من كمال عقل الباحث أن يعرف للمشكلات الواردة على تقريره قدرَها، وأمَّا ضَعَفة الباحثين فمن شأنهم الاستهانةُ بكل إيرادٍ وإشكالٍ ظانِّين ذلك من قوة تقريرهم، والحالُ أنه أمارةٌ على ضعفهم .. ولذا لم يزل محققو العلماء يقرون بما قد يرد على مقالاتهم من تشكيكٍ، ثم قد يجيبون عنه وقد يسرِّحون النظر فيه إن عضَّلَ بهم الإشكال.
وقد قال العز بن عبد السلام: (الموفَّقُ مَن رأى المشكلَ مشكلًا، والواضحَ واضحًا، ومن تكلَّف خلاف ذلك لم يَخْلُ من جهل أو كذب).
يريد بالجهل: الجهل برتبة المسألة، فمن لا يرى المشكل مشكلا والواضح واضحا كثيرًا ما يكون الذي أوقعه في ذلك جهلُه برُتَبِ المسائل وحقائقِها.
وأما الكذب فمن جهة أن الناظر قد يعرف إشكال المشكل، لكنه يكذب بتكلُّف خلاف الحال والإيهام بوضوح المشكل ونفي إعضاله ظانًّا أن في ذلك صيانةً لمقالته، وهذا وإن أمكن رواجه على من كان مزجى البضاعة في العلم، لكنَّ لأولي التحقيق شأنًا آخر.
وقد قال العز بن عبد السلام: (الموفَّقُ مَن رأى المشكلَ مشكلًا، والواضحَ واضحًا، ومن تكلَّف خلاف ذلك لم يَخْلُ من جهل أو كذب).
يريد بالجهل: الجهل برتبة المسألة، فمن لا يرى المشكل مشكلا والواضح واضحا كثيرًا ما يكون الذي أوقعه في ذلك جهلُه برُتَبِ المسائل وحقائقِها.
وأما الكذب فمن جهة أن الناظر قد يعرف إشكال المشكل، لكنه يكذب بتكلُّف خلاف الحال والإيهام بوضوح المشكل ونفي إعضاله ظانًّا أن في ذلك صيانةً لمقالته، وهذا وإن أمكن رواجه على من كان مزجى البضاعة في العلم، لكنَّ لأولي التحقيق شأنًا آخر.
السجود لأجل الدعاء
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(لو أراد الدعاءَ فعفَّر وجهه لله بالتراب وسجد له ليدعوَه فيه، فهذا سجودٌ لأجل الدعاء، ولا شيءَ يمنعه)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(لو أراد الدعاءَ فعفَّر وجهه لله بالتراب وسجد له ليدعوَه فيه، فهذا سجودٌ لأجل الدعاء، ولا شيءَ يمنعه)
طَحْنُ الشافعيِّ حفصًا الفرد!
روى اللالكائي (5: 1034) بإسناده إلى حرملة بن يحيى قال:
اجتمع حفصٌ الفرد ومصلانُ -اسم رجل- الإباضي عند الشافعي في دار الجروي -يعني بمصر-، فقالوا في الإيمان، فاحتج مصلان في الزيادة والنقصان، فحَمِيَ الشافعيُّ وتقلَّد المسألةَ على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فطحنَ حفصًا الفردَ وقَطَعَه.
روى اللالكائي (5: 1034) بإسناده إلى حرملة بن يحيى قال:
اجتمع حفصٌ الفرد ومصلانُ -اسم رجل- الإباضي عند الشافعي في دار الجروي -يعني بمصر-، فقالوا في الإيمان، فاحتج مصلان في الزيادة والنقصان، فحَمِيَ الشافعيُّ وتقلَّد المسألةَ على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فطحنَ حفصًا الفردَ وقَطَعَه.
"الإنترنت ليس من المفترض به أساسًا أن يحلَّ محلَّ الكتب، إنما هو مكمِّل لها، ومحفِّز لقراءة المزيد منها.
ما يزال الكتاب يشكِّل الأداة المبدئيّة لنقل المعرفة وتأمينها، في حين تمثّل النصوص المدرسيّة الفرصة الأولى التي لا غنى عنها في سبيل تربية الصغار على استعمال الكتاب. فضلاً عن أن الإنترنت يؤمّن ذخرًا هائلًا للمعلومة يصعب أحيانًا انتقاؤُها أيضًا.
هذه هي وظيفة المعلّم، ووظيفة الكتاب المدرسي كذلك، إذ إنّه يقدِّم نموذجًا عمليًّا لانتقاء عمليٍّ من البحر الواسع لكلِّ المعلومات الممكنة.
وينطبق هذا حتى على النصِّ الناقص، وهنا يأتي دور المعلّم بانتقاد نقصانه وإتمامه، من منظور معيار انتقائي مختلف بالضبط.
وإن لم يتعلَّم الصغار هذا، أي أنَّ الثقافة ليست تراكمًا بل تمييزًا، فهذه ليست تربية، إنما فوضى ذهنيَّة"
أمبرتو إيكو
ما يزال الكتاب يشكِّل الأداة المبدئيّة لنقل المعرفة وتأمينها، في حين تمثّل النصوص المدرسيّة الفرصة الأولى التي لا غنى عنها في سبيل تربية الصغار على استعمال الكتاب. فضلاً عن أن الإنترنت يؤمّن ذخرًا هائلًا للمعلومة يصعب أحيانًا انتقاؤُها أيضًا.
هذه هي وظيفة المعلّم، ووظيفة الكتاب المدرسي كذلك، إذ إنّه يقدِّم نموذجًا عمليًّا لانتقاء عمليٍّ من البحر الواسع لكلِّ المعلومات الممكنة.
وينطبق هذا حتى على النصِّ الناقص، وهنا يأتي دور المعلّم بانتقاد نقصانه وإتمامه، من منظور معيار انتقائي مختلف بالضبط.
وإن لم يتعلَّم الصغار هذا، أي أنَّ الثقافة ليست تراكمًا بل تمييزًا، فهذه ليست تربية، إنما فوضى ذهنيَّة"
أمبرتو إيكو
يقول الجويني:
(وكم من كلامٍ بيّن لا يُعتَنَى به، ثم تعثر فيه الأئمة عند مغافصة الأسئلة)
نهاية المطلب (١: ٧١)
المغافصة: المفاجأة أو المغالبة
والمعنى أن الكلام البيّن إذا أغفله الناظر ولم يحقِّقْه ضبطًا وإدراكًا فهو من أسباب عثار نظره حين تعرِض له وتفجؤه مسألة مشكلة في أثناء بحثه، أو حين يغالبها رجاءَ حلها، ولو كان استحضر ذلك المعنى البيّنَ لكان له مخلصٌ من ذلك الإشكال، بل ربما كان سبب إشكالها غياب تلك المقدمات الواضحة البيّنة
وما أكثر ما يرى المرء ذلك في نفسه وغيره، مما يسمعه أو يقرأه، حيث يمكث الزمن الطويل في مسألةٍ عضّلت به، ثم يجد بعد لأْيٍ جوابَها جليًّا بيِّنا في كتبٍ سبق له قراءتها بل ودراستها، غيرَ أنَّ النفسَ إنما تُعنى بالغامض الخفيّ فهي إذا أدركتْه لا تكاد تغفل عنه لا سيما وأنه يكون من مواضع البحث والنقاش، وقلّما ينسى المرء مسألةً ناقشها .. وفي مقابل ذلك تراها تُعرِض عن ضبط الواضح الجليّ ركونًا لوضوحه لكنه سرعان ما يُفِلتُ منها ويَضِلُّ عنها أحوجَ ما تكون إليه
(وكم من كلامٍ بيّن لا يُعتَنَى به، ثم تعثر فيه الأئمة عند مغافصة الأسئلة)
نهاية المطلب (١: ٧١)
المغافصة: المفاجأة أو المغالبة
والمعنى أن الكلام البيّن إذا أغفله الناظر ولم يحقِّقْه ضبطًا وإدراكًا فهو من أسباب عثار نظره حين تعرِض له وتفجؤه مسألة مشكلة في أثناء بحثه، أو حين يغالبها رجاءَ حلها، ولو كان استحضر ذلك المعنى البيّنَ لكان له مخلصٌ من ذلك الإشكال، بل ربما كان سبب إشكالها غياب تلك المقدمات الواضحة البيّنة
وما أكثر ما يرى المرء ذلك في نفسه وغيره، مما يسمعه أو يقرأه، حيث يمكث الزمن الطويل في مسألةٍ عضّلت به، ثم يجد بعد لأْيٍ جوابَها جليًّا بيِّنا في كتبٍ سبق له قراءتها بل ودراستها، غيرَ أنَّ النفسَ إنما تُعنى بالغامض الخفيّ فهي إذا أدركتْه لا تكاد تغفل عنه لا سيما وأنه يكون من مواضع البحث والنقاش، وقلّما ينسى المرء مسألةً ناقشها .. وفي مقابل ذلك تراها تُعرِض عن ضبط الواضح الجليّ ركونًا لوضوحه لكنه سرعان ما يُفِلتُ منها ويَضِلُّ عنها أحوجَ ما تكون إليه
من أدب الكبار
تعقّب علّامةُ الجزيرة حمد الجاسر الشيخَ عبد الله البسام -رحمهما الله- في موضعٍ من كتابه "علماء نجد"، وذلك في تعليقةٍ مطولَّة متصلة بالكلام عن نسب إحدى الأسر وبعض ما ينبغي التنبّه له في شأن الأنساب عمومًا، ثم إنه ختم تعقبَه بما يبينُ عاليَ قدره وشريفَ نفسه وعظيمَ أدبه، وذلك بقوله:
(أقول هذا لا لتعليم الشيخ ابن بسّام شيئًا يجهلُه، بل بتذكيره شيئًا يعلمُه، وهو ممّن قد سَبَرَ أغوار هذه المباحث، وأدرك منها ما لا يُدرِك غيرُه، لطول معاناته).
رحمه الله ورضي عنه
فاستفدْ من هذا أدبَ الشيخ حمد، ومنزلةَ الشيخ ابن بسام في هذا الباب، مع تعاصرهما وكون مجال النقد مما للشيخ حمد فيه يدٌ باسطة، ومعلومٌ ما للمعاصرة من حجاب وما للمنافسة في علمٍ من طلب الغِلاب، ولكن النفوس الكبيرة لا تأبه بشيء من ذلك.
تعقّب علّامةُ الجزيرة حمد الجاسر الشيخَ عبد الله البسام -رحمهما الله- في موضعٍ من كتابه "علماء نجد"، وذلك في تعليقةٍ مطولَّة متصلة بالكلام عن نسب إحدى الأسر وبعض ما ينبغي التنبّه له في شأن الأنساب عمومًا، ثم إنه ختم تعقبَه بما يبينُ عاليَ قدره وشريفَ نفسه وعظيمَ أدبه، وذلك بقوله:
(أقول هذا لا لتعليم الشيخ ابن بسّام شيئًا يجهلُه، بل بتذكيره شيئًا يعلمُه، وهو ممّن قد سَبَرَ أغوار هذه المباحث، وأدرك منها ما لا يُدرِك غيرُه، لطول معاناته).
رحمه الله ورضي عنه
فاستفدْ من هذا أدبَ الشيخ حمد، ومنزلةَ الشيخ ابن بسام في هذا الباب، مع تعاصرهما وكون مجال النقد مما للشيخ حمد فيه يدٌ باسطة، ومعلومٌ ما للمعاصرة من حجاب وما للمنافسة في علمٍ من طلب الغِلاب، ولكن النفوس الكبيرة لا تأبه بشيء من ذلك.
"العيب الوحيد في القراءة أنك تحسّ بضياع الوقت إذا مارستَ صنعةً غيرها!"
د. هاني الصاعدي
د. هاني الصاعدي
Forwarded from قناة عبدالرحمن السديس
ترك العلم مؤلم
«قال سلمة بن شبيب: قال لي أحمد بن حنبل: ما فعل ابن العلاء عبد الجبار؟
فقلت: اشتغل بالتجارة عن الحديث!
فقال أحمد بن حنبل: قد كنت أراه عند سفيان بن عيينة جيد الأخذ».
«سؤالات السلمي للدارقطني» (٢٨٢).
وما أكثر الذين كانوا نابهين في العلم، ثم تركوه وراءهم ظهريا، ليتوسعوا في الدنيا، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير!
والعلم من أفضل الأعمال الصالحة، وأعلى اللذات العقلية، والكمالات الإنسانية.
فعليك بمجالسة من يحببه إليك، ويثيره بين يديك..
وفر من مجالسة الذين إذا أثير العلم حصرت صدورهم بذكره.
فاللهم سلم سلم، ورد إخواننا للعلم ردا جميلا.
«قال سلمة بن شبيب: قال لي أحمد بن حنبل: ما فعل ابن العلاء عبد الجبار؟
فقلت: اشتغل بالتجارة عن الحديث!
فقال أحمد بن حنبل: قد كنت أراه عند سفيان بن عيينة جيد الأخذ».
«سؤالات السلمي للدارقطني» (٢٨٢).
وما أكثر الذين كانوا نابهين في العلم، ثم تركوه وراءهم ظهريا، ليتوسعوا في الدنيا، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير!
والعلم من أفضل الأعمال الصالحة، وأعلى اللذات العقلية، والكمالات الإنسانية.
فعليك بمجالسة من يحببه إليك، ويثيره بين يديك..
وفر من مجالسة الذين إذا أثير العلم حصرت صدورهم بذكره.
فاللهم سلم سلم، ورد إخواننا للعلم ردا جميلا.
"نحن نسمع من يفتي ويتصدر للإفتاء:
- تجد بعض الناس عنده محفوظٌ من كلام أهل العلم، كلامه متين ورزين.
- وبعض الناس ما عنده حفظ، تجده أقرب ما يكون إلى الإنشاء، وهذا عند تفريغ الكلام وطبعه لا تقبله الأسماع"
الشيخ عبد الكريم الخضير
- تجد بعض الناس عنده محفوظٌ من كلام أهل العلم، كلامه متين ورزين.
- وبعض الناس ما عنده حفظ، تجده أقرب ما يكون إلى الإنشاء، وهذا عند تفريغ الكلام وطبعه لا تقبله الأسماع"
الشيخ عبد الكريم الخضير
التمذهب منهجٌ في ترقيةِ الاجتهاد لا في ترسيةِ التقليد
التمذهبُ منهجٌ اجتهادي متكامل يترقى فيه الطالب من رتبة إلى أعلى، والتقليدُ وإن كان مبتدأَ ذلك المنهج إلا أنه يفضي بالمتمذهب إلى شُعَبٍ من الاجتهادِ آخذٍ بعضها بحُجَز بعض.
ثم المتمذهبة بعد ذلك على طرائقَ ومسالك، فمنهم الذي يسمو بهمّه إلى رتبةٍ من الاجتهاد عاليةٍ حسب ما أفاء الله عليه -وليس بعاقلٍ من أمكنه درجة ورثة الأنبياء ثمّ فوّتها كما يقول النووي- ومنهم المقتصد دون ذلك.
فالتمذهب إذًا ليس مرادفًا للتقليد، وإنما هو منهجٌ في النظر والتفقه، يتحذَّق فيه المتمذهب بالأصول والفروع، سواءٌ المنصوصة عن إمام المذهب أو التي حصَّلها أتباعه رعايةً للمنهج الاجتهادي الذي جرى عليه .. وهو بذلك منهجٌ آخذٌ من كلٍّ من التقليد والاجتهاد بطرفٍ بحسب رتبة المتمذهب ومقامه من الفقه والتفقُّه.
وامتيازُ المذاهب الأربعة -التي هي محل التمذهب فيما استقرَّ عليه عمل الأمة- نابعٌ من قوتها المنهجية، وقابليَّتها لذلك الترقي لتكامل أدواتها وموادّها الفقهية، وانضباط نظامها الاستدلالي .. فليست مجرد فهرسٍ لمختارات إمام في مسائل الفقه، والمتمذهب بها آخذٌ لنظامٍ لا لمجردِ مسردٍ وقائمةٍ فقهيَّةٍ تابعةٍ لأحد الأئمة.
ويؤكد ذلك أن اصطلاح (المذهب) وإن كان مبنيًّا في الأصل على فقه إمامٍ إلا أنه يتسع لأنماط اجتهادية أوسع، فهو يشمل ما يحصِّلُه أتباعُه، والوصف بالتبعية لا يقتضي التقليد المحض، بل هي تبعية اجتهادية على وفق منهجٍ قد تفضي بالمتمذهب إلى مخالفة الإمام نفسِه جريًا على القواعد.
وهذا وإن لم يكن متحقِّقًا في آحاد الطلبة ومبتدئيهم، إلا أن المترقِّي في تمذهبه يتحصَّل له ذلك شيئًا فشيئًا، ثم هو قد يفارقُ محجَّة مذهبه في مسائلَ وربما في أصولٍ ولا يخلع ذلك عنه وصف التمذهب.
ولأجل ذلك نجد أصحابَ المذاهب أنفسَهم -على تفاوتِ ما بينَهم بحسب رُتَبِهم- جدُّوا في إبداء المشكلات على مذاهبهم، وانتقاد الأقوال المدوَّنة فيها، وامتحان الأصول المخرَّجة منها، وهذا يلوح لكلِّ مَن أجال نظرَه في مصنفاتهم، وما كان هذا منهم إلا لإدراكهم أن تمذهبهم نظامُ نظرٍ واجتهادٍ، وليس مجرد تقليدٍ وضبطٍ لمسرَدِ أقوال.
التمذهبُ منهجٌ اجتهادي متكامل يترقى فيه الطالب من رتبة إلى أعلى، والتقليدُ وإن كان مبتدأَ ذلك المنهج إلا أنه يفضي بالمتمذهب إلى شُعَبٍ من الاجتهادِ آخذٍ بعضها بحُجَز بعض.
ثم المتمذهبة بعد ذلك على طرائقَ ومسالك، فمنهم الذي يسمو بهمّه إلى رتبةٍ من الاجتهاد عاليةٍ حسب ما أفاء الله عليه -وليس بعاقلٍ من أمكنه درجة ورثة الأنبياء ثمّ فوّتها كما يقول النووي- ومنهم المقتصد دون ذلك.
فالتمذهب إذًا ليس مرادفًا للتقليد، وإنما هو منهجٌ في النظر والتفقه، يتحذَّق فيه المتمذهب بالأصول والفروع، سواءٌ المنصوصة عن إمام المذهب أو التي حصَّلها أتباعه رعايةً للمنهج الاجتهادي الذي جرى عليه .. وهو بذلك منهجٌ آخذٌ من كلٍّ من التقليد والاجتهاد بطرفٍ بحسب رتبة المتمذهب ومقامه من الفقه والتفقُّه.
وامتيازُ المذاهب الأربعة -التي هي محل التمذهب فيما استقرَّ عليه عمل الأمة- نابعٌ من قوتها المنهجية، وقابليَّتها لذلك الترقي لتكامل أدواتها وموادّها الفقهية، وانضباط نظامها الاستدلالي .. فليست مجرد فهرسٍ لمختارات إمام في مسائل الفقه، والمتمذهب بها آخذٌ لنظامٍ لا لمجردِ مسردٍ وقائمةٍ فقهيَّةٍ تابعةٍ لأحد الأئمة.
ويؤكد ذلك أن اصطلاح (المذهب) وإن كان مبنيًّا في الأصل على فقه إمامٍ إلا أنه يتسع لأنماط اجتهادية أوسع، فهو يشمل ما يحصِّلُه أتباعُه، والوصف بالتبعية لا يقتضي التقليد المحض، بل هي تبعية اجتهادية على وفق منهجٍ قد تفضي بالمتمذهب إلى مخالفة الإمام نفسِه جريًا على القواعد.
وهذا وإن لم يكن متحقِّقًا في آحاد الطلبة ومبتدئيهم، إلا أن المترقِّي في تمذهبه يتحصَّل له ذلك شيئًا فشيئًا، ثم هو قد يفارقُ محجَّة مذهبه في مسائلَ وربما في أصولٍ ولا يخلع ذلك عنه وصف التمذهب.
ولأجل ذلك نجد أصحابَ المذاهب أنفسَهم -على تفاوتِ ما بينَهم بحسب رُتَبِهم- جدُّوا في إبداء المشكلات على مذاهبهم، وانتقاد الأقوال المدوَّنة فيها، وامتحان الأصول المخرَّجة منها، وهذا يلوح لكلِّ مَن أجال نظرَه في مصنفاتهم، وما كان هذا منهم إلا لإدراكهم أن تمذهبهم نظامُ نظرٍ واجتهادٍ، وليس مجرد تقليدٍ وضبطٍ لمسرَدِ أقوال.
Forwarded from قناة | مِهاد الأُصُول (زياد خياط)
منهاجٌ علميٌّ متين
قال التّاج السُّبكيُّ رحمه الله:
"كان الشّيخ الإمامُ -رحمه الله- يحكي لنا أنَّ طلبة العلمِ كانوا (مُهذَّبيّة) و (وسِيطيَّة)؛ لأنَّه كان من دأبهم أنْ يلزم كلُّ طالبٍ -بعد محفوظه من المختصرات - كتابًا من المتوسٍّطات يجعله دأبَه الليل والنهار.
- فلهم في المختصرات:
مختصرٌ يحفظونه؛ إما (مختصر المزني)، أو (التّنبيه) لأبي إسحاق الشيرازي، أو نحوهما.
هذا للدَّرس والتَّكرار.
- وفي المتوسِّطات:
إما (المُهذَّب)، وإما (الوَسِيط).
هذا للمزاولة وترديد النَّظر اللَّيل والنَّهار.
- وفي المبسوطات:
كتابٌ يرجعون إليه عند الأمور الكبار.
فأصحاب (المُهذَّب) مبسوطُهم: (الحاوي).
وأصحابُ (الوَسِيط) مبسوطُهم: (النِّهاية)"ا.هـ
[ترشيح التوشيح (ص٧٣٣-٧٣٤)].
قلتُ: فهذه طريقة لاحبة في الطّلب:
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
Forwarded from • قناة عُثـمَــان •
.
من طيبات العلم ولذائذه مطالعة كتب محمد بن الحسن والإمام الشافعي رحمهما الله ومقارنة كلامهما في المسألة الواحدة. أتبسم في مواضع كثيرة حتى أكاد أضحك. أتبسم من لذة العلم في كتبهما، وأطرب لما أراه من العلم المحقق المدقق، وأنتشي من قوة العارضة وعلو البيان ورسوخ العلم وحسن التقرير.
صرت أقول أحياناً: كيف ظهر لعلم الكلام بريقٌ بُعيد ذلك الزمان وقد شمخ فيه هذان الجبلان؟! ومن المخدوع الذي ينصرف عن هذه اللذائذ كلها إلى مضايق بطليموس وإقليدس؟!
اللهم ارحم أئمة الإسلام وارض عنهم واجزهم عنا خيرا، واغفر تقصيرنا وارحم ضعفنا.
من طيبات العلم ولذائذه مطالعة كتب محمد بن الحسن والإمام الشافعي رحمهما الله ومقارنة كلامهما في المسألة الواحدة. أتبسم في مواضع كثيرة حتى أكاد أضحك. أتبسم من لذة العلم في كتبهما، وأطرب لما أراه من العلم المحقق المدقق، وأنتشي من قوة العارضة وعلو البيان ورسوخ العلم وحسن التقرير.
صرت أقول أحياناً: كيف ظهر لعلم الكلام بريقٌ بُعيد ذلك الزمان وقد شمخ فيه هذان الجبلان؟! ومن المخدوع الذي ينصرف عن هذه اللذائذ كلها إلى مضايق بطليموس وإقليدس؟!
اللهم ارحم أئمة الإسلام وارض عنهم واجزهم عنا خيرا، واغفر تقصيرنا وارحم ضعفنا.
قناة (مهاد الأصول)
للشيخ زياد بن أسامة خياط
من أحب القنوات التلقرامية إليّ
قناةٌ هاديةٌ محقَّقةٌ، لا تقرأ فيها إلا علمًا محرًّرا وكلامًا محبَّرا، ويْكأنَّ مسائلَ الأصول تجري من أبي طارق مجرى الدم!
وإنّي لأمرّ بقنوات كثيرة مرورا عابرا لأستطلع جُمَلَ فوائدها، وأما قناة "مهاد الأصول" فلطالما علّقتُ الدخول إليها حتى يصفوَ ذهني فأعطي منشوراتها ما تستحقه من إجالة الفكر وإنعام النظر.
https://www.tgoop.com/mihad_osol
للشيخ زياد بن أسامة خياط
من أحب القنوات التلقرامية إليّ
قناةٌ هاديةٌ محقَّقةٌ، لا تقرأ فيها إلا علمًا محرًّرا وكلامًا محبَّرا، ويْكأنَّ مسائلَ الأصول تجري من أبي طارق مجرى الدم!
وإنّي لأمرّ بقنوات كثيرة مرورا عابرا لأستطلع جُمَلَ فوائدها، وأما قناة "مهاد الأصول" فلطالما علّقتُ الدخول إليها حتى يصفوَ ذهني فأعطي منشوراتها ما تستحقه من إجالة الفكر وإنعام النظر.
https://www.tgoop.com/mihad_osol
Telegram
قناة | مِهاد الأُصُول
مِهادٌ ممدود الأطراف، مُوطَّأ الأكناف، يشتمل على غُرر الفوائد ودُرر الفرائد من علم #أصول_الفقه.
شِعارُه: «أصول الفقه هو الذي يَقْضِي ولا يُقْضَى عليه».
بُسِط المِهادُ يوم (١٢ رجب ١٤٣٨) = (٩ أبريل ٢٠١٧م).
@ziad_khayyat
شِعارُه: «أصول الفقه هو الذي يَقْضِي ولا يُقْضَى عليه».
بُسِط المِهادُ يوم (١٢ رجب ١٤٣٨) = (٩ أبريل ٢٠١٧م).
@ziad_khayyat
Forwarded from فوائد الشيخ تركي الغميز
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
أهمية القراءة في أبواب الزهد والرقاق
قال محب الدين ابن نصر الله البغدادي (ت ٨٤٤هـ) عن شيخه ابن رجب (ت ٧٩٥هـ) -رحمهما الله-:
(قرأتُ عليه حديث الأولية في سنة ست وثمانين (٧٨٦هـ) وسألته أن يكتبَ لي خطه بالإجازة، فامتنع رحمه الله استصغارًا لنفسه عن بلوغ سنّ الإجازة بالكتابة، وأجازني لفظًا، وكان سنُّه إذ ذاك عن نيف وخمسين سنةً فيما أظن).
(قرأتُ عليه حديث الأولية في سنة ست وثمانين (٧٨٦هـ) وسألته أن يكتبَ لي خطه بالإجازة، فامتنع رحمه الله استصغارًا لنفسه عن بلوغ سنّ الإجازة بالكتابة، وأجازني لفظًا، وكان سنُّه إذ ذاك عن نيف وخمسين سنةً فيما أظن).
جاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية (12: 495) ما نصه:
(وأهل السنة والجماعة متفقون على أن المعروفين بالخير كالصحابة المعروفين وغيرهم من أهل الجمل وصفين من الجانبين لا يفسق أحد منهم فضلا عن أن يكفر حتى عدى ذلك من عداه من الفقهاء إلى سائر أهل البغي فإنهم مع إيجابهم لقتالهم منعوا أن يحكم بفسقهم لأجل التأويل كما يقول هؤلاء الأئمة: إن شارب النبيذ المتنازع فيه متأولا لا يجلد ولا يفسق).
هكذا بالنفي: (لا يجلد).
والظاهر أن كلمة (لا) مقحمة، وصواب العبارة: (يجلد ولا يفسق) ويدل على ذلك السباق واللحاق:
- فقد ذكر ابن تيمية قبل ذلك أن أهل البغي يقاتلون ولا يفسقون، يشير إلى أن العقوبة لا تقتضي التفسيق، ونظير ذلك من شرب النبيذ متأولا فإنه يعاقب بالجلد ولا يُفسَّق.
- ثم بعد صفحات أكد ابن تيمية هذا المعنى بقوله: (ومما ينبغي أن يعلم في هذا الموضع أن الشريعة قد تأمرنا بإقامة الحد على شخص في الدنيا، إما بقتل أو جلد أو غير ذلك، ويكون في الآخرة غير معذب، مثل قتال البغاة والمتأولين مع بقائهم على العدالة ومثل إقامة الحد على من تاب بعد القدرة عليه توبة صحيحة، فإنا نقيم الحد عليه مع ذلك كما أقامه النبي صلى الله عليه وسلم على ماعز بن مالك وعلى الغامدية مع قوله: "لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له". ومثل إقامة الحد على من شرب النبيذ المتنازع فيه متأولا مع العلم بأنه باق على العدالة، بخلاف من لا تأويل له) (12: 498).
فصواب العبارة -والله أعلم-: (كما يقول هؤلاء الأئمة: إن شارب النبيذ المتنازع فيه متأولا يجلد ولا يفسق).
فإن كان الأمر على هذا في النسخة الخطية، فلعلّ الشيخ ابن قاسم قرأ (لا) من كلمة (متأولا) مرتين، فأثبتها (متأولا لا يجلد) مع أن السياق يأبى النفي كما قدمتُه.
وإن كان ما أثبتَه الشيخ موافقًا لما في النسخة الخطية، فالإشكال قائم في معناه، لما تقدّم، ولأن شيخ الإسلام يقرر هذا المعنى في مواضعَ من كتبه، من أن شارب النبيذ متأولًا يُحَدُّ ولا يفسق، كما في: مجموع الفتاوى (10: 376)، جامع المسائل (4: 130)، منهاج السنة (6: 258).
وهذا التقرير، أعني القول بالحدّ مع عدم الحكم بالفسق، هو المعتمد من مذهب الحنابلة، كما قرروه في الأصول والفروع، ونصَّ عليه الإمام أحمد في رواية صالح بقوله: (الذي يشرب المسكر متأولا أقبل شهادته، وأصلي خلفه، وأجلده ثمانين).
(وأهل السنة والجماعة متفقون على أن المعروفين بالخير كالصحابة المعروفين وغيرهم من أهل الجمل وصفين من الجانبين لا يفسق أحد منهم فضلا عن أن يكفر حتى عدى ذلك من عداه من الفقهاء إلى سائر أهل البغي فإنهم مع إيجابهم لقتالهم منعوا أن يحكم بفسقهم لأجل التأويل كما يقول هؤلاء الأئمة: إن شارب النبيذ المتنازع فيه متأولا لا يجلد ولا يفسق).
هكذا بالنفي: (لا يجلد).
والظاهر أن كلمة (لا) مقحمة، وصواب العبارة: (يجلد ولا يفسق) ويدل على ذلك السباق واللحاق:
- فقد ذكر ابن تيمية قبل ذلك أن أهل البغي يقاتلون ولا يفسقون، يشير إلى أن العقوبة لا تقتضي التفسيق، ونظير ذلك من شرب النبيذ متأولا فإنه يعاقب بالجلد ولا يُفسَّق.
- ثم بعد صفحات أكد ابن تيمية هذا المعنى بقوله: (ومما ينبغي أن يعلم في هذا الموضع أن الشريعة قد تأمرنا بإقامة الحد على شخص في الدنيا، إما بقتل أو جلد أو غير ذلك، ويكون في الآخرة غير معذب، مثل قتال البغاة والمتأولين مع بقائهم على العدالة ومثل إقامة الحد على من تاب بعد القدرة عليه توبة صحيحة، فإنا نقيم الحد عليه مع ذلك كما أقامه النبي صلى الله عليه وسلم على ماعز بن مالك وعلى الغامدية مع قوله: "لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له". ومثل إقامة الحد على من شرب النبيذ المتنازع فيه متأولا مع العلم بأنه باق على العدالة، بخلاف من لا تأويل له) (12: 498).
فصواب العبارة -والله أعلم-: (كما يقول هؤلاء الأئمة: إن شارب النبيذ المتنازع فيه متأولا يجلد ولا يفسق).
فإن كان الأمر على هذا في النسخة الخطية، فلعلّ الشيخ ابن قاسم قرأ (لا) من كلمة (متأولا) مرتين، فأثبتها (متأولا لا يجلد) مع أن السياق يأبى النفي كما قدمتُه.
وإن كان ما أثبتَه الشيخ موافقًا لما في النسخة الخطية، فالإشكال قائم في معناه، لما تقدّم، ولأن شيخ الإسلام يقرر هذا المعنى في مواضعَ من كتبه، من أن شارب النبيذ متأولًا يُحَدُّ ولا يفسق، كما في: مجموع الفتاوى (10: 376)، جامع المسائل (4: 130)، منهاج السنة (6: 258).
وهذا التقرير، أعني القول بالحدّ مع عدم الحكم بالفسق، هو المعتمد من مذهب الحنابلة، كما قرروه في الأصول والفروع، ونصَّ عليه الإمام أحمد في رواية صالح بقوله: (الذي يشرب المسكر متأولا أقبل شهادته، وأصلي خلفه، وأجلده ثمانين).
هذا ضمن بحثٍ كتبه الشيخ د. إبراهيم اللاحم قبل ١٥ عامًا، ولا جديدَ في حال المردود عليه في جلّ ما يكتبه من أبحاثٍ حول مسائلَ إشكاليةٍ حتى يومنا هذا.
وليس الشأن في مسألةٍ بعينها وتحقيق الحق فيها، بل الآفة الكبرى في فساد المنهج البحثي بصرف النظر عن نتيجته، فضلًا عما يصحب ذلك من تنفّجٍ وضمورٍ أخلاقي، ولذلك قال الشيخ اللاحم قبل تعداده هذه الانتقادات:
(ولم يكن اهتمامي بالنتيجة التي توصل إليها بقدر اهتمامي بالطريقة التي وصل بها إلى هذه النتيجة، ذلك أنه تجاوز في هذا الكتابِ الأدبَ العلميَّ الذي التزمه من تناول هذه المسألةَ قبله).
والشيء من معدنه لا يستغرب كما يقال ويعاد
وليس الشأن في مسألةٍ بعينها وتحقيق الحق فيها، بل الآفة الكبرى في فساد المنهج البحثي بصرف النظر عن نتيجته، فضلًا عما يصحب ذلك من تنفّجٍ وضمورٍ أخلاقي، ولذلك قال الشيخ اللاحم قبل تعداده هذه الانتقادات:
(ولم يكن اهتمامي بالنتيجة التي توصل إليها بقدر اهتمامي بالطريقة التي وصل بها إلى هذه النتيجة، ذلك أنه تجاوز في هذا الكتابِ الأدبَ العلميَّ الذي التزمه من تناول هذه المسألةَ قبله).
والشيء من معدنه لا يستغرب كما يقال ويعاد
Forwarded from قناة | مِهاد الأُصُول (زياد خياط)
"تعليلات الفقهاء معادِن الفقه"
التَّعليلُ الفقهيُّ صنعة دقيقة؛ لأنَّ كل تعليل فقهي فهو مبنيٌّ على أصلٍ سابقٍ يرجع إليه؛ وكثيرًا ما يكون هذا التعليل نتيجةَ النظر الواسع في أدلة الشريعة ومعانيها وقواعدها ومقاصدها، فيأتي الفقيه -بعد هذا الاستقراء- إلى النتيجة؛ ثم يسبكها في عبارة موجزة جامعة مكتنزة.
لهذا؛ كانت تعليلات كل مذهب هي (أصوله) على التحقيق؛ لأنها من الأصول نشأت، وعنها أفصحت.
ومن ثَمَّ؛ فمَنْ لم يُدرِك أصل التعليل وبناءه؛ فإنه قد يعِنُّ له أنْ يقولَ متساهلًا: (هذا تعليل ليس عليه دليل)!
وليس الفقه بهذه السهولة، بأن يظنَّ الناظر ببدَوات نظره أن التَّعليل أتى من خيال الفقيه واستحسانه دون بناءٍ وانتزاع من الأصول؛ حتى يسهُل عليه أنْ يدفعه بالصَّدر بأوَّل خاطر!
وكم من تعليلٍ أنكرتْه قرائحُ المعاصرين؛ ثمّ لما تقدَّم بهم النَّظر في العلم؛ وجدوه تعليلا في غاية الحسن والإحكام، بل ربما وجدوا له شاهدا من الأدلة النقلية المنصوصة!
#أصول_الفقه
#مآخذ_الأصول