Telegram Web
﴿قُلۡ مَن ذَا ٱلَّذِي یَعۡصِمُكُم مِّنَ ٱللهِ إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ سُوۤءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةࣰۚ﴾.

قال في «الكشاف»: «فإن قلت: كيف جعلت الرحمة قرينة السوء في العصمة ولا عصمة إلا من السوء؟
قلت: معناه: أو يصيبكم بسوء إن أراد بكم رحمة، فاختصر الكلام وأجري مجرى قوله:
متقلّدا سيفا ورمحا.
أو: حُمل الثاني على الأوّل لما في العصمة من معنى المنع».

ونقله أبو حيان في «البحر» ثم قال: «أما الوجه الأول؛ ففيه حذف جملة لا ضرورة تدعو إلى حذفها.
والثاني: هو الوجه، لا سيما إذا قُدر مضاف محذوف، أي: يمنعكم من مراد الله».

ثم نقل كلامهما السمين الحلبي في «الدر» ثم قال: «قلت: وأين الثاني مِن الأول، ولو كان معه حذف جُمَلٍ!».
قلق ...الفوات:

في الليالي العشر تنتاب النفوس مشاعر من التوتر
كأنما الزمن يختطف منها تريد أن تدعو تقرأ تصلي تتصدق
تدعو لمن
لنفسها
للوالدين
للأهل والأولاد
تدعو بماذا
بالجنة والنجاة من النار
أم تفاصيل الآخرة
أم بالهداية والتوفيق
بالتوبة
بالحاجات
بالهموم
بالأوجاع
تتقافز السؤالات أمام العيون
هل أختم
هل أقوم
استغفار أم تسبيح
المأثور أم أسئلة خاصة
وهكذا ينطوي الليل والروح على رؤوس أقدامها
كأنما هي في ساحة من الجوهر النفيس
تريد من هذا وهذا وهذا
والوقت ينفد
ترى لو عشنا العمر كله
بهذه الروح
نستبق قبل أفولنا والرحيل
ترى لو بقيت
شعلة الخوف متقدة في أرواحنا
تروعنا من ساعة الإغلاق.
أي نفوس ستكون تلك النفوس
المتوثبة اللاهفة وراء كل خير
وكأنما كل شيء
سينتهي الآن...
اغتنم تسبيحة تهليلة ركعة دعوة صدقة
‏قال تعالى: {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}.

قال ابن عطية: «تزهيد وتنبيه على أن الأموال إنما تصير إلى الإنسان من غيره ويتركها لغيره،
وليس له من ذلك إلا ما تضمنه قول الرسول ﷺ: «يقول ابن آدم: مالي مالي،
وهل لك من مالك إلا
ما أكلت فأفنيت،
أو لبست فأبليت،
أو تصدقت فأمضيت
».
«التسليم: هو الخلاص من:
شبهة تعارض الخبر
أو
شهوة تعارض الأمر
أو
إرادة تعارض الإخلاص
أو
اعتراض يعارض القدر».

قاله ابن القيم «مدارج السالكين» ٤٣٧/٢.
من الأدعية المهمة

‏في البخاري عن النبي ﷺ: «أعوذ بك من شر ما صنعت».
وفي السنن عنه ﷺ: «نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا».
وعنه ﷺ: «أعوذ بك من شر نفسي».
وصححهما جماعة.

قال ابن القيم:
وسل العياذ من اثنتين هما اللتـ .. ـان بهُلك هذا الخلق كافلتان
شر النفوس وسيء الأعمال ما .. والله أعظم منهما شران.
﴿إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد﴾ [ق: ٣٦].

«الناس ثلاثة: رجل قلبه ميت، فذلك الذي لا قلب له، فهذا ليست هذه الآية ذكرى في حقه.
الثاني: رجل له قلب حي مستعد، لكنه غير مستمع للآيات المتلوة التي يخبر بها عن الآيات المشهودة، إما لعدم ورودها، أو لوصولها إليه ولكن قلبه مشغول عنها بغيرها، فهو غائب القلب ليس حاضرا، فهذا أيضا لا تحصل له الذكرى مع استعداده ووجود قلبه.
والثالث: رجل حي القلب مستعد، تليت عليه الآيات فأصغى بسمعه، وألقى السمع وأحضر قلبه، ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه، فهو شاهد القلب ملق السمع.
فهذا القسم هو الذي ينتفع بالآيات المتلوة والمشهودة.

فالأول بمنزلة الأعمى الذي لا يبصر، والثاني بمنزلة البصير الطامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه، فكلاهما لا يراه. والثالث بمنزلة البصير الذي قد حدق إلى جهة المنظور إليه وأتبعه بصره، وقابله على توسط من البعد والقرب؛ فهذا هو الذي يراه.
فسبحان من جعل كلامه شفاء لما في الصدور.

فإن قيل: فما موقع ﴿أو﴾ من هذا النظم على ما قررت؟

قيل: فيها سر لطيف، ولسنا نقول: إنها بمعنى الواو، كما يقوله ظاهرية النحاة.

فاعلم أن الرجل قد يكون له قلب وقاد، مليء باستخراج العبر واستنباط الحكم، فهذا قلبه يوقعه على التذكر والاعتبار، فإذا سمع الآيات كانت له نورا على نور، وهؤلاء أكمل خلق الله تعالى، وأعظمهم إيمانا وبصيرة، حتى كأن الذي أخبرهم به الرسول قد كان مشاهدا لهم لكن لم يشعروا بتفاصيله وأنواعه.
حتى قيل: إن مثل حال الصديق رضي الله عنه مع النبي ﷺ، كمثل رجلين دخلا دارا، فرأى أحدهما تفاصيل ما فيها وجزوياتها، والآخر وقعت يده على ما في الدار ولم ير تفاصيله ولا جزوياته، لكن علم أن فيها أمورا عظيمة لم يدرك بصره تفاصيلها، ثم خرجا فسأله عما رأى في الدار؟
فجعل كلما أخبره بشيء صدقه لما عنده من شواهده، وهذه أعلى درجات الصديقية.

ولا تستبعد أن يمن الله المنان على عبد بمثل هذا الإيمان، فإن فضل الله لا يدخل تحت حصر ولا حسبان.

فصاحب هذا القلب إذا سمع الآيات وفي قلبه نور من البصيرة؛ ازداد بها نورا إلى نوره.
فإن لم يكن للعبد مثل هذا القلب، فألقى السمع وشهد قلبه ولم يغب؛ حصل له التذكر أيضا، ﴿فإن لم يصبها وابل فطل﴾، والوابل والطل في جميع الأعمال وآثارها وموجباتها.
وأهل الجنة سابقون مقربون وأصحاب يمين، وبينهما في درجات التفضيل ما بينهما، حتى إن شراب أحد النوعين الصرف يطيب به شراب النوع الآخر ويمزج به مزجا.

قال تعالى: ﴿ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد﴾، وكل مؤمن يرى هذا، ولكن رؤية أهل العلم لون، ورؤية غيرهم له لون».

قاله ابن القيم في «مدارج السالكين» ٧٠/٢
من أُعطي مالا ليفرقه على المحتاجين، أيقبل أو يرفض؟

في «الفروع» لابن مفلح ٣١٩/٤:

«ومن أعطي شيئا ليفرقه، فهل الأولى أخذه أو عدمه؟
حسّن أحمد -رحمه الله- عدم الأخذ في رواية، وأخذ هو، وفرّق في رواية».

وعلق المرداوي في «تصحيح الفروع»: «قلت: طريقة الإمام أحمد في أغلب أحواله عدم الأخذ، ولكن في هذه الأزمنة إن كان يحصل بالأخذ إعطاء من يستحق ممن لا يحصل له ذلك بعدم أخذه؛ توجه رجحان الأخذ. والله أعلم».
سنن وأحكام في يوم العيد وليلته‏

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وسلم تسليما، أما بعد

• فهذه بعض السنن والأحكام في ليلة العيد ويومه، وأسال الله أن يتقبل منا جميعا، ويجعلنا من الفائزين بفضله، الذين منّ عليهم بمغفرته، وأن يتم علينا النعمة بدوام طاعته، ويجعله عيد عز ونصر للأمة.

• يسن التكبير من أول ليلة؛ لقوله تعالى: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} إلى دخول إمام العيد.
وقيل: إلى أن تصل للمصلى.

• عن ابن عمر «أنه كان يغدو يوم العيد، ويكبر ويرفع صوته، حتى يبلغ الإمام». رواه ابن أبي شيبة بسند حسن.
وروى أيضا بسند صحيح عن الإمام التابعي الزهري قال: «كان الناس يكبرون في العيد حين يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى، وحتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام سكتوا، فإذا كبر كبروا».

• وليس للتكبير صفة خاصة، وقد روي عن بعض الصحابة: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. وروي التكبير ثلاثا.
وقد استحب كل صفة من هذه طائفة من العلماء، وكله حسن، والأمر واسع.

• لا بأس بالتهنئة يوم العيد وقبله، فهي من باب العادات، ومردها لعرف الناس.

قال ابن تيمية في التهنئة يوم العيد: «قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه.. وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأمورا بها، ولا هو أيضا مما نهي عنه، فمن فعله فله قدوة ومن تركه فله قدوة».

• يستحب غسل العيد لهذه الأدلة:
عن ابن عباس قال: «كان رسول الله ﷺ يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى».
رواه ابن ماجه، لكنه ضعيف.
ولقياسه على الجمعة، فكلاهما عيد واجتماع، والمعنى فيهما واحد.
ولقول علي رضي الله عنه حين سأله رجل عن الغسل؟
قال: «اغتسل كل يوم إن شئت.
فقال: الغسل الذي هو الغسل؟
قال: يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم الفطر».
رواه الشافعي بسند صحيح.
وفي الموطإ أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى». وهو صحيح.

• قال ابن عقيل في غسل العيد: «المنصوص عن أحمد أنه قبل الفجر وبعده؛ لأن زمن العيد أضيق من وقت الجمعة، فلو وقف على الفجر؛ ربما فات، ولأن المقصود منه التنظيف، وذلك يحصل بالغسل في الليل لقربه من الصلاة». اهـ.
وقيل: إن اغتسل قبل الفجر؛ لم يصب سنة الاغتسال.
قال ابن قدامة: «الأفضل أن يكون بعد الفجر، ليخرج من الخلاف، ويكون أبلغ في النظافة، لقربه من الصلاة».

• في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه أنه رأى حلة من إستبرق تباع بالسوق.. فقال: «يا رسول الله، ابتع هذه فتجمل بها للعيد».
فقد تقرر عندهم لبس أحسن الثياب في العيد.
وروى البيهقي أن ابن عمر كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه. وسند صحيح.

• قال الإمام مالك: سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد.

• الغسل واللبس الحسن يفعله بعض الناس عادة؛ فافعله سنة واتباعا وطلبا للثواب.

• في البخاري عن أنس رضي الله عنه: «كان رسول الله ﷺ لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات». و«يأكلهن وترا».

• عن ابن عمر، قال: «كان رسول الله ﷺ يخرج إلى العيد ماشيا، ويرجع ماشيا». رواه ابن ماجه.
وروى الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: «من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيا».
ولكنهما ضعيفان.
لكن قال الترمذي: أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشيا.

• في البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: «كان النبي ﷺ إذا كان يوم عيد خالف الطريق» يعني: ذهب من طريق ورجع من آخر.
وقد التمس العلماء حِكما كثيرة لهذا الفعل..

• وفي الصحيحين عن ابن عباس: «أن النبي ﷺ صلى يوم الفطر ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها».

• وكان يصليها في مصلى العيد في الصحراء.
وينتبه إلى أنه من بعد صلاة الفجر إلى بعد طلوع الشمس بعشر دقائق تقريبا=وقت نهي عن الصلاة، فإذا حضرت لمصلى العيد وهو الصحراء في هذا الوقت= فلا يجوز أن تصلي ركعتين، أما إن كان في مسجد؛ فتشرع تحية المسجد عند طائفة من الفقهاء ولو في وقت النهي؛ لأنها من ذوات الأسباب.

• صلاة العيد من شعائر الإسلام الظاهرة العظيمة، وفيها شهود اجتماع المسلمين وصلاتهم ودعوتهم، وقد اختلف أهل العلم في حكمها، فمنهم من يرى أنه فرض على الأعيان، وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد اختارها ابن تيمية وابن سعدي وغيرهم.
ومنهم من يرى أنها فرض كفاية وهو ظاهر مذهب الحنابلة وقول بعض الشافعية.
وقال بعضهم هي سنة مؤكدة، وهو قول المالكية وأكثر الشافعية.

• ففي الصحيحين عن أم عطية، قالت: أمرنا رسول الله ﷺ، أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق، والحيض، وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: «لتلبسها أختها من جلبابها».

يتبع⬇️
وفي لفظ للبخاري: «كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيض، فيكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته».

• وعلى المرأة اجتناب الزينة والطيب، ففي صحيح مسلم عن النبي ﷺ قال: «إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا».

• وأرادت الخروج متطيبة ومتزينة؛ فيجب أن تمنع، قالت عائشة رضي الله عنها: «لو أن رسول الله ﷺ رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل».

• ويقول المصلي بين كل تكبيرتين من التكبيرات التي قبل القراءة: (الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا)، روي هذا عن ابن مسعود، واحتج به الإمام أحمد.

والذكر بين التكبيرات غير مخصوص بهذا، فلو سبح وهلل، أو دعا وصلى على النبي ﷺ؛ فلا حرج، ومن أهل العلم من يرى أن تكون التكبيرات متتابعة ولا ذكر بينها.

• اختار ابن تيمية وابن القيم وابن سعدي وغيرهم أن خطبة العيد تُبدأ بالحمد لا بالتكبير؛ لأنه لم ينقل عن النبي ﷺ أنه افتتح خطبة بغير الحمد.

• خطبتا العيد سنة لا يجب حضورها ولا استماعها، لكن في حضورها خير كثير، وشهود لدعوة المسلمين والتأمين عليها، والاستماع للذكر.

• يسن للخطيب أن يخفف الخطبة، ويقرأ في الصلاة بـ(سبح) و(الغاشية)، ففي صحيح مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: «كان رسول الله ﷺ يقرأ في العيدين، وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية».
أو (ق) و(القمر)، ففي صحيح مسلم عن أبي واقد الليثي، أن رسول الله ﷺ قرأ يوم العيد بـ {اقتربت الساعة}، و{ق والقرآن المجيد}.

• ولعله اختار ﷺ سورة ق والقمر لما فيهما من تقرير الأصول العظيمة من الإيمان والبعث والقدر ومصير المكذبين وجزاء المؤمنين..

• وفي الصحيحين أن خطبة النبي ﷺ في العيد، كان فيها بيان حرمة دماء المسلمين وأعراضهم، وأمرهم بتبليغ ذلك، وذكرهم لقاء ربهم وأنه سيسألهم عن أعمالهم.

• وكان في خطبته أيضا: «فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكرهن، فقال: تصدقن، فإن أكثركن حطب جهنم».
متفق عليه، واللفظ لمسلم.

• وكان ﷺ يعلم الناس ما يحتاجونه كما فعل ذلك في عيد الأضحى كما في الصحيحين، فيسن للخطيب أن يبين ما يحتاجه الناس من فقه في هذا اليوم.

• قال ابن القيم: «كانت خطبته ﷺ، إنما هي تقرير لأصول الإيمان من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، وذكر الجنة والنار، وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعد لأعدائه وأهل معصيته، فيملأ القلوب من خطبته إيمانا وتوحيدا، ومعرفة بالله وأيامه».

• ويلاحظ في صلاة العيد أن كثيرا من المصلين يجهرون بالتكبيرات مع الإمام في الصلاة كجهرهم بالتأمين!
وهذا غير مشروع، بل يكبرون سرا كبقية التكبيرات.

• من فاته بعض صلاة العيد يقضيه على صفته. أي يكبر التكبيرات الزوائد.

• وإن فاتته صلاة العيد استحب له أن يقضيها على صفتها، كما صلاها الناس، يكبر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام ست تكبيرات، وفي الثانية غير تكبيرة القيام خمس تكبيرات.

• يوم العيد يوم فرح وشكر لنعمة الله على إتمام هذا الموسم العظيم من مواسم الطاعة، فالحذر من المعاصي، وفي الإنس المباح والمجالس الطيبة فسحة، قال الله تعالى: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها}، وفي الحديث الذي رواه الترمذي وصححه عن النبي ﷺ: «أتبع السيئة الحسنة تمحها» وليس العكس!

الله تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

والله أعلم، وصلى الله على عبده ورسوله محمد.

كتبه
عبد الرحمن بن صالح السديس
الرياض.
كيف لعب الحبشة في مسجد النبي ﷺ؟

في البخاري (٢٩٠٧) ومسلم (٨٩٢) عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان يوم عيد، يلعب السودان بـ: الدرق والحراب».

الدرق والحراب جمعُ درقة وحربة.

‏والدرقة: الترس إذا كان من جلود، يتقي به المقاتل الضربات..
والحربة: آلة حرب دون الرمح.

ففعلهم هذا من جنس المبارزة والتدرب على مهارات القتال.

‏قال ابن رجب في «فتح الباري»: «المقصود من هذا الحديث: جواز اللعب بآلات الحرب في المساجد؛ فإن ذلك من باب التمرين على الجهاد، فيكون من العبادات».

‏ومن احتج بهذا الحديث على جواز ما يفعله السفهاء في بعض المساجد من رقص وتمايل وهز الوسط؛ فهو مبطل أو جاهل.
ومثله قول جماعة من العلماء: «وإذا رؤي الهلال نهارا، قبل الزوال أو بعده؛ فهو لليلة المقبلة».
فهذا مجرد فرض، إذ لا يمكن رؤيته نهارا، لأنه يولد بعد الاقتران، فيكون قريبا منها ووهجها يمنع رؤيته، ثم يبدأ في البعد عنها، ثم بالكاد يرى بعد غروب الشمس إن ابتعد عنها بمقدار..
وقد أمكن في هذا العصر رؤيته نهارا من خلال أجهزة وتقنيات حديثه، وصور مرارا في عز النهار.
والعبرة بدخول الشهر أن يرى الهلال في الأفق بعد غروب الشمس بالعين أو بجهاز.
والله أعلم.
‏يسن التكبير من دخول ليلة العيد؛ لقول الله تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون).

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
الله أكبر الله أكبر ولله الحمد

الحمد لله على التمام والتيسير.

تقبل الله منكم، وأعاده عليكم، وجعل عيدكم سعيدًا.

وأبشروا وأملوا من ربكم خيرا كثيرا،
{ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما}.
مسائل في صيام ست من شوال: فضلها وصحتها ونيل فضيلتها قبل القضاء وعدم وجوب تبييت النية لها من الليل


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وسلم تسليما، أما بعد

فهذه مسائل في صوم ست من شوال

فضلها وحث النبي صلى الله عليه وسلم عليها

* عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر». رواه مسلم وغيره.

* روى الإمام أحمد عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر فذلك تمام صيام السنة» وفي لفظ ابن خزيمة: «وصيام الستة أيام بشهرين، فذلك صيام السنة». ورواه ابن ماجه والدارمي والنسائي في الكبرى، وصححه أبو حاتم الرازي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم.

* وفي هذا الباب حديث لأبي هريرة وجابر بن عبد الله وشداد بن أوس.

= قال الإمام ابن المبارك رحمه الله: هو حسن، هو مثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر. ذكره الترمذي.

هل صام النبي صلى الله عليه وسلم الست من شوال؟

* في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، «كان يصوم حتى يقال: قد صام، قد صام، ويفطر حتى يقال: قد أفطر، قد أفطر».

* وفي لفظ للبخاري عنه: «ما كنت أحب أن أراه من (الشهر) صائما إلا رأيته، ولا مفطرا إلا رأيته ولا من الليل قائما إلا رأيته، ولا نائما إلا رأيته».

* وفي الصحيحين عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم».

* وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم».

* وقال أسامة بن زيد رضي الله عنهما يا رسول الله، إنك تصوم لا تكاد أن تفطر، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم، إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما قال: «أي يومين؟» قال: قلت: يوم الاثنين، ويوم الخميس. قال: «ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين.. ». رواه أحمد والنسائي، وهو حديث حسن.

= فهذه الأحاديث تفيد أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم من كل شهر نصفه تقريبا، ومن صام نصفه= فقد صام الست وزيادة قطعا.

هل يبادر بصوم الست بعد العيد مباشرة؟

قال الإمام عبد الرزاق الصنعاني في «مصنفه»: «سألت معمرا عن صيام الست التي بعد يوم الفطر، وقالوا له: تصام بعد الفطر بيوم؟ فقال: معاذ الله إنما هي أيام عيد وأكل وشرب.. ».

قال راوي المصنف: «وسألنا عبد الرزاق: عمن يصوم يوم الثاني؟ فكره ذلك، وأباه إباء شديدا». اهـ

= عبد الرزاق عالم اليمن وحافظها، وهو من شيوخ الإمام أحمد، ومعمر بن راشد من كبار الأئمة.

وفي «مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية» للبعلي: «وكره بعضهم صوم الست من شوال عقب العيد مباشرة؛ لئلا يكون فطر يوم الثامن كأنه العيد، فينشأ عن ذلك أن يعده عوام الناس عيدا آخر».

وذكر نحو هذا المعنى بعض فقهاء المالكية وغيرهم.

وبعض فقهاء الشافعية والحنابلة يستحب المبادرة بها بعد العيد، ويرون أنها من المسارعة لفعل الخير.
وكأن الأول أحسن خصوصا إذا كان هناك لقاءات واجتماعات وزيارات، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لِزَوْرِك عليك حقا».
الزور: الزائر، الذي يزورك.

هل يصح صيام الست وغيرها من النوافل قبل القضاء؟

* عند الحنفية يصح التطوع بالصيام قبل القضاء من غير كراهة،
وأما المالكية والشافعية ورواية للحنابلة فيرون صحة التطوع قبل القضاء لكن مع الكراهة،
وفي رواية للحنابلة أنه لا يصح التطوع قبل القضاء.
= لهذا يقال: يستحب أن يبدأ من عليه قضاء من رمضان بالقضاء قبل التطوع؛ لأنه أولى وأبرأ للذمة.

هل تحصل فضيلة صيام الست من شوال لمن صامها قبل القضاء؟

احتج من قال بأنها لا تحصل الفضيلة إلا بعد صوم القضاء بلفظ «ثم أتبعه» فقالوا: من قدم الست قبل القضاء= لم يصدق عليه أنه صام رمضان (ثم أتبعه) بست من شوال؛ لأنه لم يتم رمضان بعد، فلا تحصل الفضيلة، واشتهر هذا القول في المعاصرين.

وهذا القول فيه نظر، والفضيلة تحصل بصومها ولو أخر القضاء؛ لأنه في عدد من روايات حديث أبي أيوب وثوبان: «وستا من شوال»، «ستة أيام بعد الفطر»، وألفاظ روايات هذه الأحاديث مختلفة؛ مما يقطع به أن أكثرها مروية بالمعنى، وليس لأحد أن يأخذ لفظا منها ويحتج به مع أن غيره من الألفاظ يخالف دلالته، والواجب حينها أن ينظر في قرائن الحديث الأخرى..

وحين تنظر في القرائن الأخرى= تجد في حديث ثوبان الصحيح: «صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام الستة أيام بشهرين= فذلك صيام السنة».

وتجد مثل هذا التعليل في الفضل في صيام الثلاثة الأيام من كل شهر الذي في الصحيحين: «صم من كل شهر ثلاثة أيام، فذلك صوم الدهر».

وتجد أن هذا المعنى في كتاب الله قال تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها).

=تابع ⬇️
تابع ⬆️

فإذا صام الست ثم قضى ما عليه بعد شوال= صدق عليه أنه صام رمضان وصام ستا من شوال، والحسنة بعشر أمثالها= فيحصل له هذا الفضل.

وليس للقول بأنها لا تصح الفضيلة حتى يقضي رمضان معنى معقول تبطل به دلالة هذه النصوص المحكمة، وإنما هو تمسك بظاهر رواية مما روي.

بل قال بعض العلماء إن الفضيلة تحصل ولو صامها في غير شوال

قال القرطبي المالكي في «المفهم»: «قال بعض علمائنا: لو صام هذه الستة في غير شوال لكانت إذا ضمت إلى صوم رمضان= صيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، كما ذكره في الحديث، وإنما خُص شوال بالذكر= لسهولة الصوم فيه إذ كانوا تعودوه في رمضان».

وقال القرافي المالكي في «الذخيرة»: «واستحب مالك صيامها في غيره خوفا من إلحاقها برمضان عند الجهال، وإنما عيّنها الشرع من شوال للخفة على المكلف بسبب قربه من الصوم، وإلا فالمقصود حاصل في غيره؛ فيشرع التأخير جمعا بين مصلحتين».

وقال ابن مفلح الحنبلي في «الفروع»: «ويتوجه احتمال: تحصل الفضيلة بصومها في غير شوال، وفاقا لبعض العلماء، ذكره القرطبي، لأن فضيلتها كون الحسنة بعشر أمثالها، كما في خبر ثوبان، ويكون تقييدُه بشوال ـ لسهولة الصوم لاعتياده ـ رخصةً، والرخصة أولى».

وقال علي القاري الحنفي في «مرقاة المفاتيح»: «لا يخفى أن ثواب صوم الدهر يحصل بانضمام ست إلى رمضان، ولو لم يكن في شوال؛ فكان وجه التخصيص المبادرة إلى تحصيل هذا الأمر، والمسارعة إلى محصول هذا الأمر، ويدل على هذا المعنى الذي ذكرناه حديث ابن ماجه الذي قدمناه». (يعني حديث ثوبان).

وذكر هذا المعنى غيرهم من أهل العلم.

وقد ذكر طائفة من فقهاء الشافعية أن صيامها في شوال فضله= «كصيامها فرضا، وإلا فلا يختص ذلك بصوم رمضان وستة من شوال؛ لأن الحسنة بعشرة أمثالها». وكذا بعض متأخري الحنابلة.
وهو إقرار منهم بأنه لا فرق بين شوال وغيره، إلا بدعوى أن لها فضل الفرض، ولم يذكروا دليلا أنها كالفرض.

ويلزم من تمسك بظاهر (ثم أتبعه) من الفقهاء المعاصرين= أن يتمسك بظاهر (صام رمضان) لأن من أفطر يوما لعذر= لم يصم رمضان ولو قضاه؛ لأنه ما صام (كل رمضان)، فيفوته هذا الفضل، لكنهم تركوا هذا الظاهر، وقال به طوائف من فقهاء الشافعية المتأخرين.

هل يلزم تبييت النية من الليل لنيل فضيلة النفل المقيد كصيام ست من شوال؟

تحصل فضيلة صيام ست من شوال، ولو لم تنوِ إلا من وقت الضحى، إذا لم تكن فعلت مفطرا قبل ذلك= وتكون صمت صوما (شرعيا صحيحا)= فيصدق أنك صمت (يوما) من شوال، وتكون مطبقا لما جاء في الحديث: «من صام رمضان وستا من شوال».

وقد اختلف العلماء في مسألة تبييت النية؛

فذهب الحنفية إلى أن كل أنواع الصوم لا يلزم لها تبييت النية من الليل إلا الواجب الذي لم يتعين زمانه كالقضاء والكفارات.
وعكسهم المالكية فقالوا كل أنواع الصوم يلزم لها تبييت النية من الليل.
وأما الشافعية والحنابلة؛ فيفرقون بين الصوم الواجب والصوم المستحب، فيرون وجوب تبييت النية من الليل للصوم الواجب، وأما الصوم المستحب= فلا يلزم له تبييت النية من الليل.
لكنهم لم يفرقوا بين نفل مطلق ومقيد، فكل أنواع الصوم المستحب يصح بنية من الضحى، ويُنال الفضل المرتب عليه، ولا (تكاد) تجد التفريق بين النفل المطلق والمقيد إلا عند بعض المعاصرين، وهو تفريق ضعيف.

والخلاصة أن صوم الست لا يلزم له تبييت النية من الليل عند جماهير العلماء.

* عند الشافعية والحنابلة أن المتطوع بالطاعات كالصلاة والصوم... أمير نفسه؛ إن شاء أكمل فعلها ـ وهو الأفضل ـ ، وإن شاء قطع؛ إلا الحج والعمرة؛ فإنه يلزمه إتمامهما إذا شرع فيهما.
وخالفهم الحنفية والمالكية فقالوا يلزم إتمام التطوع. والقول الأول أصح وأدلته أقوى.

* من دخل في قضاء رمضان= لم يجز له قطعه بلا عذر ـ والعذر كالسفر والمرض ـ؛ قال ابن قدامة والمجد ابن تيمية: «بلا خلاف». كذا قالا.
ولكن للشافعية قول بالجواز، وجعلوه كالمسافر يشرع في الصوم ثم يفطر، لكن الأصح عند الشافعية هو القول بالمنع، كالمذاهب الثلاثة: الحنفية والمالكية والحنابلة.

والله أعلم، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وسلم.
هل من أخر صوم الست من شوال بعد العيد بيوم أو يومين أو ثلاثة لا يكون مسارعا في الخيرات؟

استحب بعض فقهاء الشافعية والحنابلة أن يبادر بصوم الست عقب العيد مباشرة، واحتجوا لذلك بأنه من المسارعة في الخيرات،  واحتجوا ببعض النصوص العامة في الحث على المسارعة للخير.

وكره آخرون المبادرة بها بعد العيد، واختلفت مآخذهم؛
فالإمام مالك رحمه الله ذكر في «الموطأ» (1103): «أن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يُلحِق برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة والجفاء».

قال ابن عبد البر في «الاستذكار» 3/380: «ولم يكره من ذلك إلا ما خافه على أهل الجهالة والجفاء إذا استمر ذلك وخشي أن يعدوه من فرائض الصيام مضافا إلى رمضان». ونحوه في «الذخيرة» للقرافي 2/530.

وقال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة: «كانوا يكرهون أن يتبعوا رمضان صوما خوفا أن يلحق ذلك بالفريضة».
«المحيط البرهاني» 3/362، وذكر نحوه جماعة من فقهاء الحنفية.

وذكر بعضهم أنه يندب تفريقها، ولهم أقوال أخرى عكس هذه، مدونة في كثير من كتبهم.

فالملحظ الذي ذكره مالك وأبو يوسف عن أهل العلم هو: الفصل بين رمضان وغيره بفاصل بيّن، وكأنهم لمحوا هذا المعنى من مجمل نصوص الشريعة وحال الناس، كالنهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، والنهي عن صلاة النافلة بعد الفريضة إلا بعد كلام أو تغيير مكان.. إلخ.

قال ابن تيمية: «وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كـ .. أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال «عيد الأبرار» فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها». «مجموع الفتاوى» 25/298.

وقال أيضا: «اليوم الثامن من شوال ليس لأحد أن يتخذه عيدا ولا هو عيد أبرار، ولا عيد فجار، ولا يحدث فيه شيئا من شعائر الأعياد، فإن المسلمين متفقون على أنه ليس بِعيد.
وكره بعضهم أن يصام عقيب العيد؛ لئلا يعتقد الناس عيدا آخر».
«مختصر الفتاوى المصرية» ٤٤١/١. ط ركائز.

وفي «رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام» 3/36: «وقد بلغني أن بعض بلاد العجم يتسحرون لها كما يتسحرون لرمضان، والفوانيسُ على حالها كما هي في رمضان، وأنهم يعملون في اليوم السابع عيدًا، ويسمونه: عيد الستة».
وذكر الشقيري في «السنن والمبتدعات» ص163: في بدع شوال: ومن البدع: «أنهم جعلوا لصومهم وقفة وعيدا، وسموه عيد الأبرار، وإنما هو عيد الفجار، يجتمعون فيه بمسجد الحسين أو زينب..»،
وكذا ذكره الشيخ حامد الفقي في تعليقه على «مختصر الفتاوى المصرية» ص290.

= فما خافه مالك وقع، وما حذر منه ابن تيمية وغيره استمر في كثير من البلاد كما حكاه الفاكهي في بلاد العجم، ثم حكاه الشقيري والفقي ـ وهما معاصران ـ في مصر.

وكره آخرون المبادرة بها، ولحظوا في الكراهة معنى آخر:
ففي «المصنف» لعبدالرزاق (8170) قال: «وسألت معمرا عن صيام الست التي بعد يوم الفطر، وقالوا له: تصام بعد الفطر بيوم؟ فقال: «معاذ الله! إنما هي أيام عيد، وأكل وشرب، ولكن تصام ثلاثةُ أيام قبل أيام الغر أو بعدها وأيامُ الغر: ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر».
قال راوي المصنف: «وسألنا عبد الرزاق: عمن يصوم يوم الثاني؟ فكره ذلك، وأباه إباء شديدا».

فمعمر وعبدالرزاق رحمهما الله لحظا معنى في ما يلي العيد وما اعتاده الناس ووجدوهم عليه، وهو كونها أيام أكل وشرب واجتماع ولقاء، ولمشابهته لعيد الأضحى وما يليه من أيام.
وهذا المعنى هو المنتشر اليوم، فعامة الناس في يوم العيد وما يليه في لقاءات واجتماعات وصلة أرحام، والغالب أن حال الصائم لا تناسبها.

وطائفة أخرى من الفقهاء استحبوها مطلقا، وسكتوا عن ذكر الأفضل فيها.

ولم أجد عن أحد من القرون المفضلة الحث على المبادرة بها بعد العيد مباشرة، ولا أنه فعله منهم أحد يقتدى به.

ووقت صوم الست من شوال ممتد إلى يوم 24، فمن شرع فيها في يوم3 أو 4 أو 5 فهو مبادر فيها ومسارع في الخيرات، وليست المسارعة حكرا على البدء باليوم الذي يلي يوم العيد.

والذي يرغب في البدء بها مباشرة ويلح على هذا المعنى فيها، لعلك لا تجده يطرد هذا المعنى في أمور أخرى، فمثلا: لا تجده في عمرة رمضان يقول: تستحب أن تكون في الليلة الأولى من رمضان، وفي الصلاة لا يكاد يرغب بأن تقام الصلاة بعد الأذان بوقت يسير تفعل فيه النافلة، ولعله لا يفعل هذا حتى لو كان وحده.
مع أن من صلى بعد دخول الوقت بربع ساعة مثلا، أو اعتمر في اليوم الثالث من رمضان= فهو مسارع في الخيرات..

كما أن الترغيب بالبدء بها بعد العيد مباشرة، يفوت أن تكون في أيام البيض، أو أن تجعل في أيام الاثنين والخميس، وصومها في هذه الأيام الفاضلة أفضل من البدء بها مباشرة بعد العيد.

والخلاصة أن من بدأ بها بعد العيد بيومين أو ثلاثة لا يخرج عن كونه مبادرا بها مسارعا في الخيرات، ويخرج عن خلاف من كرهه من السلف، ويحصل له مقصود الاجتماع والأنس بالأقارب ومشاركتهم إن كان، ولو أخرها لمعنى إيقاعها في الاثنين والخميس والبيض= لكان أفضل له.


والله أعلم.
‏مناقشة لقول من قال:
لا يحصل الفضل المرتب على صوم النفل المقيد إلا إذا نواه من الليل

اشتهر عند جمع من الفضلاء المعاصرين التفريق بين صوم النفل المطلق والمقيد، وأن النفل المقيد لابد أن ينوى من الليل لحصول الثواب المرتب عليه، فمثلا: صيام ست من شوال وعرفة وعاشوراء لا ينال فضلها إلا إذا عقد نية الصوم من الليل.

لماذا؟ قالوا: لأنه لا يكون صائما اليوم كاملا إلا إذا نوى الصوم قبل الفجر، أما لو عقد النية أثناء النهار، فيكون فاته بعض اليوم ويكون أجره من بداية نيته، فلا يكون صام يوم عرفة ولا عاشوراء كاملا.

فلما قيل لهم: من قال بهذا القول من الأئمة السابقين والفقهاء المعتبرين فلم يجدوا قائلا مسمى قال بهذا= قال بعض فضلائهم: هذا القول هو مقتضى مذهب الحنابلة؛ إذ المنصور عندهم: (أن الصوم الشرعي المثاب عليه يكون من وقت النية)؛ وإن لم يذكروا مسألتنا هذه.

قيل: عدم الذكر= دليل على ضعف هذا الإلحاق، إذ تفريع الفقهاء ونصهم على ما هو دونها= أكثر من أن يذكر.

ثم يقال: حتى لو قيل بكون الصوم الشرعي المثاب عليه يبدأ من وقت النية (١)، فإنه لا يلزم من ذلك ألا يحصل الفضل المرتب على (مجمل العمل)، بل اشتراطه هنا تحكم وتحجير لفضل الله تعالى، وشبيه بهذه المسألة:

حصول فضل الجمعة لمن أدرك ركعة منها، وحصول فضل الجماعة من لمن أدرك ما قبل سلام الإمام -أو ركعة على القول الآخر- ولم يقل أحد في المذهب: إن من لم يدخل مع الإمام من أول صلاته= فاته فضل الجماعة ٢٧ درجة -وإنْ كان من أدرك الصلاة من أولها أفضل ممن فاته بعضها-.
وقل مثله في من فاتته تكبيرة من صلاة الجنازة= فله الثواب المرتب للجنازة.  وكذلك من حج فجاء لعرفة مباشرة ولم يطف طواف القدوم= فله الثواب المرتب للحج..

فإن قيل: إدراك الجمعة والجماعة يحصل بإدراك هذا الجزء منها= فكذلك ترتب الفضل.
فيقال: وكذلك الصوم، يحصل إدراكه إذا نوى من النهار -ولم يكن فعل مفطرا قبل ذلك-= فكذلك ترتب الفضل.
فلم اشترطتم هنا لحصول الفضل أن يدركه من أوله ولم تشترطوه في مثيلاتها؟

فإن قالوا: لأن الفضل جاء لمن صام (يوم) عرفة و(يوم) عاشوراء و(ستا) من شوال.
وهذا ما صام (يوما) بل صام (بعض يوم).

فيقال: من صام يوم عرفة من أثناء النهار، فإن الشريعة صححت صومه، ويقال له: صام يوم عرفة؛ لا يقال صام نصف عرفة؛ إذ ليس في الشريعة صوم نصف يوم ولا ربعه، ولا يقال كذلك: له نصف الفضل ولا ربعه.
وكذلك في الست من شوال، لا يقال: صام ٥ أيام ونصفا لمن صام يوما منها من أثناء النهار، ويقال له: لو صمت نصف يوم= كمل لك الفضل، أو إذا صمت بعض عرفة القادم= كمل لك الفضل!

وكون من صام من أول النهار أفضل= لا يعني أن هذا فاته الأجر المرتب عليه.
كما قيل في شأن الجمعة والجماعة والجنازة.

والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــ
(١) القول الآخر في مذهب الحنابلة: أن له الأجر من أول النهار، وهو المنصور عند الشافعية، ومذهب أبي حنيفة.


٣ شوال ١٤٣٨هـ.
.
رأيت بعض الفضلاء يحتج لصحة رؤية الأمس بكبر الهلال الليلة وارتفاعه، وهذا خطأ، فكبره في ليلة التمام أو الليلة الثانية أمر طبيعي.

وإن شهد شاهدان عدلان برؤية هلال شوال؛ حكم بدخوله، وقد رآه ليلة السبت أكثر من عشرة شهود في مرصدين.
وعليه؛ فالحكم بدخول الشهر بشهادتهم صحيح لا إشكال فيه.

ولو قُدر أن شهودا -ظاهرهم العدالة- شهدوا برؤية الهلال -وهم في نفس الأمر قد توهموا أو حتى كذبوا- قبلت شهادتهم وحكم بدخول الشهر.
وهذا هو العمل الشرعي، لأن الحكم بدخول الشهر؛ مبني على الظن لا القطع.

والعيد صحيح، والأجر تام لا نقصان فيه، فقد صاموا رمضان كما أمروا، وأفطروا كما أمروا.
2025/04/01 01:16:27
Back to Top
HTML Embed Code: