Telegram Web
كُلما نظرت بحال عائلتنا لطالما وجدت فيها فراغ كبير لأشخاص كثيرين في القلب وعميقين بالصله، قد غادرونا بدون حولاً لنا ولا قوة تاركين هذا القلب الذي ملأوة حباً وصفاءً وسراجاً وهاجاً لا ولن ينطفئ برحيلهم الهادئ المبكي الحزين، ولطالما تساءلت في نفسي عن سبب توافدهم إلى الآخره مسرعين بأقل الأعمار وأكثرها، فكان الجواب الدائم أنه المكتوب وربً مشتاق للقياهم عاجلا، فكلما زاد حبهم زاد تقربهم لخالقهم رغم المصاب الجلل الذي يجلجل قلوبنا وأفئدتنا فقدنا الوالدين والأخوه والأخوال والعمات والأحباب والأصحاب وما نقول في ذلك إلا إنا إلى الله لراغبون وإليه مسارعين غير مدبرين وإليه اللجوء وعليه التوكل فتوفنا مصلحين وكلنا إليك راجعون
يا الله..
‏شهدنا أنهم قد جاهَدوا صَيفًا وشِتاءً، في عِزِّ الصقيعِ، وتحتَ وهجِ الشمس، في أيامِ الفطرِ، وأيامِ الصيامِ، في الأشهُرِ الحُرُمِ، وغيرِها..
جَاهَدوا فوقَ الأرضِ وتحتها، علی اليابسةِ، وفي البِحار، في وسط الشوارعِ، وبينَ الرُّكام.
إن كانَ منهُم عِشرونَ صَابرونَ؛ فإنهم يغلِبوا مائتَين، وإن كانَ منهُم ألفٌ يغلِبوا ألفَين بإذنِكَ، فمُجاهِدٌ منهُم بمقامِ كتيبةٍ من كتائِبهم..

ورأَينا أنهُم أُخرِجُوا من دِيارهِم، وأُوذُوا في سبيلِكَ، وقَاتَلوا، وقُتِلوا، فما وهَنوا لِما أصَابهُم، وما ضعُفوا، وما استكَانوا، فانصُرهم يا ربَّنا نصرًا عزِيزًا، وافتح لهُم ولنا فتحًا مُبينًا. 💚

لقائله
‏«لا تقتل نفسك بكثرة التفكير، ولا تشغل قلبك بما ليس لك يد فيه، أمر الله نافذٌ لا محالة، مهما بدت لك الطرق عسيرة، والأبواب مغلقة! ليس لك إلا السعي، وما عليك إلا أن تمشي، أما متى تصل، كيفَ، وأين؟ فهذا غيبٌ لا يعلمه إلا الله»
‏الحمدُ لله أنَّ المُسلم يؤجر على كُلِّ شوكة يُشاكها، فكيف بالوجع الذي لا حيلة لهُ به، كيف بحرارة الدمع التي لا يبردها إلا رحمة الله، يُهوِّن كُلّ همومه معرفته بأنهُ مأجور على كُلِّ شيء، اللهُمَّ لا تحرمنا الأجر وأدخِلنا في رحمتك.
﴿قالَ اللَّهُ هذا يَومُ يَنفَعُ الصّادِقينَ صِدقُهُم لَهُم جَنّاتٌ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ﴾ [المائدة: ١١٩]

«﴿قال الله﴾ مبيِّنًا لحال عبادِهِ يوم القيامة ومَن الفائزُ منهم ومَن الهالكُ ومن الشقيُّ ومن السعيدُ: ﴿هذا يومُ ينفعُ الصادقينَ صدقُهم﴾: والصادقونَ هم الذين استقامت أعمالُهم وأقوالُهم ونياتهم على الصراط المستقيم والهَدْي القويم؛ فيوم القيامة يجدون ثَمَرَةَ ذلك الصدق إذا أحلَّهم الله في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ.»

🎙أحمد بن طالب
📔 تفسير السعدي (٢٤٩)
‏لن يشهدَ الجميعُ النّصر
استشهِدَ ياسر وسُميّة قبل الهجرة
واستُشهِدَ حمزة ومصعب قبل الفتح
ثمّة دمٌ يجب أن يُعبّدَ الطريق
نحن مسؤولون عن السّعي لا عن النتائج
عن المسير لا عن الوصول
عن القتال لا عن النصر
أمّا النّصرُ فهو وعد الله آتٍ لا محالة
وكل من مات على الطريق فاز ولو لم يصِل 💚
‏عن الذين لا يعرفُهُم عُمَر!

جاءَ السَّائبُ بن الأقرع إلى عمر بن الخطاب يُبشِّره بالنَّصرِ في معركة نهاوند!
فقالَ له عُمر: النُّعمانُ أرسلكَ؟
وكان النُّعمان بن مُقْرنٍ قائد جيش المسلمين في المعركة!
فقالَ له السَّائبُ: اِحْتَسِبِ النُّعمانَ عند اللهِ يا أمير المؤمنين فقد استشهد!
فقالَ له عمر: ويلكَ، ومن أيضاً؟
فعدَّ السَّائبُ أسماءً من أعيان الناس وأشرافهم، ثمَّ قال: وآخرون من أفناء الناس لا يعرفهم أمير المؤمنين!
فبكى عمر وقال: وما ضرهم ألا يعرفهم عمر ؟! إنَّ الله يعرفهم!

في غزَّة الألوفُ من الذين لا يعرفهم أحدٌ، ولكن يكفيهم أنَّ الله يعرفهم!
مئاتُ الكيلومترات من الأنفاق حفرها الذين لا يعرفهم إلا ربُّ عُمر!
عشراتُ ألوفِ الصَّواريخ صنعها الذين لا يعرفهم إلا ربُّ عُمر!
أطنانٌ من قذائف الياسين اختلطتْ حشواتها المتفجِّرة بعرقِ رجالٍ لا يعرفهم إلا ربُّ عُمر!
ألوفٌ من عبوَّات الشَّواظ صُنعتْ بينما كنتَ تلهو! صنعها رجالٌ لا يعرفهم إلا ربُّ عُمر!
قنَّاصةُ الغول فخرُ الصِّناعة القسَّاميّة صنعها رجالٌ لا يعرفهم إلا ربُّ عُمر!

أنتَ لم تُشاهدْ إلا المشهد الأخير من الحكاية، ولكنَّ ربَّ عُمرَ كان شاهداً على كلِّ شيءٍ!
أنتَ لم ترَ إلا بسالة الالتحام والمواجهة، ولكنَّ ربَّ عُمرَ كان شاهداً على آلاف ساعات التَّدريب!
أنتَ لم ترَ إلا ثباتَ قوَّاتِ النُّخبة، ولكنَّ ربَّ عُمرَ كان شاهداً على سنواتٍ من غرسِ العقيدة والإعداد الفكريِّ والنَّفسيِّ!
أنتَ رأيتَ صمودَ النَّاسِ، ولكنَّ ربَّ عُمر كان شاهداً على عُقودٍ من برامجِ تحويل غزَّة من مدينةٍ إلى مسجد!
أنتَ رأيتَ صفوةَ الحُفَّاظ، وألوفاً يسردون القرآن في جلسةٍ واحدةٍ، ولكنَّ ربَّ عُمر كان شاهداً على الجُهدِ والوقتِ والمالِ الذي بُذِلَ لترى أنتَ هذا المشهد!
أنتَ رأيتَ الشَّهيدَ السَّاجد، إنَّ للهِ عِباداً شاءَ أن يُظهرهم، وله عِبادٌ شاءَ أن يُخفيهم، ألوفٌ لم يوثِّقْ أحدٌ لحظة استشهادهم، لم يُسجِّلْ أحدٌ آخر أصواتهم وهم يقولون: اللهُمَّ خُذْ من دمنا حتى ترضى! ولكن يكفي أنَّ ربَّ عُمر رأى وسَمِعَ!
شبابُ كمين الزَّنةِ أنتَ لم ترَ إلا أياديهم، ولكنَّ ربَّ عُمر يعرفهم، ومعهم مئاتٌ من أبطال الكمائن الأخرى، غادرنا أبطالها خِفافاً دون أن تُسلَّطَ عليهم الأضواء، ودون أن يأخذوا نصيبهم من التَّصفيق، هكذا هي بعض البطولات قدرها أن تبقى خبيئةً إلى أن يُظهرَ ربُّ عُمر أصحابها على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، يُبعثون بجراحهم، اللون لون الورد، والرِّيح ريح المسك!

يُحدِّثنا الإمام الذَّهبيُّ في كتابه تاريخ الإسلامِ بفخرٍ أنَّه كان في جيشِ هارون الرَّشيد عشرونَ ألفَ مجاهدٍ لا يكتبون أسماءهم في ديوان الجُند، ولا يأخذون مرتَّباتهم، كي لا يعلمهم أحدٌ إلا الله!
للهِ غزَّة، وللهِ قسَّامُها، واللهِ إنَّ بعضهم كانوا يحفرون طوال الليلِ، فإذا أذَّنَ الفجر، خرجوا بغبارهم إلى المساجد، ثم عادوا إلى بيوتهم، فناموا ساعتين، ثم استيقظوا وذهبوا إلى جامعاتهم ووظائفهم!
أنتَ لا تعرفهم، ولكنَّ ربَّ عُمر يعرفهم!

أدهم شرقاوي / مدونة العرب
‏"ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها"
عندما تكون ضعيفاً تقول يا "قوي"، وعندما تكون مظلوماً تقول يا "جبار"، وعندما تكون مريضاً تقول يا "شافي"، وعندما تكون فقيراً تقول يا "رزاق"..
وهكذا في كل منقلب لك تجد من أسماء الله ما تناجي به ربك، وترتب به حياتك"
يأسرني، ويأخذ بلبّي تصور حال ذلك الرجل عزيز النفس، المستغني بكرامته عن الناس، حين يخلو فيرفع يد الحاجة والتذلل لربه!
حين يمدها ويبكي بين يديه ملحّا بمسألته، متملقا بأنواع المديح لسيده ومولاه..
ولله ما أعذب كلمة "ارحمني" من شفتيه التي لم تنطق بها لأحدٍ سواه!
من تأمل خطاب الوحي، وجد أن من مركزياته الكبرى: بيان أن الله ذو فضل على الناس.
ثم جذب النفوس من مختلف دواعيها نحو شكره.

وإن كان العلماء قد جعلوا نصف الدين صبرا، ونصفه شكرا، فالصبر -باعتبارٍ ما- نوعٌ من الشكر، فعاد الدين بأكمله إلى الشكر، ولو كان "للمسلم" اسمٌ آخر لم يبعد أن يكون "الشاكر"، فإنما هو قسيمٌ للكافر، وقد قرنت بينهما النصوص.

وركن الشكر الأكبر: (ملاحظة النعمة، وتذكر المنعم بها، ونسبتها إليه)، ثم يكون شكر اللسان والجوارح تبعا لذلك.
عندي يقينٌ راسخٌ لا ريب فيه، واعتقادٌ جازمٌ عززته نصوص الوحي، بأن المؤمنين سيرون في الآخرة من المغفرة ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر..

وما جعل الله المغفرة قرينةً للجنة في عشرات المواضع، وثوابا معها، وتجارةً مثلها، ودعا إليهما، وحث على المسارعة والمسابقة إليهما، وأخبر بأنه أعدهما -معًا- لعباده، وجعلهما وعدا -عليه- لهم، إلا ولها يومئذٍ -كما للجنة- شأنٌ وأيّ شأن، وموقفٌ وأيّ موقف، ولصاحبها -حينئذٍ- فرحٌ وأيّ فرح!
كتب الله أن يمرّ طريق الجنة عبر محطات المعاناة والابتلاء، والمصائب والشدائد، وتجاوز حظوظ النفس ومراداتها..
فمن علم ذلك علم أنه لا يبلغ بغير زاد الصبر..
ومن أراد طريقا آخر فقد وجّه وجهه لغير طريق الجنة!
ثبتت امرأة فرعون وهي في بيت أكبر طاغية! وانتكست امرأة نوح وهي في بيت أكبر داعية!

لتعلم أن ضغط الواقع؛ ليس عذرًا للتفلت من التكاليف الشرعية!
"إذا كانت نفحات الفرج في الدنيا تُذهل الإنسان عن ما مرّ بهِ من غمٍ وأكدار، فكيف بغمسةٍ في الجنّة يُنسى بها كلّ التعب، كل الألم، كلّ المشاق، ويمرحُ في بساتين الجنان بلا أدنى نصب"!
ما جئنا لهذه الدنيا، إلا لنقول: "لا إله إلا الله"
ثم نقوم بحقها..
ونرحل!
آمِن روعاتنا..

نحن الذين نُقرّ بضعفنا بين يديك، لنعيش بعده قوة الاعتصام، واخترنا لنكون مُمكّنين في الدرب الذي تحبّه، ووطّن أفئدتنا على الصبر، وعظّم في قلبنا الغايات الشريفة، حتى لا تهزّنا نفخة دنيوية فاسدة!
‏"ادعُ الله ليلاً نهاراً أن يردَّك إليه رداً
جميلاً، فإنه إنْ فعل -وسيفعلُ يقيناً بكرمه- ؛ فسيرُدُّك إليه من حيث لا تشعر، بلا ابتلاءٍ ولا مصيبة، إنما بلطفه ؛ فيرُدُّك من غفلتك إليه بآية تسمعُها، أو بحديث تقرؤه، بهذا الدعاء يأبَى الله أن يردَّك إليه بشيء تكرهُه."
قال الفضيل بن عياض _ رحمه الله

"لا تغتروا بالدنيا فإن صحيحها يسقم، وجديده يبلى، ونعيمها يبلى، وشبابها يهرم".
كتبَ عُمر بنْ عَبد العَزيز إلىٰ عُمر بن عبيد اللّٰه بن عَبد اللّٰه يعزّيه علىٰ إبنِه:
أمّا بَعد، فإنَّا قومٌ منْ أهلِ الآخِرة أُسكنَّا الدُّنيا، أموَاتٌ أبنَاء أموَاتٍ ،والعَجبُ لميّتٍ يكتبُ إلىٰ ميّتٍ يعزّيه عن ميّتٍ والسَّلام.
مُحزِنٌ جَهل الإنسان بأنَّهُ مأجور علَى أحزانِ قَلبه، وعلى وِحدَته، وعلى تحمّله للأذَى، وصبره على البَلاء!

مأجور حتّى على ابتسامَته الكاذبة الّتي يَرسمها بين أَهله ليوهمهم بسعادَته لكَيلا يبتئسوا.

مأجور حتَّى على حزنه على فعلِ المَعاصي والإسراف فيها.
محزن أنّه يجهل معيّة الله الّتي تلازِمه في كلّ حالاته!

يا أيّها الحزَين الوَحيد، هلّا علِمتَ سرَّ صَبرك إلَى الآن، برغم انهيارك وبرغم أثقال تحملها في قلبك ولا يبالي بها أحَد؟

إنَّهُ الله مَولاك!

• أحمد يوسف.
2024/11/25 00:14:17
Back to Top
HTML Embed Code: