ظاهرة التدلــــيس
من الظواهر الظاهرة لدى التراث السني هي ظاهرة التدليس!، وهي ظاهرة شائعة بينهم حتى قال شعبة: مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، إِلَاّ وهو يُدَلِّسُ!، إِلَاّ ابْنَ عَوْنٍ، وَعَمْرَو بنَ مُرَّةَ. سير أعلام النبلاء - ط الرسالة (6/ 367).
حتى اضطروا الى عدم جعلها من القوادح؛ لأنهم ان اعتبروها قادحاً لزمهم القدح في كبار أئمتهم، لكن التدليس بنفسه قادح ومذموم كما يعرفه بسطاء المسلمين فضلاً عن كبارهم، ويُغنيك اسمه عن البحث عن قبحه.
فالمدالسة بمعنى المخادعة، قال الجوهري: المُدالَسَةُ، كالمخادعة. يقال: فلان لا يُدالِسكَ، أي لا يخادعك ولا يُخفي عليك الشيء فكأنه يأتيك به في الظلام. «الصحاح» (3/ 930).
وقَالَ الْأَزْهَرِيُّ سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ لَيْسَ لِي فِي الْأَمْرِ وَلْسٌ وَلَا دَلْسٌ أَيْ لَا خِيَانَةٌ وَلَا خَدِيعَةٌ. «المصباح المنير» (1/ 198).
قال الخطيب البغدادي: التَّدْلِيسُ لِلْحَدِيثِ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ عَظَّمَ بَعْضُهُمُ الشَّأْنَ فِي ذَمِّهِ، وَتَبَجَّحَ بَعْضُهُمْ بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ. الكفاية (ص355).
وقد عدّه أبو منصور الإسفراييني (٤٢٩ ه) - وهو من أئمة الأصول - من مسقطات عدالة الراوي بما يوجب عدم العمل بروايته فقال: وأما أخبار الآحاد الموجبة للعمل دون العلم فلوجوب العمل بها شروط: ... والشرط الثاني: عدالة الرواة فإن كان في رواته مبتدع في نحلته او مجروح في فعله او مدلس في روايته فلا حجة في روايته. أصول الدين، استانبول – مطبعة الدولة – الطبعة الأولى، ص22-23.
ولكن اضطروا الى اضطراراً الى قبول مرويات هؤلاء المدلسين بعد أن كان أعاظم رواتهم وأئمتهم من المدلسين كمالك وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والأعمش وأبي إسحاق السبيعي وأمثالهم.
قال ابن الصلاح في تعريفه: أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما سماعه منه أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمع منه. النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (1/ 102).
وعرّفه الخطيب البغدادي بقوله: تَدْلِيسُ الْحَدِيثِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْهُ الرَّاوِي مِمَّنْ دَلَّسَهُ عَنْهُ بِرِوَايَتِهِ إِيَّاهُ عَلَى وَجْهٍ يُوهِمُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ وَيَعْدِلُ عَنِ الْبَيَانِ لِذَلِكَ. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص357).
وطبعاً هذا يكون لأغراض منها: كما لو كانت الرواية عن شخص مقبول بواسطة شخص غير مرضيّ، فيتركون الواسطة ويروونها عن المقبول ابتداء!، أو يروونها عن شخص ضعيف وينسبونها إلى آخر ثقة؛ ليروج الحديث منهم ويقبل، أو يروونها عن ضعيف ويأتون باللفظ المشترك بين الضعيف والثقة؛ ليوهم الراوي على القارئ أنّ المراد الثقة؛ لأنّه يظهر أنّه لا يروي إلّا عن ثقة!، أو يكون الراوي عنه صغير فيأنف أن يروي عنه فيحذفه ويحدث عن شيخه، أو يكون بينه وبين شيخه إحْنة فيترك التصريح به او يُبدل اسمه وغير ذلك من أنواع ودواعي التدليس التي ذكروها.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: والتدليس تارة في الاسناد وتارة في الشيوخ فالذي في الاسناد أن يروي عن من لقيه شيئا لم يسمعه منه بصيغة محتملة ويلتحق به من رآه ولم يجالسه ويلتحق بتدليس الاسناد تدليس القطع وهو أن يحذف الصيغة ويقتصر على قوله مثلا الزهري عن أنس وتدليس العطف وهو أن يصرح بالتحديث في شيخ له ويعطف عله شيخا آخر له ولا يكون سمع ذلك من الثاني، وتدليس التسوية وهو أن يصنع ذلك لشيخه فان أطلعه على أنه دلسه حكم به وان لم يطلعه طرقه الاحتمال فيقبل من الثقة ما صرح فيه بالتحديث ويتوقف عما عداه وإذا روى عمن عاصره ولم يثبت لقيه له شيئا بصيغة محتملة فهو الارسال الخفي ومنهم من ألحقه بالتدليس والاولى التفرقة لتتميز الانواع ويلتحق بالتدليس ما يقع من بعض المحدثين من التعبير بالتحديث أو الاخبار عن الاجازة موهما للسماع ولا يكون سمع من ذلك الشيخ شيئا ومن لم يوصف بالتدليس من الثقات إذا روى عن من لقيه بصيغة محتملة حملت على السماع وإذا روى عن من عاصره بالصيغة المحتملة لم يحمل على السماع في الصحيح المختار وفاقا للبخاري وشيخه بن المديني ومن روى بالصيغة المحتملة عن من لم يعاصره فهو مطلق للإرسال فان كان تابعيا سمي السند مرسلا وان كان دونه سمى منقطعا أو معضلا وقد بسطت ذلك في علوم الحديث ولله الحمد وممن وصف بالتدليس ممن صرح بالتحدث في الوجادة أو صرح بالتحديث لكن تجوز في صيغة الجمع فأوهم دخوله وليس كذلك فسيأتي بيان من فعل ذلك ان شاء الله تعالى وأما تدليس الشيوخ فهو أن يصف شيخه بما لم يشتهر به من اسم أو لقب أو كنية أو نسبة ايهاما للتكثير غالبا وقد يفعل ذلك لضعف شيخه وهو خيانة ممن تعمده كما إذا وقع ذلك في تدليس الاسناد والله المستعان. طبقات المدلسين (ص16).
من الظواهر الظاهرة لدى التراث السني هي ظاهرة التدليس!، وهي ظاهرة شائعة بينهم حتى قال شعبة: مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، إِلَاّ وهو يُدَلِّسُ!، إِلَاّ ابْنَ عَوْنٍ، وَعَمْرَو بنَ مُرَّةَ. سير أعلام النبلاء - ط الرسالة (6/ 367).
حتى اضطروا الى عدم جعلها من القوادح؛ لأنهم ان اعتبروها قادحاً لزمهم القدح في كبار أئمتهم، لكن التدليس بنفسه قادح ومذموم كما يعرفه بسطاء المسلمين فضلاً عن كبارهم، ويُغنيك اسمه عن البحث عن قبحه.
فالمدالسة بمعنى المخادعة، قال الجوهري: المُدالَسَةُ، كالمخادعة. يقال: فلان لا يُدالِسكَ، أي لا يخادعك ولا يُخفي عليك الشيء فكأنه يأتيك به في الظلام. «الصحاح» (3/ 930).
وقَالَ الْأَزْهَرِيُّ سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ لَيْسَ لِي فِي الْأَمْرِ وَلْسٌ وَلَا دَلْسٌ أَيْ لَا خِيَانَةٌ وَلَا خَدِيعَةٌ. «المصباح المنير» (1/ 198).
قال الخطيب البغدادي: التَّدْلِيسُ لِلْحَدِيثِ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ عَظَّمَ بَعْضُهُمُ الشَّأْنَ فِي ذَمِّهِ، وَتَبَجَّحَ بَعْضُهُمْ بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ. الكفاية (ص355).
وقد عدّه أبو منصور الإسفراييني (٤٢٩ ه) - وهو من أئمة الأصول - من مسقطات عدالة الراوي بما يوجب عدم العمل بروايته فقال: وأما أخبار الآحاد الموجبة للعمل دون العلم فلوجوب العمل بها شروط: ... والشرط الثاني: عدالة الرواة فإن كان في رواته مبتدع في نحلته او مجروح في فعله او مدلس في روايته فلا حجة في روايته. أصول الدين، استانبول – مطبعة الدولة – الطبعة الأولى، ص22-23.
ولكن اضطروا الى اضطراراً الى قبول مرويات هؤلاء المدلسين بعد أن كان أعاظم رواتهم وأئمتهم من المدلسين كمالك وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والأعمش وأبي إسحاق السبيعي وأمثالهم.
قال ابن الصلاح في تعريفه: أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما سماعه منه أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمع منه. النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (1/ 102).
وعرّفه الخطيب البغدادي بقوله: تَدْلِيسُ الْحَدِيثِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْهُ الرَّاوِي مِمَّنْ دَلَّسَهُ عَنْهُ بِرِوَايَتِهِ إِيَّاهُ عَلَى وَجْهٍ يُوهِمُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ وَيَعْدِلُ عَنِ الْبَيَانِ لِذَلِكَ. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص357).
وطبعاً هذا يكون لأغراض منها: كما لو كانت الرواية عن شخص مقبول بواسطة شخص غير مرضيّ، فيتركون الواسطة ويروونها عن المقبول ابتداء!، أو يروونها عن شخص ضعيف وينسبونها إلى آخر ثقة؛ ليروج الحديث منهم ويقبل، أو يروونها عن ضعيف ويأتون باللفظ المشترك بين الضعيف والثقة؛ ليوهم الراوي على القارئ أنّ المراد الثقة؛ لأنّه يظهر أنّه لا يروي إلّا عن ثقة!، أو يكون الراوي عنه صغير فيأنف أن يروي عنه فيحذفه ويحدث عن شيخه، أو يكون بينه وبين شيخه إحْنة فيترك التصريح به او يُبدل اسمه وغير ذلك من أنواع ودواعي التدليس التي ذكروها.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: والتدليس تارة في الاسناد وتارة في الشيوخ فالذي في الاسناد أن يروي عن من لقيه شيئا لم يسمعه منه بصيغة محتملة ويلتحق به من رآه ولم يجالسه ويلتحق بتدليس الاسناد تدليس القطع وهو أن يحذف الصيغة ويقتصر على قوله مثلا الزهري عن أنس وتدليس العطف وهو أن يصرح بالتحديث في شيخ له ويعطف عله شيخا آخر له ولا يكون سمع ذلك من الثاني، وتدليس التسوية وهو أن يصنع ذلك لشيخه فان أطلعه على أنه دلسه حكم به وان لم يطلعه طرقه الاحتمال فيقبل من الثقة ما صرح فيه بالتحديث ويتوقف عما عداه وإذا روى عمن عاصره ولم يثبت لقيه له شيئا بصيغة محتملة فهو الارسال الخفي ومنهم من ألحقه بالتدليس والاولى التفرقة لتتميز الانواع ويلتحق بالتدليس ما يقع من بعض المحدثين من التعبير بالتحديث أو الاخبار عن الاجازة موهما للسماع ولا يكون سمع من ذلك الشيخ شيئا ومن لم يوصف بالتدليس من الثقات إذا روى عن من لقيه بصيغة محتملة حملت على السماع وإذا روى عن من عاصره بالصيغة المحتملة لم يحمل على السماع في الصحيح المختار وفاقا للبخاري وشيخه بن المديني ومن روى بالصيغة المحتملة عن من لم يعاصره فهو مطلق للإرسال فان كان تابعيا سمي السند مرسلا وان كان دونه سمى منقطعا أو معضلا وقد بسطت ذلك في علوم الحديث ولله الحمد وممن وصف بالتدليس ممن صرح بالتحدث في الوجادة أو صرح بالتحديث لكن تجوز في صيغة الجمع فأوهم دخوله وليس كذلك فسيأتي بيان من فعل ذلك ان شاء الله تعالى وأما تدليس الشيوخ فهو أن يصف شيخه بما لم يشتهر به من اسم أو لقب أو كنية أو نسبة ايهاما للتكثير غالبا وقد يفعل ذلك لضعف شيخه وهو خيانة ممن تعمده كما إذا وقع ذلك في تدليس الاسناد والله المستعان. طبقات المدلسين (ص16).
فالتدليس له صور عديدة ومن أشدها تدليس التسوية، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: وَأما تَدْلِيس التَّسْوِيَة هو أَن يسْقط ضَعِيفا بَين ثقتين وَصورته أَن يروي حَدِيثا عَن شيخ ثِقَة وَذَلِكَ الثِّقَة يرويهِ عَن ضَعِيف عَن ثِقَة فَيَأْتِي المدلس الَّذِي سمع الحَدِيث من الثِّقَة الأول فَيسْقط الضَّعِيف الَّذِي فِي السَّنَد وَيجْعَل الحَدِيث عَن شَيْخه الثِّقَة عَن الثِّقَة الثَّانِي بِلَفْظ مُحْتَمل فَيصير السَّنَد كُله ثِقَات وَهَذَا شَرّ أَقسَام التَّدْلِيس لِأَن فَاعل ذَلِك قد لَا يكون مَعْرُوفا بالتدليس ويجده الْوَاقِف على السَّنَد كَذَلِك بعد التَّسْوِيَة قد رَوَاهُ عَن ثِقَة آخر فَيحكم لَهُ بِالصِّحَّةِ وَفِي ذَلِك من التَّدْلِيس فِي الحَدِيث مَا لَا يخفى، وهو قَادِح فِيمَن فعله عمدا. توجيه النظر إلى أصول الأثر (2/ 568).
وقد صرح كبار أئمتهم بقبح التدليس، فقد كان شُعْبَةَ يَقُولُ: لَئِنْ أَزْنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ. المعرفة والتاريخ - ت العمري - ط العراق (2/ 780)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (1/ 173).
وقال الخطيب البغدادي: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْمُعَدِّلُ، أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيُّ، ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مِقْلَاصٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: قَالَ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ: «التَّدْلِيسُ أَخُو الْكَذِبِ. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص355).
وقال أيضًا: أَخْبَرَنَا أبو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَلَّانَ الْوَرَّاقُ، أنا أبو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَزْدِيُّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا بُنْدَارٌ، ثنا غُنْدَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ: التَّدْلِيسُ فِي الْحَدِيثِ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَا وَلَأَنْ أَسْقُطَ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ. الكفاية (ص355).
وقال أيضًا: أَخْبَرَنِي أبو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ الْخَلَّالُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ، ثنا جَدِّي، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ حَرْبٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ، يَقُولُ: وَذَكَرَ التَّدْلِيسَ وَالْمُدَلِّسِينَ فَعَابَهُ وَقَالَ: أَدْنَى مَا يَكُونُ فِيهِ أَنَّهُ يُرِي النَّاسَ أَنَّهُ سَمِعَ مَا لَمْ يَسْمَعْ "، وَقَالَ: ثنا جَدِّي , قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُولُ: خَرَبَ اللَّهُ بُيُوتَ الْمُدَلِّسِينَ مَا هُمْ عِنْدِي إِلَّا كَذَّابونَ.
وقال أيضًا: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ الْمُؤَدِّبُ، أنا أبو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئِ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقِّيُّ، ثنا الْمَيْمُونِيُّ، ثنا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ , قَالَ: قَالَ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ , يَقُولُ: التَّدْلِيسُ كَذِبٌ!، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ قَالَ حَمَّادٌ: وَلَا أَعْلَمُ الْمُدَلِّسَ إِلَّا مُتَشَبِّعًا بِمَا لَمْ يُعْطَ.
وقال أيضًا: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا أبو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ قَالَ: كَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: لَأَنْ يَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُدَلِّسَ حَدِيثًا ". الكفاية (ص356).
قال الذهبي: قَالَ خَلَفُ بنُ هِشَامٍ البَزَّارُ: المُدَلِّسُ مُتَشَبِّعٌ بِمَا لَمْ يُعْطَ. قُلْتُ: هو دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحِبُّوْنَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آلُ عِمْرَانَ: 188].
قُلْتُ: وَالمُدَلِّسُ فِيْهِ شَيْءٌ مِنَ الغِشِّ، وَفِيْهِ عَدَمُ نُصحٍ لِلأُمَّةِ، لَا سِيَّمَا إِذَا دَلَّسَ الخَبَرَ الوَاهِي، يُوْهِمُ أَنَّهُ صَحِيْحٌ، فَهَذَا لَا يَحِلُّ بِوَجْهٍ، بِخِلَافِ بَاقِي أَقسَامِ التَّدْلِيسِ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ عَبْدِ الوَارِثِ بنِ سَعِيْدٍ: التَّدْلِيسُ ذُلٌّ. سير أعلام النبلاء - ط الرسالة (7/ 460).
فانظر الى هشام البزار وحماد بن زيد طبّقا على المدلس الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله: «الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» صحيح البخاري - ط السلطانية (7/ 35 ح5219).
وقد صرح كبار أئمتهم بقبح التدليس، فقد كان شُعْبَةَ يَقُولُ: لَئِنْ أَزْنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ. المعرفة والتاريخ - ت العمري - ط العراق (2/ 780)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (1/ 173).
وقال الخطيب البغدادي: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْمُعَدِّلُ، أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيُّ، ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مِقْلَاصٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: قَالَ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ: «التَّدْلِيسُ أَخُو الْكَذِبِ. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص355).
وقال أيضًا: أَخْبَرَنَا أبو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَلَّانَ الْوَرَّاقُ، أنا أبو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَزْدِيُّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا بُنْدَارٌ، ثنا غُنْدَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ: التَّدْلِيسُ فِي الْحَدِيثِ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَا وَلَأَنْ أَسْقُطَ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ. الكفاية (ص355).
وقال أيضًا: أَخْبَرَنِي أبو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ الْخَلَّالُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ، ثنا جَدِّي، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ حَرْبٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ، يَقُولُ: وَذَكَرَ التَّدْلِيسَ وَالْمُدَلِّسِينَ فَعَابَهُ وَقَالَ: أَدْنَى مَا يَكُونُ فِيهِ أَنَّهُ يُرِي النَّاسَ أَنَّهُ سَمِعَ مَا لَمْ يَسْمَعْ "، وَقَالَ: ثنا جَدِّي , قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُولُ: خَرَبَ اللَّهُ بُيُوتَ الْمُدَلِّسِينَ مَا هُمْ عِنْدِي إِلَّا كَذَّابونَ.
وقال أيضًا: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ الْمُؤَدِّبُ، أنا أبو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئِ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقِّيُّ، ثنا الْمَيْمُونِيُّ، ثنا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ , قَالَ: قَالَ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ , يَقُولُ: التَّدْلِيسُ كَذِبٌ!، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ قَالَ حَمَّادٌ: وَلَا أَعْلَمُ الْمُدَلِّسَ إِلَّا مُتَشَبِّعًا بِمَا لَمْ يُعْطَ.
وقال أيضًا: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا أبو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ قَالَ: كَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: لَأَنْ يَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُدَلِّسَ حَدِيثًا ". الكفاية (ص356).
قال الذهبي: قَالَ خَلَفُ بنُ هِشَامٍ البَزَّارُ: المُدَلِّسُ مُتَشَبِّعٌ بِمَا لَمْ يُعْطَ. قُلْتُ: هو دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحِبُّوْنَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آلُ عِمْرَانَ: 188].
قُلْتُ: وَالمُدَلِّسُ فِيْهِ شَيْءٌ مِنَ الغِشِّ، وَفِيْهِ عَدَمُ نُصحٍ لِلأُمَّةِ، لَا سِيَّمَا إِذَا دَلَّسَ الخَبَرَ الوَاهِي، يُوْهِمُ أَنَّهُ صَحِيْحٌ، فَهَذَا لَا يَحِلُّ بِوَجْهٍ، بِخِلَافِ بَاقِي أَقسَامِ التَّدْلِيسِ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ عَبْدِ الوَارِثِ بنِ سَعِيْدٍ: التَّدْلِيسُ ذُلٌّ. سير أعلام النبلاء - ط الرسالة (7/ 460).
فانظر الى هشام البزار وحماد بن زيد طبّقا على المدلس الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله: «الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» صحيح البخاري - ط السلطانية (7/ 35 ح5219).
قال الخطيب البغدادي: وَذَمُّوا [العلماءُ] مَنْ دَلَّسَهُ [أي الحديث] وَالتَّدْلِيسُ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ تَقْتَضِي ذَمَّ الْمُدَلِّسِ وَتَوْهِينِهِ: فَأَحَدُهَا: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إِيهَامِهِ السَّمَاعَ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَذَلِكَ مُقَارِبُ لِلْإِخْبَارِ بِالسَّمَاعِ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَالثَّانِيَةُ: عُدُولُهُ عَنِ الْكَشْفِ إِلَى الِاحْتِمَالِ وَذَلِكَ بِخِلَافِ مُوجِبِ الْوَرَعِ وَالْأَمَانَةِ، وَالثَّالِثَةُ: أَنَّ الْمُدَلِّسَ إِنَّمَا لَمْ يُبَيِّنْ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ رَوَى عَنْهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَهُ لَمْ يَكُنْ مَرْضِيًّا مَقْبُولًا عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ فَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْ ذِكْرِهِ , وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ إِنَّمَا لَا يَذْكُرُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ دَلَّسَ عَنْهُ طَلَبًا لِتَوْهِيمِ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ وَالْأَنَفَةِ مِنَ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ وَذَلِكَ خِلَافَ مُوجِبِ الْعَدَالَةِ وَمُقْتَضَى الدِّيَانَةِ مِنَ التَّوَاضُعِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَتَرْكِ الْحَمِيَّةِ فِي الْإِخْبَارِ بِأَخْذِ الْعِلْمِ عَمَّنْ أَخَذَهُ. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص357).
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: قَوْلُهُ الْمُتَشَبِّعُ أَيِ الْمُتَزَيِّنُ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ يَتَكَثَّرُ بِذَلِكَ وَيَتَزَيَّنُ بِالْبَاطِلِ كَالْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ وَلَهَا ضَرَّةٌ فَتَدَّعِي مِنَ الْحَظْوَةِ عِنْدَ زَوْجِهَا أَكْثَرَ مِمَّا عِنْدَهُ تُرِيدُ بِذَلِكَ غَيْظَ ضَرَّتِهَا وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الرِّجَالِ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَلْبِسُ الثِّيَابَ الْمُشْبِهَةَ لِثِيَابِ الزُّهَّادِ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَيَظْهَرُ مِنَ التَّخَشُّعِ وَالتَّقَشُّفِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي قَلْبِهِ مِنْهُ. فتح الباري (9/ 317).
فالمدلس غايته أن يُمدح بعلو الإسناد، في حين في واقعه غير عالي السند، فهو يُحب أن يُمدح بما لم يفعل؛ لذا طبّق الذهبي عليه الآية الكريمة، فهو حريصٌ على الدنيا، ويأنف أن يُقال أنه روى عن فلان قرينه او الأصغر منه.
قال الخطيب البغدادي: أَنَّ الْمُدَلِّسَ إِنَّمَا لَمْ يُبَيِّنْ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ رَوَى عَنْهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَهُ لَمْ يَكُنْ مَرْضِيًّا مَقْبُولًا عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ فَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْ ذِكْرِهِ , وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ إِنَّمَا لَا يَذْكُرُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ دَلَّسَ عَنْهُ طَلَبًا لِتَوْهِيمِ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ وَالْأَنَفَةِ مِنَ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ وَذَلِكَ خِلَافَ مُوجِبِ الْعَدَالَةِ وَمُقْتَضَى الدِّيَانَةِ مِنَ التَّوَاضُعِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَتَرْكِ الْحَمِيَّةِ فِي الْإِخْبَارِ بِأَخْذِ الْعِلْمِ عَمَّنْ أَخَذَهُ. الكفاية في علم الرواية (ص357).
ومر علينا قول الحافظ ابن حجر العسقلاني: وأما تدليس الشيوخ فهو أن يصف شيخه بما لم يشتهر به من اسم، أو لقب، أو كنية، أو نسبة ايهاما للتكثير غالبا!! وقد يفعل ذلك لضعف شيخه وهو خيانة ممن تعمده كما إذا وقع ذلك في تدليس الاسناد والله المستعان. طبقات المدلسين (ص16).
فالراوي يبدل اسم شيخه يوهم السامعين أنه يروي عن شيخٍ آخر ليقول للناس أنا لديَّ شيوخ كُثر تباهياً ورياءًا، أو أن شيخه ضعيف فلا يريد أن يُلام على ذلك او يُصنف ممن يروي عن الضعفاء فيُدلسه لذلك.
وهذا يدلُك أنهم طُلّاب دنيا، وكانوا يمتهنون التحديث للتسلق على رقاب الناس والفوز بالمكانة الاجتماعية، كما نراه الآن ممن يجتهد ليل نهار ليُقال له محدث او عالم، نعوذ بالله من ذلك ونسأله الإخلاص.
وهذا الطلب لعلو الإسناد هو الذي دفع مسلم بن الحجاج أن يروي عن سويد رغم ضعفه وتدليسه، قال الذهبي: وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: قُلْتُ لِمُسْلِمٍ: كَيْفَ اسْتَجَزْتَ الرِّوَايَةَ عَنْ سُوَيْدٍ فِي (الصَّحِيْحِ)؟! قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ كُنْتُ آتِي بِنُسْخَةِ حَفْصِ بنِ مَيْسَرَةَ؟
قُلْتُ: مَا كَانَ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُخَرِّجَ لَهُ فِي الأُصُوْلِ، وَلَيْتَهُ عَضَدَ أَحَادِيْثَ حَفْصِ بنِ مَيْسَرَةَ، بِأَنْ رَوَاهَا بِنُزُوْلِ دَرَجَةٍ أَيْضاً. سير أعلام النبلاء - ط الرسالة (11/ 418).
ومن النماذج على ذلك تدليسهم محمد بن سعيد المصلوب المشتهر بالكذب والذي صُلب بالزندقة، قال الذهبي: قد غيروا اسمه على وجوه سترا له وتدليسا لضعفه!، ... قال عبد الله بن أحمد بن سوادة: قلبوا اسمه على مائة اسم وزيادة!، قد جمعتها في كتاب، قلت: وقد أخرجه البخاري في مواضع وظنه جماعة. أنظر: ميزان الاعتدال (3/ 561 -563).
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: قَوْلُهُ الْمُتَشَبِّعُ أَيِ الْمُتَزَيِّنُ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ يَتَكَثَّرُ بِذَلِكَ وَيَتَزَيَّنُ بِالْبَاطِلِ كَالْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ وَلَهَا ضَرَّةٌ فَتَدَّعِي مِنَ الْحَظْوَةِ عِنْدَ زَوْجِهَا أَكْثَرَ مِمَّا عِنْدَهُ تُرِيدُ بِذَلِكَ غَيْظَ ضَرَّتِهَا وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الرِّجَالِ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَلْبِسُ الثِّيَابَ الْمُشْبِهَةَ لِثِيَابِ الزُّهَّادِ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَيَظْهَرُ مِنَ التَّخَشُّعِ وَالتَّقَشُّفِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي قَلْبِهِ مِنْهُ. فتح الباري (9/ 317).
فالمدلس غايته أن يُمدح بعلو الإسناد، في حين في واقعه غير عالي السند، فهو يُحب أن يُمدح بما لم يفعل؛ لذا طبّق الذهبي عليه الآية الكريمة، فهو حريصٌ على الدنيا، ويأنف أن يُقال أنه روى عن فلان قرينه او الأصغر منه.
قال الخطيب البغدادي: أَنَّ الْمُدَلِّسَ إِنَّمَا لَمْ يُبَيِّنْ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ رَوَى عَنْهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَهُ لَمْ يَكُنْ مَرْضِيًّا مَقْبُولًا عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ فَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْ ذِكْرِهِ , وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ إِنَّمَا لَا يَذْكُرُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ دَلَّسَ عَنْهُ طَلَبًا لِتَوْهِيمِ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ وَالْأَنَفَةِ مِنَ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ وَذَلِكَ خِلَافَ مُوجِبِ الْعَدَالَةِ وَمُقْتَضَى الدِّيَانَةِ مِنَ التَّوَاضُعِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَتَرْكِ الْحَمِيَّةِ فِي الْإِخْبَارِ بِأَخْذِ الْعِلْمِ عَمَّنْ أَخَذَهُ. الكفاية في علم الرواية (ص357).
ومر علينا قول الحافظ ابن حجر العسقلاني: وأما تدليس الشيوخ فهو أن يصف شيخه بما لم يشتهر به من اسم، أو لقب، أو كنية، أو نسبة ايهاما للتكثير غالبا!! وقد يفعل ذلك لضعف شيخه وهو خيانة ممن تعمده كما إذا وقع ذلك في تدليس الاسناد والله المستعان. طبقات المدلسين (ص16).
فالراوي يبدل اسم شيخه يوهم السامعين أنه يروي عن شيخٍ آخر ليقول للناس أنا لديَّ شيوخ كُثر تباهياً ورياءًا، أو أن شيخه ضعيف فلا يريد أن يُلام على ذلك او يُصنف ممن يروي عن الضعفاء فيُدلسه لذلك.
وهذا يدلُك أنهم طُلّاب دنيا، وكانوا يمتهنون التحديث للتسلق على رقاب الناس والفوز بالمكانة الاجتماعية، كما نراه الآن ممن يجتهد ليل نهار ليُقال له محدث او عالم، نعوذ بالله من ذلك ونسأله الإخلاص.
وهذا الطلب لعلو الإسناد هو الذي دفع مسلم بن الحجاج أن يروي عن سويد رغم ضعفه وتدليسه، قال الذهبي: وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: قُلْتُ لِمُسْلِمٍ: كَيْفَ اسْتَجَزْتَ الرِّوَايَةَ عَنْ سُوَيْدٍ فِي (الصَّحِيْحِ)؟! قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ كُنْتُ آتِي بِنُسْخَةِ حَفْصِ بنِ مَيْسَرَةَ؟
قُلْتُ: مَا كَانَ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُخَرِّجَ لَهُ فِي الأُصُوْلِ، وَلَيْتَهُ عَضَدَ أَحَادِيْثَ حَفْصِ بنِ مَيْسَرَةَ، بِأَنْ رَوَاهَا بِنُزُوْلِ دَرَجَةٍ أَيْضاً. سير أعلام النبلاء - ط الرسالة (11/ 418).
ومن النماذج على ذلك تدليسهم محمد بن سعيد المصلوب المشتهر بالكذب والذي صُلب بالزندقة، قال الذهبي: قد غيروا اسمه على وجوه سترا له وتدليسا لضعفه!، ... قال عبد الله بن أحمد بن سوادة: قلبوا اسمه على مائة اسم وزيادة!، قد جمعتها في كتاب، قلت: وقد أخرجه البخاري في مواضع وظنه جماعة. أنظر: ميزان الاعتدال (3/ 561 -563).
وقال ابن الجوزي: مُحَمَّد بن سعيد بن أبي قيس الشَّامي المصلوب وَهَذَا الرجل كَانَ كذابا يضع الحَدِيث وَيفْسد أَحَادِيث النَّاس صلب على الزندقة وَقد قلب خلق من الروَاة اسْمه وبهرجوا فِي ذكره والعتب عَلَيْهِم فِي ذَلِك شَدِيد، وَالْإِثْم لَهُم لَازم؛ لِأَن من دلّس كذابا فقد آثر أَن يُؤْخَذ فِي الشَّرِيعَة بقول بَاطِل. الضعفاء والمتروكون (3/ 65).
وقال الذهبي في ترجمة عبد الله بن صالح المصري والذي قال فيه أحمد بن صالح متهم ليس بشيء، وقال صالح جزرة: يكذب في الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن المديني لا أروي عنه، قال الذهبي: قد روى عنه البخاري في الصحيح على الصحيح، ولكنه يدلسه!، فيقول: حدثنا عبد الله ولا ينسبه وهو هو. ميزان الاعتدال (2/ 442).
وقد عدَّ ابن حجر العسقلاني البخاريَّ من المدلسين، فقال: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الامام وصفه بذلك [أي بالتدليس] أبو عبد الله بن مندة في كلام له فقال فيه اخرج البخاري قال فلان وقال لنا فلان وهو تدليس ولم يوافق بن مندة على ذلك والذي يظهر أنه يقول فيما لم يسمع وفيما سمع لكن لا يكون على شرطه أو موقوفا قال لي أو قال لنا وقد عرفت ذلك بالاستقراء من صنيعه. طبقات المدلسين (ص24).
ونقل عن ابن مندة عده مسلم منهم كذلك فقال: مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري الامام المشهور قال بن مندة انه كان يقول فيما لم يسمعه من مشائخه قال لنا فلان وهو تدليس. طبقات المدلسين (ص26).
وقد اشتهر التدليس بين أئمة أهل السنة والجماعة حتى أُلفت في ذلك الكتب ونذكر منها:
1. كتاب "ذكر المدلسين" للنسائي (ت303).
2. كتاب "المدلسين" لابن العراقي (ت826).
3. كتاب "التبيين لأسماء المدلسين" سبط بن العجمي (ت841).
4. كتاب "طبقات المدلسين" للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852).
5. كتاب "أسماء المدلسين" للجلال السيوطي (ت911).
6. كتاب "ملخص طبقات المدلسين" للمعلمي (ت1386).
7. كتاب "التدليس والمدلسون" لحماد الأنصاري (ت1418).
هذا غير أن كتب الجرح والتعديل وعلم المصطلح تعرضتْ لموضوع التدليس واختلفوا فيه اختلافاً عجيباً وأطالوا فيه الكلام، وعقد هكذا موضوع بحيث لا يخلو منه كتاب في مصطلح الحديث يكشف لك عن حجم هذه المحنة وشيوع هذه الظاهرة المذمومة.
قال الذهبي: قال أبو الحسن بن القطان: بقية يدلس عن الضعفاء، ويستبيح ذلك، وهذا إن صح مفسد لعدالته.
قلت: نعم والله صح هذا عنه، إنه يفعله، وصح عن الوليد بن مسلم، بل وعن جماعة كبار - فعله، وهذه بلية منهم، ولكنهم فعلوا ذلك باجتهاد وما جوزوا على ذلك الشخص الذي يسقطون ذكره بالتدليس، إنه تعمد الكذب، هذا أمثل ما يعتذر به عنهم. ميزان الاعتدال (1/ 339).
وقال أيضًا: قَالَ الحَافِظُ أبو الحَسَنِ بنُ القَطَّانِ: بَقِيَّةُ يُدَلِّسُ عَنِ الضُّعَفَاءِ، وَيَسْتبِيْحُ ذَلِكَ، وَهَذَا إِنْ صَحَّ، مُفسِدٌ لِعَدَالَتِه.
قُلْتُ: نَعَمْ، تَيَقَنَّا أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُه، وَكَذَلِكَ رَفِيْقُهُ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَلَكِنَّهُم مَا يُظَنُّ بِهِم أَنَّهُمُ اتَّهَمُوا مَنْ حَدَّثَهُم بِالوَضعِ لِذَلِكَ فَاللهُ أَعْلَمُ. سير أعلام النبلاء - ط الرسالة (8/ 528).
فالذهبي يرى هذه بلية، وهذه البلية فعلها الكبار، ولم يجد عذراً يعتذر به لهم سوى حسن الظن!، وإننا إن أحسنا الظن بهم وأنهم لا يدلسون عن المتهم بالكذب، فقد يدلس عن ثقة لكن بنظره هو ، وقد يكون بحسب الواقع وبحسب نظر غيره أنه ليس كذلك، فإن نظر النقاد في الرجال يختلف، وقد يكون للمتأخر منا نظر غير نظره، فإن شيوع التدليس لدى أئمة الحديث لدى اهل السنة والجماعة يجعلنا نشك في كل سندٍ وإن كان ظاهره الاتصال؛ لأنه قد يُحدث عن شيخه الذي سمع منه ما لم يسمعه منه بأن يكون سمعه ممن سمعه من شيخه فدلسه أنفة وطلبا للعلو، وذلك الراوي المدلس قد يكون بنظرنا لو علمناه ضعيفا.
واما قبول رواة المدلسين المكثرين بحجة أن تدليسهم قليل بجنب ما رووه فيُحمل ما رووه على الاتصال فباطل؛ لأنهم ما عللوا قبول ذلك إلا بعدما حكموا بأن التدليس قادح، ومع كونه قادحا فهو يجعلنا نشك في كل رواية نضع يدنا عليها، ألا ترى أن من ثبت أنه كذب، وقامت القرينة على قلة كذبه وكثرة روايته لا يقبل منه الحديث مطلقا؟ فكذلك الأمر في التدليس فهو اخو الكذب، بل عينه.
قال السخاوي: وَحَكَاهُ [أي قول الشافعي] الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا: فَقَالَ: " مَنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ مَرَّةً، لَا يُقْبِلُ مِنْهُ مَا يُقْبِلُ مِنْ أَهْلِ النَّصِيحَةِ فِي الصِّدْقِ، حَتَّى يَقُولَ: حَدَّثَنِي أَوْ سَمِعْتُ، كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ ". انْتَهَى.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِثُبُوتِ تَدْلِيسِهِ مَرَّةً، صَارَ ذَلِكَ هو الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ فِي مُعَنْعَنَاتِهِ، كَمَا أَنَّهُ بِثُبُوتِ اللِّقَاءِ مَرَّةً صَارَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ السَّمَاعَ.
وقال الذهبي في ترجمة عبد الله بن صالح المصري والذي قال فيه أحمد بن صالح متهم ليس بشيء، وقال صالح جزرة: يكذب في الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن المديني لا أروي عنه، قال الذهبي: قد روى عنه البخاري في الصحيح على الصحيح، ولكنه يدلسه!، فيقول: حدثنا عبد الله ولا ينسبه وهو هو. ميزان الاعتدال (2/ 442).
وقد عدَّ ابن حجر العسقلاني البخاريَّ من المدلسين، فقال: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الامام وصفه بذلك [أي بالتدليس] أبو عبد الله بن مندة في كلام له فقال فيه اخرج البخاري قال فلان وقال لنا فلان وهو تدليس ولم يوافق بن مندة على ذلك والذي يظهر أنه يقول فيما لم يسمع وفيما سمع لكن لا يكون على شرطه أو موقوفا قال لي أو قال لنا وقد عرفت ذلك بالاستقراء من صنيعه. طبقات المدلسين (ص24).
ونقل عن ابن مندة عده مسلم منهم كذلك فقال: مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري الامام المشهور قال بن مندة انه كان يقول فيما لم يسمعه من مشائخه قال لنا فلان وهو تدليس. طبقات المدلسين (ص26).
وقد اشتهر التدليس بين أئمة أهل السنة والجماعة حتى أُلفت في ذلك الكتب ونذكر منها:
1. كتاب "ذكر المدلسين" للنسائي (ت303).
2. كتاب "المدلسين" لابن العراقي (ت826).
3. كتاب "التبيين لأسماء المدلسين" سبط بن العجمي (ت841).
4. كتاب "طبقات المدلسين" للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852).
5. كتاب "أسماء المدلسين" للجلال السيوطي (ت911).
6. كتاب "ملخص طبقات المدلسين" للمعلمي (ت1386).
7. كتاب "التدليس والمدلسون" لحماد الأنصاري (ت1418).
هذا غير أن كتب الجرح والتعديل وعلم المصطلح تعرضتْ لموضوع التدليس واختلفوا فيه اختلافاً عجيباً وأطالوا فيه الكلام، وعقد هكذا موضوع بحيث لا يخلو منه كتاب في مصطلح الحديث يكشف لك عن حجم هذه المحنة وشيوع هذه الظاهرة المذمومة.
قال الذهبي: قال أبو الحسن بن القطان: بقية يدلس عن الضعفاء، ويستبيح ذلك، وهذا إن صح مفسد لعدالته.
قلت: نعم والله صح هذا عنه، إنه يفعله، وصح عن الوليد بن مسلم، بل وعن جماعة كبار - فعله، وهذه بلية منهم، ولكنهم فعلوا ذلك باجتهاد وما جوزوا على ذلك الشخص الذي يسقطون ذكره بالتدليس، إنه تعمد الكذب، هذا أمثل ما يعتذر به عنهم. ميزان الاعتدال (1/ 339).
وقال أيضًا: قَالَ الحَافِظُ أبو الحَسَنِ بنُ القَطَّانِ: بَقِيَّةُ يُدَلِّسُ عَنِ الضُّعَفَاءِ، وَيَسْتبِيْحُ ذَلِكَ، وَهَذَا إِنْ صَحَّ، مُفسِدٌ لِعَدَالَتِه.
قُلْتُ: نَعَمْ، تَيَقَنَّا أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُه، وَكَذَلِكَ رَفِيْقُهُ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَلَكِنَّهُم مَا يُظَنُّ بِهِم أَنَّهُمُ اتَّهَمُوا مَنْ حَدَّثَهُم بِالوَضعِ لِذَلِكَ فَاللهُ أَعْلَمُ. سير أعلام النبلاء - ط الرسالة (8/ 528).
فالذهبي يرى هذه بلية، وهذه البلية فعلها الكبار، ولم يجد عذراً يعتذر به لهم سوى حسن الظن!، وإننا إن أحسنا الظن بهم وأنهم لا يدلسون عن المتهم بالكذب، فقد يدلس عن ثقة لكن بنظره هو ، وقد يكون بحسب الواقع وبحسب نظر غيره أنه ليس كذلك، فإن نظر النقاد في الرجال يختلف، وقد يكون للمتأخر منا نظر غير نظره، فإن شيوع التدليس لدى أئمة الحديث لدى اهل السنة والجماعة يجعلنا نشك في كل سندٍ وإن كان ظاهره الاتصال؛ لأنه قد يُحدث عن شيخه الذي سمع منه ما لم يسمعه منه بأن يكون سمعه ممن سمعه من شيخه فدلسه أنفة وطلبا للعلو، وذلك الراوي المدلس قد يكون بنظرنا لو علمناه ضعيفا.
واما قبول رواة المدلسين المكثرين بحجة أن تدليسهم قليل بجنب ما رووه فيُحمل ما رووه على الاتصال فباطل؛ لأنهم ما عللوا قبول ذلك إلا بعدما حكموا بأن التدليس قادح، ومع كونه قادحا فهو يجعلنا نشك في كل رواية نضع يدنا عليها، ألا ترى أن من ثبت أنه كذب، وقامت القرينة على قلة كذبه وكثرة روايته لا يقبل منه الحديث مطلقا؟ فكذلك الأمر في التدليس فهو اخو الكذب، بل عينه.
قال السخاوي: وَحَكَاهُ [أي قول الشافعي] الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا: فَقَالَ: " مَنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ مَرَّةً، لَا يُقْبِلُ مِنْهُ مَا يُقْبِلُ مِنْ أَهْلِ النَّصِيحَةِ فِي الصِّدْقِ، حَتَّى يَقُولَ: حَدَّثَنِي أَوْ سَمِعْتُ، كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ ". انْتَهَى.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِثُبُوتِ تَدْلِيسِهِ مَرَّةً، صَارَ ذَلِكَ هو الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ فِي مُعَنْعَنَاتِهِ، كَمَا أَنَّهُ بِثُبُوتِ اللِّقَاءِ مَرَّةً صَارَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ السَّمَاعَ.
وَكَذَا مَنْ عُرِفَ بِالْكَذِبِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ صَارَ الْكَذِبُ هو الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ، وَسَقَطَ الْعَمَلُ بِجَمِيعِ حَدِيثِهِ مَعَ جَوَازِ كَوْنِهِ صَادِقًا فِي بَعْضِهِ. فتح المغيث بشرح ألفية الحديث ج١ ص٢٤٠.
قلتُ: إن لم يتورع عن التدليس فلن يتورع أن يدلس فيأتي بلفظ التحديث والسماع، فإن هذا من باب تصديق الكاذب بأنه صدق ببعض كلامه!، وكان هذا كما لو قيل: كيف علمتَ أن الكاذب صدق بهذه المقالة؟ فيقول: قال لي أنه لم يكذب فيها!، وهذا نظير ما فعله البخاري مع إسماعيل بن أبي أويس، فمع اعتراف ابن أبي أويس بالكذب انتقى البخاري منه مما أشار إسماعيل عليه أن يختاره!
هذا مع أن هناك من يُدلس ويتأول في صيغ السماع نفسها!، فقد كان الحسن البصري يقول: "حدثنا، خطبنا، بل يقول سمعته من فلان" وهو يدلس في ذلك كما أثبتناه في رسالة لنا حول الحسن البصري.
قال السخاوي: أَدْرَجَ الْخَطِيبُ ثُمَّ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْقِسْمِ تَدْلِيسَ التَّسْوِيَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَوَصَفَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِالتَّدْلِيسِ مَنْ رَوَى عَمَّنْ رَآهُ وَلَمْ يُجَالِسْهُ، بِالصِّيغَةِ الْمُوهِمَةِ، بَلْ وُصِفَ بِهِ مَنْ صَرَّحَ بِالْإِخْبَارِ فِي الْإِجَازَةِ كَأَبِي نُعَيْمٍ، أَوْ بِالتَّحْدِيثِ فِي الْوِجَادَةِ كَإِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ الْجَزَرِيِّ، وَكَذَا فِيمَا لَمْ يَسْمَعْهُ كَفِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ أَحَدِ مَنْ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا.
وَلِذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: قُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِ فِطْرٍ ثَنَا، وَيَكُونُ مَوْصُولًا؟ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: أَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ سَجِيَّةً؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَكَذَا قَالَ الْفَلَّاسُ: إِنَّ الْقَطَّانَ قَالَ لَهُ: وَمَا يُنْتَفَعُ بِقَوْلِ فِطْرٍ " ثَنَا " عَطَاءٌ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ عَنِ الْقَطَّانِ: كَانَ فِطْرٌ صَاحِبَ ذِي سَمِعْتُ سَمِعْتُ، يَعْنِي أَنَّهُ يُدَلِّسُ فِيمَا عَدَاهَا، وَلَعَلَّهُ تَجَوَّزَ فِي صِيغَةِ الْجَمْعِ فَأَوْهَمَ دُخُولَهُ.
كَقَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: " خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ " وَ " خَطَبَنَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ " وَأَرَادَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ بَلَدِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهَا حِينَ خُطْبَتِهِمَا، وَنَحْوُهُ فِي قَوْلِهِ: " حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ " وَقَوْلِ طَاوُسٍ: " قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاذٌ الْيَمَنَ ".
وَأَرَادَ أَهْلَ بَلَدِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ، كَمَا سَيَأْتِي الْإِشَارَةُ لِذَلِكَ فِي أَوَّلِ أَقْسَامِ التَّحَمُّلِ، وَلَكِنَّ صَنِيعَ فِطْرٍ فِيهِ غَبَاوَةٌ شَدِيدَةٌ يَسْتَلْزِمُ تَدْلِيسًا صَعْبًا، كَمَا قَالَ شَيْخُنَا [أي الحافظ ابن حجر العسقلاني]. «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» (1/ 225).
وكان أبو اليمان يروي عن شعيب بن أبي حمزة إجازةً ولم يسمع منه، فيقول: "أخبرنا" وهذا عدّه الذهبي من التدليس، قال الذهبي: قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ): حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بنُ الكُوْفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي اليَمَانِ: مَا لِي أَسْمَعُكَ إِذَا ذَكَرْتَ صَفْوَانَ بنَ عَمْرٍو، تَقُوْلُ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، وَإِذَا ذَكَرْتَ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، تَقُوْلُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَإِذَا ذَكَرْتَ شُعَيْبَ بنَ أَبِي حَمْزَةَ، قُلْتَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ؟!
فَغَضِبَ!، فَلَمَّا سَكَنَ، قَالَ لِي: مَرِضَ شُعَيْبٌ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ، فَأَتَاهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ، أَنَا أَصْغَرُهُم، فَقَالُوا: كُنَّا نُحِبُّ أَنْ نَكْتُبَ عَنْكَ، وَكُنْتَ تَمْنَعُنَا، فَدَعَا بِقُفَّةٍ لَهُ، فَقَالَ: مَا فِي هَذِهِ إِلَاّ مَا سَمِعْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَكَتَبتُهُ، وَصَحَّحْتُهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ مَنْ يَدِي، فَإِنْ أَحبَبْتُم، فَاكتُبُوهَا.
قَالُوا: فَنَقُولُ مَاذَا؟ قَالَ: تَقُوْلُوْنَ: أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ، وَأَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، وَإِنْ أَحبَبْتُم أَنْ تَكْتُبُوهَا عَنِ ابْنِي، فَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى شُعَيْبٍ حَتَّى احْتُضِرَ، فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبِي، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا، فَلْيَأْخُذْهَا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِضَ، فَلْيَعرِضْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْمَعَ، فَلْيَسْمَعْهَا مِنِ ابْنِي، فَإِنَّهُ سَمِعَهَا مِنِّي.
قلتُ: إن لم يتورع عن التدليس فلن يتورع أن يدلس فيأتي بلفظ التحديث والسماع، فإن هذا من باب تصديق الكاذب بأنه صدق ببعض كلامه!، وكان هذا كما لو قيل: كيف علمتَ أن الكاذب صدق بهذه المقالة؟ فيقول: قال لي أنه لم يكذب فيها!، وهذا نظير ما فعله البخاري مع إسماعيل بن أبي أويس، فمع اعتراف ابن أبي أويس بالكذب انتقى البخاري منه مما أشار إسماعيل عليه أن يختاره!
هذا مع أن هناك من يُدلس ويتأول في صيغ السماع نفسها!، فقد كان الحسن البصري يقول: "حدثنا، خطبنا، بل يقول سمعته من فلان" وهو يدلس في ذلك كما أثبتناه في رسالة لنا حول الحسن البصري.
قال السخاوي: أَدْرَجَ الْخَطِيبُ ثُمَّ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْقِسْمِ تَدْلِيسَ التَّسْوِيَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَوَصَفَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِالتَّدْلِيسِ مَنْ رَوَى عَمَّنْ رَآهُ وَلَمْ يُجَالِسْهُ، بِالصِّيغَةِ الْمُوهِمَةِ، بَلْ وُصِفَ بِهِ مَنْ صَرَّحَ بِالْإِخْبَارِ فِي الْإِجَازَةِ كَأَبِي نُعَيْمٍ، أَوْ بِالتَّحْدِيثِ فِي الْوِجَادَةِ كَإِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ الْجَزَرِيِّ، وَكَذَا فِيمَا لَمْ يَسْمَعْهُ كَفِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ أَحَدِ مَنْ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا.
وَلِذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: قُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِ فِطْرٍ ثَنَا، وَيَكُونُ مَوْصُولًا؟ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: أَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ سَجِيَّةً؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَكَذَا قَالَ الْفَلَّاسُ: إِنَّ الْقَطَّانَ قَالَ لَهُ: وَمَا يُنْتَفَعُ بِقَوْلِ فِطْرٍ " ثَنَا " عَطَاءٌ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ عَنِ الْقَطَّانِ: كَانَ فِطْرٌ صَاحِبَ ذِي سَمِعْتُ سَمِعْتُ، يَعْنِي أَنَّهُ يُدَلِّسُ فِيمَا عَدَاهَا، وَلَعَلَّهُ تَجَوَّزَ فِي صِيغَةِ الْجَمْعِ فَأَوْهَمَ دُخُولَهُ.
كَقَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: " خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ " وَ " خَطَبَنَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ " وَأَرَادَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ بَلَدِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهَا حِينَ خُطْبَتِهِمَا، وَنَحْوُهُ فِي قَوْلِهِ: " حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ " وَقَوْلِ طَاوُسٍ: " قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاذٌ الْيَمَنَ ".
وَأَرَادَ أَهْلَ بَلَدِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ، كَمَا سَيَأْتِي الْإِشَارَةُ لِذَلِكَ فِي أَوَّلِ أَقْسَامِ التَّحَمُّلِ، وَلَكِنَّ صَنِيعَ فِطْرٍ فِيهِ غَبَاوَةٌ شَدِيدَةٌ يَسْتَلْزِمُ تَدْلِيسًا صَعْبًا، كَمَا قَالَ شَيْخُنَا [أي الحافظ ابن حجر العسقلاني]. «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» (1/ 225).
وكان أبو اليمان يروي عن شعيب بن أبي حمزة إجازةً ولم يسمع منه، فيقول: "أخبرنا" وهذا عدّه الذهبي من التدليس، قال الذهبي: قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ): حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بنُ الكُوْفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي اليَمَانِ: مَا لِي أَسْمَعُكَ إِذَا ذَكَرْتَ صَفْوَانَ بنَ عَمْرٍو، تَقُوْلُ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، وَإِذَا ذَكَرْتَ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، تَقُوْلُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَإِذَا ذَكَرْتَ شُعَيْبَ بنَ أَبِي حَمْزَةَ، قُلْتَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ؟!
فَغَضِبَ!، فَلَمَّا سَكَنَ، قَالَ لِي: مَرِضَ شُعَيْبٌ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ، فَأَتَاهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ، أَنَا أَصْغَرُهُم، فَقَالُوا: كُنَّا نُحِبُّ أَنْ نَكْتُبَ عَنْكَ، وَكُنْتَ تَمْنَعُنَا، فَدَعَا بِقُفَّةٍ لَهُ، فَقَالَ: مَا فِي هَذِهِ إِلَاّ مَا سَمِعْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَكَتَبتُهُ، وَصَحَّحْتُهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ مَنْ يَدِي، فَإِنْ أَحبَبْتُم، فَاكتُبُوهَا.
قَالُوا: فَنَقُولُ مَاذَا؟ قَالَ: تَقُوْلُوْنَ: أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ، وَأَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، وَإِنْ أَحبَبْتُم أَنْ تَكْتُبُوهَا عَنِ ابْنِي، فَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى شُعَيْبٍ حَتَّى احْتُضِرَ، فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبِي، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا، فَلْيَأْخُذْهَا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِضَ، فَلْيَعرِضْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْمَعَ، فَلْيَسْمَعْهَا مِنِ ابْنِي، فَإِنَّهُ سَمِعَهَا مِنِّي.
قُلْتُ: فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ عَامَّةَ مَا يَرْوِيْهِ أَبُو اليَمَانِ عَنْهُ بِالإِجَازَةِ، وَيُعَبِّرُ عَنْ ذَلِكَ: بِـ (أَخْبَرَنَا)، وَرِوَايَاتُ أَبِي اليَمَانِ عَنْهُ ثَابِتَةٌ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَذَلِكَ بِصِيغَةِ: أَخْبَرَنَا، ... وَفِي رِوَايَةِ أَبِي اليَمَانِ عَنْهُ بِذَلِكَ دَلِيْلٌ عَلَى إِطْلَاقِ: أَخْبَرَنَا فِي الإِجَازَةِ كَمَا يَتَعَانَاهُ فُضَلَاءُ المُحَدِّثِيْنَ بِالمَغْرِبِ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ التَّدْلِيسِ، فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ بِالسَّمَاعِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. أنظر: «سير أعلام النبلاء - ط الرسالة» (7/ 190).
وانظر غضب أبي اليمان من سؤال سليمان بن الكوفي له، فلا مبرر لغضبه إلا أنه يُدلس بذلك موهماً أنه سمعه منه، وبعد ثبوت أن بعض المدلسين يدلسون في صيغ السماع فهذا يوجب رد رواية المدلس وإن أتى بلفظ السماع.
هذا مع غض النظر عن كون التدليس قادح بنفس الراوي فلا نتطلب علة قادحة وراء ذلك، وحاشى لله أن نعتمد في ديننا على المدلسين المرائين طُلّاب الدنيا.
هذا ولم تسلم الصحاح من ظاهرة التدليس، فانظر قول ابن الصلاح وتعليق ابن حجر العسقلاني عليه: «قوله (صلى الله عليه وآله): "وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جدا.... " إلى آخره.
أورده المصنف هذا محتجا به على قبول رواية المدلس إذا صرح وهو يوهم أن الذي في الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث المدلسين مصرح في جميعه وليس كذلك، بل في الصحيحين وغيرهما جملة كثيرة من أحاديث المدلسين بالعنعنة!، وقد جزم المصنف في موضع آخر وتبعه النووي وغيره بأن ما كان في الصحيحين وغيرهما من الكتب الصحيحة عن المدلسين فهو محمول على ثبوت سماعه من جهة أخرى، وتوقف في ذلك من المتأخرين الإمام صدر الدين ابن المرحل، وقال في "كتاب الأنصاف": "أن في النفس من هذا الاستثناء غصة؛ لأنها دعوى لا دليل عليها، لا سيما أنا قد وجدنا كثيرا من الحفاظ يعللون أحاديث وقعت في الصحيحين أو أحدهما بتدليس رواتها".
وكذلك استشكل ذلك قبله العلامة ابن دقيق العيد فقال: "لا بد من الثبات على طريقة واحدة، إما القبول مطلقا في كل كتاب أو الرد مطلقا في كل كتاب.
وأما التفرقة بين ما في الصحيح من ذلك وما خرج عنه، فغاية ما يوجه به أحد أمرين:
إما أن يدعى أن تلك الأحاديث عرف صاحب الصحيح صحة السماع فيها، قال: وهذا إحالة على جهالة، وإثبات أمر بمجرد الاحتمال، وإما أن يدعى أن الإجماع على صحة ما في الكتابين دليل على وقع السماع في هذه الأحاديث وإلا لكان أهل الإجماع مجمعين على الخطأ وهو ممتنع قال: "لكن هذا يحتاج إلى إثبات الإجماع الذي يمتنع أن يقع في نفس الأمر خلاف مقتضاه".
قال: وهذا فيه عسر. قال: ويلزم على هذا أن يستدل بما جاء من رواية المدلس خارج الصحيح ولا يقال: هذا على شرط مسلم - مثلا - لأن الإجماع الذي يدعى ليس موجودا في الخارج" انتهى ملخصا.
وفي أسئلة الإمام تقي الدين السبكي للحافظ أبي الحجاج المزي: وسألته عن ما وقع في الصحيحين من حديث المدلس معنعنا هل نقول: أنهما اطلعا على اتصالها؟ فقال: "كذا يقولون، وما فيه إلا تحسين الظن بهما!، وإلا ففيهما أحاديث من رواية المدلسين ما توجد من غير تلك الطريق التي في الصحيح".
قلت: وليست الأحاديث التي في الصحيحين بالعنعنة عن المدلسين كلها في الاحتجاج، فيحمل كلامهم هنا على ما كان منها في الاحتجاج فقط.
أما ما كان في المتابعات فيحتمل أن يكون حصل التسامح في تخريجها كغيرها، [ثم أخذ بذكر أسماء المدلسين في الصحيحين ثم قال:] فهذه الأسماء من ذكر بالتدليس من رجال الصحيحين ممن أخرجا أو أحدهما له أصلا أو استشهادا أو تعليقا على مراتبهم في ذلك وهم بضعة وستون نفسا.
وإذا سردنا ذلك فلا بأس بسرد أسماء باقي الموصوفين بالتدليس من باقي رواة الحديث لتمام الفائدة ولتمييز أحاديثهم، [وقد ذكر (112) مدلس، ثم قال:] هذه أسماء من وقفت عليه ممن وصف بالتدليس (أي تدليس الإسناد).
أما تدليس الشيوخ فلا تحصى أسماء أهله! مع أنهم ليسوا من غرضنا هنا. وقد أفرد الحافظ صلاح الدين العلائي أسماء المدلسين في كتابه "جامع التحصيل" وسردهم على حروف المعجم مبينا أحوالهم وجملة من اجتمع عنده مكنهم سبعون نفسا، وقد زدت عليه منهم أربعين نفسا. أنظر: النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (2/ 634 -650).
وراجع هذا المصدر وطالع أسماء من ذكرهم في ضمن المدلسين ستجدهم كبار ائمتهم وعمدة رواتهم وحفاظهم.
وانظر غضب أبي اليمان من سؤال سليمان بن الكوفي له، فلا مبرر لغضبه إلا أنه يُدلس بذلك موهماً أنه سمعه منه، وبعد ثبوت أن بعض المدلسين يدلسون في صيغ السماع فهذا يوجب رد رواية المدلس وإن أتى بلفظ السماع.
هذا مع غض النظر عن كون التدليس قادح بنفس الراوي فلا نتطلب علة قادحة وراء ذلك، وحاشى لله أن نعتمد في ديننا على المدلسين المرائين طُلّاب الدنيا.
هذا ولم تسلم الصحاح من ظاهرة التدليس، فانظر قول ابن الصلاح وتعليق ابن حجر العسقلاني عليه: «قوله (صلى الله عليه وآله): "وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جدا.... " إلى آخره.
أورده المصنف هذا محتجا به على قبول رواية المدلس إذا صرح وهو يوهم أن الذي في الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث المدلسين مصرح في جميعه وليس كذلك، بل في الصحيحين وغيرهما جملة كثيرة من أحاديث المدلسين بالعنعنة!، وقد جزم المصنف في موضع آخر وتبعه النووي وغيره بأن ما كان في الصحيحين وغيرهما من الكتب الصحيحة عن المدلسين فهو محمول على ثبوت سماعه من جهة أخرى، وتوقف في ذلك من المتأخرين الإمام صدر الدين ابن المرحل، وقال في "كتاب الأنصاف": "أن في النفس من هذا الاستثناء غصة؛ لأنها دعوى لا دليل عليها، لا سيما أنا قد وجدنا كثيرا من الحفاظ يعللون أحاديث وقعت في الصحيحين أو أحدهما بتدليس رواتها".
وكذلك استشكل ذلك قبله العلامة ابن دقيق العيد فقال: "لا بد من الثبات على طريقة واحدة، إما القبول مطلقا في كل كتاب أو الرد مطلقا في كل كتاب.
وأما التفرقة بين ما في الصحيح من ذلك وما خرج عنه، فغاية ما يوجه به أحد أمرين:
إما أن يدعى أن تلك الأحاديث عرف صاحب الصحيح صحة السماع فيها، قال: وهذا إحالة على جهالة، وإثبات أمر بمجرد الاحتمال، وإما أن يدعى أن الإجماع على صحة ما في الكتابين دليل على وقع السماع في هذه الأحاديث وإلا لكان أهل الإجماع مجمعين على الخطأ وهو ممتنع قال: "لكن هذا يحتاج إلى إثبات الإجماع الذي يمتنع أن يقع في نفس الأمر خلاف مقتضاه".
قال: وهذا فيه عسر. قال: ويلزم على هذا أن يستدل بما جاء من رواية المدلس خارج الصحيح ولا يقال: هذا على شرط مسلم - مثلا - لأن الإجماع الذي يدعى ليس موجودا في الخارج" انتهى ملخصا.
وفي أسئلة الإمام تقي الدين السبكي للحافظ أبي الحجاج المزي: وسألته عن ما وقع في الصحيحين من حديث المدلس معنعنا هل نقول: أنهما اطلعا على اتصالها؟ فقال: "كذا يقولون، وما فيه إلا تحسين الظن بهما!، وإلا ففيهما أحاديث من رواية المدلسين ما توجد من غير تلك الطريق التي في الصحيح".
قلت: وليست الأحاديث التي في الصحيحين بالعنعنة عن المدلسين كلها في الاحتجاج، فيحمل كلامهم هنا على ما كان منها في الاحتجاج فقط.
أما ما كان في المتابعات فيحتمل أن يكون حصل التسامح في تخريجها كغيرها، [ثم أخذ بذكر أسماء المدلسين في الصحيحين ثم قال:] فهذه الأسماء من ذكر بالتدليس من رجال الصحيحين ممن أخرجا أو أحدهما له أصلا أو استشهادا أو تعليقا على مراتبهم في ذلك وهم بضعة وستون نفسا.
وإذا سردنا ذلك فلا بأس بسرد أسماء باقي الموصوفين بالتدليس من باقي رواة الحديث لتمام الفائدة ولتمييز أحاديثهم، [وقد ذكر (112) مدلس، ثم قال:] هذه أسماء من وقفت عليه ممن وصف بالتدليس (أي تدليس الإسناد).
أما تدليس الشيوخ فلا تحصى أسماء أهله! مع أنهم ليسوا من غرضنا هنا. وقد أفرد الحافظ صلاح الدين العلائي أسماء المدلسين في كتابه "جامع التحصيل" وسردهم على حروف المعجم مبينا أحوالهم وجملة من اجتمع عنده مكنهم سبعون نفسا، وقد زدت عليه منهم أربعين نفسا. أنظر: النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (2/ 634 -650).
وراجع هذا المصدر وطالع أسماء من ذكرهم في ضمن المدلسين ستجدهم كبار ائمتهم وعمدة رواتهم وحفاظهم.
أما قول ابن حجر العسقلاني لدفع الإشكال الوجيه الثابت في وجود روايات هي بالعنعنة عن المدلسين في الصحيحين، وأن لا دليل على استثنائها من رد خبر المدلس إن عنعن، فسلّم ابن حجر العسقلاني أن ما جاء بالعنعنة في الصحيحين لم يكن محتجاً به، بل من باب المتابعة والشواهد، وهذا تسليمٌ منه بالإشكال، أما قوله لم يرووا ما جاء بالعنعنة محتجين به فلا نقبله، فقد رووا أحاديث المدلسين معنعنة، ومن أمثلة ذلك ما رواه البخاري في "بَابُ الْمُتَشَبِّهُونَ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتُ بِالرِّجَالِ"، وليس الباب غيره فهو يحتج به، فقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» تَابَعَهُ عَمْرٌو أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. «صحيح البخاري - ط السلطانية» (7/ 159 ح5885).
وقتادة لم يسمع من عكرمة، قال الذهبي: قَالَ قَتَادَةُ: مَا حَفِظْتُ عَنْ عِكْرِمَةَ إِلَاّ بَيْتَ شِعْرٍ!، رَوَاهُ عَنْهُ أَيُّوْبُ.
فَعَلَى هَذَا رِوَايَتُهُ عَنْهُ تَدْلِيْسٌ.
وَفِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) لِقَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَرْبَعَةُ أَحَادِيْثَ: فِي تَكْبِيْرَاتِ الصَّلَاةِ، وَالخِنْصَرِ وَالإِبْهَامِ سَوَاءٌ، وَالمُتَشَبِّهِيْنَ بِالنِّسَاءِ، وَفِي زَوْجِ بَرِيْرَةَ، وَفِي السُّنَنِ أَحَادِيْثُ. «سير أعلام النبلاء - ط الرسالة» (5/ 26).
وقتادة من المدلسين ذكره ابن حجر العسقلاني في المرتبة الثالثة التي لا يُحتج بأحاديثهم إلا بما صرحوا فيه، وبعض الائمة لا يقبلون حديثه مطلقاً، ووصفه ابن حجر العسقلاني بأنه من المشهورين بالتدليس. «طبقات المدلسين» (ص43).
وقال الشيخ أحمد محمد شاكر في شرحه لألفية السيوطي: وقد وقع في الصحيحين أحاديث كثيرة من رواية بعض المدلسين. شرح الفية السيوطي: 36.
وقد نزّه الله سبحانه المذهب الإمامي من هذه الآفة القبيحة، ونجد أن الكليني رحمه الله (ت329 هـ) في باب رواية الكتب والحديث ينقل حديثاً عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ الْمُفْتَرِعَ». قِيلَ لَهُ: وَمَا الْكَذِبُ الْمُفْتَرِعُ؟ قَالَ: «أَنْ يُحَدِّثَكَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ، فَتَتْرُكَهُ وَتَرْوِيَهُ عَنِ الَّذِي حَدَّثَكَ عَنْهُ» الکافي- ط دار الحدیث ج1 ص130 ح12.
فاعتبره الإمام عليه السلام من الكذب وحذّر منه؛ ولذلك تجنبه شيعة أهل البيت عليهم السلام، فلا ترى في تراثهم ورجالهم شيئًا من ظاهرة التدليس ولله الحمد والمنة.
أما التدليس والتحريف في متون الحديث لدى علماء أهل السنة والجماعة فسترى الأمثلة الكثيرة منها في هذا الكتاب، بشكلٍ تتعجب كيف لمن عرف ذلك منهم أن يثق بكتب هؤلاء المدلسين، ويتكل عليهم في نقل شريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله.
وقتادة لم يسمع من عكرمة، قال الذهبي: قَالَ قَتَادَةُ: مَا حَفِظْتُ عَنْ عِكْرِمَةَ إِلَاّ بَيْتَ شِعْرٍ!، رَوَاهُ عَنْهُ أَيُّوْبُ.
فَعَلَى هَذَا رِوَايَتُهُ عَنْهُ تَدْلِيْسٌ.
وَفِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) لِقَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَرْبَعَةُ أَحَادِيْثَ: فِي تَكْبِيْرَاتِ الصَّلَاةِ، وَالخِنْصَرِ وَالإِبْهَامِ سَوَاءٌ، وَالمُتَشَبِّهِيْنَ بِالنِّسَاءِ، وَفِي زَوْجِ بَرِيْرَةَ، وَفِي السُّنَنِ أَحَادِيْثُ. «سير أعلام النبلاء - ط الرسالة» (5/ 26).
وقتادة من المدلسين ذكره ابن حجر العسقلاني في المرتبة الثالثة التي لا يُحتج بأحاديثهم إلا بما صرحوا فيه، وبعض الائمة لا يقبلون حديثه مطلقاً، ووصفه ابن حجر العسقلاني بأنه من المشهورين بالتدليس. «طبقات المدلسين» (ص43).
وقال الشيخ أحمد محمد شاكر في شرحه لألفية السيوطي: وقد وقع في الصحيحين أحاديث كثيرة من رواية بعض المدلسين. شرح الفية السيوطي: 36.
وقد نزّه الله سبحانه المذهب الإمامي من هذه الآفة القبيحة، ونجد أن الكليني رحمه الله (ت329 هـ) في باب رواية الكتب والحديث ينقل حديثاً عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ الْمُفْتَرِعَ». قِيلَ لَهُ: وَمَا الْكَذِبُ الْمُفْتَرِعُ؟ قَالَ: «أَنْ يُحَدِّثَكَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ، فَتَتْرُكَهُ وَتَرْوِيَهُ عَنِ الَّذِي حَدَّثَكَ عَنْهُ» الکافي- ط دار الحدیث ج1 ص130 ح12.
فاعتبره الإمام عليه السلام من الكذب وحذّر منه؛ ولذلك تجنبه شيعة أهل البيت عليهم السلام، فلا ترى في تراثهم ورجالهم شيئًا من ظاهرة التدليس ولله الحمد والمنة.
أما التدليس والتحريف في متون الحديث لدى علماء أهل السنة والجماعة فسترى الأمثلة الكثيرة منها في هذا الكتاب، بشكلٍ تتعجب كيف لمن عرف ذلك منهم أن يثق بكتب هؤلاء المدلسين، ويتكل عليهم في نقل شريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله.
مراسيل الصحابة ضعيفة
لقد احتلتْ مراسيل الصحابة مساحة واسعة من الروايات، فإنك تجد عائشة وأبي هريرة وصغار الصحابة يروون أحداث عن بدء الوحي ونظائره مما لم يُدركوه قطعا، ويُشترط في قبول رواية الراوي المعاصرة للحدث وإلا عُدَّ الخبر مرسلاً منقطعاً، وهو من قسم الحديث الضعيف.
لكنَّ المخالفين استثنوا مراسيل الصحابة بحجة أن الصحابي لا يُرسل إلا عن صحابيٍ مثله، وأن كل الصحابة عدول، وسننقل كلامهم ثم نناقش هذه الدعوى بما يتناسب مع المقام.
قال ابن حبان بعد بيانه ضعف رواية المدلس إن لم يُصرح بالسماع؛ لأنه قد يكون أسقط رواياً ضعيفاً فقال:
وإنما قبلنا أخبار أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رووها عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يبينوا السماع في كل ما رووا وبيقين نعلم أن أحدهم ربما سمع الخبر عن صحابي آخر ورواه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غير ذكر ذلك الذي سمعه منه لأنهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين كلهم أئمة سادة قادة عدول نزه الله عز وجل أَقْدَارَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أن يلزق بهم الوهن. «صحيح ابن حبان» (1/ 161).
وقال الذهبي: تَدْلِيْسُ الصَّحَابَةِ كَثِيْرٌ، وَلَا عَيْبَ فِيْهِ، فَإِنَّ تَدْلِيْسَهُمْ عَنْ صَاحِبٍ أَكْبَرَ مِنْهُمْ، وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُوْلٌ. «سير أعلام النبلاء - ط الرسالة» (2/ 608).
فهذا الاستثناء مبنيٌ على استدلال من مقدمتين:
المقدمة الأولى: إثبات أن كل صحابي عادل، قال عبد العزيز محمد الخلف - أستاذ الحديث النبوي الشريف في جامعة اغدير التركية -:
واضح أن هذه المسألة -أي مرسل الصحابي- فرع عن عدالة كل الصحابة، فمن يقول بعدالتهم جميعًا يقول بأن مرسل الصحابة محتج به وهو متصل، ومن يقول بأنهم ليسوا عدولًا فإن مراسيل الصحابة عنده لا شك أنها ليست مقبولة؛ للجهالة بمن حدّثه، فحتى لو كان المحدِّث صحابيًا فقد يكون غير عدل. دعاوى الخلل في منهج المحدثين ص238.
المقدمة الثانية: إثبات أن الصحابي لا يروي ويُرسل إلا عن صحابيٍ مثله، فلو احتملنا روايته عن تابعي فلا يكون مرسل الصحابي محتجاً به.
أما المقدمة الأولى: فإن عقيدة عدالة الصحابة بالكلية محل نظر، وهي عقيدة لم يُجمع عليها أهل السنة فضلاً عن غيرهم، فقد نسب قاضي القضاة تاج الدين السبكي (ت ٧٧١ ه) عقيدة عدالة الصحابة إلى الأكثر فقال: الأكثر على عدالة الصحابة وقيل هم كغيرهم وقيل الى قتل عثمان وقيل إلا من قاتل عليا. جمع الجوامع في أصول الفقه ط دار الكتب العلمية ط الثانية ٢٠٠٣ م، ص ٧٣.
فنسبه الى الأكثر ولم يقل إجماعاً.
وقال محمد عجاج الخطيب: أن جميع الصحابة عند من يعتد به من أهل السُنة عدول، سواء من لابس منهم الفتن ومن لم يلابس، وهو قول الجمهور. السنة قبل التدوين ج1 ص394-395.
وقال الآمدي: اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ. الإحكام في أصول الأحكام – الآمدي ج2 ص 90.
ونسب ابن الحاجب القول بعدالتهم جميعاً الى الأكثر. بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب ج1 ص 712.
واعترض الحافظ العراقي على ابن الصلاح بادعائه الإجماع فقال: حكى ابنُ الصلاحِ إجماعَ الأمةِ على تعديلِ مَنْ لَمْ يلابسِ الفتنَ منهم وفيهِ نَظَرٌ، فقدْ حكى الآمديُّ وابنُ الحاجبِ قولاً: أنَّهم كغيرهم في لزومِ البحثِ عنْ عدالتهمْ مطلقاً. شرح التبصرة والتذكرة ألفية العراقي (2/ 130).
ولكن أمثال حديث الحوض ونظرائه، وواقع الصحابة يأبى التسليم بهذه العقيدة، والكلام في هذه المسألة طويل، وقد فصّلنا الكلام في كتابنا "عدالة الصحابة بين النظرية والواقع".
وأما المقدمة الثانية: وأن الصحابي لا يروي ولا يُرسل إلا عن صحابيٍ مثله فهي باطلة ومنقوضة، فقد روى بعض الصحابة عن التابعين، مما يجعلنا نحتمل أن يكون ما أرسله الصحابي إنما رواه عن تابعي.
قال ابن الصلاح: إِنَّا لَمْ نَعُدَّ فِي أَنْوَاعِ الْمُرْسَلِ وَنَحْوِهِ مَا يُسَمَّى فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مُرْسَلَ الصَّحَابِيِّ مِثْلَمَا يَرْوِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْمَعُوهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمَوْصُولِ الْمُسْنَدِ، لِأَنَّ رِوَايَتَهُمْ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَالْجَهَالَةَ بِالصَّحَابِيِّ غَيْرُ قَادِحَةٍ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. مقدمة ابن الصلاح [معرفة أنواع علوم الحديث - ت عتر] (ص56).
لقد احتلتْ مراسيل الصحابة مساحة واسعة من الروايات، فإنك تجد عائشة وأبي هريرة وصغار الصحابة يروون أحداث عن بدء الوحي ونظائره مما لم يُدركوه قطعا، ويُشترط في قبول رواية الراوي المعاصرة للحدث وإلا عُدَّ الخبر مرسلاً منقطعاً، وهو من قسم الحديث الضعيف.
لكنَّ المخالفين استثنوا مراسيل الصحابة بحجة أن الصحابي لا يُرسل إلا عن صحابيٍ مثله، وأن كل الصحابة عدول، وسننقل كلامهم ثم نناقش هذه الدعوى بما يتناسب مع المقام.
قال ابن حبان بعد بيانه ضعف رواية المدلس إن لم يُصرح بالسماع؛ لأنه قد يكون أسقط رواياً ضعيفاً فقال:
وإنما قبلنا أخبار أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رووها عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يبينوا السماع في كل ما رووا وبيقين نعلم أن أحدهم ربما سمع الخبر عن صحابي آخر ورواه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غير ذكر ذلك الذي سمعه منه لأنهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين كلهم أئمة سادة قادة عدول نزه الله عز وجل أَقْدَارَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أن يلزق بهم الوهن. «صحيح ابن حبان» (1/ 161).
وقال الذهبي: تَدْلِيْسُ الصَّحَابَةِ كَثِيْرٌ، وَلَا عَيْبَ فِيْهِ، فَإِنَّ تَدْلِيْسَهُمْ عَنْ صَاحِبٍ أَكْبَرَ مِنْهُمْ، وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُوْلٌ. «سير أعلام النبلاء - ط الرسالة» (2/ 608).
فهذا الاستثناء مبنيٌ على استدلال من مقدمتين:
المقدمة الأولى: إثبات أن كل صحابي عادل، قال عبد العزيز محمد الخلف - أستاذ الحديث النبوي الشريف في جامعة اغدير التركية -:
واضح أن هذه المسألة -أي مرسل الصحابي- فرع عن عدالة كل الصحابة، فمن يقول بعدالتهم جميعًا يقول بأن مرسل الصحابة محتج به وهو متصل، ومن يقول بأنهم ليسوا عدولًا فإن مراسيل الصحابة عنده لا شك أنها ليست مقبولة؛ للجهالة بمن حدّثه، فحتى لو كان المحدِّث صحابيًا فقد يكون غير عدل. دعاوى الخلل في منهج المحدثين ص238.
المقدمة الثانية: إثبات أن الصحابي لا يروي ويُرسل إلا عن صحابيٍ مثله، فلو احتملنا روايته عن تابعي فلا يكون مرسل الصحابي محتجاً به.
أما المقدمة الأولى: فإن عقيدة عدالة الصحابة بالكلية محل نظر، وهي عقيدة لم يُجمع عليها أهل السنة فضلاً عن غيرهم، فقد نسب قاضي القضاة تاج الدين السبكي (ت ٧٧١ ه) عقيدة عدالة الصحابة إلى الأكثر فقال: الأكثر على عدالة الصحابة وقيل هم كغيرهم وقيل الى قتل عثمان وقيل إلا من قاتل عليا. جمع الجوامع في أصول الفقه ط دار الكتب العلمية ط الثانية ٢٠٠٣ م، ص ٧٣.
فنسبه الى الأكثر ولم يقل إجماعاً.
وقال محمد عجاج الخطيب: أن جميع الصحابة عند من يعتد به من أهل السُنة عدول، سواء من لابس منهم الفتن ومن لم يلابس، وهو قول الجمهور. السنة قبل التدوين ج1 ص394-395.
وقال الآمدي: اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ. الإحكام في أصول الأحكام – الآمدي ج2 ص 90.
ونسب ابن الحاجب القول بعدالتهم جميعاً الى الأكثر. بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب ج1 ص 712.
واعترض الحافظ العراقي على ابن الصلاح بادعائه الإجماع فقال: حكى ابنُ الصلاحِ إجماعَ الأمةِ على تعديلِ مَنْ لَمْ يلابسِ الفتنَ منهم وفيهِ نَظَرٌ، فقدْ حكى الآمديُّ وابنُ الحاجبِ قولاً: أنَّهم كغيرهم في لزومِ البحثِ عنْ عدالتهمْ مطلقاً. شرح التبصرة والتذكرة ألفية العراقي (2/ 130).
ولكن أمثال حديث الحوض ونظرائه، وواقع الصحابة يأبى التسليم بهذه العقيدة، والكلام في هذه المسألة طويل، وقد فصّلنا الكلام في كتابنا "عدالة الصحابة بين النظرية والواقع".
وأما المقدمة الثانية: وأن الصحابي لا يروي ولا يُرسل إلا عن صحابيٍ مثله فهي باطلة ومنقوضة، فقد روى بعض الصحابة عن التابعين، مما يجعلنا نحتمل أن يكون ما أرسله الصحابي إنما رواه عن تابعي.
قال ابن الصلاح: إِنَّا لَمْ نَعُدَّ فِي أَنْوَاعِ الْمُرْسَلِ وَنَحْوِهِ مَا يُسَمَّى فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مُرْسَلَ الصَّحَابِيِّ مِثْلَمَا يَرْوِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْمَعُوهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمَوْصُولِ الْمُسْنَدِ، لِأَنَّ رِوَايَتَهُمْ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَالْجَهَالَةَ بِالصَّحَابِيِّ غَيْرُ قَادِحَةٍ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. مقدمة ابن الصلاح [معرفة أنواع علوم الحديث - ت عتر] (ص56).
قال الحافظ العراقي تعقيباً عليه: قولُهُ: لأنَّ روايَتَهم عن الصحابةِ، فيه نظرٌ. والصوابُ أنْ يُقَالَ: لأنَّ غالبَ روايتِهِم، إذ قد سمعَ جماعةٌ من الصحابةِ من بعض التابعينَ. وسيأتي في كلامِ ابنِ الصلاحِ في روايةِ الأكابرِ عن الأصاغر، أنَّ ابنَ عباسٍ، وبقيّةَ العبادلةِ رَوَوْا عن كعبِ الأحبار، وهو من التابعينَ، وروى كعبٌ أيضاً عن التابعينَ، ولم يذكرِ ابنُ الصلاحِ خلافاً في مُرْسَلِ الصحابيِّ، وفي بعضِ كُتُبِ الأصولِ للحنفيَّةِ أنَّهُ لا خلافَ في الاحتجاجِ به، وليسَ بجيِّدٍ؛ فقد قال الأستاذُ أبو إسحاق الاسفراينيُّ: إنَّهُ لا يحتجُّ به، والصوابُ ما تقدّم. شرح التبصرة والتذكرة ألفية العراقي (1/ 213).
ولأن الصحابي قد يروي عن التابعي أو غير الصحابي من الأعراب استشكل الغزالي صحة مرسل الصحابي على إطلاقه فقال:
وَالْمُخْتَارُ عَلَى قِيَاسِ رَدِّ الْمُرْسَلِ أَنَّ التَّابِعِيَّ وَالصَّحَابِيَّ إذَا عُرِفَ بِصَرِيحِ خَبَرِهِ أَوْ بِعَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ صَحَابِيٍّ قُبِلَ مُرْسَلُهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَرْوُونَ عَنْ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ مِنْ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ لَا صُحْبَةَ لَهُمْ، وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ لَنَا عَدَالَةُ أَهْلِ الصُّحْبَةِ. المستصفى (ص135).
ولا سبيل للجزم أن الصحابي لا يُرسل إلا عن صحابي بعد ثبوت رواية بعضهم عن التابعين، وقد ألف ابن حجر العسقلاني كتاباً بعنوان "نزهة السامعين في رواية الصحابة عن التابعين" أثبتَ فيه رواية الصحابة عن بعض التابعين.
قال ابن الصلاح: وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا النَّوْعِ [أي رواية الأكابر عن الأصاغر] مَا يُذْكَرُ مِنْ رِوَايَةِ الصَّحَابِيِّ عَنِ التَّابِعِيِّ كَرِوَايَةِ الْعَبَادِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ. مقدمة ابن الصلاح- ت عتر (ص308).
وقال السيوطي: (وَمِنْهُ) أَيْ: مِنَ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ (رِوَايَةُ الصَّحَابَةِ عَنِ التَّابِعِينَ، كَالْعَبَادِلَةِ وَغَيْرِهِمْ) مِنَ الصَّحَابَةِ، كَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَأَنَسٍ فِي رِوَايَتِهِمْ (عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (2/ 714).
وهذا يُفسد المقدمة الثانية، وحينها لا يمكن القول بأن الصحابي لا يروي إلا عن صحابي، فإذا أرسل احتملنا أنه رواه عن تابعيٍ، والتابعيون ليسوا كلهم عدولاً، فقد يكون روى عن تابعيٍ ضعيف، فنحكم بضعف مرسل الصحابي كحال بقية المراسيل، وهذا هو الذي تقتضيه الموضوعية، ويقتضيه القياس على مرسل التابعي.
قال ابن بطال: أن الصحابة كان يخبر بعضهم بعضًا بما يسمع من الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ويقولون: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ويجعلون ذلك كالمسند، إذ ليس في الصحابة من يكذب، ولا غير ثقةٍ. هذا قول طائفة من العلماء، وهو قول من أجاز العمل بالمراسيل، وبه قال أهل المدينة، وأهل العراق. وقالت طائفة: لا نقبل مرسل الصاحب، لأنه مرسل عن صاحب مثله، وقد يجوز أن يسمع ممن لا يضبط كوافد وأعرابي لا صحبة له، ولا تعرف عدالته، ألا ترى أن عمر لما وَقَّف أبا هريرة على روايته عن النبي (صلى الله عليه وسلم): تمت أنه من أصبح جنبًا فلا صوم له -، قال: لا علم لي بذلك، وإنما أخبرنيه مخبر، هذا قول الشافعي، واختاره القاضي ابن الطيب. «شرح صحيح البخاري لابن بطال» (1/ 169).
وقال السخاوي: إِنْ قَالَ ابْنُ بُرْهَانَ فِي الْأَوْسَطِ: إِنَّهُ الصَّحِيحُ، أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ وَمَرَاسِيلِ غَيْرِهِمْ [أي من حيث الضعف]. «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» (1/ 193).
وهذا أحد قولي ابن برهان، وله قولٌ آخر بأنه يحتج به.
فقبول مرسل الصحابي مختلفٌ فيه، والصحيح هو أن مرسل الصحابي كغيره في الضعف؛ لأن الذي استثنوه بنوا ذلك على أن كل الصحابة عدول، وأنهم لا يروون إلا عن صحابة مثلهم، وتقدم النقاش في كلا المقدمتين، وبطلان أحدهما كافٍ في إسقاط هذا الاستدلال.
وبعد أن دلَّ الدليل على أنه لا فرق بين مرسل الصحابي والتابعي في الضعف؛ لأن كل منهما قد يكون أرسله عن تابعيٍ ليس بثقة، أو عن صحابيٍ لم تثبت عدالته بناءًا على بطلان عقيدة عدالة جميع الصحابة، فيُحكم بضعف مراسيل الصحابة.
ولأن الصحابي قد يروي عن التابعي أو غير الصحابي من الأعراب استشكل الغزالي صحة مرسل الصحابي على إطلاقه فقال:
وَالْمُخْتَارُ عَلَى قِيَاسِ رَدِّ الْمُرْسَلِ أَنَّ التَّابِعِيَّ وَالصَّحَابِيَّ إذَا عُرِفَ بِصَرِيحِ خَبَرِهِ أَوْ بِعَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ صَحَابِيٍّ قُبِلَ مُرْسَلُهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَرْوُونَ عَنْ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ مِنْ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ لَا صُحْبَةَ لَهُمْ، وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ لَنَا عَدَالَةُ أَهْلِ الصُّحْبَةِ. المستصفى (ص135).
ولا سبيل للجزم أن الصحابي لا يُرسل إلا عن صحابي بعد ثبوت رواية بعضهم عن التابعين، وقد ألف ابن حجر العسقلاني كتاباً بعنوان "نزهة السامعين في رواية الصحابة عن التابعين" أثبتَ فيه رواية الصحابة عن بعض التابعين.
قال ابن الصلاح: وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا النَّوْعِ [أي رواية الأكابر عن الأصاغر] مَا يُذْكَرُ مِنْ رِوَايَةِ الصَّحَابِيِّ عَنِ التَّابِعِيِّ كَرِوَايَةِ الْعَبَادِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ. مقدمة ابن الصلاح- ت عتر (ص308).
وقال السيوطي: (وَمِنْهُ) أَيْ: مِنَ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ (رِوَايَةُ الصَّحَابَةِ عَنِ التَّابِعِينَ، كَالْعَبَادِلَةِ وَغَيْرِهِمْ) مِنَ الصَّحَابَةِ، كَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَأَنَسٍ فِي رِوَايَتِهِمْ (عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (2/ 714).
وهذا يُفسد المقدمة الثانية، وحينها لا يمكن القول بأن الصحابي لا يروي إلا عن صحابي، فإذا أرسل احتملنا أنه رواه عن تابعيٍ، والتابعيون ليسوا كلهم عدولاً، فقد يكون روى عن تابعيٍ ضعيف، فنحكم بضعف مرسل الصحابي كحال بقية المراسيل، وهذا هو الذي تقتضيه الموضوعية، ويقتضيه القياس على مرسل التابعي.
قال ابن بطال: أن الصحابة كان يخبر بعضهم بعضًا بما يسمع من الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ويقولون: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ويجعلون ذلك كالمسند، إذ ليس في الصحابة من يكذب، ولا غير ثقةٍ. هذا قول طائفة من العلماء، وهو قول من أجاز العمل بالمراسيل، وبه قال أهل المدينة، وأهل العراق. وقالت طائفة: لا نقبل مرسل الصاحب، لأنه مرسل عن صاحب مثله، وقد يجوز أن يسمع ممن لا يضبط كوافد وأعرابي لا صحبة له، ولا تعرف عدالته، ألا ترى أن عمر لما وَقَّف أبا هريرة على روايته عن النبي (صلى الله عليه وسلم): تمت أنه من أصبح جنبًا فلا صوم له -، قال: لا علم لي بذلك، وإنما أخبرنيه مخبر، هذا قول الشافعي، واختاره القاضي ابن الطيب. «شرح صحيح البخاري لابن بطال» (1/ 169).
وقال السخاوي: إِنْ قَالَ ابْنُ بُرْهَانَ فِي الْأَوْسَطِ: إِنَّهُ الصَّحِيحُ، أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ وَمَرَاسِيلِ غَيْرِهِمْ [أي من حيث الضعف]. «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» (1/ 193).
وهذا أحد قولي ابن برهان، وله قولٌ آخر بأنه يحتج به.
فقبول مرسل الصحابي مختلفٌ فيه، والصحيح هو أن مرسل الصحابي كغيره في الضعف؛ لأن الذي استثنوه بنوا ذلك على أن كل الصحابة عدول، وأنهم لا يروون إلا عن صحابة مثلهم، وتقدم النقاش في كلا المقدمتين، وبطلان أحدهما كافٍ في إسقاط هذا الاستدلال.
وبعد أن دلَّ الدليل على أنه لا فرق بين مرسل الصحابي والتابعي في الضعف؛ لأن كل منهما قد يكون أرسله عن تابعيٍ ليس بثقة، أو عن صحابيٍ لم تثبت عدالته بناءًا على بطلان عقيدة عدالة جميع الصحابة، فيُحكم بضعف مراسيل الصحابة.
هل أقدم هارون العباسي على حبس وتسميم الإمام موسى الكاظم عليه السلام؟
إن إقدام هارون العباس (لع) على سجن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام) من واضحات التاريخ؛ لذلك قال الخطيب البغدادي: أت هارون حمل مُوسَى معه إِلَى بغداد، وحبسه بها إِلَى أن توفي فِي محبسه . تاريخ بغداد - ت بشار ج15 ص14، تهذيب الكمال ج 29 ص 44.
وقد ذكر ابن كثير أحد أسباب سجنه له فقال:
حتى كانت خلافة الرشيد فحج، فلما دخل ليسلم على قبر النبي (صلى الله عليه وآله) ومعه موسى بن جعفر الكاظم، فقال الخليفة السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم. فقال موسى : السلام عليك يا أبت.
فقال الرشيد: هذا هو الفخر يا أبا الحسن . ثم لم يزل ذلك في نفسه حتى استدعاه في سنة تسع وستين وسجنه فاطال سجنه!! ، فكتب إليه موسى رسالة يقول فيها:
أما بعد يا أمير المؤمنين أنه لم ينقض عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك يوم من الرضاء ، حتى يغضي بنا ذلك إلى يوم يخسر فيه المبطلون. البداية والنهاية: 7: 174ـ 175.
وأشار ابن حجر الهيثمي إلى سببٍ آخر حيث ذكر قصة سجنه وأن هارون أمر بتسميمه فقال:
ولما حج الرشيد سعى به إليه ، وقيل له: ان الأموال تحمل إليه من كل جانب حتى اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار، فقبض عليه وأنفذه لأميره بالبصرة عيسى بن جعفر بن منصور محبسه سنة ، ثم كتب له الرشيد في دمه فاستعفى وأخبر انه لم يدع على الرشيد، وأنه إن لم يرسل بتسليمه وإلا خلى سبيله ، فبلغ الرشيد كتابه ، فكتب للسندي بن شاهك بتسليمه وأمره فيه بأمر، فجعل له سما في طعامه، وقيل في رطب فتوعك ومات بعد ثلاثة أيام !!!. (الصواعق المحرقة ج2 ص 591 ).
فمضى الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام شهيدًا في (25) من رجب، فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.
إن إقدام هارون العباس (لع) على سجن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام) من واضحات التاريخ؛ لذلك قال الخطيب البغدادي: أت هارون حمل مُوسَى معه إِلَى بغداد، وحبسه بها إِلَى أن توفي فِي محبسه . تاريخ بغداد - ت بشار ج15 ص14، تهذيب الكمال ج 29 ص 44.
وقد ذكر ابن كثير أحد أسباب سجنه له فقال:
حتى كانت خلافة الرشيد فحج، فلما دخل ليسلم على قبر النبي (صلى الله عليه وآله) ومعه موسى بن جعفر الكاظم، فقال الخليفة السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم. فقال موسى : السلام عليك يا أبت.
فقال الرشيد: هذا هو الفخر يا أبا الحسن . ثم لم يزل ذلك في نفسه حتى استدعاه في سنة تسع وستين وسجنه فاطال سجنه!! ، فكتب إليه موسى رسالة يقول فيها:
أما بعد يا أمير المؤمنين أنه لم ينقض عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك يوم من الرضاء ، حتى يغضي بنا ذلك إلى يوم يخسر فيه المبطلون. البداية والنهاية: 7: 174ـ 175.
وأشار ابن حجر الهيثمي إلى سببٍ آخر حيث ذكر قصة سجنه وأن هارون أمر بتسميمه فقال:
ولما حج الرشيد سعى به إليه ، وقيل له: ان الأموال تحمل إليه من كل جانب حتى اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار، فقبض عليه وأنفذه لأميره بالبصرة عيسى بن جعفر بن منصور محبسه سنة ، ثم كتب له الرشيد في دمه فاستعفى وأخبر انه لم يدع على الرشيد، وأنه إن لم يرسل بتسليمه وإلا خلى سبيله ، فبلغ الرشيد كتابه ، فكتب للسندي بن شاهك بتسليمه وأمره فيه بأمر، فجعل له سما في طعامه، وقيل في رطب فتوعك ومات بعد ثلاثة أيام !!!. (الصواعق المحرقة ج2 ص 591 ).
فمضى الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام شهيدًا في (25) من رجب، فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.
[الصلوات عند الزوال في كل يوم من شعبان]
السابع: أن يصلّي عند كلّ زوال من أيام شعبان، وفي ليلة النصف منه بهذه الصلوات المرويّة عن السجاد زين العابدين عليه السلام
: «اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ شَجَرَةِ النُّبوَّةِ وَمَوضِعِ الرِّسالَةِ وَمُختَلَفِ المَلائِكَةِ وَمَعدِنِ العِلمِ وَأهلِ بَيتِ الوَحيِ.
اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الفُلكِ الجاريَةِ في اللُّجَجِ الغامرّة يأمَنُ مَن رَكِبَها وَيَغرَقُ مَن تَرَكَها المُتَقَدِّمُ لَهُم مارِقٌ وَالمُتَأخِرُ عَنهُم زاهِقٌ وَاللازِمُ لَهُم لاحِقٌ.
اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الكَهفِ الحَصينِ وَغياثِ المُضطَرِّ المُستَكينِ وَمَلجَأ الهارِبينَ وَعِصمَةِ المُعتَصِمينَ.
اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلاةً كَثيرَةً تَكونُ لَهُم رِضاً وَلِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أداءً وَقَضاءً بِحَولٍ مِنكَ وَقوَّةٍ يا رَبَّ العالَمينَ.
اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الطَيِّبينَ الأبرارِ الأخيارِ الَّذينَ أوجَبتَ حُقوقَهُم وَفَرَضتَ طاعَتَهُم وَوِلايَتَهُم.
اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاعمُر قَلبي بِطاعَتِكَ وَلا تُخزِني بِمَعصيَتِكَ وَارزُقني مواساةَ مَن قَتَّرتَ عَلَيهِ مِن رِزقِكَ بِما وَسَّعتَ عَلَيَّ مِن فَضلِكَ وَنَشَرتَ عَلَيَّ مِن عَدلِكَ وَأحيَيتَني تَحتَ ظِلِّكَ، وَهذا شَهرُ نَبيِّكَ سَيِّدِ رُسُلِكَ شَعبانُ الَّذي حَفَفتَهُ مِنكَ بِالرَّحمَةِ وَالرِّضوانِ الَّذي كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ [وسَلَّم] يَدأبُ في صيامِهِ وَقيامِهِ في لياليهِ وَأيامِهِ بُخوعاً لَكَ في إكرامِهِ وَإعظامِهِ إلى مَحَلِّ حِمامِه.
اللهُمَّ فَأعِنَّا عَلى الاستِنانِ بِسُنَّتِهِ فيهِ وَنَيلِ الشَّفاعَةِ لَدَيهِ، اللهُمَّ وَاجعَلهُ لي شَفيعاً مُشَفَّعاً وَطَريقاً إلَيكَ مَهيَعاً وَاجعَلني لَهُ مُتَّبِعاً حَتى ألقاكَ يَومَ القيامة عَنّي راضياً وَعَن ذُنوبي غاضياً قَد أوجَبتَ لي مِنكَ الرَّحمَةَ وَالرِّضوانَ وَأنزَلتَني دارَ القَرارِ وَمَحَلَّ الأخيارِ».
السابع: أن يصلّي عند كلّ زوال من أيام شعبان، وفي ليلة النصف منه بهذه الصلوات المرويّة عن السجاد زين العابدين عليه السلام
: «اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ شَجَرَةِ النُّبوَّةِ وَمَوضِعِ الرِّسالَةِ وَمُختَلَفِ المَلائِكَةِ وَمَعدِنِ العِلمِ وَأهلِ بَيتِ الوَحيِ.
اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الفُلكِ الجاريَةِ في اللُّجَجِ الغامرّة يأمَنُ مَن رَكِبَها وَيَغرَقُ مَن تَرَكَها المُتَقَدِّمُ لَهُم مارِقٌ وَالمُتَأخِرُ عَنهُم زاهِقٌ وَاللازِمُ لَهُم لاحِقٌ.
اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الكَهفِ الحَصينِ وَغياثِ المُضطَرِّ المُستَكينِ وَمَلجَأ الهارِبينَ وَعِصمَةِ المُعتَصِمينَ.
اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلاةً كَثيرَةً تَكونُ لَهُم رِضاً وَلِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أداءً وَقَضاءً بِحَولٍ مِنكَ وَقوَّةٍ يا رَبَّ العالَمينَ.
اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الطَيِّبينَ الأبرارِ الأخيارِ الَّذينَ أوجَبتَ حُقوقَهُم وَفَرَضتَ طاعَتَهُم وَوِلايَتَهُم.
اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاعمُر قَلبي بِطاعَتِكَ وَلا تُخزِني بِمَعصيَتِكَ وَارزُقني مواساةَ مَن قَتَّرتَ عَلَيهِ مِن رِزقِكَ بِما وَسَّعتَ عَلَيَّ مِن فَضلِكَ وَنَشَرتَ عَلَيَّ مِن عَدلِكَ وَأحيَيتَني تَحتَ ظِلِّكَ، وَهذا شَهرُ نَبيِّكَ سَيِّدِ رُسُلِكَ شَعبانُ الَّذي حَفَفتَهُ مِنكَ بِالرَّحمَةِ وَالرِّضوانِ الَّذي كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ [وسَلَّم] يَدأبُ في صيامِهِ وَقيامِهِ في لياليهِ وَأيامِهِ بُخوعاً لَكَ في إكرامِهِ وَإعظامِهِ إلى مَحَلِّ حِمامِه.
اللهُمَّ فَأعِنَّا عَلى الاستِنانِ بِسُنَّتِهِ فيهِ وَنَيلِ الشَّفاعَةِ لَدَيهِ، اللهُمَّ وَاجعَلهُ لي شَفيعاً مُشَفَّعاً وَطَريقاً إلَيكَ مَهيَعاً وَاجعَلني لَهُ مُتَّبِعاً حَتى ألقاكَ يَومَ القيامة عَنّي راضياً وَعَن ذُنوبي غاضياً قَد أوجَبتَ لي مِنكَ الرَّحمَةَ وَالرِّضوانَ وَأنزَلتَني دارَ القَرارِ وَمَحَلَّ الأخيارِ».
صناعة ثقافة العوام
لقد شاهدتُ الدكتور عبد القادر الحسين يطرح درس في السيرة، وتعجبتُ من كثرة الأغاليط فيه وتحريف الأحداث التأريخية، فلما تفطنت أنه يقرأ من كتاب "السيرة النبوية" لمحمد سعيد البوطي، وهو بالأصل محاضرات ألقاها في سوريا، فراجعتُ هذا المصدر وتتبعتُ مصادره الرئيسية فإذا به ينقل من كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير، فلما رجعت الى كتاب ابن كثير والذي بدوره ينقل من تاريخ الطبري، لأجد هذه الروايات - خصوصا المتعلقة بعثمان وحرب الجمل وصفين - مروية عن سيف بن عمر التميمي المجمع على ضعفه المتهم بالكذب والزندقة!، وله كتاب في التاريخ ينقل عنه الطبري، وهكذا تبين أن هؤلاء يطرحون على الناس تأريخيا مشوهًا أخذوه بالسند المتصل عن كذاب زنديق.
البسطاء الذين يجلسون تحت منابر هذه الأسماء او يقرأون كتبهم يظنون أنهم محصوا هذه الروايات، وخرجوا بنتائج يقينية طيبة للجمهور، لكن المساكين لا يعلمون أن هذا يقرأ لهم من كتاب أحد الزنادقة كتأريخ للمسلمين!
وكمثال آخر: كنتُ أنقل في صفحتي من كتاب المصنف لابن ابي شيبة ومن المستدرك ومسند أحمد والكتب المعتمدة مع السند وأبين حكمه ومن حكم عليه بالصحة، وكان بعض الأخوة يقول كفتوى جاهزة "لا أثق!" ولكنني أثق بالدكتور علي الصلابي!، قلت له لا بأس، هل تعرف كتابه الفلاني؟ قال: نعم، قلتُ له: في الصفحة الفلانية نقل رواية عن المصنف بن أبي شيبة، وذكر في الهامش المصدر، وقال إسنادها صحيح، اقرأها جيدًا فلما طالعها قلت له فلنرجع للمصدر الأصلي أي المصنف، فلما رجعنا وجد أن الصلابي بترها بما يشوه معناها، وزعم أن هذه التتمة ليست في المصنف مع أنها فيه وبنفس السند الذي هو صححه بنفسه!، فبهت هذا الأخ وصار يعتذر للدكتور الصلابي وتارة يدينه ولا يوافق فعله، وبقي هذا المسكين ضحية هذا التاريخ المزيف، وحسن ظنهم بهؤلاء جعلهم يؤمنون بل ويدافعون عن تأريخ لا حقيقة له.
ولكن كما قال حذيفة رضي الله عنه : يحبون حلو الحديث ويكرهون مرّه.
نعم يحبون حلاوة الوهم والتأريخ الوردي المكذوب، ويكرهون مرارة الحقيقة، والموعد القيامة.
لقد شاهدتُ الدكتور عبد القادر الحسين يطرح درس في السيرة، وتعجبتُ من كثرة الأغاليط فيه وتحريف الأحداث التأريخية، فلما تفطنت أنه يقرأ من كتاب "السيرة النبوية" لمحمد سعيد البوطي، وهو بالأصل محاضرات ألقاها في سوريا، فراجعتُ هذا المصدر وتتبعتُ مصادره الرئيسية فإذا به ينقل من كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير، فلما رجعت الى كتاب ابن كثير والذي بدوره ينقل من تاريخ الطبري، لأجد هذه الروايات - خصوصا المتعلقة بعثمان وحرب الجمل وصفين - مروية عن سيف بن عمر التميمي المجمع على ضعفه المتهم بالكذب والزندقة!، وله كتاب في التاريخ ينقل عنه الطبري، وهكذا تبين أن هؤلاء يطرحون على الناس تأريخيا مشوهًا أخذوه بالسند المتصل عن كذاب زنديق.
البسطاء الذين يجلسون تحت منابر هذه الأسماء او يقرأون كتبهم يظنون أنهم محصوا هذه الروايات، وخرجوا بنتائج يقينية طيبة للجمهور، لكن المساكين لا يعلمون أن هذا يقرأ لهم من كتاب أحد الزنادقة كتأريخ للمسلمين!
وكمثال آخر: كنتُ أنقل في صفحتي من كتاب المصنف لابن ابي شيبة ومن المستدرك ومسند أحمد والكتب المعتمدة مع السند وأبين حكمه ومن حكم عليه بالصحة، وكان بعض الأخوة يقول كفتوى جاهزة "لا أثق!" ولكنني أثق بالدكتور علي الصلابي!، قلت له لا بأس، هل تعرف كتابه الفلاني؟ قال: نعم، قلتُ له: في الصفحة الفلانية نقل رواية عن المصنف بن أبي شيبة، وذكر في الهامش المصدر، وقال إسنادها صحيح، اقرأها جيدًا فلما طالعها قلت له فلنرجع للمصدر الأصلي أي المصنف، فلما رجعنا وجد أن الصلابي بترها بما يشوه معناها، وزعم أن هذه التتمة ليست في المصنف مع أنها فيه وبنفس السند الذي هو صححه بنفسه!، فبهت هذا الأخ وصار يعتذر للدكتور الصلابي وتارة يدينه ولا يوافق فعله، وبقي هذا المسكين ضحية هذا التاريخ المزيف، وحسن ظنهم بهؤلاء جعلهم يؤمنون بل ويدافعون عن تأريخ لا حقيقة له.
ولكن كما قال حذيفة رضي الله عنه : يحبون حلو الحديث ويكرهون مرّه.
نعم يحبون حلاوة الوهم والتأريخ الوردي المكذوب، ويكرهون مرارة الحقيقة، والموعد القيامة.
علي مع الحق
لقد كذّب ابن تيمية حديث النبي صلى الله عليه وآله: (عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ، وَالْحَقُّ مَعَهُ يَدُورُ حَيْثُ دَارَ، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ).
ومع أنه كذّب الحديث لكنه اعترف بدلالة الحديث على عصمة الإمام علي عليه السلام حيث قال: «وَلَوْ دَارَ الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ حَيْثُمَا دَارَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» منهاج السنة (4/ 241).
فإذا شهد له النبي صلى الله عليه وآله أن الحق يدور معه حيث دار، فأين المشكلة؟
يجيب ابن تيمية، ولكن قبل أن أنقل جوابه لكم أذكركم بكلمة للحافظ ابن حجر العسقلاني حيث قال عن ابن تيمية: «رد في رده [على ابن المطهر الحلي] كثيرا من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة تصنيفه مظانها،،،،، ولزم من مبالغته لتوهين كلام الرافضي الإفضاء أحيانا إلى تنقيص علي» أنظر: لسان الميزان ت أبي غدة (8/ 551).
إذن ابن تيمية ضعّف أحاديث جياد في منهاج سنته بشهادة الحافظ ابن حجر العسقلاني، والآن تعالوا بنا الى ما قاله ابن تيمية حول حديث (علي مع الحق يدور معه حيث دار) حيث قال:
«هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ!» منهاج السنة ت محمد رشاد سالم (4/ 238).
والآن هل فعلاً لم يرد هذا الحديث لا بإسناد صحيح ولا ضعيف كما يزعم ابن تيمية؟
قلتُ: هذا كذبٌ بيّنٌ من ابن تيمية، فالحديث رواه البزار فقال: «حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا سَعْدُ بْنُ شُعَيْبٍ النّهْمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عن سعد ابن أبي وقاص: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ: «عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ، أَوِ الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ حَيْثُ كَانَ» ، قَالَ: مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مَعَكَ، قَالَ: قَالَهُ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَسَأَلَهَا، فَقَالَتْ: قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، فَقَالَ الرَّجُلُ لِسَعْدٍ: مَا كُنْتَ عِنْدِي قَطُّ أَلْوَمَ مِنْكَ الآنَ، فَقَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لَوْ سَمِعْتُ هَذَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَزَلْ خَادِمًا لِعَلِيٍّ حَتَّى أَمُوتَ» كشف الأستار عن زوائد البزار (4/ 96 ح3282).
قال الهيثمي: «رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَفِيهِ سَعْدُ بْنُ شُعَيْبٍ، وَلَمْ أَعْرِفْهُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ» مجمع الزوائد (7/ 236 ح12031).
قلتُ: الراجح أنه سَعِيد بن شبيب الْحَضْرَمِيّ والذي ترجم له المزي بقوله: «سَعِيد بن شبيب الْحَضْرَمِيّ، أبو عُثْمَان المِصْرِي، رفيق بن إدريس... وَقَال إِبْرَاهِيم بْن يَعْقُوب الجوزجاني: كَانَ شيخا صالحا» أنظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال (10/ 498).
ورواه الخطيب البغدادي فقال: «أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ بْنِ مَنْصُورٍ الْوَرَّاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُكْتِبُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ السَّرَّاجُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْبُرَيْدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي ثَابِتٍ مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَرَأَيْتُهَا تَبْكِي وَتَذْكُرُ عَلِيًّا، وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "» تاريخ بغداد ت بشار (16/ 470)، وعنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (42/ 449).
وروى أبو يعلى فقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، عَنْ صَدَقَةِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟»، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «خِيَارُكُمُ الْمُوفُونَ الْمُطَيَّبُونَ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْخَفِيَّ التَّقِيَّ»، قَالَ: وَمَرَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: «الْحَقُّ مَعَ ذَا، الْحَقُّ مَعَ ذَا» مسند أبي يعلى ت حسين أسد (2/ 318 ح1052)، قال حسين أسد: صدقة بن الربيع وثقه ابن حبان والهيثمي وباقي رجاله ثقات،
لقد كذّب ابن تيمية حديث النبي صلى الله عليه وآله: (عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ، وَالْحَقُّ مَعَهُ يَدُورُ حَيْثُ دَارَ، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ).
ومع أنه كذّب الحديث لكنه اعترف بدلالة الحديث على عصمة الإمام علي عليه السلام حيث قال: «وَلَوْ دَارَ الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ حَيْثُمَا دَارَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» منهاج السنة (4/ 241).
فإذا شهد له النبي صلى الله عليه وآله أن الحق يدور معه حيث دار، فأين المشكلة؟
يجيب ابن تيمية، ولكن قبل أن أنقل جوابه لكم أذكركم بكلمة للحافظ ابن حجر العسقلاني حيث قال عن ابن تيمية: «رد في رده [على ابن المطهر الحلي] كثيرا من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة تصنيفه مظانها،،،،، ولزم من مبالغته لتوهين كلام الرافضي الإفضاء أحيانا إلى تنقيص علي» أنظر: لسان الميزان ت أبي غدة (8/ 551).
إذن ابن تيمية ضعّف أحاديث جياد في منهاج سنته بشهادة الحافظ ابن حجر العسقلاني، والآن تعالوا بنا الى ما قاله ابن تيمية حول حديث (علي مع الحق يدور معه حيث دار) حيث قال:
«هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ!» منهاج السنة ت محمد رشاد سالم (4/ 238).
والآن هل فعلاً لم يرد هذا الحديث لا بإسناد صحيح ولا ضعيف كما يزعم ابن تيمية؟
قلتُ: هذا كذبٌ بيّنٌ من ابن تيمية، فالحديث رواه البزار فقال: «حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا سَعْدُ بْنُ شُعَيْبٍ النّهْمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عن سعد ابن أبي وقاص: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ: «عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ، أَوِ الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ حَيْثُ كَانَ» ، قَالَ: مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مَعَكَ، قَالَ: قَالَهُ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَسَأَلَهَا، فَقَالَتْ: قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، فَقَالَ الرَّجُلُ لِسَعْدٍ: مَا كُنْتَ عِنْدِي قَطُّ أَلْوَمَ مِنْكَ الآنَ، فَقَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لَوْ سَمِعْتُ هَذَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَزَلْ خَادِمًا لِعَلِيٍّ حَتَّى أَمُوتَ» كشف الأستار عن زوائد البزار (4/ 96 ح3282).
قال الهيثمي: «رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَفِيهِ سَعْدُ بْنُ شُعَيْبٍ، وَلَمْ أَعْرِفْهُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ» مجمع الزوائد (7/ 236 ح12031).
قلتُ: الراجح أنه سَعِيد بن شبيب الْحَضْرَمِيّ والذي ترجم له المزي بقوله: «سَعِيد بن شبيب الْحَضْرَمِيّ، أبو عُثْمَان المِصْرِي، رفيق بن إدريس... وَقَال إِبْرَاهِيم بْن يَعْقُوب الجوزجاني: كَانَ شيخا صالحا» أنظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال (10/ 498).
ورواه الخطيب البغدادي فقال: «أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ بْنِ مَنْصُورٍ الْوَرَّاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُكْتِبُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ السَّرَّاجُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْبُرَيْدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي ثَابِتٍ مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَرَأَيْتُهَا تَبْكِي وَتَذْكُرُ عَلِيًّا، وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "» تاريخ بغداد ت بشار (16/ 470)، وعنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (42/ 449).
وروى أبو يعلى فقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، عَنْ صَدَقَةِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟»، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «خِيَارُكُمُ الْمُوفُونَ الْمُطَيَّبُونَ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْخَفِيَّ التَّقِيَّ»، قَالَ: وَمَرَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: «الْحَقُّ مَعَ ذَا، الْحَقُّ مَعَ ذَا» مسند أبي يعلى ت حسين أسد (2/ 318 ح1052)، قال حسين أسد: صدقة بن الربيع وثقه ابن حبان والهيثمي وباقي رجاله ثقات،
قال الهيثمي: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. مجمع الزوائد (7/ 235 ح12027)، وقد شهد بوثاقة صدقة بن الربيع الامام محمد بن درويش البيروتي الشافعي (ت1277 هـ) في أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب (ص249).
وروى الترمذي والبزار والطبراني والحاكم واللفظ له: عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ عَلِيًّا اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ» المستدرك على الصحيحين للحاكم» (3/ 134 ح 4629)، قال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "، سنن الترمذي ت بشار (6/ 75 ح 3714)، مسند البزار (3/ 52 ح 806)، المعجم الأوسط (6/ 95 ح 5906)، معرفة الصحابة لأبي نعيم» (1/ 93 ح 354)، تاريخ دمشق لابن عساكر» (30/ 63)، الرياض النضرة في مناقب العشرة لمحب الدين الطبري (1/ 48)، وأخرجه جلال الدين السيوطي في الجامع الصغير ورمز الى صحته. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 230 ح 4396).
ويشهد له ما رواه الحاكم بسنده عن أم سلمة رضوان الله عليها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «عَلِيٌّ مَعَ الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ مَعَ عَلِيٍّ لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» المستدرك على الصحيحين للحاكم (3/ 134 ح4628)، صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
فعلى هذا يكون الحديث قد صح سنده، وصحت دلالته أيضًا على العصمة بشهادة ابن تيمية.
ولكن هل هناك من السلف الصالح من فَهم ما فهمه ابن تيمية من دلالة الحديث وما نتبناه؟
نعم هناك من السلف الصلح من فهم ذلك وهي أم المؤمنين أم سلمة عليها السلام بما رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي حيث روى الحاكم بسنده: عَنْ أَبِي ثَابِتٍ، مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْجَمَلِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ عَائِشَةَ وَاقِفَةً دَخَلَنِي بَعْضُ مَا يَدْخُلُ النَّاسَ، فَكَشَفَ اللَّهُ عَنِّي ذَلِكَ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَقَاتَلْتُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا فَرَغَ ذَهَبْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَتَيْتُ أُمَّ سَلَمَةَ فَقُلْتُ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا جِئْتُ أَسْأَلُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا وَلَكِنِّي مَوْلًى لِأَبِي ذَرٍّ، فَقَالَتْ: مَرْحَبًا فَقَصَصْتُ عَلَيْهَا قِصَّتِي، فَقَالَتْ: أَيْنَ كُنْتَ حِينَ طَارَتِ الْقُلُوبُ مَطَائِرَهَا؟ قُلْتُ: إِلَى حَيْثُ كَشَفَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنِّي عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، قَالَ: أَحْسَنْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «عَلِيٌّ مَعَ الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ مَعَ عَلِيٍّ لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» المستدرك على الصحيحين للحاكم (3/ 134 ح4628).
فقد فهمتْ أن من كان مع القرآن الكريم لا يفارقه لا يكون على باطل أبداً، ولو كانت فهمتْ أن من كان مع القرآن لا يفارقه قد يكون على باطل لما صح استدلالها على حقانية الامام علي عليه السلام بهذا الحديث.
أما من يزعم أن القول بأن الإجماع على أن لا معصوم غير النبي صلى الله عليه وآله، نقول له: لم تُجمع الأمة على ذلك، بل لم يُجمع أهل السنة، حيث قال بعضهم بعصمة أهل بدر كما نقل ابن حجر العسقلاني، وقال الشوكاني: «أقولُ: عصمةُ علي وحُجَّة قولِه: ذهب إلى القول بهما جماعةٌ من أهل البيت عليهم السلام» الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (8/ 4085).
وروى الترمذي والبزار والطبراني والحاكم واللفظ له: عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ عَلِيًّا اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ» المستدرك على الصحيحين للحاكم» (3/ 134 ح 4629)، قال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "، سنن الترمذي ت بشار (6/ 75 ح 3714)، مسند البزار (3/ 52 ح 806)، المعجم الأوسط (6/ 95 ح 5906)، معرفة الصحابة لأبي نعيم» (1/ 93 ح 354)، تاريخ دمشق لابن عساكر» (30/ 63)، الرياض النضرة في مناقب العشرة لمحب الدين الطبري (1/ 48)، وأخرجه جلال الدين السيوطي في الجامع الصغير ورمز الى صحته. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 230 ح 4396).
ويشهد له ما رواه الحاكم بسنده عن أم سلمة رضوان الله عليها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «عَلِيٌّ مَعَ الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ مَعَ عَلِيٍّ لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» المستدرك على الصحيحين للحاكم (3/ 134 ح4628)، صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
فعلى هذا يكون الحديث قد صح سنده، وصحت دلالته أيضًا على العصمة بشهادة ابن تيمية.
ولكن هل هناك من السلف الصالح من فَهم ما فهمه ابن تيمية من دلالة الحديث وما نتبناه؟
نعم هناك من السلف الصلح من فهم ذلك وهي أم المؤمنين أم سلمة عليها السلام بما رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي حيث روى الحاكم بسنده: عَنْ أَبِي ثَابِتٍ، مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْجَمَلِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ عَائِشَةَ وَاقِفَةً دَخَلَنِي بَعْضُ مَا يَدْخُلُ النَّاسَ، فَكَشَفَ اللَّهُ عَنِّي ذَلِكَ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَقَاتَلْتُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا فَرَغَ ذَهَبْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَتَيْتُ أُمَّ سَلَمَةَ فَقُلْتُ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا جِئْتُ أَسْأَلُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا وَلَكِنِّي مَوْلًى لِأَبِي ذَرٍّ، فَقَالَتْ: مَرْحَبًا فَقَصَصْتُ عَلَيْهَا قِصَّتِي، فَقَالَتْ: أَيْنَ كُنْتَ حِينَ طَارَتِ الْقُلُوبُ مَطَائِرَهَا؟ قُلْتُ: إِلَى حَيْثُ كَشَفَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنِّي عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، قَالَ: أَحْسَنْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «عَلِيٌّ مَعَ الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ مَعَ عَلِيٍّ لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» المستدرك على الصحيحين للحاكم (3/ 134 ح4628).
فقد فهمتْ أن من كان مع القرآن الكريم لا يفارقه لا يكون على باطل أبداً، ولو كانت فهمتْ أن من كان مع القرآن لا يفارقه قد يكون على باطل لما صح استدلالها على حقانية الامام علي عليه السلام بهذا الحديث.
أما من يزعم أن القول بأن الإجماع على أن لا معصوم غير النبي صلى الله عليه وآله، نقول له: لم تُجمع الأمة على ذلك، بل لم يُجمع أهل السنة، حيث قال بعضهم بعصمة أهل بدر كما نقل ابن حجر العسقلاني، وقال الشوكاني: «أقولُ: عصمةُ علي وحُجَّة قولِه: ذهب إلى القول بهما جماعةٌ من أهل البيت عليهم السلام» الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (8/ 4085).
فاطمة الزهراء عليها السلام أوصت أن تدفن ليلا ولا يحضر ابو بكر جنازتها
روى البخاري ومسلم عن عائشة قالتْ: فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ، فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا. «صحيح البخاري - ط السلطانية» (5/ 139 ح4240 و 4241)، صحيح مسلم - ط التركية ج5 ص153 ح ١٧٥٩.
ولم يؤذن بها أبا بكر أي لم يُخبر لكي يحضر، وأما لماذا هذه السرية؟ فقد كشف عن ذلك الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام، فقد روى الحافظ عبد الرزاق الصنعاني: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ حَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، دُفِنَتْ بِاللَّيْلِ، قَالَ: فَرَّ بِهَا عَلِيٌّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، أَنْ يُصلِّيَ عَلَيْهَا، كَانَ بَيْنَهُمَا شَيءٌ.
ورواه عبد الرزاق أيضًا: عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَوْصتْهُ بِذَلِكَ. «مصنف عبد الرزاق ط التأصيل الثانية» (4/ 240 رقم الأثر: 6757 و6758).
روى البخاري ومسلم عن عائشة قالتْ: فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ، فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا. «صحيح البخاري - ط السلطانية» (5/ 139 ح4240 و 4241)، صحيح مسلم - ط التركية ج5 ص153 ح ١٧٥٩.
ولم يؤذن بها أبا بكر أي لم يُخبر لكي يحضر، وأما لماذا هذه السرية؟ فقد كشف عن ذلك الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام، فقد روى الحافظ عبد الرزاق الصنعاني: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ حَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، دُفِنَتْ بِاللَّيْلِ، قَالَ: فَرَّ بِهَا عَلِيٌّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، أَنْ يُصلِّيَ عَلَيْهَا، كَانَ بَيْنَهُمَا شَيءٌ.
ورواه عبد الرزاق أيضًا: عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَوْصتْهُ بِذَلِكَ. «مصنف عبد الرزاق ط التأصيل الثانية» (4/ 240 رقم الأثر: 6757 و6758).
معاوية من دون مكياج .....1
في هذه الحلقة والتي تليها نذكر أحاديث عامة تشمل معاوية، وسنذكر الأحاديث الخاصة في ذمه، وأما الأحاديث التي وردتْ كفضيلة له فسيأتي الكلام عنها ان شاء الله تعالى وسنبين قيمتها السندية والدلالية، فالمطلوب من الأحبة أن لا يستعجلوا البحث ويذكروا لنا تلك الفضائل؛ لأننا سنتكلم عنها وليست غائبة عنا، فهذا يقول كاتب الوحي وذاك يقول خال المؤمنين والخ، كل هذه نعرفها ونعرف قيمتها العلمية، ولكن نطالبكم بالتحمل ريثما نصل إلى تلك المرحلة من الكلام.
أبغض الأحياء
روى الحاكم فقال: وَمِنْهَا مَا حَدَّثَنَاهُ أَبُوبَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ هِلَالٍ، يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: «كَانَ أَبْغَضَ الْأَحْيَاءِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنُو أُمَيَّةَ، وَبَنُو حَنِيفَةَ، وَثَقِيفٌ. المستدرك على الصحيحين للحاكم (4/ 528 ح 8482)، قال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، قال الذهبي: على شرط البخاري ومسلم.
رواه أحمد بنفس السند وتلاعب بمتنه حفاظاً على كرامة آل أمية فقال: «حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ جَارِهِمْ قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ هِلَالٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: " كَانَ أَبْغَضَ النَّاسِ أَو أَبْغَضَ الْأَحْيَاءِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَقِيفُ، وَبَنُو حَنِيفَةَ "» مسند أحمد ط الرسالة (33/ 19 ح 19775)قال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف، لجهالة حال أبي حمزة جار شعبة -هو عبد الرحمن ابن عبد الله المازني. حجاج: هو ابن محمد المِصَّيصي الأعور وأخرجه الحاكم 4/480- 481 من طريق عبد الله بن أحمد، عن أحمد ابن حنبل، بهذا الإسناد. وزاد فيه: بني أمية، وصححه! وأخرجه أبو يعلى (7421) من طريق حجاج بن محمد المِصَّيصي، به. وزاد فيه أيضاً: بني أمية. انتهى.
قلتُ: اعترف أن السند هو السند، فالحاكم رواه بنفس السند، وكذلك أبو يعلى، ولكن أحمد بن حنبل حذف لفظة (بنو أمية!!) ليحميهم من النبي صلى الله عليه وآله، أما حكم شعيب الأرناؤوط بجهالة أبي حمزة المازني فهومن الغرابة بمكان، فهذا الراوي روى له مسلم متابعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه شعبة وهولا يروي إلا عن ثقة، فأي شيءٍ يريد بعد ذلك الأرناؤوط ليكون له هذا الراوي معلوماً؟! وقد قال الألباني عنه: «وأبو حمزة هذا هو عبد الرحمن بن عبد الله المازني جار شعبة، وهو ثقة من رجال مسلم» السلسلة الصحيحة (5/ 400)، ونص على توثيقه في موضعٍ آخر من صحيحته (6/ 797).
وقد رواه أبو يعلى فقال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، جَارِهِمْ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، قَالَ: «كَانَ أَبْغَضَ الْأَحْيَاءِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنُو أُمَيَّةَ وَثَقِيفٌ وَبَنُو حَنِيفَةَ» مسند أبي يعلى ت حسين أسد (13/ 417 ح7421)، قال حسين أسد: إسناده حسن.
قلتُ: هذا الحديث يدلُّ على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يبغض آل أمية، ومنهم ومن رؤوسهم معاوية، والسبب معلوم لكل مطلع على سيرة الرجل، فقد أفسد في الأمة أيما فساد، وسيأتي إثبات ذلك بالأحاديث الصحيحة إن شاء الله تعالى فترقبوا...
في هذه الحلقة والتي تليها نذكر أحاديث عامة تشمل معاوية، وسنذكر الأحاديث الخاصة في ذمه، وأما الأحاديث التي وردتْ كفضيلة له فسيأتي الكلام عنها ان شاء الله تعالى وسنبين قيمتها السندية والدلالية، فالمطلوب من الأحبة أن لا يستعجلوا البحث ويذكروا لنا تلك الفضائل؛ لأننا سنتكلم عنها وليست غائبة عنا، فهذا يقول كاتب الوحي وذاك يقول خال المؤمنين والخ، كل هذه نعرفها ونعرف قيمتها العلمية، ولكن نطالبكم بالتحمل ريثما نصل إلى تلك المرحلة من الكلام.
أبغض الأحياء
روى الحاكم فقال: وَمِنْهَا مَا حَدَّثَنَاهُ أَبُوبَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ هِلَالٍ، يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: «كَانَ أَبْغَضَ الْأَحْيَاءِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنُو أُمَيَّةَ، وَبَنُو حَنِيفَةَ، وَثَقِيفٌ. المستدرك على الصحيحين للحاكم (4/ 528 ح 8482)، قال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، قال الذهبي: على شرط البخاري ومسلم.
رواه أحمد بنفس السند وتلاعب بمتنه حفاظاً على كرامة آل أمية فقال: «حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ جَارِهِمْ قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ هِلَالٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: " كَانَ أَبْغَضَ النَّاسِ أَو أَبْغَضَ الْأَحْيَاءِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَقِيفُ، وَبَنُو حَنِيفَةَ "» مسند أحمد ط الرسالة (33/ 19 ح 19775)قال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف، لجهالة حال أبي حمزة جار شعبة -هو عبد الرحمن ابن عبد الله المازني. حجاج: هو ابن محمد المِصَّيصي الأعور وأخرجه الحاكم 4/480- 481 من طريق عبد الله بن أحمد، عن أحمد ابن حنبل، بهذا الإسناد. وزاد فيه: بني أمية، وصححه! وأخرجه أبو يعلى (7421) من طريق حجاج بن محمد المِصَّيصي، به. وزاد فيه أيضاً: بني أمية. انتهى.
قلتُ: اعترف أن السند هو السند، فالحاكم رواه بنفس السند، وكذلك أبو يعلى، ولكن أحمد بن حنبل حذف لفظة (بنو أمية!!) ليحميهم من النبي صلى الله عليه وآله، أما حكم شعيب الأرناؤوط بجهالة أبي حمزة المازني فهومن الغرابة بمكان، فهذا الراوي روى له مسلم متابعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه شعبة وهولا يروي إلا عن ثقة، فأي شيءٍ يريد بعد ذلك الأرناؤوط ليكون له هذا الراوي معلوماً؟! وقد قال الألباني عنه: «وأبو حمزة هذا هو عبد الرحمن بن عبد الله المازني جار شعبة، وهو ثقة من رجال مسلم» السلسلة الصحيحة (5/ 400)، ونص على توثيقه في موضعٍ آخر من صحيحته (6/ 797).
وقد رواه أبو يعلى فقال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، جَارِهِمْ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، قَالَ: «كَانَ أَبْغَضَ الْأَحْيَاءِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنُو أُمَيَّةَ وَثَقِيفٌ وَبَنُو حَنِيفَةَ» مسند أبي يعلى ت حسين أسد (13/ 417 ح7421)، قال حسين أسد: إسناده حسن.
قلتُ: هذا الحديث يدلُّ على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يبغض آل أمية، ومنهم ومن رؤوسهم معاوية، والسبب معلوم لكل مطلع على سيرة الرجل، فقد أفسد في الأمة أيما فساد، وسيأتي إثبات ذلك بالأحاديث الصحيحة إن شاء الله تعالى فترقبوا...
معاوية من دون مكياج .... 2
الملك العضوض
كثر المتغنون بدولة آل أمية، وأخيرًا قدموا لنا مسلسلًا عن مؤسس الدولة الأموية معاوية، ولكن بعيدًا عن لغة المسلسلات والمونتاج والمؤثرات الصوتية والبصرية الخدّاعة والعاطفة المصنوعة تعالوا بنا لنرى حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الدولة، فقد حكم عليها بأنها دولة ظالمة تعض الرعية عض الكلاب!!
فقد روى أحمد بن حنبل عَنْ حُذَيْفَةَ رضوان الله عليه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ» ثُمَّ سَكَتَ قَالَ حَبِيبٌ: فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبْتُ إِلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ أُذَكِّرُهُ إِيَّاهُ وَقُلْتُ: أَرْجُو أَنْ تَكُونَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ الْمُلْكِ الْعَاضِّ وَالْجَبْرِيَّةِ فَسُرَّ بِهِ وَأَعْجَبَهُ يَعْنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي «دَلَائِل النُّبُوَّة». «مسند أحمد ط الرسالة» (30/ 355 ح18404)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن، وقال التبريزي: حسنٌ. مشكاة المصابيح ج ٣ ص ١٤٧٨، وحسّنه الألباني في الصحيحة ج ١ ص ٣٤، وصححه الحافظ العراقي.
ورواه الطَّبَرَانِيُّ فقال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ: " «إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ بَدَأَ رَحْمَةً وَنُبُوَّةً، ثُمَّ يَكُونُ رَحْمَةً وَخِلَافَةً، ثُمَّ كَائِنٌ مُلْكًا عَضُوضًا، ثُمَّ كَائِنٌ عُتُوًّا وَجَبْرِيَّةً وَفَسَادًا فِي الْأَرْضِ، يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيرَ وَالْفُرُوجَ وَالْخُمُورَ، وَيُرْزَقُونَ عَلَى ذَلِكَ وَيُنْصَرُونَ حَتَّى يَلْقَوُا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» ". المعجم الكبير للطبراني ج ١ ص ١٥٦ رقم الحديث ٣٦٧، قال ابن كثير: إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. البداية والنهاية ت التركي ج ١١ ص ١٤٣.
وعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ-: إِنَّكُمْ فِي نُبُوَّةٍ وَرَحْمَةٍ، وَسَتَكُونُ خِلَافَةٌ وَرَحْمَةٌ، وَيَكُونُ كَذَا وَكَذَا، وَيَكُونُ مُلْكًا عَضُوضًا، يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَيَلْبَسُونَ الْحَرِيرَ، ومع ذلك ينصرون إلى قيام الساعة.
ذكره الهيثمي في المجمع (٥/ ١٨٨) مطولًا، وقال: رواه أحمد في ترجمة النعمان، والبزار أتم منه، والطبراني ببعضه في الأوسط، ورجاله ثقات. اهـ. وذكره البوصيري في الإِتحاف (٣/ ق ١٢٧ أمختصر)، وقال: رواه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو داود الطيالسي بسند صحيح. اهـ.
بيان الحديث: عضوضا: بفتح العين المهملة وضمها صيغة مبالغة جمع عض بكسر العين المهملة وهو الشرير الخبيث والمراد هنا سلطنة خالية عن الرحمة والشفقة على الرعية فكأنهم يعضون بالنواجذ فيه عضا حرصا على الملك. وهذا من باب الاستعارة التصريحية او المكنية بتشبيه ظلمهم وتعديهم على الرعية بعض حيوان مفترس.
قال القاري: (عضوضا) بفتح العين أي سلطنة خالية عن الرحمة والشفقة على الرعية فكأنهم يعضون بالنواجذ فيه عضا حرصا على الملك ويعض بعضهم بعضا حثا على الهلك وفيه إيماء إلى ما قال عارف بهذا الباب الدنيا جيفة وطالبها الكلاب وفي النهاية ثم يكون ملك عضوض أي يصيب الرعية عسف وظلم فكأنهم يعضون فيه عضا بأسنانهم أي يتحملون فيه محنة شديدة في شأنهم وفي رواية وسترون بعدي ملكا عضوضا وفي أخرى ثم يكون ملوك عضوض قيل وهو جمع عض بالكسر أي شرير خبيث. شرح الشفا ج ١ ص ٦٩٢.
وقال ابن الأثير: العضوض: الكلب، ومنه مِلك عضوض: فيه عسف وظلم. جامع الأصول ج ١ ص ٥٢٨.
وقال ايضا: «ثم يكون مُلكٌ عَضوض، أي: يصيب الرعية فيه عسف وظلم، كأنهم يعضون فيه عضا. والعضوض: من أبنية المبالغة» النهاية في غريب الحديث والأثر ج٣ ص ٢٥٣.
وقال ابن منظور: «وملك عَضوض: شديد فيه عسف وعنف» (لسان العرب (٧/ ١٩١).
وأما على رواية: ملوك عُضوض: فقد قال الخطابي: «العُضوض: جمع عِض، وهو: الرجل الخبيث الشرس الخلق» (غريب الحديث للخطابي (١/ ٢٥٠).).
الملك العضوض
كثر المتغنون بدولة آل أمية، وأخيرًا قدموا لنا مسلسلًا عن مؤسس الدولة الأموية معاوية، ولكن بعيدًا عن لغة المسلسلات والمونتاج والمؤثرات الصوتية والبصرية الخدّاعة والعاطفة المصنوعة تعالوا بنا لنرى حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الدولة، فقد حكم عليها بأنها دولة ظالمة تعض الرعية عض الكلاب!!
فقد روى أحمد بن حنبل عَنْ حُذَيْفَةَ رضوان الله عليه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ» ثُمَّ سَكَتَ قَالَ حَبِيبٌ: فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبْتُ إِلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ أُذَكِّرُهُ إِيَّاهُ وَقُلْتُ: أَرْجُو أَنْ تَكُونَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ الْمُلْكِ الْعَاضِّ وَالْجَبْرِيَّةِ فَسُرَّ بِهِ وَأَعْجَبَهُ يَعْنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي «دَلَائِل النُّبُوَّة». «مسند أحمد ط الرسالة» (30/ 355 ح18404)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن، وقال التبريزي: حسنٌ. مشكاة المصابيح ج ٣ ص ١٤٧٨، وحسّنه الألباني في الصحيحة ج ١ ص ٣٤، وصححه الحافظ العراقي.
ورواه الطَّبَرَانِيُّ فقال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ: " «إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ بَدَأَ رَحْمَةً وَنُبُوَّةً، ثُمَّ يَكُونُ رَحْمَةً وَخِلَافَةً، ثُمَّ كَائِنٌ مُلْكًا عَضُوضًا، ثُمَّ كَائِنٌ عُتُوًّا وَجَبْرِيَّةً وَفَسَادًا فِي الْأَرْضِ، يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيرَ وَالْفُرُوجَ وَالْخُمُورَ، وَيُرْزَقُونَ عَلَى ذَلِكَ وَيُنْصَرُونَ حَتَّى يَلْقَوُا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» ". المعجم الكبير للطبراني ج ١ ص ١٥٦ رقم الحديث ٣٦٧، قال ابن كثير: إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. البداية والنهاية ت التركي ج ١١ ص ١٤٣.
وعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ-: إِنَّكُمْ فِي نُبُوَّةٍ وَرَحْمَةٍ، وَسَتَكُونُ خِلَافَةٌ وَرَحْمَةٌ، وَيَكُونُ كَذَا وَكَذَا، وَيَكُونُ مُلْكًا عَضُوضًا، يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَيَلْبَسُونَ الْحَرِيرَ، ومع ذلك ينصرون إلى قيام الساعة.
ذكره الهيثمي في المجمع (٥/ ١٨٨) مطولًا، وقال: رواه أحمد في ترجمة النعمان، والبزار أتم منه، والطبراني ببعضه في الأوسط، ورجاله ثقات. اهـ. وذكره البوصيري في الإِتحاف (٣/ ق ١٢٧ أمختصر)، وقال: رواه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو داود الطيالسي بسند صحيح. اهـ.
بيان الحديث: عضوضا: بفتح العين المهملة وضمها صيغة مبالغة جمع عض بكسر العين المهملة وهو الشرير الخبيث والمراد هنا سلطنة خالية عن الرحمة والشفقة على الرعية فكأنهم يعضون بالنواجذ فيه عضا حرصا على الملك. وهذا من باب الاستعارة التصريحية او المكنية بتشبيه ظلمهم وتعديهم على الرعية بعض حيوان مفترس.
قال القاري: (عضوضا) بفتح العين أي سلطنة خالية عن الرحمة والشفقة على الرعية فكأنهم يعضون بالنواجذ فيه عضا حرصا على الملك ويعض بعضهم بعضا حثا على الهلك وفيه إيماء إلى ما قال عارف بهذا الباب الدنيا جيفة وطالبها الكلاب وفي النهاية ثم يكون ملك عضوض أي يصيب الرعية عسف وظلم فكأنهم يعضون فيه عضا بأسنانهم أي يتحملون فيه محنة شديدة في شأنهم وفي رواية وسترون بعدي ملكا عضوضا وفي أخرى ثم يكون ملوك عضوض قيل وهو جمع عض بالكسر أي شرير خبيث. شرح الشفا ج ١ ص ٦٩٢.
وقال ابن الأثير: العضوض: الكلب، ومنه مِلك عضوض: فيه عسف وظلم. جامع الأصول ج ١ ص ٥٢٨.
وقال ايضا: «ثم يكون مُلكٌ عَضوض، أي: يصيب الرعية فيه عسف وظلم، كأنهم يعضون فيه عضا. والعضوض: من أبنية المبالغة» النهاية في غريب الحديث والأثر ج٣ ص ٢٥٣.
وقال ابن منظور: «وملك عَضوض: شديد فيه عسف وعنف» (لسان العرب (٧/ ١٩١).
وأما على رواية: ملوك عُضوض: فقد قال الخطابي: «العُضوض: جمع عِض، وهو: الرجل الخبيث الشرس الخلق» (غريب الحديث للخطابي (١/ ٢٥٠).).
وقال القاري: (ثُمَّ يَرْفَعُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا) أَيْ: يَعَضُّ بَعْضُ أَهْلِهِ بَعْضًا، كَعَضِّ الْكِلَابِ!!. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج ٨ ص ٣٣٧٦.
قال الزرقاني: قوله: ملكا عضوضا أي يصيب الرعية فيه عسف وظلم، كأنهم يعضون فيه عضا. شرح الزرقاني ج١٠ ص ١٥٥.
إذن هذا الملك وهذه الحكومة تنهش الرعية نهش الكلاب فهي حكومة مسعورة ظالمة متعسفة.
يا ترى حكومة مَنْ هذه؟!
قال حسن أبو الأشبال الزهيري: قال: (... ثم يكون ملكاً عاضاً) وهو ملك بني أمية والعباسيين وغيرهم. شرح صحيح مسلم ج ١٧ ص ١٢.
وقال سعيد حوى: ان معاوية كان بداية الملك العضوض بالنص الصريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان رأس الفئة الباغية التي قتلت عماراً، وهذا كذلك منصوص عليه، ثم هو أول من سن القتل السياسي بقتله حجر بن عدي وأصحابه صبراً فكانت سنة سيئة في تاريخ الأمة الإسلامية. الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية ج ٤ ص ٢١٢٧.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أول من يغير سنتي رجل من بني أمية ".
قال الالباني: هذا إسناد حسن.... ولعل المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة، وجعله وراثة. السلسلة الصحيحة ج 4 ص 329 - 330 رقم الحديث 1749.
قلت: هذا تلميح بل تصريح من الألباني ان المقصود هو معاوية بن أبي سفيان الذي جعل الخلافة ملكا عضوضا يعض المسلمين كالكلاب وأنه حكم ظالم تعسفي مستبد، لكنه لم يغير نظام الحكم فحسب، فإن تبديل السنة يوحي انه بدل مجملها، وهذا ما حصل في زمنه، وتبديل نظام الحكم تبدل قبل معاوية.
فهل هذه الحكومة التي يصفها النبي صلى الله عليه وآله بأنها ليستْ راشدة، وأنها جبرية، وأنها تعض الرعية كالكلاب كناية عن كونها ظالمة، فهل بعد حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلام؟!
قال الزرقاني: قوله: ملكا عضوضا أي يصيب الرعية فيه عسف وظلم، كأنهم يعضون فيه عضا. شرح الزرقاني ج١٠ ص ١٥٥.
إذن هذا الملك وهذه الحكومة تنهش الرعية نهش الكلاب فهي حكومة مسعورة ظالمة متعسفة.
يا ترى حكومة مَنْ هذه؟!
قال حسن أبو الأشبال الزهيري: قال: (... ثم يكون ملكاً عاضاً) وهو ملك بني أمية والعباسيين وغيرهم. شرح صحيح مسلم ج ١٧ ص ١٢.
وقال سعيد حوى: ان معاوية كان بداية الملك العضوض بالنص الصريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان رأس الفئة الباغية التي قتلت عماراً، وهذا كذلك منصوص عليه، ثم هو أول من سن القتل السياسي بقتله حجر بن عدي وأصحابه صبراً فكانت سنة سيئة في تاريخ الأمة الإسلامية. الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية ج ٤ ص ٢١٢٧.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أول من يغير سنتي رجل من بني أمية ".
قال الالباني: هذا إسناد حسن.... ولعل المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة، وجعله وراثة. السلسلة الصحيحة ج 4 ص 329 - 330 رقم الحديث 1749.
قلت: هذا تلميح بل تصريح من الألباني ان المقصود هو معاوية بن أبي سفيان الذي جعل الخلافة ملكا عضوضا يعض المسلمين كالكلاب وأنه حكم ظالم تعسفي مستبد، لكنه لم يغير نظام الحكم فحسب، فإن تبديل السنة يوحي انه بدل مجملها، وهذا ما حصل في زمنه، وتبديل نظام الحكم تبدل قبل معاوية.
فهل هذه الحكومة التي يصفها النبي صلى الله عليه وآله بأنها ليستْ راشدة، وأنها جبرية، وأنها تعض الرعية كالكلاب كناية عن كونها ظالمة، فهل بعد حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلام؟!