IMAM_ATHRI Telegram 8584
فقه الصيام

(47) تابع الكلام على المُفسِدُ السادسُ من مُفسِداتِ الصيامِ: [[وهو الحِجَامةُ]]:
ذَكَرتُ في الدرس الماضي أنَّ الحِجَامةَ في نهارِ رمضانَ من مُفسِداتِ الصيامِ.
وذَكَرتُ الأدلةَ على ذلكَ.

وفي هذا الدرس أَذكُرُ لإخواني من طلبةِ العلمِ: أنَّ هناكَ جَمْعًا من أهلِ العلمِ ذهبوا إلى القولِ بأنَّ الحِجَامةَ في نهارِ رمضانَ ليست من المُفطِّراتِ، وأنَّه لا حَرَج على مَن احتَجَمَ نهارًا، وهو صائمٌ.

وأقول: نعم، هذا صحيحٌ، 👈فقد ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى القولِ بأنَّ مَن احتَجَمَ أثناءَ النهارِ، وهو صائمٌ، لم يَفسُدْ صومُهُ.

وأقوى ما استدلوا به: ما في «الصحيحين»، من حديثِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما أنَّه قال: احْتَجَمَ رسولُ اللهِ ﷺ وهو مُحرِمٌ.
وفي رواية للبخاري: أنَّ النبيَّ ﷺ احْتَجَمَ وهو مُحْرِمٌ، واحْتَجَمَ وهو صائمٌ.
وفي رواية: احْتَجَمَ النبيُّ ﷺ وهو صائمٌ.

👈والواقعُ أنَّه ليس في هذا الحديث دلالةٌ على جوازِ الحِجَامةِ للصائمِ.
ويُجابُ على الاستدلالِ بهِ من وجهين:

👈الوجه الأول: أنَّ استدلالَكُم هذا، إنَّما هو استدلالٌ بحديثٍ فِعْليِّ محتَمِلٍ، وما استَدلَلْنَا بهِ حديثٌ قوليٌّ صريحٌ، وإذا تعارَضَ القولُ مع الفعلِ، قُدِّمَ القولُ.

👈الوجه الثاني: أنَّه مع كونِهِ حديثًا فعليًّا، إلا أنَّه قد تَوَارَدَتْ عليه عدَّةُ احتمالاتٍ متساويةٍ في القوةِ، تَمنَعُ من صحةِ الاحتجاجِ بهِ، وبيانُ ذلكَ كالتالي:

[[الاحتمال الأول]]: أنَّه احتَجَمَ وهو صائمٌ، فأَفطَرَ لذلكَ؛ إذْ ليس في الحديثِ ما يفيدُ أنَّ النبيَّ ﷺ استَمَرَّ صائمًا.

[[فإن قيل]]: إنَّ مفهومَهُ يدلُّ على أنَّ النبيَّ ﷺ استَمَرَّ صائمًا؟
فيقال: إنْ سُلِّم بهذا المفهومِ؛ فهو معارَضٌ بمنطوقٍ، والمنطوقُ –وهو: «أَفطَرَ الحاجمُ والمَحجُومُ»- أقوى.

[[الاحتمال الثاني]]: أنَّ النبيَّ ﷺ كان مريضًا، فاحتَجَمَ، والمريضُ يُباحُ لهُ الفطرُ.

ويؤيِّد ذلك: ما أخرجه البخاري، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: احتَجَمَ النبيُّ ﷺ وهو مُحرِمٌ، من وَجَعٍ كان بهِ، بماءٍ يقالُ لهُ: لُحْي جَمَلٍ.

[[الاحتمال الثالث]]: أنَّ النبيَّ ﷺ كان مسافرًا، والمسافرُ يُباحُ لهُ الفطرُ.

وإذا نَظَرنَا إلى هذه الاحتمالاتِ الواردةِ على هذا الحديثِ، والمتساويةِ في القوةِ، تبيَّن لنا 👈عدمُ صحةِ الاحتجاجِ بهِ على أنَّ الحِجَامةَ لا تُفطِّرُ.


[[فإن قيل]]: قد روي عن أنسٍ رضي الله عنه قيل لهُ: أكنتُم تَكرَهُونَ الحِجَامةَ للصائمِ على عهدِ النبيِّ ﷺ؟ قال: لا، إلَّا من أجلِ الضَّعفِ. أخرجه البخاري.

فيقال جوابًا على هذا:
هذه الروايةُ عن أنسٍ رضي الله عنه تحتاجُ إلى تأمُّلٍ، بمعنى: أنَّ أنسًا رضي الله عنه يَرَى جوازَ الحِجَامةِ للصائمِ لِمَنْ لا تُضعِفُهُ.
ومفهومُ كلامِهِ: أنَّها إذا كانت تُضعِفُكَ فلا تَحتَجِمْ.

👈وبهذا التقريرِ: لا يَصحُّ القولُ بأنَّ أنسًا يَرَى جوازَ الحِجَامةِ للصائمِ،
وإنَّما يقال: [[إنَّه يَرَى جوازَهَا في حالٍ دونَ حالِ]].
👈وآمُلُ أنْ تتأمَّلَ هذا التقريرَ يا طالبَ العلمِ.

👈الوجه الثاني: أنَّ القولَ بأنَّ الحِجَامةَ إنَّما نُهِيَ عنها لأجلِ الضَّعفِ، يَرِدُ عليهِ: أنَّ قليلَ القَيءِ يُفطِّرُ، وقليلُ القَيءِ لا يُضعِفُ البَدَنَ، ومع ذلكَ جَعَلَتْهُ الشريعةُ من المُفطِّراتِ.

الوجه الثالث: أنَّ أنسًا رضي الله عنه قد خالَفَهُ غيرُهُ من الصحابةِ الذين يَرَونَ أنَّ الحِجَامةَ مُفطِّرةٌ، وقد ذكرتهم في المنشور السابق
[[والقاعدة الأصولية]]: 👈أنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم إذا اختَلَفوا على قولينِ، أَخَذنَا الأشبَهَ بالدليلِ، والدليلُ هنا مع مَن جَعَلَ الحِجَامةَ مُفطِّرةً.

بعد ذلك يقال: 👈الأولى بالصائمِ تأخيرُ الحِجَامةِ إلى الليلِ، خُرُوجًا من الخلافِ، إلَّا إذا احتَاجَ إليها، ولم يُمكِنْهُ الانتظارُ لِمَا بعدَ غروبِ الشمسِ، فحينئذٍ يَحتَجِمُ، ويُفطِرُ، ويقضي هذا اليومَ.

كتبه/ إمام بن علي الأثري



tgoop.com/imam_athri/8584
Create:
Last Update:

فقه الصيام

(47) تابع الكلام على المُفسِدُ السادسُ من مُفسِداتِ الصيامِ: [[وهو الحِجَامةُ]]:
ذَكَرتُ في الدرس الماضي أنَّ الحِجَامةَ في نهارِ رمضانَ من مُفسِداتِ الصيامِ.
وذَكَرتُ الأدلةَ على ذلكَ.

وفي هذا الدرس أَذكُرُ لإخواني من طلبةِ العلمِ: أنَّ هناكَ جَمْعًا من أهلِ العلمِ ذهبوا إلى القولِ بأنَّ الحِجَامةَ في نهارِ رمضانَ ليست من المُفطِّراتِ، وأنَّه لا حَرَج على مَن احتَجَمَ نهارًا، وهو صائمٌ.

وأقول: نعم، هذا صحيحٌ، 👈فقد ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى القولِ بأنَّ مَن احتَجَمَ أثناءَ النهارِ، وهو صائمٌ، لم يَفسُدْ صومُهُ.

وأقوى ما استدلوا به: ما في «الصحيحين»، من حديثِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما أنَّه قال: احْتَجَمَ رسولُ اللهِ ﷺ وهو مُحرِمٌ.
وفي رواية للبخاري: أنَّ النبيَّ ﷺ احْتَجَمَ وهو مُحْرِمٌ، واحْتَجَمَ وهو صائمٌ.
وفي رواية: احْتَجَمَ النبيُّ ﷺ وهو صائمٌ.

👈والواقعُ أنَّه ليس في هذا الحديث دلالةٌ على جوازِ الحِجَامةِ للصائمِ.
ويُجابُ على الاستدلالِ بهِ من وجهين:

👈الوجه الأول: أنَّ استدلالَكُم هذا، إنَّما هو استدلالٌ بحديثٍ فِعْليِّ محتَمِلٍ، وما استَدلَلْنَا بهِ حديثٌ قوليٌّ صريحٌ، وإذا تعارَضَ القولُ مع الفعلِ، قُدِّمَ القولُ.

👈الوجه الثاني: أنَّه مع كونِهِ حديثًا فعليًّا، إلا أنَّه قد تَوَارَدَتْ عليه عدَّةُ احتمالاتٍ متساويةٍ في القوةِ، تَمنَعُ من صحةِ الاحتجاجِ بهِ، وبيانُ ذلكَ كالتالي:

[[الاحتمال الأول]]: أنَّه احتَجَمَ وهو صائمٌ، فأَفطَرَ لذلكَ؛ إذْ ليس في الحديثِ ما يفيدُ أنَّ النبيَّ ﷺ استَمَرَّ صائمًا.

[[فإن قيل]]: إنَّ مفهومَهُ يدلُّ على أنَّ النبيَّ ﷺ استَمَرَّ صائمًا؟
فيقال: إنْ سُلِّم بهذا المفهومِ؛ فهو معارَضٌ بمنطوقٍ، والمنطوقُ –وهو: «أَفطَرَ الحاجمُ والمَحجُومُ»- أقوى.

[[الاحتمال الثاني]]: أنَّ النبيَّ ﷺ كان مريضًا، فاحتَجَمَ، والمريضُ يُباحُ لهُ الفطرُ.

ويؤيِّد ذلك: ما أخرجه البخاري، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: احتَجَمَ النبيُّ ﷺ وهو مُحرِمٌ، من وَجَعٍ كان بهِ، بماءٍ يقالُ لهُ: لُحْي جَمَلٍ.

[[الاحتمال الثالث]]: أنَّ النبيَّ ﷺ كان مسافرًا، والمسافرُ يُباحُ لهُ الفطرُ.

وإذا نَظَرنَا إلى هذه الاحتمالاتِ الواردةِ على هذا الحديثِ، والمتساويةِ في القوةِ، تبيَّن لنا 👈عدمُ صحةِ الاحتجاجِ بهِ على أنَّ الحِجَامةَ لا تُفطِّرُ.


[[فإن قيل]]: قد روي عن أنسٍ رضي الله عنه قيل لهُ: أكنتُم تَكرَهُونَ الحِجَامةَ للصائمِ على عهدِ النبيِّ ﷺ؟ قال: لا، إلَّا من أجلِ الضَّعفِ. أخرجه البخاري.

فيقال جوابًا على هذا:
هذه الروايةُ عن أنسٍ رضي الله عنه تحتاجُ إلى تأمُّلٍ، بمعنى: أنَّ أنسًا رضي الله عنه يَرَى جوازَ الحِجَامةِ للصائمِ لِمَنْ لا تُضعِفُهُ.
ومفهومُ كلامِهِ: أنَّها إذا كانت تُضعِفُكَ فلا تَحتَجِمْ.

👈وبهذا التقريرِ: لا يَصحُّ القولُ بأنَّ أنسًا يَرَى جوازَ الحِجَامةِ للصائمِ،
وإنَّما يقال: [[إنَّه يَرَى جوازَهَا في حالٍ دونَ حالِ]].
👈وآمُلُ أنْ تتأمَّلَ هذا التقريرَ يا طالبَ العلمِ.

👈الوجه الثاني: أنَّ القولَ بأنَّ الحِجَامةَ إنَّما نُهِيَ عنها لأجلِ الضَّعفِ، يَرِدُ عليهِ: أنَّ قليلَ القَيءِ يُفطِّرُ، وقليلُ القَيءِ لا يُضعِفُ البَدَنَ، ومع ذلكَ جَعَلَتْهُ الشريعةُ من المُفطِّراتِ.

الوجه الثالث: أنَّ أنسًا رضي الله عنه قد خالَفَهُ غيرُهُ من الصحابةِ الذين يَرَونَ أنَّ الحِجَامةَ مُفطِّرةٌ، وقد ذكرتهم في المنشور السابق
[[والقاعدة الأصولية]]: 👈أنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم إذا اختَلَفوا على قولينِ، أَخَذنَا الأشبَهَ بالدليلِ، والدليلُ هنا مع مَن جَعَلَ الحِجَامةَ مُفطِّرةً.

بعد ذلك يقال: 👈الأولى بالصائمِ تأخيرُ الحِجَامةِ إلى الليلِ، خُرُوجًا من الخلافِ، إلَّا إذا احتَاجَ إليها، ولم يُمكِنْهُ الانتظارُ لِمَا بعدَ غروبِ الشمسِ، فحينئذٍ يَحتَجِمُ، ويُفطِرُ، ويقضي هذا اليومَ.

كتبه/ إمام بن علي الأثري

BY قناة إمام بن علي الأثري


Share with your friend now:
tgoop.com/imam_athri/8584

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

More>> Ng, who had pleaded not guilty to all charges, had been detained for more than 20 months. His channel was said to have contained around 120 messages and photos that incited others to vandalise pro-government shops and commit criminal damage targeting police stations. During a meeting with the president of the Supreme Electoral Court (TSE) on June 6, Telegram's Vice President Ilya Perekopsky announced the initiatives. According to the executive, Brazil is the first country in the world where Telegram is introducing the features, which could be expanded to other countries facing threats to democracy through the dissemination of false content. Ng Man-ho, a 27-year-old computer technician, was convicted last month of seven counts of incitement charges after he made use of the 100,000-member Chinese-language channel that he runs and manages to post "seditious messages," which had been shut down since August 2020. Co-founder of NFT renting protocol Rentable World emiliano.eth shared the group Tuesday morning on Twitter, calling out the "degenerate" community, or crypto obsessives that engage in high-risk trading.
from us


Telegram قناة إمام بن علي الأثري
FROM American