يقول ماركوس أوريليوس، الفيلسوف والإمبراطور الروماني السادس عشر: "كلّ ما يطرق مسامعنا ليس إلّا رأياً، لا واقعاً، وكلّ ما نراه ليس إلّا وجهة نظر، لا الحقيقة".
يقول هانيبال ليكتر إلى كلاريس ستارلينج بطريقة ساخرة: "ألا تسعى عينيك الأشياء التي تريدينها؟".
في سياق أقل تهديداً، يتناول هانيبال ليكتر كيفية إختيار المرء لرؤية الآخرين. حيث يميل بعض الناس إلى رؤية ما يريدونه فقط، وليس ما هو أمامهم بالفعل. ومن الواضح جداً أن هانيبال متأثر في كلماته بـ الفيلسوف ماركوس أوريليوس حيث ذكر إسمه في وسط الحوار.
ومن خلال معالجة هذا الكلمات، تمكنت المحققه ستارلينج من رؤية ما وراء الأكاذيب وفهم الحقيقة بالنهاية.
The Silence of the Lambs (1991)
يقول هانيبال ليكتر إلى كلاريس ستارلينج بطريقة ساخرة: "ألا تسعى عينيك الأشياء التي تريدينها؟".
في سياق أقل تهديداً، يتناول هانيبال ليكتر كيفية إختيار المرء لرؤية الآخرين. حيث يميل بعض الناس إلى رؤية ما يريدونه فقط، وليس ما هو أمامهم بالفعل. ومن الواضح جداً أن هانيبال متأثر في كلماته بـ الفيلسوف ماركوس أوريليوس حيث ذكر إسمه في وسط الحوار.
ومن خلال معالجة هذا الكلمات، تمكنت المحققه ستارلينج من رؤية ما وراء الأكاذيب وفهم الحقيقة بالنهاية.
The Silence of the Lambs (1991)
"ما معنى أن تكون؟ هل البقاء في الأذهان أهم من الحياة نفسها؟"
فيلم Birdman للمخرج أليخاندرو غونزاليس إيناريتو هو رحلة وجودية متشابكة، تقف على حافة الجنون والعبقرية.
الفيلم يروي قصة ريغان طومسون، النجم السينمائي السابق الذي طغت عليه شهرة دوره كبطل خارق، ويحاول استعادة مجده من خلال مسرحية يسعى من خلالها لإثبات أهميته الفنية، وربما وجوده ذاته.
ريغان يعيش صراعًا داخليًا مع ظله القديم، حيث يطارده طيف "بيردمان"، تلك الشخصية التي جلبت له الشهرة يومًا لكنها تحولت الآن إلى عبء ثقيل.
هذا الطيف يمثل الماضي الذي يرفض أن يتلاشى، والصراع بين ريغان وشخصيته القديمة يعكس أزمة الهوية التي تعيشها الشخصية، في محاولة لإعادة تعريف نفسها بعيدًا عن أضواء الشهرة الزائفة.
اختيار إيناريتو لتقديم الفيلم وكأنه لقطة واحدة متواصلة يعكس حالة الفوضى الداخلية لريغان. الكاميرا تتحرك بلا توقف، متتبعة الشخصيات في أروقة المسرح وخلف الكواليس، حيث تتداخل الحياة بالمسرحية، والخيال بالواقع، مما يجعل المشاهد غارقًا في عالم ريغان المتشابك.
الفيلم يقدم نقدًا لاذعًا لثقافة الاستهلاك والهوس بالشهرة. ريغان، الذي يسعى لإثبات نفسه كممثل جاد، يجد نفسه محاصرًا بين نظرة المجتمع له كمجرد بطل خارق سابق وبين رغبته العميقة في إثبات قيمته الحقيقية. وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا محوريًا في تعزيز هذا الضغط، حيث تصبح كل لحظة انهيار أو نجاح مجرد مادة للاستهلاك السريع والإعجابات.
الطيران، الذي يظهر في عدة مشاهد بالفيلم، هو رمز للتحرر من القيود التي تفرضها النفس والمجتمع. في اللحظات الأخيرة، عندما يختفي ريغان من الإطار، يترك الفيلم تأثيرًا عميقًا من خلال غموضه، إذ يتحول الأمر إلى استعارة عن الخلاص أو الاستسلام.
الحوارات داخل المسرحية التي يعمل عليها ريغان ليست مجرد نصوص عابرة، بل تعكس صراعاته الشخصية ومعاناته الداخلية. المواجهات مع ابنته سام تبرز رغبته في التصالح مع حاضره، بينما تكشف التفاعلات مع بقية الشخصيات عن جوانب متعددة من هشاشته وقوته.
فيلم Birdman عمل سينمائي متكامل، يعبر عن حالة الإنسان المعاصر الذي يجد نفسه عالقًا بين طموحه وواقعه، بين ماضيه الذي يلاحقه ومستقبله الذي يخشاه. من خلال الأداء المذهل، السرد البصري المبتكر، والرمزية العميقة، يترك الفيلم بصمة لا تُنسى كواحد من أبرز الأعمال التي تستكشف النفس البشرية والفن.
Birdman (2014)
فيلم Birdman للمخرج أليخاندرو غونزاليس إيناريتو هو رحلة وجودية متشابكة، تقف على حافة الجنون والعبقرية.
الفيلم يروي قصة ريغان طومسون، النجم السينمائي السابق الذي طغت عليه شهرة دوره كبطل خارق، ويحاول استعادة مجده من خلال مسرحية يسعى من خلالها لإثبات أهميته الفنية، وربما وجوده ذاته.
ريغان يعيش صراعًا داخليًا مع ظله القديم، حيث يطارده طيف "بيردمان"، تلك الشخصية التي جلبت له الشهرة يومًا لكنها تحولت الآن إلى عبء ثقيل.
هذا الطيف يمثل الماضي الذي يرفض أن يتلاشى، والصراع بين ريغان وشخصيته القديمة يعكس أزمة الهوية التي تعيشها الشخصية، في محاولة لإعادة تعريف نفسها بعيدًا عن أضواء الشهرة الزائفة.
اختيار إيناريتو لتقديم الفيلم وكأنه لقطة واحدة متواصلة يعكس حالة الفوضى الداخلية لريغان. الكاميرا تتحرك بلا توقف، متتبعة الشخصيات في أروقة المسرح وخلف الكواليس، حيث تتداخل الحياة بالمسرحية، والخيال بالواقع، مما يجعل المشاهد غارقًا في عالم ريغان المتشابك.
الفيلم يقدم نقدًا لاذعًا لثقافة الاستهلاك والهوس بالشهرة. ريغان، الذي يسعى لإثبات نفسه كممثل جاد، يجد نفسه محاصرًا بين نظرة المجتمع له كمجرد بطل خارق سابق وبين رغبته العميقة في إثبات قيمته الحقيقية. وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا محوريًا في تعزيز هذا الضغط، حيث تصبح كل لحظة انهيار أو نجاح مجرد مادة للاستهلاك السريع والإعجابات.
الطيران، الذي يظهر في عدة مشاهد بالفيلم، هو رمز للتحرر من القيود التي تفرضها النفس والمجتمع. في اللحظات الأخيرة، عندما يختفي ريغان من الإطار، يترك الفيلم تأثيرًا عميقًا من خلال غموضه، إذ يتحول الأمر إلى استعارة عن الخلاص أو الاستسلام.
الحوارات داخل المسرحية التي يعمل عليها ريغان ليست مجرد نصوص عابرة، بل تعكس صراعاته الشخصية ومعاناته الداخلية. المواجهات مع ابنته سام تبرز رغبته في التصالح مع حاضره، بينما تكشف التفاعلات مع بقية الشخصيات عن جوانب متعددة من هشاشته وقوته.
فيلم Birdman عمل سينمائي متكامل، يعبر عن حالة الإنسان المعاصر الذي يجد نفسه عالقًا بين طموحه وواقعه، بين ماضيه الذي يلاحقه ومستقبله الذي يخشاه. من خلال الأداء المذهل، السرد البصري المبتكر، والرمزية العميقة، يترك الفيلم بصمة لا تُنسى كواحد من أبرز الأعمال التي تستكشف النفس البشرية والفن.
Birdman (2014)
"عزيزتي ماري..
السبب وراء مسامحتي إياكِ هو أنك لست كاملة، لديك عيوب و أنا مثلك أيضًا. كل البشر خطاؤون حتى ذلك الرجل الذي يلقي بالقمامة خارج شقتي.
عندما كنت صغيرًا، رغبت دومًا في أن أكون أي شخص، سواي!
أخبرني د.برنارد هاسِلهوف أنه إذا كنت وحيدًا على جزيرة منعزلة لكنت اعتدت على مرافقتي أنا فقط.
فقط أنا..و حبات جوز الهند. أخبرني أنه حينها فقط كنت سأضطر لتقبل نفسي، بكل ما فيها من مميزات و عيوب.. نحن لا نستطع اختيار عيوبنا فهي جزء منا و نحن مضطرون للتعايش معه. لكن يمكننا دومًا اختيار اصدقائنا و أنا سعيد لاختياري إياكِ.
قال د.برنارد هاسِلهوف لي أيضًا أن حياة كل إمرئ منا تبدو كرصيف للمشاة طويل للغاية. البعض ممهد للسير جيدًا و البعض الآخر، مثلي، ملئ بالشقوق و قشور الموز و أعقاب السجائر.
رصيفك أنت يا ماري يشبه رصيفي، ربما لا توجد بِه الكثير من الشقوق.
و لكن يحدوني أمل في أن، يومًا ما، ستتقاطع أرصفتنا و نتمكن من أن نتشارك علبة من الحليب المكثف سويًا.
صديقي الصدوق هو أنتِ. أنتِ صديقي الوحيد"
🎥 Mary and Max (2009) / dir. Adam Elliot
السبب وراء مسامحتي إياكِ هو أنك لست كاملة، لديك عيوب و أنا مثلك أيضًا. كل البشر خطاؤون حتى ذلك الرجل الذي يلقي بالقمامة خارج شقتي.
عندما كنت صغيرًا، رغبت دومًا في أن أكون أي شخص، سواي!
أخبرني د.برنارد هاسِلهوف أنه إذا كنت وحيدًا على جزيرة منعزلة لكنت اعتدت على مرافقتي أنا فقط.
فقط أنا..و حبات جوز الهند. أخبرني أنه حينها فقط كنت سأضطر لتقبل نفسي، بكل ما فيها من مميزات و عيوب.. نحن لا نستطع اختيار عيوبنا فهي جزء منا و نحن مضطرون للتعايش معه. لكن يمكننا دومًا اختيار اصدقائنا و أنا سعيد لاختياري إياكِ.
قال د.برنارد هاسِلهوف لي أيضًا أن حياة كل إمرئ منا تبدو كرصيف للمشاة طويل للغاية. البعض ممهد للسير جيدًا و البعض الآخر، مثلي، ملئ بالشقوق و قشور الموز و أعقاب السجائر.
رصيفك أنت يا ماري يشبه رصيفي، ربما لا توجد بِه الكثير من الشقوق.
و لكن يحدوني أمل في أن، يومًا ما، ستتقاطع أرصفتنا و نتمكن من أن نتشارك علبة من الحليب المكثف سويًا.
صديقي الصدوق هو أنتِ. أنتِ صديقي الوحيد"
🎥 Mary and Max (2009) / dir. Adam Elliot
أفلام ومسلسلات | سينما الكوكب
Photo
"أحس أحيانًا أني ولدت في الجانب الخطأ من المرآة."
يقف راست كول كظلٍ طويل ممتد بين الماضي والمستقبل، بين الإيمان والعدم، بين الألم والأمل المستحيل. شخصية ليست كباقي المحققين الذين اعتدنا عليهم في دراما الــجــ ريمة، فهو لا يبحث عن العدالة بقدر ما يحاول فهم العبثية التي تحيط به، عالم يغرق في الفـ ساد والانحــ لال، حيث كل شيء يبدو وكأنه مقدر للضياع.
"العدم هو الحقيقة الوحيدة"
راست فيلسوف من نوع غريب، وجوديٌ يائس، يرى الحياة ككذبة طويلة، والإنسان كمجرد خطأ في آلة الزمن. فقد ابنته الصغيرة في حــ ادث مأســ اوي، وبعدها، لم يعد يرى أي معنى في الاستمرار. أصبح يؤمن أن الحياة مجرد "حلم سيئ"، وأن الوعي البشري نفسه لعنة أكثر من كونه نعمة.
"نحن كائنات متقدمة بدرجة كافية لندرك أننا لا معنى لنا."
هذا ليس مجرد تشاؤم، بل هو إيمان كامل بأن الإنسان محكوم عليه بالمعاناة، وأن الأمل مجرد خدعة يبتكرها البشر ليتمكنوا من العيش ليوم آخر. لكنه رغم كل ذلك، لم يتوقف عن مطاردة الحقيقة، عن مواجهة الشر، وكأنه يريد أن يثبت أن حتى لو كانت الحياة بلا معنى، فهذا لا يعني أننا يجب أن نستسلم لها.
"الألم هو الثمن"
راست لا يخشى الألم، بل يحتضنه، يعيش فيه كأنه الطريقة الوحيدة للشعور بالحياة. يسـ كر لينسى، يعمل بلا توقف ليدفن ماضيه، يخوض التحقيقات كأنها معاركه الشخصية مع الوجود نفسه.
"الحياة مجرد دائرة، نعيش نفس اللحظات مرارًا وتكرارًا، والشيء الوحيد الذي يمكننا تغييره هو كيف نواجهها."
رغم كل ما يحمله داخله، فهو ليس شخصًا بلا رحمة. ربما لا يؤمن بالحياة، لكنه يؤمن بالعدالة، حتى لو كانت تلك العدالة قاتمة وبعيدة عن المفهوم التقليدي للصواب والخطأ. في النهاية، كان مستعدًا لخسارة كل شيء من أجل الوصول إلى الحقيقة، لأنه كان يعلم أن بعض الأشياء، مهما كانت عبثية، تستحق القتال من أجلها.
"الأمل؟... ربما مجرد وهم"
لكن رغم كل الظلام الذي يحيط به، هناك لحظة نادرة في نهاية الموسم الأول، حين يجلس في المشفى بعد معركته الأخيرة، ويتأمل النجوم، ويقول:
"لطالما كان الظلام هو السائد... لكني أظن أن الضوء بدأ ينتصر."
قد لا يكون هذا إعلانًا بأنه وجد الأمل، لكنه لحظة إدراك بأن الحياة ليست مجرد ظلام مطلق. ربما لا يزال الألم موجودًا، وربما لا يزال العدم يلوح في الأفق، لكن حتى وسط كل ذلك، هناك لحظات صغيرة من النور، وحتى رجل مثل راست كول قد يتمكن من رؤيتها.
Detective Rust Cohle : Matthew McConaughey
Series Directed by : Cary Joji Fukunaga
#TrueDetective #RustCohle #MatthewMcConaughey
يقف راست كول كظلٍ طويل ممتد بين الماضي والمستقبل، بين الإيمان والعدم، بين الألم والأمل المستحيل. شخصية ليست كباقي المحققين الذين اعتدنا عليهم في دراما الــجــ ريمة، فهو لا يبحث عن العدالة بقدر ما يحاول فهم العبثية التي تحيط به، عالم يغرق في الفـ ساد والانحــ لال، حيث كل شيء يبدو وكأنه مقدر للضياع.
"العدم هو الحقيقة الوحيدة"
راست فيلسوف من نوع غريب، وجوديٌ يائس، يرى الحياة ككذبة طويلة، والإنسان كمجرد خطأ في آلة الزمن. فقد ابنته الصغيرة في حــ ادث مأســ اوي، وبعدها، لم يعد يرى أي معنى في الاستمرار. أصبح يؤمن أن الحياة مجرد "حلم سيئ"، وأن الوعي البشري نفسه لعنة أكثر من كونه نعمة.
"نحن كائنات متقدمة بدرجة كافية لندرك أننا لا معنى لنا."
هذا ليس مجرد تشاؤم، بل هو إيمان كامل بأن الإنسان محكوم عليه بالمعاناة، وأن الأمل مجرد خدعة يبتكرها البشر ليتمكنوا من العيش ليوم آخر. لكنه رغم كل ذلك، لم يتوقف عن مطاردة الحقيقة، عن مواجهة الشر، وكأنه يريد أن يثبت أن حتى لو كانت الحياة بلا معنى، فهذا لا يعني أننا يجب أن نستسلم لها.
"الألم هو الثمن"
راست لا يخشى الألم، بل يحتضنه، يعيش فيه كأنه الطريقة الوحيدة للشعور بالحياة. يسـ كر لينسى، يعمل بلا توقف ليدفن ماضيه، يخوض التحقيقات كأنها معاركه الشخصية مع الوجود نفسه.
"الحياة مجرد دائرة، نعيش نفس اللحظات مرارًا وتكرارًا، والشيء الوحيد الذي يمكننا تغييره هو كيف نواجهها."
رغم كل ما يحمله داخله، فهو ليس شخصًا بلا رحمة. ربما لا يؤمن بالحياة، لكنه يؤمن بالعدالة، حتى لو كانت تلك العدالة قاتمة وبعيدة عن المفهوم التقليدي للصواب والخطأ. في النهاية، كان مستعدًا لخسارة كل شيء من أجل الوصول إلى الحقيقة، لأنه كان يعلم أن بعض الأشياء، مهما كانت عبثية، تستحق القتال من أجلها.
"الأمل؟... ربما مجرد وهم"
لكن رغم كل الظلام الذي يحيط به، هناك لحظة نادرة في نهاية الموسم الأول، حين يجلس في المشفى بعد معركته الأخيرة، ويتأمل النجوم، ويقول:
"لطالما كان الظلام هو السائد... لكني أظن أن الضوء بدأ ينتصر."
قد لا يكون هذا إعلانًا بأنه وجد الأمل، لكنه لحظة إدراك بأن الحياة ليست مجرد ظلام مطلق. ربما لا يزال الألم موجودًا، وربما لا يزال العدم يلوح في الأفق، لكن حتى وسط كل ذلك، هناك لحظات صغيرة من النور، وحتى رجل مثل راست كول قد يتمكن من رؤيتها.
Detective Rust Cohle : Matthew McConaughey
Series Directed by : Cary Joji Fukunaga
#TrueDetective #RustCohle #MatthewMcConaughey
"الحياة ليست سوى انتظار طويل لانتهاء مأساة بدأت دون استشارتنا." – إميل سيوران
في ليلة خافتة، تحت سماء يغمرها ضوء خادع، تُعلن الأرض هلاكها بصمت، تمامًا كما تُعلن النفس استسلامها للعدم. لارس فون ترير نسج مرثية بصرية عن العبث، التشاؤم، والاستسلام الحتمي لفناء لا مهرب منه.
"إنه لَمن سوء الحظ أن يكون المرء مولودًا." – شوبنهاور
جاستين، العروس الحزينة، تسير بفستانها الأبيض وكأنها تجرُ سلاسل من الحزن والخيبة، وكأنها لم تولد للحب، بل للانهيار. من المفترض أن تكون أسعد امرأة في العالم في ليلة زفافها، لكنها تسير في احتفالها كمن يسير في جنازته. الابتسامات حولها مُفتعلة، والكلمات تخرج من أفواه الحاضرين بوزن الرياء، أما هي، فتبدو كمن يراقب المسرحية دون رغبة في التمثيل.
"ما الفائدة من كل هذا؟" تسأل نفسها، وهي تعلم أن لا إجابة سوى العبث.
سيوران قال إن الاكتئاب ليس مرضًا، بل رؤية أوضح للحياة، وجاستين لم تعد تؤمن بأوهام السعادة، هي ترى الحقيقة العارية: الوجود لعنة، كل شيء ينهار، والعالم ليس أكثر من كذبة بيضاء تُروى حتى لا نفقد صوابنا.
"كل ما نعرفه، كل ما نملكه، سينتهي إلى لا شيء."
ليلة زفافها تتحول إلى مأساة بطيئة، كأن القدر يسخر منها وهي تحاول التأقلم مع طقوس السعادة المزيفة. تهرب، تجلس وحدها، تتأمل الفراغ كأنه أقرب إليها من أي شخص. لا حاجة للحب، لا حاجة للأمل. فما فائدة كل هذا، إن كان الكوكب الذي يدور في الفضاء يخطط لإنهائنا؟
"نحن نعيش فقط لأننا غير قادرين على رؤية الواقع بوضوح كافٍ." – سيوران
على النقيض من جاستين، كلير متمسكة بالحياة، تخاف النهاية، وتحاول أن تجد معنى في اللحظات الأخيرة. تمثل الوهم الذي يجعل الحياة ممكنة، بينما تمثل جاستين الحقيقة التي تهدم كل شيء.
حين يظهر كوكب"ميلانكوليا" في السماء، تدرك كلير أن العالم الذي بنت عليه حياتها على وشك الزوال. لكنها ترفض أن تصدق، تتمسك بالأمل، بالعلم، بالحسابات الفلكية التي تؤكد أن الكوكب سيمر بسلام. لكن جاستين، ببرود قاتل، تهمس لها بالحقيقة الوحيدة الممكنة:
"الأرض شريرة، لا أحد سيحزن عليها."
هذه ليست نبوءة، بل يقين، كمن عرف منذ البداية أن الحياة مجرد لعبة مؤقتة خُلقنا لنخسرها.
"الأمل أكبر خديعة اخترعها الإنسان لإطالة عذابه." – شوبنهاور
الكوكب المقترب استعارة لكل ما نحاول تجاهله: الموت، العدم، عدمية الوجود نفسه. لا أحد يمكنه الهروب منه، لا العلم، ولا المال، ولا حتى الحب. هو المصير المحتوم الذي يطاردنا جميعًا، لكن بأسرع مما توقعنا.
"لقد كنت أعرف ذلك منذ البداية."
تقولها جاستين بثقة باردة، كأنها أدركت النهاية منذ لحظة ولادتها. بينما كلير تركض، تبكي، تحاول أن تتشبث بأي شيء، لكن لا شيء يمكنه إيقاف الزوال. في اللحظات الأخيرة، لا يبقى سوى الصمت، سوى الحقيقة التي لا مفر منها: كل شيء سينتهي، وكلنا محكوم علينا بالعدم.
"كل لحظة نعيشها هي لحظة ضائعة، لأننا نعيشها في انتظار النهاية." – سيوران
في المشهد الأخير، حين يجلس الثلاثة في الدائرة السحرية التي رسمتها جاستين فوق التل، ينتظرون الاصطدام بصمت، نصل إلى الحقيقة الأخيرة:
لا يوجد خلاص، لا يوجد أمل، فقط انتظار النهاية بروح مستسلمة.
كلير تبكي، تحاول أن تهرب حتى اللحظة الأخيرة. لكنها، مثلنا جميعًا، لا تجد مهربًا من الحقيقة. بينما جاستين، التي لم تكن يومًا خائفة، تجلس بهدوء، كما لو أن العدم كان وطنها منذ البداية.
حين يبتلع الكوكب الأرض، لا توجد موسيقى بطولية، لا مقاومة، لا صرخات، فقط العدم الصافي. كما لو أن الكون، أخيرًا، تخلص من حمله الثقيل.
لماذا Melancholia هو التشاؤم في أصدق صوره؟
لأن لارس فون ترير لم يقدم نهاية العالم كحدث كارثي كما يحدث في الكثير من الأفلام الاخرى ، بل كتحرر. الفيلم ليس عن محاولة النجاة، بل عن تقبل الحتمية. عن كيف أن البعض، مثل جاستين، يعرفون منذ البداية أن كل شيء بلا معنى، وأن لا شيء يستحق أن نحارب من أجله.
شوبنهاور كان يؤمن بأن الحياة مجرد معاناة مستمرة، والعدم هو الراحة الوحيدة. سيوران كان يرى أن الإنسان كائن أحمق يبحث عن معنى في فوضى عبثية. أما جاستين، فقد جسّدت هذه الفلسفات بكل لحظة من لحظات الفيلم.
في النهاية، لا يبقى شيء. لا يبقى سوى العدم.
"العالم سينتهي، لكني لست حزينة."
تقييمي للفيلم : 9 /10
Melancholia (2011)
Directed by :Lars von Trier
Stars : Kirsten Dunst - Charlotte Gainsbourg - Kiefer Sutherland
في ليلة خافتة، تحت سماء يغمرها ضوء خادع، تُعلن الأرض هلاكها بصمت، تمامًا كما تُعلن النفس استسلامها للعدم. لارس فون ترير نسج مرثية بصرية عن العبث، التشاؤم، والاستسلام الحتمي لفناء لا مهرب منه.
"إنه لَمن سوء الحظ أن يكون المرء مولودًا." – شوبنهاور
جاستين، العروس الحزينة، تسير بفستانها الأبيض وكأنها تجرُ سلاسل من الحزن والخيبة، وكأنها لم تولد للحب، بل للانهيار. من المفترض أن تكون أسعد امرأة في العالم في ليلة زفافها، لكنها تسير في احتفالها كمن يسير في جنازته. الابتسامات حولها مُفتعلة، والكلمات تخرج من أفواه الحاضرين بوزن الرياء، أما هي، فتبدو كمن يراقب المسرحية دون رغبة في التمثيل.
"ما الفائدة من كل هذا؟" تسأل نفسها، وهي تعلم أن لا إجابة سوى العبث.
سيوران قال إن الاكتئاب ليس مرضًا، بل رؤية أوضح للحياة، وجاستين لم تعد تؤمن بأوهام السعادة، هي ترى الحقيقة العارية: الوجود لعنة، كل شيء ينهار، والعالم ليس أكثر من كذبة بيضاء تُروى حتى لا نفقد صوابنا.
"كل ما نعرفه، كل ما نملكه، سينتهي إلى لا شيء."
ليلة زفافها تتحول إلى مأساة بطيئة، كأن القدر يسخر منها وهي تحاول التأقلم مع طقوس السعادة المزيفة. تهرب، تجلس وحدها، تتأمل الفراغ كأنه أقرب إليها من أي شخص. لا حاجة للحب، لا حاجة للأمل. فما فائدة كل هذا، إن كان الكوكب الذي يدور في الفضاء يخطط لإنهائنا؟
"نحن نعيش فقط لأننا غير قادرين على رؤية الواقع بوضوح كافٍ." – سيوران
على النقيض من جاستين، كلير متمسكة بالحياة، تخاف النهاية، وتحاول أن تجد معنى في اللحظات الأخيرة. تمثل الوهم الذي يجعل الحياة ممكنة، بينما تمثل جاستين الحقيقة التي تهدم كل شيء.
حين يظهر كوكب"ميلانكوليا" في السماء، تدرك كلير أن العالم الذي بنت عليه حياتها على وشك الزوال. لكنها ترفض أن تصدق، تتمسك بالأمل، بالعلم، بالحسابات الفلكية التي تؤكد أن الكوكب سيمر بسلام. لكن جاستين، ببرود قاتل، تهمس لها بالحقيقة الوحيدة الممكنة:
"الأرض شريرة، لا أحد سيحزن عليها."
هذه ليست نبوءة، بل يقين، كمن عرف منذ البداية أن الحياة مجرد لعبة مؤقتة خُلقنا لنخسرها.
"الأمل أكبر خديعة اخترعها الإنسان لإطالة عذابه." – شوبنهاور
الكوكب المقترب استعارة لكل ما نحاول تجاهله: الموت، العدم، عدمية الوجود نفسه. لا أحد يمكنه الهروب منه، لا العلم، ولا المال، ولا حتى الحب. هو المصير المحتوم الذي يطاردنا جميعًا، لكن بأسرع مما توقعنا.
"لقد كنت أعرف ذلك منذ البداية."
تقولها جاستين بثقة باردة، كأنها أدركت النهاية منذ لحظة ولادتها. بينما كلير تركض، تبكي، تحاول أن تتشبث بأي شيء، لكن لا شيء يمكنه إيقاف الزوال. في اللحظات الأخيرة، لا يبقى سوى الصمت، سوى الحقيقة التي لا مفر منها: كل شيء سينتهي، وكلنا محكوم علينا بالعدم.
"كل لحظة نعيشها هي لحظة ضائعة، لأننا نعيشها في انتظار النهاية." – سيوران
في المشهد الأخير، حين يجلس الثلاثة في الدائرة السحرية التي رسمتها جاستين فوق التل، ينتظرون الاصطدام بصمت، نصل إلى الحقيقة الأخيرة:
لا يوجد خلاص، لا يوجد أمل، فقط انتظار النهاية بروح مستسلمة.
كلير تبكي، تحاول أن تهرب حتى اللحظة الأخيرة. لكنها، مثلنا جميعًا، لا تجد مهربًا من الحقيقة. بينما جاستين، التي لم تكن يومًا خائفة، تجلس بهدوء، كما لو أن العدم كان وطنها منذ البداية.
حين يبتلع الكوكب الأرض، لا توجد موسيقى بطولية، لا مقاومة، لا صرخات، فقط العدم الصافي. كما لو أن الكون، أخيرًا، تخلص من حمله الثقيل.
لماذا Melancholia هو التشاؤم في أصدق صوره؟
لأن لارس فون ترير لم يقدم نهاية العالم كحدث كارثي كما يحدث في الكثير من الأفلام الاخرى ، بل كتحرر. الفيلم ليس عن محاولة النجاة، بل عن تقبل الحتمية. عن كيف أن البعض، مثل جاستين، يعرفون منذ البداية أن كل شيء بلا معنى، وأن لا شيء يستحق أن نحارب من أجله.
شوبنهاور كان يؤمن بأن الحياة مجرد معاناة مستمرة، والعدم هو الراحة الوحيدة. سيوران كان يرى أن الإنسان كائن أحمق يبحث عن معنى في فوضى عبثية. أما جاستين، فقد جسّدت هذه الفلسفات بكل لحظة من لحظات الفيلم.
في النهاية، لا يبقى شيء. لا يبقى سوى العدم.
"العالم سينتهي، لكني لست حزينة."
تقييمي للفيلم : 9 /10
Melancholia (2011)
Directed by :Lars von Trier
Stars : Kirsten Dunst - Charlotte Gainsbourg - Kiefer Sutherland