Telegram Web
عبد الباسط سجعي:

يا اخوة، أنفقوا مما تحبون ..

اخواننا في غزة في كارثة ومصيبة لا يفوق أهوالها إلا يوم القيامة، والدينار الذي تنفقه في سبيلهم لن يوقف قتلهم ولن يحميهم من القصف.
لكن ما تنفقه قد يطعم يتيما أو يستر أرملة أو يساهم في التخفيف عن جريح أو مصاب.

لا يوجد عمل في غزة ولا مصادر دخل للناس وحال الحرب يجعل الحصول على اللقمة عذابا يوميا لذا أي مساهمة تصنع الفارق، رغيف خبز اضافي يصنع الفارق، ضمادة جرح أو قرص دواء أو لتر وقود أو قليل من الحطب يصنع الفارق.

نحن في تقصير عظيم وكارثي تجاه اخواننا فلا نضيع حتى أقل الواجب الذي نستطيع اداءه.
هل المساهمات المالية تكفي؟ لا .. ولكنها ضرورية وواجبة

وقد رأيت كثيرا من الاسئلة المتداولة حول مصداقية الموضوع وجدواه فهذه اجوبتها:

كيف تصل المساهمات رغم أن الحدود والمعابر مقفلة؟
نحن في سنة 2025 والاموال لا يتم ارسالها كصرة من الذهب، في غزة ورغم كل الفوضى والدمار لازالت بعض الحسابات البنكية تعمل مما يمكن الناس من استقبال الاموال. أيضا يوجد تجار واصحاب صرافات يقومون بالتحويل من الخارج للداخل، كما يتم استخدام العملات الرقمية للتحويل دون الحاجة للبنوك والاوراق المالية

المعابر مقفلة فما الذي يستفيده الناس من المال اذا لم تتوفر المواد الغذائية؟
الناس تتدبر امورها، فترة التهدئة دخلت فيها كميات من المواد الغذائية يتداولها الناس ويتصرفون بالموجود. المال ليس مطلوبا فقط من اجل الغذاء. شراء الدواء يحتاج مالا، ركوب مواصلات او نزوح يحتاج مالا، الوقود من اجل السيارات والمولدات ومضخات مياه الابار يحتاج مالا، الحصول على خيمة يحتاج مالا .. وما يزيد الامر سوءا ان الحرب والحصار تجعل اسعار السلع والخدمات مضاعفة فحتى حين تتوفر السلعة أو الخدمة يعسر على الناس تحصيلها لغلاءها

توجد مؤسسات دولية ودول يمكنها دعمهم فما الداعي لارسال دراهمي المعدودة؟
بعيدا عن كون تلك الدراهم قد تكون عتق رقبتك من عظيم الحساب الذي ينتظرنا امام رب العباد، وبعيدا عن كون الواجب فرض عين لا يجزئ فيه غيرك عنك، عظم الكارثة في غزة يتطلب مجهود كل مسلم لعله يخفف شطرا بسيطا جدا من العذاب الذي يعيشه اخواننا

ما الذي يضمن لي ان الاموال ستصل، لربما من يستلمها سوف يسرقها؟
يوجد في كل بلد من الجمعيات والهيئات التي يعرفها الناس وانتشر بما لا يمكن التشكيك فيه جهدهم وسعيهم لايصال المساهمات لاهلنا في غزة. فقط ابذل قليلا من الجهد في التبين والاستفسار ثم توكل على الله ولا تترك الشيطان يأتيك من هذه الفجوة بحيث يجعل الورع الكاذب والحرص الزائد يمنعك من الخير ويحجزك عن اداء واجبك

الكثير من اهل غزة يقولون لم يصلنا شيئ، فأين هي الأموال التي يرسلها الناس؟
الجواب بسيط، الكارثة في غزة كبيرة لدرجة انه لو سخرت اربع او خمس دول كبيرة كل جهدها لاغاثة الناس هناك فلن تكفيهم، فالمنطقي والبديهي ان جمعيات اهلية معظمها يعمل بامكانيات متواضعة ويعتمد على المتطوعين لن يسد حتى 10% من الحاجة والبقية لن يصلهم شيئ، وان وصلهم اليوم فلن يصل غذا

المساهمة بالمال لا تكفي، لما تضحك على الناس وتدفعهم نحو أمر بسيط وغير مؤثر كهذا ؟
والله ان كان في يدك ان تفعل اكثر من المساهمة المالية ولم تفعله فحسابك بين يدي خالقك، اذا كنت تستطيع الفعل بيدك او بلسانك او بقلمك او بمنصبك فالبديهي ان تفعل ما يجب دون ان تنتظر احد. افعل ما تستطيع فعله واترك من لا يستطيع يساهم بماله فقط، او ساهم بالفعل والقول والمال فيجتمع لك الاجر كله وتكون قدوة ومثالا

انا لا اعرف اين اتبرع، كيف اوصلي ما معي من مال لمستحقيه؟
ان كنت لا تعرف فاسأل، جزء من واجبك ان تسعى بصدق وفي زمننا هذا الحصول على المعلومة جد سهل، ان لم تجدها في مواقع التواصل تستطيع الاتصال بالهاتف، ان لم يكفك الهاتف تستطيع الذهاب بقدميك الى احدى مقار او مكاتب الجمعيات والمؤسسات.

يا اخوان .. انفقو مما تحبون، وانفاقنا ليس منة او صدقة أو تبرعا، بل هو واجب لازم على كل مسلم بالغ مستطيع ..
يا اخوان .. بلغو الرسالة وحرضو من حولكم على الانفاق وساعدو من لا يعرف كي تصل مساهماته
يا اخوان .. هذه ايام الله واخواننا في كرب عظيم فلا أقل من ننفق من اموالنا ما يخفف بعضا من كربهم
يا اخوان .. الله الله في اخوانكم في الدين اذ استنصروكم، الا ننصرهم ينزل علينا الله غصبا من عنده او يحبط اعمالنا فنكون من الخاسرين
يا اخوان .. رب دينار تنفقه اليوم يقيك يوم الحساب من عذاب شديد
هذه الليلة هي أرجى الليالي أن تكونَ ليلةَ القدر، عندَ طائفةٍ كبيرةٍ من الصحابة والعلماء.

وإذا كان غالبُ ظنِّ الناس أنّ ليلتَنا هذه هي ليلةُ القدر، فينبغي أن يكونَ اجتهادُهم فيها زائدًا عن المعتاد، بل أن يكونَ غايةَ الاجتهاد والصبر والمصابرة.

والتعبد ليس على شرط اللذة والمتعة، بل الأصل في التعبد المشقة، فإن حصلت اللذة والمتعة فهو نور على نور، والأجر مكتوبٌ -إن شاء الله- على كل حال، بل ربما ضُوعِفَ أجرُ مَن تَثقُل عليه العبادةُ إذا حملَ نفسَه عليها وصبرَ، قياسًا على أن الذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق له أجران.

و"الترندات" لن تفوتك، بعدَ الفجر ستجدها موجودةً كما هي، بل تزيد كل ساعة، يمكنك حينها أن تغوصَ فيها إلى صدرك..
ورحمة ربك خير مما يجمعون..

ورحمةُ اللهِ واسعةٌ، وسعَت كلَّ شيء..
ومَن حُرِمَ خيرَ ليلةِ القدر فقد حُرِمَ..
ولا يَهلكُ على الله إلا هالك.
شرفُ هذه الأمة الباقي، وبقيةُ عِزِّها، في أولئك الأُباةِ الواقفين على كل ثغرٍ، يُفَدُّونَ حِمَى الأمةِ بأنفسِهم، يحملون أرواحَهم على أكفِّهم، يأخذون حِذرَهم وأسلحتَهم..

ولئن ضيعتموهم اليومَ، فارتقبوا ذُلًّا -على هذا الذل الشديد- مضاعفًا عاجلًا قريبًا، ذُلًّا ستتمنون معه الموت ولا تجدونه.

"اللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا رشيدًا يُعَزُّ فيه وَليُّك، ويُذَلُّ فيه عدوُّك، ويُعمل فيه بطاعتك ورضاك.."
غروب آخر أيام رمضان 1446
[لِلصّائِمِ فَرْحَتانِ يَفْرَحُهُما:
إِذا أَفْطَرَ فَرِحَ بفِطْرِهِ، وإذا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ.]
___
حديث شريف

والفرح شعورٌ قلبي، يُلقيه اللهُ في قلوب عباده، وهو من آيات العيد، فسبحان الخالق!
ولا ينافي الفرحُ بشعيرة، الحزنَ على مُصاب..
عيدُكم مباركٌ يا كِرام..
كل عامٍ وأنتم في خيرٍ وعافيةٍ وعيشةٍ هنيّةٍ، أنتم وأهليكم وأحبابكم والمسلمين.
ربنا يقضي لكلِّ صاحبِ حاجةٍ منكم حاجَتَه، ويؤتي كلَّ ذي سُؤلٍ سُؤلَه، وربنا يقرّ أعينَنا جميعًا بسلامةِ إخواننا ونصْرِهم، وردِّ كيدِ المعتدين وكَبْتِهم وانقلابِهم خاسرينَ خائبين.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على أبوينا الكريمَين سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل، اللذَين أسلما لله رب العالمين واستسلما، فكان الفداء العظيم، عيدًا لأولنا وآخرنا وآيةً من ربنا، واللذَين رفعا قواعدَ البيت، ودعوَا اللهَ أن يجعل من ذريتهما أمةً مسلمةً، فنالتنا بركةُ دعائهما من غير حولٍ منا ولا قوة، ومن بركة دعائهما "ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم" كانت المنةُ العظمى والنعمةُ الكبرى ببعثة سيدنا رسول الله ﷺ، السراج المنير، ورحمة الله للعالمين، الذي قال: "أنا دعوةُ أبي إبراهيمَ".
يوم "عرفة" هو يومُ اليقين المعلوم.

في يوم الجمعةِ ساعةٌ تُجابُ فيها الدعوات، لكنك لا تعرفها على وجه اليقين، فتدعو على غلبة الظن.

وفي الليل ساعةٌ كذلك، لا تدري يقينًا أي ساعةٍ تكون!

حتى أعظم ليلةٍ: ليلة القدر، أنت من إدراكها في شكٍ، تدعو وتتعبد وأنت لا تدري جازمًا متيقنًا أأصبتَها في ليلتك تلك أم لا!

أما يوم عرفة، فتتساقط كلُّ الظنون، وتَنجابُ عن عينك كلُّ الغشاوات.. حسنًا، أنت الآن في مواجهةٍ مباشرةٍ مع نفسِك، فلتنظر ماذا تصنع!
يومٌ معلومُ الموعد، معلومُ الفضل، معلومُ الوظائف، محددٌ لك تمامًا، فما يمنعك الآن؟!

ليكن لك ثلاثةٌ لا تلتفت عنهم سائرَ يومِك، وما زاد فهو خيرٌ وأجر، لكنها أعمدةُ يومِك:

- صومٌ بحق، تنال به الأجرَ الموعود، فقد احتسبَ النبيُّ ﷺ على الله أن يُكَفِّرَ لك سيئاتِ سنتَين؛ إن صمتَ يومَ عرفة.

-الذِّكرُ -ومنه القرآن- فهو شعيرةُ هذه الأَيامِ العظمى، مهما تكن أشغالُك؛ لا حجةَ لك في ترك لسانك يابسًا لا ترطبُه بذكر الله.
وخير الذكر:
"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".
ومِن أحب الذكر في هذه الأيام: تكبير اللهِ عزّ وجلّ بقلبك ولسانك، والتَّكبِيرُ يَملأُ ما بين السماءِ والأرضِ.

- الدعاء: وههنا الموعد المنتظر مع كَنزك المُدَخَّر، وذخيرتك المُعَدَّة، وطاقةُ قدرك وأمانيك..
كلُّ حاجاتك المؤجَّلة= يومُ عرفة يومُ إجابتها، فادعُ..
"أفضل الدعاء= يوم عرفة"
يوم عرفة، لدنياك وآخرتك، ومفتاحهما: الدعاء.
وإن الله سبحانه "لَيَدنُو" يومَ عرفة ويباهي الملائكةَ بعباده، بما يمنّ به عليهم ويوفقهم له، سبحانه له المِنَّةُ بدءًا وانتهاءً.
أين مطلوباتُ دنياك وآخرتك؟ أحصِها وأعدَّها وجهِّزْها وألحَّ على ربك بها، هذا يومٌ لا يخسر فيه إلا مغبون، وسوقٌ كلُّ تُجَّاره رابحون.

وكل ذلك بعد حُسنِ إقامةِ الفرائض، وترك المحرمات، فهما أعظمُ ما تقومُ به في حياتك مطلقًا، وفي يوم عرفة كذلك.

أما الفوزُ الكَبيرُ، فهو العتق من النار..
"أكثرُ يومٍ يعتق اللهُ فيه من النار= يوم عرفة".
وهذه نتيجةٌ تنالُها، وفضل يُسبغه الله عليك، وعفوٌ تَحوزُه فلا خوفَ عليك بعده أبدًا.
فتعرَّض لنفحات الله ولا تَعْدُ عيناك عما تفوز به برضوان الله.

يومُ عرفة= يوم الدعاء، يوم الصيام، يوم الذكر، يوم العتق، يوم المغفرة، يوم الحج الأكبر، يوم يباهي اللهُ ملائكتَه بعباده الواقفين بعرفة، ويوم يندحر الشيطانُ ويحثو الترابَ على رأس نفسِه، يومٌ لا يُحصَى خيرُه، ولا تُعَدُّ فضائله. فتزوَّدوا.

يوم عرفة= يوم جلالٍ وجمالٍ وعَظَمَةٍ وهَيْبَة.

يوم عرفة= مفخرةٌ لنا نحن المسلمين ورحمةٌ وبركةٌ وفضل!

مرة أخرى= يوم عرفة يوم الدعاء.
هذه وظيفةُ اليوم كله، والدعاء هو مُخُّ العبادة وحقيقتُها، بل هو هي.

أدام اللهُ نفحاتِه علينا أجمعين، وجعلَنا وإياكم ممن يتعرضُ لها فلا يشقى بعدها أبدًا، وفتحَ اللهُ على كلِّ امرئٍ بما يدعو ويرجو دِينًا ودنيا ومعاشًا ومعادًا.
وفرَّجَ اللهُ الكُربةَ عن أهلنا وإخواننا، وجعلَ العاقبةَ لهم على مَن بغى عليهم، وأبرمَ لهذه الأمة أمرَ رُشد.. آمين.
اللهم ربَّ الناس، كما مننتَ علينا وأعطيتنا، وجعلتَ فينا الأضاحي سنةً ساريةً من أولنا لآخرنا، فداءً من بلاءٍ مبين، اللهم فامنن على إخواننا بالفداء من البلاء الذي أحاط بهم، ونجهم من أرذل عبادك..

اللهم وأحيِ جُثَثنا الهامدة، وأيقظ ما تبلد من إحساسنا، وأصلح ما فسد من قلوبنا، وأعذنا من الجبن الذي استشرى فينا ونخر في عظامنا، ومن حب الدنيا الذي أوهننا وأقعدنا، ومن كراهية الموت التي أجبنتنا وخوفتنا..

اللهم رب الناس، أحيِ هذه الأمةَ المسكينة، تسترد ما سُلب من عزتها، وتثور لما دِيس من كرامتها، وتسترجع ما سُلب من مقدساتها، وتنتقم لما أزهق من عيون أبنائها، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتجاهد في سبيلك والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا.

اللهم غزةَ يا رب غزة..
غزةَ يا رب غزة..
غزة يا رب يا قادر.. يا كريم.
في الحديث: يقول اللهُ سبحانَهُ لأهل عرفات:
"أفيضُوا عِبادِي مغفورًا لكم ولِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ".

اللهم ألحقنا بالصالحين من عبادك، وشفِّعهم فينا، واقبلْ دعاءَهم في إخواننا المستضعفين.
مما يدل على عظيمِ قدرِ هذا اليوم وأنه لا تُفوّت أوقاتُه في غير ذكر ودعاء، ما جاءنا مِن حرص رسولنا ﷺ:

فعن أسامة بن زيد:
كنتُ رَديفَ رسولِ اللهِ ﷺ بعَرَفاتٍ، فرَفَعَ يدَيه يَدعو، فمالتْ به ناقتُه، فسَقَطَ خِطامُها. قال: فتَناوَلَ الخِطامَ بإحدى يدَيه وهو رافعٌ يدَه الأُخرى".

يا ربِّ صلِّ وسَلِّم وبارك على نبينا محمد وآله، وزدْنا له حبًّا وتعظيمًا وتوقيرًا.
اللهم تمم أعيادَنا بفرحة أهلنا في أرض الرباط..

أستبشر بقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذينَ آمَنوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفورٍ * أُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلونَ بِأَنَّهُم ظُلِموا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصرِهِم لَقَديرٌ﴾ وذِكرها في سورة "الحج" بعد آيات الحج وشعائره..
كل عام وأنتم وأحبابكم في خير وعافية ونعمة سابغة، في أحسن حال وأصلح بال.
ولطفَ اللهُ بإخواننا ودفعَ عنهم.
غروبُ يوم النحر، أعظمُ الأيام عندَ الله..
فيما يخص نكبتنا المستمرة في أرض الرباط:
بعضُ الناس انقلبوا شيئًا فشيئًا عن تأييد الحق إلى الميل لروايات الباطل، ليس إيمانًا جازمًا بخطأ أو باطل، وإنما دخلتْهم تلك الأباطيلُ من كُوَّةٍ صغيرةٍ في نفوسِهم: طول الأمد!

استمرار المعركة زمانًا طويلًا -كاد أن يقارب السنتين- يستلزم جهدًا كبيرًا في اختياراتك في الحياة، وصبرك على دعم الحق ودحض الباطل، وصبرك على الجمرة الموقدة في يدك، وصبرك على طول التمسك بحبل الحق ورعاية أهله وإن تآكلت يدُك وخارت قواك..

إن بعضَ الناس قد مالوا عن الحق التام إلى بعض الباطل أو إلى كله، هروبًا من تبعات الحق التي طالت، والتي لا يُطيقها إلا الرجال! والعقل يُزيّن لكَ ما شئتَ من الخيارات من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال!

لكنك في دخيلة نفسِك، تعرفُ أنك واقعٌ في الإثم إلى شعر رأسك، مهما زخرَفَ لك عقلُك وبهرَجَت لك نفسُك وزيَّنَ لك شيطانُك، لأن الإثمَ له شوكٌ ينغرسُ في الضمير الباطن!
"الإثم ما حاكَ في نفسِك وتردَّدَ في صدرك، وإن أفتاك الناس وأفتوك"!
قوم غافلون، يهللون لبعض القوانين نكايةً في الخصوم لا أكثر! عيونهم ضيقة، لا يرونَ أبعدَ من وجود خصومهم، ولو فقهوا لعلموا أنما هي قوانين لا لضبط الفتوى ثم نقطة!
كلا.. بل هي لضبط الفتوى على مقاس "الدولة"!
وجعل "معتمد الفقهاء" ما تختمه "الجهات العليا"!
أيها النبهاء الأذكياء الفطناء.. الغافلون.
وأنا خلفَ جنازة حارّة اليوم لشاب في ريعان الشباب مات في قريتنا في حادث أليم شديد! ظلَّ بعضُ الشباب يتضاحكون ويتمازحون حتى وصلنا المسجد! بلا أي شعور أو قطرة دم تجري في عروقهم!
والميت شاب مثلهم، والأمر كله لا يحتمل..

يحتاجون للتربية؟ صحيح..
يحتاجون للدين؟ بلا شك..
يحتاجون للتعلم؟ أكيد..
لكنهم يحتاجون أكثر ما يحتاجون: أن يحسوا!
الإحساس هو النعمة الكبرى الذي يُجدي معه كل شيء، فإذا فُقِدَ فلن يجدي -مع فقده- أي شيء!

ولهذا تجد الفطناء العارفين يتكلمون عن أهمية الأدب، كما يتكلمون عن أهمية الدين، بل أشد!
لأن الأدب يعلم الناس أن يحسوا، ثم تأتي المعارفُ بعدُ فتقع على إنسان حي يحس ويشعر ويتأثر..
أما هؤلاء الذين كانوا يضحكون ويتساخفون، فبالله قل لي: إذا عدموا الإحساس فأي كلامٍ يجديهم؟ وأي نصيحة سيفهمونها؟

و"الناس معادن، كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا".
إلْفُ القيود، أقعدَ هِمَم الناس وسَفَّلَ أرواحَهم، فنجاةً من نشدانِ الحرية ودفعِ أثمانِها الباهظة؛ أخذوا يمدحون القيود!

في بِقاعٍ أخرى، يمدحون القيود لأنها مصنوعةٌ من الذهب والفضة والماس واللؤلؤ وكل ذي بريق وبهرج!

في بقعتنا المباركة، يمدحون قيودَهم برغم كل شيء، قيودٌ مِن حديدٍ صَدِئ، وعليها نزفُ دمائهم، لكنهم ما زالوا يتغزلون بها!

قديمًا كان الطغاةُ يحتالون على رُعاتهم بالبهارج والزينة، يخادعونهم عن أنفسهم، أما اليوم فلا يحتاجون، يكفيهم أن يُلقوا عَظْمةً وسيجري عليها ألفُ كلب، وربما قامَ كاتبُهم وشاعرُهم فاحتال على الناس وعلى اللغة فأنشأ من تلك "العَظْمةَ" ديوان "العَظَمة والعِظام"!
اجعل تفكيرَك في مصلحة أمتك، الأمة الواحدة، ولا تضيقها بانتمائك الضيق لبلدة أو فكرة!
انظر في الأفق الأعلى والأرحب والأوسع..
هذا أول مراقي النجاة لهذه الأمة المنقسمة على نفسها.
بعد إذن المحلل الاستراتيجي اللي جواك، ممكن تسكت شوية؟
يعني واضح ما شاء الله إن من وسط كل مليون فيه واحد مش فاهم، والباقي مش فاهمين حاجة خالص!
فممكن نهدا شوية؟
والله شكلكم وحش فعلا!
انتو حتى مش مستوعبين ألف باء سياسة ونظام عالمي حالي.
ممكن تتفضلوا على كراسي المتعلمين؟
كلها فاضية والله..
الناس كلها قاعدة على المنصة وماسكة المايكات، أمال مين اللي هيسمع؟!

وما أصدقَ الذي قال:
وتَشَعَّبوا شِعَبًا، فكلُّ جزيرةٍ
فيها أميرُ المؤمنينَ ومِنبَرُ!
2025/06/15 15:01:07
Back to Top
HTML Embed Code: