لم يلاحظ أحد من عائلتي نوبات أرقي المتكررة في الفترة الأخيرة،لم يستطع صديقي تفسير نبرة صوتي المختلفة أو تعاملي الحاد قليلاً،لم يفهم اختفائي،لم يفهم أحد أني متعب لا اقوى على حملي،على الرغم من مجهوداتي في تصنع الابتسامة لم يدرك أحد أن الحزن اتخذ من صدري مسكناً،لم يميز أحد الكذبه من الحقيقة إذا كنت بخير حقاً أم لا، اشعر بالوحدة وتمنيت لو اتشاركها مع أحد.
هاتف مغلق،ابتعاد عن الجميع،قهوة،عزلة،هدوء،قراءة،رسم،ذهن يخلو من اي شيء هكذا تكون اقصى أمانينا أحياناً.
نحن الذين ندعي بأننا بأفضل أيامنا ونواسي كل من يشكو ضجر الأيام،من يصدق بأننا متهشمون من الداخل،وبأننا نصادق الليل والسقف،حتى لم نعد نعرف متى اخر مرة استيقظنا ولم نضع أيدينا فوق قلوبنا خوفاً من الانهيار امام البشر الذين لم يشعروا يوماً بأننا نكافح حتى ظهرنا بهذه القوة.
يظنون أنني ضعيف،إني أقوى منكم ايها الملاعين،من فيكم يستيقظ من نومه ويعيش يوم مكرر بجميع تفاصيله المملة،برفقه الكثير من الوحوش داخل جمجمته،ويعود ليلاً مثقلاً بكثير من الخيبات،من يستطيع ان يعايش هذا الروتين القاتل ويتحمل الاستيقاظ ليوم اخر،لشهر اخر،وعدة سنين؟
رغم سهولة الصمت إلا أنهُ أشد قتلاً من الكلام،ورغم أنهُ لا يبذل فيه أي مجهود إلا أنهُ أكثر إرهاقاً وتعباً من الحديث.
لا حبل حول رقبتك،ولا أصفاد تقيد يديك،ولا مرساة في قدمك،لكنك ممنوع من الحركة باسم اشياء كثيرة لا صحه لها.
كم هو سيء كونك قوياً لدرجه أن لا احد يتوقع أنك تحتاج للمساعدة،لا أحد سيصدق أن حروباً تدور بداخلك منذ زمن،ولن يرى أحد كيف اغلقت أبواباً وفتحت أخرى،ما انهار ولم تستطع بناءه،ولن يصدق أحد أن بصدرك مدناً تهدمت بأكملها وأنت مازلت إلى الآن لا تظهر شيئاً ولن تظهر.
بالكاد استوعب كيف تتحول العلاقات للاشيء بعد أن تكبدنا عناء الوصول،بعد أن جازفنا بمشاعرنا،كيف تقف الأشياء بيننا بهذه البساطة؟
لا يقلقني إني مختلف و مزاجي أحياناً و قرارتي و مشاعري غير متوقعة على العكس سأكون قلقاً لو كنتُ طبيعي وعادي كالآخرين.
يجب أن اعترف،انا من الاشخاص الذين لا يطاقون في نهايه الأمر،الذين يشعرون أكثر مما ينبغي،ويفكرون أكثر مما يلزم،الذين يحتاجون لكلمات معينة يسمعونها،ولاتدهشهم كلمات ولا تصرفات غير التي استبقوها في مخيلتهم،إنني من تلك الفئة الملولة التي ترفض الاشياء المكررة،والكلمات المعتاده،والوجوه المتشابهة.
أنا لا احتاج ان اكون مضاداً للملل وعلاجاً للرتابه اليوميه في حياة احدهم،أنا احتاج لمن يصنع وقتاً لي من بين ألف ظرف مبهم،لمن يتفرغ من أهم انشغالاته فقط ليباغتني برسالة يقول فيها أشتقت لك،أحتاج لمن يتسلل خفية من هيمنة الحياة وفوضتها ويختلق ألف حجة وألف مبرر ليحظى بقربي.
لست بهذا الغباء الذي يجعلني لا ألاحظ كل ما يحدث،في الواقع أنا اشد العالمين بالذي يجري،حتى أفكارك التي تخفيها،إلا أنني اتجاهل ذلك منتظراً لما ستؤول إليه الأمور في نهايه المطاف.
تحشون أفواهكم بأنبل الكلمات والعبارات لكي تقنعونا بأنكم جيدين، وما أنتم إلا حفنة رعاع متسلطة،لو أتيحت لكم الفرصة لقتلتمونا ألف مرة.
ثمة خدش صغير في الروح، خدش لا تراه أعينهم المجردة المتناثرة على الارصفة وفي الشوارع وواجِهات المحال…