Telegram Web
مالك من حجج الله على خلقه
- يحيى بن معين -
هناك فرق مؤثّر بين الاستدلال والحجّيّة، فقد تكون دلالة الشّيء صحيحة وليست حجّة، فمثلا: الفطرة دليل صحيح لكن لا حجّة فيه.
الجامعات العربيّة عن بكرة أبيها سوى استثناءات نادرة جدّا لا تتجاوز أصبعين من أصابع اليد ربّما، بكوادرها وطلّابها وشهاداتها، تتلخّص عندي في قصّة واحدة طريفة جدّا:
إحدى الجامعات العربيّة (مش هنقول اسم الدّولة عشان يفضل سر وعشان ما بحبّش حد يتكلّم عن بلدي التّاني ماسر) كانت تدرّس في قسم علم الاجتماع كتاب د. المسيري رحمه الله عن الصّهيونيّة، وتقريبا لأنّه لا يوجد كتاب آخر في الموضوع أصلا في وقته.
د. المسيري نفسه كان يدرّس في نفس الجامعة (اللي مش هنقول اسمها ولا اسم الدّولة بتاعها عشان ما نزعّلش أحبّاءنا في شبين الكوم والسّمبلّاوين) لكن في قسم الأدب والنّقد أو شيء كهذا ...
المهمّ، واحد من العباقرة جدّا .. قال: طب ليه الكتاب ما يدرّسوش كاتبه نفسه اللّي هو المسيري!
الفكرة واضح جدّا إنّها عبقريّة كما ترى وأيّ حد عبقري هيقبلها على طول ..
بس كما هو معلوم ما فيش عبقري إلّا وفيه اللي أعبقر منّو طبعا ..
وهكذا كان قرار الجامعة إنّ هذا الاقتراح مرفوض؟
ليه؟
لأنّ المسيري غير متخصّص وليس معه ضاكتوراااه في العلوم السّياسيّة أو علم الاجتماع فما ينفعش يدرّس الكتاب اللّي هو أساسا كتبه عشان تدريس الكتاب لازم يكون من حد متخصّص!

هذا باختصار هو مفهوم الدّكترة والعلم في الجامعات العربيّة.
وسلامتها أمّو حسن م العين وم الحسد
"وكان حقاً على أئمّة الفقه أن لا يساعدوا على وجود الأحكام التعبديّة في تشريع المعاملات، وأن يوقنوا بأن ما ادُّعي التعبّد فيه إنما هي أحكام قد خفيت عللُها أو دقّت، فإن كثيراً من أحكام المعاملات التي تلقّاها بعض الأئمة تلقّي الأحكام التعبديّة قد عانى المسلمون من جرّائها متاعب جمّة في معاملاتهم، وكانت الأمة في كبد على حين، يقول الله تعالى "وما جعل عليكم في الدّين من حرج".
وعلى الفقيه أن يجيد النّظر في الآثار التي يتراءى منها أحكام خفيت عللها ومقاصدها، ويمحّص أمرها، فإن لم يجد لها محملًا من المقصد الشّرعي نظر في مختلف الروايات؛ لعله أن يظفر بمسلك الوهم الذي دخل على بعض الرواة فأبرز مرويّه في صورة تؤذِن بأن حكمه مسلوب الحكمة والمقصد".

الإمام العلّامة محمّد الطّاهر بن عاشور رحمه الله تعالى وقدّس روحه
أغلب النّاس يسمع ما يفهم، وليس يفهم ما يسمع.

ربّ يسّر وأعن!
"البشر لا يحتاجون إلى أيديولوجيا شرّيرة أو سيّئة لدفعهم لارتكاب سلوك غير إنسانيّ، لأنّ هذه المشاعر تسيطر علينا بسهولة وبدون أيّ أيديولوجيا".اهـ
- كولن ولسون -
التّاريخ الإجرامي للجنس البشري
"الناس كلهم مع مالك وأهل المدينة: إما موافق ؛ وإما منازع.
فالموافق لهم عضد ونصير
والمنازع لهم معظم لهم مبجل لهم عارف بمقدارهم. وما تجد من يستخف بأقوالهم ومذاهبهم إلا من ليس معدودا من أئمة العلم"
ابن تيمية
"من تدبّر أصول الإسلام وقواعد الشّريعة وجد أصول مالك وأهل المدينة أصحّ الأصول والقواعد، وقد ذكر ذلك الشّافعي وأحمد وغيرهما".اهـ
- ابن تيمية -
قال ‏يونس: سمعت الشّافعيّ يقول:
ليس لأحد من خلق الله في إبطال أصول المدنيّين حيلة ولا حجّة.
أكبر جناية على الحياة الجنسيّة الطّبيعيّة:
1- ثقافة السّماع ونصائح الأصدقاء غير ذوي الاختصاص بل والجهلة المتعالمين بل والجهلة المفسدين ( ذبح القطّة وقلب القدرة على فمّها والسّمكة وذيلها ... الخ)
2- العادات والتّقاليد المتكلّسة والّتي بعضها مصادم للشّرع رأسا أو مضيّق لما وسّعه: (ترك الاستحداد وإزالة الشّعر المأمور بإزالته، والتّحرّج من التّعرّي الكامل وترك الضّوء والاستحمام في إناء واحد والجنس الفمويّ والاستمناء بيد الزّوجة والملاعبة وإتقان المقدّمات والتّهيئة ... الخ)
3- كارثة الإباحيّة (وما يتبعها من تصوّرات خطأ: ابتداء من مدّة العمليّة إلى القدرة فيها إلى دوام الانتصاب إلى حصول الذّروة إلى الخصائص البدنيّة وكمّيّة الإفرازات إلى الصّور الكارثيّة المضمّنة حول المرأة عموما ومتعتها خصوصا إلى ما لا حدّ له من البلاوي)
4- اعتبار الجنس شيئا لا يحتاج تعلّما ولا تعليما ويحشرونه في الفطرة، في حين أنّ ما هو مركوز فطريّا هو الغريزة الحيوانيّة لا أكثر، ولذلك تندر في متبنّي هذه الفكرة ممارسة إنسانيّة بل يمارسون كما تمارس الحيوانات.
5- احتقار العمليّة الجنسيّة وهذا قد يكون مرضا يحتاج مراجعة اختصاصيّ نفسيّ أو احتقار الحاجة الجنسيّة وهذا قد يكون جهلا أو تورّعا زائفا ونسكا أعجميّا مخالفا للشّرع، فالجنس شيء نفكّر فيه أغلب الوقت ونادرا ما يمكن لإنسان أن يتّزن نفسيّا من غير إشباع حاجته الجنسيّة بطريقة سليمة صحيحة.
الانحراف المجتمعي.
المقال في أول تعليق
سوسنة:
ـــــــــــــــ
" لقد علّمتني تجارب الحياة أن النّاس تغيظهم المزايا الّتي ننفرد بها ولا تغيظهم النّقائص الّتي تعيبنا, وأنّهم يكرهون منك ما يصغّرهم لا ما يصغّرك, وقد يرضيهم النّقص الذي فيك, لأنّه يكبّرهم في رأي أنفسهم, ولكنّهم يسخطون على مزاياك لأنّها تصغّرهم أو تغطّي على مزاياهم ..
فبعض الذّم على هذا خير من بعض الثّناء ، لا بل الذّم من هذا القبيل أخلص من كل ثناء لأن الثّناء قد يخالطه الرّياء . أمّا هذا الذّمّ فهو ثناء يقتحم الرّياء. " اهـ
- عبّاس محمود العقاد –
نحن لا نفقد الأمل ... لا أحد بفقد الأمل .. لا تصدّق أبدا إنسانا يخبرك أنّه فقد الأمل وهو ما زال على قيد الحياة ..
من فقدوه فعلا سنقرأ إعلانهم هذا فقط في رسالتهم الأخيرة الّتي تركوها قبل الانتحار ..
إنّ أمل الإنسان متجاوز لحياته نفسها وأطول منها دائما .. ولا يقطعه إلّا الموت القاطع!
التّنوير الشّعبوي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التّنوير، العلمانيّة، الدّيمقراطيّة، الحداثة، ما بعد الحداثة، الدّولة الحديثة، الدّولة المركزيّة، العقلانيّة، العقل، علم المنطق، الفلسفة، العلمويّة، العلم التّجريبي، العلم الطّبيعي، العلوم الوضعيّة، التّكنولوجيا، التّطوّر المادّي، المادّيّة، الانحلال الأخلاقي، مفهوم الحرّيّة الغربيّة، إنكار الرّوحانيّات والغيبيّات، القوميّة، الدّولة القطريّة، نظام الوظيفة الحديثة، الاقتصاد الرّبوي والبنوك، التّعليم المختلط بين الذّكور والإناث، النّسويّة، الجندر، الكوير، الطّبّ النّفسي ... الخ

هل ترى هذه جميعا؟ وما لم نذكره منها أكثر ممّا ذكرناه ..
كلّها بلا استثناء، لو فتحت فمك لتنقد أيّ واحدة منها فسيقع تصنيفك مباشرة في خانة الرّجعيّين المتطرّفين الظّلاميّين الجهلة المتخلّفين، فهذه أمور تعامل معاملة الحقائق الكونيّة المستقرّة الّتي يعدّ مجرّد وضعها على الطّاولة كبيرة وكفرا في دين التّنويريّين الجدد.
في حين أنّه يجب عليك أنت المسلم أن تقبل وضع جميع المسلّمات على طاولة النّقد وتقبل نقد الفقهاء والصّحابة والأنبياء والملائكة والوحي والشّرع بل أن تقبل نقد الله ربّ العالمين، وإلّأ فأنت دوغمائيّ متعصّب لا تقبل الفكر ولا الحوار!
على أنّ جميع تلك الأمور الّتي ذكرناها منقودة في الفكر الغربيّ نقدا واسعا شاملا، وليس هو نقدا على الهامش أو على الحاشية بل هو نقد أصليّ للفكرة المركزيّة نفسها الّتي تقوم عليها كلّ واحدة من تلك الأفكار، أي أنّه نقد هدميّ جوهره نقض تلك الفكرة من أصلها لا مجرّد إصلاحها أو نقد بعض جزئيّاتها ..
وهو ليس نقدا من هواة من الصّفّ الثّاني أو الثّالث، بل هو نقد لمفكّرين وفلاسفة كبار من وزن: هايدغر، وماركوز، وهوركهايمر، وبودريار، وبورديو، وهوسرل، وهابرماس، وتايلور، وتورين، وغينون، وبتلر، وباومان، وتويمبي، وأدورنو، وجيمس ديز، وهيوم، ولوك، وبوبر، ودريدا ... وأضرابهم

وهذا النّقد لا أحد في الغرب يصفه بالتّخلّف ولا الرّجعيّة ولا التّطرّف ولا الجهل، وهي تطرح بحرّيّة وتناقش بموضوعيّة، من غير هروب للتّصنيفات الجاهزة المعلّبة والشّخصنة بدل المناظرة العلميّة الباردة الهادئة.

وسبب هذا أنّ التّنويرجيّ الشّعبويّ (الّذي لا يدري حرفا عن هذه النّقود المكتوبة من آلهته في أصنامه الّتي يعبدها) المنسحق تحت قدم الغرب وفكره، الّذي يبني كلامه على مسلّمة أنّ العالم كلّه منبهر بالغرب وحضارته وفكره، أي أنّ خطابه موجّه أصلا لشريحة انقرضت أو تكاد وهي شريحة جيل الأربعينيّات من القرن الماضي، مع مسلّمة أخرى وهي أنّ ما قبل السّوشيال ميديا كما بعدها ..
في حين أنّ جيل ما بعد السّوشيال ميديا مثلا يمكن أن يعرف عن مجتمع أمريكا أكثر ممّا يعرفه عن بلده من غير أن يغادر غرفته.
لكنّ التّنويرجي الشّعبويّ ما زال لا يدري حتّى أنّ إنجازات الغرب (المبهرة!) كما يراها، قائمة على نظريّة النّخبة الإيطاليّة (Elite theory/ Teoria dell'élite) في علم الاجتماع، الّتي وضعت في مفتتح القرن العشرين على أيدي باريتو وموسكا وميشيلز ..
وخلاصتها أنّ تقدّم هذه المجتمعات سببه نخبة لا تتجاوز 5 في المائة، وأمّا باقي المجتمع في دول المركز فهو لا يختلف في شيء موضوعيّا عن دول الأطراف والعالم الثّالث ..
ففي أمريكا والقارّة العجوز توجد نسبة هائلة تؤمن بالأرض المسطّحة والأطباق الطّائرة والعفاريت والسّحر والطّبّ البديل والأرواح الشّرّيرة وجالبات الحظّ والتّنجيم وتحضير الأرواح والنّحس والتّنمية البشريّة والعلاج بالطّاقة والتّنويم المغناطيسي وأخبار نهاية العالم والأرماجيدون (الموضة البروتستانتيّة) نهاية كلّ عام ... الخ
في أمريكا تعيش بلا أيّ مشاكل طائفة الآميش، وهي طائفة مسيحية تجديديّة العماد تابعة للكنيسة المنيونيّة، وهي طائفة تؤمن باعتزال المجتمع والاغتراب عنه، والالتزام الحرفيّ بما جاء في الإنجيل، وعندهم مجلس فتوى يسمّى (أولد أوردر) وهم مجموعة من كبار السّنّ المتديّنين (المشايخ) يدرسون أيّ طارئ (نازلة) ويصدرون فتوى وفقا لما يرونه مطابقا لتعاليم الإنجيل.
هذه الطّائفة تحرّم استخدام الكهرباء، وتحرّم استعمال الهواتف المحمولة والأرضيّة ولذلك تبرّعت الحكومة ببناء أكواخ على طرقات البلدة فيها هواتف أرضيّة ليستعملوها في حالات الضّرورة القصوى، وتحرّم ركوب السّيّارات للرّجال والنّساء إلّا في حالات الضّرورة القصوى وحتّى في هذه الحالات يجوز الرّكوب فقط لا القيادة، ويحرّمون الموسيقى والمعازف كلّها، ويحرّمون التّصوير وحتّى عرائس البنات يوجبون طمس وجوهها، ويحرّمون استعمال النّقود الورقيّة الحكوميّة إلّا في الحالات الطّأرئة، ويحرّمون دخول أطفالهم للمدارس الحكوميّة واستصدروا سنة 1972 قانونا يستثني أطفال الآميش من التّدريس الإجباري، ونساؤهم يلبسن الحجاب ويحرم عليهنّ كشف شعورهنّ أو قصّها كما يحرم على الرّجال قصّ اللّحية، ويحرّمون شرب الكحول، ويحرّمون العلاقات الجنسية خارج إطار الزّواج، بل يعتبرون الانجليزيّة الّتي هي لغة البلد لغة دخيلة عليهم ولا يتكلّمون فيما بينهم إلّا باللّغة الألمانيّة البنسلفانيّة القديمة المستخدمة في وثائقهم الدّينيّة، وكلّ من يخرج عن طريقتهم من الآميش يبدّعونه ويهجرونه ويحرم على جميع الآميش التّعامل معه ويحرم على الزّوجة إذا بدّع زوجها أن تقربه أو تكلّمه ... الخ
أوجه الشّبه هنا في معتقدات الطّائفة وسلوكها واضحة لا تحتاج تعليقا، لكن حاول أن تنظر إلى الفرق بين تعامل الغربيّين أنفسهم معها، وتعامل التّنويرجيّين الّذين عندنا مع السّلفيّين (غير القتاليّين) الّذين هم ولا شكّ أقلّ تطرّفا من هذه الطّائفة وإن شابهوها.
بل انظر إلى نقد بعض المسلمين لذنوب المسلمين كيف يكون أحيانا عنوانه الوحيد، أيّها الغرب نحن لسنا مثلهم، في حين يعمى عن كفر الغرب نفسه، كأنّ الكفر أقلّ من الذّنوب وهو أعظم الذّنوب أن تجعل لله ندّا وهو خلقك جلّ جلاله.
ولا مشكلة عندي أن تنفي عن نفسك التّهمة وتقول لسنا مثلهم، ما دمت واضحا بنفس ذلك القدر في أن تقول ولسنا كذلك أيّها الغرب مثلك.
سهلة والله، لمن كان يعتقدها بالفعل!
وكذا يقع منهم نقد أخطاء الإسلاميّين السّلوكيّة والمعرفيّة ولا تجد لهم حرفا في نقد أخطاء المرجفين والمثبّطين والمنافقين نفاقا صريحا لا شبهة فيه، بل صارت بعض الأسماء والأحكام مثل (النّفاق والزندقة والكفر) محلّ تندّر واستهجان ..
ولابن تيمية رحمه الله في هذا كلمة نفيسة يقول:
"فمن ناقش المؤمنين على الذّنوب، وهو لا يناقش الكفّار والمنافقين على كفرهم ونفاقهم، بل ربّما يمدحهم ويعظّمهم، دلّ على أنّه من أعظم النّاس جهلا وظلما، إن لم ينته به جهله وظلمه إلى الكفر والنّفاق". اهـ

فالمحصّلة أنّ هذا الاستخذاء أمام الغربيّ والعلمانيّ من المسلم الّذي هو على بيّنة من دينه لا يكون بنيّة صالحة أبدا، وإن ظنّ صاحبها أنّ ذلك طريق لاستمالتهم وتقريبهم للحقّ، فإنّ العكس هو دائما ما نراه يقع فيستميلونه هم عن دينه، ولا يرضون إلّا أن يكون مثلهم وإلّا فهو أبدا موصوم.
واعتبروا بحالة كثير من الإسلاميّين في مشروعاتهم الّتي بدؤوها بما يسمّونه تنازلات للضّرورة ثمّ لم تمض سنوات حتّى صارت تلك الممنوعات الّتي ارتكبوها للضّرورة هي الأصل والصّواب والحقّ ومن خالفها صار جاهلا لا يفقه، فلم يكفهم أن يفشلوا في مشروعهم حتّى زادوا لذلك الفشل جريرة وكبيرة تغيير دين الله والزّوال عن المحجّة البيضاء.
وفي هذا يقول العلّامة ابن عاشور رحمه الله تعالى:
فَإنَّ إظْهارَ الهَوادَةِ في أمْرِ الدِّينِ تُطْمِعُ المُشْرِكِينَ في التَّرَقِّي إلى سُؤالِ ما هو أبْعَدُ مَدًى مِمّا سَألُوهُ، فَمَصْلَحَةُ مُلازَمَةِ مَوْقِفِ الحَزْمِ مَعَهم أرْجَحُ مِن مَصْلَحَةِ مُلايَنَتِهِمْ ومُوافَقَتِهِمْ".اهـ

لقد كان رهان الغرب منذ أكثر من مائتي سنة وإلى الآن أن يحوّل تنازلاتنا البراجماتيّة إلى قناعات!
وبمرور الوقت، وتتابع الضّغط الخشن والنّاعم، وتعاقب الأجيال، تحدث تنازلات أخرى براجماتيّة مبنيّة على قناعات صارت ثابتة ومجرّد التّشكيك فيها يلحق صاحبه بالمجانين مع أنّها كانت قبل سنوات فقط اسمها تنازلات براجماتيّة لمصلحة الإسلام والمسلمين!
وهكذا تدور العجلة في بطء .. حتّى تصل لصورة المسلم المتديّن الّذي يعتبر قوس قزح حرّيّة شخصيّة والتّعدّد ظلما للمرأة والتّطبيع مع العدوّ التّاريخيّ سياسة رشيدة ومعيار دخول الجنّة النّار هو نفع النّاس لا تجريد التّوحيد لربّ النّاس والغيبيّات خرافات وأساطير ...
وهذا صدّق أو لا تصدّق هو الإسلاميّ المتديّن!
وأمّا المستنير فتجده أقرب للإلحاد منه للإيمان ..
ولو نظرت لأفكار المستنيرين العلمانيّين منهم قبل سنوات غير بعيدة ستجد أفكارهم المركزيّة إذا حكم عليها إسلاميّو اليوم وصموها بالدّعشنة ..
ولوجدت أفكار متديّني اليوم من الإسلاميّين لو حكم عليها مستنيرو الأمس لوصوموها بالرّدّة والكفر غير مجمجمين ..
وهكذا تنقض عرى الإسلام عروة عروة .. وربّنا القهّار المستعان!

ربّ يسّر وأعن!
وهم الأطراف Phantom limb
هو ‍شعور ينشأ عند من بترت أطرافهم حديثا، بحيث يشعرون أنّ الطّرف المبتور ما زال موجودا في أجسامهم ..
قد يصل الوهم لكونه يشعر بحكّة في الطّرف المبتور لينزل بيده مثلا يريد حكّه فيفاجأ أنّه غير موجود!

هذه الظّاهرة لاحظت أنّه يحدث مثلها كثيرا بين مدّعي القراءة ..
يقرّرون أنّهم سيقرؤون كتابا معيّنا ليصيروا مثقّفين .. لكن ليس اليوم .. ربّما غدا أو في نهاية الأسبوع!
فجأة يبدؤون في التّصرّف على أساس أنّهم قرؤوه بمجرّد معرفة العنوان، واقتباس جملتين من وسط الكتاب!

فجأة يدخل نقاشا فيشعر بحكّة معرفيّة فيمدّ يد فكره ليحكّها فيجد أنّ ..
الكتاب غير موجود!

على أيّ حال .. احتساء القهوة وسماع فيروز واقتباس جمل لم يقلها كافكا في حياته .. كافٍ لتعويض النّقص ..
لا مشكلة!
استمعت للإذاعة صباحا .. كان هناك نائب بمجلس نواب الشعب، متهم في قضية إهدار للمال العام.
سأله المذيع عشر مرات نفس السؤال: هل ما اتهموك به صحيح؟
فكان يخرج على الموضوع تماما.
في المرة الأخيرة قال له يا فلان أريد جوابا مختصرا ومباشرا، هل ما اتهموك به صحيح؟
فأجاب ( حرفيا) : نعم جواب مباشر وصريح: لا، لأنه لا أحد فوق القانون ولا يوجد أحد يمكن أن يعتدي على تونس والعدل أساس العمران.
والله هذا جوابه!
"ومن صفات علماء الآخرة أن يكونوا منقبضين عن السّلاطين، محترزين عن مخالطتهم".
- ابن الجوزي -
كلمة عن السّعادة:

تقريبا ما عاد يختلف النّفسانيّون اليوم في أنّ القاعدة الكلّيّة هي:
لا ، لا يستطيع الآخرون "إسعادك" ، ولا يستطيع شيء من خارجك فعل ذلك بشكل نهائي.

فالسّعادة هي حالة داخليّة من الرّفاهية تتأثّر بعوامل مختلفة ، بما في ذلك عقليّة المرء وأفكاره وأفعاله. في حين أنّ التّفاعلات الإيجابية والعلاقات الدّاعمة والرّوابط الهادفة والقدرة الماليّة والجسديّة والصّحّيّة يمكن أن تساهم في الشّعور بالسّعادة والرّفاهية، لكن لا شيء منها في النّهاية هو المحور الأساس ولا يمكن الاستغناء عنه، فالأمر متروك في االحقيقة للفرد لتنمية سعادته لوحده.

ومشكلة الاعتماد فقط على الآخرين "لإسعادك" يمكن أن يضع ضغطا لا داعي له على العلاقات ويؤدّي إلى خيبة الأمل.
فالبنت تنتظر الزّوج الّذي يخلّصها من مشاكلها، ويصنع لها السّعادة وينسجها لها نسجا ..
والولد ينتظر الحبيبة الّتي ستكفيه وتشعره بالرّاحة والفخر ... الخ
في حين أنّ السّعادة هي مسؤوليتك الشّخصيّة ولديك وحدك القدرة على خلق سعادتك بنفسك، من خلال الرّعاية الذّاتيّة وتنميتها لتحقّق تقديرك الذّاتيّ الحقيقيّ لا القائم على الوهم أو الأمل الزّائف أو اعتقاد أنّك تستحقّ الأفضل لمجرّد كونك أنت.
فالسّعي وراء الأهداف ذات المغزى، وممارسة الامتنان، وتنمية العقليّات الوازنة هي طرق لتحقيق سعادة لا تفتقر فيها لشيء من خارجك، لا في المطلق بل في حقيقة الأمر ومآله.

على أنّه كما ذكرنا، فالعلاقات والرّوابط الاجتماعيّة مثلا يمكن أن تعزّز بالتّأكيد هذه المكوّنات الّتي هي صانعة السّعادة الحقيقيّة الدّاخليّة لك، لكن من المهم أن ندرك أنّ السّعادة الحقيقيّة والدّائمة تأتي من الدّاخل فهي مثل الشّرط عند الفقهاء والمناطقة، لا يلزم من وجودها الوجود لذاتها ويلزم من عدمها العدم.

والفرق بين قبول الذّات، وحبّ الذّات، الموجدين للقدرة على إيجاد الفرح والرّضا في علم النّفس،وبين ما تروّج له خرافة التّنمية البشريّة مثلا، أنّ الأوّل يقوم على الإنجاز الحقيقيّ بالفعل الّذي ينتج تقديرا ذاتيّا موضوعيّا مبرهنا، والثّاني قائم على الأمنيات فقط فأنت تحبّ نفسك لأنّها نفسك، في حين أنّ علم النّفس لا يخبرك أن تحبّ نفسك لكونها نفسك لا أكثر بل لكونها جديرة بالفعل بالاحترام إن طوّرتها بالفعل لتكون كذلك، من باب قوله عليه الصّلاة والسّلام مثلا: "إنّما الحلم بالتّحلّم"، ونحو هذا .. وإلّا فعدم كرهها والشّعور بالعار أو الخزي من الخطأ هو الّذي يمكن أن يكون في نفسه اضطرابا نفسيّا في علم النّفس يؤدّي للتّقدير المبالغ فيه للنّفس، وهو غالبا ما تخلقه التّنمية البشريّة في معتنقيها: حبٌّ غير مشروط للذّات يحوّلها إلى شيطان في جثمان إنس.
2025/07/14 01:35:58
Back to Top
HTML Embed Code: