أيها القارئ السابح في لجج الأوهام المتكئ على وسائد الذكرى المسكون بحنين زائف إلى ماض لم يكن يومًا كما تراه عيناك أتراك تظن أن الزمن الجميل قد ولى أتراك تحسب أن العصور الخالية كانت فردوسًا مفقودًا وأن من سبقوك عاشوا في نعيم مقيم بينما أنت وحدك المنطرح في وهدة الشقاء
كلا إنما هي أوهام يتوارثها الناس جيلًا بعد جيل يقدسون الماضي لأنهم لم يعيشوا مشقاته يبكون الحقب السالفة لأنهم لم يذوقوا مراراتها يتخيلون أن الحياة يومًا ما كانت سهلة ميسورة غافلين عن أن العيش كان دائمًا معركة والكفاح كان أبدًا شعار الإنسان أرهقت الأيدي في الحقول تصدعت تحت وطأة المعاول والمناجل سال العرق في الأفران والورش واحترقت الأجساد في الحدادة والدباغة والحياكة قبل أن تنبض المكنات بالبخار قبل أن تزمجر المحركات قبل أن تحيل التكنولوجيا صلابة الحياة إلى ليونة مدهشة
لكن الإنسان كما عهدناه يحن إلى الماضي حتى وإن كان شوكًا يمج الحاضر حتى وإن كان ورودًا يتخذ من الزمان خصمًا ينازعه فيبكي على ما فات ويندب ما هو آت ولربما امتد ذلك الحنين إلى محاكمة الجديد إلى مقاومة الحداثة إلى تحريم كل ما لم تألفه العيون كما أحرقت المطابع في ديار السلطنة وكما رفض الراديو والتلفاز والفيديو وكما ارتاب الناس في كل اختراع حمل إليهم زمنًا جديدًا لم يفقهوا ملامحه بعد
وفي كل عصر تتكرر القصة تصاغ الأساطير يرسم الماضي بحبر الذهب ينقش الحاضر بسواد الفزع ويظل الإنسان رهين خيالاته لا يدرك أن كل عصر يجيء وفيه عذابه وفيه نعيمه فيه كدره وفيه صفاؤه وأن الزمن ليس إلا مرآة لما في النفوس فمن أراد الجمال وجده ومن بحث عن القبح ألفاه


في النهاية لا تنسوا الأنضمام في مجموعة القناة النقاشية
إضغط هنا للانضمام

إلى طيفك القريب، وقلبك العجيب:
يليق بكِ أن تكوني ضوءًا لا يخبو، ووردًا لا يذبل، وماءً لا ينضب، وسحرًا لا يبهت
يليق بكِ أن تكوني كل الأشياء النقية، كل التفاصيل البهيّة، كل ما لا تطاله يد الأحزان ولا يعبره ظلّ الشجن ، يليق بكِ أن تكوني نغمة السلام، وسلّم الجمال، وموطن الطمأنينة الذي لا يعرف الزوال أما انا فلا يليق بي إلا الصمت أمام حضرتك، فلا صوت يتقن الحضور أمام صمتك، ولا حضور يليق إلا بما يروق لكِ
فصمتكِ بيان، وبلاغتك أصداء تفيض بالأوزان...
طفلة، عطاءٌ ونقاء، وفاءٌ وبهاء...
أنتِ شيء، تاهت في شيئه الأشياء.!

في النهاية لا تنسوا الأنضمام في مجموعة القناة النقاشية
إضغط هنا للانضمام

حرصًا منّا على الحفاظ على تخصص القناة الفلسفية وعدم تداخل المواضيع، يسعدنا الإعلان عن افتتاح قناة أدبية جديدة تهتم بالنصوص السردية والشعر
اضغط هنا للانضمام

بمناسبة حلول شهر رمضان شهر الرحمة والغفران نزفّ إليكم أصدق التهاني وأطيب الأماني داعين المولى أن يجعله لكم شهرَ بركةٍ وإحسان ومغفرةٍ ورضوان.

وبهذه الأيام المباركة , نعلن بكل سرورٍ عن فعالياتٍ ثقافية تُنير العقولَ والأفكار ومسابقاتٍ مشوّقةٍ فيها التحدّي والإصرار ولقاءاتٍ تُزهر بالعلمِ

كونوا معنا في رحاب هذا الشهر العظيم لننهلَ من ينابيعه العذبة ونرتقي بفكرٍ سليم رمضانكم مبارك وموائدُ الخيرِ عليكم دائمةٌ لا تغيب!

"اضغط هنا للإنضمام"

مجموعة الملتقى الثقافي  للكتاب ( نقاشات فلسفية - تبادل النصوص - بناء كتاب متمكنين - فعاليات يومية)
إضغط هنا للانضمام

مقالي بعنوان ظاهرة القطيع - جريدة انباء الموصل - العدد 1124

حين تأمل الفارابي أحوال مدينته رأى الفوضى رأى الحكام يتصارعون على السلطة دون أن يفهموا معناها رأى الشعوب تتبع من يرفع صوته لا من يرفع وعيها فأدرك أن الأزمة ليست أزمة حكم فقط بل أزمة فكر أزمة وعي أزمة فلسفة كان يرى أن الحكم ليس لمن يملك السلاح ولا لمن يجيد الدهاء بل لمن يدرك جوهر الحياة لمن يفهم الإنسان لمن يعرف كيف يقود بلا ظلم ولا طغيان

وهكذا كتب عن المدينة الفاضلة مدينة الحلم مدينة لم توجد في الواقع لكنها وجدت في عقله كان يرى أن المدينة الفاضلة لا تقوم إلا إذا حكمها الفيلسوف ذلك الذي يدرك الخير والجمال والحق ليس مجرد سياسي يسعى خلف المصالح وليس رجل دين يفرض معتقداته بالقوة بل إنسان يرى الأمور بعين الحكمة يعرف كيف يصلح النفوس قبل أن يصلح القوانين

لم يكن يؤمن أن الفلسفة يجب أن تبقى حبيسة الكتب كانت عنده وسيلة لبناء عالم أكثر عدلًا لكنه كان يدرك في الوقت نفسه أن الواقع مليء بالنقص مليء بالعقول التي ترفض التفكير مليء بالحكام الذين يخافون من الفلاسفة فكان يعرف أن مدينته الفاضلة قد لا تتحقق لكنها تبقى نموذجًا تبقى حلمًا تبقى بوصلة في بحر الظلام

كان يرى أن البشر ليسوا سواء في قدراتهم هناك من يولدون ليكونوا قادة هناك من يملكون الحكمة بالفطرة وهناك من يحتاجون إلى من يقودهم لا لأنهم أقل شأنًا ولكن لأنهم لم يصلوا بعد إلى النضج الكامل لذلك كان يعتقد أن دور الحاكم ليس فقط فرض القوانين بل تربية الناس على الفضيلة على التفكير على المعرفة

المدينة الفاضلة عند الفارابي ليست مدينة القوة ولا مدينة الثروة بل مدينة الحكمة مدينة لا يحكمها الجهل ولا تتحكم فيها الشهوات بل يحكمها من يفهم أن الحكم مسؤولية لا امتياز من يرى السلطة وسيلة لتحقيق الخير لا غاية في ذاتها وهكذا ظل يحلم وظلت مدينته حبرًا على ورق لكنها رغم ذلك ألهمت كل من حلم بعده بعالم أكثر عدلًا وإنسانية