Telegram Web
"[إن مهمة كتاباتنا] هي أن نبقى البدائل حيّة، لحين تجعل الظروفُ التغيير أمرًا حتميًا لا فكاك منه. فنحن اليوم نشهد جمودًا هائلًا - بل سيطرة مطلقة للأوضاع القائمة - في كل من المؤسسات الخاصة والعامة - وبالأخص في العامة - جمودٌ لا تلحلح عنه إلا بأزمة، أزمة واقعة أو متوقعة تنتج - بدورها - تغييرًا حقيقيًا. وعندما تقع هذه الأزمة، فإن الإجراءات التي ستتخذ لمواجهتها ستكون ولابد متأثرة ومستقاة من الأفكار الحية أو المتواجدة في المحيط أو المناخ الفكري حين وقوع الأزمة. وتلك هي - بالذات - مهمتنا الأساسية: أن نطوّر ونبتكر تصوّرات لسياسات بديلة عن السياسات القائمة، وأن نبقي هذه التصوّرات حيّة ومتداولة، حتّى إذا ما حانت اللحظة المناسبة، يصبح ما كان مستحيلًا سياسيًا = هو الخيار الوحيد الذي لا مناص عنه سياسيًا."

— ميلتون فريدمان، الرأسمالية والحرية، مقدمة طبعة 1982.
(ترجمتي، بتصرّف يسير جدًا)
"لو هَدمتَ مصنعًا، لكنك أبقيت منطق عمله أو عقلانيته التي قام عليها دون مسِاس، فإن هذا المنطق سينتج بدوره مصنعًا آخر على شاكلة سابقه، هكذا ببساطة. وكذلك الحال لو أن ثورة نجحت في هدم حكومة ما، لكنها تركت الأنماط والنظم المنهجية الفكرية التي أنتجت مثل هذه الحكومة دون مِساس، فإن تلك الأنماط - بدورها - ستعيد إنتاج نفسها من جديد ... إن حديثنا وكلامنا حول النظام والأنظمة كثير جدًا، لكن فهمنا لها نادرٌ وقليل للغاية."

— روبرت بيرسيج
[مقتبسًا في: Thinking in Systems, A Primer — Donella H. Meadows]
Forwarded from الغازي محمد
على المرء أن يسعى حثيثًا أن يكون جديرًا بآرائه ..
[لا يتحقق فعل التغيير] إلّا في ظلّ ثلاثة شروط متآلفة ومتزامنة هي التي ستسمح لحركة التغيير من التحقق واقعاً. وهذه الشروط أحدها جوّاني/بنيوي بالنسبة للمؤسسة المتعرضة للتغيّر:
[1] وهو أن تكون هذه المؤسسة عطوبَةٌ (أي قابلة للتفسّخ والانحلال أو التغيّر، ومن ذلك أن تُبدي المؤسسة المستهدفة «قُصُورًا وظيفيًا» أي عجزاً عن تحقيق بعض الوظائف المفترض أن تقوم بها، أو يطرأ تغير على أحد عناصرها بما يؤثر في سيرورة بعض وظائفها).
والشرطان الآخران برانيان/وظيفيان بالنسبة إلى المؤسسة المراد تغييرها وهما:
[2] أن تكون عملية التدمير أو التحوير متوائمة مع الحركة الكلية للتغيير الاجتماعي في الاتجاه وفي القوة،
[3] وأن يكون البديل المؤسسي جاهزًا للحلول محلّها فورًا وقادرًا على أداء الوظائف التي تتطلبها منها حركة التغيير الكلية.
على أنّه ليس مشروطاً أن تكون الوظائف المطلوبة من المؤسسة البديلة جديدة تمامًا، إذ يمكنها القيام بنفس وظائف المؤسسة القديمة المتلاشية أو المحوّرة، إلّا أنّ ذلك يتم في إطار توجّه عام جديد يفرض فيما يفرض إسناد وظائف جديدة لها لم يكن بإمكان المؤسسة القديمة تلبيتها. كما يمكن لبعض الوظائف المطلوبة أن تكون جديدة تماماً ومُضادّة لوظائف المؤسسة القديمة إذا ما كان الاتجاه العامّ للتغيير مضادًا كليًا للاتجاه العام للمؤسسة القديمة.

📖 من الميسر الجاهلي إلى الزكاة الإسلامية — محمد الحاجّ سالم — [24،25]، بتصرّف.

* المؤسسات - حسب التعريف الذي يختاره الكتاب - هي: «طرائق الفعل والشعور والتفكير المتبلورة»، وهي تقريبًا، «ثابتة، ومُكرِهة، ومفارقة للجماعة» تفريقًا لها عن "المنظمات/التنظيمات" [23]
قال الإمام سفيان الثوري: «يا معشر الشباب، تعجَّلوا بركة هذا العلم، فإنكم لا تدرون، لعلكم لا تبلغون ما تؤمِّلون منه، ليُفِد بعضكم بعضا».

قال أبو حاتم البستي: «أول بركة العلم الإفادة».
"العيب السياسي الرئيسي لحجة ومنطق [أقلّ الشرّين] هو أن أولئك الذين اختاروا أقل الشرّين سرعان ما ينسون أنهم اختاروا خيارًا هو بالأساس شرٌ في نفسه"
- حنّة أرندت
📖 Responsibility and Judgment — Hannah Arendt — [36]
Forwarded from أُنْس | حسن هدية (حسن هدية)
قالت أعرابية لزوجها ورأته مهموما:
إن كان همّك للدنيا فقد فرغ الله منها، وإن كان همّك للآخرة فزادك الله تعالى همّا بها.
حنكشات نظرية
حول قصة "الصياد ورجل -لامؤاخذة- الأعمال"

[1]
نشر مؤثر مشهور مقطعًا، ينتقد فيه أمثولة شعبية نجد لهًا نسخًا عديدة حول العالم عن قصة تدور بين صياد ورجل أعمال، يحاول فيها الصيّاد أن يعبر عن "نمط في الحياة" نسميه "نمط الكفاف" وبين نمط آخر هو نمط "رجال الأعمال" (نعم، حان وقت استخدام الكلمة الحرام، أي: نمط رأسمالي)، وبدأ في انتقادها بأن هذا الرجل "عنده الوقت والطاقة/المساحة لتطوير نفسه وعمله ودخله، فلماذا -لا مؤاخذة- لا يفعل يعني؟، أهو كسول؟ أم عديم الطموح؟" وفي نظري أن المشكلة الأساسية في النقد الموجه للأمثولة هي في عدم فهمها من الأساس بل والنظر إليها بوصفها "نصيحة حياتية" وبالتالي نقدها من الناحية "العملية" على طريقة: لماذا لا تتحوط للمستقبل يا أخي؟ ألا تخشى الاستعمار والفقر والمرض وهكذا؟ بينما هي تعبير عن "فلسفة للعيش" بل عن "نمط وجود" فكّر فيه وعاش به غالب البشر عبر تاريخهم الطويل.
ولفهم هذه المسألة (معلش مضطرين نفهم، نعتذر عن هذا الإزعاج) نحتاج للعودة إلى حيث بدأت الحنكشة النظرية أصلًا، أي عند كبيرها ودكتورها: آدم سميث ..

[2]
في كتاب "نظرية المشاعر الأخلاقية" العمل المهجور لآدم سميث، ينقل سميث قصة سيستخدمها لمغزى بعينه، عن بلوطرخس المؤرخ اليوناني الكبير، تسير على هذا النحو: يخبر ملك إبيروس، بيروس الإبيري، نديمه بخطط الغزوات التي يخطط للقيام بها واحدة تلو أخرى، حتّى سرد خطته عن آخرها، وحينها سأله النديم: وماذا ستفعل بعد كل هذا يا سيدي؟ فيجيبه: حسنًا، لو تمّ لي هذا، فإنّي سأجلس مستمتعًا برفقة أصدقائي وندمائي ونعاقر الشراب، فقال له النديم: وما يمنع سيدي من أن يفعل هذا الآن؟

ما هدف سميث من سرد هذه القصة؟ كان يناقش "ثمن "تحسين حياتنا" (لاحظ التشابه العجيب بين الاعتراض وبين مشكلة سميث هنا)، ويقول في النهاية ما ملخصه: إن ثمن هذا السعي المحموم هو خسارة الطمأنينة، التي يمكن أن نجدها بسهولة ويسر في أشد أنماط الحياة تواضعًا (هذا والله كلام سميث :) )، وأنه: على إيه يعني كل دا؟، وخلص سميث من ذلك بقناعة أن "الناس العاديين/الطبيعيين" لن يظلوا في سعي محموم لمطاردة مصلحتهم الشخصية ما أن يصلوا إلى نقطة معينة من التحقق الاجتماعي والمادي، لأنه ببساطة "خسارة الطمأنينة" (هذا لفظه) لا تستحق كل هذا العناء، وانطلق بعدها في ممدحة فاخرة للشعور الجماعي ونحب بعض ونحس ببعض والسعي وراء المصلحة الشخصية مش حلو دايمًا، وحاجات كده .. بل يقول نصًا (باختصار وتصرّف): "تأمل في التاريخ الذي تعرفه كله، وفي خبراتك الشخصية، ستجد أن أتعس الناس هم أولئك الذين لم يعرفوا متى يجب عليهم أن يجلسوا قانعين وراضين بما معهم when it was proper for them to sit still and to be contented، (سبحان الله استخدام لفظ الجلوس مطمئنين ملائم تمامًا للأمثولة المعترض عليها :D) إن هذا [المغامر] الذي نقش على قبره: "لقد كانت أموري جيدة، لكنّي رغبت في الأحسن، وها أنا ذا قد انتهيت إلى هنا" يمكن أن يصلح هذا النقش وصفًا دقيقًا لكل الكروب التي نتجت عن الطمع والطموح الفاشل" (آدم سميث مين؟ بتاعنا؟ شكله هو كمان عنده مشكلة في الطموح 😁)

الآن: عبرة يدركها آدم سميث وتفوتك، إنه لأمر جلل! :)
[مش جلل ولا حاجة، الراجل أساسًا أستاذ فلسفة أخلاقية، بس يعني عبرة يدركها "آدم سميث المتخيّل" ولا تدركها لأمر جلل]

*بالمناسبة، بيروس هذا، قام بهذه الغزوات فعلًا، وانتصر فيها جميعًا، إلّا أنها كلفته الغالبية العظمى من جيشه وقواته وبالتالي كان نصرًا هو إلى الهزيمة أقرب، وانتهت بذلك حملته بلا جيش ولا قدرة على الفعل، وسمي باسمه مصطلح "النصر البيروسيPyrrhic victory"، ربما كان عليه أن يستمع لنصيحة نديمه جيدًا :)

يتبع..
الغازي محمد
حنكشات نظرية حول قصة "الصياد ورجل -لامؤاخذة- الأعمال" [1] نشر مؤثر مشهور مقطعًا، ينتقد فيه أمثولة شعبية نجد لهًا نسخًا عديدة حول العالم عن قصة تدور بين صياد ورجل أعمال، يحاول فيها الصيّاد أن يعبر عن "نمط في الحياة" نسميه "نمط الكفاف" وبين نمط آخر هو نمط…
[3]
ذكرت أن هذا "النمط من الوجود" (أي: نمط الكفاف) هو نمط عاشه غالب البشر عبر التاريخ، وهنا أستعين بأحد كبرائها أيضًا، وهو ماكس فيبر، في كتاب ماكس فيبر "الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية" يحاول أن يطرح هو الآخر سؤالُا يوجه بحثه، لماذا نجد فرقًا في "الاستعداد للعمل" لدى نوعين من العمال، هم محل الدراسة عنده، وليس هذا ما يعنينا هنا، ما يعنينا هو تفسيره للمسألة، حين يشرح طرائق المقاولين (رجال الأعمال يعني إياهم) في تشجيع العمّال التقليديين على زيادة إنتاجيتهم في العمل برفع أجر الساعة الواحدة، وفشل ذلك، فيعلل الأمر كالتالي (ملخصًا): عندما يرفع الرأسمالي أجرة الساعة، كان ما يحدث هو أن العامل يعمل لساعات (أقل) .. نعم، بمعنى أنه لا يحاول زيادة "دخله" بل زيادة "وقت فراغه"، هل هذه ظاهرة غريبة على البشرية مثلًا (لماذا لم يسعى الصياد إلى تطوير عمله؟ هل عنده مشكلة في الطموح؟) يقول فيبر(بالمعني طبعًا): افرض أن هذا الرجل المسكين يحصد الفدان بمارك واحد، ويحتاج يوميًا لكفاية احتياجاته: ماركان ونصف، فسيحصد إذًا فدانين ونصف، فإذا رفعنا الأجر لمارك وربع، فلن يحصد المزيد، بل سيحصد فدانين وحسب، ويحصل على نفس الماركين ونصف.
الآن، هل هذا الرجل مجنون؟ لا يا أخي، يتابع فيبر: الرجل لا يسأل: كم سأجني إذا حصدت كذا، الرجل ببساطة يسأل: كم يجب أن أحصد لأجني ماركان ونصف، هما احتياجي ولا أزيد .. فإذا زادت الأجرة، قل العمل، هكذا ببساطة.
الآن، قد يبدو هذا سلوكًا غريبًا، هنا يظهر الفرق بين أهل العلم والموتى، حيث يقول فيبر التالي: "الإنسان لا يرغب "بطبيعته" في أن يكسب من المال أكثر فأكثر، بل أن يحيا حسب عادته ويكسب من المال ما يساعده على ذلك، وأينما لجأت الرأسمالية إلى زيادة إنتاجية العمل البشري بزيادة وتيرته، اصطدمت بمقاومة عنيدة من لازمة العمل هذه في الاقتصاد ما قبل الرأسمالي" ما المطلوب إذًا يا عم فيبر من أجل هذا؟ يجيبنا الرجل: "ينبغي أن يمارس العمل كما لو كان هدفًا في حد ذاته، والحقيقة أن مثل هذه العقلية ليست من نتائج الطبيعة" (أي تحتاج أن تكتسب بطرائق في التعليم والإرشاد وتغيير "الطبع" الإنساني)

وهنا تجدر الإشارة أيضًا إلى منشور آخر نشره من مدة أستاذ فاضل محترم عزيز، عن "تجربة سائقي التاكسي في نيويورك" والتي قدّم لها حلًا بأن يعمل السائق في أيام المطر أقل، وفي الأيام العادية أكثر، الآن، النقطة الأساسية في هذه الدراسة، نتيجتها التي جعلتها ذات شهرة واسعة أصلًا، أنها نقضت "الإنسان الاقتصادي Homo economicus" إذ يفترض في "إنسان اقتصادي" أن يفكّر في تعظيم منفعة الساعة (إنتاجية الساعة)، كما يقترح المنشور (لهذا سميت معضلة، ليس لأنها معضلة فعلًا فكما قلنا هذا هو الطبيعي)، لكنه في الحقيقة فكّر في "حد الكفّاف" الذي لو حصله اليوم، فلا داعي أبدًا لبذل مزيد من الجهد، ببساطة، تلك طبائع البشرية، على سائق التاكسي أن يأخذ دورة في "ريادة الأعمال" ليبدأ التفكير بهذه الطريقة التي سيراها ملتوية، ليس هدف العمل في معتاد البشر تعظيم المنافع، بل كما شرح فيبر أعلاه.
لا أريد أن أفصّل طويلًا في هذه النقطة، فقد أشبعتها ضربًا ولطمًا أيام تحدي العمل، فليراجع، وراجع كذلك كتاب: "وقت العمل" لعرض تاريخي أنثروبولوجي لشواهد هذا في غالب المجتمعات القديمة.

[4]
في تحدي العمل أيضًا تكلمنا عن كيف كان من أهداف "الاستعمار" الأساسية تعليم الشعوب المستعمَرة "أنماط السلوك" الجديدة التي تخدم هدف "الإنتاجية" وكيف كان "خطاب الكسل/انعدام الطموح" جزءًا أصيلًا من خطاب المستعمرين، لأن أنماط هذه "الشعوب المتخلفة" في المعيشة لا تلائم "العقلية الجديدة" (تلك التي يصفها فيبر بغير الطبيعية) ..

[5]
انتصارًا للصياد من رجل الأعمال، ومن ناقده أيضًا، أقول: ما الهدف النهائي للجهد الاقتصادي أصلًا؟ (هذا بالمناسبة السؤال الذي كان يسأله سميث والذي بدأنا به الكلام)، ببساطة: أن يعيش المجتمع وحاجاته ملباة بأيسر و"أكثر الطرق فعالية"، في مقالته التأسيسية والكلاسيكية "مجتمع الوفرة الأصلي" يحاول الأنثروبولوجي الكبير مارشال ساهلينز قلب السردية التاريخية الشائعة عن المجتمعات البدائية (مجتمع الصياد وأمثاله) ويثبت فيها أنه ببساطة، في مثل هذه المجتمعات وعالمها، فإن إشباع الحاجات المادية لأفرادها هو أسهل ما يكون، وذلك ببساطة لأن الجميع يطلب "مستوى الكفاف" (كما في حالة الصياد هنا)، أما تفكير رجل الأعمال (الذي يحتاج فيه المرء ليشبع حاجة بسيطة مثل الجلوس أمام البحيرة أن يوظّف نصف جزيرة وعشرات الآلات وبلا بلا بلا) فهو نفسه التفكير الجديد، التفكير - بحسب تعبير فيبر - في "العمل كما لو كان هدفًا في ذاته" .. (انظر تقريظ ديفيد جريبر للكتاب للاستزادة)
ولساهيلنز نسخة مختلفة من هذه القصة نفسها (أي قصة الصياد ورجل الأعمال، تدور بين مبشّر وبين رجل من شعب الساماوا يستبدل فيها الصيد بتجفيف جوز الهند، لكن المضمون هو نفسه).

يتبع..
الغازي محمد
[3] ذكرت أن هذا "النمط من الوجود" (أي: نمط الكفاف) هو نمط عاشه غالب البشر عبر التاريخ، وهنا أستعين بأحد كبرائها أيضًا، وهو ماكس فيبر، في كتاب ماكس فيبر "الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية" يحاول أن يطرح هو الآخر سؤالُا يوجه بحثه، لماذا نجد فرقًا في "الاستعداد…
[6]
أنتقل إذًا للخطأ الأساسي كما قلت في التعامل مع الأمثولة، ألا وهو اعتبارها "نصيحة حياتية" من نوعية النصائح التنموية والاستثمارية، وليس هذا كما اجتهدت في بيانه أعلاه هو الحال أبدًا، الأمثولة بالأساس تسأل سؤالًا فوق-عملي، سؤال عن "المعنى الكبير" للنشاط الإنساني بشكل عام، وتضع في براعة وجيزة نوعان أو نمطان من العيش ينظر كل منهما لاحتياجاته وللأرض ومواردها بشكل مختلف جذريًا عن الآخر، هذا التقابل بين الرجلين أصلًا (يعني أن يكون أحدهما نقيض الآخر) هو هدف المسألة كلها (تخيّل مثلًا لو كان هذا الرجل "عاملًا مُجدًّا"، انتهت القصة قبل أن تبدأ، ستأخذ طريقًا آخر) هذا التقابل الذي تحاول أن تصنعه الحكاية هنا، يهدف لأن يقف الإنسان ويسأل نفسه عن "الترتيب الاجتماعي" برمّته لمسألة الكسب والعمل...إلخ..
وهنا اهتبل هذه الفرصة الثمينة لأقول لكل من سيعلّق (بينه وبين نفسه يعني): نعيش على الكفاف؟ هذا غير عملي! أقول: بالضبط!، نحن الآن في عصر انتصر فيه رجل الأعمال على الصياد خلاص وشغّلنا (إحنا والصياد) عنده، كلنا الآن نفكر "بالطريقة الجديدة" (يعني غير الطبيعية إيّاها)، إحنا النسخة الحديثة، إحنا بتوع الآيفون يا معلم 😏، ليس هدف القصة أن تقدّم لك نصائح في "التحوّط"، هذه القصة هي التمرين نفسه الذي كان يخوضه آدم سميث في محاولة للتساؤل عن الأهداف الأعلى لترتيباتنا الاجتماعية المبنية على العمل ومغزاها ومحصلتها النهائية وقيمتها .. القصة أعمق من ظاهرها ولا تحاول أن تقول لك: هل يجب أن تعمل أكثر أم لا؟ هل عندك مشكلة في الطموح أيها الأخرق؟، هي تحاول أن تقول لك: (لماذا) تعمل؟، ككل أمثولة محكمة، لكن لتدرك العمق، اذهب واغطس مع الصيّاد، بلوء بلوء بلوء ..

[7]
أخيرًا، خارج الموضوع ولا خارجه في الوقت نفسه، عندما نناقش مسائل حديثة من هذا النوع، يرجى، رجاءًا حارًا، من فضلكم، أن لا ندخل على الأحاديث والنصوص بقلب واثق بهذه الطريقة ونقول: "ليس هدف الحديث كذا، وليس معناه كذا" في معرض نقاشنا لفكرة، هي كما بينت أعلاه كلها على بعضها عمرها قصير جدًا في التاريخ، لن أتعرض لهذه النقطة ولن أناقشها لأنها في نظري خطأ من البداية سواء أصاب فيها صاحبها أم أخطأ .. فدعوا هذا، وتعالوا في ميدان الأفكار الواسع يخطئ بعضنا بعضًا في البراح، هذا أفضل لنا جميعًا وأحسن ويبعدنا عن تسوّر القول بغير علم في معرض النصوص، دون داعٍ لهذا أصلًا من الأساس.

والله أعلم.

تمّت
(يارب يا بتاع تليجرام تزود عدد الحروف عشان مش كل ما الواحد يكتب كلمتين تقلب 10 رسايل، أو خليك في الإقامة الجبرية في فرنسا لو مبسوط كده)
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
قولٌ في التنمية، من جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب

#أغلفة_بديلة
ستافورد بيير - أحد رواد التفكير النظمي، وأحد مهندسي Cybersyn [برنامج سيلفادور أليندي الثوري لإدارة الحكومة التشيلية الذي عاجله الأمريكان قبل أن ينفذّه] = هذا الرجل، وضع قاعدة نظرية ذائعة الصيت في دراسة النظم والتفكير النظمي، ألا وهي: (POSIWID) [The purpose of a system is what it does] أي: هدف نظام ما، هو ما ينتجه فعلًا، إذ "لا معنى أبدًا للزعم بأن نظامًا "يهدف" إلى شيء يفشل دائمًا في إنتاجه"، وهو مبدأ وضعه ستافورد، ليجعل "نقطة انطلاق التحليل" تبدأ من "الوقائع" لا بما "كان يفترض أن يحدث" أو "ما كان في نيتنا" أو "الأهداف المعلنة" أو "افتراضات المؤامرة".. إلخ ..

مثلًا، وبما أننا ذكرنا تشيلي، فالبرنامج النيوليبرالي، يزعم واضعوه أنه يهدف لتحقيق "التنمية" و"الاستقرار الاقتصادي" على المدى الطويل، ولا نعرف بلدًا طبّق فيها البرنامج حصل فيها هذا فعلًا، إذًا، هذا "النظام" ينتج التخلّف والفقر واختلالات توزيع الدخل والثروة وغياب الحماية الاجتماعية.. تلك هي أهدافه، وهذه هي غاية وجوده، بغض النظر عن حسن نوايا فاعليه أو سوئها، وبغض النظر عن كون تطبيقه يستلزم مؤامرات أو لا .. ما يعنينا ببساطة هو أن أن نظامًا system من هذا النوع، ينتج هذه النتائج في الأغلبية الكاسحة من الحالات، فهو إذا هدفه، فليكن هذا هو التحليل، ثم لننظر فيما وراء ذلك.
(لاحظ: هدف/غرض النظام لا يساوي أهداف فاعليه، قد تختلف أهدافهم عن أهداف النظام، أو قد يكون لهم"نواياهم" أو "تصوراتهم"..إلخ، لكن هذا كما يقول الرجل، لا يهم في تحليل النظام بنفسه)

وعليه فَقِس بقى أنت، ونخلي مسئوليتنا من سوء الاستخدام 😉
تحية إجلال وإكبار ومحبة للصادقين الناحتين في الصخر الذي تحرّكهم الأسئلة العظيمة والورطات الكبرى ويشقّون طريقهم في وعورة المآزق غير مبالين بتصنيف أو انحياز مفترض أو مفروض، بل كل ما يشغلهم صدقٌ وعزمٌ مع أنفسهم ومع بني أبيهم، واستفراغ الوسع وبذل الطاقة وتوقٌ للخلاص..

بكم نقتدي وبسيركم نستضيء.
"يصنع الناس تاريخهم بأيديهم، غير أنهم لا يصنعونه وفقَ شروطهم وعلى هواهم ولا اجتراحًا من عدم، بل بما يجدونه تحت أيديهم، وما يواجهونه من شروط وظروف ورثوها من الماضي. وهكذا، تكون تقاليد وعوائد الأجيال البائدة كابوسًا جاثمًا وشبحًا كامنًا في عقول الأجيال الجديدة. وما إن تبدأ الأجيال الجديدة بتحويل وتثوير الأشياء والأنفس، حين ينخرطون في صناعة ما لم يوجد من قبلُ قطّ، في تلك اللحظة عينها، لحظة التأزم الثورية تلك، يستحثون بكل لهفة وتوجّس أشباح الماضي من مكامنها ويسخرّونها لخدمتهم. فتجدهم يستقون من ماضيهم الأسماء والهتافات والعوائد، وبه يبدأ فصلهم من مسرحية التاريخ العالمي الذي يقدّمونه متشحّين بلباس يحمل من عبق الماضي ولغته. (...) [مثلهم في ذلك] مثل مبتدئ في تعلّم لغة جديدة، إذ يترّجم كل شيء إلى لغته الأمّ أولًا، وبهذه الطريقة يتمكّن من اللغة الجديدة وروحها إلى أن يعود غير محتاج للترجمة إلى لغته الأم أولًا"

— كارل ماركس

📖 The Eighteenth Brumaire of Louis Bonaparte — Karl Marx — [10]

(ترجمتي وأمجد @psychalafi)
"يمكننا اعتبار الفترة الفاصلة بين سنة 1982 و 1984 فاصلة بين فترتين في الحوار الذي جمع التيارات الكبيرة الإسلامية منها أو الليبرالية أو القومية أو الاشتراكية.
(...)
فما قبل سنة 1982- 1984، كانت بؤرة الاهتمام المتعلق بالأمة قضايا مثل: اتفاقية كامب ديفيد، ومشكلة بيع هضبة الأهرام أو تعميرها، ومسألة دفن النفايات النووية، وقضية فلسطين بجميع تداخلاتها، وقانون ومحكمة القيم. نستحضر هذا الموضوع وما دار حوله من جدل كبير وكذا جملة الاحتجاجات التي ناهضت صدور قانون باسم "قانون القيم في ذلك الوقت باعتباره عدوانا على الديموقراطية. كان هناك أيضا قضية المحكمة الدستورية وصياغتها وبلورتها ووضع السلطة القضائية واستقلالها، والجدل حول قانون الأحزاب، وإلى أي حد تتاح أو تقيد عملية تكوين الأحزاب، ثم قضية الشريعة الإسلامية وتطبيقها واعتبارها المصدر الرئيس للتشريع، ثم قضايا الهوية، مثل عروبة مصر أو فرعونيتها؛ هذه كانت القضايا التي اختلفنا أو اتفقنا حولها قبل سنة 1982.

بعـد سنة 1982 وحتى عام 1995 و 1996 ، وإلى يومنا هذا، أثيرت قضايا كثيرة منها: قضية شقة الزوجة وهي ليست قضية متعلقة بالشريعة الإسلامية كفكرة، حيث أصبح الجدل الدائر يجري حول وضع شقة الزوجة هل هو من الشريعة أم ليس منها. لم تعد القضية تتعلق بصلب الموضوع الذي يخص الإسكان. ليس موضوع شقة الزوجة موضوع شريعة، مع ذلك تم اختزال قضية الشريعة فيه، وحدث حوله نوع من الاستقطاب الفكري بين أطراف وأخرى على هذا الأساس. شغل الرأي العام بقضايا مثل قضية سلمان رشدي، وقضية أولاد حارتنا وقضية تسليمه نسرين ومجلة إبداع، ونصر حامد أبو زيد، وشركات توظيف الأموال وقد تكون أكثر هذه القضايا جدية قضية شركات توظيف الأموال لأنها مست الجانب الاقتصادي.
وسواء كنا نختلف حولها أو نتفق يظل السؤال هل تستأهل هذه القضايا أن تستقطب مواقفنا، وتستنزف طاقاتنا في الخلاف حولها لهذا الحد، لأنها لم تكن ذات أولوية في أوضاعنا السابقة كما هي آنذاك، وهناك أيضا موضوع تعديل قانون الأحوال الشخصية، وهـو الموضوع الذي أخذ جهدا كبيرا ودارت حوله مناقشات كثيرة.
في الواقع، لم ألمس فيما قرأته من المناقشات الدائرة في الصحف آنذاك وجود طرف مهتم بمعرفة حجم المشكلة الحقيقي من الناحية الاجتماعية: فما هي نسبة قضية الزوجة الثانية والثالثة في المجتمع لكي نستطيع أن نقدر حجم النقاش الذي تستحقه، لأنه قبل أن ننخرط في النقاش الدائر حول مشكلة ما، لا بد من معرفة حجمها. صحيح أن كل قضية قابلة للنقاش، وأن كل رأي بخصوصها لا بد أن يحظى بالاهتمام، لكن مع ذلك يبقى من المشروع التأكد من أن يكون متناغما مع الحجم الحقيقي لتلك القضية، مراعاة لترتيب الأولويات خصوصا وأن القضايا مرتبطة ببعضها البعض. فمثلا ما هو حجم قضية الطلاق حتى نحدد المستوى الذي تستحقه من الجدل مقارنة مع غيرها من القضايا المطروحة على ضوء ذلك تتخذ الدراسات التي تتمحور حول هذه المسألة بعدها الموضوعي وتستأثر بالاهتمام الذي تستحق من قبل عامة الناس وخاصة الباحثين.
(...)
أعادت القضايا الجديدة من قبيل قضية سلمان رشدي وتسليمة نسرين ونصر حامد أبو زيد، من حيث لا ندري توزيع أدوار سياسية وثقافية بين الاتجاهات المختلفة، فأنتجت بصورة مختلفة صور الاتصال والانفصال في الواقع بمختلف تعبيراته. أذكر كيف أن أحد الأحزاب أدار حينها (سنة 1987 أو 1986) مناقشة حول أولويات العمل السياسي، طارحا السؤال حول ماهية أولوية هذا العمل، مروجا لفكرة العداء للتيار الإسلامي، لقد انقسم الرأي حول هذه المشكلة التي اعتبرت ذات أولوية ووصفت بأنها تتعلق بالدفاع عن عقل مصر والمنافحة عن استقلالها. صيغت القضية كلها بعبارات ومواقف جسدت إعادة توزيع القوى السياسية بأشكال متنوعة على ضوء اختلاف مواقفها من هذا الأمر في تلك الظرفية بالذات.

بعيدا عن المستوى الداخلي تجوز المقارنة أيضا على المستوى الدولي فيما يخص أوضاع ما قبل عام 1982 و 1984. فقبل 1982 كانت المسائل المطروحة قضايا من قبيل حقوق الأمم وحقوق الجماعات السياسية وقضايا التحرر وتقرير المصير ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للأمم وللدول والشعوب، وهي كما يبدو من القضايا المتعلقة بالحقوق ذات السمة الجماعية (حقوق الجماعات والأمم). بعد سنة 1984، أي بعد المرحلة التي سيطرت فيها القضايا الدولية على الساحة الإعلامية والثقافية سلط الضوء على قضايا أقل عمومية بكثير، فصار العالم ينتبه لمسائل من نوع حق المرأة في مواجهة الرجل، وحق الزوجة في مواجهة الزوج والإبداع الفردي للفنان أو الكاتب والحريات الفردية في الفكر والتعبير؛ وبذلك تحولت القضية من حقوق الجماعات إلى حقوق الأفراد ولا زلنا مهووسين بهذا التوجه دوليا وداخليا إلى حدود اليوم."

📖 نحو تيّار أساسي للأمة — طارق البشري — [14-17] (منشور.2008)

حلزونة التاريخ قائمة، والتاريخ يعيد نفسه مرتين، في الأولى كمأساة، وفي الثانية كمهزلة، وزي ما رحنا زي ما جينا، ومفيش فايدة، وإلخ...
[ترجمة جديدة]

أيدولوجية دونالد ترامب

كتبه: برانكو ميلانوفيتش

تحاول المقالة استكشاف المقولات الأيدولوجية الأساسية التي ينطلق منها دونالد ترامب أو بالأحرى: تنطبق عليه، وتنقض المقولات الشائعة التّي تصنّف الرجل على أنه فاشي أو شعبوي هكذا ضربة لازب.

https://oktob.io/posts/202277
2025/02/24 00:05:17
Back to Top
HTML Embed Code: