عَجَبًا لِقَلبٍ لا يَذوبُ ومُقلَةٍ
جَزَعًا لَهُ بِدِمائِها لا تَدْمَعُ

عَجَبًا لِعَرشِ اللهِ جَلَّ جَلالُهُ
كَيفَ اِستَقامَ ورُكنُهُ مُتَضَعضِعُ

لا كانَ يَومُكُ يا عَليُّ فَإِنَّهُ
يَومٌ بِهِ الدّينُ الحَنيفُ مُضَيَّعُ

-السَّيّد صالِح القزويني

أَلاَ يَا عَيْنُ وَيْحَكِ أَسْعِدِينَا ... أَلاَ تَبْكِي أَمِيرَ المُؤْمِنِينَا!

أَلاَ قُلْ لِلْخَوَارِجِ حَيْثُ كَانُوا ... فَلاَ قَرَّتْ عُيُونُ الحَاسِدِينَا

أَفِي‌ شَّهْرِ الصِّيَامِ فَجَعْتُمُونَا ... بِخَيْرِ النَّاسِ طُرَّاً أَجْمَعِينَا

” يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَـهَا، وَلا تَظْلِمْ كَمَا لا تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَـهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلا تَقُلْ مَا لا تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلا تَقُلْ مَا لا تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ.
وَاعْلَمْ، أَنَّ الإِعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ وَآفَةُ الأَلْبَابِ، فَاسْعَ فِي كَدْحِكَ، وَلا تَكُنْ خَازِناً لِغَيْرِكَ، وَإِذَا أَنْتَ هُدِيتَ لِقَصْدِكَ فَكُنْ أَخْشَعَ مَا تَكُونُ لِرَبِّكَ.“

من وَصيّة الإمام عليّ لابنه الحسنِ- عليهما السّلام-

• عن علِيّ (عليه السلام) قالَ، قالَ لي رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ): «يَا عَلِيُّ، تَدْرِي مَنْ أَشْقَى الْأَوَّلِينَ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: عَاقِرُ النَّاقَةِ، قَالَ: تَدْرِي مَنْ شَرٌّ، وَقَالَ مَرَّةً: مَنْ أَشْقَى الْآخَرِينَ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: قَاتِلُكَ»* .
هنا حِجاجٌ مضمرٌ يرتكزُ على حقيقةٍ دينيّةٍ ذات موضعٍ كمّيٍّ مفادها أنّ الأكثرَ شقاوةً هو من يقتلُ الأتقى والأفضل عند اللهِ تعالى، فمن يقتل نبيًّا أكثر شقاءً ممّن يقتل وليًّا، ومن يقتل مؤمنًا أشقى ممّن يقتل غيره؛ لذا فوصْفُ النبيِّ قاتلَ علِيٍّ بأنّه أشقى الآخرين؛ حجّةٌ نتيجتُها أفضليّةُ علِيّ (عليه السلام)، وقد أُضمرتْ هذه النتيجةُ اعتمادًا على ذلك الموضعِ الكميّ المسلَّمِ به عند المتلقّينَ، وفي النص إشارةٌ لطيفةٌ تلمحُ من المقابلةِ بين عاقرِ الناقةِ من قوم نبيّ الله صالح (عليه السلام)، التي هي كانت آيةً ظاهرةً لله تعالى وحجّةً ناطقةً بقدرتِهِ وعظمتهِ، وصدقِ دعوةِ نبيّهِ، وبين قاتلِ الإمامِ عليّ (عليه السلام)، الذي كان آيةً ناطقةً بذلك، وأوّل المصدّقين بالنبيّ الخاتمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ)، وقد كُذِّبتِ الآيتان، وتجاسرَ عليهما الجاحدون وأكثرُ الخلقِ شقاءً بالقتلِ.
-----------------
* يُراجع الحديث في فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل: ٢/ ٥٦٦. ومسند أبي يعلى: ١/ ٣٧٧. والمعجم الكبير، الطبراني: ٨/ ٣٨.

«… وعاد طلحة والزبير إلى بيت المال فتأمّلا ما فيه، فلمّا رأوا ما حواه من الذّهب والفضّة قالوا: هذه الغنائم الّتي وعدنا الله بها وأخبرنا أنّه يعجّلها لنا.

قال أبو الأسود الدؤلي: وقد سمعت هذا منهما، ورأيت عليّاً بعد ذلك وقد دخل بيت مال البصرة، فلمّا رأى ما فيه قال: (يا صفراء ويا بيضاء غرّي غيري. المال يعسوب الظلمة، وأنا يعسوب المؤمنين)،

فلا والله ما التفت إلى ما فيه، ولا فكّر فيما رآه منه، وما وجدته عنده إلّا كالتّراب هواناً، فتعجبت من القوم ومنه (عليه السلام)، فقلت:أولئك ممّن يريد الدّنيا وهذا ممّن يريد الآخرة، وقويت بصيرتي فيه».

[الجمل: ص٢٨٥-٢٨٦]

لَقد شَفَىٰ يَومُ الغَدِيرِ مَعَاشِرًا
ثَلِجَتْ نُفوسُهُمُ، وَأَدوَىٰ مَعشَرَا

الشَّرِيفُ المُرتَضَىٰ رَحِمَهُ اللّه.

«وَهُوَ يَوْمُ اَلتَّبَسُّمِ فِي وُجُوهِ اَلنَّاسِ مِنْ أَهْلِ اَلْإِيمَانِ، فَمَنْ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِ أَخِيهِ يَوْمَ اَلْغَدِيرِ نَظَرَ اَللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ بِالرَّحْمَةِ، وَقَضَی‌ لَهُ أَلْفَ حَاجَةٍ، وَبَنَی‌ لَهُ قَصْرًا فِي اَلْجَنَّةِ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، وَنَضَّرَ وَجْهَهُ».

الثّامن الضّامن علي بن موسى الرضا روحي فداه عن يوم الغدير.

كَأَنِّي أَرَاكَ عَن قَرِيبٍ مُرَمَّلًا بِدِمَائِكَ،
مَذْبُوحًا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَبَلَاءٍ، مِنْ عِصَابَةٍ مِن
أُمَّتِي، وَأَنْتَ مَعَ ذَلِكَ عَطْشَانُ لَا تُسْقَىٰ،
وَظَمْآنُ لَا تُرْوَىٰ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَرْجُونَ شَفَاعَتِي،
لَا أَنَالَهُمُ اللهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ.

ـ رسولُ اللهِ (صل الله عليه وآله) مُخاطِبًا سيِّدَ الشُّهداءِ الحُسينَ (عليه السلام) .

اللَّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ وَالْغُرَّةَ الْحَمِيدَةَ، وَاكْحُلْ نَاظِرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ.

من دعاء العهد

عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ اَلرَّقِّيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذَا اِسْتَسْقَى اَلْمَاءَ فَلَمَّا شَرِبَهُ رَأَيْتُهُ وَقَدِ اِسْتَعْبَرَ وَاِغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ بِدُمُوعِهِ.

ثُمَّ قَالَ: «يَا دَاوُدُ، لَعَنَ اَللَّهُ قَاتِلَ اَلْحُسَيْنِ! فَمَا أَنْغَصَ ذِكْرَ  اَلْحُسَيْنِ لِلْعَيْشِ! إِنِّي مَا شَرِبْتُ مَاءً بَارِداً إِلاَّ وَذَكَرْتُ اَلْحُسَيْنَ، وَمَا مِنْ عَبْدٍ شَرِبَ اَلْمَاءَ فَذَكَرَ اَلْحُسَيْنَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَلَعَنَ قَاتِلَهُ إِلاَّ كَتَبَ اَللَّهُ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ مِائَةَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ دَرَجَةٍ، وَكَانَ كَأَنَّمَا أَعْتَقَ مِائَةَ أَلْفِ نَسَمَةٍ، وَحَشَرَهُ اَللَّهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ أَبْلَجَ اَلْوَجْهِ أو قيل (ثَلِجَ الفؤاد)*».¹

وقَالَت السيدة سَكِينَة بنت الحسين عليها السلام:
لَمّا قُتِلَ الحسين عَلَيهِ السلاَم اِعتَنَقتُهُ فَأُغمِيَ عَلَيه فَسَمِعتُهُ يَقُولُ:

شِيْعَتِي مَا إِنْ شَرِبتُمْ عَذبَ مَاءٍ فَاذْكُرُونِي
أَو  سَمِعتُمْ  بِغَرِيبٍ  أَو   شَهِيدٍ   فَاندُبُونِي

فَقَامَت السيدة سَكِينَة مَرعُوبَةً قَد قُرِحَت مَآقِيهَا، وَهِيَ تَلطِمُ عَلَى خَدَّيهَا!²

مجالس العزاء.
كان السيد روح الله الخميني يؤكد على مقولة: (إنّ شهري محرم وصفر هما اللذيان أبقيا الإسلام حيًّا حتى اليوم) وقد كان يؤكد أيضًا على أنّ الإسلام إنما بقي حيًّا باستمرار هذه المجالس، حيث يقول:

(إنّ سيد الشهداء أغاث الإسلام وأنقذه، ومجالس عزائه هي لحفظ مدرسته، ومن يقولون: لا تقرأوا نعي الحسين (عليه السّلام) لا يفهمون أصلاً ما كانت مدرسة سيد الشهداء، ولا يفقهون ما تعني، ولا يعلمون أنّ هذا البكاء والحزن حفظ هذه المدرسة).

بناءً عليه، فإنّ تكرار قصّة عاشوراء وملحمة أهل البيت (عليهم السلام) وأولادهم وأصحابهم، من شأنه أن يقوي إيمان شيعتهم، ويزيد من معرفتهم، ويجعلهم حاضرين للشهادة. وإنّ الاستعداد للشهادة لا يقتضي لزومًا أن يحمل الإنسان سيفه في يده ويحارب، بل إن وجود الاستعداد والقابلية والروحية هو المهم وهو ما يُخيف العدو.

فالمراد من الآية الشريفة: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّـهِ وَعَدُوَّكُمْ} (الأنفال ٦٠)، ليس أنّه كلّ سيف لديكم ينبغي أن تُشهروه وتقاتلوا به، بل المراد أن تمتلكوا هذه القوى الجسديّة والروحية كي تخيفوا بها الأعداء.

- الشيخ محمّد تقي مصباح اليزدي، الفريضة العظمى ص ١٨٨.

إن جَرت دمعة الإنسان على سَيد الشُهداء (عليه السلام)، فليتوجه بالخطابِ إلى وليِّ الأمر، وليقل: يا مولاي!..

لئن ساءت أحوالي وأعمالي، ولكن هذه الأيام أنا مُتشبهٌ بِك، ألست أنت القائل: (السلام عليك يا جداه!.. لئن أخرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً، ولمن نصب لك العداوة ناصباً.. لأندبنك صباحاً ومساءً، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً).

فأنا يا مولاي أبكي على جدك كما تبكي عليه، أنت تبكي دَماً ولكني أبكي دَمعةً. هذا البُكاء يربط الإنسان بمولاه ..

الشيخ حبيب الكاظمي