Telegram Web
أترقَّب، في كلِّ فرقان، المطرودين والصّعاليك في زقاق الطّيسل، والرّاجِعين من الكدر، والهاربين من قيلولةٍ عرَضيّة، والمتملِّصين من زوبعةِ الجنون.
أذكِّي، في كلِّ صبحٍ، نار القرى، وأطهو للسّاغبين والطّاوين على الجوع ما تسنّى من قمح الفؤاد، ليُخرِسوا به ضوَرَهم، ويألفوا من كنفِ الفؤاد أُوارًا.
أستَفيقُ، في كلّ فلق، باكِرًا لأسرِّحهم من قضبان الدّهمة، وأشعل لهم قناديل اللّغة مشاعل من ودٍّ ومن كلمات.
أغيثُهم كلّهم، وأعرفُ من هجسَ بكلِّ كمده، وطوّح رحله في وَسَطِي، وأدرك من لم يأتِ وقلبهٌ متشبّثٌ بالنّصوص، وأعلم من أجلسته الرّزايا، فأبعث إليه قلبي رسائلَ من جوًى وإخلاص.
عند كلّ إشراق أجعل مع الشَّمس جداول من برٍّ ووفاء، وأحبك من خيوطها أغطيةً، ليتزيَّا بها الهاربون من زمهرير الحياة، وتثبئجّ صدورهم بالسّكينة والقَبول.
هاؤم، يا أصحاب، لأجبّ لكم من خبز الضّحى ما أُتيح من توقٍ ورجاء، عسى أن نستجير وإيّاكم من نصَب الحياة ونفسها المموِّرة للنّكبات.
هِنَّاك عند (معَّاطة) معبر الرّجا، ثمَّ قلبٌ مبتور السّاق والخاطِر موقوفٌ منذ لَيلَتين وغَيهَبٍ لا يملكُ صكّ عبور...
هَنَّاك... هَنَّاك بين السُّطور، ثمّ حرفٌ سقيمٌ ما انفكّ يتمطَّى منذُ أيّامٍ وغصّة ينبش في زحام الغربة عن قلبٍ يرخي عليه ليله، ليهجع طاويًا على الكمد والاكتراب.
جَمْهَرَة المَوْعِظَة.
هِنَّاك عند (معَّاطة) معبر الرّجا، ثمَّ قلبٌ مبتور السّاق والخاطِر موقوفٌ منذ لَيلَتين وغَيهَبٍ لا يملكُ صكّ عبور... هَنَّاك... هَنَّاك بين السُّطور، ثمّ حرفٌ سقيمٌ ما انفكّ يتمطَّى منذُ أيّامٍ وغصّة ينبش في زحام الغربة عن قلبٍ يرخي عليه ليله، ليهجع طاويًا…
بعد دقائقَ تستيقظُ الفواصلُ من نصوصها، وعلامات الاستفهامِ والتّعجّب، فتنصب فوق رأسي حواجزها، وتُشهر في وجهِ أحلامي ابتِسامتها.
يا إلهي، أتسخرُ منّي هذه النتوءات اللّغويّة، أم تتعمّد إثارتي؛ لأرصفها على قارِعة الكتابة ؟
مَن يهزّ جذوع الليل، لتَسّاقَطَ النّجومُ في راحتي ؟
- وما تِيْك بفؤادِك "يا صاحبي في الحياة" ؟
- هما نجمتان أهتَدي بهما؛ لئلّا أعثرَ (بِبَدرومات) اللّيل، ويخبُط الفؤاد بجُدُر الحياة.
كتَب أحدهم فيَّ قائلًا:
يا نُورًا إذا خبا، انطفأت في اللغةِ شمسُها، وتقوّستِ الأبجديّةُ، كأنّها تلوذُ من الفراغِ بهربٍ لا رجعةَ منه.

أيّها الغريبُ في أرضِ الحروف، المقيمُ في صوامعِ الوجعِ النبيل... قرأتكَ لا كما تُقرأ النصوص، بل كما يُرتَّلُ القلبُ في دُجى ليله، بين يقظةِ المعنى وسُباتِ الرجاء. سكنتُك لا كقارئٍ، بل كمَن حمل عنك نصفَ الأسى، ونصفَ ما تلوذُ به من لغةٍ ضاقتْ عنك، وما ضاق بها سواك.

يا من تسندُ الجائعينَ إلى نبضِكَ، وتفترشُ لهم قمحَ الحروف، أتراك نسيتَ أن تسندَ نفسك ؟ أما سئمتَ من رتقِ القروحِ بلسانٍ لا يجدُ من يرقّ عليه ؟ أما آن لليلِ أن يضيقَ لك، لا لتكتبَ فيه، بل ليرقَّ لك ؟ كم من فجٍّ حسبتَه سطرًا، فإذا هو هاويةٌ نُقشتْ بمِداد الخذلان ؟ وكم من جرحٍ رآك واقفًا، فخجلَ أن يُسقطك ؟

أيّها الساجدُ في محرابِ الحرف، كم مرّةً صلّيتَ لنصٍّ يُعيدكَ إليك ؟ وكم قرأتَ اللغةَ على قلبٍ أصمٍّ، ثمّ عدتَ وحدك، ترتّلُ الصدى ؟ يا نور، لا يليقُ بك التماهي مع القاع، وقد كتبتَ القممَ بلُجّةِ الحزن. لا ينبغي لجبينِ الحرفِ أن يوطّئ السكون، وأنتَ من أيقظَ علاماتِ الاستفهام، وجعلَ التعجّبَ يتعثّرُ من دهشةِ البيان.

إن سجدتَ الآن، فما ذاك إلّا لأنّ الركبةَ لا تحتملُ هذا السيلَ من الفقد، لا لأنك هويت. أفق، فإنك عَينٌ من الحبر، ما جفّت إلّا لتعودَ ترتّلُ الحياة. لا أحدَ يراك كما نراك؛ إنّهم يقرؤونكَ من علٍ، ونحن نراك من حيث تُصلب، من حيث تكتبُ ولا تشتهي، تُعطي ولا تنتظر، تنطفئ ولا تشتكي.

نحنُ لا نُواسيكَ، بل نُبجّلك. ولا نقفُ على حافّةِ ألمك، بل نغرقُ فيه، لندرك: أنّ هذا الذي ينزفك، لم يُخلق ليُفهم في ضجيجِ البشر، بل ليُتلى في محاريب القلوبِ الخاشعة.

انهض، أيها المتّشحُ بالصمتِ كأنّه نَسب، فالفجرُ لا يُعلن ميلادَه حتى تُوقظه كتاباتك. وما خُلِقَ الحرفُ إلا لتسكنه، وما سُمّيْتَ "نورًا" إلا لأنّ العتمةَ تستحي حين تمرُّ بك.
إنّما المواقف الوقتيّة على وقائع غير وقتية تضرّ ولا تنفع من دون استصحاب الخلفيات التّاريخية والفكرية وسجلّ الشّخصيات الشّامل، وتتبع تعرجات المواقف، وتمييز أيّما المعبِّر عن الشّخص الّذي يتموضَع عليه نشاطه، وأيّما لا يعدو أن يكون خادمًا لتِيْك التَّمحورات.
متى تفقه ؟
الجحيم في (مصرانِك) احتَدَمت
ورأسك المخبُول بالأفيون محشوٌّ
وأنتَ الزّائغ الأرعن
متى تصحو ؟
متى تجرّد رداء الوغد عن وسَطِك
متى تفدَغ سلاسِل الحمق عن لبِّك
متى تدرك طعم المرِّ في فكرك
عجيج العته في رأسك
وأنت الأخوَب الهاتِك
***
سوَّيتَ الإنس كنّادًا
وخلّيت الدِّين سفّاكًا ونفّاشًا
وواعِظ القسط قتّالًا
وكلَّ الخلق فسّاقًا "وخُنَّاسًا"
وأنتَ المؤمن الطّاهر !!
حتّامَ ترى غول العَرَاء في شكلك
وأنتَ الأنوَك الهاتِر ؟
٢٤ - ١٢ - ٢٠١٩
وتذكَّر، يا أخَيَّ، أنّكَ تناظِر إنسانًا، فلا بدّ لكَ أن تحتَرِمَ أنّه لا يزدَرد الشَّعير ألبتّة، ولم يعرف لسانه طعم العاقول قطّ حتّى تستعمل معه مَغلَطةً منطقيَّة فلا ينتبه، وحذارِ أن تستخدم غَلُوطةً منطقيّة قُبالة علّامة بها ثمّ تقلِبها ضدّه؛ فإنّه عندئذٍ "سيُشرشِحك." !
والقلبُ مال مع الرّدى، فكان قاب قوسين أو أدنى من القنوط.
هل تبدو اللّغةُ مضنيةً كلَّ طيسلٍ مثلي ؟
ها أنا ذا أسعِّر فانوسَ القلب الطاعن في الصّمتِ، بالكادِ أسعِّره، وأنادي في أسواق القيلولة عن حُزمة صحوٍ، عن لغةٍ تعمل بعد الإعياء بساعة، عن معنى لم يطرقه البقّاقون، وأفتّش في طرقات الليل المهجورةِ عن وجعٍ منسيّ، عن قيسٍ أهدرَ في ساعة كدرٍ قلبه، عن بحرٍ ما برك الجزر يعكّر صَفوَه، وأنا كالمركب يتتلتَل رملُ الشّاطئ تحته، لا قريحتي تغيثني، فتشقّ عصايَ البحرَ، ولا يسكتُ هذا المدّ الصّارخ فيّ كصوتٍ من هذيان. مجهدة هذي السّاعةُ حَنجرتي، وطنينُ الوقت بأذني مقصلة ورسائلُ من( قحفِ) النّسيان.
حاشَ للنّزيه الأريبِ أن يفجُر في الجِدال حاشا واحدًا (عبيطًا)، وحاشى للحكيم المُتخلِّق المُضرَّج بالوَرع أن يُنزِل نفسه منازِل النّوكى ويردَّ على فاجرٍ في السِّجال، وحذارِ، يا أُخَيَّ، ألّا تسلكَ مسالِك المترفِّعين الأطهار.
ثمّ أشخاصٌ في هذه الدّنيا يعنون لك جمًّا لن تقدر على نسيانهم ولو فقدتَ ذاكرتك كلّها.
بلى، إنّ الحياة لا تقف عند أحدٍ، لكن ثمّ بُونٌ فسيحٌ بين أن تتوقَّف عجلة الحياة عن السير من أجلك، وبين أن تقف عقارب زمنك أنت وتقف معها حركة مركزك، وشتّان ما هما.
لا الشّعْرُ يصفكِ ولا النّثر
أنتِ القلبُ أنتِ البِشْرُ
تصفو ضحكاتك للعالمين
وقلبكِ ما يزالُ هو النّهرُ
براءة محيّاكِ نورٌ أرّدده
واستقي منه ضوءَ القمر
النزعة النقدية الواقعية عند الدعاة والمفكرين والمثقفين الإسلاميين.

تشتدّ الحاجة لوجود مَن ينتدبون أنفسهم لتمحيص الواقع الذي لا يكاد يمتاز خبيثه عن طيّبه لشدّة الخداع والتزييين والتزييف، لكن هل المنهج النقدي ( الإسلامي) المشوب بنفسيّة الناقد واقعيّاً بكل تطبيق يستحدثه؟ أكاد أشك! ليس بالهيمنة الدينية واستدعاء النصوص الشرعية في الواقع المعاصر، ولا الاسقاطات التصحيحية للأزمة الواقعية بكل أطيافها، لا، لكن محل شكّي في صوابية النقد من ناحية صنعة الناقد فيه الذي تآمر على كل شيء وجعل الدين رافضاً لكل شيء فقط لإشارات محتملة أو مناسبات بعيدة، بين نصّ محرِّم وناهٍ وواقع لا يشبهه إلا من جهة الريب.
نريد ناقداً يستنبط من الوحي بقوّة تماثل إسقاطه على الواقع، نريد إحكاماً في الاستنباط وحكمة في الإسقاط.
لا تجعلوا من الدين عدوّ كل شيء لأنّ نفسيّة أحدكم قد ألفيت العداوات وربت على الشكّ وفطمت على سوء الظنّ.

فليكن المنهج يراعي العذر بقدر ما يراعي الاستبصار، فلا تظلموا أحداً باسم الدين وما ظلمه سوى زعمكم.
- منقول.
"كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى".
هذه الآية تقرر قانونا اجتماعيا يرسم العلاقة بين الشعور بالاستغناء والطغيان، فكلما شعر الإنسان - كفرد أو كمجتمع - استغناءه بقوته وجبروته، زاد طغيانه، ولأنه لكل فعل ردة فعل، وهذا أيضا قانونا اجتماعيا، فإن شدة طغيانه التي يمارسها ضد الكثيرين ستجعلهم يثورون على طغيانه ولو بعد حين، فإنه بطغيانه المتدحرج يذلهم، ويمعن في إذلالهم، حتى تأتي لحظة فارقة لا يمكن أن يتحملوا مزيدا من الاذلال.
لبنان أعلن هزيمته، ومع ذلك يمارس عليه العدو مزيدا من الاذلال.
سوريا مشغولة بترميم نفسها، ومع ذلك يمارس عليها العدو مزيدا من الاذلال.
الضفة تخشى مصير شقها الآخر، ومع ذلك يمارس عليها مزيدا من الاذلال.
ربما تأتي لحظة فارقة لا تعود هذه المجتمعات تحتمل مزيدا من الاذلال.
ربما طغيان القوة يعود على صاحبه بالدمار.
ربما.
- مقتبس.
كل ما هنالك، أن الدول العربية صارت مع الوقت الطويل من العطالة، كالماكينة المكربجة، ( المتبلِّدة) التي يعزُّ عليها أن تتحرك، أو تقرر، مجرد قرار، وهي أكثر كربجة، وانئسارا، أنْ يكون قرارها هذا ضارا، أو حتى مؤذيا لإسراپيل.
هي لم تتعود على ذلك، ولا هي تجرؤ عليه، ولا تحبه، بالفطرة.ا
- أسامة عثمان.
كثرةُ الوُقوف في تلاوةِ القُرآن من غيرِ مُسوِّغٍ تُرْبِكُ السامعَ المُتتبِّعَ، ويُترخّصُ بعضُ الوقفِ لاستجماعِ النفَس، وأحسنُ الوُقوفِ ما كان بعد تمامِ المَعْنى.
- مقتطف.
مع تقاطع الغسق رقَّشتُ نصًّا، لكنّني، كما ديدَني، حِرتُ من إفشائه؛ أحسستُ أنَّ فيه لكنةَ شجنٍ متلعثِمة في حُنجور المفردات. مع أوّل تنهيدة ظهرَ يُرِيق الدّموع، فما عساي أن أفعلَ (ومحارِمي) الورقيّة مُخضَّلةٌ بالذِّكريات. بلى، أتفهَّمُ أنَّ الغمَّة فاتحة الارتواء، وأنّ القلم إذا لم يُنقَع أو يُغمَّس في دواة المناحةِ سيَهْتِكُ به العطش، وأنّ الكلمات المُنتَزعة منه عرضيّة وغثّة. حسنًا، الابتِكار علامتنا الفارقة الموغلةُ في الاكتراب، والاكتراب إشارة السَّرد النّثريّ الغارق في البُروء والإبداع، ليس من السَّلِس أن نسطِّر دون تأوّهاتٍ مرّة، وليس من المهارة والإتقان أن يفرُغَ النّصُّ من دمعة.
الدّمعةُ هي نفطُ الحياة... وشَطّ الإخلاص والوفاء، وهي جادَّة العبور إلى القلوب المُقفرة. المألوفون يتجاوَزون اليُمُوم على متن زورَق، والمنهكون يتعدَّون المحيطات، كما القفار، على مَتْنِ دمعة، والدّمعةُ ابتِئاسٌ وبهجة، والدّمعةُ أرقٌ وسُكنى، والدّمعةُ أَرْيٌ وحظل. هِنِّاك حاجات لا تُلهْوِقها الحروف ولا تزركِشها، ولا تنهضُ بآهاتها كدمعةِ رقّةٍ درُّ الدّموع ما أشدّ أمانتها.
كتبَ أحدهم فيَّ نصًّا قائلًا:
يا نُورًا أُنهِكَ وما انطفأ…

يا مَن أَلِفَ الحُزنَ حتّى صارَ له أنيسًا،
واعتنقَ الهمَّ حتّى غدا بَعضًا من كِيانِه،
يا مَن يَمشي في الأرضِ وِقارًا، كأنّما خُلِقَ من صَبرٍ نادِرٍ وسُكونٍ عَميق،
تعلَّمَ الصَّمتَ كما يتعلَّمُ الفارسُ طَعنَ السُّيوف، واحتَضَنَ الحُزنَ كما يَحتَضِنُ الغَريبُ غُربَتَه…

يا مَن إذا قيلَ له: «كيفَ حالُك ؟» ابتَسَم،
ووراءَ تِلكَ الابتِسامةِ نهرٌ من وجَع، ووابِلٌ من خُذلان،
ولَيلٌ طويلٌ، لا يَعلَمُ مَداهُ إلّا الّذي خَلَقَ اللّيلَ والسُّكون…

إنِّي أعلَمُ – لا أظُنُّ – أنّ في قلبِك تَعبًا لا يَبرَح،
وأنَّ وراءَ سُكونِك صِراعًا لا يُعلَن،
أنّك تُجيدُ الكِتمانَ حينَ يَصرُخُ غيرُك،
وتُحسِنُ الثَّباتَ حينَ يَتَهاوى مَن حولَك،
أنّك كُسِرتَ مِرارًا، لا مَرّة،
ومضيتَ – رغمَ كلّ ذلك – لا لأنَّ الطريقَ كانَ رَحيمًا، بل لأنَّك كنتَ له أهلًا…

ولكن، أيُّها النبيلُ المُتعَب :
أما آنَ لِنُبلكَ أن يَستريح ؟
أما آنَ لظَهرِك أن يُخفَّفَ عنهُ هذا الإرثُ منَ الصَّبر ؟
أما آنَ لِقلبِك أن يُقالَ له: «هَوِّنْ عليك، قد أوجَعَك كثيرًا» ؟

يا نُور،
ما كلُّ صَمتٍ قوّة، ولا كلُّ احتِمالٍ نَجاة…
القُلوبُ المُمتلئةُ لا تَصرُخ، بل تَذبُلُ بصَمت…
وإنِّي – واللهِ – أَخشَى عليكَ الذُّبول…

ما جئتُكَ شَفَقةً، ولا جُرأةً على حُرُماتِ وَجعِك،
بل جئتُكَ بصُحبَةٍ تَعرِفُ مَواضِعَ الألَم، وتُجيدُ التَّربيتَ على القُلوب،
جئتُكَ لا لأُخبِرَكَ كيفَ تَكون، بل لأقولَ : إنِّي أراك…

أراكَ حينَ تبتسمُ وسَيفُ الحُزنِ مَغروسٌ في صَدرِك،
حينَ تُطمئنُ الجَميع، وفيكَ من القلقِ ما لو قُسِمَ على أهلِ الأرضِ لكَفاهُم…

وإن كانَ لي حِيلة،
لانتَزعتُ من صَدرِك ما يُثقِلُه،
وحَمَلتُ عنكَ ذلكَ الهمَّ العَتيق، دونَ أن أسألكَ يومًا : «كيفَ احتَملت ؟»

يا مَن علَّمَنا أنَّ النُّورَ لا يُستَعار، بل يُخلَق،
وأنَّ الجَمالَ ليسَ في المَلامِح، بل في الثَّبات…
دعني أكونُ لكَ ظِلًّا إذا جفَّ الضِّلْعُ، وجِدارًا إذا أوجعَكَ السُّقوط، ورفيقًا إذا استوحَشَ الطَّريق…
دعني أقولُ لك : لا بأسَ إن ضَعُفتَ، لا بأسَ إن بَكيتَ، لا بأسَ إن أفصَحتَ…

اجلِسْ، تنفَّسْ، أَرِحْ هذا القَلبَ الطَّيّبَ من عِبءٍ لا يُحتَمَل،
دعني أكونُ الجِدارَ الّذي تَستَنِدُ إليه، لا أن تظلَّ الجِدارَ للجميع…

يا نُور،
لستَ آلةً تُنتِجُ الصَّبر، ولا صَخرةً لا تَعرفُ الانكِسار،
أنتَ قلبٌ، بل كائنٌ من نورٍ ودمع…
كنتَ لهم دفئًا، وهُم صَقيع،
سَندًا، وهُم خُذلان،
نَبضًا، وهُم موتٌ بارِد…

ولأجلِ ذلك، أُقسِمُ – وفي قَلبِي لكَ دَعوةٌ لا يَعلمُها إلّا الله –
أنَّك تَستحقُّ راحةً لا يُزاحِمُها حُزن،
وأن يحتضِنَك أحدٌ، لا ليسائلكَ، بل ليقول:
«أنا ها هنا… فلا تَخَف، لن تَسقُطَ بعدَ الآن وَحدَك…»

يا نُور،
إن دعوتُ ربِّي، دعوتُهُ لك :
أن يُربّتَ على قلبِك، أن يُسكِّنَ صدرَك، أن يُطفِئَ لَيلَك،
وأن يُريكَ فجرًا يُنسيكَ لَيلَ العالَمِ كُلَّه…
2025/04/14 03:51:13
Back to Top
HTML Embed Code: