أجاب محمد بن زكريا الرازي ت٣١٣هـ عن قول بعض الزنادقة بأن أهل الديانة يرفضون ويشتمون ويهدرون دماء مخالفيهم، وقال في جملة كلام حسن:
«لا تخلو كلُّ أمَّة من أخلاط النَّاس، ولا يكملون قاطبةً في العقل والفهم والمعرفة والحلم. وليس يجوز أن تطالَب الأمَّةُ كلُّها أنَّ يكونوا تامِّين في هذه الخصال، مع كثرة عددهم الذي لا يحصيه إلاّ اللَّه عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ العالَم قد امتلأ من أهل الشَّرائع، وهم مجبولون على طبائع مختلفة وأخلاق شتَّى. ففيهم الكامِل والنَّاقص، والعالِم والجاهل، والسَّفيه والحليم، والعاقل والأحمق؛ بل أهل العقل والعِلم والحِلْم والمعرفة هم الأقلُّون عَددًا في كلِّ شريعة… وليس فِعْلُ السُّفهاءِ، الذين يسيئون آدابَهم، بحجّة للملحد على العلماء وذوِي الألباب؛ فإنَّ أهل العلم والمعرِفة لا يدفَعون النَّظر ، ولا يَكِيعُونَ عن الحُجَجِ والبراهينِ».
ثم أشار إلى معنى لطيف في تحليل الطبيعة الجمهورية للأتباع، وأن أهل الأقوال الزائغة قد لا يكون فيهم ما يقع من أتباع الديانة من هجر بالقول واستطالة بالحق والباطل = لقلة عددهم وندرة أتباعهم، يقول: «لو وَجَدَ الملحد على اعتقادِه وأصل مقالتِه أتباعًا يكونُ لهم أدنَى عددٍ، لكانوا لا يَخْلونَ مِنْ هذه الأخلاقِ التي قد جُبِلَ عليها عوامُ النَّاس؛ لأنَّ الجميع، إذا كَثُرَ، لم يَخل مِن هذه الطَّبقاتِ؛ ولكنَّ الملحد لم يجد مَنْ تابَعَه على مقالته وأصل اعتقاده إلاَّ مَنْ ينقُص عددُهم عن عدَدِ أصابعه!».
«لا تخلو كلُّ أمَّة من أخلاط النَّاس، ولا يكملون قاطبةً في العقل والفهم والمعرفة والحلم. وليس يجوز أن تطالَب الأمَّةُ كلُّها أنَّ يكونوا تامِّين في هذه الخصال، مع كثرة عددهم الذي لا يحصيه إلاّ اللَّه عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ العالَم قد امتلأ من أهل الشَّرائع، وهم مجبولون على طبائع مختلفة وأخلاق شتَّى. ففيهم الكامِل والنَّاقص، والعالِم والجاهل، والسَّفيه والحليم، والعاقل والأحمق؛ بل أهل العقل والعِلم والحِلْم والمعرفة هم الأقلُّون عَددًا في كلِّ شريعة… وليس فِعْلُ السُّفهاءِ، الذين يسيئون آدابَهم، بحجّة للملحد على العلماء وذوِي الألباب؛ فإنَّ أهل العلم والمعرِفة لا يدفَعون النَّظر ، ولا يَكِيعُونَ عن الحُجَجِ والبراهينِ».
ثم أشار إلى معنى لطيف في تحليل الطبيعة الجمهورية للأتباع، وأن أهل الأقوال الزائغة قد لا يكون فيهم ما يقع من أتباع الديانة من هجر بالقول واستطالة بالحق والباطل = لقلة عددهم وندرة أتباعهم، يقول: «لو وَجَدَ الملحد على اعتقادِه وأصل مقالتِه أتباعًا يكونُ لهم أدنَى عددٍ، لكانوا لا يَخْلونَ مِنْ هذه الأخلاقِ التي قد جُبِلَ عليها عوامُ النَّاس؛ لأنَّ الجميع، إذا كَثُرَ، لم يَخل مِن هذه الطَّبقاتِ؛ ولكنَّ الملحد لم يجد مَنْ تابَعَه على مقالته وأصل اعتقاده إلاَّ مَنْ ينقُص عددُهم عن عدَدِ أصابعه!».
«يعتقد بعض [المعالجين] أنه يمكن للمرء أن يتعرض لصدمات نفسية شديدة (كالتعرض للاغتصاب في المدة ما بين 5 إلى 15 عامًا)، ثم يقوم عقله اللاواعي بإخفاء هذه التجارب تمامًا، بحيث تُصبح معزولة عن وعيه ولا يدرك حدوثها إلا بعد سنوات، عندما يخضع للعلاج النفسي ويستعيد هذه الذكريات التي يُزعم أنها كانت مكبوتة. لكنني أرى أنه لا يوجد دليل علمي موثوق يثبت أن الذاكرة تعمل بهذه الطريقة، أي أننا نستطيع دفن الأحداث المؤلمة وعزلها بنحو كامل عن وعينا. كما أنه لا يوجد دليل يؤكد أن استرجاع هذه الذكريات المكبوتة يساعد الأشخاص بالفعل، بل إن هذه الممارسات أفضت -في بعض الحالات- إلى اتهام أبرياء وإدانتهم بجرائم لم يرتكبوها».
- إليزابيث لوفتس، الاختصاصية البارزة في سيكولوجية الذاكرة، ومؤلفة كتاب "أسطورة الذاكرة المكبوتة: الذكريات الزائفة وادعاءات الاعتداء الجنسي The Myth of Repressed Memory: False Memories and Allegations of Sexual Abuse".
- إليزابيث لوفتس، الاختصاصية البارزة في سيكولوجية الذاكرة، ومؤلفة كتاب "أسطورة الذاكرة المكبوتة: الذكريات الزائفة وادعاءات الاعتداء الجنسي The Myth of Repressed Memory: False Memories and Allegations of Sexual Abuse".
مع الشلال اليومي للأفكار والاقتباسات الذي تجده في هذه الشبكات، ستقف ولا بد على بعض ما يناقض ما تعرف، ويدحض ما تعتقد -في غير أصول الديانة وقواطع الشرع-؛ فناشدتك الله لا تبادر إلى ردّها وإنكارها، أو إعادة تفسيرها بما لا يتعارض مع قناعاتك، فهذا صنيع ضعاف العقول والبُلداء، بل توثّق من مصدرها وقائلها، ثم قلّب وجوه النظر فيها لعله يفتح لك بسببها بابًا من العلم. ومن العبارات الشريفة قول ابن سينا في هذا المعنى:
«ليس الخُرْق [= الحُمق] في تكذيبك ما لم تستبن جليته دون الخُرْق في تصديقك بما لم تقم بين يديك بيّنتُه، بل عليك الاعتصام بحبل التوقّف، وإن أزعجك استنكار ما يوعاه سمعك، ما لم تتبرهن استحالته لك، والصواب أن تسرّح أمثال ذلك إلى بقعة الإمكان ما لم يذُدْك عنها قائم البرهان».
فإن غمضت عليك مقالته فالشيخ ابن تيمية يقول: «الواجب على الإنسان فيما لم يقم فيه دليلُ أحدِ الطرفين أن يُسَرِّحَه إلى بقعة الإمكان الذهني، إلى أن يحصل فيه مرجِّحٌ أو مُوجِب».
وهذا مقتضى العقل، والطريق الأقرب للعلم، ولا يصدك عنه شيء مثل توهمك أن معارفك كافية في محاكمة ما تجد من معارف الآخرين، ولك -أعزك الله- في حيز الإمكان وبقعة الاحتمال مندوحة !
«ليس الخُرْق [= الحُمق] في تكذيبك ما لم تستبن جليته دون الخُرْق في تصديقك بما لم تقم بين يديك بيّنتُه، بل عليك الاعتصام بحبل التوقّف، وإن أزعجك استنكار ما يوعاه سمعك، ما لم تتبرهن استحالته لك، والصواب أن تسرّح أمثال ذلك إلى بقعة الإمكان ما لم يذُدْك عنها قائم البرهان».
فإن غمضت عليك مقالته فالشيخ ابن تيمية يقول: «الواجب على الإنسان فيما لم يقم فيه دليلُ أحدِ الطرفين أن يُسَرِّحَه إلى بقعة الإمكان الذهني، إلى أن يحصل فيه مرجِّحٌ أو مُوجِب».
وهذا مقتضى العقل، والطريق الأقرب للعلم، ولا يصدك عنه شيء مثل توهمك أن معارفك كافية في محاكمة ما تجد من معارف الآخرين، ولك -أعزك الله- في حيز الإمكان وبقعة الاحتمال مندوحة !
«في الدراسات الطولية القليلة التي تتبعت الأطفال وتجاربهم السلبية في الطفولة (ACEs) منذ سنواتهم المبكرة حتى مرحلة البلوغ لم يُعثر على ارتباط [سببي] بين تجارب الطفولة السلبية والاعتلال النفسي في مرحلة البلوغ. والارتباط الوحيد الذي لوحظ بين الاعتلال النفسي في مرحلة البلوغ و[كيفية] “تذكّر” تجارب الطفولة السلبية.
قد يبدو هذا الاستنتاج مناقضًا تمامًا للبديهيات المتجذرة لدى المعالجين الغارقين في نظريات الصدمة، ولكن لم تُثبت الدراسات أن تجارب الطفولة السلبية تسبب اعتلالًا نفسيًا لاحقًا؛ بل يبدو أن المعاناة في مرحلة البلوغ تدفعنا إلى إعادة تفسير طفولتنا على أنها كانت سيئة.
أنا مقتنع بوجود استثناءات نادرة لهذه القاعدة، حيث قد تترك بعض التجارب الطفولية المروعة أثرًا دائمًا، لكن حتى هذه القناعة تتزعزع عندما ألاحظ أن الأحداث التي يُفترض أنها تسبب صدمة لامرئ ما، قد لا تؤثر إطلاقًا على الآخرين!».
المعالج النفسي نيكلاس سيرنينج
قد يبدو هذا الاستنتاج مناقضًا تمامًا للبديهيات المتجذرة لدى المعالجين الغارقين في نظريات الصدمة، ولكن لم تُثبت الدراسات أن تجارب الطفولة السلبية تسبب اعتلالًا نفسيًا لاحقًا؛ بل يبدو أن المعاناة في مرحلة البلوغ تدفعنا إلى إعادة تفسير طفولتنا على أنها كانت سيئة.
أنا مقتنع بوجود استثناءات نادرة لهذه القاعدة، حيث قد تترك بعض التجارب الطفولية المروعة أثرًا دائمًا، لكن حتى هذه القناعة تتزعزع عندما ألاحظ أن الأحداث التي يُفترض أنها تسبب صدمة لامرئ ما، قد لا تؤثر إطلاقًا على الآخرين!».
المعالج النفسي نيكلاس سيرنينج
مهما أسرفت على نفسك بالخطيئات فلعلك لا تغفل عن:
- مداومة الاستغفار، لاسيما في مظان الإجابة كساعة الجمعة، وبين الأذانين، ونحوها مما تعرف. وليكن بسيد الاستغفار «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك…».
- الصلاة في وقتها، فهي «العتبة الأخيرة التي يقف الإنسان عليها قبل أن يهوي!».
- إنعاش القلب من حين لآخر بسماع موعظة، والإنصات لقراءة متدبرة، لتذكير النفس بحقائق الموت والقبر والخلود الأبدي.
- موالاة التنبّه إلى النعم والآلاء التي يغدقها الله تعالى عليك في دقيق أمرك وجليله، ليمتلئ فؤادك خجلًا وامتنانًا.
- أن لا تبيت في فراشك وفي قلبك غل ولا حسد ولا نية سوء لأحد من المسلمين، وهذه منزلة رفيعة كابد لتبلغها بتوفيق الله.
- مداومة الاستغفار، لاسيما في مظان الإجابة كساعة الجمعة، وبين الأذانين، ونحوها مما تعرف. وليكن بسيد الاستغفار «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك…».
- الصلاة في وقتها، فهي «العتبة الأخيرة التي يقف الإنسان عليها قبل أن يهوي!».
- إنعاش القلب من حين لآخر بسماع موعظة، والإنصات لقراءة متدبرة، لتذكير النفس بحقائق الموت والقبر والخلود الأبدي.
- موالاة التنبّه إلى النعم والآلاء التي يغدقها الله تعالى عليك في دقيق أمرك وجليله، ليمتلئ فؤادك خجلًا وامتنانًا.
- أن لا تبيت في فراشك وفي قلبك غل ولا حسد ولا نية سوء لأحد من المسلمين، وهذه منزلة رفيعة كابد لتبلغها بتوفيق الله.
«قال بعض المحققين: من كان نَظَرُهُ في وقت النعمة إلى الْمُنْعِمِ لا إلى النعمة كان نَظَرُهُ في وقت البلاء إلى الْمُبْتَلِي لا إلى البلاء؛ وحينئذ يكون غَرِقًا في كل الأحوال في معرفة الحق سبحانه، وكل من كان كذلك كان أبدًا في أعلى مراتب السعادات.
أما من كان نظره في وقت النعمة إلى النعمة لا إلى الْمُنْعِمِ كان نظره في وقت البلاء إلى البلاء لا إلى الْمُبْتَلِي؛ فكان غَرِقًا في كل الأوقات في الاشتغال بغير الله، فكان أبدًا في الشقاوة، لأن في وقت وجدان النعمة يكون خَائِفًا من زوالها فكان في العذاب، وفي وقت فوات النعمة كان مُبْتَلًى بالخزي والنكال؛ فكان في محض السلاسل والأغلال، ولهذا التحقيق قال لأمة موسى: "اذكروا نعمتي"، وقال لأمة محمد عليه السلام: "فاذكروني أذكركم"».
فخر الدين الرازي (ت٦٠٦هـ)
أما من كان نظره في وقت النعمة إلى النعمة لا إلى الْمُنْعِمِ كان نظره في وقت البلاء إلى البلاء لا إلى الْمُبْتَلِي؛ فكان غَرِقًا في كل الأوقات في الاشتغال بغير الله، فكان أبدًا في الشقاوة، لأن في وقت وجدان النعمة يكون خَائِفًا من زوالها فكان في العذاب، وفي وقت فوات النعمة كان مُبْتَلًى بالخزي والنكال؛ فكان في محض السلاسل والأغلال، ولهذا التحقيق قال لأمة موسى: "اذكروا نعمتي"، وقال لأمة محمد عليه السلام: "فاذكروني أذكركم"».
فخر الدين الرازي (ت٦٠٦هـ)
في عام ٩٣١هـ تقريبًا/ ١٥٢٥م علّق الكاتب الهولندي المعروف إيراسموس تعقيبًا على ظهور طباعة الكتب: «أهناك مكان على الأرض يخلو من هذه الأسراب اللامتناهية من الكتب الجديدة؟ حتى لو كانت هذه الكتب -إذا نظر في كل كتاب منها على حدة- تقدم شيئًا يستحق المعرفة، فإن كثرتها وحدها ستشكل عائقًا جديًّا أمام التعلُّم؛ إن لم يكن بسبب التخمة، فبسبب أن عقول الناس تَتوق إلى الجديد، مما يصرفها عن قراءة المؤلفين القدامى»… وفي إطار تمجيده لـ"ألدوس" (ناشر مشهور) كمثال للناشر المثالي، لاحظ إيراسموس أن معظم الطابعين، لغياب التنظيم، «يُغرقون العالم بكُتيبات وكتب... تافهة، وجاهلة، وخبيثة، ومجنونة، ومُنافية للدين ومُخرّبة؛ وهذا الطوفان شديد حتى أنه يغمر المفيد ويطمس قيمته».
Forwarded from قناة مشاري بن سعد الشثري
https://youtube.com/playlist?list=PLwWrtiKXuV_qL6DWjUViFjEHCJQBe5fC_&si=XvzXnZlNrOohlV3h
هذه سلسلةٌ في تفسير سورة القصص
للشيخ أ.د. مساعد الطيار حفظه الله وأمتع به
تقع في خمسة دروس (مجموعها ٥ ساعات تقريبًا)
عرض فيها الشيخ سلمه الله قصةَ موسى عليه الصلاة والسلام عرضًا نافعًا ماتعًا جامعًا بين التحريرات التفسيرية واللطائف التدبّرية، وحلّاها بتنبيهاتٍ وإشاراتٍ منهجية على ما هي عادته رضي الله عنه في مصنفاته ومحاضراته.
وقد أحببتُ أن أشارك إخواني فوائدَها ببعثها بين أيديهم، ليغتنموا سماعها في هذا الشهر المبارك، فيستفيدوا ما يتصل بقصة موسى عليه الصلاة والسلام في سورة القصص خاصةً، وما يتعلق بجملةٍ من قضايا المنهج في التفسير عامّة
هذه سلسلةٌ في تفسير سورة القصص
للشيخ أ.د. مساعد الطيار حفظه الله وأمتع به
تقع في خمسة دروس (مجموعها ٥ ساعات تقريبًا)
عرض فيها الشيخ سلمه الله قصةَ موسى عليه الصلاة والسلام عرضًا نافعًا ماتعًا جامعًا بين التحريرات التفسيرية واللطائف التدبّرية، وحلّاها بتنبيهاتٍ وإشاراتٍ منهجية على ما هي عادته رضي الله عنه في مصنفاته ومحاضراته.
وقد أحببتُ أن أشارك إخواني فوائدَها ببعثها بين أيديهم، ليغتنموا سماعها في هذا الشهر المبارك، فيستفيدوا ما يتصل بقصة موسى عليه الصلاة والسلام في سورة القصص خاصةً، وما يتعلق بجملةٍ من قضايا المنهج في التفسير عامّة
عبدالله الوهيبي
https://mershad.org/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%81%D9%8A%D8%A9-1/
مركز بحوث ودراسات الشباب "مرشاد"
الحمية المعرفية (2) | مركز بحوث ودراسات الشباب "مرشاد"
الإسراف في استهلاك المعلومات الفائضة يملأ النفس بالوهم ويُنشأ فيها لونًا من الجهل المركّب.