاري البلادي.
اللهم اجعلها نورًا بين يديه، وضياءً في صدره، وسُلمًا إلى رضاك، وبارك له في علمه وعمره.
اللهم اجعلها نورًا بين يديه، وضياءً في صدره، وسُلمًا إلى رضاك، وبارك له في علمه وعمره.
❤94😍19👍10🤩9🤔2
••
هل الدعاء يُغير شيئًا؟
ثمة من يتحدّث عن الدعاء وكأنه طقوسٌ نفسية تُهدّئ البال ولا تغيّر الأقدار، يقولها قائلهم بنبرة الفتور: “كل شيء قد كُتب، فلم الدعاء؟”، وكأنّ الأقدار جُمّدت، والأبواب أوصِدت، والرجاء أُقصي من دائرة التأثير.
فلو لم يكن الدعاء يُبدّل مسارًا، ويستنزل رزقًا، ويردّ بلاءً، ويشفي داءً، لما قال ربّنا: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، ولما نُسجت على مدار التاريخ خيوط النجاة من أفواه المكلومين، زكريا -عليه السلام- ما استبطأ الإنجاب، بل دعا، ويونس -عليه السلام- لم يرضَ بالبقاء في الظلمات، بل ناجى، إن الدعاء ليس هامشًا في كتاب القدر، بل هو من سطوره، بل هو أحد أقلامه، ووسيلة من وسائله، وصدق الحبيب حينما قال "ولا يردُّ القدرَ إلَّا الدُّعاءُ" والحديث عند ابن ماجه وحسنه الألباني.
أرأيتَ إلى قَدَر الله حين نُزّل على أم موسى أن تُلقي رضيعها في اليمّ؟ لقد سبقَتْه دعوةٌ في القلب، ونيةٌ في الغيب، ثم لحقتها هدايةٌ وَحْيية: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾، فلو نظرت أم موسى بعين الأسباب فقط، لظنّت أنّ الماء قَدَر لا يُرد، وأن الولد في عُباب النهر مفقود لا محالة، لكنّ الدعاء يُقيم جسورًا فوق المستحيل وليس فوق الماء كما نظن.
الدعاء ليس رجاء الضعفاء فحسب، بل سلاح العقلاء، ومركب الحكماء، وملاذ أولياء الله حين تضيق السبل وتنقطع الحيل، هو عبودية خالصة، لا تخضع للقياسات البشرية، بل تنتمي إلى عالم الغيب، حيث لا يُردّ السائل، ولا يُخيَّب الراجون.
فلا تُطفئ رجاءك لأنّ أحدهم أغلق الباب بتأويلٍ فقير، وكن على يقين أن كل كلمة تخرج من فمك في السَّحر، لا تضيع، بل تُخبَّأ لك، وتُروى بها صحراءك ساعة العطش، وإنّ ربك لسميع الدعاء.
••
هل الدعاء يُغير شيئًا؟
ثمة من يتحدّث عن الدعاء وكأنه طقوسٌ نفسية تُهدّئ البال ولا تغيّر الأقدار، يقولها قائلهم بنبرة الفتور: “كل شيء قد كُتب، فلم الدعاء؟”، وكأنّ الأقدار جُمّدت، والأبواب أوصِدت، والرجاء أُقصي من دائرة التأثير.
فلو لم يكن الدعاء يُبدّل مسارًا، ويستنزل رزقًا، ويردّ بلاءً، ويشفي داءً، لما قال ربّنا: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، ولما نُسجت على مدار التاريخ خيوط النجاة من أفواه المكلومين، زكريا -عليه السلام- ما استبطأ الإنجاب، بل دعا، ويونس -عليه السلام- لم يرضَ بالبقاء في الظلمات، بل ناجى، إن الدعاء ليس هامشًا في كتاب القدر، بل هو من سطوره، بل هو أحد أقلامه، ووسيلة من وسائله، وصدق الحبيب حينما قال "ولا يردُّ القدرَ إلَّا الدُّعاءُ" والحديث عند ابن ماجه وحسنه الألباني.
أرأيتَ إلى قَدَر الله حين نُزّل على أم موسى أن تُلقي رضيعها في اليمّ؟ لقد سبقَتْه دعوةٌ في القلب، ونيةٌ في الغيب، ثم لحقتها هدايةٌ وَحْيية: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾، فلو نظرت أم موسى بعين الأسباب فقط، لظنّت أنّ الماء قَدَر لا يُرد، وأن الولد في عُباب النهر مفقود لا محالة، لكنّ الدعاء يُقيم جسورًا فوق المستحيل وليس فوق الماء كما نظن.
الدعاء ليس رجاء الضعفاء فحسب، بل سلاح العقلاء، ومركب الحكماء، وملاذ أولياء الله حين تضيق السبل وتنقطع الحيل، هو عبودية خالصة، لا تخضع للقياسات البشرية، بل تنتمي إلى عالم الغيب، حيث لا يُردّ السائل، ولا يُخيَّب الراجون.
فلا تُطفئ رجاءك لأنّ أحدهم أغلق الباب بتأويلٍ فقير، وكن على يقين أن كل كلمة تخرج من فمك في السَّحر، لا تضيع، بل تُخبَّأ لك، وتُروى بها صحراءك ساعة العطش، وإنّ ربك لسميع الدعاء.
••
❤131🕊14👍13😭6😢4😍4🔥2👏1👌1
••
يعتري قلبي أحيانًا شعورٌ غريب، كأنّ روحي واقفةٌ عند خطّ النهاية، لأنني أمرّ بتاريخ وفاتي كل عام دون أن أشعر، كأنني أحدّق في الحياة من خلف زجاجٍ معتم، أتأمل احتمال المغادرة الكاملة، أو التوقف الجزئي في زاوية نسيان أو على سرير مرض. يتسلل إلى داخلي سؤالٌ مرتجف: هل تركتُ خلفي ما يُحمد؟ هل مسّت كلمتي قلبًا؟ هل زرعتُ معنًى لم يمت؟
في تلك اللحظة، لا يُطمئنني إلا رجاءٌ رقيق أن يشملني قول الله: ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾، فالخوف ليس من الرحيل ذاته، بل من أن أرحل ولا يُذكر بخير.
وإن كان الرحيل قدرًا لا مفرّ منه، فعزائي أنني سكنت في أرواح لا تعرف الجحود، أولئك الذين إذا مرّوا بحرف يشبههم، ارتفعت أيديهم بالدعاء، وذات يوم، سيُقال اسمي بصيغة الغياب، وسينطقها أحدهم خافتًا: رحمه الله.
••
يعتري قلبي أحيانًا شعورٌ غريب، كأنّ روحي واقفةٌ عند خطّ النهاية، لأنني أمرّ بتاريخ وفاتي كل عام دون أن أشعر، كأنني أحدّق في الحياة من خلف زجاجٍ معتم، أتأمل احتمال المغادرة الكاملة، أو التوقف الجزئي في زاوية نسيان أو على سرير مرض. يتسلل إلى داخلي سؤالٌ مرتجف: هل تركتُ خلفي ما يُحمد؟ هل مسّت كلمتي قلبًا؟ هل زرعتُ معنًى لم يمت؟
في تلك اللحظة، لا يُطمئنني إلا رجاءٌ رقيق أن يشملني قول الله: ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾، فالخوف ليس من الرحيل ذاته، بل من أن أرحل ولا يُذكر بخير.
وإن كان الرحيل قدرًا لا مفرّ منه، فعزائي أنني سكنت في أرواح لا تعرف الجحود، أولئك الذين إذا مرّوا بحرف يشبههم، ارتفعت أيديهم بالدعاء، وذات يوم، سيُقال اسمي بصيغة الغياب، وسينطقها أحدهم خافتًا: رحمه الله.
••
❤115😢39💔21😭11🕊5👌3👏2
••
يسألني عن صورته، فأجيب عن خُلقه، لستُ مثاليًا، لكن جمال الهيئة يسرُّ العين، ودماثة الأخلاق تأسر الروح.
••
يسألني عن صورته، فأجيب عن خُلقه، لستُ مثاليًا، لكن جمال الهيئة يسرُّ العين، ودماثة الأخلاق تأسر الروح.
••
❤112👌11🕊7😍6👏5💔2
••
#نشرة_تواق_البريدية
العدد التاسع
غواية المفاهيم - ١
بين ضلال النجاح و ظِلال الفلاح
_____________
ضع بريدك هنا
••
#نشرة_تواق_البريدية
العدد التاسع
غواية المفاهيم - ١
بين ضلال النجاح و ظِلال الفلاح
_____________
ضع بريدك هنا
••
❤26😍6👌1
قناة | توّاق
•• #نشرة_تواق_البريدية العدد التاسع غواية المفاهيم - ١ بين ضلال النجاح و ظِلال الفلاح _____________ ضع بريدك هنا ••
هذه المقالة، تجيب عن حِزمة من الأسئلة التي بلغني صداها في الآونة الأخيرة، وها أنذا أضع بين أيديكم جزءَها الأول، بقلمٍ سافر في التأمل.
ربما تجد شيئاً منك بين السطور!
ربما تجد شيئاً منك بين السطور!
❤29🕊6👏5🔥1