الفائدة الثلاثون : في الاسم المنقوص تبين علامة النصب فقط ، ونقدّر علامة الرفع والجر مثل ( جاء القاضي ) و ( مررتُ بالقاضي ) و ( رأيتُ القاضيَ ) .
#بلاغة
#علم_البيان
#الدرس_الأول
#التشبيه
#دروس_لغة_الضاد_والأضداد
التشبيه:
هو: إلْحاقُ أمرٍ بأمرٍ في مَعْنًى مَشْترَكٍ بأداةٍ ظاهرةٍ أو مُقَدَّرَةٍ لغَرَضٍ.
فالأمرُ المُلْحَقُ يُسمَّى: المشبَّهَ، والأمرُ المُلْحَقُ به يُسمَّى: المُشبَّهَ به، والمَعْنى المُشْترَكُ يُسمَّى: وجْهَ الشَّبهِ، وأداةُ التَّشْبيهِ: الكافُ، وكأنَّ، ومِثلُ، ونَحْوُ ذلك.
وقال ابنُ رَشيقٍ: (التَّشْبيهُ: صِفةُ الشَّيءِ بما قارَبَه وشاكَلَه مِن جِهةٍ واحِدةٍ أو جِهاتٍ كَثيرةٍ لا مِن جَميعِ جِهاتِه؛ لأنَّه لو ناسَبَه مُناسَبةً كُلِّيَّةً لكان إيَّاه، ألَا تَرى أنَّ قولَهم: "خدٌّ كالوَرْدِ" إنَّما أرادوا حُمْرةَ أوْراقِ الوَرْدِ وطَراوتَها، لا ما سِوى ذلك مِن صُفْرةِ وسَطِه وخُضْرةِ كَمائِمِه) .
وقال أبو هِلالٍ العَسْكريُّ: (التَّشْبيهُ: الوصْفُ بأنَّ أحدَ المَوْصوفِينَ يَنوبُ مَنابَ الآخَرِ بأداةِ التَّشْبيهِ، ناب مَنابَه أو لم يَنُبْ، وقد جاء في الشِّعرِ وسائِرِ الكَلامِ بغيرِ أداةِ التَّشْبيهِ. وذلك قولُك: زيدٌ شديدٌ كالأسَدِ؛ فهذا القَولُ الصَّوابُ في العُرْفِ، وداخِلٌ في مَحْمودِ المُبالَغةِ، وإنْ لم يكنْ زيدٌ في شدَّتِه كالأسَدِ على الحَقيقةِ) .
وللتَّشْبيهِ تَعْريفاتٌ أخرى كَثيرةٌ لا تَخرُجُ في جَوهرِها ومَضْمونِها عمَّا أوْردناه منْها آنِفًا،
ومِن مَجْموعِ هذه التَّعْريفاتِ نَسْتطيعُ أنْ نَخرُجَ للتَّشْبيهِ بالتَّعْريفِ التَّالي:
(التَّشْبيهُ: بَيانُ أنَّ شيئًا أو أشْياءَ شارَكت غيرَها في صِفةٍ أو أكْثرَ، بأداةٍ هي الكافُ أو نحْوُها مَلْفوظةً أو مُقدَّرةً، تُقرِّبُ بَيْنَ المُشبَّهِ والمُشبَّهِ به في وجْهِ الشَّبهِ)
#علم_البيان
#الدرس_الأول
#التشبيه
#دروس_لغة_الضاد_والأضداد
التشبيه:
هو: إلْحاقُ أمرٍ بأمرٍ في مَعْنًى مَشْترَكٍ بأداةٍ ظاهرةٍ أو مُقَدَّرَةٍ لغَرَضٍ.
فالأمرُ المُلْحَقُ يُسمَّى: المشبَّهَ، والأمرُ المُلْحَقُ به يُسمَّى: المُشبَّهَ به، والمَعْنى المُشْترَكُ يُسمَّى: وجْهَ الشَّبهِ، وأداةُ التَّشْبيهِ: الكافُ، وكأنَّ، ومِثلُ، ونَحْوُ ذلك.
وقال ابنُ رَشيقٍ: (التَّشْبيهُ: صِفةُ الشَّيءِ بما قارَبَه وشاكَلَه مِن جِهةٍ واحِدةٍ أو جِهاتٍ كَثيرةٍ لا مِن جَميعِ جِهاتِه؛ لأنَّه لو ناسَبَه مُناسَبةً كُلِّيَّةً لكان إيَّاه، ألَا تَرى أنَّ قولَهم: "خدٌّ كالوَرْدِ" إنَّما أرادوا حُمْرةَ أوْراقِ الوَرْدِ وطَراوتَها، لا ما سِوى ذلك مِن صُفْرةِ وسَطِه وخُضْرةِ كَمائِمِه) .
وقال أبو هِلالٍ العَسْكريُّ: (التَّشْبيهُ: الوصْفُ بأنَّ أحدَ المَوْصوفِينَ يَنوبُ مَنابَ الآخَرِ بأداةِ التَّشْبيهِ، ناب مَنابَه أو لم يَنُبْ، وقد جاء في الشِّعرِ وسائِرِ الكَلامِ بغيرِ أداةِ التَّشْبيهِ. وذلك قولُك: زيدٌ شديدٌ كالأسَدِ؛ فهذا القَولُ الصَّوابُ في العُرْفِ، وداخِلٌ في مَحْمودِ المُبالَغةِ، وإنْ لم يكنْ زيدٌ في شدَّتِه كالأسَدِ على الحَقيقةِ) .
وللتَّشْبيهِ تَعْريفاتٌ أخرى كَثيرةٌ لا تَخرُجُ في جَوهرِها ومَضْمونِها عمَّا أوْردناه منْها آنِفًا،
ومِن مَجْموعِ هذه التَّعْريفاتِ نَسْتطيعُ أنْ نَخرُجَ للتَّشْبيهِ بالتَّعْريفِ التَّالي:
(التَّشْبيهُ: بَيانُ أنَّ شيئًا أو أشْياءَ شارَكت غيرَها في صِفةٍ أو أكْثرَ، بأداةٍ هي الكافُ أو نحْوُها مَلْفوظةً أو مُقدَّرةً، تُقرِّبُ بَيْنَ المُشبَّهِ والمُشبَّهِ به في وجْهِ الشَّبهِ)
أغراض التشبيه:
تَرجِعُ القِيمةُ الأدبيَّةُ والبَلاغيَّةُ للتَّشْبيهِ إلى عدَّةِ أمورٍ:
1- بَيانُ إمْكانِ المُشبَّهِ، وذلك إذا كان أمرًا غَريبًا لا يُمكِنُ فَهْمُه وتَصوُّرُه إلَّا بالمِثالِ، كقولِ البحتري الوافر
دنَوتَ تواضُعًا وعلَوْتَ مجْدًا
فشَأناكَ انْحدارٌ وارْتفاعُ
كذاك الشَّمسُ تبعُدُ أنْ تُسامَى
ويَدْنو الضَّوءُ منْها والشُّعاعُ
فحين أثْبَت للمَمْدوحِ صِفتَينِ مُتناقِضتَينِ، هما القرْبُ والبعْدُ، وكان ذلك غيرَ مُمكِنٍ في مَجْرى العُرْفِ والعادَةِ، ضرَب لذلك المَثلَ بالشَّمسِ؛ ليُبيِّنَ إمْكانَ ما قال.
2- بَيانُ حالِ المَوْصوفِ، كقولِ النَّابِغَةِ الذُّبْيانيِّ: الطويل
بأنَّك شمسٌ والمُلوكُ كواكِبٌ
إذا طلَعَتْ لم يَبْدُ مِنهنَّ كوكَبُ
يُريدُ النَّابغةُ أنْ يُبيِّنَ حالَ المَمْدوحِ (النُّعمانِ بنِ المُنْذرِ صاحِبِ الحِيرةِ)، وهُي عِظَمُه وصَغارُ المُلوكِ الآخَرينَ حِيالَه.
3- بَيانُ مِقْدارِ المَوْصوفِ قوَّةً وضَعْفًا، كقولِ الأعْشى: البسيط
كأنَّ مِشيتَها مِن بيتِ جارَتِها
مَرُّ السَّحابَةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ
فالشَّاعِرُ هنا أرادَ بَيانَ هَيئةِ مِشيةِ مَحْبوبتِه، ووصْفَ رقَّتِها واعْتدالِها في المِشيةِ، فشبَّهَها بمُرورِ السَّحابِ؛ حيثُ يَسيرُ في تُؤَدَةٍ وطُمأنِينةٍ من غيرِ إبْطاءٍ ولا كسَلٍ، فهِي -كما يَصفُها الشَّاعِرُ-: لا ريْثٌ ولا عجَلُ.
4- تَقْريرُ الأمرِ وتَوْكيدُه، كقولِ الشَّاعِرِ: الكامل
إنَّ القُلوبَ إذا تَنافَر وُدُّها
مِثلُ الزُّجاجةِ كسْرُها لا يُجبَرُ
يُريدُ أنْ يُؤكِّدَ اسْتِحالةَ الْتِئامِ القُلوبِ بعد تَنافُرِها، فشبَّه ذلك باسْتِحالةِ جبْرِ كسْرِ الزُّجاجِ والْتِئامِ فُتاتِه.
5- تَحْسينُ المُشبَّهِ، كقَولِ ابنِ المُعْتزِّ: الكامل
أهْلًا بفِطرٍ قدْ أنارَ هِلالُه
فالآنَ فاغدُ على الشَّرابِ وبَكِّرِ
انْظُرْ إليه كزَوْرَقٍ مِن فِضَّةٍ
قد أثْقلَتْه حُمولَةٌ مِن عَنْبرِ
فأجادَ ابنُ المُعْتزِّ في تَحْسينِ صُورةِ هِلالِ العِيدِ، حين صوَّره بزَوْرَقٍ مِن فِضَّةٍ مُحَمَّلٍ بالعَنْبرِ، وفي هذا ما يُرَغِّبُ في المُشبَّهِ.
6- تَشْويهُ المُشبَّهِ، كقولِ الشَّاعِرِ: الخفيف
كلَفٌ في شُحوبِ وجْهِك يَحْكي
نُكَتًا فوقَ وجْنةٍ بَرْصاءَ
ففي هذا التَّشْبيهِ ذمٌّ وتَرْغيبٌ عنِ المُشبَّهِ.
7- إيْهامُ أنَّ المُشبَّهَ أقْوى مِنَ المُشبَّهِ به، وذلك في التَّشْبيهِ المَعْكوسِ أوِ المَقْلوبِ؛ حيثُ يَتبادَلُ فيه المُشبَّهُ والمُشبَّهُ به الأدْوارَ، فيكونُ المُشبَّهُ مُشبَّهًا به والعكْسُ، كقولِ الشَّاعِرِ: الكامل
وبدا الصَّباحُ كأنَّ غُرَّتَه
وجْهُ الخَليفةِ حين يُمْتدَحُ
فالشَّاعِرُ هنا يُشبِّهُ الصَّباحَ وضَوءَه بوجْهِ الخَليفةِ، ومِن شأنِ المُشبَّهِ به أنْ يكونَ أقْوى وأتَم مِنَ المُشبَّهِ، كأنَّه يقولُ: إنَّ وجْهَ الخَليفةِ أشَدُّ وأكْثرُ ضَوءًا ونُورًا وبَياضًا مِنَ الصُّبحِ.
ومنه قولُه تعالى حِكايةً عن مُسْتَحِلِّي الربا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الربا كان الأصْلُ أنْ يقولوا: إنما الربا مِثلُ البَيْعِ، أيْ: في حِلِّه، فعَكَسوا ذلك وكأنَّ الأصْلَ في التحليل هو الربا والبيْعُ طارِئٌ عليه أو نوعٌ منه.
ومنه قولُ البحتري البسيط
في طَلعةِ البدْرِ شيءٌ مِن مَحاسِنِها
وللقَضيبِ نَصيبٌ مِن تَثَنِّيها
فشبَّه طَلعَةَ البدْرِ ببعضِ مَحاسِنِ مَحْبوبتِه، وجعَل لعُودِ السِّواكِ نَصيبًا مِنِ اعْتدالِ جِسمِها ورشاقَةِ قَوامِها، والحالُ أنْ تُشبَّهَ المَحْبوبةُ بالبدْرِ، وحُسْنُ قدِّها بالعُودِ لا العَكْسُ
تَرجِعُ القِيمةُ الأدبيَّةُ والبَلاغيَّةُ للتَّشْبيهِ إلى عدَّةِ أمورٍ:
1- بَيانُ إمْكانِ المُشبَّهِ، وذلك إذا كان أمرًا غَريبًا لا يُمكِنُ فَهْمُه وتَصوُّرُه إلَّا بالمِثالِ، كقولِ البحتري الوافر
دنَوتَ تواضُعًا وعلَوْتَ مجْدًا
فشَأناكَ انْحدارٌ وارْتفاعُ
كذاك الشَّمسُ تبعُدُ أنْ تُسامَى
ويَدْنو الضَّوءُ منْها والشُّعاعُ
فحين أثْبَت للمَمْدوحِ صِفتَينِ مُتناقِضتَينِ، هما القرْبُ والبعْدُ، وكان ذلك غيرَ مُمكِنٍ في مَجْرى العُرْفِ والعادَةِ، ضرَب لذلك المَثلَ بالشَّمسِ؛ ليُبيِّنَ إمْكانَ ما قال.
2- بَيانُ حالِ المَوْصوفِ، كقولِ النَّابِغَةِ الذُّبْيانيِّ: الطويل
بأنَّك شمسٌ والمُلوكُ كواكِبٌ
إذا طلَعَتْ لم يَبْدُ مِنهنَّ كوكَبُ
يُريدُ النَّابغةُ أنْ يُبيِّنَ حالَ المَمْدوحِ (النُّعمانِ بنِ المُنْذرِ صاحِبِ الحِيرةِ)، وهُي عِظَمُه وصَغارُ المُلوكِ الآخَرينَ حِيالَه.
3- بَيانُ مِقْدارِ المَوْصوفِ قوَّةً وضَعْفًا، كقولِ الأعْشى: البسيط
كأنَّ مِشيتَها مِن بيتِ جارَتِها
مَرُّ السَّحابَةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ
فالشَّاعِرُ هنا أرادَ بَيانَ هَيئةِ مِشيةِ مَحْبوبتِه، ووصْفَ رقَّتِها واعْتدالِها في المِشيةِ، فشبَّهَها بمُرورِ السَّحابِ؛ حيثُ يَسيرُ في تُؤَدَةٍ وطُمأنِينةٍ من غيرِ إبْطاءٍ ولا كسَلٍ، فهِي -كما يَصفُها الشَّاعِرُ-: لا ريْثٌ ولا عجَلُ.
4- تَقْريرُ الأمرِ وتَوْكيدُه، كقولِ الشَّاعِرِ: الكامل
إنَّ القُلوبَ إذا تَنافَر وُدُّها
مِثلُ الزُّجاجةِ كسْرُها لا يُجبَرُ
يُريدُ أنْ يُؤكِّدَ اسْتِحالةَ الْتِئامِ القُلوبِ بعد تَنافُرِها، فشبَّه ذلك باسْتِحالةِ جبْرِ كسْرِ الزُّجاجِ والْتِئامِ فُتاتِه.
5- تَحْسينُ المُشبَّهِ، كقَولِ ابنِ المُعْتزِّ: الكامل
أهْلًا بفِطرٍ قدْ أنارَ هِلالُه
فالآنَ فاغدُ على الشَّرابِ وبَكِّرِ
انْظُرْ إليه كزَوْرَقٍ مِن فِضَّةٍ
قد أثْقلَتْه حُمولَةٌ مِن عَنْبرِ
فأجادَ ابنُ المُعْتزِّ في تَحْسينِ صُورةِ هِلالِ العِيدِ، حين صوَّره بزَوْرَقٍ مِن فِضَّةٍ مُحَمَّلٍ بالعَنْبرِ، وفي هذا ما يُرَغِّبُ في المُشبَّهِ.
6- تَشْويهُ المُشبَّهِ، كقولِ الشَّاعِرِ: الخفيف
كلَفٌ في شُحوبِ وجْهِك يَحْكي
نُكَتًا فوقَ وجْنةٍ بَرْصاءَ
ففي هذا التَّشْبيهِ ذمٌّ وتَرْغيبٌ عنِ المُشبَّهِ.
7- إيْهامُ أنَّ المُشبَّهَ أقْوى مِنَ المُشبَّهِ به، وذلك في التَّشْبيهِ المَعْكوسِ أوِ المَقْلوبِ؛ حيثُ يَتبادَلُ فيه المُشبَّهُ والمُشبَّهُ به الأدْوارَ، فيكونُ المُشبَّهُ مُشبَّهًا به والعكْسُ، كقولِ الشَّاعِرِ: الكامل
وبدا الصَّباحُ كأنَّ غُرَّتَه
وجْهُ الخَليفةِ حين يُمْتدَحُ
فالشَّاعِرُ هنا يُشبِّهُ الصَّباحَ وضَوءَه بوجْهِ الخَليفةِ، ومِن شأنِ المُشبَّهِ به أنْ يكونَ أقْوى وأتَم مِنَ المُشبَّهِ، كأنَّه يقولُ: إنَّ وجْهَ الخَليفةِ أشَدُّ وأكْثرُ ضَوءًا ونُورًا وبَياضًا مِنَ الصُّبحِ.
ومنه قولُه تعالى حِكايةً عن مُسْتَحِلِّي الربا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الربا كان الأصْلُ أنْ يقولوا: إنما الربا مِثلُ البَيْعِ، أيْ: في حِلِّه، فعَكَسوا ذلك وكأنَّ الأصْلَ في التحليل هو الربا والبيْعُ طارِئٌ عليه أو نوعٌ منه.
ومنه قولُ البحتري البسيط
في طَلعةِ البدْرِ شيءٌ مِن مَحاسِنِها
وللقَضيبِ نَصيبٌ مِن تَثَنِّيها
فشبَّه طَلعَةَ البدْرِ ببعضِ مَحاسِنِ مَحْبوبتِه، وجعَل لعُودِ السِّواكِ نَصيبًا مِنِ اعْتدالِ جِسمِها ورشاقَةِ قَوامِها، والحالُ أنْ تُشبَّهَ المَحْبوبةُ بالبدْرِ، وحُسْنُ قدِّها بالعُودِ لا العَكْسُ
طرفا التشبيه:
وهُما المُشَبَّهُ والمشبَّهُ به، وهُما رُكْنا التَّشْبيهِ اللَّذانِ لا يَجوزُ التَّخلِّي عنهما، فلا بُدَّ مِن وُجودِهما معًا لفْظًا، مِثلُ: هنْدٌ كالقمَرِ، أو تَقْديرًا، مِثلُ قولِ صالِحٍ الشَّرْنوبيِّ: الخفيف
هائِمُ الرُّوحِ بالهَوى والأمَاني
خالِدُ الذَّاتِ وهُو كالنَّاسِ فانِ
مَلِكٌ حينَما يَشاءُ له الفنُّ
عَزيزُ المَقامِ والصَّوْلجانِ
أو حَقيرٌ عُريانُ مزَّقه الجو
عُ وأضْنَتْه لوعةُ الحِرْمانِ
ففي تلك الأبْياتِ تَشْبيهاتٌ بَليغةٌ حُذِف فيها المُشبَّهُ، وتَقْديرُها: هو ملِكٌ، هو حَقيرٌ.
ويَرى البَلاغيُّونَ أنَّ تَشْبيهَ الشَّيءِ لا يَقومُ إلَّا على أساسَينِ:
الاتِّفاقِ: وهُو أنْ يكونَ بينَهما اشْتِراكٌ في بعضِ المَعاني أوِ الصِّفاتِ الَّتي يُوصَفانِ بها، حتَّى يكونَ بينَهما وجْهُ شبَهٍ.
المُغايَرةِ: أيْ: أنْ يَتفرَّدَ كلٌّ منْهما بصِفاتٍ تَخصُّه، وتَجْعلُ له وُجودَه المُسْتقِلَّ عنِ الآخَرِ.
يقولُ أبو هِلالٍ العَسكرِيُّ: (ويَصِحُّ تَشْبيهُ الشَّيءِ بالشَّيءِ جُملةً، وإنْ شابَهه مِن وجْهٍ واحِدٍ؛ مِثلُ قولِك: وجْهُك مِثلُ الشَّمسِ، ومِثلُ البَدْرِ؛ وإنْ لم يكنْ مِثلَهما في ضِيائِهما وعُلُوِّهما ولا عِظَمِهما، وإنَّما شبَّهه بِهما لمَعْنًى يَجمَعُهما وإيَّاه وهُو الحُسْنُ. وعلى هذا قولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ؛ إنَّما شبَّه المَراكِبَ بالجِبالِ مِن جِهةِ عِظَمِها لا مِن جِهةِ صَلابتِها ورُسوخِها ورَزانتِها، ولو أشْبَهَ الشَّيءُ الشَّيءَ مِن جَميعِ جِهاتِه لكانَ هو هو) .
وهُما المُشَبَّهُ والمشبَّهُ به، وهُما رُكْنا التَّشْبيهِ اللَّذانِ لا يَجوزُ التَّخلِّي عنهما، فلا بُدَّ مِن وُجودِهما معًا لفْظًا، مِثلُ: هنْدٌ كالقمَرِ، أو تَقْديرًا، مِثلُ قولِ صالِحٍ الشَّرْنوبيِّ: الخفيف
هائِمُ الرُّوحِ بالهَوى والأمَاني
خالِدُ الذَّاتِ وهُو كالنَّاسِ فانِ
مَلِكٌ حينَما يَشاءُ له الفنُّ
عَزيزُ المَقامِ والصَّوْلجانِ
أو حَقيرٌ عُريانُ مزَّقه الجو
عُ وأضْنَتْه لوعةُ الحِرْمانِ
ففي تلك الأبْياتِ تَشْبيهاتٌ بَليغةٌ حُذِف فيها المُشبَّهُ، وتَقْديرُها: هو ملِكٌ، هو حَقيرٌ.
ويَرى البَلاغيُّونَ أنَّ تَشْبيهَ الشَّيءِ لا يَقومُ إلَّا على أساسَينِ:
الاتِّفاقِ: وهُو أنْ يكونَ بينَهما اشْتِراكٌ في بعضِ المَعاني أوِ الصِّفاتِ الَّتي يُوصَفانِ بها، حتَّى يكونَ بينَهما وجْهُ شبَهٍ.
المُغايَرةِ: أيْ: أنْ يَتفرَّدَ كلٌّ منْهما بصِفاتٍ تَخصُّه، وتَجْعلُ له وُجودَه المُسْتقِلَّ عنِ الآخَرِ.
يقولُ أبو هِلالٍ العَسكرِيُّ: (ويَصِحُّ تَشْبيهُ الشَّيءِ بالشَّيءِ جُملةً، وإنْ شابَهه مِن وجْهٍ واحِدٍ؛ مِثلُ قولِك: وجْهُك مِثلُ الشَّمسِ، ومِثلُ البَدْرِ؛ وإنْ لم يكنْ مِثلَهما في ضِيائِهما وعُلُوِّهما ولا عِظَمِهما، وإنَّما شبَّهه بِهما لمَعْنًى يَجمَعُهما وإيَّاه وهُو الحُسْنُ. وعلى هذا قولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ؛ إنَّما شبَّه المَراكِبَ بالجِبالِ مِن جِهةِ عِظَمِها لا مِن جِهةِ صَلابتِها ورُسوخِها ورَزانتِها، ولو أشْبَهَ الشَّيءُ الشَّيءَ مِن جَميعِ جِهاتِه لكانَ هو هو) .
وقد قسَّم البَلاغيُّونَ التَّشْبيهَ مِن حيثُ وَسيلةُ إدْراكِ الطَّرفَينِ فيه إلى أقْسامٍ ثَلاثةٍ:
1- ما يكونُ طرفاه حِسِّيَّينِ، أيْ: يُدرَكُ بالحَواسِّ الخَمْسِ الظَّاهِرةِ، كقَولِه تعالى: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ حيثُ شبَّه الجبَلَ المَرئيَّ بالعَينِ بالظُّلَّةِ الَّتي تُرى بالعَينِ كذلك
2- ما يكونُ طَرفاه عَقْليَّينِ: وهُو ألَّا يُدرَكَ الطَّرفانِ بالحَواسِّ، كقولِ الشَّريفِ الرَّضِيِّ: الكامل:
أرواحُنا دَينٌ وما أنْفاسُنا
إلَّا قَضاءٌ والزَّمانُ غَريمُها
فالأرْواحُ -وهِي المُشبَّهُ- والدَّينُ -وهُو المُشبَّهُ به- لا يُدرَكانِ حِسًّا، وإنَّما يُدرَكانِ بالعقْلِ.
ومنه التَّشْبيهُ الوَهْميُّ، وهُو ما لا يكونُ المُشبَّهُ به مُدرَكًا أصْلًا، ولكنَّه لو أمكَنَ إدْراكُه لَما أُدْرِك إلَّا بالحَواسِّ، كقَولِه تعالى: إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ حيثُ شبَّه طلْعَ الشَّجرَةِ برُؤوسِ الشَّياطينِ، وهِي غيرُ مُدرَكةٍ، لكنْ إنْ أمكَنَ ذلك فستُدرَكُ بحاسَّةِ البصَرِ.
وقدْ ألحَقَ عُلماءُ البلاغه التَّشبيهَ الوَهْميَّ بالعقليِّ؛ لأنَّهما سَواءٌ في عدَمِ الإدراكِ بالحواسِّ.
ومنه كذلك: التَّشبيهُ الوُجدانيُّ: وهو أيضًا ممَّا يُلحَقُ بالتَّشبيهِ العقليِّ؛ لأنَّ الأمورَ الوُجدانيَّةَ -كاللَّذَّةِ والألَمِ والفرَحِ والحزنِ- كالأمورِ العقليَّةِ في أنَّهما معًا لا يُدرَكانِ بالحواسِّ، ومع أنَّ المشاعِرَ ليْست عَقليةً مَحْضةً، فإنَّ العقلَ هو النَّافذةُ التي تَستقبِلُ مُثيراتِ وبواعثَ تلك المشاعِرِ. ومِن التَّشبيهاتِ الوُجدانيَّةِ قولُ زَكِي مُبارَك: الكامل
حُزنٌ يُقَطِّعُ في الحَشا
فكأنَّه غَدرُ صديقْ
3- ما يكونُ الطَّرفانِ مُخْتلفَينِ: أحدُهما حِسِّيٌّ والآخَرُ عقْليٌّ؛ فمِن تَشْبيهِ العقْليِّ بالحسِّيِّ قولُه تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ فصور عاقِبةَ الأعْمالِ -وهِي عقْليَّةٌ لا تُدرَكُ بالحِسِّ- بالرَّمادِ الَّذي تَذْروه الرِّياحُ في يومٍ عاصِفٍ.
أمَّا تَشْبيهُ الحِسِّيِّ بالمَعْنويِّ (العقْليِّ)، فقد نفَر منه البَلاغيُّونَ وعدُّوه مِنَ التَّشْبيهاتِ الرَّديْئةِ، كقَولِ التَّنوخيِّ: الرجز
وليلةٍ كأنَّها طُولُ الأمَلْ
ظَلامُها كالدَّهرِ ما فيه خلَلْ
كأنَّما الإصْباحُ فيها باطِلٌ
أزْهقَهُ اللهُ لحَقٍّ فبَطَلْ
فشبَّه اللَّيلةَ -وهِي حِسِّيَّةٌ يُدرَكُ أثَرُها بالعَينِ- بطُولِ الأمَلِ، وهُو أمرٌ مَعْقولٌ مَعْنويٌّ لا يُرى؛ ولِهذا عابوا على الشَّاعرِ تَشْبيهَه هذا
1- ما يكونُ طرفاه حِسِّيَّينِ، أيْ: يُدرَكُ بالحَواسِّ الخَمْسِ الظَّاهِرةِ، كقَولِه تعالى: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ حيثُ شبَّه الجبَلَ المَرئيَّ بالعَينِ بالظُّلَّةِ الَّتي تُرى بالعَينِ كذلك
2- ما يكونُ طَرفاه عَقْليَّينِ: وهُو ألَّا يُدرَكَ الطَّرفانِ بالحَواسِّ، كقولِ الشَّريفِ الرَّضِيِّ: الكامل:
أرواحُنا دَينٌ وما أنْفاسُنا
إلَّا قَضاءٌ والزَّمانُ غَريمُها
فالأرْواحُ -وهِي المُشبَّهُ- والدَّينُ -وهُو المُشبَّهُ به- لا يُدرَكانِ حِسًّا، وإنَّما يُدرَكانِ بالعقْلِ.
ومنه التَّشْبيهُ الوَهْميُّ، وهُو ما لا يكونُ المُشبَّهُ به مُدرَكًا أصْلًا، ولكنَّه لو أمكَنَ إدْراكُه لَما أُدْرِك إلَّا بالحَواسِّ، كقَولِه تعالى: إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ حيثُ شبَّه طلْعَ الشَّجرَةِ برُؤوسِ الشَّياطينِ، وهِي غيرُ مُدرَكةٍ، لكنْ إنْ أمكَنَ ذلك فستُدرَكُ بحاسَّةِ البصَرِ.
وقدْ ألحَقَ عُلماءُ البلاغه التَّشبيهَ الوَهْميَّ بالعقليِّ؛ لأنَّهما سَواءٌ في عدَمِ الإدراكِ بالحواسِّ.
ومنه كذلك: التَّشبيهُ الوُجدانيُّ: وهو أيضًا ممَّا يُلحَقُ بالتَّشبيهِ العقليِّ؛ لأنَّ الأمورَ الوُجدانيَّةَ -كاللَّذَّةِ والألَمِ والفرَحِ والحزنِ- كالأمورِ العقليَّةِ في أنَّهما معًا لا يُدرَكانِ بالحواسِّ، ومع أنَّ المشاعِرَ ليْست عَقليةً مَحْضةً، فإنَّ العقلَ هو النَّافذةُ التي تَستقبِلُ مُثيراتِ وبواعثَ تلك المشاعِرِ. ومِن التَّشبيهاتِ الوُجدانيَّةِ قولُ زَكِي مُبارَك: الكامل
حُزنٌ يُقَطِّعُ في الحَشا
فكأنَّه غَدرُ صديقْ
3- ما يكونُ الطَّرفانِ مُخْتلفَينِ: أحدُهما حِسِّيٌّ والآخَرُ عقْليٌّ؛ فمِن تَشْبيهِ العقْليِّ بالحسِّيِّ قولُه تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ فصور عاقِبةَ الأعْمالِ -وهِي عقْليَّةٌ لا تُدرَكُ بالحِسِّ- بالرَّمادِ الَّذي تَذْروه الرِّياحُ في يومٍ عاصِفٍ.
أمَّا تَشْبيهُ الحِسِّيِّ بالمَعْنويِّ (العقْليِّ)، فقد نفَر منه البَلاغيُّونَ وعدُّوه مِنَ التَّشْبيهاتِ الرَّديْئةِ، كقَولِ التَّنوخيِّ: الرجز
وليلةٍ كأنَّها طُولُ الأمَلْ
ظَلامُها كالدَّهرِ ما فيه خلَلْ
كأنَّما الإصْباحُ فيها باطِلٌ
أزْهقَهُ اللهُ لحَقٍّ فبَطَلْ
فشبَّه اللَّيلةَ -وهِي حِسِّيَّةٌ يُدرَكُ أثَرُها بالعَينِ- بطُولِ الأمَلِ، وهُو أمرٌ مَعْقولٌ مَعْنويٌّ لا يُرى؛ ولِهذا عابوا على الشَّاعرِ تَشْبيهَه هذا
وجه الشبه:
وهُو الوصْفُ الخاصُّ الَّذي قُصِد اشْتراكُ الطَّرفَين فيه، فقولُك: "عليٌّ كالأسدِ"، وجْهُ الشَّبهِ فيه الجُرأةُ والشَّجاعةُ والقوَّةُ، وتقولُ: "وجْهُ فاطِمةَ كالشَّمسِ" تُريدُ: في البَهاءِ والحُسْنِ.
ويَنْقسِمُ وجْهُ الشَّبهِ عدَّةَ تَقْسيماتٍ:
1- التَّحْقيقيُّ والتَّخْييليُّ:
أ- التَّحْقيقيُّ: ما كان وجْهُ الشَّبهِ مُتَحقِّقًا بذاتِه في الطَّرفَين حَقيقةً، كقولِك: زيدٌ شُجاعٌ كالأسدِ، فوجْهُ الشَّبهِ هنا مُتحقِّقٌ في المُشبَّهِ (زيد) والمُشبَّهِ به (الأسد).
ب- التَّخْييليُّ: ما لا يكونُ وُجودُه في أحدِ الطَّرفَين إلَّا على ضرْبٍ مِنَ التَّأويلِ.
فمنه ما يكونُ التَّأويلُ في المُشبَّهِ، كقولِ الشَّاعِرِ: المجتث
صُدْغُ الحَبيبِ وحالي
كلاهُما كاللَّيالي
فتَصْويرُه حالَه بأنَّه أسودُ كاللَّيلِ ليس حَقيقيًّا، وإنَّما فيه نوعُ تَأويلٍ.
ومنه ما يكونُ التَّأويلُ في المُشبَّهِ به، وهُو قولُ التَّنوخيِّ: الخفيف
وكأنَّ النُّجومَ بَيْنَ دُجاها
سُننٌ لاح بينَهن ابْتِداعُ
(فإنَّ وجْهَ الشَّبهِ فيه الهَيئةُ الحاصِلةُ مِن حُصولِ أشْياءَ مُشْرِقةٍ بِيضٍ في جَوانِبِ شيءٍ مُظلِمٍ أسْودَ؛ فهِي غيرُ مَوْجودةٍ في المُشبَّهِ به إلَّا على طَريقِ التَّخييلِ، وذلك أنَّه لمَّا كانتِ البدعه والضَّلالةُ وكلُّ ما هو جهْلٌ تَجعَلُ صاحِبَها في حكْمِ مَنْ يَمشي في الظُّلْمةِ، فلا يَهْتدي إلى الطَّريقِ، ولا يَفصِلُ الشَّيءَ مِن غيرِه؛ فلا يأمَنُ أنْ يَتردَّى في مَهْواةٍ، أو يَعْثُرَ على عدوِّ قاتِلٍ، أو آفةٍ مُهْلِكةٍ- شُبِّهتْ بالظُّلْمةِ، ولزِمَ على عكْسِ ذلك أنْ تُشبَّهُ السُّنَّةُ والهُدى وكلُّ ما هو عِلْمٌ بالنُّورِ) .
2- الواحِدُ والمُركَّبُ والمُتعدِّدُ، وكلُّ واحِدٍ إمَّا حِسِّيٍّ وإمَّا عقْليٍّ:
قد يكونُ وجْهُ الشَّبهِ شيئًا مُفْردًا، كالجَمالِ والبَهاءِ والقوَّةِ والشَّجاعةِ والحُسْنِ والسُّرعةِ ونحْوِ ذلك، وهذه الأشْياءُ منها ما يُدرَكُ بالحِسِّ كالجَمالِ والحُسْنِ، ومنها ما يُدرَكُ بالعقْلِ كالعِلْمِ والهِدايةِ.
وقد يكونُ وجْهُ الشَّبهِ مُركَّبًا مِن أشياءَ لا مِن شيءٍ واحِدٍ، كقولِ الشَّاعِرِ: "والشَّمسُ كالمِرآةِ في كَفِّ الأشَلْ"؛ فوجْهُ الشَّبهِ: الهَيْئةُ الحاصِلةُ مِنَ الاسْتِدارةِ معَ الإشْراقِ والحَركةِ السَّريعةِ المُتَّصلةِ معَ الإشْراقِ، حتَّى يُرى الشُّعاعُ كأنَّه يَهُمُّ بأنْ يَنْبَسِطَ حتَّى يَفيضَ مِنَ الوسَطِ إلى جَوانِبِ الدَّائِرةِ، ثمَّ يَبْدو له أنْ يَرجِعَ مِنَ الانْبِساطِ الَّذي همَّ به إلى الانْقِباضِ كأنَّه يَرجِعُ مِنَ الجَوانِبِ إلى الوسَطِ، فإنَّ الإنْسانَ إذا أحَدَّ النَّظرَ ليَنظُرَ إلى الشَّمسِ، ولا سيَّما أوَّلَ شُروقِها، ليَتبيَّنَ جِرْمَها؛ وجَدها تُؤدِّي هذه الهَيئةَ، وكذلك المِرآةُ في كفِّ الأشلِّ.
وقد يكونُ وجْهُ الشَّبهِ مُتَعدِّدًا، ومَعْنى تَعدُّدِه أنْ يكونَ وجْهُ الشَّبهِ مَعْطوفًا على غيرِه، بحيثُ لو حذَفتَ أحدَها لَما اخْتلَّ المَعْنى، كقولِ: الأخْتُ كالأمِّ عطْفًا وحَنانًا ورِعايةً.
وكلٌّ مِن هذه الثَّلاثةِ تَنْقسِمُ بحسَبِ الحِسِّيِّ والعقْليِّ إلى الواحِدِ الحِسِّيِّ والواحِدِ العقْليِّ، والمُركَّبِ الحِسِّيِّ والمُركَّبِ العقْليِّ، والمُتعدِّدِ الحِسِّيِّ والمُتعدِّدِ العقْليِّ، والمُتعدِّدِ المُخْتلفِ الحِسِّيِّ والعقْليِّ
وهُو الوصْفُ الخاصُّ الَّذي قُصِد اشْتراكُ الطَّرفَين فيه، فقولُك: "عليٌّ كالأسدِ"، وجْهُ الشَّبهِ فيه الجُرأةُ والشَّجاعةُ والقوَّةُ، وتقولُ: "وجْهُ فاطِمةَ كالشَّمسِ" تُريدُ: في البَهاءِ والحُسْنِ.
ويَنْقسِمُ وجْهُ الشَّبهِ عدَّةَ تَقْسيماتٍ:
1- التَّحْقيقيُّ والتَّخْييليُّ:
أ- التَّحْقيقيُّ: ما كان وجْهُ الشَّبهِ مُتَحقِّقًا بذاتِه في الطَّرفَين حَقيقةً، كقولِك: زيدٌ شُجاعٌ كالأسدِ، فوجْهُ الشَّبهِ هنا مُتحقِّقٌ في المُشبَّهِ (زيد) والمُشبَّهِ به (الأسد).
ب- التَّخْييليُّ: ما لا يكونُ وُجودُه في أحدِ الطَّرفَين إلَّا على ضرْبٍ مِنَ التَّأويلِ.
فمنه ما يكونُ التَّأويلُ في المُشبَّهِ، كقولِ الشَّاعِرِ: المجتث
صُدْغُ الحَبيبِ وحالي
كلاهُما كاللَّيالي
فتَصْويرُه حالَه بأنَّه أسودُ كاللَّيلِ ليس حَقيقيًّا، وإنَّما فيه نوعُ تَأويلٍ.
ومنه ما يكونُ التَّأويلُ في المُشبَّهِ به، وهُو قولُ التَّنوخيِّ: الخفيف
وكأنَّ النُّجومَ بَيْنَ دُجاها
سُننٌ لاح بينَهن ابْتِداعُ
(فإنَّ وجْهَ الشَّبهِ فيه الهَيئةُ الحاصِلةُ مِن حُصولِ أشْياءَ مُشْرِقةٍ بِيضٍ في جَوانِبِ شيءٍ مُظلِمٍ أسْودَ؛ فهِي غيرُ مَوْجودةٍ في المُشبَّهِ به إلَّا على طَريقِ التَّخييلِ، وذلك أنَّه لمَّا كانتِ البدعه والضَّلالةُ وكلُّ ما هو جهْلٌ تَجعَلُ صاحِبَها في حكْمِ مَنْ يَمشي في الظُّلْمةِ، فلا يَهْتدي إلى الطَّريقِ، ولا يَفصِلُ الشَّيءَ مِن غيرِه؛ فلا يأمَنُ أنْ يَتردَّى في مَهْواةٍ، أو يَعْثُرَ على عدوِّ قاتِلٍ، أو آفةٍ مُهْلِكةٍ- شُبِّهتْ بالظُّلْمةِ، ولزِمَ على عكْسِ ذلك أنْ تُشبَّهُ السُّنَّةُ والهُدى وكلُّ ما هو عِلْمٌ بالنُّورِ) .
2- الواحِدُ والمُركَّبُ والمُتعدِّدُ، وكلُّ واحِدٍ إمَّا حِسِّيٍّ وإمَّا عقْليٍّ:
قد يكونُ وجْهُ الشَّبهِ شيئًا مُفْردًا، كالجَمالِ والبَهاءِ والقوَّةِ والشَّجاعةِ والحُسْنِ والسُّرعةِ ونحْوِ ذلك، وهذه الأشْياءُ منها ما يُدرَكُ بالحِسِّ كالجَمالِ والحُسْنِ، ومنها ما يُدرَكُ بالعقْلِ كالعِلْمِ والهِدايةِ.
وقد يكونُ وجْهُ الشَّبهِ مُركَّبًا مِن أشياءَ لا مِن شيءٍ واحِدٍ، كقولِ الشَّاعِرِ: "والشَّمسُ كالمِرآةِ في كَفِّ الأشَلْ"؛ فوجْهُ الشَّبهِ: الهَيْئةُ الحاصِلةُ مِنَ الاسْتِدارةِ معَ الإشْراقِ والحَركةِ السَّريعةِ المُتَّصلةِ معَ الإشْراقِ، حتَّى يُرى الشُّعاعُ كأنَّه يَهُمُّ بأنْ يَنْبَسِطَ حتَّى يَفيضَ مِنَ الوسَطِ إلى جَوانِبِ الدَّائِرةِ، ثمَّ يَبْدو له أنْ يَرجِعَ مِنَ الانْبِساطِ الَّذي همَّ به إلى الانْقِباضِ كأنَّه يَرجِعُ مِنَ الجَوانِبِ إلى الوسَطِ، فإنَّ الإنْسانَ إذا أحَدَّ النَّظرَ ليَنظُرَ إلى الشَّمسِ، ولا سيَّما أوَّلَ شُروقِها، ليَتبيَّنَ جِرْمَها؛ وجَدها تُؤدِّي هذه الهَيئةَ، وكذلك المِرآةُ في كفِّ الأشلِّ.
وقد يكونُ وجْهُ الشَّبهِ مُتَعدِّدًا، ومَعْنى تَعدُّدِه أنْ يكونَ وجْهُ الشَّبهِ مَعْطوفًا على غيرِه، بحيثُ لو حذَفتَ أحدَها لَما اخْتلَّ المَعْنى، كقولِ: الأخْتُ كالأمِّ عطْفًا وحَنانًا ورِعايةً.
وكلٌّ مِن هذه الثَّلاثةِ تَنْقسِمُ بحسَبِ الحِسِّيِّ والعقْليِّ إلى الواحِدِ الحِسِّيِّ والواحِدِ العقْليِّ، والمُركَّبِ الحِسِّيِّ والمُركَّبِ العقْليِّ، والمُتعدِّدِ الحِسِّيِّ والمُتعدِّدِ العقْليِّ، والمُتعدِّدِ المُخْتلفِ الحِسِّيِّ والعقْليِّ
أقسام التشبيه:
١- التشبيه البليغ :
وهُو التَّشْبيهُ الَّذي حُذِفَ منه أداةُ التَّشْبيهِ ووجْهُ الشَّبهِ، وبقِي فيه طَرَفا التَّشْبيهِ فحسْبُ.
ويُسمَّى التَّشْبيهَ البَليغَ؛ لأنَّ حذْفَ الأداةِ ووجْهِ الشَّبهِ مُبالَغةٌ في التَّشْبيهِ، حتَّى كأنَّهما كالشَّيءِ الواحِدِ. كقولِك: العلْمُ نورٌ، مُحمَّدٌ أسدٌ، فاطِمةُ بدْرٌ... ومنه قولُ ابي فراس الحمداني الطويل
إذا نِلتُ منكَ الوُدَّ فالكُلُّ هيِّنٌ
وكلُّ الَّذي فوقَ التُّرابِ تُرابُ
حيثُ صوَّر الشَّاعرُ الدُّنيا وما عليها إذا رضِي عنه مَحْبوبُه بالتُّرابِ؛ لعدَمِ قِيمتِها حِينَئذٍ، وقلَّةِ اهْتِمامِه بها، غيرَ أنَّه حذَفَ الأداةَ ووجْهَ الشَّبهِ.
وقولُ الشَّاعِرِ: البسيط
فالأرْضُ ياقوتَةٌ والجَوُّ لُؤلؤةٌ
والنَّبْتُ فَيْرُوزجٌ والماءُ بِلَّورُ
أطلَق الشَّاعرُ عدَّةَ تَشْبيهاتٍ، حُذِف منها جَميعًا أداةُ ووجْهُ الشَّبهِ؛ فشبَّه الأرضَ بالياقوتَةِ، والجَوَّ باللُؤلؤةِ، والنَّبْتَ بالفَيْرُوزَجِ ، والماءَ بالبِلَّورِ.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الكامل
ثَوبُ الرِّياءِ يَشِفُّ عمَّا تحتَه
فإذا الْتَحفتَ به فإنَّك عاري
حيثُ وصَف الرِّياءَ بأنَّه ثَوْبٌ شفَّافٌ، وحذَف الأداةَ ووجْهَ الشَّبهِ.
ومنه قولُ آخَرَ: الكامل
فالعَيْشُ نَومٌ والمنيَّةُ يَقْظةٌ
والمَرءُ بينَهما خَيالٌ ساري
صوَّر العَيْشَ بالنَّومِ، والموْتَ باليَقْظةِ، وأنَّ الإنْسانَ بَيْنَ الحَياةِ والموْتِ خَيالٌ سارٍ، وحذَف مِنَ التَّشْبيهاتِ الثَّلاثةِ أداةَ التَّشْبيهِ ووجْهَ الشَّبهِ.
والتَّشْبيهُ البَليغُ أعْلى مَراتِبِ التَّشْبيهِ في البلاغه وقوَّةِ المُبالَغةِ؛ لِما فيه منِ ادِّعاءِ أنَّ المُشبَّهَ هو عَينُ المُشبَّهِ به، ولِما فيه مِنَ الإيجازِ النَّاشِئِ عن حذْفِ الأداةِ والوجْهِ معًا، هذا الإيجازُ الَّذي يَجعَلُ نفْسَ السَّامِعِ تَذهَبُ كلَّ مَذهَبٍ، ويُوحي لها بصُوَرٍ شتَّى مِن وُجوهِ التَّشْبيهِ .
والتَّشْبيهُ البَليغُ مِنَ التَّشْبيهاتِ المُؤكَّدَةِ، وهِي الَّتي حُذِفتْ منها الأداةُ، ويُقابِلُها في ذِكْرِ الأداةِ التَّشْبيهُ المُرسَلُ، وهو ما يُذكَرُ فيه أداةُ التَّشْبيهِ، سواءٌ جاء ذِكْرُ وجِهِ الشَّبهِ أم لا.
وهُو أيضًا مِنَ التَّشْبيهاتِ المُجْملَةِ الَّتي حُذِف منْها وجْهُ الشَّبهِ، ويُقابِلُه في ذِكْرِ وجْهِ الشَّبهِ التَّشْبيهُ المُفصَّلُ والتَّمْثيليُّ والضِّمْنيُّ.
١- التشبيه البليغ :
وهُو التَّشْبيهُ الَّذي حُذِفَ منه أداةُ التَّشْبيهِ ووجْهُ الشَّبهِ، وبقِي فيه طَرَفا التَّشْبيهِ فحسْبُ.
ويُسمَّى التَّشْبيهَ البَليغَ؛ لأنَّ حذْفَ الأداةِ ووجْهِ الشَّبهِ مُبالَغةٌ في التَّشْبيهِ، حتَّى كأنَّهما كالشَّيءِ الواحِدِ. كقولِك: العلْمُ نورٌ، مُحمَّدٌ أسدٌ، فاطِمةُ بدْرٌ... ومنه قولُ ابي فراس الحمداني الطويل
إذا نِلتُ منكَ الوُدَّ فالكُلُّ هيِّنٌ
وكلُّ الَّذي فوقَ التُّرابِ تُرابُ
حيثُ صوَّر الشَّاعرُ الدُّنيا وما عليها إذا رضِي عنه مَحْبوبُه بالتُّرابِ؛ لعدَمِ قِيمتِها حِينَئذٍ، وقلَّةِ اهْتِمامِه بها، غيرَ أنَّه حذَفَ الأداةَ ووجْهَ الشَّبهِ.
وقولُ الشَّاعِرِ: البسيط
فالأرْضُ ياقوتَةٌ والجَوُّ لُؤلؤةٌ
والنَّبْتُ فَيْرُوزجٌ والماءُ بِلَّورُ
أطلَق الشَّاعرُ عدَّةَ تَشْبيهاتٍ، حُذِف منها جَميعًا أداةُ ووجْهُ الشَّبهِ؛ فشبَّه الأرضَ بالياقوتَةِ، والجَوَّ باللُؤلؤةِ، والنَّبْتَ بالفَيْرُوزَجِ ، والماءَ بالبِلَّورِ.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الكامل
ثَوبُ الرِّياءِ يَشِفُّ عمَّا تحتَه
فإذا الْتَحفتَ به فإنَّك عاري
حيثُ وصَف الرِّياءَ بأنَّه ثَوْبٌ شفَّافٌ، وحذَف الأداةَ ووجْهَ الشَّبهِ.
ومنه قولُ آخَرَ: الكامل
فالعَيْشُ نَومٌ والمنيَّةُ يَقْظةٌ
والمَرءُ بينَهما خَيالٌ ساري
صوَّر العَيْشَ بالنَّومِ، والموْتَ باليَقْظةِ، وأنَّ الإنْسانَ بَيْنَ الحَياةِ والموْتِ خَيالٌ سارٍ، وحذَف مِنَ التَّشْبيهاتِ الثَّلاثةِ أداةَ التَّشْبيهِ ووجْهَ الشَّبهِ.
والتَّشْبيهُ البَليغُ أعْلى مَراتِبِ التَّشْبيهِ في البلاغه وقوَّةِ المُبالَغةِ؛ لِما فيه منِ ادِّعاءِ أنَّ المُشبَّهَ هو عَينُ المُشبَّهِ به، ولِما فيه مِنَ الإيجازِ النَّاشِئِ عن حذْفِ الأداةِ والوجْهِ معًا، هذا الإيجازُ الَّذي يَجعَلُ نفْسَ السَّامِعِ تَذهَبُ كلَّ مَذهَبٍ، ويُوحي لها بصُوَرٍ شتَّى مِن وُجوهِ التَّشْبيهِ .
والتَّشْبيهُ البَليغُ مِنَ التَّشْبيهاتِ المُؤكَّدَةِ، وهِي الَّتي حُذِفتْ منها الأداةُ، ويُقابِلُها في ذِكْرِ الأداةِ التَّشْبيهُ المُرسَلُ، وهو ما يُذكَرُ فيه أداةُ التَّشْبيهِ، سواءٌ جاء ذِكْرُ وجِهِ الشَّبهِ أم لا.
وهُو أيضًا مِنَ التَّشْبيهاتِ المُجْملَةِ الَّتي حُذِف منْها وجْهُ الشَّبهِ، ويُقابِلُه في ذِكْرِ وجْهِ الشَّبهِ التَّشْبيهُ المُفصَّلُ والتَّمْثيليُّ والضِّمْنيُّ.
٢- التشبيه المجمل :
هو ذلك التَّشْبيهُ الَّذي حُذِف منه وجْهُ الشَّبَهِ، كقَولِه تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ففي الآيةِ تَشْبيهٌ للكُفَّارِ في ضَلالِهم وجَهْلِهم وغفْلةِ قُلوبِهم، وعدَمِ اسْتغلالِ حواسِّهم ومَداركِهم- بالأنْعامِ، ووجْهُ الشَّبهِ هنا -وهُو الضَّلالُ والجهْلُ والغفْلةُ ونحْوُ ذلك- مَحْذوفٌ لم يُذكَرْ، في حين أتى التَّصْريحُ بالأداةِ، وهِي الكافُ.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الرمل
إنَّما الدُّنيا كبَيْتٍ
نسْجُهُ مِن عَنْكَبوتِ
حيثُ صوَّر الشَّاعرُ الدُّنيا في وهْنِها وضَعْفِها ببيْتِ العَنْكَبوتِ، وذكَر الأداةَ، وهِي الكافُ، وحذَف وجْهَ الشَّبهِ، وهُو الوَهْنُ والضَّعْفُ، غيرَ أنَّه ظاهِرٌ مِنَ السِّياقِ.
ووجْهُ الشَّبهِ قد يكونُ مَعْلومًا ظاهِرًا، كقولِك: زيدٌ كالأسدِ، فلا ريْبَ أنَّ المُرادَ هنا الجُرأةُ والشَّجاعةُ، وقد لا يكونُ ظاهِرًا، بل يَحْتاجُ إلى قَريحَةٍ وفَهْمٍ، وذلك كقَولِ فاطِمةَ بنْتِ الخُرْشُبِ حين سُئِلَتْ: أيُّ أولادِكِ أفْضلُ؟ فقالت: "عُمارَةُ، لا بل فُلانٌ، لا بل فُلانٌ، ثمَّ قالت: ثَكِلتُهم إنْ كنتُ أعلَمُ أيُّهم أفْضلُ، هم كالحَلْقةِ المُفْرَغةِ لا يُدْرى أينَ طرَفاها".
فمَعْنى ذلك أنَّ أبْناءَها لِتَناسُبِ أصولِهم وفُروعِهم وتَساويهم في الشَّرفِ يَمْتنِعُ تَعْيينُ بعضِهم فاضِلًا وبعضِهم أفْضلَ منه، كما أنَّ الحَلْقةَ المُفْرَغةَ لِتَناسُبِ أجْزائِها وتَساويها يَمْتنعُ تَعْيينُ بعضِها طرَفًا وبعضِها وسَطًا، فتَشْبيهُ أبْناءِ بنْتِ الخُرْشُبِ بالحَلْقةِ المُفْرَغةِ تَشْبيهٌ مُجمَلٌ، ووجْهُ شَبهِه المَحْذوفُ، وهُو تَعذُّرُ -بلِ اسْتِحالةُ- تَعْيينِ أوَّليَّةِ أو أفْضَليَّةِ أشياءَ مُتناسِبةٍ مُتساويةٍ، أو هو التَّناسُبُ المانِعُ مِن تَمْييزٍ يَصِحُّ معَه التَّفاوُتُ. فهذا الوجْهُ المَحْذوفُ الَّذي يَشْترِكُ فيه طَرَفا التَّشْبيهِ أمرٌ خَفِيٌّ لا يَسْتطيعُ إدْراكَه إلَّا مَنْ له ذِهْنٌ يَرْتفعُ عن طَبقةِ العامَّةِ .
والتَّشْبيهُ المُجمَلُ قد تُذكَرُ فيه الأداةُ وقد لا تُذكَرُ، فإذا أتتْ أداةُ التَّشْبيهِ كان تَشْبيهًا مُرْسَلًا مُجمَلًا، كالأمْثِلةِ السَّابِقةِ، وإذا خلا مِنَ الأداةِ كان تَشْبيهًا بَليغًا كما ذكَرْنا.
هو ذلك التَّشْبيهُ الَّذي حُذِف منه وجْهُ الشَّبَهِ، كقَولِه تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ففي الآيةِ تَشْبيهٌ للكُفَّارِ في ضَلالِهم وجَهْلِهم وغفْلةِ قُلوبِهم، وعدَمِ اسْتغلالِ حواسِّهم ومَداركِهم- بالأنْعامِ، ووجْهُ الشَّبهِ هنا -وهُو الضَّلالُ والجهْلُ والغفْلةُ ونحْوُ ذلك- مَحْذوفٌ لم يُذكَرْ، في حين أتى التَّصْريحُ بالأداةِ، وهِي الكافُ.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الرمل
إنَّما الدُّنيا كبَيْتٍ
نسْجُهُ مِن عَنْكَبوتِ
حيثُ صوَّر الشَّاعرُ الدُّنيا في وهْنِها وضَعْفِها ببيْتِ العَنْكَبوتِ، وذكَر الأداةَ، وهِي الكافُ، وحذَف وجْهَ الشَّبهِ، وهُو الوَهْنُ والضَّعْفُ، غيرَ أنَّه ظاهِرٌ مِنَ السِّياقِ.
ووجْهُ الشَّبهِ قد يكونُ مَعْلومًا ظاهِرًا، كقولِك: زيدٌ كالأسدِ، فلا ريْبَ أنَّ المُرادَ هنا الجُرأةُ والشَّجاعةُ، وقد لا يكونُ ظاهِرًا، بل يَحْتاجُ إلى قَريحَةٍ وفَهْمٍ، وذلك كقَولِ فاطِمةَ بنْتِ الخُرْشُبِ حين سُئِلَتْ: أيُّ أولادِكِ أفْضلُ؟ فقالت: "عُمارَةُ، لا بل فُلانٌ، لا بل فُلانٌ، ثمَّ قالت: ثَكِلتُهم إنْ كنتُ أعلَمُ أيُّهم أفْضلُ، هم كالحَلْقةِ المُفْرَغةِ لا يُدْرى أينَ طرَفاها".
فمَعْنى ذلك أنَّ أبْناءَها لِتَناسُبِ أصولِهم وفُروعِهم وتَساويهم في الشَّرفِ يَمْتنِعُ تَعْيينُ بعضِهم فاضِلًا وبعضِهم أفْضلَ منه، كما أنَّ الحَلْقةَ المُفْرَغةَ لِتَناسُبِ أجْزائِها وتَساويها يَمْتنعُ تَعْيينُ بعضِها طرَفًا وبعضِها وسَطًا، فتَشْبيهُ أبْناءِ بنْتِ الخُرْشُبِ بالحَلْقةِ المُفْرَغةِ تَشْبيهٌ مُجمَلٌ، ووجْهُ شَبهِه المَحْذوفُ، وهُو تَعذُّرُ -بلِ اسْتِحالةُ- تَعْيينِ أوَّليَّةِ أو أفْضَليَّةِ أشياءَ مُتناسِبةٍ مُتساويةٍ، أو هو التَّناسُبُ المانِعُ مِن تَمْييزٍ يَصِحُّ معَه التَّفاوُتُ. فهذا الوجْهُ المَحْذوفُ الَّذي يَشْترِكُ فيه طَرَفا التَّشْبيهِ أمرٌ خَفِيٌّ لا يَسْتطيعُ إدْراكَه إلَّا مَنْ له ذِهْنٌ يَرْتفعُ عن طَبقةِ العامَّةِ .
والتَّشْبيهُ المُجمَلُ قد تُذكَرُ فيه الأداةُ وقد لا تُذكَرُ، فإذا أتتْ أداةُ التَّشْبيهِ كان تَشْبيهًا مُرْسَلًا مُجمَلًا، كالأمْثِلةِ السَّابِقةِ، وإذا خلا مِنَ الأداةِ كان تَشْبيهًا بَليغًا كما ذكَرْنا.
٣-التشبيه المفصل:
هو التَّشْبيهُ الَّذي ذُكِر فيه وجْهُ الشَّبهِ، كقولِ الشَّاعِرِ: الرمل
يا شَبيهَ البدْرِ حُسْنًا
وضِياءً ومَنالَا
وشَبيهَ الغُصْنِ لِينًا
وقَوامًا واعْتِدالَا
أنتَ مِثْلُ الوَرْدِ لَوْنًا
ونَسيمًا وملَالَا
فالشَّاعِرُ هنا ذكَر وجْهَ الشَّبهِ في تَشْبيهاتِه كلِّها؛ فالحُبيبُ شَبيهُ البدْرِ في الحُسْنِ والضِّياءِ وبُعْدِ المَنالِ، وشَبيهُ الغصْنِ في اللِّينِ والقَوامِ والاعْتِدالِ، وشَبيهُ الورْدِ في اللَّونِ والنَّسيمِ وعبَقِ الرَّائِحةِ. وهذه كلُّها أوجُهُ شَبَهٍ بَيْنَ المُشبَّهِ والمُشبَّهِ به.
وهذه الأبْياتُ جاء فيها التَّصْريحُ بالأداةِ؛ ولِهذا فهِي تَشْبيهٌ مُرْسَلٌ مُفصَّلٌ؛ مُرْسَلٌ بالنِّسبةِ لذِكْرِ أداةِ الشَّبَهِ، مُفصَّلٌ لذِكْرِ وجْهِ الشَّبهِ.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الخفيف
كمْ وُجوهٍ مِثلِ النَّهارِ ضِياءً
لِنُفوسٍ كاللَّيلِ في الإظْلامِ
فشبَّه الشَّاعرُ الوجْهَ بالنَّهارِ في ضِيائِه ونُورِه، والنَّفْسَ باللَّيلِ في الظَّلامِ، وهذا البيتُ أيضًا مِنَ التَّشْبيهِ المُرسَلِ المُفصَّلِ
هو التَّشْبيهُ الَّذي ذُكِر فيه وجْهُ الشَّبهِ، كقولِ الشَّاعِرِ: الرمل
يا شَبيهَ البدْرِ حُسْنًا
وضِياءً ومَنالَا
وشَبيهَ الغُصْنِ لِينًا
وقَوامًا واعْتِدالَا
أنتَ مِثْلُ الوَرْدِ لَوْنًا
ونَسيمًا وملَالَا
فالشَّاعِرُ هنا ذكَر وجْهَ الشَّبهِ في تَشْبيهاتِه كلِّها؛ فالحُبيبُ شَبيهُ البدْرِ في الحُسْنِ والضِّياءِ وبُعْدِ المَنالِ، وشَبيهُ الغصْنِ في اللِّينِ والقَوامِ والاعْتِدالِ، وشَبيهُ الورْدِ في اللَّونِ والنَّسيمِ وعبَقِ الرَّائِحةِ. وهذه كلُّها أوجُهُ شَبَهٍ بَيْنَ المُشبَّهِ والمُشبَّهِ به.
وهذه الأبْياتُ جاء فيها التَّصْريحُ بالأداةِ؛ ولِهذا فهِي تَشْبيهٌ مُرْسَلٌ مُفصَّلٌ؛ مُرْسَلٌ بالنِّسبةِ لذِكْرِ أداةِ الشَّبَهِ، مُفصَّلٌ لذِكْرِ وجْهِ الشَّبهِ.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الخفيف
كمْ وُجوهٍ مِثلِ النَّهارِ ضِياءً
لِنُفوسٍ كاللَّيلِ في الإظْلامِ
فشبَّه الشَّاعرُ الوجْهَ بالنَّهارِ في ضِيائِه ونُورِه، والنَّفْسَ باللَّيلِ في الظَّلامِ، وهذا البيتُ أيضًا مِنَ التَّشْبيهِ المُرسَلِ المُفصَّلِ
٤- التشبيه التمثيلي:
هو ما كان وجْهُ الشَّبهِ فيه مُنْتزَعًا مِن شَيئَينِ فأكْثرَ، سواءٌ انْتُزِع مِن أمورٍ حِسِّيَّةٍ أم عقْليَّةٍ، وهُو مِن أبْلَغِ صُورِ التَّشْبيهِ بعدَ التَّشْبيهِ البَليغِ؛ لِما في وجْهِه مِنَ التَّفْصيلِ الَّذي يَحْتاجُ إلى إمْعانِ فِكْرٍ، وتَدقيقِ نظَرٍ، وهُو أعْظمُ أثَرًا في المَعاني: يَرفَعُ قَدْرَها، ويُضاعِفُ قُواها في تَحْريكِ النُّفوسِ لها، فإنْ كان مدْحًا كان أوْقَعَ، أو ذمًّا كان أوْجَعَ، أو بُرْهانًا كان أسْطَعَ.
وفي ذلك النَّوعِ مِنَ التَّشْبيهِ لا تكونُ المُقارَنةُ بَيْنَ طرفَينِ مُفردَينِ، بل بَيْنَ طرفَينِ تَتَّسعُ دائِرةُ كلٍّ منْهما وتكثُرُ عَناصِرُه، وتَتعدَّدُ مُتعلِّقاتُه، بحيثُ لا يُسْتطاعُ إدْراكُ التَّشابهِ بينَهما إلَّا عن طَريقِ النَّظرةِ المُتأنِّيةِ المُسْتقصيةِ الَّتي تَسْتوعِبُ تلك العَناصِرَ أوِ المُتعلِّقاتِ، وتُدرِكُ ما بينَها جَميعًا مِن تَرابُطٍ وتَماسُكٍ في نَسيجِ الصُّورةِ.
فمن ذلك التَّشْبيهِ قولُه تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا فهذه الآيةُ تُشبِّهُ اليَهودَ الَّذينَ نزَلت عليهم التَّوراةُ فعَلِموا ما بها مِن شرائِعَ وأحْكامٍ، ثمَّ لم يُنفِّذوها أو يَعمَلوا بمُقْتضاها- بالحِمارِ الَّذي يَحمِلُ فوقَ ظهرِه أثْقالًا مِنَ الكُتبِ والأسْفارِ النَّافِعةِ، الَّتي لا يَسْتفيدُ منها غيرَ التَّعبِ والمَشقَّةِ.
ووجْهُ الشَّبهِ هنا هو التَّعبُ والشَّقاءُ في أمرٍ له فائِدةٌ معَ الحِرمانِ منْها، وهُو ما لا يَسْتطيعُ تَحْصيلَه مَنْ لا يَملِكُ النَّظرةَ المُتأنِّيةَ البَلاغيَّةَ الأدبيَّةَ.
ومنه أيضًا قولُه تعالى: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاس وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
قال عبدُ القاهِرِ الجُرْجانيُّ: (ألَا تَرى كيف كثُرتِ الجُمَلُ فيه؟ حتَّى إنَّك تَرى في هذه الآيةِ عشْرَ جُمَلٍ إذا فُصِّلتْ -وهِي وإنْ كان قد دخَل بعضُها في بعضٍ حتَّى كأنَّها جُملةٌ واحِدةٌ- فإنَّ ذلك لا يَمْنعُ مِن أنْ تكونَ صُورُ الجُملِ معنا حاصِلةً تُشيرُ إليها واحِدةً واحِدةً. ثمَّ إنَّ الشَّبهَ مُنْتزَعٌ مِن مَجْموعِها، مِن غيرِ أنْ يُمكِنَ فصْلُ بعضِها عن بعضٍ، وإفْرادُ شطْرٍ مِن شطْرٍ، حتَّى إنَّك لو حذَفتَ منْها جُملةً واحِدةً مِن أيِّ مَوضِعٍ كان، أخَلَّ ذلك بالمَغْزى مِنَ التَّشْبيهِ) .
ومنه قولُ كُثَيِّرِ عزَّةَ: الطويل
كأنِّي وتَهْيامي بعزَّةَ بعدَما
تَخلَّيتُ عمَّا بينَنا وتَخلَّتِ
لَكالمُرْتجي ظِلَّ الغَمامَةِ كلَّما
تَبوَّأ منْها للمَقيلِ اضْمحلَّتِ
كأنِّي وإيَّاها سَحابةُ مُمْحِلٍ
رجاها فلَّما جاوزَتْهُ اسْتهلَّتِ
كما أبْرقَتْ قومًا عِطاشًا غَمامَةٌ
فلَّما رأَوْها أقْشَعَتْ وتَجلَّتِ
فالشَّاعِرُ هنا يصِفُ حالَه بعدَ فِراقِه لمَحْبوبتِه بغيرِ صُورةٍ، كلُّ واحِدةٍ منها مُركَّبةٌ مِن غيرِ وجْهِ شَبهٍ؛ ففي البَيتَينِ الأوَّلَين يُشبِّهُ نفْسَه بالَّذي يَتفقَّدُ ويَنْتظِرُ مَوضِعَ ظلِّ سَحابةٍ، كلَّما اقْترَبَ مِن ظلِّها وتَهيَّأ للنَّومِ تحتَها اضْمَحلَّتْ عنه وانْصَرفتْ، وفي البيتِ الثَّالثِ يُصوِّرُ نفْسَه معَها بالعَطْشانِ الَّذي يَهْفو إلى المطَرِ وقد رأى سَحابةً، يأمُلُ منْها أنْ تُغيثَه بمائِها وتَرويَه وتَرويَ زرْعَه وأرْضَه، فلَّما تَجاوزَتْ محلَّه وصارتْ بَعيدةً عنه أمْطَرتْ. وفي البيتِ الرَّابعِ يُصوِّرُ نفْسَه بحالِ العِطاشِ الَّذين أبْرقَتْهم غَمامَةٌ مُنْذِرةٌ بالمطَرِ، فاسْتَبْشروا وفرِحوا، فلم تَلبَثْ أنْ أقْشَعتْ ومنَعتْ عنهم ماءَها وتَبدَّدتْ.
هذه التَّشْبيهاتُ كلُّها مُؤدَّاها هو الفشَلُ والشُّعورُ بالخَيْبةِ بعدَ اقْترابِ النَّجاحِ وتَحقُّقِ الأملِ، فلمَّا أحسَّ كُثِّيرٌ مِن عزَّةَ أُنْسًا وحُبًّا، وكادا يَجْتمعانِ على أمرِهما، افْترَقا ولاتَ ساعةَ مَنْدَمِ.
هو ما كان وجْهُ الشَّبهِ فيه مُنْتزَعًا مِن شَيئَينِ فأكْثرَ، سواءٌ انْتُزِع مِن أمورٍ حِسِّيَّةٍ أم عقْليَّةٍ، وهُو مِن أبْلَغِ صُورِ التَّشْبيهِ بعدَ التَّشْبيهِ البَليغِ؛ لِما في وجْهِه مِنَ التَّفْصيلِ الَّذي يَحْتاجُ إلى إمْعانِ فِكْرٍ، وتَدقيقِ نظَرٍ، وهُو أعْظمُ أثَرًا في المَعاني: يَرفَعُ قَدْرَها، ويُضاعِفُ قُواها في تَحْريكِ النُّفوسِ لها، فإنْ كان مدْحًا كان أوْقَعَ، أو ذمًّا كان أوْجَعَ، أو بُرْهانًا كان أسْطَعَ.
وفي ذلك النَّوعِ مِنَ التَّشْبيهِ لا تكونُ المُقارَنةُ بَيْنَ طرفَينِ مُفردَينِ، بل بَيْنَ طرفَينِ تَتَّسعُ دائِرةُ كلٍّ منْهما وتكثُرُ عَناصِرُه، وتَتعدَّدُ مُتعلِّقاتُه، بحيثُ لا يُسْتطاعُ إدْراكُ التَّشابهِ بينَهما إلَّا عن طَريقِ النَّظرةِ المُتأنِّيةِ المُسْتقصيةِ الَّتي تَسْتوعِبُ تلك العَناصِرَ أوِ المُتعلِّقاتِ، وتُدرِكُ ما بينَها جَميعًا مِن تَرابُطٍ وتَماسُكٍ في نَسيجِ الصُّورةِ.
فمن ذلك التَّشْبيهِ قولُه تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا فهذه الآيةُ تُشبِّهُ اليَهودَ الَّذينَ نزَلت عليهم التَّوراةُ فعَلِموا ما بها مِن شرائِعَ وأحْكامٍ، ثمَّ لم يُنفِّذوها أو يَعمَلوا بمُقْتضاها- بالحِمارِ الَّذي يَحمِلُ فوقَ ظهرِه أثْقالًا مِنَ الكُتبِ والأسْفارِ النَّافِعةِ، الَّتي لا يَسْتفيدُ منها غيرَ التَّعبِ والمَشقَّةِ.
ووجْهُ الشَّبهِ هنا هو التَّعبُ والشَّقاءُ في أمرٍ له فائِدةٌ معَ الحِرمانِ منْها، وهُو ما لا يَسْتطيعُ تَحْصيلَه مَنْ لا يَملِكُ النَّظرةَ المُتأنِّيةَ البَلاغيَّةَ الأدبيَّةَ.
ومنه أيضًا قولُه تعالى: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاس وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
قال عبدُ القاهِرِ الجُرْجانيُّ: (ألَا تَرى كيف كثُرتِ الجُمَلُ فيه؟ حتَّى إنَّك تَرى في هذه الآيةِ عشْرَ جُمَلٍ إذا فُصِّلتْ -وهِي وإنْ كان قد دخَل بعضُها في بعضٍ حتَّى كأنَّها جُملةٌ واحِدةٌ- فإنَّ ذلك لا يَمْنعُ مِن أنْ تكونَ صُورُ الجُملِ معنا حاصِلةً تُشيرُ إليها واحِدةً واحِدةً. ثمَّ إنَّ الشَّبهَ مُنْتزَعٌ مِن مَجْموعِها، مِن غيرِ أنْ يُمكِنَ فصْلُ بعضِها عن بعضٍ، وإفْرادُ شطْرٍ مِن شطْرٍ، حتَّى إنَّك لو حذَفتَ منْها جُملةً واحِدةً مِن أيِّ مَوضِعٍ كان، أخَلَّ ذلك بالمَغْزى مِنَ التَّشْبيهِ) .
ومنه قولُ كُثَيِّرِ عزَّةَ: الطويل
كأنِّي وتَهْيامي بعزَّةَ بعدَما
تَخلَّيتُ عمَّا بينَنا وتَخلَّتِ
لَكالمُرْتجي ظِلَّ الغَمامَةِ كلَّما
تَبوَّأ منْها للمَقيلِ اضْمحلَّتِ
كأنِّي وإيَّاها سَحابةُ مُمْحِلٍ
رجاها فلَّما جاوزَتْهُ اسْتهلَّتِ
كما أبْرقَتْ قومًا عِطاشًا غَمامَةٌ
فلَّما رأَوْها أقْشَعَتْ وتَجلَّتِ
فالشَّاعِرُ هنا يصِفُ حالَه بعدَ فِراقِه لمَحْبوبتِه بغيرِ صُورةٍ، كلُّ واحِدةٍ منها مُركَّبةٌ مِن غيرِ وجْهِ شَبهٍ؛ ففي البَيتَينِ الأوَّلَين يُشبِّهُ نفْسَه بالَّذي يَتفقَّدُ ويَنْتظِرُ مَوضِعَ ظلِّ سَحابةٍ، كلَّما اقْترَبَ مِن ظلِّها وتَهيَّأ للنَّومِ تحتَها اضْمَحلَّتْ عنه وانْصَرفتْ، وفي البيتِ الثَّالثِ يُصوِّرُ نفْسَه معَها بالعَطْشانِ الَّذي يَهْفو إلى المطَرِ وقد رأى سَحابةً، يأمُلُ منْها أنْ تُغيثَه بمائِها وتَرويَه وتَرويَ زرْعَه وأرْضَه، فلَّما تَجاوزَتْ محلَّه وصارتْ بَعيدةً عنه أمْطَرتْ. وفي البيتِ الرَّابعِ يُصوِّرُ نفْسَه بحالِ العِطاشِ الَّذين أبْرقَتْهم غَمامَةٌ مُنْذِرةٌ بالمطَرِ، فاسْتَبْشروا وفرِحوا، فلم تَلبَثْ أنْ أقْشَعتْ ومنَعتْ عنهم ماءَها وتَبدَّدتْ.
هذه التَّشْبيهاتُ كلُّها مُؤدَّاها هو الفشَلُ والشُّعورُ بالخَيْبةِ بعدَ اقْترابِ النَّجاحِ وتَحقُّقِ الأملِ، فلمَّا أحسَّ كُثِّيرٌ مِن عزَّةَ أُنْسًا وحُبًّا، وكادا يَجْتمعانِ على أمرِهما، افْترَقا ولاتَ ساعةَ مَنْدَمِ.
وتَشْبيهُ التَّمْثيلِ نوعانِ:
- ظاهِرُ الأداةِ: وهُو ما كانت أداةُ التَّشْبيهِ فيه ظاهِرةً، كالأمْثِلةِ السَّابِقةِ.
- خَفِيُّ الأداةِ: وهُو ما كانتِ الأداةُ غيرَ مَذْكورةٍ، ولا يَفهَمُ أنَّه تَشْبيهٌ إلَّا مَنْ أُوتِي عقْلًا وفِطْنةً وذَوْقًا، كقولِك للَّذي يَتردَّدُ في شيءٍ: "أراك تُقدِّمُ رِجْلًا وتُؤخِّرُ أخْرى"، فإنَّ الأصْلَ فيها: أراك في تَردُّدِك مِثلَ مَنْ يُقدِّمُ رِجْلًا ويُؤخِّرُ أخرى. فالأداةُ مَحْذوفةٌ، ووجْهُ الشَّبهِ: هَيْئةُ الإقْدامِ والإحجامِ المَصْحوبَينِ بالشَّكِّ.
والتَّشْبيهُ التَّمْثيليُّ إمَّا أنْ يَقعَ في:
- أوَّلِ الكَلامِ: فيكونَ قِياسًا مُوضَّحًا، وقولًا مَدلولًا عليه بالبُرهانِ، كقَولِه تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
-ختام الكَلامِ: فيُفيدَ تَقْريرَ الكَلامِ وتَوْكيدَه، كالبُرهانِ الَّذي تَثبُتُ به صِحَّةُ الدَّعوى، كقَولِ الشَّاعِر: البسيط
لا يَنزِلُ المَجْدُ إلَّا في مَنازلِنا
كالنَّومِ ليس له مَأوًى سِوى المُقَلِ
فإنَّ الشَّاعرَ هنا بعدَ أنْ ذكَر أنَّ المجْدَ إنَّما هو رَبيبُ بُيوتِهم، لا يُفارِقُهم، عقَّب وختَم ذلك بِما يُؤكِّدُه، وهُو تَشْبيهُ مُلازَمةِ المجْدِ لهم بالنَّومِ الَّذي لا يَجدُ له مَنْزِلًا إلَّا في مُقَلِ العُيونِ
- ظاهِرُ الأداةِ: وهُو ما كانت أداةُ التَّشْبيهِ فيه ظاهِرةً، كالأمْثِلةِ السَّابِقةِ.
- خَفِيُّ الأداةِ: وهُو ما كانتِ الأداةُ غيرَ مَذْكورةٍ، ولا يَفهَمُ أنَّه تَشْبيهٌ إلَّا مَنْ أُوتِي عقْلًا وفِطْنةً وذَوْقًا، كقولِك للَّذي يَتردَّدُ في شيءٍ: "أراك تُقدِّمُ رِجْلًا وتُؤخِّرُ أخْرى"، فإنَّ الأصْلَ فيها: أراك في تَردُّدِك مِثلَ مَنْ يُقدِّمُ رِجْلًا ويُؤخِّرُ أخرى. فالأداةُ مَحْذوفةٌ، ووجْهُ الشَّبهِ: هَيْئةُ الإقْدامِ والإحجامِ المَصْحوبَينِ بالشَّكِّ.
والتَّشْبيهُ التَّمْثيليُّ إمَّا أنْ يَقعَ في:
- أوَّلِ الكَلامِ: فيكونَ قِياسًا مُوضَّحًا، وقولًا مَدلولًا عليه بالبُرهانِ، كقَولِه تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
-ختام الكَلامِ: فيُفيدَ تَقْريرَ الكَلامِ وتَوْكيدَه، كالبُرهانِ الَّذي تَثبُتُ به صِحَّةُ الدَّعوى، كقَولِ الشَّاعِر: البسيط
لا يَنزِلُ المَجْدُ إلَّا في مَنازلِنا
كالنَّومِ ليس له مَأوًى سِوى المُقَلِ
فإنَّ الشَّاعرَ هنا بعدَ أنْ ذكَر أنَّ المجْدَ إنَّما هو رَبيبُ بُيوتِهم، لا يُفارِقُهم، عقَّب وختَم ذلك بِما يُؤكِّدُه، وهُو تَشْبيهُ مُلازَمةِ المجْدِ لهم بالنَّومِ الَّذي لا يَجدُ له مَنْزِلًا إلَّا في مُقَلِ العُيونِ
٥- التشبيه الضمني:
هو تَشْبيهٌ لا يُوضَعُ فيه المُشبَّهُ والمُشبَّهُ به في صُورةٍ مِن صُوَرِ التَّشْبيهِ المَعْروفةِ، بل يُلمَحُ المُشبَّهُ والمُشبَّهُ به، ويُفهَمانِ مِنَ المَعْنى، كقَولِ المتنبي الخفيف
مَنْ يَهُنْ يَسهُلِ الهَوانُ عليه
ما لِجُرْحٍ بميِّتٍ إيْلامُ
يُريدُ: مَنِ اعْتادَ الهَوانَ والصَّغارَ اسْتطاعَ تحمُّلَ ذلك، وسهُلَ ذلك عليه، يُؤيِّدُ هذا الادِّعاءَ أنَّ الميِّتَ لا يَتألَّمُ بالجِراحِ الحادِثةِ فيه. وهذا كما ظهَر ليس على صُورِ التَّشْبيهِ المَعْروفةِ.
وقولِه أيضًا: الوافر
فإنْ تَفُقِ الأنامَ وأنتَ منْهم
فإنَّ المِسْكَ بعضُ دمِ الغَزالِ
يُريدُ: ليس أمرًا مُسْتغرَبًا أنْ تَفوقَ جَميعَ النَّاسِ وأنت واحِدٌ منْهم، فإنَّ المِسْكَ مِنَ الدَّمِ، وبَوْنٌ كَبيرٌ بينَ المِسْكِ والنَّجَسِ مِنَ الدِّماءِ.
ومنه قولُ ابي فراس الحمداني الطويل
سيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدَّ جِدُّهم
وفي اللَّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتقَدُ البدْرُ
يُريدُ أنْ يقولَ: إنَّ قومَه سيَذكُرونَه عند اشْتِدادِ الخُطوبِ والأهْوالِ عليهم ويَطْلبونَه فلا يَجِدونَه، ولا عجَبَ في ذلك؛ فإنَّ البدْرَ يُفْتقَدُ ويُطلَبُ عند اشْتِدادِ الظَّلامِ.
وقولُ آخَرَ: البسيط
علا فما يَسْتقرُّ المالُ في يدِهِ
وكيفَ تُمسِكُ ماءً قِمَّةُ الجبَلِ
يُريدُ أنَّ المَمْدوحَ لمَّا عَلا وعزَّ، جادَ بِما في يدِه ولم يَبخَلْ على أحدٍ، وهذا شأنُ كلِّ عالٍ مُرْتفعٍ، كما أنَّ قِمَّةَ الجبَلِ لا تُمسِكُ الماءَ .
كما أنَّ التَّشبيهَ يَنقسِمُ انقسامًا آخَرَ بحسَبِ تَعدُّدِ رُكنيْه إلى ثلاثةِ أنواعٍ:
1- التَّشبيهُ المفرَدُ: وذلك إذا كان المُشَبَّهُ شيئًا واحدًا، والمُشَبَّه به كذلك، حتَّى وإنْ كان الشَّيءُ الواحدُ مركَّبًا مِن عِدَّةِ أُمورٍ، كالتَّشبيهاتِ الَّتي مرَّت.
2- التَّشبيهُ المتعدِّدُ: وهو أنْ يكونَ الكلامُ مَعقودًا على تَشبيهِ شَيئينِ أو أكثَرَ بشَيئينِ أو أكثَرَ، لا يَتداخَلُ أحدُهما في الآخَرِ.
وذلك كقولِ امرئِ القَيسِ في وَصفِ عُقابٍ: الطويل
كأنَّ قلوبَ الطَّيرِ رَطْبًا ويابسًا
لَدى وَكْرِها العُنَّابُ والحَشَفُ البالي
ففي البيتِ صوَّر قلوبَ الطُّيورِ الرَّطبةَ بالعُنَّابِ، وهو ثَمرٌ أحمَرُ رَطبٌ لشَجرةٍ مَعروفةٍ، وصَوَّر القلوبَ اليابسةَ بالتَّمرِ الَّذي ذَهَب ماؤه وزالَت رُطوبتُه وانقَضَى خَيرُه.
وقد قسَّم البلاغيُّون التَّشبيهَ المتعدِّدَ إلى نوعينِ:
- التَّشبيهُ الملفوفُ: وهو جمْعُ كلِّ طَرفٍ على حِدَةٍ؛ فيُؤتى بالمُشَبَّهاتِ أوَّلًا ثمَّ بالمُشَبَّهاتِ بها، كقولِ الشَّاعرِ: المجتث
لَيْلٌ وبَدْرٌ وغُصْنُ
شَعرٌ ووَجْهٌ وقَدُّ
خَمْرٌ ودُرٌّ ووَرْدُ
رِيقٌ وثَغْرٌ وخَدُّ
شَبَّه الشَّعرَ باللَّيلِ، والوجهَ بالبَدرِ، والقَدَّ بالغُصنِ، والرِّيقَ بالخمرِ، والثَّغرَ بالدُّرِّ، والخدَّ بالوردِ، وجَمَعَ كلَّ طَرَفٍ مِن المشبَّهِ والمشبَّهِ به على حِدَةٍ؛ فالشَّعرُ والوجهُ والقَدُّ هي المشبَّهاتُ في البيتِ الأوَّلِ، والرِّيقُ والثَّغرُ والخَدُّ في البيتِ الثَّاني، والمشبَّهاتُ بها في الأوَّلِ اللَّيلُ والبَدْرُ والغُصنُ، وفي الثَّاني: الخمرُ والدُّرُّ والوردُ.
ومنه كذلك قولُ امرئِ القَيسِ السابقِ؛ حيث جَعَل المشبَّهَ "قُلوب الطَّيرِ رَطْبًا ويابسًا" مُتواليةً، والمشبَّهَ به: "العُنَّاب والحَشَف" بعدها.
- التَّشبيهُ المفروقُ: وهو جمعُ كلِّ مُشَبَّهٍ مع المشبَّهِ به، كقولِ المُرَقِّشِ الأكبَرِ: السريع
النَّشرُ مِسكٌ والأَكُفُّ دَنا نِيرُ وأطرافُ الأَكُفِّ عَنَمْ
جمَعَ بيْن كلِّ مُشبَّهٍ وما يَخُصُّه مِن المشبَّهِ به؛ حيث شبَّه النَّشرَ بالمسكِ، والأكُفَّ بالدَّنانيرِ، وأطرافَ الأكُفِّ بالعَنَمِ.
ومنه قولُ الشَّاعرِ: الخفيف
إنَّما النَّفسُ كالزُّجاجةِ والعِلــــــــــــ
ـــــــــــــمُ سِراجٌ وحِكمةُ اللهِ زَيتُ
فإذا أشْرقَتْ فإنَّك حَيٌّ
وإذا أظلَمَت فإنَّك مَيْتُ
حيث جَمَع بيْن الأطرافِ؛ فالنَّفسُ مُشبَّهةٌ بالزُّجاجةِ، والعِلمُ بالسِّراجِ، والحِكمةُ بالزَّيتِ.
3- تَشبيهٌ مُفرَدٌ مُتعدِّدٌ: وهو ما كان أحدُ رُكنَي التَّشبيهِ مُفرَدًا والآخَرُ مُتعدِّدًا، وذلك على صورتينِ:
أ- تَشبيهُ التَّسويةِ: وهو أن يكونَ المشبَّهُ مُتعدِّدًا والمشبَّهُ به مُفرَدًا، كقولِ الشَّاعرِ: المجتث
صُدغُ الحبيبِ وَحالي
كِلاهما كاللَّيالي
وثَغْرُه في صَفاءٍ
وأدْمُعي كاللآلِ
ففي البيتِ الأولِ صوَّر الشَّاعرُ صُدغَ الحبيبِ وحالَه معه باللَّيالي في السَّوادِ؛ فأتى بالمشبَّهِ مُتعدِّدًا، والمشبَّهِ به مُفرَدًا. وسُمِّي بذلك للتَّسويةِ فيه بيْن المُشَبَّهات.
ب- تَشبيهُ الجمعِ: وهو أن يكونَ المشبَّهُ واحدًا، والمشبَّهُ به مُتعدِّدًا، عكْسُ الصُّورةِ السَّابقةِ، ومنه قولُ البحتري
كأنَّما يَبسُمُ عن لُؤلؤٍ
مُنَضَّدٍ أو بَرَدٍ أو أقاحْ
هو تَشْبيهٌ لا يُوضَعُ فيه المُشبَّهُ والمُشبَّهُ به في صُورةٍ مِن صُوَرِ التَّشْبيهِ المَعْروفةِ، بل يُلمَحُ المُشبَّهُ والمُشبَّهُ به، ويُفهَمانِ مِنَ المَعْنى، كقَولِ المتنبي الخفيف
مَنْ يَهُنْ يَسهُلِ الهَوانُ عليه
ما لِجُرْحٍ بميِّتٍ إيْلامُ
يُريدُ: مَنِ اعْتادَ الهَوانَ والصَّغارَ اسْتطاعَ تحمُّلَ ذلك، وسهُلَ ذلك عليه، يُؤيِّدُ هذا الادِّعاءَ أنَّ الميِّتَ لا يَتألَّمُ بالجِراحِ الحادِثةِ فيه. وهذا كما ظهَر ليس على صُورِ التَّشْبيهِ المَعْروفةِ.
وقولِه أيضًا: الوافر
فإنْ تَفُقِ الأنامَ وأنتَ منْهم
فإنَّ المِسْكَ بعضُ دمِ الغَزالِ
يُريدُ: ليس أمرًا مُسْتغرَبًا أنْ تَفوقَ جَميعَ النَّاسِ وأنت واحِدٌ منْهم، فإنَّ المِسْكَ مِنَ الدَّمِ، وبَوْنٌ كَبيرٌ بينَ المِسْكِ والنَّجَسِ مِنَ الدِّماءِ.
ومنه قولُ ابي فراس الحمداني الطويل
سيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدَّ جِدُّهم
وفي اللَّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتقَدُ البدْرُ
يُريدُ أنْ يقولَ: إنَّ قومَه سيَذكُرونَه عند اشْتِدادِ الخُطوبِ والأهْوالِ عليهم ويَطْلبونَه فلا يَجِدونَه، ولا عجَبَ في ذلك؛ فإنَّ البدْرَ يُفْتقَدُ ويُطلَبُ عند اشْتِدادِ الظَّلامِ.
وقولُ آخَرَ: البسيط
علا فما يَسْتقرُّ المالُ في يدِهِ
وكيفَ تُمسِكُ ماءً قِمَّةُ الجبَلِ
يُريدُ أنَّ المَمْدوحَ لمَّا عَلا وعزَّ، جادَ بِما في يدِه ولم يَبخَلْ على أحدٍ، وهذا شأنُ كلِّ عالٍ مُرْتفعٍ، كما أنَّ قِمَّةَ الجبَلِ لا تُمسِكُ الماءَ .
كما أنَّ التَّشبيهَ يَنقسِمُ انقسامًا آخَرَ بحسَبِ تَعدُّدِ رُكنيْه إلى ثلاثةِ أنواعٍ:
1- التَّشبيهُ المفرَدُ: وذلك إذا كان المُشَبَّهُ شيئًا واحدًا، والمُشَبَّه به كذلك، حتَّى وإنْ كان الشَّيءُ الواحدُ مركَّبًا مِن عِدَّةِ أُمورٍ، كالتَّشبيهاتِ الَّتي مرَّت.
2- التَّشبيهُ المتعدِّدُ: وهو أنْ يكونَ الكلامُ مَعقودًا على تَشبيهِ شَيئينِ أو أكثَرَ بشَيئينِ أو أكثَرَ، لا يَتداخَلُ أحدُهما في الآخَرِ.
وذلك كقولِ امرئِ القَيسِ في وَصفِ عُقابٍ: الطويل
كأنَّ قلوبَ الطَّيرِ رَطْبًا ويابسًا
لَدى وَكْرِها العُنَّابُ والحَشَفُ البالي
ففي البيتِ صوَّر قلوبَ الطُّيورِ الرَّطبةَ بالعُنَّابِ، وهو ثَمرٌ أحمَرُ رَطبٌ لشَجرةٍ مَعروفةٍ، وصَوَّر القلوبَ اليابسةَ بالتَّمرِ الَّذي ذَهَب ماؤه وزالَت رُطوبتُه وانقَضَى خَيرُه.
وقد قسَّم البلاغيُّون التَّشبيهَ المتعدِّدَ إلى نوعينِ:
- التَّشبيهُ الملفوفُ: وهو جمْعُ كلِّ طَرفٍ على حِدَةٍ؛ فيُؤتى بالمُشَبَّهاتِ أوَّلًا ثمَّ بالمُشَبَّهاتِ بها، كقولِ الشَّاعرِ: المجتث
لَيْلٌ وبَدْرٌ وغُصْنُ
شَعرٌ ووَجْهٌ وقَدُّ
خَمْرٌ ودُرٌّ ووَرْدُ
رِيقٌ وثَغْرٌ وخَدُّ
شَبَّه الشَّعرَ باللَّيلِ، والوجهَ بالبَدرِ، والقَدَّ بالغُصنِ، والرِّيقَ بالخمرِ، والثَّغرَ بالدُّرِّ، والخدَّ بالوردِ، وجَمَعَ كلَّ طَرَفٍ مِن المشبَّهِ والمشبَّهِ به على حِدَةٍ؛ فالشَّعرُ والوجهُ والقَدُّ هي المشبَّهاتُ في البيتِ الأوَّلِ، والرِّيقُ والثَّغرُ والخَدُّ في البيتِ الثَّاني، والمشبَّهاتُ بها في الأوَّلِ اللَّيلُ والبَدْرُ والغُصنُ، وفي الثَّاني: الخمرُ والدُّرُّ والوردُ.
ومنه كذلك قولُ امرئِ القَيسِ السابقِ؛ حيث جَعَل المشبَّهَ "قُلوب الطَّيرِ رَطْبًا ويابسًا" مُتواليةً، والمشبَّهَ به: "العُنَّاب والحَشَف" بعدها.
- التَّشبيهُ المفروقُ: وهو جمعُ كلِّ مُشَبَّهٍ مع المشبَّهِ به، كقولِ المُرَقِّشِ الأكبَرِ: السريع
النَّشرُ مِسكٌ والأَكُفُّ دَنا نِيرُ وأطرافُ الأَكُفِّ عَنَمْ
جمَعَ بيْن كلِّ مُشبَّهٍ وما يَخُصُّه مِن المشبَّهِ به؛ حيث شبَّه النَّشرَ بالمسكِ، والأكُفَّ بالدَّنانيرِ، وأطرافَ الأكُفِّ بالعَنَمِ.
ومنه قولُ الشَّاعرِ: الخفيف
إنَّما النَّفسُ كالزُّجاجةِ والعِلــــــــــــ
ـــــــــــــمُ سِراجٌ وحِكمةُ اللهِ زَيتُ
فإذا أشْرقَتْ فإنَّك حَيٌّ
وإذا أظلَمَت فإنَّك مَيْتُ
حيث جَمَع بيْن الأطرافِ؛ فالنَّفسُ مُشبَّهةٌ بالزُّجاجةِ، والعِلمُ بالسِّراجِ، والحِكمةُ بالزَّيتِ.
3- تَشبيهٌ مُفرَدٌ مُتعدِّدٌ: وهو ما كان أحدُ رُكنَي التَّشبيهِ مُفرَدًا والآخَرُ مُتعدِّدًا، وذلك على صورتينِ:
أ- تَشبيهُ التَّسويةِ: وهو أن يكونَ المشبَّهُ مُتعدِّدًا والمشبَّهُ به مُفرَدًا، كقولِ الشَّاعرِ: المجتث
صُدغُ الحبيبِ وَحالي
كِلاهما كاللَّيالي
وثَغْرُه في صَفاءٍ
وأدْمُعي كاللآلِ
ففي البيتِ الأولِ صوَّر الشَّاعرُ صُدغَ الحبيبِ وحالَه معه باللَّيالي في السَّوادِ؛ فأتى بالمشبَّهِ مُتعدِّدًا، والمشبَّهِ به مُفرَدًا. وسُمِّي بذلك للتَّسويةِ فيه بيْن المُشَبَّهات.
ب- تَشبيهُ الجمعِ: وهو أن يكونَ المشبَّهُ واحدًا، والمشبَّهُ به مُتعدِّدًا، عكْسُ الصُّورةِ السَّابقةِ، ومنه قولُ البحتري
كأنَّما يَبسُمُ عن لُؤلؤٍ
مُنَضَّدٍ أو بَرَدٍ أو أقاحْ
صوَّر أسنانَ مَحبوبِه باللُّؤلؤِ المُنَظَّمِ وبالبَرَدِ، وهو الثَّلجُ، وبالأقاحِ، وهو نَبتٌ له زَهرٌ أبيضُ.
ومِثلُه قولُ شَوقي في وَصفِ الطَّائرةِ: الرَّمل
كبِساطِ الرِّيحِ في القُدرةِ أو
هُدْهُدِ السِّيرةِ في صِدقِ البلاءْ
أو كَحُوتٍ يَرْتَمي الموجُ به
سابحٍ بيْن ظُهورٍ وخَفاءْ
حيث صوَّر الطَّائرةَ ببِساطِ الرِّيحِ، وبهُدْهُدِ سُليمانَ، وبالحُوتِ الذي يَزِيدُ الموجُ مِن سُرعةِ سِباحتِه
ومِثلُه قولُ شَوقي في وَصفِ الطَّائرةِ: الرَّمل
كبِساطِ الرِّيحِ في القُدرةِ أو
هُدْهُدِ السِّيرةِ في صِدقِ البلاءْ
أو كَحُوتٍ يَرْتَمي الموجُ به
سابحٍ بيْن ظُهورٍ وخَفاءْ
حيث صوَّر الطَّائرةَ ببِساطِ الرِّيحِ، وبهُدْهُدِ سُليمانَ، وبالحُوتِ الذي يَزِيدُ الموجُ مِن سُرعةِ سِباحتِه
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM