Telegram Web
قال الشيخ علي الطنطاوي في كتابه فكر ومباحث 48 : "ويا ليت كل عالم ينقش هذه الأبيات في صدر مجلسه وعلى صفحة قلبه، ويجعلها دستوره في حياته، وإمامه في خلائقه"
(آثار العلامة الأمين الشنقيطي 19 مجلدا ط الرابعة)، ستكون في المكتبات في الرياض من يوم غدٍ إن شاء الله تعالى، وفي باقي المدن بعدها بأيام.
ضمن سلسلة آثار الإمام ابن القيم : في المطبعة الآن (أعلام الموقعين في 6 مجلدات) و(تهذيب السنن في 3 مجلدات ) لعلها تدرك معرض الكتاب بالرياض .. https://www.tgoop.com/a_alemran
العلامة المحقق عبدالرحمن العثيمين
ومجالسه «السبتية»

تعود معرفتي بأستاذنا الدكتور أبي سليمان عبدالرحمن بن سليمان العثيمين رحمه الله إلى نحو عشرين سنة مضت، وبالتحديد إلى عام 1417. فقد كان أول لقاء لي به في إحدى ليالي مجلسه العامر من يوم كل سبت بعد العشاء في بيته في حيّ العوالي بمكة المكرمة...

كان مجلسًا عامًّا عامرًا يحضره من شاء، يجتمع إليه ثلة من طلاب العلم على اختلاف تخصصاتهم، يتجاذبون مع أستاذهم ومضيفهم أطرافَ الحديث في العلم والأدب والمخطوطات والكتب والأعلام وما إليها، ثم يتناولون طعام العشاء، فالشاي، فالانصراف راشدين نحو منتصف الليل.

لا أدري متى بدأ الشيخ عقد مجلسه الأثير هذا، لكني عَرَفت به من الشيخ د.حاتم العوني، فذهبنا معًا لأول مجلس في أواخر عام 1417، وصادف أن كنا أول من حضر إلى المجلس، وبقينا مع الدكتور لدقائق من الوقت منفردين، فتبادلنا أطراف الحديث، وكانت فرصة للتعرّف على الشيخ عن قرب، ودار بيننا ما يدور بين المهتمين بالعلم.

وصادف في ذاك المجلس أن ذكرتُ لأبي سليمان مخطوطة «مشيخة يحيى بن فضل الله العمري»، وقد كنتُ صورتها من أحد أصدقائي من سنتين تقريبًا عام 1415، ولم تكن هذه المخطوطة النفيسة عند أبي سليمان (فقد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر)، أبدى الشيخ اهتمامًا بالغًا بها، وتوثّق مني عنها، فوصفتها له وصفًا دقيقًا (فيما أحسب).

انتهى الحوار الثلاثي بقدوم باقي الزوار، فلما انقضى المجلس انصرف الناس، وابتدرنا الباب للانصراف، إذا بالشيخ يستبقني أنا وحاتم العوني حتى انصرف الجميع، ثم دعانا لغداء يوم غدٍ، واستحثني أن أحْضِر النسخةَ من المشيخه السالفة الذكر معي! وأذكر أني قلت له كلامًا مضمونه ألا تستسمن ذا ورم، وسآتيك بالنسخة بلا ثمن ولا غداء! (مع أني كنتُ حريصًا على اللقاء لكنه تمنّع الراغبين!) لكن مع إصرار الشيخ انصعنا له (راغبين). وهذا الحرص والاستعجال في الحصول على النسخة يدل على شدّة شغفه بما لم يقف عليه من الكتب والمخطوطات.

جئناه من الغد على الوعد، وبصحبتي المشيخة، وكان حديثًا ماتعًا إلى حين وقت الغداء، وانصرفنا عصرًا، وقد توثقت الصلة، وصار حضور «السبتيات» في جدول أعمالي الأسبوعي، وزاده ذانك اللقاءان رغبة وأريحية..!

كان هذا اللقاء هو فاتحة معرفتي بأستاذنا أبي سليمان..

لم يكن في مكة المكرمة - فيما أعلم - في تلك المدة مجلسًا يوازي مجلس الشيخ أريحيةَ نفْسٍ وكثرةَ فوائد، على قلة المجالس المماثلة حينئذٍ.

لم أنقطع عن مجلسه ذاك لنحو خمس سنين تزيد أو تنقص، غالبًا بصحة د. حاتم العوني، وأحيانًا د. سعود العريفي أومنفردًا، ولم يقطعني عنها إلا عذر قاهر أو سَفَر طارئ للشيخ أو توقف المجالس أيام الإجازات إذ يقضيها الشيخ غالبًا في القصيم، وانقطعتُ عنها نحو عام 1422، لكن صلتي بالشيخ لم تنقطع، وقد زرته في القصيم آخر مرة عام 1434 وكان عائدا من رحلة علاج من ألمانيا، فما تغيّر ولا اختلف عمّا عهدناه محبة للعلم وشغفًا به وبأخباره، مع ما يمرّ به من ظروف صحيّة صعبة!

لست الآن بصدد كتابة ترجمة لأبي سليمان (وحقّه أن يُكتَب عنه)، لكني أصِفُ تلك المجالس »السبتية« التي أثرت في ثقافتي وتكويني العلمي، وانتفعت بها كثيرًا.

وقد رأيتُ عنه عدة كتابات كُتبت بعد وفاته رحمه الله لم يتطرق أحدٌ منهم للكتابة بتفصيل عن تلك المجالس ووصفها، ربما لأن مَن كتبوا - أو جلهم - لم يحضروا شيئًا منها، وكانت معرفتهم بالشيخ متأخرة بعد تقاعده من الجامعة وانتقاله للقصيم.

وأيضًا مَن حضروا تلك المجالس لم يكتبوا عنها، فرأيت حينئذٍ من الوفاء أن أكتب ما تسعف به الذاكرة من حال تلك المجالس، إيقافا للطالب على خبرها وحفظا للتاريخ، ووقوفًا على أطلال أيام جميلة عشناها مع مشايخنا ومفيدينا.

وشهودُ تلك المجالس بحمد الله حاضرون اليوم، فليزيدوا أو يستدركوا أو يكتبوا خيرًا مما كتبتُ، فالغرض هو استدعاء الكتابة والحثّ عليها.

ومن المؤسف حقًّا أنني لم أدوّن شيئًا يُذكَر من حال تلك المجالس في حينها فالاعتماد فقط على الذاكرة، وما أشدّ مكرها، ولست بصحاب ذاكرة حديدية (كما يقال).. وكان حقي أن أدوّن، ولكن التفريط استبدّ بي، وهل ينفع شيئًا ليت؟! ومهما يكن من أمر، فإني رأيتُ من نفسي نشاطًا لذكر بعض ما تسعف به الذاكرة لئلا يأتي على بقيتها آفة النسيان!

كان يرتاد تلك المجالس «السبتية» ثلة من فوََقة طلبة العلم، بعضهم من طلاب الشيخ، وأكثرهم من محبّي العلم على اختلاف تخصصاتهم وبلدانهم، أذكر منهم الآن: (د.حاتم العوني، د.حسن عثمان، د.محمد عبدالرحيم سلطان العلماء، د.سعود العريفي، د.لطف الله خوجه، د.محمد السعيدي، د.فهد الزهراني، د. عبدالله البقمي، و د. صالح الحويس، و د.السواط، د.عبدالرحمن العمري، وكاتب هذه الأسطر) وكان غالب المذكورين في ذلك الحين من طلبة الماجستير أو الدكتوراه.
هؤلاء الذين أذكرهم الآن، وليعذرني من لم أذكره، وليس المقصود الحصر والتتبع، وهناك جماعات من الطلاب تحضر المجلس بعد المجلس، وربما غلب عددُ الطلاب الجدد قدماءَ أصحاب الشيخ عددًا في بعض المجالس، وغالب الحضور كان من مكة، وقد يأتي بعضهم من جدة أو الطائف وقليل من غيرها.

قد يزور المجلس في بعض الأحيان بعض الأعيان من العلماء أو المثقفين، أو الباحثين، أذكر منهم: د.سليمان العايد، د.سعود الشريم، الشيخ محمد بوخبزة التطواني، د. محمد العوضي.. وغيرهم

كان المجلس محفلًا ثقافيًا يفيض فيه شيخنا على جلسائه بواسع اطلاعه ومعرفته وخبرته في شتى المعارف العلمية والأخبار الثقافية وحديث الكتب مخطوطها ومطبوعها في فنونه التي اختصّ بها - بما يُبهر الحضور.

وأستطيع أن أجزم أن الدكتور أعلم الناس (الذين لقيتهم) بالسِّيَر والتراجم خاصة الحنابلة منهم، ومن أعرفهم بالكتب خاصة كتب النحو واللغة والتواريخ والتراجم والسير والطبقات والمعاجم مخطوطها ومطبوعها. وما كان خبيرًا بها فقط بل كان قارئًا من الطراز الأول، وكم مرة سمعتُه يقول: إنه طالع الكتاب الفلاني كاملًا وهو مخطوط لم يطبع حتى اليوم!

وأذكر في هذا الصدد كلمةَ شيخنا العلامة بكر أبو زيد في تقدمته «للسحب الوابلة» لابن حميد: (1 /9) بتحقيق أبي سليمان قال: (حينئذ تولى فضيلة الشيخ عبدالرحمن تحقيق الكتاب وتخريج تراجمه، وتدارك الفوت على مؤلفه بحواشي ممتعة حسان مشبعة بالعلم والتحقيق جامعة لعزيز الفوائد والتدقيق في التراجم، ولم شتات البيوتات الحنبلية مما لا يَقوى عليه إلا هو ولا أقول مثله، لأنه في زماننا متفرد بخدمة تراجم علماء المذهب عن تحقيق وتدقيق وبصيرة نافذة في تحرير التعاليق) وصدق رحمهما الله.

يستقبل الشيخ زوّاره بترحاب لطيف ولسان عذب وابتسامة غير متكلفة، يسأل من تأخر عن حضور المجلس ويرحب به.

ينتقل الشيخ من موضوع إلى آخر ومن قصة إلى رحلة ومن معلومة إلى طرفة، يتخلّص في كل ذلك ببراعة ودون تكلّف، ينوّع الحديث من العلم إلى الطرفة ومن الجد إلى الإحماض، إما لمناسبة الموضوع الذي هو بسبيله أو بسبب سؤال سائل أو مداخلة آخر.

يبهرك الشيخ بكثرة محفوظه من القصص والأخبار، ومن الشعر العربي (أو النبطي ولم يكن يكثر منه) ويسرده سردًا لطيفًا محبّبًا.

كان أبو سليمان يمسك بزمام المجلس بأحاديثه العذبة وعلومه الغزيرة ولهجته القصيمية (المحببة)، يحدّثك بلغة الواثق بما عنده بحيث يبهر من يسمعه، يخلط كلامه بشيء من الأسئلة العلمية لزوّاره قد تبدو في بعض الأحيان أقرب إلى التقريع والتبكيت خاصة إذا لم يحسن المسؤول الجواب أو لم يجب!!

طريقة الشيخ في مجلسه تقريرا ونقاشًا جميلة محببة - لمن عرفه - وإن قسا - أحيانًا - على جليسه في العبارة أو السؤال أو النكتة..

يصرّ الشيخ على رأيه ويدافع عنه، وربما ضعّف رأيَ المخالف ما لم يكن معه حجة دامغة ودليل حاضر ولسان بليغ، ومَن يجاري أبا سليمان في قوة الحجة واستحضار الأدلة؟! خاصة فيما هو بسيله من الفنون والعلوم.. لكنه رجّاع إن تبيّن له وجه الصواب، وإن لم يصرّح بذلك في المجلس نفسه بل يعطي المسألة وقتها من النظر والتأمل.

وأذكر مرّة أنه جرى في المجلس نقاش في أبيات أبي حيان الأندلسي (ت745) في مدح ابن تيمية، وقصته معه في تخطئة سيبويه، فأنكر الشيخ القصة، وأنكر الأبيات، وقال: إنه بحث عنها في ديوان أبي حيان (المخطوط) فلم يجدها، مع أن هذه الأبيات (فيما قيل) من أحسن ما قال أبو حيان، قال: فلو كانت له لوجدناها في ديوانه! فكيف يخلو الديوان من شيء قيل إنه من أحسن شعره؟!

فقلت له: قد ذكر القصة تلاميذ ابن تيمية وتلاميذ أبي حيان، وهم مؤرخون ثقات يعتمد عليهم في أكبر من ذلك.

ثم سألتُه هل الديوان قد حوى كل قصائد أبي حيان؟ فقال: لا، فقلت: فلتكن هذه الأبيات منها. فما اقتنع الشيخ، وانقضى المجلس.

فلما كان في المجلس الآتي أتيته بنقلٍ يقطع جهيزة الشك والتردد، وهو أن ابن ناصر الدين في »الرد الوافر« ذكر هذه الأبيات، ونقل عن بعض تلاميذ أبي حيان (أظنه ابن المحب) أنه لقيه في الحرم وسأله عن هذه الأبيات؟ فقال أبو حيان: قد كشطتها من ديواني.

فسلّم الشيخ حينئذٍ، وما زاد على التعجب!

سمعتُ من بعضهم قبل أن أعرف الشيخ وبعد ما عرفتُه أنه ممسِكُ اليدِ بما لديه من مخطوطات ونفائس... وصحِبتُ الشيخ على هذا الظن (وبعض الظن إثم) لكني رأيتُ الواقع يكذِّب التقوُّل، فما أذكر أني طلبتُه كتابًا أو أوراقًا من مخطوط إلا بادر بتصويرها بأسرع وقت، بل أكثر من ذلك، فإنه لما علم أني أشتغل بتحقيق كتاب (تقييد المهمل)[1] لأبي عليّ الجياني (ت498) تكرّم عليّ بنسخة نفيسة منه، وكانت هي الأصل التي اعتمدنا عليه بحمد الله، وقد نوّهنا بذلك في مقدمة التحقيق.. وأشياء كثيرة أخذتها منه إما طلبًا أو مبادرة منه.
ولم يكن هذا خاصًّا بي فقد رأيته يتعامل بالكرم نفسه مع غير واحد من روّاد مجلسه.. والذي يظهر أن أبا سليمان يقدّر مَن يعطي ومَن يمنع، فمن رآه جادًا مشتغلًا بالعلم باحثًا في سبيله أكرمه بما لديه.. ومن رآه غير ذلك لم يعره اهتمامًا، تنقية للعلم من الدُّخلاء وصونا للعلم من الأدعياء... وأستغفر الله أن أزكّي نفسي، ولكن إحسانًا للظن بأستاذنا، والله أعلم.

في السنوات الأولى (لعلها الأربع) لم يكن يُقرأ في المجلس شيء، ثم بعد ذلك رأى الشيخ أن يُقرأ في أول المجلس مقطعًا من كتاب (الكامل) للمبرد، ثم يعلق الشيخ بما يُفتح به عليه من شرح غريب أو ترجمة شاعر أو تكملة قصة أو ذكر قصيدة أو نسب أو تاريخ، ثم يعود الحديث إلى مسامرة العلم وتجاذب الحديث فيه كسابق عهده.

لم يكن الشيخ متكلفًا في لباسه ولا حديثه ولا مجلسه ولا ضيافته، كان مجلسًا مريحا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يرحّب الشيخ بمن يقصده كبيرًا كان أو صغيرًا، ولا أذكر الآن أنه جرح أحدًا في مجلسه، أو أنه ميّز أحدًا أورفعه أكثر مما يستحقّ.. إلا بما ذكرته سابقًا عن طريقته التي قد يَظن من لا يعرفه أنها تقريع أو توبيخ، وهي كذلك لَعْمري!!

مِن أمتع ما سمعناه من أبي سليمان في مجالسه تلك:
أولا: أحاديثه عن رحلاته في مصر وتركيا والعراق، وقصصه في تصوير المخطوطات، ودخول المكتبات والصعوبات التي واجهها، وكيف تيسرت له الظروف في غالب الأمر، مع تشدد كثير من المكتبات في التصوير وضعف الخدمات وشروط المكتبات التعجيزية أحيانا لتصوير كتاب أو ورقات من مخطوط.

الأمر الثاني الذي امتعنا به: حكاياته في لقاء الأعلام من المحققين الكبار مثل محمود شاكر، وحمد الجاسر، ومصطفى جواد، وأحمد راتب النفاخ، والطناحي، والحلو وغيرهم. ولم أر الشيخ محتفيًا بأكثر من علَمَين جليلين: حمد الجاسر ومحمود شاكر رحم الله الجميع.

الأمر الثالث: ما كان يذكره من نوادر المخطوطات التي اكتشفها أو علم عنها، وكيف اكتشفها.

الأمر الرابع: آراؤه في المصنفات والأعلام والمحققين، لكني للأسف الشديد لم أقيد كثيرًا من هذه الأخبار وإن علق بالذهن كثير منها، ولعل سبب تراخي القلم عن التقييد: تكرار الشيخ لكثير من المعلومات والقصص، وقرب الشيخ منّا، وتتابع المجالس؛ ففترت الهمة واتّكلتُ على الذاكرة، وما كان أفْسَدَها من خطة قاد إليها التواني والكسل!!

لم يكن الشيخ ممن يتشبّع بما لم يُعط أو يتكلم في غير فنه إلا بما يقتضيه المقام، كان هذا غالب أمره، وكان إذا طُرِحت مسألة فقهية أو حديثية أو عقدية وكان في المجلس متخصص فيه سأله أو أحال عليه في الجواب، أو قال: لا أدري.

بل كان يحيل في بعض كتبه في تخريج الحديث إلى بعض المشتغلين فيه.

مكتبة الشيخ كانت في غُرَف المنزل الداخلية، لم أرها، كان أحيانًا يدخل إليها ليُحضر كتابًا أو مخطوطًا إذا جرى نقاش فيه أو اقتضى قراءة نصّ من الكتاب أو غير ذلك من الأغراض.

لم تكن مكتبة الشيخ شاملة لكل المراجع في الفنون المختلفة، لكنها مستوعبة لكل المراجع التي يختصّ بها الشيخ ويكتب فيها. وأذكر مرة أنه استعار بعض مجلدات كتاب «التمهيد» لابن عبدالبرواستغربت حينها ألا يكون الكتاب عنده! وكان تعجبّي أشدّ حينما علمتُ أن «فتح الباري» للحافظ ابن حجر ليس عنده أيضًا، ولم يكن الشيخ يرى ذلك نقصًا ولا عيبًا، ويقول: إنني لا أحتاجه في أعمالي فلا أقتنيه، ولكن إن احتجته رجعتُ إليه.

رحم الله شيخنا أبا سليمان، وغفر له، وسقى الله جدثه شآبيب الرحمة، وشكر الله له ما استفدناه منه من علم وخُلق، وقد غرس في قلوبنا حبّ العلم وتراث سلفنا وكتب علمائنا، لا لغرض دنيوي ولا لمطمع ماديّ، بل في سبيل العلم والمعرفة.

علي بن محمد العمران
18 /3 /1437 هـ

[1] حققته بالاشتراك مع الأستاذ محمد عزير شمس، وطبع عن دار عالم الفوائد كاملًا في ثلاثة مجلدات سنة 1420هـ.
النظر إلى الأمور المؤلمة بطريقة مختلفة تدبيرٌ حسن يدل على نفسٍ راضية وحسن ظنٍّ بالله ونظرة عميقة إلى باطن الأمور..
_ ليس هناك شر متمحّض، لو نظرنا نظرة فاحصة لا تقف عند ظواهر الأمور ولحظات الألم الوقتية، وفي التوجيه النبوي الكريم شاهد صدق حيث قال: إن أمر المؤمن كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وليس ذلك إلا للمؤمن.
_ هذه المعادلة تعود على النفس بالطمأنينة والراحة والرضا بالقضاء.. وتعصم إن شاء الله تعالى من تأزّمات النفوس والضيق بمناكِد الحياة..
_ كم من أمر تلهّفتَ على حصوله فلم يتفق لك، صرف الله به عنك شرورا عظيمة ما كنت ستعلمها ــ لو علمتها ــ إلا بعد حين.. فاستحال ألمُك حينئذ إلى رضا، وصارت الخيرة الحسنة فيما اختاره الله لك.
_ كم من صاحب جفاك فتألمت لفقده.. فكان خيرا لك، وعلمتَ أنه ليس بالصاحب ولا محبّ، فقد صرف الله عنك شرا كنت تحسبه بلسم الروح فإذا هو علقمها.. !
_ وكم وكم.. فطيبوا نفسا وأمّلوا خيرا، واسألوا الله الخيرة الطيبة، فرحمة الله قريبة منكم وإن لم تلمحها أبصارُكم، والفرج قريب وإن لم يدر بخواطركم !
والله يحفظنا ويحفظكم.
قناة د. علي العمران (منادمة الأسفار ومسامرة الجمال)
https://www.tgoop.com/a_alemran
كم من إنسان كان رزقه مقتّرا ، فلما كثرت عائلته والمتعلقون به= وسّع الله له الرزق من جهات وأسباب شرعية قدرية إلهية.. وكل هذا مجرّب مشاهَد

بهجة قلوب الأبرار 217 للشيخ عبدالرحمن السعدي
📌 فائدة تتعلق بكتاب الدرر الكامنة للحافظ ابن حجر والضوء اللامع للسخاوي:
قال الشوكاني في (البدر الطالع 2/302): «وقد أهمل الحافظ ابن حجر ذكر ملوك الروم في (الدرر الكامنة في أهل المائة الثامنة) فلم يذكر من كان فيها منهم، وكذلك السخاوي أخمل بعضاً وذكر بعضاً ... وهكذا أهملا غالب علماء الروم ولم يذكرا إلا شيئاً يسيراً منهم مع أنهما يترجمان لمن هو أبعد منهم وأحقر قدراً ، فالله أعلم بالسبب المقتضي لذلك».
ويقال مثل ذلك في كتاب الأعلام للزركلي فإنه لم يترجم لأحد من سلاطين الدولة العثمانية، كما ذكر الطناحي وشيخنا بكر أبو زيد، ولعل الدافع كان نفَسًا قوميًّا عروبيًّا، فقد كان الزركلي عضوا في حزب الاستقلال العربي. مع أنه يترجم لمن شاركوا في الثورة ضد الدولة العثمانية ممن الشباب الذين لم يُذكروا بعلم ولا شهرة، وينعتهم بـالشهداء.
وإن قيل: إن سلاطين آل عثمان ليسوا على شرط الزركلي، إذ شرَط لمن يترجم له أن يكون عارفا بالعربية. فيقال: لا يسلّم أنهم جميعا ليسوا على شرطه، ولا يسلم أنهم لا يتكلمون العربية وهم مسلمون خلفاء يقرؤون القرآن ويحرصون على العلم ومشاركة بعضهم (على الأقل) في العربية متيقنة. ثم اشتراط العربية للترجمة في الكتاب لو سلمنا باعتباره شرطا معتبرا= لكان ينبغي استثناء أمثال السلاطين العثمانيين خلفاء المسلمين لقرون متتالية.
ومن الكتب التي ترجمت لعلماء الدولة العثمانية : (العقد المنظوم في ذكر أفاضل الروم) للشيخ علي بالي، وكتاب (الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية) لطاشكبري زاده انتهى منه سنة 965.
قناة د. علي العمران
https://www.tgoop.com/a_alemran
قال شيخ الإسلام ابن تيمية "ومن استقرى أخبارَ العالم في جميع الفرق تبين له أنه لم يكن قطّ طائفة أعظم اتفاقًا على الهدى والرشد، وأبعد عن الفتنه والتفرق والاختلاف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين هم خير الخلق بشهادة الله لهم بذلك، إذا يقول تعالى:"(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) " منهاج السنة: (6/364).
قصة عشق.. ونهاية سعيدة!
في قصة عشقٍ طريفة تذكّرنا ببعض القصص التي قرأناها في تراجم مَن سلَف من علمائنا: حدثني د. فهد بن سعد الجهني قبل أيام (وقد شرّفني بزيارة صباحية) ونحن نتذاكر أخبار علمائنا ومشايخنا، قال:
إن الشيخ القاضي محمد الرفاعي الجهني (صاحب المكتبة الضخمة النادرة بمكة المكرمة الكائنة بمنزله في حي الضيافة) حفظه الله أخبره أن الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله (وكان بينهما معرفة وخصوصية) اتصل به يومًا يسأله عن كتاب (ولم يخبرني محدّثي باسمه) وأنه أعياه البحث عنه فلم يجد له أثرًا، وسُدّت في وجهه سُبُل العثور عليه!
ولم يبعد حدس الشيخ بكر، فقد كان الكتاب من مقتنيات صاحبه، فقال الرفاعي على الفور: الكتاب عندي! فبادر بكرٌ إلى طلبه منه (وهو يعلم أن الرفاعي لا يعير الكتب ويعلم أيضًا كراهته للإعارة) لكنه تجرّأ متوسّلا بما بينهما من معرفة قديمة ورَحِمٍ للعلم موصولة! تلكّأ الرفاعيُّ قليلا لكنه ما لبث أن وافق تحت ضغط قِدَم الصحبة ورَحِم العلم، لكنه اشترط عليه أن يعيده صباح اليوم التالي، وهل أمام بكرٍ إلا أن يبادر بالتزام الشرط دون تردّد؟! مضى بكر بالكتاب إلى بيته يسابق الوقت الذي سينفد سريعًا، وأمضى ليلتَه عاكفًا على هذا الكنز الذي سيغادره آخر الليلة (وما أسرعها من ليلة!)
لكن القاضي الرفاعي ما فَتِئ منذ خرج الكتاب من مكتبته وغادر أترابه من عزيز الأسفار ونادر الدفاتر يضربُ أخماسًا في أسداس خوفًا على كتابه الفريد ألا يعود إلى عشّه الآمن، وبات ليلةَ خوفٍ وترقّبٍ متى يسفِرُ صباحُها (وما أبطأه من ليل!)
وفي هذه الأجواء المشحونة بالقلق برقَ بارقُ أملٍ.. تذكّر الرفاعي أنه يملك نسخة أخرى من الكتاب مصورةً لا أصلا (كتلك التي ذهب بها بكر)، فنهض من فراشه ونزل إلى المكتبة في هجعة الليل، باحثًا عن هذه النسخة، يجوب المكتبة (الضخمة) طولا وعرضًا بحثًا عنها، تصرّمت الساعات دون جدوى، وأين سيعثر على مجلد صغير بين آلاف مؤلفة من الكتب؟!
شارف الشعور باليأس من العثور عليها أن يستولي على تفكيره، وشارف الفجرُ أيضًا على البزوغ وعنده أمل أن يعود إليه كتابُه، وبين الشعورين إذا بالنسخة تظهر في رفّ قصيّ هناك، وكأنها تقول له: ولابدّ دون الشهد مِن إبر النحل!
تفتّق وجه الصبح وقد وجد القاضي نسخته الثانية، وقد صبّحه الشيخ بكر بالنسخة الأولى (وفاء بما وعد)، تلاقيا وقد أخذ الجهدُ منهما كل مأْخَذ، ودفع الشيخ بكر إلى صاحبه كتابَه، وقد ظهرت على وجهه آثار الإجهاد وفي عينيه احمرار شديد، فسأله الرفاعي مستفسرًا؟ فقال بكر: أمضيتُ ليلتي أقرأ وأنسخ ما أحتاج لم تكتحل عيني بنوم! وأنتَ.. مالك يبدو عليك الإجهاد وعيناك لا تختلفان عما سألتني عنه؟! فقال: أمضيتُ ليلتي أنا الآخر أبحث في المكتبة عن نسخة أخرى من الكتاب إشفاقًا ألا تعود نسختي! فقضى كل واحدٍ منهما العجبَ من صاحبه، ولا عجب فحال العاشقين واحد.
تلاوما صنيعهما للحظاتٍ ثم بادر الرفاعي فقال: خذ هذه النسخة الثانية هدية.. وبدت عليهما علامات الرضى بما صنعا.. وأمسك الرفاعي بيد الشيخ بكر إلى المنزل.. وقد ذهب ما بهما من التعب ونال كلٌّ مطمَح نفسِه ولذّةَ روحِه!
هذه قصة مع الكتاب لشيوخنا الأبرار، رحم الله مَن قضى نحبَه وحفظ مَن ينتظر وما بدلوا تبديلا!
قناة د. علي العمران على التلقرام
https://www.tgoop.com/a_alemran
(التحقيق عمل الشيوخ)
قال الدكتور أكرم العمري فيما ذكره عنه الأستاذ محمد المجذوب في كتابه (علماء ومفكرون عرفتهم 3/18):
(إن الطلبة يقبلون على تحقيق النصوص؛ لأنهم يرونها موضوعات جاهزة..، رغم أن التحقيق هو عمل الشيوخ في الحقيقة، فهناك عُرْف بأن الأستاذ الجامعي يبدأ بالتأليف وينتهي إلى التحقيق في نهاية المطاف، وليس العكس؛ لأن التأليف يساعد على بنائه الثقافي ويهيؤه لعمله الأكاديمي محاضرًا وباحثًا، وأما التحقيق فيحتاج إلى خبرة عميقة بأساليب المؤلفين القدامى وبلغة العرب وأساليب العصر الذي كتب فيه النص، فما ينبغي أن يتورّط الطالب الناشئ في أعمال التحقيق) اهـ
ثم رأيت هذا الكلام بنحوه في كتاب د. أكرم العمري : مناهج البحث وتحقيق التراث.

https://www.tgoop.com/a_alemran
2025/07/12 15:56:34
Back to Top
HTML Embed Code: