Warning: Undefined array key 0 in /var/www/tgoop/function.php on line 65

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /var/www/tgoop/function.php on line 65
- Telegram Web
Telegram Web
في توجيه تسمية الوحي الشريف" رُوحًا":

لمّا كان العقلُ به يكمُل جوهر الروح، والروح به يكمل حالُ الجسد فعند هذا يظهر أن الروح الأصلي الحقيقي هو الوحي والقرآن؛ لأن به يحصُل الخلاص من رَقدة الجهالة ونوم الغفلة، وبه يحصُل الانتقال من حضيض البهيمية إلى أوجِ المَلكِيّة، فظهر أن إطلاق لفظِ الروح على الوحي في غاية المناسبة والمشاكلة.

ومما يُقوِّي ذلك: أنه تعالى أطلَق لفظَ الروح على جبريل عليه السلام، وعلى عيسى عليه السلام، وإنما حسُن هذا الإطلاق؛ لأنه حصَل بسبب وجودهما حياةُ القلب وهي الهداية والمعارف، فلما حسُن إطلاق اسم الروح عليهما لهذا المعنى؛ فلأن يَحسُن إطلاقُ لفظ الروح على الوحي والتنزيل كان ذلك أولى.

- الإمام الرازي-
عموما يعني، هو أسوأ شيء في الدنيا وبغضّ النظر عن أي شيء، إنك تكون عارف ومتأكد إن الكلام في الشيء الفلاني بيضايق الشخص اللي قدامك وبينرفزه، ومع ذلك تقعد تتكلم فيه وتستظرف وتفتكر إنك كدا دمك خفيف.
غالب ما يَنشأ من الأفكار العلمية ليس مرجعه فيما أرى إلى الذكاء وحده، بل هو بسبب دوام الاشتغال بالعلم نفسه، أعني أن معظم التآليف النافعة نشأت من استمرار الحركة الفكرية لأصحابها وعدم توقُّفها، فالذهن الدائب في النظر يُولّد العلم النافع كما تُسيِّر المحركات الأجهزة الكهربائية وتضمن استمرار عطائها، فليس العطاء العلمي يحصُل بالأماني، بل هذه الحركة الذهنية المستمرة كفيلة بتوليد ما لا يخطُر على البال من المشاريع العلمية النافعة، الشرط فقط عدم الانقطاع عن الاشتغال، وسوف ترَى من عطاء الله ما لا تتصوره.
Forwarded from الشريف الرضي
وما تلوّم جسمي عن لقائكم
إلّا وقلبي إليكم شيّق عجل

وكيف يقعد مشتاق يحرّكه
إليكم الحافزان: الشّوق والأمل

فإن نهضت فما لي غيركم وطر
وإن قعدت فما لي غيركم شغل

لو كان لي بدل ما اخترت غيركم
فكيف ذاك، وما لي غيركم بدل

وكم تعرّض لي الأقوام قبلكم
يستأذنون على قلبي فما وصلوا

-الشريف الرضيّ.
من التدابير الرديئة في التربية: حملُ الطفل قسرا على أن يعيش ظروفا لا تناسبه، وتكليفه بحملِ هموم لا تلائمه مع كونها غريبةً أيضا عن وعْيه وفهْمه، بدعوى أننا نريد أن نغرز في نفسه إصلاح الأمة، وإحياء نماذج صلاح الدين ومحمد الفاتح، ونحو ذلك من الأحلام والأوهام الرومانسية التي لا تمتّ إلى واقع الطفل ولا واقع بيئته التي يحيا فيها أبَواه بِصَلة، والتي تُسبِّب في نهاية الأمر عُقدا نفسية للأطفال واضطرابا واختلالا في مداركهم.

ولا يختلف الأمر كثيرا في هذه الآثار السلبية التي تنتج عن هذه التصرفات الفاسدة بالنسبة لمن يحلُم بأن يصير ولده طبيبا في المستقبل، فيُكلّفه وهو في طفولته بأفعال الأطباء ويُدخله في هذا الجو الغريب عنه من نعومة أظفاره وهو لا يفهم شيئا ولا يستوعب ما يُراد منه.
من البديهي أن الطفل من حقه أن يعيش طفولته كما يعيشها غيره من الأطفال، يلعب ويمرح ويعبث ويقضي أوقاته في اللهو، هذه هي الطفولة وهذا هو شأن الطفل إن كنا نريد أن يكون طفلا طبيعيا، هو ليس مسؤولا عن أي شيء، وظيفته في الحياة أن يلعب ويجري ويقفز وهكذا مما يدخل في هذا الجنس.

تخيَّلْ أن أعظم فرائض الدين وهو الصلاة لا يُخاطب بها الطفل خطابَ إيجاب أصلا إلا بعد البلوغ، وأما ما قبل ذلك فعلى سبيل التمرين والتدريب لا غير وبحسَب ما تطيقه نفسه ويقبله مزاجه، فما بالك بما هو دون الصلاة من الجداول والبرامج والمشاريع التي فشِل فيها الكبار ويريدون تعويضها في الصِغار!.

أمر آخر، وهو أن معظم الأطفال عنيدون، والإلحاح عليهم يزيدهم عنادا، وكثرة الأوامر والنواهي والتضييق عليهم فيها يؤدي في الغالب إلى نتائج عكسية.

صحيح أنه من المهم أن يَتعلم الطفل مبادئ راقية ويتعوَّد أعمالا فاضلة، ولكن على المُربِّي أن يَسلك بهم وسائل متجددة من الترغيب والتشويق والجوائز ونحو ذلك، على أن يكون هذا أيضا بين الحين والآخر، ومن الوقت للثاني، وعلى حسَب نشاط الطفل وإقباله وطاقته، لا أن يجعله مقررا عليهم وعملا لازما لابد لهم أن يُنجزوه.
الإمام الغزالي بيقرّر قاعدة في التعامل جميلة جدا، بيقولّك : "كلُّ ما لا تُصادِفه من نفسك في حق الله تعالى فلا تَنتظِرْه من أخيك في حقِّ نفسك؛ فليس حقُّك عليه بأكثر من حقِّ الله عليك".

باختصار: يعني اللي أنت مش بتعمله في حق ربنا متنتظرش حد يعمله في حقك أنت.

بعبارة أخرى: زيّ مانت مقصّر في حق ربنا وهو سيّدك ومعبودك، طبيعي هتلاقي الأشخاص المرتبطين بك مقصّرين في بعض حقوقك، سواء زوجة، أو أولاد، أو أصدقاء، فواجبك بقى إنك تصبر وتتحمّل، زيّ ما ربنا كدا سبحانه وتعالى وله المثل الأعلى حليم عليك ولا يؤاخذك بالعقوبة مع كل أخطائك دي.

حُط بقى موضوع تربية الأولاد دا على نفس هذا النمط، وخلّي عينك على المبدأ الغزالي الجميل دا وأنت بتشوفهم بيغلطوا ومش بيسمعوا كلامك أحيانا وبيعصوك وبيعصّبوك، أكيد النرفزة شيء طبيعي إنه يحصل أحيانا، لكن مهم تكون في إطارها العادي الطبيعي الناشئ من الجِبلّة الإنسانية، والمحظور هو العمل بمقتضاها من العقاب الشديد والمبالغة في اتخاذ القرار الخاطئ، مع الأخْذ في الاعتبار أن أولادنا مش لازم والله يكونوا نُسَخ مننا ولا أنهم يكونوا شبهنا، ولا يتعلموا بنفس الطريقة، بالعكس دا الطريقة دي بتخلق منهم أشخاص أغبياء وبتقتل فيهم الإبداع، وفي بعض الأحيان بتتسبّب هذه الطريقة في اكتسابهم صفات رديئة جدا مثل النفاق والخوف من المواجهة وضعف الشخصية ونحو ذلك.
" إنَّ مِن شأن الحكماء الفضلاء أن يَستعملوا في مثل صناعة الفقه والطب والنحو قوةَ المنطق لا المنطق نفسه، كما يُستعمل في الكلام قوةُ النحو لا النحو نفسه، ولو قال الخطيب: أيها الناس، أطيعوا الله ورسوله، وهذا اسمٌ منادى مبني على الضم، لَضُحِك منه وهُزِئَ به وسقَط عن درجة الخطباء".

- عبد اللطيف البغدادي ت629هـ -
لو قِيل لي: صِف المروءة بكلمةٍ جامعة مُوجَزة، لقلتُ: كثرةُ الإحسان وترْكُ الاستقصاء في الحقوق.
" والبُخل كتابُ عَزْلِ المَهابة والمَحبَّة والحِشمة، ومنشور المَسكنة والبَغضاء والخِسّة".

- أبو زيد الدبوسي ت430 هـ -
جاء في حديث بدء الوحي قولُ أُمِّنا خديجة - سلام الله عليها - : "كَلَّا، وَاللهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا؛ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ".

وأخَذ العلماء من هذا الكلام دليلا على أن مَن طُبع على أفعال الخير لا يُصيبه مكروه، إذا كانت هذه الأفعال مطبوعةً فيه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا طُبع على تلك الأوصاف الجميلة حُكم له بأنه لا يُصيبه مكروه؛ للعادة التي أجراها الله لمن كان هذا حاله.

وأمَّا ما لم تكن أفعال الخير مطبوعة فيه وإنما يستعملها ويحاولها ويتكلَّفها فيُرجى له أيضا أن لا يُصيبه مكروه، وقد قال - صلى الله عليه وسلم- : " صنائع المعروف تقِي مصارعَ السوء".
في حديث بدء الوحي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ فَقالَ ورَقَةُ: نَعَمْ؛ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ ما جِئْتَ به إلَّا عُودِيَ".

وهذا الكلام يدل على أهمية التجربة، وعلى أن التجربة تُعطي للإنسان علما زائدا لا يعطيه النظرُ العقلي.

ووجه استفادة هذا المعنى من الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم يتعجّب من أن القوم سيُؤذونه ويُخرجونه من بلده مع أنه قد جاءهم بالخير كله وعلموا عنه من الصدق والأمانة وحُسن السيرة ما يقتضي المبالغة في الإكرام لا العكس، فتعجُّبُ النبي صلى الله عليه وسلم جارٍ على مقتضى النظر العقلي؛ لأن من كان شريفا ثم جاء بشيء يدل على زيادة شرفه فإنه يُبالغ في إكرامه، لأن الزيادة في الشرف تستدعي الزيادة في الإكرام.

وجواب ورقة بن نوفل له في قوله" ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عُودِيَ" يدلُ على أن التجربة قد تخالف النظر العقلي، فهنا لا يعترض ورقةُ على النظر العقلي الذي فهمه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما - بحكم التجربة والخبرة والمعرفة السابقة - يُبيِّن له أن العادة المستمرة في الناس على خلاف هذا النظر، وقد وقع ما أخبر به ورقة، فأفاد ذلك أن التجربة تُعطي ما لا يعطيه العقل والقياس.
«فَٱخۡلَعۡ نَعۡلَیۡكَ»

حين باشر موسى عليه السّلام الحقيقةَ المُطلقة، بالوادي المقدّس، أمرَه ربُّه أن يخلع نعليه. أن يخلع عنه الدنيا والآخرة، العلمَ والجهل، النورَ والظلام، القلب والأعضاء؛ أمره بأن يخلع نعليْ نفسه، أن يمشي خفيفًا على الوادي المقدّس طوى، بلا ماضٍ ولا مستقبل، لأنّه كي يرى الله -وأنّى له ذلك- لا بدّ أن يخلع عن كتفيه كلّ شيءٍ مسبق.

لا يخلعُ الإنسان المعاصر نعليه. لا يستجيبُ لله بخلعِ النعل والإقدام مباشرة، لا لأنّه ضدّ الله، بل لأنّه يظنّ أنّه هو الله، وبالتالي يدهس الإنسان المعاصر بنعليه كلّ من هم أسفل منه، يدهسُ المقدّس والمدنّس، الأرض والفضاء.

في ظلال كلّ حقيقة كبرى، لا بدّ للإنسان أن يخلع نعليه: النّعلُ في الآية الكريمة ذات رمزيّة هائلة. فلن يتسنّى لك أن تمسّك نفحةٌ من الله ما لم تخلع كلّ أفكارك، كلّ حقائقك عن الله وعن نفسِك، أن تترك اللغة وحيدة في الوادي وراءك، لأنّ اللغة في حضرة الحقائق الكبرى حجاب. لكن، وهنا المفارقة الوجوديّة، أنت آدميّ عن بكرة أبيك؛ ملعون باللغة أبدًا، لا تفارقك حتى لو شئت طلاقَها والانصراف عنها لتلقي الأنوار. لا تقضي حاجتك اللغة، يكلّمك الله عبر كلّ شيء، بيد أن لا تفهم. لقد قطعت اللغةُ أذنيك، وأعمت قلبك، وضلّت بصيرتك.

يخسرُ الإنسان، لأنّه يلهو. دائمًا في حضرات الحقيقةِ، ينسى بأن يخلع نعليه. يأتي إلى التجربةِ ملعونًا بأفكاره عنها. تسرقه اللغة، تغمي عينيه، تدفعه خارج التجربة.

إنّ أوّل العرفان هو الصّمت عن اللغة. يطلبُ زكريا عليه السلام من ربّه أن يجعل له «آية».أن يجعل له دليلًا وبرهانًا. ويردّ الله عليه: آيتك ألّا تكلّم الناس ثلاث ليالٍ سويّا.

إنّ آيةَ عرفانِك عن الله أن تصمت. ألّا تتكلم. الكلامُ مؤذنٌ بخراب التجربة. لم يتواضع العارفون على شيء، متفقين عليه تمام الاتفاق، كتواضعهم على الصّمت: الصّمت كموقف وجوديّ لنيل المعرفة عن الله، والتخلّق بأخلاق الله، والتحلّي بعِظَم التجربة التي تنوءُ اللغة عن حملها.

«اخلع نعليك» تَنل بركة الأرض المقدّسة. اخلع نعليك بصمت. أَزِل عنك رداء الكِبر. الكِبر رداء الله. وأول الكبر -وأفحشه- أن تكون نرجسيًا، تظنّ أنّك حِزتَ معرفة الأوائل والأواخر. هرول بلا قدمين. «سقَوني وقالوا لا تغنّ». اشرب في صمت. اشرب النور الذي سينزاح عنك فور أن تترجمه إلى «لغة». طلِّق اللغةَ، اشطبها.

- كريم محمد -
الكلام المَجعلص مش لازم يكون معناه عميق ودقيق، عادي ممكن يكون معناه سخيف وعبيط وتافه أو معنى عادي مطروق ومشهور، وممكن برضو يكون معناه دقيق، واللي يحدد ماهيّته بالضبط هو اللي فاهم معناه وقادر يبيّنه بأسلوب آخر أوضح، فلمّا تلاقي كلام تحسّ انه فخم كدا وكبير اوعى يقع في نفسك - بمجرد هذا- أنه حاجة فخمة أوي وعميقة جدا جدا طالما أنت مش فاهمه، وبناءً عليه متقعدش تهزّ راسك وتقول الله الله وأنت أساسا مش فاهم ولا هو واصل لك، لأنك بهذا التصرف ممكن تكون بتستحسن القبيح وساعتها اللي فاهم هيشوفك شخص دماغه تعبانة عالأقل.

وإنما أنت أمام خيارين: إما أنك تكبر دماغك عن هذا الكلام وتمُرّ عليه مرور الكرام ولا كأنك شفته، ودا مش عيب فيك ولا حاجة، بالعكس أنت كدا بتحترم عقلك وبتصُون نفسك عن استحسان أو استقباح شيء لا تُدركه، وإما أنك تسأل صاحب الكلام دا عن مقصده لأنه مش واصل لك، وصدقني لما هتعمل كدا هتتفاجأ إن كتير غيرك برضو حاصل لهم نفس اللي حاصل لك بس مكسوفين يتكلموا ليتقال عليهم مبيفهموش، فبيختاروا التصفيق أحسن من وصفهم بالغباء.

الناس - كما يقول ابن قتيبة - أسرابُ طيرٍ يَتبع بعضُها بعضا، كتير منهم بيقلدوا بعض وبيطبّلوا لبعض وخلاص، وصحبتهم لبعض في كثير من الأحيان بتكون بهذا الشرط السياقي المُضمَر للأسف الشديد.

وبالطبع مقصُدش إن الشخص يكون قليل الذوق أو يواجه الناس بما يكرهون عالفاضي والمليان، ولكن على الأقل ميطبّلش مع المطبّلين إلا على شيء يستطيع الجدال عنه، ويعرف إن حق نفسه عليه أكبر من حق غيره عليه.
Forwarded from أنَس رُفَيْدَة (أنس رفيدة)
«إن في العقليات الصرفة أيضا ذوقا هو إدراك يشبه الكشف والمشاهدة، وهذا ما يقال: إن الحكمة تصير كشفية ذوقية بعدما تكون بحثية نظرية»

التفتازاني
قوله عليه الصلاة والسلام:" إنما أنا قاسمٌ والله يُعطي" :

هذا أدلُّ دليل على عُلوّ منزلته عند ربه وخصوصيته؛ إذ إن هذا الخير العظيم الذي رَحِمَ الله به المؤمنين جعَله على يديه، وقد خلَق الله الخيرَ وجعَل له أهلين، والنبي- صلى الله عليه وسلم- أجَلُّ مَن أُجرِيَ الخيرُ على يديه.

- ابن أبي جمرة، بهجة النفوس-
قوله" يا أيها المدثر" إنما سمَّاه بذلك من جهة الإيناس له والتلطُّف به؛ لأنَّ عادة العرب أنها لا تُسمِّي الإنسان بحالته التي هو فيها إلا من جهة المؤانسة واللطف، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لعليٍّ - رضي الله عنه- :" قم يا أبا تراب" لأنه كان في ذلك الوقت مضطجعا على الأرض، فسمَّاه بذلك إيناسا ولُطفا، فكان ذلك أحبَّ أسماء عليٍّ رضي الله عنه إلى نفسه.

- ابن أبي جمرة، بهجة النفوس-
بنت الشاطئ:
في مناقشة رسالة ماجستير كنتُ المشرفَ عليها تعمّدت الدكتورة عضو المناقشة أن تخالف وتجادل لمجرّد المخالفة، فإذا أردتُ مناقشتَها قالتْ: أنا تلميذة بنت الشاطئ، وكرّرتْ هذا مرّات، فقلتُ لها: تحياتي وتقديري لبنت الشاطئ، ولكن يا سيدتي بنتُ الشاطئ كانت تدخل القاعة وأمامها أكثر من 400 طالبة، فأيّ واحدة أنت منهنّ، لم أسمع باسمك من قبل، ما هي مؤلّفاتك وأبحاثك التي تجعل بنت الشاطئ تفخر بك، وتجعلك تنتسبين لها بحقّ.
يا سيدي: لا تقل لي أنا تلميذ فلان، وشيخي فلان، وشهادتي كذا، وجامعتي كذا، وأبي فلان، وجدّي فلان.
يا سيدي: هؤلاء نعرفهم، ولكن أنت لم نعرفك، فمن أنت.

- د حسن العثمان-
كان الشاعر الهاشمي السيد الشريف الرضيّ بينه وبين ابن جني صداقة وثيقة، وهو الذي صلّى على ابن جني عند وفاته:
ورَد في كتاب" الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر: أن كعب بن سَور كَانَ جالسا عِنْدَ عُمَر بْن الخطاب، فجاءت امرأة فقالت: مَا رأيتُ رجلا قَطّ أفضلَ من زوجي، إنه لَيبِيتُ ليلَه قائما، ويظلُّ نهاره صائما فِي اليوم الحارّ مَا يُفطر، فاستغفر لَهَما عُمَر، وأثنى عليهما، وَقَالَ: مِثلُكِ أثنى بالخير وقالَه.

فاستحيَتِ المرأة، وقامت راجعةً، فَقَالَ كَعْب بْن سور: يَا أمير المؤمنين، هلَّا أنصفتَ المرأة من زوجها إذ جاءتك تشكوه! فَقَالَ: أكذلك أرادت؟ قَالَ: نعم.

قَالَ: رُدُّوا عليَّ المرأة. فرُدَّت، فقال لَهَا: لا بأس بالحقِّ أن تقوليه، إن هَذَا يزعم أنك جئتَ تشتكين أَنَّ زوجكِ يجتنِب فراشك.

قالت: أجلْ، إِنِّي امرأة شابة، وإني أبتغي مَا تبتغيه النساء.

فأرسل عُمر إِلَى زوجها، فجاء، فَقَالَ عمر لكعب: اقض بينهما، فقال: أمير المؤمنين أحقُّ بأن يقضي بينهما.

فقال: عزمتُ عليك لَتقضِيَنَّ بينهما، فإنك فهمتَ من أمرهما مَا لم أفهم.

قال: فإني أرى أن لَهَا يوما من أربعة أيام، كأن زوجها لَهُ أربع نسوة، فإذا لم يكن لَهُ غيرها فإني أقضي لَهُ بثلاثة أيام ولياليهن يتعبَّد فيهن، ولها يَوْم وليلة.

فقال عُمَر: والله مَا رأيُك الأول بأعجبَ من الآخر، اذهب فأنت قاضٍ على أهل البصرة.اه.

-----
يمكن أن يُستفاد من هذه الحكاية بعض الأمور المهمة، منها:

١ - أنه قد تخفى على العالِم مسائل يُدركها غيرُه ممن هو دونه في العلم، فإن هذا الرجل أدرَك من حال المرأة ما لم يُدركه عمر، مع أنه أعلم وأفقه، ولا يضرُّه هذا؛ فإن العلم مواهب إلهية ومِنَح اختصاصية، وقد يُدرك منه المفضول بعضَ ما عسُر على الفاضل.

٢ - لا يلزم أن يكون العالِم بضربٍ من المعارف عالما بغيره؛ فإن عمر رضي الله عنه مع فقهه وعلمه وورعه لم يجد نفسه أهلا للقضاء بين هذه المرأة وزوجها، وأوكل غيره بالحكم بينهما، ولعل هذا فيه تنبيه على مسألة " التخصص" لا سيما في العلاقات الاجتماعية والأمور الزوجية والشؤون النفسية ونحو ذلك؛ فإنها تحتاج إلى متخصصين وعارفين بهذه الأبواب جيدا، تحتاج إلى قدر زائد على مجرد معرفة الأحكام الشرعية.

٣ - أنه يجب أن تكون العلاقة الزوجية قائمة على المصارحة والوضوح، وأن لا يكون فيها دخَن، وأن يتفقَّد كل واحد احتياجاتِ صاحبه؛ فإنه أحيانا ما يكون خلْف الصمت براكين من الاحتياج ولهيبٌ من الحِرمان، فلا يصح أن تكون حاضرا بجسمك غائبا عن صاحبك بروحك وعواطفك، منشغلا عنه بخاصّة نفسك.

٤ - الصلاح والتقوى شيء ضروري في حياة الإنسان، ولكنه وحده ليس كافيا في نجاح العلاقة الزوجية؛ بل لابد معه من الذكاء العاطفي وحُسن الرعاية والمعرفة بأسباب نجاح العلاقة؛ فإن كثيرا من الرجال والنساء أهل صلاة وقرآن وصيام وعبادة- وهي أشياء جميلة وعظيمة ومطلوبة- ولكنهم ليس عندهم ذكاء اجتماعي ولا يعرفون أن نجاح الزواج يتطلب أمورا أخرى فوق ذلك، ويترتب على عدم معرفتهم بها الفشلُ في الحياة الزوجية، أو اضطرابها على الأقل.
2025/02/11 17:02:24
Back to Top
HTML Embed Code: