أحد عشر شهر.. كان صمود "تحدّث أخبارها!"..
وأحد عشــر يوم.. كان انتصار"ردع العدوان!"..

وبينهما تسري رعاية الله بأهل هذه الأرض المباركة.

وعهدًا سنمضي كما قد مضيت
وعن نهــــــج دربك لا لن نحيد

تقــدّم لم يثنيــــــــه حبّ دنيا
ولا حبّ مــــــال وعيشٍ زهيد

إلى المجد قد ســــار في همةٍ
فنال الأبي جنــــــــان المجيد

لسنا بأكرم من صحابة رسول الله ﷺ..
دُفِنــوا في أرضٍ بعـيــدة، وبـلادٍ غريبـة.

"إن تعلَّمت حكمة الأقدار لمْ تَجزع، وتذكَّر أن لو سار الطريق رَهْوًا سريعًا لَسَبَقَكَ المنافقون فيه! لكن لابدَّ من تلك العوارض الكاشفة لتصلَ أنت ومن معك، ممَّن لم يريدوا إلا الله والدار الآخرة!".

- الشَّيخ الوالد: أبي قتادة الفلسطيني

مررنا بأيامٍ شِداد اختارنا الله برحمته لها، دفعنا فيها أعزّ من عرفنا ثمنًا لهذا الفتح المبارك، نفوسهم كانت أندر من الكبريت الأحمر، وأيمُ الله ما نظن يكررون في القرن إلَّا نادرًا، واليوم خلّفوا فوق أظهُرنا حِملاً ثقيلاً، ألزمتنا عقيدتنا ووفاءنا وشيم أجدادنا أن نعطيها كل أوقاتنا لرعاية هذه الأمانة العظيمة.

فاللهم إن أبقيت لنا من العمر أيامًا أو سنينًا فلا تجعلها إلَّا في هذا الطريق وإليه، واختم بالشهادة أنفاسنا، واجعلها علىٰ كلمة التوحيد، واجمعنا بنبيّك ﷺ وعبادك الشُّهداء أسلافًا وأخلافًا.

..

‏كل ألفاظ الوداع مُرة.. والموت مُر.. وكل شيء يسرق الإنسان من الإنسان مُر، يُلوح المرء مودعًا مَن يحب بيديه! ولو يعلمون كم يدًا في القلب تلوح لهم بالبقاء!

وهوَّنَ ما بي أنَّ فرقةَ بيننا
فراقُ حــياةٍ لا فراقُ مماتِ!

لأولئك الذين تركونا في منتصف الطريق، واداروا لنا ظهورهم وقد كنا بأمسِّ الحاجة إليهم، وأسلمونا لقاصفات الأعداء في السهول والتلال، ورمونا بنقائص الخيانة والخذلان والنكران.. والله المستعان!!

وعابوا المشروع الذي حمل همّهم وكانوا همًّا عليه، وحرص عليهم أشدَّ الحرص وأرخصوه، وقالوا ما قالوا عليه -عفا الله عنهم-، فهل يلتفوا حوله وقد صار منارة، واختُتم مسيرًا مكللاً بالتضحية أن صار لنا حضورًا وهيبة، وانتصرت إرادة الحق العادلة بفضل الله.

عِظْ؛ فإنّ الوعظَ مَددُ!

عِظْ وإن نفرَ القومُ منكَ يكفي ألا تتوانى نفسكَ من عظتكَ، فإن قصّرتَ وَهيكَ؛ اقتفى القومُ مَعالمكَ واقتصوا أثركَ، وإذا كنتَ صَارفًا لنفسكَ؛ لَزِمكَ الجَمعُ وعندئذ لن يُهزمَ جَمعكَ ولن يولّوا مُدبرين!

"إنّ الجوادَ عَينُهُ فِرارُهُ"،
أي: يُغنيكَ بِشَخْصِهِ عنِ اخْتِبَارِهِ.

فكنْ واضحًا مع نَفسكَ لِتلمعَ في عيونِ حاضريكَ وتُكفى مَعُونَة اخْتِبَارِكَ.

عِظْ وإن مالوا بأصابِعهم على أذانهم، ألا تَحبُّ سَماع مَدد الملائكة وأنتَ مَوقوفٌ لِرَبّكَ:
إلَهُنا لَقدْ كَانَ يُؤنِسُنا حَديثُه فِي أَرضِكَ!

إيّاكَ، إِيّاكَ أنْ يَكونَ عَيشُكَ لِغيرِ هذهِ اللحظة!


_ لصاحبه.

يا صاحبي: ذات ليلةٍ شاتية، وقد كنا علىٰ ثغر..
قُلنا لن تفرقنا إلَّا الشَّهادة بإذن الله، واليوم ها نحن!
تأخرت الشَّهادة _لأسانا_ وافترقنا.. نعم لقد افترقنا!

كلَّ ما حدث ويحدث وسيحدث في الشَّام..
هو تدبير ومكر ربَّاني مَحض، وأن كفالة الله لهذه الأرض الطاهرة ظاهرة، وجنده غالبة، ولكنّها مخاضات التمكين، وأسباب الثأر، ودماء المسلمين تسري بينهما.

عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إني لأعرف حجرًا بمكة، كان يُسلم عليَّ قبل أن أُبعَث، إني لأعرفه الآن" رواه مسلم.

ليتني كنت حجرًا أو حصاةً بإحدىٰ طُرق مكَّة أو المدينة المنورة لا يعرفني أحد، ويعرفني رسول الله ﷺ فقط، ولا يضيرني بعدها إن جهلني الناس.

المعادلة الفاصلة بيننا وبين خصومنا _علىٰ كثرتهم_ أننا قومٌ نستحضر المعيّة الإلهية، ونتوكل علىٰ الناصر لجنده وعبيده، ونعيش بطمأنينة بينما العالم يضج أفُقه بسببنا، نحن نسير من قدر الله لقدره فقط.

لم يكُن انتصار الشَّعب السوريِّ المسلم دافعه الفجأة، ولا مجرد رحمة ربانية نزلت به دون شعوب المنطقة؛ فإن رحمة الله وتوفيقه تنزل علىٰ من يأخذون بموجبها ويستجلبون أسبابها.

لقد كان انتصارهم امتدادٌ لطريقٍ طويلٍ ذهب فيه القسَّام لفلسطين، وأبي مصعب السوريِّ لأفغانستان ثمَّ لغياهب المجهول، ولآلاف الأخفياء منذ قرن تناثرت أجسادهم في مشارق الأرض ومغاربها لأجل نصرة هذا الإسلام العظيم، امتداد لأحداث حماة وغياهب تدمر وصيدنايا والأفرع الأمنية الظالمة الفاجرة!

هذا الانتصار هو نتاج لأربعة عشر سنة قضاها أهل الشَّام علىٰ دروب الشوك والحنظل، بدأها حمزة وختمها أحمد، لتكون هذه الثورة الكريمة اعظم تجربة معاصرة تكللت بالنجاح والنصر رغم ما أُحيط بها من المكر والخديعة! لكن كفالة الله حاضرة.

صحيحٌ أننا افترقنا، وصار كلٌّ منا في موطن، وتعسّرت سُبل اللقاء بيننا، وانشغل المخلص منا في ثغره وأعطاه زهرة عُمره، وفي المقابل لا زالت المحبّة في قلوبنا لكم عامرة، وأرصدة الوفاء وافرة، وكلّ رجائي ودعائي لكم أن تبقوا بخير وثبات.