Telegram Web
• يفضل نفسه على أبي الفضل!

نقل العلّامة الشيخ الأوردباديّ، عن العلّامة الحجة السيّد ميرزا عبد الهادي الشيرازيّ، عن السيّد العالم الفاضل الميرزا عبد الحي عن أبيه السيّد الميرزا عبد الحميد البجنورديّ:

أنّه شاهد في كربلاء المشرّفة رجلاً من الأفاضل قد اغترَّ بعلمه، وبلغ من غلوائه في ذلك أنّه صارح يوماً بمنتدى من أصحابه بأنّه أفضل من أبي الفضل العباس صلوات الله عليه! فإذ جابهوه بالإنكار أخذ بالبرهنة على دعواه بتعداد فضائله وعلومه وعباداته من تنفل وتهجد وزهادة، فإن كان فضل أبي الفضل بعبادته فهذه بتلك، والشهادة لا تكاد تقابل المعرفة بعلوم الدين وأصولها وقواعدها، فانفضّ المجلس على هذا.

قال: فذهبنا إلى دار الرجل من غد نزوره، ونستحفي خبره، فقيل: إنّه في حرم أبي الفضل سلام الله عليه، فداخلنا العجب من ذلك.

وتوجّهنا إلى الحرم الأقدس، وألفينا الرجل قد ربط عنقه بالضريح المقدّس بحبل على صفة الملتجئ التائب.

فسألناه عن أمره، فقال: إن أمري عجيب، بالأمس فارقتكم على ما أبديته لكم من المزعمة، ولم أبرح عليه حتى نمت الليل، فرأيت فيه أنّي في مجتمع من أهل الفضل، فإذا أنا بمخبر يقول: إنّ أبا الفضل عليه السلام قادم إليكم.

فأخذت أبّهة ذكره من القلوب كلّ مأخذ، وارتعدت الفرائص لهيبته، حتى دخل سلام الله عليه والنور الإلهيّ يلمع على أساريره، والجمال العلويّ يزهو من محيّاه.

فاستقر على كرسيّ في صدر النديّ، والجلاس كلّهم خاشعون لجلالته، خضوع لمقامه، واختصت بي من بينهم رهبة عظيمة، وفرق مقلق، لما أتذكره ممّا فرّطت فيه في جنبه.

قال: فطفق أبو الفضل عليه السلام يحيّي أهل النادي واحداً واحداً، حتى وصلت النوبة إليّ، فقال: ماذا تقول أنت ياشيخ؟

قال: فكاد أن يرتج عليّ القول، ثم راجعت نفسي فقلت: لعلّ في المصارحة منتدحاً من الارتباك، وفوزاً بالحقيقة، فأنهيت إليه ما ذكرته لكم بالأمس من البرهنة.

فقال عليه السلام: أنا خريج مدرسة أبي أمير المؤمنين وأخويَّ الإمامين الحسن والحسين صلوات الله عليهم، وإني على يقين من ديني بما تلقّيته من مشيختي هؤلاء من الحقائق الراهنة، وطقوس الدين، ونواميس الإسلام، وأنت شاكّ في دينك، وشاك في إمامك، أوليس الأمر كذلك؟!

قال: فلم يسعني إنكاره.

فقال عليه السلام: وكان شيخك الذي قرأت عليه وأخذت عنه أتعس حالاً منك، ثم إنّ فيَّ نفسيّات كريمة، فأخذ يعدّدها: من الكرم والصبر والمواساة والجهاد إلى غيرها.

فقال عليه السلام: فلو قسَّمت هذه على جميعكم لما أمكنك حمل حصّة منها تكون لك.

ثمّ قال: وفيك ملكات رذيلة، وجعل يذكرها من حسد ومراء ورياء.
ثم قال: وما عسى أن يكون ما عندك من أصول وقواعد كبراءة واستصحاب حكميّ غير أنها وظائف مضروبة للجاهل يعمل بها حيث يعوزه الوصول إلى الواقع.

ثم ضرب عليه السلام بيده الكريمة على فمي، فانتبهت متندماً معترفاً بالقصور، فلم أجد ندحة لي عمّا فرّطت في جنب وليّ الله صلوات الله عليه إلا التوسّل به، والإنابة إليه.

ينظر:
- حياة أبي الفضل العباس (المطبوع ضمن موسوعة الأوردباديّ) : ص٢٨٠-٢٨٢.
يعبّر والد الشيخ البهائيّ الشيخ حسين بن عبد الصمد العامليّ (ت ٩٨٤هـ) عن المحقّق الكركيّ بالشهيد، حيث عبّر في إحدى رسائله -كما في الصورة- بالشهداء الثلاثة عن:

المكّيّ: الشيخ محمّد بن مكّي العامليّ، المعروف بالشهيد الأوّل (ت٧٨٦هـ).
العلائيّ: الشيخ عليّ ابن عبد العالي الكركيّ العامليّ، المعروف بالمحقّق الكركيّ (ت ٩٤٠هـ).
الزينيّ: الشيخ زين الدين بن عليّ العامليّ، المعروف بالشهيد الثاني (ت ٩٦٦هـ).
فَوَائِدٌ وَشَوَارِدٌ
Photo
🎥 صُورةٌ فُوتغرافيةٌ (للشَّاعر والرَّادود والخطيب الحُسيني المُلَّا عبد المُحمَّد بن علي بن الشَّيخ عبد علي بن الشَّيخ عبد الرحيم الخطيب النَّجفي).
🌹 وُلد عبدُ المُحمَّد (عام ١٢٩٤هـ / ١٨٧٨م) في طرف الحويش بالنَّجف الأشرف.
🏛️ ونشأ وترعرع في دار كان شأنها وديدنها تعظيم شعائر اللَّه المُقدَّسة، وخِدمة محمد وآل محمد ﴿ص﴾، وإحياء أمرهم من مدحٍ ورثاءٍ وذِكر مآثرهم وتبيين مناقبهم ونشر علومهم ﴿ع﴾، فاتَّخذ هذه الخِدمة الشَّريفة مهنة ووظيفة له «وهو في مُقتبل العُمر».
📃 كان المُلَّا شيخًا وَقورًا، ذو شيبةٍ بهيَّةٍ، ووجه مُشرق منير، وعلى جبهته سِيماء السُّجود، نحيف الجسم، طويل القامة، قوي الإرادة، صلب العقيدة، يعتمر الكشيدة، صاحب حنجرة ذهبيَّة وصوت جهوري غليظ خشن أجشٍّ فيه بحَّةٌ.ك؛
🎙️ وكان واعِظًا دِينيَّّا وشاعرًا ورادودًا وخطيبًا حُسينيًّا، يُجيد المقامات العِراقيَّة وبارعًا في أدائها وقراءتها في ذِكرى مواليد أهل البيت ﴿ع﴾ ومناسبات وَفِيَّاتهم «الَّتِي لا يترك واحدة منها إلَّا وأحياها»، ولا يكتسب أو يأخذ أجراً على تعظيمه لشعائرهم وإحياء أمرهم ﴿ع﴾؛
📃 وكان عزيز النَّفس عفيفًا لا يأخذ الصدقات (حتَّى لو أعطاها إيَّاه آيةُ اللَّه العظمى الشَّهيد السيِّد مُحمَّد باقر الصِّدر ﴿قدس سره﴾ حيث كان يَؤُمُّ المُصَلِّين في الحُسينِيَّة الشُّشتَرِيَّة)؛
📃 كان نجمًا ساطعًا ورقمًا صعبًا ورمزًا من الرُّموز الإجتماعيَّة في الذَّاكرة النَّجفيَّة، وكان خفيف الظِّل متواضعًا، حُلوَ الحديث والمنطِّق، يجذب أرواح سامعيه ويأسر قلوبهم ويأخذ بألبابِهم، يجيد الطُّرفة ولا تكاد تفارق النُّكتة والإبتسامة محياه رغم مظهره الحزين؛
🕌 وكانت الوسادة تُثنَى له في الحُسينِيَّة الشُّشترِيَّة (وهي أوَّل حُسينِيَّة أُسِّست وشُيِّدت في النَّجف الأشرف، وكان ذلك في عام ١٣٠١هـ / ١٨٨٤م، وتقع في زقاق السَّلام بطرف العمارة)، وله كلمة الحُكم والفصل فيها، وهو المُتولِّي عليها والقائم على شُؤُونها وتنظيمها وتنظيفها وكنسِها بنفسه (لأكثر من ٥٠ عامًا)، وقد نذر ماله ونفسه لخدمة رُوَّادِها وزوَّارها لدرجة أنَّه في عِزِّ صيف النَّجف الأشرف كان يملأ حبوب الماء في سِرداب الحُسينِيَّة، وقرب أذان المغرب في شهر رمضان المبارك كان يحمل الماء ليملأ الحبوب الَّتي في باب الحُسينِيَّة لِيُفطِّر الصائمين بها على حُبِّ الحُسين ﴿ع﴾؛
📢 كما أنه كان قائدًا لموكب عزاء الحُسينيَّة الشُشتَرِيَّة، فكان يقود الموكب إلى الصحن الحيدريّ الشَّريف في يوم عاشوراء، وكان يذهب بعد مجلسه في الصَّحن الحيدري إلى بعض بيوت المراجع والعلماء ليُعزِّيهم بالحُسين ﴿ع﴾؛
📢 وكانت له جلسة خاصة في الحُسينِيَّة الشُّشتَرِيَّة للتعليمٍ والوعظٍ والإرشادٍ الدِّيني ونشر علوم أهل بيت العصمة والطهارة ﴿ع﴾؛
📢 وكان مُلتزمًا بنصب مجلس حُسينِيٍّ (كل ليلة أربعاء) في مسجد السِّهلة عند مقام الإمام المُنتَّظر ﴿ع﴾؛
📢 كما أنّه كان مُلتزمًا بعقد قراءة منبريَّة (صباحًا) في الصَّحن الحَيدريِّ الشَّريف؛
📢 وكان سريع البديهة في النظم للشِّعر وارتجاله وتنسيقه وإخراجه بشكل جيد، ودليل ذلك أنه ذات مَرَّة من المرَّات كان يُقِيم مجلس عزاء (قصيدة ردَّة حُسينِيَّة) للسادة آل بحر العلوم (وصادف ذلك في اليوم العاشر من شهر محرم الحرام عام ١٣٦٨هـ / الموافق ليوم الخميس ١٩٤٨/١١/١١م) وكان الوقت بداية فصل الشتاء وفي تلك الأثناء هطلت الأمطار على المُعزِّيْن في ذلك المجلس المكشوف للسماء، فما كان من آل بحر العلوم إلَّا أنْ أشاروا له أن يختم المجلس كي لا يسبب الإحراج للمُعزِّين، فترك إكمال قصيدته وبدأ بإهزوجة (إيقاع سريع) قال فيها:-
(عين السما سچَّابه * على احسين واصحابه).
فتفاعل المُعزُّون مع اهزوجته، وأخذوا يتمثَّلون فداحة ما جرى في واقعة كربلاء الدامية وهم يلطمون رؤوسهم وصدورهم تحت الأمطار؛ وكان مجلسًا مميزًا ظلَّ النَّاس يتحدثون عنه عدَّة أعوامٍ؛
📃 وكان يُعلِّق على حِزامه أوراقاً ومحبرة صغيرة «تختزن حبر الوسمة الخالص السَّواد» وقلم خطٍّ يضعه على أذنه اليُمنى لتدوين ما يخطر بباله وفكره ويدور بخلده وذهنه.
📓 له ديوان شِعرٍ موسوم بإسم (الجوهر المنظوم في رثاء الحُسين المظلوم ﴿ع﴾ ـ طُبِع عام ١٤١١هـ / ١٩٩١م ـ جَمَعَه ونَشَرَه الحاج طالب رجب التنكچي).
📃 كان بحق قلبًا كبيرًا نابضًا بالحبّ والولاء لمحمد وآل محمد ﴿ع﴾، ومن أشهر مشاهير خدامهم ﴿ع﴾، فأوفى بعهده لهم حتى أُقعده الضعف وأوهنه المرض فخدمهم محمولًا على عربة خشبية ولم يهن ولم يضعف حتى يوم رحيله.
🏴 وافاه الأجل المحتوم (يوم السبت ٢٢ صفر سنة ١٣٨٩هـ المصادف لتاريخ ١٩٦٩/٥/١٠م بعد عمر ناهز ٩٠ عامًا مُباركًا)؛
فَوَائِدٌ وَشَوَارِدٌ
Photo
⚰️ وعلى اثر ذلك عطَّلت المدارس صفوف دراساتها، وأغلقت الأسواق حوانيتها وعطَّلت التُّجار متاجرها وأوقفت العُمَّال أعمالها، وحَمل جثمانه المُؤمِنُون وتهادى نعشه المُشيِّعُون وساروا بجنازته إلى شارع الإمام الصَّادق. ﴿ع﴾، ثم اتجهوا به إلى سُوق النَّجف الكبير، وخرجت الكسبة وأصحاب محلات السوق في تشييعه مًتوجِّهين به تلقاء الصِّحن الحيدري الشريف، وكانت هناك ثلاث جوقات من المُشيِّعين يَسِيرون خلف نعشه «الَّذي تعتليه عمامته البسيطة»، وكانوا يُردِّدُون شِعرًا (للشاعر العملاق عبد الحُسين أبي شبعٍ النَّجفِي)؛
⚰️ بعد ذلك توجَّهوا به إلى كربلاء المُقدسة ليجدِّدوا عهداً بالإمام الحُسين ﴿ع﴾ وأخيه أبي الفضل العبَّاس ﴿ع﴾، ولمّا وصل موكب التَّشييع إلى كربلاء إستقبلهم وُجهاء المدينة وتجَّارها وكسبتها للمشاركة في التَّشييع، وكان من جملة المُشيِّعين (الشَّاعر الكبير الحاج كاظم منظور الكربلائي) وهو يتقدّم حلقتين كبيرتين:
📢 تنشد إحداهما:
- جاك من الغري خادمك يحسين ... من حمَّاي جاره بس گصده الزَّياره ... جاك من الغري خادمك يحسين.
📢 وتنشد الحلقة الثَّانية:
- هذا الگضَّه عمره إبخدمة الدِّين ... عنوانه وشعاره دم دمعه التجاره ... هذا الگضّه عمره إبخدمة الدين؛
⚰️ وبعد أن طافوا به قبر الحُسين والعبَّاس ﴿ع﴾ أقفلوا راجعين بالجثمان الطَّاهر إلى مأواه الأخير في النَّجف الأشرف، وهناك استُقبِل نعشه بالحنين والأنين من قبل مواكب عزاء الأطراف الأربعة النَّجفيَّة (الحويش والعمارة والمشراق والبراق)، ووُضِع الجثمان الطَّاهر في العمَّاري (نعش خشبي كبير يوضع فيه التَّابوت ـ يُعدُّ لِتشييع المراجع والفقهاء)، ورُفِع على أطراف الأنامل، وحفَّت به المواكب الأربعة مُردِّدة أشعارها الشجيَّة، وكان موكب شباب عليِّ بن الحُسين ﴿ع﴾ أمام النَّعش يَلطمون هاماتهم وصدورهم ويُردِّدون أهازيجهم الشعريّة الرثائية:-
- أُوداعة اللَّه يا نعش والينا ... هاي هيَّه لو بعد تِلفينا؟؛
⚰️ وحينما وافى المُشيِّعون بنعش خادم أهل البيت ﴿ع﴾ الصَّحن العلوي الشَّريف رقى المنبر (الشَّاعر الحاج رسُول مُحيِي الدِّين النَّجفِي/ مُؤلِّف القصيدة العصماء: يحسين ابضمايرنه ... صِحنه بِيك آمنَّه) وجاء بشعر ونثر يرثيه ويُؤَبنُه ويُعزيِّ نفسه والمُؤمنينَ بفقده ورحيله.
📍حينما نُعِي المُلَّا عبدُ المُحمَّد إلى الدُّكتور الشَّيخ أحمد الوائلي وضع وجهه بين كفَّيه وأجهش بالبكاء، ويقول ناقل النعي السيِّد الدكتور حُسين مجيد المرعب وهو صديق الوائلي:-
- (واللّه لم أرى الشَّيخ الوائلي باكيًا مُنتحبًا جزوعًا كمثل يوم أنهَيتُ إليه وفاة شيخه عبد المُحمَّد، وكان يُردِّد:-
- (إنَّا للَّه وإنَّا إليه راجعون، اللَّهُم لا تبغضني إليك، كيف لايجزع ابن لموت أبيه؟!، كيف لا يتلوَّع تلميذ رُزِءَ بفقد مُعلِّمه؟!، إنَّا للَّه وإنَّا إليه راجعون)؛
📍وفي مجلس رثاء الشَّيخ عبد المُحمَّد نادى عريف الحفل على الشَّيخ أحمد الوائلي، لَمَّا جاء دوره في الرِّثاء، فنهض الوائليُّ مُرتجفًا مُحمَرَّ العينين وكان يبدو عليه المرض من جهة صفرة الوجه وشرخ الحنجرة، ووقف مُتلعثمًا (وهو عميد المنبر والخطباء)، وبكى وهو يقول:-
- (ربِّ لا اعتراض على حُكمك، ولكن لو كان من أحد يُفدى لفديت شيخي عبد المُحمَّد بروحي)؛
ثم أنشد وسط بكاء النَّاس وذهولهم قصيدة قال فيها:-
- لك مهما طال الزمان وأبعد * صورة في خيالنا لا تُبدّد.
- قسماتٌ فيها شحوب وحزنٌ * وجبين من السجود مُسجَّد.
- وجفونٌ تقرَّحتْ وليالي * المتّقين الأبرار جفن مُسهَّد.
- وزفيرٌ في آهة ودموعٌ * في مصاب ابن فاطم ليس تنفد.
- كلُّ هذا عبد المُحمَّد ذُخرٌ * أنتَ فيه على المدى تتجدَّد.
- وسيُحييك كلّما هلَّ عاشورُ * صدىً في نواح آل محمّد.
- وهديرُ الصوت الأجشِّ ونبرٌ * كم لآل النَّبيِّ ناحَ وغرّد.
- شُدَّ منه يوم السرائر تُبلَى * ساعة الحشر والجوارح تشهد.
- وتقبَّل هذي المشاعر والإكبار * من خادم المنابر أحمد.
✍🏻 وقد رثاه تلميذُه الدُّكتور عبَّاس الترجمان (من منفاه في الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة ـ حيث نفاه وهجَّره إليها كيان البعث البائد) بقوله:-
- ما مات من يُرثى ويُحمد * في الناس يا عبدُ المُحمَّد.
- فالذكرُ باقٍ لا يزالُ * على المدى والشخصُ يُفقَد.
- هذي أكاليلُ الشعور * على مزار الشعر تُعقَد.
- هذي خمائل فكرك * الوقّاد للروّاد مقصد.
- هذي لئالئُك اليتيمةُ * أصبحت للفكر مشهد.
- في الجوهر المنظوم إذ * جيد الزمان بها يُقلَّد.
- قضيت عمرك مخلصًا * متفانيًا لبني محمّد.
- ما ضاع ما كرّستَهُ * بولائهم والخير يُرصد.
🕌📢 وبعد رحيله إلى عالم الملكوت الأعلى أقام أولاده وأسَّسُوا مضيفًا وموكبا عزائيًّا بإسم (موكب المُوفُون بعهدهم ـ للرادود الحُسيني ملَّا عبد المُحمَّد الخطيب النَّجفِي)، وذلك إكرامًا له وتكريسًا لتاريخه المجيد وتخليدًا لذكره المُبارك.

• من صفحة السيد هاشم النقشواني.
الخطيب المفوه الذائع الصيت الشيخ محمد باقر المقدسي الذي وافته المنية هذا اليوم الأربعاء ١٦ ذي الحجة ١٤٤٤هـ/ الموافق: ٥-٧-٢٠٢٣م.

صورته أيام شبابه وهو يلبس الزي العربي.
الحسينية الحيدرية/محلة التل/طرف الحيدرية


أقدم حسينية بالعراق ومؤسسها السيد محمد آل السيد حيدر وهو أول من وضع هذا اللفظ أو الإصطلاح (الحسينية) وما قبلها كانت تسمى (تكايا).

بالإضافة لكونها حسينية تقام بها مجالس ذكر أهل البيت عليهم السلام فهي مدرسة دينية وحاضرة علمية قديمة، إذ كانت يؤمها معظم علماء البلدة لأخذ العلوم الحوزوية أو تدريسها.

ومما أنشده أحد الشعراء الكبار بحقها :

تراءت جنة فيها قصور
على الأقطار منها ضاء نور

وهذي روضة للعلم تزهو
وأنوار العلوم بها تنور


-للتفاصيل يُراجع كتاب (الحسينية الحيدرية) للأستاذ عبد الكريم الدباغ
• توسعة الرزق ببركة الإمام الجواد!

الميرزا محمد التبريزيّ المجذوب الذي هو من فضلاء طلاب المولى خليل القزوينيّ والأخير من طلاب الشيخ البهائيّ والميرداماد رحمهم الله، يقول الميرزا المجذوب في شرح الكافي عن أمر جربه في حياته ونقله في كتابه:

«قد جعلت من جملة أورادي في أيامي: (إني اليوم - وهو يوم السبت مثلا- في حفظ حصن القرآن، والغد في حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله، ثمّ في حفظ أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ثمّ في حفظ فاطمة عليها السلام، ثمّ الأئمّة عليهم السلام إلى صاحب هذا العصر والزمان صلوات الله عليه، ثم في حفظ قنبر أمير المؤمنين عليه السلام)، وكان يعود هذا الورد في كلّ ستة عشر يوماً، فوالله في كلّ يوم الجواد عليه السلام أبى الله إلّا أن يوسع في رزقي ونفقتي، ويوفق لي في الإنفاق والسخاء، وهكذا في كلّ الخمسة عشر، كلّ يوم سنح أمر مناسب بيّن لخصلة مشهورة من خصال صاحبه، وكان ذلك وأنا ابن عشرين سنة وإلى الآن وعمري الآن داخل في العشر السادس».

• ينظر: الهدايا لشيعة أئمّة الهدى «شرح أصول الكافي» ج٣ ص٥١٣ ، ط: الثانية ١٤٣١ هـ دار الحديث .
توفي يوم أمس ١٦ من شهر رمضان ١٤٤٥هـ، الموافق الأربعاء ٢٧-٣-٢٠٢٤م الشيخ محمد الهنداوي صاحب كتاب مجمع المصائب.

وقد كتب الخطيب السيد داخل حسن مقالاً في تعزيته، فيه مواعظ عديدة أحببت أن أضعه بين أيديكم:

إنا لله وإنا إليه راجعون
رحل الهنداوي ويرحلون ونرحل
ومانحن الا مثلهم غير اننا
اقمنا قليلاً بعدهم ثم نرحل

وقال الآخر:

وكنا وإياكم نزور مقابراً
فمتم وزرناكم وسوف نزار

اختطفته المنية وباغته ريب المنون دون سابق إنذار إنما هو الطابور الذي نصطف وننتظم عليه كلنا جميعاً ولاتنفع الوسائط ولا الرشوة ولا المجاملة.

للموت فينا سهام غير طائشة
من فاته اليوم سهم لم يفته غدا

انتهى الصراع والتنازع والتسابق والتدافع وتلخص في خمسة أشبار.

جمّع بتشديد الميم مجمع المصائب بتخفيفها من أفواه الخطباء ومن بعض المطبوعات وطبعه طبعة متواضعة قديمة وأهداني نسخة بخط يده لازلت احتفظ بها، ووفق وانتشر ثم اعيدت طباعته بحجم أضخم وأوسع والعهد به قديم والتواصل معه عديم دون سبب مبين.

كان منغمساً بعوالم السياسة والبرلمان ورفحاء وسواها من النشاطات والدعايات ولم يحالفني الحظ ان التقي معه في عمل أو اتعاون معه في فعالية أو نشاط لأنه في واد وأنا في واد آخر وهو في بلاد وأنا بآخر
وأخيراً رحل أبو عزيز ووفد على ربه عاجلا على حين غرة
مات أبو عزيز وسنموت ويموت هؤلاء اللاهثون المستميتون الراكضون وراء السراب والأوهام ويتركون كل شيء يتركون التبجح والكشخة والبروز والدعايات وافتعال المواقف ولاتنفعهم تفلة صلّال ولا حقول الدواجن
ان الطابور يتحرك نحو المصير ويتقدم باتجاه الأجل
فاذا جاء اجلهم لايستقدمون ساعة ولا يستأخرون

أيها العمالقة والفلاسفة والجهابذة استعدوا كفى بالموت واعظاً
وقد علمتنا التجارب اذا افتُرض ان الكل يتأثر بمواعظ الموت فلا يستثنى من القاعدة الا هذه الفئة من الناس التي تتصدر وتتصدى للوعظ والإرشاد أمثالي فانها تستهلك وتبيع وتشتري بالكلام المفتعل.

سمعت الوائلي رحمه الله مرة يتحدث عن الدفانة وقساوة قلوبهم يقول ان الناس إذا راوا جنازة او تابوتاً تصيبهم الرهبة والخوف من الموت ولكن يقول رأيت دفاناً يحمل جنازة على رأسه ويدق ويغني على التابوت !! لكثرة ما مر عليه من الجنائز.

وهكذا دواليك هؤلاء المدوكرين بالازياء والمظاهر والمنفوخين بالسحت والاحتيال لا يتعظون بالموت ويتصورون انهم مخلدون
وما رحيل هؤلاء السابقين إلا جرس إنذار يقرع للتنبيه والاستيقاظ والاستعداد والحذر ولكن

لقد اسمعت لو ناديت حياً
ولكن لاحياة لمن تنادي
ونار لو نفخت بها اضاءت
ولكن راح نفخك في رماد

رحم الله خادم الحسبن الشيخ الهنداوي وغفر الله له وجلله بالرحمة والرضوان ....الفاتحة.

السيد داخل حسن
أستاذ الفقهاء والمجتهدين الشيخ حسين الحلّيّ متوسطاً ثلة من العلماء المدرجة أسمائهم في الصورة.
حيدر: كوكب السَّحر الذي فُجعت به حوزة النجف الأشرف!

يعيش بعض الأشخاص فترة قصيرة في هذه الدنيا فيتركون أثراً طيّباً في نفوس محبيهم وكأنهم خُلقوا ليشيعوا المحبة والإحسان والصدق ثم يرحلون بشكل مفاجئ "ليخلفوا في سويد القلب نيراناً" لكنّ من أنعاه قد بالغ في الإحسان والإخلاص والمودة والوفاء؛ فكان حقاً عليّ أن أرثيه بقلب مفجوع وبيد لم ينفض عنها تراب قبره حيث واريناه الثرى فجر يوم أمس في وادي السلام..

منذ سنوات ليست بالبعيدة جمعتني به جلسة في أحد بيوت طلبة العلم في النجف الأشرف فتبادلنا العناوين والأرقام حتى لم تمضي إلا أيّاماً قليلة فأصبح هذا الشاب من صفوة الأصدقاء لي ولأصدقائي في مجموعتنا الخاصة في النجف الأشرف، وكما يعبّر الشاعر:

وإذا صَفا لكَ من زمانِكَ واحِدٌ
فهو المُراد وعِش بذاكَ الواحدِ

وبدأت رحلة الصداقة والأخوّة فكان هو المراد والحبيب وكأنه هدية الدهر لنا، وتمضي الأيام وتزداد العلقة يوماً بعد يوم حتى بات أخاً وخليلاً وفيّاً قضينا سويةً ليالي وأيّاماً طوال كان يزيّن جمالها وجوده وكلماته وآرائه السديدة والحكيمة وصوته الشجي ومحياه الباسم، فلم أجده إلّا ورعاً وعفيفاً وكريماً ومنظّماً وزاهداً ومخلصاً أشد الإخلاص.

تميّز -رحمه الله- بانشغاله والتزامه بالدرس الحوزويّ وشدّة تعلّقه واحترامه لأساتذته حتى أنّه إذا ذُكروا أمامه كان يتحدث عنهم وهو يهيم بمحبتهم وعظيم منزلتهم عنده، كما أنّه كان شديد المودة لزملائه وأصدقائه فما إن يلتقي أحدهم حتى تجده معانقاً له عناقاً حاراً قد يُخيّل لمن يرى المشهد بأنّ أحدهما قد قدِم من سفر بعيد في حين أنه كان قد فارقه أيّاماً قليلة، ولذلك كان الأسى واضحاً على محيا كل من عرفه ولو من بعيد؛ إذ أنّه رُزق بمحبة المؤمنين له بشكل لافت وإن كان قد عرفه من بعيد، حتى أنني وخلال التهيؤ للذهاب لاستقبال الجنازة ليلاً وردني اتصال من صديق في بلاد المهجر كان قد تعرّف على سماحة الشيخ عند زيارته لي في النجف الأشرف خلال آخر زيارة له للعراق قبل سفره بساعات؛ إذ جمعَته مع الشيخ جلسة قصيرة وإذا به يتصل بي صارخاً باكياً عند سماعه خبر وفاته وهو في مقر عمله -إذ كان الوقت نهاراً عندهم- غير آبهٍ بتعجّب زملائه لما حل به؛ فكان جازعاً مفجوعاً وكأنّه قد عاشره لسنوات طويلة.

سمع شيخنا الفقيد نداء الحوزة العلمية بعد انتهاء التعطيل الرمضاني لاستئناف الدرس الحوزويّ فسافر من مدينة الناصرية ملبياً لنداء طلب العلم لكن المنية كانت في طريق السماوة حيث تضمّخت عمامته البيضاء بدمه الزكي بسبب حادث سير مؤلم؛ فوفد إلى ربه سالكاً طريق العلم وكما ورد في الحديث الشريف: "من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنّة"

عاش شيخنا الفقيد وحيداً لا أخوة له من أمه وأبيه؛ لكنّه عاش أخاً وفيّاً للمئات من المؤمنين الّذين خلّفهم بعد مصابه أسارى للحزن والأسى يطحن أفئدتهم وينغّص ذكره عيشهم، إذ كانوا يتمنّون الحضور في حفل زفافه لا مراسم تشييعه، ومما نقل عن أحد الفضلاء من أساتذة الحوزة العلميّة حين رأى شهادة وفاته يوم أمس أنّه قال ما مضمونه: كنت أتمنى أن أكتب عقد زواجه بيدي لا أن أمسك بشهادة وفاته!

فكانت ليلة الأمس حزينة كئيبة حيث الفجيعة قد خيّمت على طلبة العلم في مدينة النجف الأشرف؛ إذ كانت العمائم في باحة المغتسل مجتمعة لانتظار إكمال تغسيله وتكفينه وهي بين نائح وصارخ حتى حُمل نعشه إلى قبر أمير المؤمنين -عليه السلام- ليطاف به في المرقد الشريف ويصلي عليه أستاذه المفجوع به، ثم كان الوقت قد دنى من وقت صلاة الفجر فكانت الجنازة قد وضعت على شفير القبر لانتظار إكمال حفر القبر واصطفت تلك العمائم لتصلي صلاة الفجر جماعة قرب قبره بإمامة أستاذه، فكان مكانه خالياً في صفوف تلك الجماعة المثكولة به، حتى أكملنا الصلاة وواريناه الثرى بعد إقامة مجلس على سيّد الشهداء -عليه السلام- عند قبره لنودع أخاً عاش نقياً ومات نقيّاً دفنت معه ذكريات وآمال ومشاريع علميّة وتبليغيّة، ثم عادت أجسادنا إلى بيوتنا لكنّ قلوبنا بقيت هناك عنده كما سيبقى قلب أمه المفجوعة بوحيدها، وإلى هنا يجف قلم أخيك الذي كان يأمل أن يكتب قريباً في مناسبة سعيدة لك، فسكن إلى هنا القلم ليكتم أسراراً ومشاهد شتى تحتشد بها الذاكرة وترقد فيها كما رقدت في وادي السلام؛ لكنّها إرادة السماء ولله الأمر من قبل ومن بعد، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم!

أخوك المفجوع بك: محمد تقي الشمري
الخامس من شهر شوّال لسنة ١٤٤٥ هـ
كتب الصديق الحسيب، والأخ الحبيب، والأديب الأريب، الشيخ اللبيب الشيخ محمد حسن آل حيدر حفظه الله أبياتاً بمناسبة تشرفي بلبس العمامة ليلة ميلاد الإمام الرضا عليه السلام، وقد أرخ المناسبة، فجزاه الله خير الجزاء، وما وصفني به من أبيات فهو من حسن ظنه بأخيه، وإن عين الرضا عن كل عيب كليلة، وهذه أبياته:

طربت لدى نجم من السعد أومضا
وأُبدلت افراحــا بحزن تقوضا

عشية إذ تاج من النور قد علا
على بدر تم فاستنار به الفضا

يقولون : كل حاز شيئا من اسمه
وذا من سميٍّ حاز، سبحان من قضى

أخو القلب والخِل الوفي وكم له
خصالا أعادت أعين السخط بالرضا

فيا لصديق بشره ملءُ وجهه
ويا لأخ خال من العيب مرتضى

ويا لفطين يطلب العلم لائذا
بقبر الذي عن غربة الأهل عوضا

ويا لغيور دينه كل همه
يدافع عنه باليراع الذي انتضى

ويا سعد قلبي يوم قلتُ مؤرخا
(عمامة عباس لدى مولد الرضا)
1445
أخبرنا أحد مشايخنا بقصة لطيفة حصلت مع جنابه، فأحببت أن أكتبها، قال أنه في إحدى السنوات ذهب إلى الديار المقدسة في بلاد الحجاز للعمرة، وأحد الشباب كان طبيباً من أهالي بغداد من المعتمرين ارتبط بالشيخ ليستفسر عن أمور دينه، وفي أحد الأيام بينما الشيخ كان سائراً إلى بيت الله الحرام فالشاب كان متعجبا وقال للشيخ بعد أن أجابه على أحد استفساراته:
هذه الأجوبة لماذا لا نسمعها من رجال الدين الذين يظهرون بالإعلام، فهذه أمور مهمة ينبغي أن نعرفها ولا نجهلها؟!

فالشيخ قال له: إذا تريد أن تفتح عيادة، أليس عليك أن تضع علامة [إعلان] تدل على أنك طبيب مختص بالأمر الفلاني، وعلى هذا الناس تأتي وتراجع عندك؟
فقال: نعم هذا صحيح.

فقال الشيخ وهو يرفع عمامته: نحن هذا الإعلان الذي نضعه ونمشي بكل مكان.
2024/07/14 16:07:53
Back to Top
HTML Embed Code: