Telegram Web
تأثير الكتاب المقدَّس: الكتاب المقدّس بوصفهِ أدبًا.
ليلند رايكن
ترجمة: ياسر هدايت

ثمَّة جوانب ومقاربات عديدة تؤخذ بعين الاعتبار حين نفكِّر بالكتاب المقدّس بوصفهِ أدبًا، لكنَّ سؤالين أساسيين يرتكزُ عليهما أيّ بحثٍ في هذا الشأن. والسؤالين هما لِمَ علينا أَن نقرأ الكتاب المقدَّس بوصفه أدبًا أو كتابًا أدبيًا وكيف تَتمُّ عمليَّةُ القراءِة هذه. لقد وضعت هذين السؤالين نصبَ عيني في كتابتي للمقالة.
إنَّ السبَبَ الأوّل الذي يجعلنا نقرأ الكتاب المقدّس بوصفِه أدبًا ذلكَ أنَّه عملٌ أدبيٌّ. ولأنَّ الحيِّزَ الرَّئيسَ الّذي كان يُقرَأُ فيهِ، عبرَ العُصُورِ، هو الحيِّزُ الدينيُّ، لذَا أن يُخدَعَ المرءُ فيظنّ أنَّ الكِتَاب المقدَّسَ هو عَرضٌ لأفكارِ طائفةٍ أو مذهبٍ مَا هو أمرٌ يسيرٌ. هذا تصوُّرٌ خاطِئ. فإنَّ الشَّكلَ الَّذي وصَلنَا مِنَ الكتابِ المقدَّس هو شَكلٌ أدبيٌّ وإِن لَم يكُن أدبيًّا برمَّتِه.
ونستطيعُ تبيُّنَ ذلكَ بشموليَّةٍ إِن نحنُ نظرنَا إلى البنيَةِ الكليَّةِ للكتابِ المقدَّسِ، إِذ إنَّهَا بنيَةُ أنطولوجيَا أدبيَّة، أي تجمَعُ بينَ أجناسٍ أدبيَّة مختلفَةٍ كتبهَا كتَّابٌ عديدونَ خلال قرونٍ طويلَة. وفِي تفاصِيلِهِ أيضًا هُوَ عملٌ أدبيٌّ. فمعظَمُهُ مكتوبٌ في أجناسٍ أدبيَّة مثل السردِ والشعر والرسائل والكتابات الخيالية. وتحت هذه الأجناسِ الكُبرَى ثمَّة أجناسٌ أصغَر.
والآن لِمَ علينا أن نقرأ الكتابَ المقدَّس بوصفِهِ أدبًا؟ لأنَّ بنيتَهُ الأدبيَّة تتطلَّب ذلك. وقد أشارَ سي. أس. لويس إلى النقطةِ الأساسيَّةِ في كتابه تأمَّلاتٌ في سفر المزامير إذ كتبَ: ثمَّة معنًى لا يكتمل في الكتاب المقدّس إلّا إذا قُرِأَ بوصفهِ أدبًا، ما دام هُوَ في أصلهِ أدبًا؛ وأجزائِهِ المختلِفَةِ بوصفِهَا أنواعًا أدبيَّةً.
مَا يتضمَّنُهُ هذا هو أنَّ طبيعة الكتاب المقدّس الأدبيّة تفتحُ الطريقَ لدراستِهِ جزءًا من منهاجٍ أدبيٍّ لأيّ مؤسَّسةٍ أكاديميَّةٍ. وليس معنَى هذا القول أن المؤسسات هي المكانُ الوحيد لدراسةِ الكتابِ المقدّس، بل هي مكانُهُ الطبيعي. ومن المفيد أن نلاحظ، من بين اعتبارات أخرى كثيرة، وجود شيءٍ نموذجيٍّ في الكتاب المقدّس. ففيهِ نرى مبادئ الأدب بارزةً، هذا ما يجعله أنسبَ المقدّمات الممكنة للأدب وتقنياتِه.
لكن هل الكتاب المقدّس أدبٌ مهم؟ نعم، هو أشهر عملٍّ أدبيٍّ. في الواقع، هو الكتاب المركزي للثقافات الناطقة باللغة الإنكليزية عبر العصور. فقد قدَّم مجموعةً متماسكةً من المعايير أو الأطر المرجعية (ما يسميها الأكاديميون المختصون بالأدب الكون الميثولوجي) لكلٍّ من أمريكا وإنكلترا. وحتّى أعمال شيكسبير الكاملة يمكن أن تعتبر من الدرجة الثانية مقارنة بالكتاب المقدّس.
بعدٌ آخر للأهمية الأدبيّة هو علاقتُهُ بالأدب في إنكلترا وبريطانيا مصدرًا وتأثيرًا. إذ إن أقدم ما كتب في الأدب الإنكليزي (ترنيمة كيدمون) مستوحاة من سفر التكوين 2-1 ومكتوبة بصورة تشبه مزامير المدائح في الكتاب المقدّس. ثمّة خطّ استمرارية أيضًا بين هذه القصيدة وبين الرواية الحديثة مثل رواية أغنية سليمان لتوني موريسن. ونحن لا نكاد نكمل الجملة الأولى من رواية موبي ديك لهيرمان ميلفيل حتى ندرك وجود الكتاب المقدّس، فتلك الجملةُ: نادني إسماعيل.
أنتقلُ الآنَ إلى السؤال الثاني: كيف نقرأ الكتاب المقدّس بوصفهِ أدبًا؟ والإجابة هي أن علينا ممارسة مناهج التحليل الأدبي ذاتها التي نمارسها في الآداب الأخرى. وليس يعني هذا القول أن الكتاب المقدّس مماثل للكتب الأخرى، بل أن جوانبه الأدبية لا تتطلبُ شيئًا مختلفًا من أدوات التحليل الاعتيادية. فالحال في القصّة مثلًا لا يختلف عن قصّة في الأدبين الأمريكي أو الإنكليزي، فكلُّها تتكوّن منَ البعدين الزماني والمكاني والشخصيات والأحداث، وفي الشعر فالحال ذاتُه، فشعر الكتاب المقدّس مؤلَّفٌ من صور شعريّةٍ وتقنيات مجازية.
إن الفائدة الأعظم من مقاربة الكتاب المقدّس مقاربة أدبيَّة، لأغراض تعليمية، هي توحيد الجمهور بشتَّى توجُّهَاتِه على أرضيَّة واحدة. ومن المؤكد أنَّنا سنكشف عن سماتِ الكتاب المقدّس المميزة إن نحن وظّفنا مناهج التحليل الأدبي ذاتها التي نوظّفها في مسرحية لشكسبير أو قصيدة لروبرت فروست.
قراءة ثقافية في سياسات الموت || حوار مع د. أماني أبو رحمة
تَمشِي في تغنُّجٍ
لورد بايرون
ترجمة: سجاد محمد

تَمشِي في تغنُّجٍ كأنَها اللَّيل
في مناخٍ بلا غيومٍ وسماءٍ مرصعةٍ بالنجوم؛
وكلُّ ما هوَ حسنٌ من الظلامِ والضياء
يلتقي في محياها وعينيها:
فيتشكلُ هذا النورُ اللطيف
الَّذي حَرَمَّتهُ السماء على النهارِ الزاهي.

تدريجةٌ واحدةٌ زائدة، أقلُ القٍ يتبدَّدُ
كفيلٌ بإقلالِ الجمالِ -الَّذي لا يوصف- للنصفِ
ذلكَ الَّذي يتموجُ في شعرِها الحالكِ السواد،
أو يضيءُ بنعومةٍ وجهها؛
حيثُ الأفكارُ يُعبَّرُ عَنها بهدوءٍ وحلاوة:
كم هوَ نقي، كم هوَ عزيزٌ محلُ سَكنِها.

وعلى هذا الخدِّ، وفوقَ هذا الجبين
الكثيرِ النعومة، والكثيرِ الهدوء، إلا أنَّهُ جَليّ،
تلكَ الابتساماتُ الَّتي تستهوي،
وصبغاتِ الشعرِ الَّتي تتوهجُ؛
تُنشدُ عن أيامٍ أُنفِقت في صلاح،
عَن عقلٍ في هدوءٍ عمَّا تحته،
عَن قلبٍ يُحِبُ في عفاف!
وَحالاتُ الزَمانِ عَلَيكَ شَتّى

وَحالُكَ واحِدٌ في كُلِّ حالِ

المتنبّي
والت ويتمان
إنَّ أحَد أجزَاءِ الشَّقَاءِ هُوَ ظِلُّ الشَّقَاءِ نَفسِه أَو اِنعِكَاسُه، أي أنَّنَا لَا نُعَانِي فَحَسب، بَل لَا نَفتَأُ نُفَكِّرُ أنَّنَا نُعَانِي. فَأنَا لَا أَكتَفِي أَن أَعِيشَ حَزينًا فِي هذهِ الأَيَّامِ الَّتي لَيسَتْ لهَا نِهَايَةٌ، بَل أُفَكِّرُ أنَّنِي سَأَعِيشُهَا حَزِينًا.

سِي. أَس. لِويس
إِنَّ فِعلَ العَيشِ مُختَلِفٌ تَمَامًا. غِيَابُهَا كَالسَّمَاءِ، مُنْتَشِرٌ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ.

سِي. أَس. لِويس؛ عَن مَوتِ زَوجَتِه.
كَانَ لِجَسَدِي أَهَمِيَّةٌ تَختَلِفُ كُلَيَّةً حِينَ كُنتُ حَبِيبَها. هَذَا الجَسَدُ الآنَ بَيتٌ مَهجُورٌ.

سِي. أَس. لِويس
نَحنُ نَرَى وُجُوهَ مَن نُحِبُّ بِتَنَوُّعٍ كَبِير، مِن زَوَايًا عَدِيدَةٍ، بِأَنوَارٍ وَفِيرَةٍ، بِتَعَابِيرَ كَثِيرَةٍ— وَهُم يَنَامُونَ، يَصحُونَ، يَضحَكُونَ، يَبكُونَ، يأكُلونَ، يَتَكلَّمُونَ، يُفَكِّرُونَ— كُلُّ هَذِهِ الاِنطِبَاعَاتِ تَحتَشِدُ فِي الذَّاكِرَةِ ثُمَّ تُلغِي بَعضُهَا بَعضًا لَتصِيرَ مُجَرَّدَ صُورَةٍ ضَبَابِيَّةٍ. لَكِنَّ صَوتَهَا وَاضِحٌ إِلى الآنَ، صَوتُهَا أَذكُرُه— هَذَا الصَّوتُ الَّذِي يُحَوِّلُنِي فِي لَحظَةٍ إِلَى طِفلٍ يَنشُج.

سِي أس. لِويس.
إِنَّ قَبرَ مَن نُحِبّهُم وَصُورَتَهُم فِي ذاكِرتِنا بَعدَ مَوتِهِم هُمَا حَلقَتانِ تُوصِلُ بينَنا وَبينَهُم هُم الَّذِينَ لَا عَودة لَهُمُ، وَرَمزَانِ لِمَا يَعجَزُ خَيَالُنَا عَن تَكوِينِهِ عَنهُم.

سِي. أَس. لِويس.
ثمَّةَ حَدٌّ فَاصِلٌ، مخفيٌّ أو مُشهَرٌ، يَفصِلُ بينَ الأَجناسِ حَتَّى يُوحِّدهَا الزَّوَاج. وأنَّها لَغَطرَسةٌ مِنَّا أَن نَصِفَ الصَّرَاحَةَ، وَالعَدلَ، وَالفُرُوسِيَّةَ عَلَى أنَّهَا صِفاتٌ ذُكُوريَّة إِذَا ما رَأينَاهَا فِي اِمرَأَةٍ، وَالحَالُ ذَاتُه يَنطَبِقُ عَلَى صِفَاتٍ كَالحَسَاسِيَّةِ المُفرِطَة وَرِقَّةِ الطَّبعِ وَاللَّطَافةِ إِن نَحنُ قُلنَا أنَّهَا صِفَاتٌ أُنثَويَّة حَينَ نَرَاهَا فِي رَجُل. وَكَي تُبَرَّرَ هَذِهِ الغَطرَسَةُ إِلى أيِّ شَكلٍ مُشوَّهٍ مُفَتَّتٍ مِنَ الإِنسَانِيَّةِ عَلَى هَؤلَاءِ النَّاسِ، مُجَرَّد رِجَالٍ ونِسَاء بِلَا صِفَات، أَن يَنحَدِرُوا إِليه. لكنْ فِي الزَّواجِ شِفَاءٌ. حِينَ يَتَّحِدُ الرَّجُلُ بالمرأَةِ. " فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ." وَهَكذَا، مُفَارَقةً، يُؤَدِّي بِنَا كَرنَفَالُ الجِنْسِ هَذَا إِلَى مَا هُوَ أَبعَدُ مِن مُجَرَّدِ الأَجنَاس.

سِي. أَس. لِويس.
صوت تكسُّر
كونراد أيكن
ترجمة: ياسر هدايت

لِمَ تصرُخينَ، ولم أحبُّ أن أسمعَكِ
تصرخينَ، في مساءٍ لا ندًى فيهِ، حيثُ نجلسُ
سويَّةً، قريبينِ، جسدِي على جسدكِ حتَّى يسكُنَ
نبضُ قلبينا وينعدمُ فكرُ عقلينا؟ بلا كلماتٍ، كائنينِ
لا قيمة لنا، متعبين، نجرُّ خطانا في صحراء دمارنا المشترك! اسمعي العشبَ يثورُ من حولنا واسمعي
الدود يهتفُ! واسمعي كيف للماءِ صوتُ العماء!
واسمعي، من بين أصوات المساءِ، خطوة الإله
الوحشيَّة الأولى!

إبهامي وإصبعي يطوِّقانِ
مرفقكِ مثل حلقةٍ ويعصرانِ، ثمَّ أمرِّرُ دميَ المسوَّرَ
على دمكِ العارِي، ذراعكِ أنزلها،
ويدي فوقَ عظمِ المعصمِ، وأطبقُ
يدكِ النحيفة الطويلة في يدي.

أطرافُ أصابعكِ تُحَيي أطرافَ أصابعِي
ويدانا تلتقيانِ، ظاهرُ اليدِ وخفيُّها يلتقيانِ.
ثم تنغلقانِ سويَّةً. ثم نبتسمُ، وعينانا مرفوعتانِ، لسماءِ المساءِ من المرمرِ،
فلا نبصرُ شيئًا، ونفقدُ روحينا في عاصفةِ الماءِ
تُدَوِّمُ إلى أسفل دائرةً كاسحةً.

يا امرأةً ساخطةً
قلبًا وعقلًا ودمًا، مثلُكِ أنَا
الَّذي أشربُ سخطكِ المرير— أهذا هو الجمالُ؟
هل تصرخين لأن الجمال قاسٍ؟
أم هو الرعبُ لأنَّنا نندفعُ سُفُلًا؟ رعبُ الظلمةِ؟

صوت تكسُّر،
العالمُ يتكسَّرُ، العالمُ صوتُ تكسُّرٍ،
ألحان كثيرة، متنوَّعةٌ، عميقة،
جمالٌ يتشظَّى. انظري، كيف نتحطَّمُ سويَّةً،
اسمعي أصوات الأوتارِ الناشزة تتكسَّرُ فوق
بعضٍ تملَأ العالمَ ونحن نسند أجسادنا المسعورة ببعضها!

هو صوتُ
حزنٍ أبديٍّ، صوت بكاءٍ،
صوت كارثة وتعاسة، صوت قلبٍ
يضجُّ حبًّا يتكسَّرُ في مركزِ العالم.
2025/06/27 03:20:54
Back to Top
HTML Embed Code: