Telegram Web
وسيردُّ الجميعُ إلى عالم الغيب فيحكم بيننا فيما فيه نختلف، وتالله لتطولن ندامةٌ من لم يجعل حظَّه من الدين والعلم إلا نصرَ قولِ فلانٍ بعينه.

الإمام ابن حزم رحمه الله.
هل آثم بسبب سوء الظن من دون الجهر به؟ وكيف أدفع ذلك عني؟

ج/ لا تأثم إن كان لسوء الظن سبب.

وهنا ينبغي أن أشير إلى أن كثيرا من الناس يخلط بين مقامي الاحتياط وسوء الظن.

الاحتياط كأن ترفض أن تعطي رقم هاتفك لإنسان لأنك لا تعرفه أو لا تعرف غرضه من ذلك وتخشى أن يكون خبيثا. هذا احتياط ليس سوء ظن أصلا.

سوء الظن ينقسم إلى قسمين: أن يكون بسبب أمارات، كأن ترى واحدا من علماء السلاطين يبكي ويتخاشع بين يدي سلطان، فيقع في نفسك أنه منافق. أو أن تشتبه في محتال يريد أن يأخذ منك مالا بأمارات. فهذا لا حرج فيه. وليس من الظن الآثم الوارد في الآية. وهذا كظن إبراهيم في الملائكة المكرمين لما لم يأكلوا. قال غير واحد من السلف: كان عادة العرب إذا لم يأكل الضيف ظنوا أنه أتاهم بشر. وهو الذي جاء فيه نحو قول الشافعي: سوء الظن من حسن الفطن.

أما سوء الظن المذموم فهو القسم الثاني، الذي لا يبتنى على أمارات، ولكن يعتقد الإنسان في كل الناس سوءا دون بينة. كأن يرى مصليا يصلي بخشوع فيظن أنه مراء. فهذا المنهي عنه.
ودفع ذلك بأن تدعو لمن تظن به سوءا دون قرينة، حتى يطهر قلبك تجاهه، وأن تستحضر يقينك بقصورك، وأن يقينك بقصورك مقدم على ظنك بقصوره، فاليقين مقدم على الشك.
كل من استكثر من العلم فلا شك يقف على أقوال وقائلين واستدلالات واحتمالات، حتى في أكثر العلوم تحديدًا، وأكثر الأقوال قوة بل وقطعيةً.

وبعض ذلك من إرادة الله الابتلاء، وتعظيم الثواب للعلماء. وقد تكلم العلماء في حكمة ذلك وأحكامه.

وكثير من المشتغلين والمنتسبين للعلم يخلط بين الاستكثار من العلم، والرسوخ فيه، فيغتر بالأول ويحسبه من الثاني، فيقع في براثن الشك والتشكيك والحيرة والتردد، فلا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، ولا يحسن وزن الأقوال ومعرفة ما بينها من القوة والضعف، لمجرد ما ذكر من الأقوال والقائلين والاستدلالات والاحتمالات.

أما الراسخ في العلم فهو المحقق، الذي يتعمق في العلم طولًا وعرضًا، أما المستكثر فهو المتوسع فيه سطحًا لا عمقًا، فالراسخ هو الذي يعرف هذه الأمور التي تعرض للأقوال الصحيحة القطعية والقوية، لكنه يحسن الفرق بين الأدلة القوية فضلًا عن القطعية وغيرها، ويحفظ ما قد يعرض للأدلة الصحيحة لكنه لا يعارضها بها، بل يسلك الجادة الشرعية والعقلية في حفظ مرتبة كل قول، فيضع الشيء في موضعه.
حين خرج آينشتين على العالم بنظريته في النسبية الخاصة انبرى جماعة من الفيزيائيين الكلاسيكيين للرد عليه، وصدرت عليه ردود في أوراق وكتب، منها كتاب بعنوان: "Hundred Authors Against Einstein".
حين سئل آينشتين عن هذا الكتاب في مقابلة، أجاب ببساطة:
“Why 100 authors? If I were wrong, then one would have been enough!”.
=لماذا مئة؟ إذا كنتُ مخطئًا فقد كان واحدٌ كافيًا.

الكثرة من المرجحات المعقولة في العلوم، ولذلك تذكر في مسالك الترجيح في الأصول، ولها موارد معروفة في الحديث وحتى في الفقه.
لكنها من المرجحات الثانوية أو دون ذلك، وليست تنهض بالاستدلال، بل نفس هذه الكثرة تعرض لها قرائن كغيرها من الأدلة، كالتواطؤ بأنواعه، والتفاوت في الملكة، وغيرها، فتجعلها في قوة القلة.

وحين تقف على من يركز في استدلاله على الكثرة؛ فاعلم مباشرة أنه لم يحوجه إلى ذلك إلا العجز أو الضجر.

ومن ثم فلا يحسن بالمشتغلين بالعلم التركيز على هذه الكثرة حتى يجعلوها في عناوين كتبهم وأبحاثهم، أن (كذا) من العلماء قال بكذا، أو خالف فلانا في كذا، فهذا أليق بالمقالات والعناوين التجارية منه بالبحث العلمي القائم على النظر والاستدلال.
سؤال قديم


باختصار :) .. عندي سرطان في الدم و بقي لي من الحياة سنتين أو أقل ! انصحني

ج/ كلنا ميت، طال الوقت أم قصر، وكثيرون لم يبق في أجلهم أكثر منك، وقد تموت قبل ذلك الأجل أو بعده، فالموت بيد الله وحده، وأنت في نعمة جسيمة أن فسحت لك التوبة والقرب من الله والعمل لمرضاته، وأنت مقبل على رب كريم رحيم فأبشر خيرا، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا
مجموعة صاحبنا الشيخ الفاضل بلال درويش للكتب النادرة ومطبوعات الهند وباكستان لبيع كتب الدرس النظامي وشروحها وحواشيها
أنصح بها المهتمين والمتخصصين


https://www.tgoop.com/daribnmasood
في برنامج قراءة نصية لتراث ابن تيمية ( الأصبهانية - المرحلة الثانية ) نقيم لقاءات تفاعلية مع المشتركين.

💡نتيح لكم اللقاء التفاعلي الثامن لكتاب الأصبهانية والذي ناقش فيه الأستاذ عمرو، مجموعة من القضايا، منها:
- قول الفلاسفة بقدم العالم والرد الإجمالي عليه
- المتكلمون وحدوث العالم
- الإلزامات الواردة على مذهب الفلاسفة بعزو الحوادث الزمانية لحركات الفلك
- إجابة أسئلة المشاركين

🔗للاستماع للقاء
يوتيوب

🔗للاشتراك في البرنامج ولمزيد من التفاصيلة:
رابط الاشتراك

.
ثناء البروفيسور فرانك جريفل على ترجمتي لكتابه المرجعي الفذ المرتقب صدوره قريبا: تشكل الفلسفة ما بعد الكلاسيكية في الإسلام
وهو من أهم ما ترجمت، وهو مرجع لا يستغني عنه الباحث في الفلسفة الإسلامية ما بعد ابن سينا
هل كل المسلمين سيدخلون الجنة؟

ج/ نعم إن كان إسلامه مجزئا، ولكن منهم من لا يدخل النار، ومنهم من يدخل النار ثم يكون مصيره إلى الجنة.
لماذا لا توجد أي رسومات أو كتابات في المعابد والآثار الفرعونية تحكي عن موسى عليه السلام مع عظم قصته وتأثيرها؟

ج/ ربما هناك ولم تؤول التأويل الصحيح وبعض النظريات تقول ذلك بالفعل، ويحتمل أن الحكومات اللاحقة لم تدون ذلك أو محته لأسباب سياسية أو دينية ولذلك نظائر في التاريخ عموما والفرعوني أيضا.
من تجاربي في التعليم التي أتممتها ولله الحمد
بكالوريوس الشريعة الإسلامية عن بعد
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
عن علي رضي الله عنه: خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم، وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم، فإن للمرء ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع من أحب.
زايلوهم: فارقوهم.

فمن كان في هذا الزمان على شيء من دين وسلوك، أو شيء من علم ونظر = فليمسك عليه كأشد ما يمسك على ما تقوم به حياته، ولا يُكثرْ من جهرٍ به ومصاولة عليه، وليجعله كسرِّه الذي يصونه ويحفظه، وليمضِ في طريقه الذي آنس منه ذلك الدينَ وذلك العلمَ؛ فإن ذلك الزمان - لمن تمعن فيه - قد قلّ دينه، وندر علماؤه، وكثرت فيه الدعاوى.
فلا يُقاوِلْ في ذلك كلَّ واحد، إلا واحدًا مفيدًا أو مستفيدًا.
أما دون ذلك = فخلِّ ودع، واظهرْ للناس بجُمَل الدين الكبرى، وخالِقْهم بخُلُقٍ حسَن.
مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ.. هل معني هذه الايه اني لو بطلع صدقه بنيه مثلا ان ربنا يوسع رزقي ويفتح عليا .. كده انا لا اؤجر عليها في الاخره وهيبقي الجزاء في الدنيا فقط؟

ج)
لا، فإن ذلك لمن يفعل هذا رياء أو لا يرد عليه قصد التعبد لله، وإلا فقد ورد في الكتاب والسنة دعاء الله وطلب خير الدنيا منه، وهذا لا يمكن أن ينفك عنه مؤمن، وورد ترتب بعض المنافع الدنيوية على العبادات صلاة وزكاة وصياما وحجا وصلة وغيرها. فمن طلب بالعبادة من الله خير الدنيا، فإن هذا نفسه عبادة، إن آتاه الله ما طلب في الدنيا لم يفته ثواب ملاحظة الله وربوبيته والتعبد له، وذلك فضلا عن ثواب تبرئة الذمة والمطالبة وأداء الحق فيما كان واجبا من تلك العبادات كالصلوات والصدقات المفروضة، ولكن هذا دون من يحتسب ثواب الآخرة ولا يقصد أن يستوفي منه شيئا في الدنيا. فالعبادة المحضة الأصل أن تفعل ابتغاء مرضاة الله، فإن فعلها العبد رجاء تحصيل شيء من مصلحة الدنيا بمعونة الله وتفضله فليس بممنوع لكنه مفضول. فالأحسن للمسلم أن يخلص العبادة لوجه الله وطلب ما عنده في الآخرة، وله في الدعاء غنية أن يطلب من الله ما شاء من دنيا وأخرى.
حول عدد ركعات التراويح:

قال التقي السبكي الشافعي في شرح المنهاج:

((اعلم أنه لم ينقل كم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليالي، هل هو عشرون أو أقل. ..

ومذهبنا أن التراويح عشرون ركعة؛ لما روى البيهقي وغيره بالإسناد الصحيح عن السائب بن يزيد الصحابي رضي الله عنه قال: كنا نقوم على عهد عمر رضي الله عنه بعشرين ركعة والوتر.
هكذا ذكره المصنف واستدل به، ورأيت إسناده في البيهقي.

لكن في الموطأ، وفي مصنف سعيد بن منصور بسندٍ في غاية الصحة عن السائب بن يزيد: إحدى عشرة ركعة.

وقال الجوري من أصحابنا: عن مالك أنه قال: الذي جمع عليه الناس عمر بن الخطاب أحب إلي، وهو إحدى عشرة ركعة، وهي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل له: إحدى عشرة ركعة بالوتر؟ قال: نعم وثلاث عشرة قريب، قال: ولا أدري من أين أحدث هذا الركوع الكثير؟
وقال الجوري: إن عدد الركعات في شهر رمضان لا حدَّ له عند الشافعي؛ لأنه نافلة،

ورأيت في كتاب سعيد بن منصور آثارًا في صلاة عشرين ركعة، وست وثلاثين ركعة، لكنها بعد زمان عمر بن الخطاب.

ومال ابنُ عبد البر إلى رواية ثلاث وعشرين بالوتر، وأن رواية مالك في إحدى عشرة وهم، وقال: إن غير مالك يخالفه ويقول: إحدى وعشرين، قال: ولا أعلم أحدًا قال في هذا الحديث: إحدى عشرة ركعة، غير مالك، وكأنه لم يقف على مصنف سعيد بن منصور في ذلك، فإنه رواها كما رواها مالك عن عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن يوسف شيخ مالك، فقد تضافر مالكٌ وعبد العزيز الدراوردي على روايتها.

[[إلا أن هذا أمر يسهل الخلاف فيه؛ فإن ذلك من النوافل؛ من شاء أقلَّ، ومن شاء أكثر]]، ولعلهم في وقتٍ اختاروا تطويل القيام على عدد الركعات فجعلوها إحدى عشرة، وفي وقت اختاروا عدد الركعات فجعلوها عشرين، وقد استقر العمل على هذا)).

وقال المحقق الكمال بن الهمام الحنفي في شرح الهداية:
((فتحصَّل من هذا كله أن قيام رمضان سُنّةٌ، إحدى عشرة ركعة بالوتر في جماعة.
فعله صلى الله عليه وسلم ثم تركه لعذر، أفاد أنه لولا خشية ذلك لواظبت بكم، ولا شك في تحقق الأمن من ذلك بوفاته - صلى الله عليه وسلم - فيكون سنة.

وكونها عشرين سنةُ الخلفاء الراشدين، وقوله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين» ندبٌ إلى سنتهم، ولا يستلزم كونَ ذلك سنته؛ إذ سنته بمواظبته بنفسه أو إلا لعذر، وبتقدير عدم ذلك العذر إنما استفدنا أنه كان يواظب على ما وقع منه وهو ما ذكرنا.

فتكون العشرون مستحبًّا، وذلك القدر منها هو السنة، كالأربع بعد العشاء مستحبة، وركعتان منها هي السنة.
وظاهر كلام المشايخ أن السنة عشرون، ومقتضى الدليل ما قلنا)).

شيخ الإسلام ابن تيمية:
((والتراويح إن صلاها كمذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد: عشرين ركعة، أو: كمذهب مالك ستًّا وثلاثين، أو ثلاث عشرة، أو إحدى عشرة = فقد أحسَنَ.

كما نصَّ عليه الإمامُ أحمد لعدم التوقيف، فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره)).

قلت: نص أحمد في مسائل الكوسج:
((قال إسحاق بن منصور: قُلْتُ: كم مِنْ ركعةٍ تُصلى في قِيام شهرِ رَمضان؟
قال: قد قيلَ فيهِ ألوان، يُروى نحو من أربعين، [[إنما هو تَطَوُّع]]).

قال في الإنصاف:
((وهي عِشْرُون رَكْعَة. هكذا قال أكثرُ الأصحابِ. وقال في «الرعايَةِ»: عِشْرون. وقيل: أو أزْيَدُ. قال في «الفُروعِ»، و «الفائقِ»: ولا بأسَ بالزيادَةِ. نص عليه. وقال: روى في هذا ألوان. ولم يقْضِ فيها بشيءٍ)).

وعند المالكية المشهور أن يصلي تسعًا وثلاثين، ويكره أن ينقص عن تسع وثلاثين، وأنه زيد في هذا بعد وقعة الحرة، ووفي كتبهم ينصون أن عمر أمر أُبيًّا وتميمًا الداري بإحدى عشرة ركعة "دون غيرها من الأعداد"، كما هي عبارة غير واحد، وذلك تبعًا لما روي في الموطأ، ثم زيد بعد ذلك.

قلت:
فالحاصل ثبوت أن قيام النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره لم يكن يزيد عن إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة، وأن جمع عمر الناس على التراويح قد روي أنه عشرون ركعة، وروي أيضًا بأسانيد صحيحة أن عمر جمعهم على السائب بن يزيد وغيره، وصلى بهم إحدى عشرة ركعة.

فالمروي فيها ألوان، وهي تطوع، كما قال أحمد، وفي عبارته فقه كثيرٌ.

ويبدو أن الأمصار قد استقر فيها العمل على عشرين، وفي المدينة على أكثر، فأخذ فقهاء الأمصار بهذا جريًا على العمل، وقالوا هو سنة التراويح.

لكن هذا الضرب من النوافل، ومع ورود ألوان فيه، لا يقال فيه إن العدد سنة بمعنى أن مخالفه قد ابتدع، أو خالف السنة، بل قصارى ذلك أن يكون خالف الأولى عند من قال إنه سنة بهذا المعنى، فالأمر فيه سهل والخطب يسير على كل تقدير، لا تشنيع فيه ولا تعصب.

وهذا من يقول إن صلاة إحدى عشرة أو عشرين بمراعاة الطول والتقصير؛ قولُه وجيه في نفس الأمر، من جهة الثابت من طول قيامه صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة، ولكن هذا الاعتبار للتطويل والتقصير تراعى فيه مصلحة الجماعة وتأليفها، وإلا فهو وارد على الكل،
بمعنى: لا يقال من صلى إحدى عشرة خفيفة فلم يأت بالسنة دون من أتى بعشرين خفيفة؛ لأن هذا نسبي، ولأن العشرين الخفيفة عند الفقهاء القائلين بسُنية العشرين هي أطول أيضًا مما يقرأ به عامة المساجد.
فهذا مذهب أحمد المشهَّر المعتمد فيه عشرون ركعة، لكنه لا يرى القراءة أقل من عشر آيات في التراويح في الركعة، وإن لم يرضَ المأمومون كما نص عليه!
وقراءة العشر في الركعة هي أيضا من سنة التراويح عند الحنفية في المشهور، كما رواه الحسن عن أبي حنيفة، ومن جهة أن السنة عنده الختم، وهذا يتأتى بالعشرة.
ولكن قال الحنفية: في زماننا الأفضل أن يقرأ حسب حال القوم من الرغبة والكسل لئلا ينفرهم من الجماعة، فهذا هو الفقه الحسن.

أقول:
فلو صلي عشرين بعشر آيات، الذي هو وجهٌ من المصحف أو أكثر قليلًا لصلَّى بجزء أو أكثر في اليوم، ومن المعلوم أن عامة المساجد لا تقدر أن تصلي بجزء فضلًا عن أكثر.
فسيبقى الأمر أن الذي يصلي عشرين بغَرَضِ ما يقول إنه المحافظة على السنة؛ سيحافظ على العدد أيضًا دون تمام المستحب في الآيات، فلم يتأت له السنة بتمامها أيضًا، بل كثير ممن يصلي العشرين يصليها في نفس مدة من يصلي الإحدى عشرة كما هو مشاهد، فلم يبق له إلا المحافظة على الصورة أيضًا دون تمام الهيئة المستحبة. فالمقصود أن التقصير وارد على كل تقدير، وليس ذلك إلا بسبب تغير الزمان.

فالمقصود:
1= أن هذا الباب ليس من الذي يقال فيه تلك السنة التي يقال إن مخالفها خالف السنة!
ولو كان نفس العدد مقصودًا بحيث يكون مخالفه مخالفًا للسنة على المعنى المكروه، فإنه لا فرق بهذا اللحاظ بين الزيادة والنقص، وهذا مذهب المدنيين يرى الزيادة على العشرين، بل يصرح كثير منهم بكراهة النقص، فتكون العشرون عندهم مكروهة!
ولكن حرف المسألة كما فهم الأئمة: أنه (تطوع) كما قال الإمام أحمد، وأنه (أمر يسهل الخلاف فيه؛ فإن ذلك من النوافل؛ من شاء أقلَّ، ومن شاء أكثر) كما قال التقي السبكي.

2- وأن القول بالعشرين قول مشهور في المذاهب، كان مراعاة للعمل في بعض الأمصار في بعض العصور المتقدمة، ولكن ليس قول جميع الفقهاء، بل داخل المذاهب فيها اختلافٌ كما بينتُ، والمعتمد ليس إلا ترجيحًا نسبيًّا إضافيًّا. ونفس سنة عمر كما ذكرنا ليست واحدة، وثبت عنه الإحدى عشرة كما ثبت العشرون، وإن قيل إن الثاني استقر عليه العمل - على نزاع فيه كما تقدم عن مالك -، فهذا نفسه نسبي، لا يكون به الشيء سنة مطلقة في الشرع المحمدي.

3- وأن هذه المسائل يسوغ فيه الخلاف، ويسوغ فيها العمل، وأن التعصب فيها باطل، فمن قال إن الزيادة على الإحدى عشرة بدعة قوله باطل، ومن قال إن النقص عن العشرين بدعة أو مخالف للسنة فقوله باطل أيضًا.

وجنس التعصب الذي كان يعاب على بعض السلفيين القائلين ببدعية الزيادة - وهم بعض السلفيين وليسوا أكثرهم -، هو من جنس التعصب الذي يذاع الآن ممن يزعم الحرص على السنة، وغالب حاله ومقاله تفلُّت من السنة المحضة المتفق عليها، ولكن هذه المسائل عندما تصبح هوية مذهبية ومكوِّنا للأيديولوجيا؛ فإنها تستعمل لهذه المناكفة التي ليس للعلم ولا لتقوى الله فيها نصيب في الأكثر، والله رقيب وحسيب.
التخريج والتأويل أمره يسير، وعامته يمكن التماس حمل صحيح له، ولكن الحمْل ليس يلزم أن يكون القصد الأول، أما التأويل المتكلف فكثير أيضًا.
ولكن الشأن في ملحظ جوهري على بساطته: إذا كنت محبًّا ومن أهل الاتباع الكامل حقًّا والاعتقاد الكامل في الرسول؛ فلماذا لا يشبه عامة دعائك دعاءَ الرسول؟
كانت المرة الأولى التي أعرف فيها الشيخ الحويني رحمه الله في الصف الأول الثانوي، منذ ما يزيد قليلا على خمسة وعشرين عاما
كنت أزور صديقا ماهرا في الكمبيوتر الذي دخل حياتنا جديدا حينها لآخذ منه بعض البرامج على سي دي، ووجدت عنده صدفة سي دي مكتوب عليه: (محاضرات الشيخ الحويني)
قلت له مستغربا: ما هذا؟ الجويني عالم قديم مات منذ مئات السنين!
فقال لي: لا أعرف الجويني، لكن هذا هو الشيخ أبو إسحاق الحويني من علماء الحديث، خذ اسمع محاضراته.
وفي الواقع كنت حينها لا أعرف من العلماء والدعاة المعاصرين إلا نزرا يسيرا، ولا أعرف إلا العلماء الذين اقتنيت لهم كتبا أو وجدتهم في الكتب القليلة التي بدأت أقرأها.
أخذت السي دي ونسيت أمره، وعندما ذكرني بإرجاعه عزمت أن أرى ما فيه من باب الاطلاع قبل أن أرجعه، وأذكر أنني سهرت ليلتي أسمع المحاضرة تلي المحاضرة لأكثر من سبع ساعات، مرت كالدقائق، حتى أدركني الفجر بشعور غريب.
رأيت رجلا سقط من طبقة محدثي القرون الأولى، وكان الشيخ حينها فتيًّا طويل الشعر مدَّهِنا، لمنطقه حلاوة، ولكلامه صولة، وفي عبارته صدق وحياة، فقد كان يحيى ما يقول فيخرج كلامه حيا ناطقًا، كما كانت عيناه ناطقتين ككلامه.
كان الحويني أجلّ رجل في هذه الطبقة يتكلم عن سياسة العلم وحب العلم وحرمة العلم والعلماء، ويوثق هذا كله برباط تعظيم السنة والاتِّباع، وهذا من أعظم ما يكون تأثيرا في طلبة العلم والعوام جميعا.
مات الشيخ الحويني الليلة، وبموته يموت جزءٌ كامل من وجداننا، بل من ذواتنا نفسها.
إن أمثال الشيخ الحويني ليسوا مجرد علماء أو وعاظ أو مؤثرين، إنهم مراحل كاملة من العمر وتكوين الشخصية.
كان الشيخ رحمه الله من أصدق الناس، ومن أنبل الناس، وكان محدثا ناقدا بصيرا، عالما بالنفوس، نقي السيرة والسريرة، من وجهاء المسلمين، ومن أعيان أهل السنة وجَمالهم، علَمًا على الاتباع، قدوة كاملا، بقية السلف.
رحمه الله رحمة واسعة وغفر له، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
تقبّل الله منّا ومنكم
عيدكم مبارك، وكل عام أنتم بخير وجميع من تحبون
2025/06/25 11:42:19
Back to Top
HTML Embed Code: