Telegram Web
قال ابن العربي رحمه الله تعليقًا على حديث: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك":
(منع [الشافعي] الصائمَ السواك بعد نصف النهار، لأنه وقت وجود الخلوف فيه عنده، وأباحه مالك لأن الخلوف لا يزول بالسواك، لأن أصله من المعدة، ولو زال بالسواك قبل الزوال لمنع وجوده فيه بعد الزوال إن كان مختصا بالفم.
وقد سمعت جماعة من الخطباء -أعني خطباء الأندلس- يُدخِلُون قولَ الشافعي في خطبهم، وذلك لأحد وجهين:
- إما لقلة معرفتهم بالمذهب.
- وإما لما وجدوا ذلك ثابتا في خطبهم، أعني خطب ابن ‌نباتة الواردة من قِبَل المشرق، وخطبهم مبنية على مذهب الشافعي).
هذا المعجمُ من أحبّ الكتب إلى قلبي، وهو كتابٌ يُقرَأ ويُتذوَّق لا مجرّد معجمٍ يُراجَع، وطوبى لمتفقِّهٍ جعل هذا الكتابَ أنيسَه.

ولئن كان أصلُه تفسيرًا لغريب كتاب الشرح الكبير للرافعي، إلا أنه زاد فيه ما أضحى به معجمًا عامًّا، نفضَ فيه من فروع اللغة وأصولها ما تشتهيه النفوس وتَلَذُّ العيون، مع فوائدَ وفرائدَ متنوعةِ الفنون نثرها بين تضاعيف موادّ معجمه.
وكان قد وضع كتابا مطوّلًا، ثم اختصر هذا منه، وقال في خاتمته: (هذا ما وقع عليه الاختيار من اختصار المطوَّل، وكنتُ جمعتُ أصلَه من نحو سبعين مصنَّفًا، ما بين مطوَّلٍ ومختصر) ثم سرد جملةً من عناوينها.
https://www.tgoop.com/AhmadNalSwailem/1953

من يقوى على مثل هذا إلا ذو نفس كبيرة تتعالى عن حظوظها ابتغاءَ مرضاة الله تعالى وإعلاء لمقام العلم.

هكذا أحسب صاحبي الشيخ أحمد والله حسيبه
وليس بمستغرب منه، ومن يعرفه عن قرب يعرف أيّ مقام للعلم وصيانته في قلبه

أقول هذا، وأنا أعرف قدر نشرته والجهد الذي بذله، وليس كلامه هذا ناسخًا لتحقيقه، لكنه يشفّ عن معدنٍ نادرٍ نحن أحوج ما نكون إلى مثله في زماننا
غمامةٌ عابرة!

هذه الثلاثون يومًا التي توشك أن تظلَّنا سريعة التقضي كأنها ومضة برق أو غمامة صيف، حتى لقد وصفها الله تعالى في كتابه تقليلًا بأنها (أيام معدودات)، ومعدودات أي قليلة في غاية السهولة، وعلى قلَّتها وسرعة عبورها هي فرصتنا السانحة للتحرر من أغلال الجسد، وللتحليق مجددًا بأجنحة الروح، ولتخليق عوالم جديدة من السعادة، فلا تجعل شيئًا يحول بينك وبين تأمين حياة روحية باذخة في هذه الأيام القريبة ..

‏ومهما كان تخصصك وقناعاتك وأفكارك ودرجة استقامتك السَّالِفَة لا تدعْ شيئًا يحول بينك وبين الفوز في مضمار رمضان، ولا تذر أحدًا يسرِق منك بهاء الخلوة بين سواري المسجد، أو يختلس منك لذة المناجاة لرب الأرض والسماوات، ومتعة التأمل في آيات الله الشرعية والكونية، وبهجة موالاة الختمات، وسائر صنوف الطاعات المندرجة في عمومِ قوله تعالى: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون).

ولا يَفُتَّ في عضدك أن ترى بعضهم سادرًا في غفلته، فالناس تتفاوت أعمالهم بحسب يقينهم وإيمانهم بالدار الآخرة كما قال تعالى: (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زيَّنَّا لهم أعمالهم فهم يعمهون)، فاليقين بالآخرة هو الذي يجلِّي الرؤية ويهذِّب النفس ويضبط معيار الأعمال، وفي المقابل فإن الانصراف عن تذكر الدار الآخرة يعصب على العينين حجابًا كثيفًا من العمى والعَمَهِ والحيرة والغفلة عن مواسم الطاعة.

ومن أعظم القربات في هذا الشهر الكريم ملازمة الدعاء والإلحاح به على الله، فإنه باب العطاء وأساس التوفيق وجِماع الخير كما يقول التابعي الجليل مطرِّف بن عبدالله: (تذكَّرتُ ما جماع الخير؟ فإذا الخير كثيرٌ: الصِّيام والصّلاة، وإذا هو في يد الله تعالى. وإذا أنت لا تَقدِر على ما في يد الله إلّا أن تسألَه فيُعطِيك، فإذا جماعُ الخير الدُّعاء)، وهذا الأثر أورده الإمام أحمد بسنده إلى مطرف في كتاب الزهد.

‏ ومن محاسن الشريعة أن الإنسان يثاب على مجرّد العزيمة الصادقة على العمل الصالح، فالعاقل يعزم على فعل الخيرات، لأن الإنسان يثاب على نية مجرَّدة من العمل، ولا يثاب على عملٍ مجرَّدٍ من النية، ومن نوى خيرًا وعجز عنه أو عن بعضه نالَ أجرَ من عمِله كاملا.

ومن محاسن ديننا أن العبادة بفضل الله مفهومٌ شامل أعلاه قول: لا إله الا الله. وأدناه: إماطة الأذى عن الطريق، وفيه عبادات متعدية كالإحسان إلى الناس وتلمس حاجاتهم، وعبادات قاصرة كالذكر وتلاوة القرآن والاعتكاف، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان وهذا من العبادات المتعدية، وبالمقابل كان يعتكف في هذا الشهر ويخلو بربه وهذه الخلوة من العبادات القاصرة.

‏وكثير من الناس يفضل العبادات المتعدية مطلقًا على العبادات اللازمة، ولا شك أن هذا قصور في النظر يجعل البناء الإيماني مهَلهَلا، ولذلك يقول ابن تيمية: (النفع المتعدي ليس أفضل مطلقًا؛ بل ينبغي للإنسان أن يكون له ساعات يُناجي فيها ربه، ويخلو فيها بنفسه ويحاسبها، ويكون فعله ذلك أفضل من اجتماعه بالناس ونفعهم، ولهذا كان خلوة الإنسان في الليل بربه أفضل من اجتماعه بالناس)، فأوصيك أن تجعل لنفسك حظًّا في هذا الشهر من عبادات الخلوة والتأمل والتلاوة والذكر والمناجاة ..

ولا شك أن العبادات اللازمة إذا أعطيت حقَّها فإنها تثمر في نفس صاحبِها مروجًا وأنهارًا، وتعين على العبادات المتعدية، فقد جاء في الحديث الصحيح (أن رسول الله صلى الله عله وسلم أجودَ الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فلَرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخيرِ من الريح المرسلة). علَّق الحافظ ابن حجر تعليقًا في تفسير هذا الجود النبوي المتضاعف في شهرِ رمضان من جَرَّاء مدارسة القرآن، وأشارَ إشارة معبِّرة عن الخيط الناظم بين اللازم والمتعدي، فقال رحمه الله: (فيهِ أن مدارسة القرآن تجدد له العهد بمزيد غنى النفس، والغنى سبب الجود..).

‏وأوصيك أخيرًا ألا تجهد نفسك فتنقطع في أوائل الأيام، ولكن كنْ صارمًا في وضع برنامجك المناسب، وإني بعد طول تأمل رأيت أكثر الناس اغتباطًا بمواسم العبادة وظفرًا بجوائزها من جمعوا بين أمور ثلاثة: الاستعانة بالله أولا، وكان لهم خطط صارمة مرسومة ثانيًا، وحاولوا أن يجمعوا بين الأعمال البدنية والأعمال القلبية ثالثًا، فهذه الثلاثة هي أركان السعادة والاستمرار والتوفيق، وأكثر الانقطاع إنما يأتي بسبب التقصير في جانب من هذه الجوانب ..

‏فخذها وصايا عابرة من مقصر، كان الله معك وبلَّغك أسمى آمالك وغاية أمنياتك ..


٢٥ /٨ / ١٤٤٦ هـ
في عام ٩٣١هـ تقريبًا/ ١٥٢٥م علّق الكاتب الهولندي المعروف إيراسموس تعقيبًا على ظهور طباعة الكتب: «أهناك مكان على الأرض يخلو من هذه الأسراب اللامتناهية من الكتب الجديدة؟ حتى لو كانت هذه الكتب -إذا نظر في كل كتاب منها على حدة- تقدم شيئًا يستحق المعرفة، فإن كثرتها وحدها ستشكل عائقًا جديًّا أمام التعلُّم؛ إن لم يكن بسبب التخمة، فبسبب أن عقول الناس تَتوق إلى الجديد، مما يصرفها عن قراءة المؤلفين القدامى»… وفي إطار تمجيده لـ"ألدوس" (ناشر مشهور) كمثال للناشر المثالي، لاحظ إيراسموس أن معظم الطابعين، لغياب التنظيم، «يُغرقون العالم بكُتيبات وكتب... تافهة، وجاهلة، وخبيثة، ومجنونة، ومُنافية للدين ومُخرّبة؛ وهذا الطوفان شديد حتى أنه يغمر المفيد ويطمس قيمته».
Forwarded from قناة | مِهاد الأُصُول (زياد خياط)
تيسير اللطيف المنان، السعدي(1).pdf
27.7 MB
(تيسير اللطيف المنّان: في خلاصة تفسير القرآن) للعلامة السعدي (ت ١٣٧٦) رحمه الله.
..

هذا الكتاب من أبدع ما يُقرأ في هذا الشهر، وإنك لواجدٌ فيه خلاصات تفسيرية ونكتًا تدبُّريَّة عزيزة .. وهو مرتّب على الموضوعات لا على المواضع؛ وقد حوى أقطاب المعاني القرآنية الثلاثة:
١- العقائد والأخلاق.
٢- والأحكام والشرائع.
٣- والقصص والأمثال
.

فأتى فيها بما يعجب ويروق لفظا ومعنى ، في سهولة لفظ ، وتحرير عبارة، وسلامة من التطويل، وغزارة فوائد، ودقة استنباطات.

لو جعلتَه أنيسَك وجليسَك في هذا الشهر وأنت تتلو مثاني القرآن؛ وَسِعَك ختْمُه آخر الشهر إذا قرأتَ كل يوم (١٠) صفحات فقط بإذن الله تعالى.
تكثر الوصايا في مطلع شهر رمضان بقراءة كتبٍ تعين المسلم على فقه ما يقرؤه من كتاب ربه، وهي وصايا -إذا صدرتْ من أهلها- نافعةٌ مباركة

لكن المهم ألا يشتت المرء نفسه بين تلك الوصايا، بل يقتصر منها على كتابٍ يكون هو صاحبه في هذا الشهر، ولا مانع من أن يطالع القارئ ما يوصى به من كتبٍ يومين أو ثلاثة ليجرب مدى انتفاعه بها، لكن لا يزد على ذلك، فمن المهم أن يحزم قراره سريعًا لئلا يمضي الشهر دون أن ينال حظا وافرا من العلم بسبب تشتته.

ولا تقع أسيرًا لوهم الأفضلية، فما من كتابٍ إلا وثمة ما هو أفضل منه .. والقراءة المنتظمة في كتاب مفضول خيرٌ من القراءة المشعّثة بين كتب فاضلة.
رمضان معيار التوفيق والخذلان

يُؤمَر المؤمن بالإمساك عن شهواته نهارَه كلَّه صيانةً للقلب من أي شيء يزاحمه، حتى يخلُص لله ويعمُرَ بذكرِه وتأمُّلِ كلامه.

ويجتمع المؤمنون كلَّ ليلة قيامًا لله تعالى، يرجون رحمته ويخافون عذابه، يستمعون آياتٍ لو أُنزلت على الجبال لخشعت وتصدّعت من خشية الله تعالى.

وتُحبس أنفاس الشياطين، وتضيَّقُ مجاريهم من ابن آدم، وتكبَّل أياديهم عن الإضلال، ليكمُل تحلِّي المؤمنين بطاعاتهم، ويُخلَّى بينهم وبين خالقهم.

ويترقَّب المؤمن ليلة القدر، ليختصر فيها الأزمنة، ويحوز بالعبادة في ليلتها أجورَ عبادةِ ألف شهر، بل هي {خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.

وتُضاعفُ الأجور مما يحفز على كثير من القربات، فليس سقف المضاعفة متوقفًا عند سبعمئة ضعف، بل أمرُ الصوم أعظم من ذلك، والله وحده مَن يعلم أيَّ مدى يبلغه ثواب الصائم، فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».
قال ابن رجب: (الأعمال كلها تُضاعَف بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف، إلا الصيام، فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد، بل يضاعفه الله عز وجل أضعافًا كثيرة بغير حصرِ عدد).

كل ذلك الإمداد الإلهي ابتلاءٌ من الله لعباده، والابتلاء يكون بالخير كما يكون بالشر، ليمتحن صدقَ تألُّههم، فأسبابُ الخير قائمة، ولا يمكن -والحالة تلك- أن يتخلَّف عن ركب الصالحين إلا من عُدِمَ التوفيق وتلفَّع بمروط الخذلان!

تأمَّل معي هذا الحديث: جاء في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رقى المنبر فقال: «آمين، آمين، آمين». قيل له: يا رسول الله، ما كنت تصنع هذا؟ فكان مما قال: «قال لي جبريل: رَغِم أنفُ عبدٍ دخل عليه رمضان لم يُغفر له. فقلت: آمين».
وكل ما تقدم قبضةٌ من أثر هذا الحديث، فأنت ترى كيف أن أمين السماء جبريل عليه السلام دعا على مَن أدرك رمضان ولم يغفر له لعلمه بعظيم تفضُّل الله على عباده في هذا الشهر، وقد أمَّن أمين الأرض نبينا صلى الله عليه وسلم على دعائه، فنِعمَ الداعي والمؤمِّن!

وقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه»، وقال: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه»، وقال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه».
فهذه موجبات المغفرة قد دنت لكل من أراد اللهَ والدارَ الآخرة، فلا غرو أنْ رَغِم أنفُ من أدرك رمضان ولم يُغفر له.

رمضان إذًا معيار التوفيق والخذلان
به يُعلم من وفقه الله لطاعته فأقبل عليه بقلبه وقالبه.
وبه يتبيَّن من وَكَله الله إلى نفسه فلم تُجْدِ فيه طلائع التوفيق ولم تشمله سحائب المغفرة بغيثها الهامع، فرغِمَ -بدعاء الأمينَين- أنفُه ولم يُغفَر ذنبُه، وإذا كان هذا حاله في رمضان فما الظنّ بحاله في غيره.


{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}.
قرّر العلّامة الموزِعي اليمني (٨٢٥هـ) في مقدمة كتابه الجليل "تيسير البيان لأحكام القرآن" وجوبَ العلم بلغة العرب ليُعلَمَ بها خطابُ الله تعالى وبيانُ رسوله عليه الصلاة والسلام، وذكر أن أهل العلم قد قسموا اللغة إلى أربعة أقسام، فأوردها وبيّن ما يحتاجه الفقيه من كلٍّ منها.

- فذكر أولًا علمَ الغريب، ثم علمَ النحو، وبيّن بإيجازٍ ما يحتاجه أهل النظر والفتيا منهما.

- ثم ذكر علم المعاني والبيان (=البلاغة) وقال:
(وهذا لا يحتاج إليه أهلُ النظر والفتيا، وإنما يحتاج إليه الذي يطلبُ الكشفَ عن وجه إعجاز القرآن، وضرورةُ الأدباء والشعراء إليه شديدة، بل هو عُدّتهم العتيدة).

وهذا تقريرٌ لافت محتاجٌ لفحصٍ وتأمّل.

- ثم ذكر القسم الرابع بقوله:
(والقسم الرابع، وإليه ضرورةُ أهل النظر والفتيا والمفسرين وسائر العلماء، وهو: معرفة رُسُومِ العرب في خطابها، وسننِها في كلامها، واتساعِ معانيها، وأسرارِ مبانيها، ودقيقٍ إشارتها، ولطيف عبارتِها).
وعدّ طائفةً من تلك الرسوم والسنن يبين بها مرادَه من هذا القسم، وذكر بعض كلام الشافعي في ذلك، ثم قال:
(وهذا هو الذي اعتمده أهلُ النظر والفتيا في استنباط الأحكام ومعرفة الحلال والحرام، فسمّوه: أصولَ اللغة.
وأولُ من أبرز ذلك وأظهره الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه، لا منازعةَ في ذلك ولا مريةَ، ولأجل معرفته بلسان العرب واتساع معانيها صار إمامًا للأئمة الهادين والعلماء المجتهدين رضي الله تعالى عنهم أجمعين).

وهذا القسم لم يضع له الموزعي قيدًا كما قيّد ما قبله، وهو -كما ذكر- من ضرورات نظر الفقهاء .. وهذا القسم ليس مما ينضبط بعلمٍ ولا هو مجموعٌ بين دفّتي كتاب، بل لا يتهيأ للناظر حتى يكون واسع النظر في كلام العرب، وكم من طالبِ علمٍ تراه مبخوسَ الحظ من اللغة مجتزئًا من بعض علومها بالفتات ظانًّا غناءَه عنها، وأما هذا القسم فهو معرضٌ عنه صفحًا لمّا لم يره منتظمًا في نثر ولا محويًّا في نظم .. ولو أجال نظره في تفاسير آيات الأحكام، وشروح السنة، وتفحّص ما يورده الفقهاء من وجوه دلالات النصوص في مطوّلات كتبهم الفقهيّة والخلافيّة = لأيقن أن العلمَ بهذا القسم والاتساعَ منه حتمٌ لا مناص منه، وأنّ العلماء يتفاضلون في فقه النصوص بقدر حيازته.

وقد تكفّل علم أصول الفقه بضبط القول في مادةٍ واسعةٍ من هذا القسم، وبقيتْ أخرى استبدّت بها كتب اللغة، فاحرص على استيفاء ما أمكنك من ذلك واستعن بالله ولا تعجز، وقد قال الشافعي:
(لا يعلم من إيضاح جُمِل علم الكتاب أحدٌ جهل سعةَ لسان العرب، وكثرةَ وجوهه، وجماعَ معانيه وتفرُّقَها).

واستحضِر أن الشافعي قال ذلك في رسالته التي قصد بتصنيفها فقهاءَ الشريعة ومجتهدي الملّة، فهو إنما يتغيّا بتثبيتِ ذلك تثبيتَ أحدِ أهمّ أركان الاجتهاد الفقهي، فلا يقع في وهمك أن العلمَ باللغة قاصرٌ على ما اعتاد الطلبة طلبَه وتعلمَه من نحوٍ وصرفٍ وغيرها، بل من وراء ذلك فقه رسوم العرب في خطابها وسنن كلامها ووجوه معانيها.
قناة مشاري بن سعد الشثري
قرّر العلّامة الموزِعي اليمني (٨٢٥هـ) في مقدمة كتابه الجليل "تيسير البيان لأحكام القرآن" وجوبَ العلم بلغة العرب ليُعلَمَ بها خطابُ الله تعالى وبيانُ رسوله عليه الصلاة والسلام، وذكر أن أهل العلم قد قسموا اللغة إلى أربعة أقسام، فأوردها وبيّن ما يحتاجه الفقيه…
كتب لي الشيخ د. عبدالرحمن قائد:
(هناك كتاب جليل في هذا لم يأخذ حقه، وهو "الأساليب العربية الواردة في القرآن الكريم وأثرها في التفسير من خلال تفسير الطبري" لفواز الشاووش، جمع فيه أكثر من ستين أسلوبا ودرسها، وهي أشهر الأساليب العربية وأهمها، وأصل الكتاب رسالة من الجامعة الإسلامية حصلت على جائزة أفضل رسالة في العام من جمعية تبيان، وطبعها مركز تفسير سنة 1436)
من جوامع الأدعية والاستعاذات النبوية، مع بيان معانيها

من كتاب (فقه الأدعية والأذكار) للشيخ عبدالرزاق البدر
👇🏻
"الغالب أن الأدعية المستحدثة لا تخلو من بلاء"

ابن عثيمين
2025/07/12 16:21:15
Back to Top
HTML Embed Code: