.
﷽
تفسير سورة البقرة من آية ٨٣ - إلى آية ٨٦
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
لما ذكر الله سبب عدم إيمان أهل الكتاب برسالة النبي ﷺ، وذكر استبعاد إيمانهم، حتى لا يطمع فيه النبي ﷺ وصحابته.
وذكر تحريف علمائهم للشريعة، وجهل عامتهم، جاء الحديث عن تعطيل الشريعة مع العلم وعدم الجهل:
فهم بين شرع محرف، وشرع لم يخرفوه ولكن تركوه وعطلوه.
فذكر ترك بني إسرائيل للميثاق ونقضهم للعهد.
فقال: {وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ إِحۡسَانࣰا وَذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَقُولُوا۟ لِلنَّاسِ حُسۡنࣰا وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّیۡتُمۡ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ}.
وهذه من العبادات والشعائر التي أجمعت عليها الشرائع.
فذكّرهم بما أنزل عليهم من الشرائع، وأنّبهم إذ أعرضوا عنها.
وأيضًا من تقريرهم على مقابلة نعم الله عليهم بالكفران، فإن من أعظم النعم نعمة إنزال الأحكام الشرعية، ولذا قال تعالى عن حكم مضارة الزوجة وتعليقها بغير إمساكها ولا تطليقها:
{وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰلِكَ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَا تَتَّخِذُوۤا۟ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ هُزُوࣰاۚ وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَمَاۤ أَنزَلَ عَلَیۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ یَعِظُكُم بِهِ}.
وقد اشتمل الميثاق على حق الله وحق الخلق، وأعظم الخلق حقا الوالدان.
فأمر بالتوحيد وبر الوالدين والإحسان بالكلمة الطيبة.
ﻭاﻟﺪﻳﻦ ﻫﻮ اﻷﺩﺏ ﻣﻊ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﻭاﻟﺨﻠﻖ
وقد ﺫﻛﺮ الله هنا من له الحق ﻣﺮﺗﺒﺎ اﻷﺣﻖ ﻓﺎﻷﺣﻖ.
فالوالدان أولى من غيرهما، والأقارب أولى، واليتيم أولى من المسكين.
وقوله: {وقولوا للناس حسنا}، أي أن يخاطبوهم بطيب الكلام، وأن يأمروهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر.
فعن اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ قال: "مروهم ﺑﻼ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ"،
وقال ﺳﻔﻴﺎﻥ اﻟﺜﻮﺭﻱ، ﻳﻘﻮﻝ: "ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﻗﻮﻟﻮا ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺣﺴﻨﺎ}، ﻣﺮﻭﻫﻢ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ، ﻭاﻧﻬﻮﻫﻢ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ".
ﻭقد ﺟﻌﻞ اﻹﺣﺴﺎﻥ ﻟﺴﺎﺋﺮ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﻘﻮﻝ، ولم يجعله بالفعل، ﻷﻧﻪ اﻟﻘﺪﺭ اﻟﺬﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﻪ.
وأما الوالدان والأقربون واليتامى والمساكن فأمر بالإحسان العملي لهم، لتأكد حقهم، ولدخوله تحت قدرة المكلف.
وإنّ من العجب أن يؤخذ الميثاق على القول الحسن!
فحسن الكلام بلغ مبلغا في الشرائع أن يؤخذ عليه الميثاق.
وأخذ الميثاق يدل على وجوب ذلك العمل، فهو واجب في شريعتهم، ولابد أن تكون شريعتنا أولى، لأنها الشريعة الكاملة، فكل حسن في الشرائع الماضية فهو أكمل في شريعتنا.
فالأخذ بالكلمة الطيبة، وترك البذاء والسباب من الواجبات، وفي الترمذي ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «اﻟﺤﻴﺎء ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭاﻹﻳﻤﺎﻥ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ، ﻭاﻟﺒﺬاء ﻣﻦ اﻟﺠﻔﺎء، ﻭاﻟﺠﻔﺎء ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺭ».
والمقصود وجوب جنس القول الحسن، وليس كل أفراد القول الحسن، لأن القيام بتفاصيل القول الحسن لكل معاملة لا يتصور فرضها على الناس.
وفي قوله تعالى: {ثم توليتم}، ﺃﺷﺎﺭ ﺑﺼﻴﻐﺔ (اﻟﺘﻔﻌﻞ: تولى)، ﺇﻟﻰ ﺃﻥ اﻷﻣﻮﺭ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻟﺤﺴﻨﻬﺎ ﻻ ﻳﻌﺮﺽ ﻋﻨﻬﺎ ﺇﻻ ﺑﻌﻼﺝ ومجاهدة ومضادة ﺑﻴﻦ اﻟﻔﻄﺮﺓ والنفس اﻷﻣﺎﺭة.
وقد انتقل الخطاب من الغيبة إلى المخاطب لعظم الصنيع:
{ﺛﻢ ﺗﻮﻟﻴﺘﻢ ﺇﻻ ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻨﻜﻢ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﻣﻌﺮﺿﻮﻥ}.
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻛﺒﺮ اﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﺸﺮﻙ اﻟﻘﺘﻞ جاء التذكير ﺑﻤﺎ ﺃﺧﺬ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻬﺪ المتعلق بهذا، ﻭﻗﺮﻥ ﺑﻪ اﻹﺧﺮاﺝ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﺎﺭ ﻷﻥ اﻟﻤﺎﻝ ﻋﺪﻳﻞ اﻟﺮﻭﺡ، ﻭاﻟﻤﻨﺰﻝ ﺃﻋﻈﻢ اﻟﻤﺎﻝ، ﻭﻫﻮ ﻟﻠﺠﺴﺪ ﻛﺎﻟﺠﺴﺪ ﻟﻠﺮﻭﺡ، ﻓﻘﺎﻝ:
{ وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَاۤءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ}.
قوله: {تسفكون دماءكم - تخرجون أنفسكم}، لأن هذا الأمر متعلق باﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺃﻭ اﻟﻤﻔﺴﺪﺓ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ، فمن قتل أخاه المؤمن فكأنما قتل نفسه.
وقوله: {وأنتم تشهدون}، أي أقررتم بهذا الميثاق.
وهذا يدل على أنه ﻛﺎﻥ ﺷﺎﺋﻌﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﺸﻬﻮﺭا.
وهنا مثال من أمثلة تعطيل الشريعة، مع العلم والمعرفة.
ثم قال: {ثُمَّ أَنتُمۡ هَـٰۤؤُلَاۤءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِیقࣰا مِّنكُم مِّن دِیَـٰرِهِمۡ تَظَـٰهَرُونَ عَلَیۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰنِ وَإِن یَأۡتُوكُمۡ أُسَـٰرَىٰ تُفَـٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَیۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضࣲۚ فَمَا جَزَاۤءُ مَن یَفۡعَلُ ذَ ٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡیࣱ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یُرَدُّونَ إِلَىٰۤ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ}.
=
﷽
تفسير سورة البقرة من آية ٨٣ - إلى آية ٨٦
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
لما ذكر الله سبب عدم إيمان أهل الكتاب برسالة النبي ﷺ، وذكر استبعاد إيمانهم، حتى لا يطمع فيه النبي ﷺ وصحابته.
وذكر تحريف علمائهم للشريعة، وجهل عامتهم، جاء الحديث عن تعطيل الشريعة مع العلم وعدم الجهل:
فهم بين شرع محرف، وشرع لم يخرفوه ولكن تركوه وعطلوه.
فذكر ترك بني إسرائيل للميثاق ونقضهم للعهد.
فقال: {وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ إِحۡسَانࣰا وَذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَقُولُوا۟ لِلنَّاسِ حُسۡنࣰا وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّیۡتُمۡ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ}.
وهذه من العبادات والشعائر التي أجمعت عليها الشرائع.
فذكّرهم بما أنزل عليهم من الشرائع، وأنّبهم إذ أعرضوا عنها.
وأيضًا من تقريرهم على مقابلة نعم الله عليهم بالكفران، فإن من أعظم النعم نعمة إنزال الأحكام الشرعية، ولذا قال تعالى عن حكم مضارة الزوجة وتعليقها بغير إمساكها ولا تطليقها:
{وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰلِكَ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَا تَتَّخِذُوۤا۟ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ هُزُوࣰاۚ وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَمَاۤ أَنزَلَ عَلَیۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ یَعِظُكُم بِهِ}.
وقد اشتمل الميثاق على حق الله وحق الخلق، وأعظم الخلق حقا الوالدان.
فأمر بالتوحيد وبر الوالدين والإحسان بالكلمة الطيبة.
ﻭاﻟﺪﻳﻦ ﻫﻮ اﻷﺩﺏ ﻣﻊ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﻭاﻟﺨﻠﻖ
وقد ﺫﻛﺮ الله هنا من له الحق ﻣﺮﺗﺒﺎ اﻷﺣﻖ ﻓﺎﻷﺣﻖ.
فالوالدان أولى من غيرهما، والأقارب أولى، واليتيم أولى من المسكين.
وقوله: {وقولوا للناس حسنا}، أي أن يخاطبوهم بطيب الكلام، وأن يأمروهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر.
فعن اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ قال: "مروهم ﺑﻼ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ"،
وقال ﺳﻔﻴﺎﻥ اﻟﺜﻮﺭﻱ، ﻳﻘﻮﻝ: "ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﻗﻮﻟﻮا ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺣﺴﻨﺎ}، ﻣﺮﻭﻫﻢ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ، ﻭاﻧﻬﻮﻫﻢ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ".
ﻭقد ﺟﻌﻞ اﻹﺣﺴﺎﻥ ﻟﺴﺎﺋﺮ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﻘﻮﻝ، ولم يجعله بالفعل، ﻷﻧﻪ اﻟﻘﺪﺭ اﻟﺬﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﻪ.
وأما الوالدان والأقربون واليتامى والمساكن فأمر بالإحسان العملي لهم، لتأكد حقهم، ولدخوله تحت قدرة المكلف.
وإنّ من العجب أن يؤخذ الميثاق على القول الحسن!
فحسن الكلام بلغ مبلغا في الشرائع أن يؤخذ عليه الميثاق.
وأخذ الميثاق يدل على وجوب ذلك العمل، فهو واجب في شريعتهم، ولابد أن تكون شريعتنا أولى، لأنها الشريعة الكاملة، فكل حسن في الشرائع الماضية فهو أكمل في شريعتنا.
فالأخذ بالكلمة الطيبة، وترك البذاء والسباب من الواجبات، وفي الترمذي ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «اﻟﺤﻴﺎء ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭاﻹﻳﻤﺎﻥ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ، ﻭاﻟﺒﺬاء ﻣﻦ اﻟﺠﻔﺎء، ﻭاﻟﺠﻔﺎء ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺭ».
والمقصود وجوب جنس القول الحسن، وليس كل أفراد القول الحسن، لأن القيام بتفاصيل القول الحسن لكل معاملة لا يتصور فرضها على الناس.
وفي قوله تعالى: {ثم توليتم}، ﺃﺷﺎﺭ ﺑﺼﻴﻐﺔ (اﻟﺘﻔﻌﻞ: تولى)، ﺇﻟﻰ ﺃﻥ اﻷﻣﻮﺭ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻟﺤﺴﻨﻬﺎ ﻻ ﻳﻌﺮﺽ ﻋﻨﻬﺎ ﺇﻻ ﺑﻌﻼﺝ ومجاهدة ومضادة ﺑﻴﻦ اﻟﻔﻄﺮﺓ والنفس اﻷﻣﺎﺭة.
وقد انتقل الخطاب من الغيبة إلى المخاطب لعظم الصنيع:
{ﺛﻢ ﺗﻮﻟﻴﺘﻢ ﺇﻻ ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻨﻜﻢ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﻣﻌﺮﺿﻮﻥ}.
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻛﺒﺮ اﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﺸﺮﻙ اﻟﻘﺘﻞ جاء التذكير ﺑﻤﺎ ﺃﺧﺬ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻬﺪ المتعلق بهذا، ﻭﻗﺮﻥ ﺑﻪ اﻹﺧﺮاﺝ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﺎﺭ ﻷﻥ اﻟﻤﺎﻝ ﻋﺪﻳﻞ اﻟﺮﻭﺡ، ﻭاﻟﻤﻨﺰﻝ ﺃﻋﻈﻢ اﻟﻤﺎﻝ، ﻭﻫﻮ ﻟﻠﺠﺴﺪ ﻛﺎﻟﺠﺴﺪ ﻟﻠﺮﻭﺡ، ﻓﻘﺎﻝ:
{ وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَاۤءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ}.
قوله: {تسفكون دماءكم - تخرجون أنفسكم}، لأن هذا الأمر متعلق باﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺃﻭ اﻟﻤﻔﺴﺪﺓ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ، فمن قتل أخاه المؤمن فكأنما قتل نفسه.
وقوله: {وأنتم تشهدون}، أي أقررتم بهذا الميثاق.
وهذا يدل على أنه ﻛﺎﻥ ﺷﺎﺋﻌﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﺸﻬﻮﺭا.
وهنا مثال من أمثلة تعطيل الشريعة، مع العلم والمعرفة.
ثم قال: {ثُمَّ أَنتُمۡ هَـٰۤؤُلَاۤءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِیقࣰا مِّنكُم مِّن دِیَـٰرِهِمۡ تَظَـٰهَرُونَ عَلَیۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰنِ وَإِن یَأۡتُوكُمۡ أُسَـٰرَىٰ تُفَـٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَیۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضࣲۚ فَمَا جَزَاۤءُ مَن یَفۡعَلُ ذَ ٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡیࣱ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یُرَدُّونَ إِلَىٰۤ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ}.
=
=
فأخبر سبحانه عن التناقض الذي وقعوا فيه،
فعن اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ: "كانوا ﻓﺮﻳﻘﻴﻦ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻗﻴﻨﻘﺎﻉ ﺣﻠﻔﺎء اﻟﺨﺰﺭﺝ، ﻭاﻟﻨﻀﻴﺮ ﻭﻗﺮﻳﻈﺔ ﺣﻠﻔﺎء اﻷﻭﺱ، ﻓﻜﺎﻧﻮا ﺇﺫا ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﻦ اﻷﻭﺱ ﻭاﻟﺨﺰﺭﺝ ﺣﺮﺏ ﺧﺮﺟﺖ ﺑﻨﻮ ﻗﻴﻨﻘﺎﻉ ﻣﻊ اﻟﺨﺰﺭﺝ، ﻭﺧﺮﺟﺖ اﻟﻨﻀﻴﺮ ﻭﻗﺮﻳﻈﺔ ﻣﻊ اﻷﻭﺱ، ﻳﻈﺎﻫﺮ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻳﻘﻴﻦ ﺣﻠﻔﺎءﻩ ﻋﻠﻰ ﺇﺧﻮاﻧﻪ - يعني به في ﺣﺮﺏ ﺳﻤﻴﺮ- ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺴﺎﻓﻜﻮا ﺩﻣﺎءﻫﻢ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻭﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ اﻟﺘﻮﺭاﺓ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭﻣﺎ ﻟﻬﻢ.. ﻓﺈﺫا ﻭﺿﻌﺖ اﻟﺤﺮﺏ ﺃﻭﺯاﺭﻫﺎ اﻓﺘﺪﻭا ﺃﺳﺮاﻫﻢ، ﺗﺼﺪﻳﻘﺎ ﻟﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻮﺭاﺓ ﻭﺃﺧﺬا ﺑﻪ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ: ﻳﻔﺘﺪﻱ ﺑﻨﻮ ﻗﻴﻨﻘﺎﻉ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﺳﺮاﻫﻢ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻱ اﻷﻭﺱ، ﻭﺗﻔﺘﺪﻱ اﻟﻨﻀﻴﺮ ﻭﻗﺮﻳﻈﺔ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻱ اﻟﺨﺰﺭﺝ ﻣﻨﻬﻢ،".
فذمهم الله بأخذهم من الدين بالتشهي والهوى، فإن الذي أوجب فداء الأسير، هو الذي حرم قتل النفس.
وفي قوله: {ثم أنتم هؤلاء}: كأنه يخاطب مجهولين، لا يعرف لهم اسم! زيادة في تحقيرهم.
وقوله: {تظاهرون ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﻹﺛﻢ}، تعاونون وأنتم مصاحبون للإثم ﻭﻫﻮ ﺃﺳﻮﺃ اﻻﻋﺘﺪاء ﻓﻲ ﻗﻮﻝ ﺃﻭ ﻓﻌﻞ ﺃﻭ ﺣﺎﻝ.
ثم قال: {وما الله بغافل عما تعملون}، فقال: تعملون، ولم يقل: يعملون، فواجههم ﺑﺎﻟﺘﻬﺪﻳﺪ وهو ﺃﺩﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﻀﺐ.
فإذا كانت صفة محمد قد علموها في كتبهم، ومع ذلك كفروا به، فكذلك هنا، يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.
وقوله: {تظاهرون}، اﻟﺘﻈﺎﻫﺮ،ة التعاون، قيل له ذلك، ﻟﺘﻘﻮﻳﺔ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻇﻬﺮ ﺑﻌﺾ.
وقوله: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض}، فقد سمى النبي ﷺ القتل كفرا، كما في الصحيحين: «لا ﺗﺮﺟﻌﻮا ﺑﻌﺪﻱ ﻛﻔﺎﺭا ﻳﻀﺮﺏ ﺑﻌﻀﻜﻢ ﺭﻗﺎﺏ ﺑﻌﺾ».
وعن ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎﺏ ﻗﺎﻝ: ﻓﻲ ﻗﺼﺔ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮاﺋﻴﻞ: ﺇﻥ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮاﺋﻴﻞ ﻗﺪ ﻣﻀﻮا ﻭﺇﻧﻜﻢ ﺃﻧﺘﻢ ﺗﻌﻨﻮﻥ ﺑﻬﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ".
ثم قال سبحانه: {أُو۟لَـٰۤئكَ ٱلَّذِینَ ٱشۡتَرَوُا۟ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا بِٱلۡـَٔاخِرَةِۖ فَلَا یُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ یُنصَرُونَ}
فخاطب الله المسلمين مبينا حال هؤلاء المجرمين ومآلهم يوم القيامة، فقال:
{ﺃﻭﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ اﺷﺘﺮﻭا اﻟﺤﻴﺎﺓ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻵﺧﺮﺓ. ﻓﻼ ﻳﺨﻔﻒ ﻋﻨﻬﻢ اﻟﻌﺬاﺏ ﻭﻻ ﻫﻢ ﻳﻨﺼﺮﻭﻥ}، فقد أكذبهم الله حين قالوا: {لن تمسنا النار إلا أياما معدودة}.
والمقصود بشراء الحياة الدنيا، أنهم تركوا الميثاق للحلف الذي بينهم وبين الأوس والخزرج.
والله أعلم.
فأخبر سبحانه عن التناقض الذي وقعوا فيه،
فعن اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ: "كانوا ﻓﺮﻳﻘﻴﻦ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻗﻴﻨﻘﺎﻉ ﺣﻠﻔﺎء اﻟﺨﺰﺭﺝ، ﻭاﻟﻨﻀﻴﺮ ﻭﻗﺮﻳﻈﺔ ﺣﻠﻔﺎء اﻷﻭﺱ، ﻓﻜﺎﻧﻮا ﺇﺫا ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﻦ اﻷﻭﺱ ﻭاﻟﺨﺰﺭﺝ ﺣﺮﺏ ﺧﺮﺟﺖ ﺑﻨﻮ ﻗﻴﻨﻘﺎﻉ ﻣﻊ اﻟﺨﺰﺭﺝ، ﻭﺧﺮﺟﺖ اﻟﻨﻀﻴﺮ ﻭﻗﺮﻳﻈﺔ ﻣﻊ اﻷﻭﺱ، ﻳﻈﺎﻫﺮ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻳﻘﻴﻦ ﺣﻠﻔﺎءﻩ ﻋﻠﻰ ﺇﺧﻮاﻧﻪ - يعني به في ﺣﺮﺏ ﺳﻤﻴﺮ- ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺴﺎﻓﻜﻮا ﺩﻣﺎءﻫﻢ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻭﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ اﻟﺘﻮﺭاﺓ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭﻣﺎ ﻟﻬﻢ.. ﻓﺈﺫا ﻭﺿﻌﺖ اﻟﺤﺮﺏ ﺃﻭﺯاﺭﻫﺎ اﻓﺘﺪﻭا ﺃﺳﺮاﻫﻢ، ﺗﺼﺪﻳﻘﺎ ﻟﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻮﺭاﺓ ﻭﺃﺧﺬا ﺑﻪ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ: ﻳﻔﺘﺪﻱ ﺑﻨﻮ ﻗﻴﻨﻘﺎﻉ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﺳﺮاﻫﻢ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻱ اﻷﻭﺱ، ﻭﺗﻔﺘﺪﻱ اﻟﻨﻀﻴﺮ ﻭﻗﺮﻳﻈﺔ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻱ اﻟﺨﺰﺭﺝ ﻣﻨﻬﻢ،".
فذمهم الله بأخذهم من الدين بالتشهي والهوى، فإن الذي أوجب فداء الأسير، هو الذي حرم قتل النفس.
وفي قوله: {ثم أنتم هؤلاء}: كأنه يخاطب مجهولين، لا يعرف لهم اسم! زيادة في تحقيرهم.
وقوله: {تظاهرون ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﻹﺛﻢ}، تعاونون وأنتم مصاحبون للإثم ﻭﻫﻮ ﺃﺳﻮﺃ اﻻﻋﺘﺪاء ﻓﻲ ﻗﻮﻝ ﺃﻭ ﻓﻌﻞ ﺃﻭ ﺣﺎﻝ.
ثم قال: {وما الله بغافل عما تعملون}، فقال: تعملون، ولم يقل: يعملون، فواجههم ﺑﺎﻟﺘﻬﺪﻳﺪ وهو ﺃﺩﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﻀﺐ.
فإذا كانت صفة محمد قد علموها في كتبهم، ومع ذلك كفروا به، فكذلك هنا، يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.
وقوله: {تظاهرون}، اﻟﺘﻈﺎﻫﺮ،ة التعاون، قيل له ذلك، ﻟﺘﻘﻮﻳﺔ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻇﻬﺮ ﺑﻌﺾ.
وقوله: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض}، فقد سمى النبي ﷺ القتل كفرا، كما في الصحيحين: «لا ﺗﺮﺟﻌﻮا ﺑﻌﺪﻱ ﻛﻔﺎﺭا ﻳﻀﺮﺏ ﺑﻌﻀﻜﻢ ﺭﻗﺎﺏ ﺑﻌﺾ».
وعن ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎﺏ ﻗﺎﻝ: ﻓﻲ ﻗﺼﺔ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮاﺋﻴﻞ: ﺇﻥ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮاﺋﻴﻞ ﻗﺪ ﻣﻀﻮا ﻭﺇﻧﻜﻢ ﺃﻧﺘﻢ ﺗﻌﻨﻮﻥ ﺑﻬﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ".
ثم قال سبحانه: {أُو۟لَـٰۤئكَ ٱلَّذِینَ ٱشۡتَرَوُا۟ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا بِٱلۡـَٔاخِرَةِۖ فَلَا یُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ یُنصَرُونَ}
فخاطب الله المسلمين مبينا حال هؤلاء المجرمين ومآلهم يوم القيامة، فقال:
{ﺃﻭﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ اﺷﺘﺮﻭا اﻟﺤﻴﺎﺓ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻵﺧﺮﺓ. ﻓﻼ ﻳﺨﻔﻒ ﻋﻨﻬﻢ اﻟﻌﺬاﺏ ﻭﻻ ﻫﻢ ﻳﻨﺼﺮﻭﻥ}، فقد أكذبهم الله حين قالوا: {لن تمسنا النار إلا أياما معدودة}.
والمقصود بشراء الحياة الدنيا، أنهم تركوا الميثاق للحلف الذي بينهم وبين الأوس والخزرج.
والله أعلم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
البث بعد قليل
-بإذن ﷲ-
على القناة العامة:
https://www.tgoop.com/mohdromih_drs
البث بعد قليل
-بإذن ﷲ-
على القناة العامة:
https://www.tgoop.com/mohdromih_drs
.
﷽
تفسير سورة البقرة من آية (٨٧ إلى آية ٩٣)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد:
فلما ذكر الله تحريف بني إسرائيل للكتاب، ثم ذكر تعطيلهم للكتاب وتركهم له، بين أنهم صنعوا ذلك مع ما أوتي أنبياؤهم من المؤيدات.
فقد تتابعت فيهم الرسل، وهذا يقوي الأخذ بالشرائع وليس تركها.
حتى بعث عيسى عليه السلام، فأيده الله بالمعجزات العظيمة، وأيده بجبريل ﷺ.
ثم ذكر معاذيرهم التي يتعذرون بها لرد الوحي.
فذكر من معاذيرهم عذرا له شُعَب:
فذكر خصلة الكبر التي تفرع عنها كل شر.
- فقد تفرع عن كبرهم، ورؤية أنفسهم: تصامّهم عن سماع الحق، حتى قالوا: قلوبنا مقفلة عن سماع كلامك يا محمد.
- وتفرع عن ذلك: كفرهم بالكتاب الجديد لأنه أنزل على غيرهم، بعد أن كانت أعناقهم متطاولة له، بغيًا وحسدًا، والحسد خصلة تنتج عن الكبر، فإن صاحبها يرى في نفسه استحقاقه لهذه النعمة، لما يرى في نفسه من فضيلة، ثم يحسد من يؤتى تلك النعمة.
- وتفرع عن ذلك الاستغناء عن الوحي، ودعواهم الاكتفاء بما عندهم.
فقال تعالى: {وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ وَقَفَّیۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ وَءَاتَیۡنَا عِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَأَیَّدۡنَـٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ}
{وقفينا}: أي ﺃﺗﺒﻌﻨﺎ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺧﻠﻒ ﺑﻌﺾ، ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻔﻮ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺮﺟﻞ ﺇﺫا ﺳﺎﺭ ﻓﻲ ﺃﺛﺮﻩ.
واﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﺟﻤﻞ ﺫﻛﺮ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﺛﻢ ﻓﺼﻞ ﺫﻛﺮ ﻋﻴﺴﻰ ﻷﻥ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﻞ ﺟﺎءﻭا ﺑﺸﺮﻳﻌﺔ ﻣﻮﺳﻰ ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻣﺘﺒﻌﻴﻦ ﻟﻪ، ﻭﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ ﻋﻴﺴﻰ، ﻷﻥ ﺷﺮﻋﻪ ﻧﺴﺦ ﺃﻛﺜﺮ ﺷﺮﻉ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ.
ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﺃﻳّﺪﻧﺎﻩ ﺑﺮﻭﺡ اﻟﻘﺪﺱ}، هو جبريل، ذكره غير واحد السلف.
ﻭﺳﻤﻰ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﺭﻭﺣﺎ لأن به الحياة، ﻭﺃﺿﺎﻓﻪ ﺇﻟﻰ اﻟﻘﺪﺱ ﻷﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﺑﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﺭﻭﺣﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻭﻻﺩﺓ ﻭاﻟﺪ ﻭﻟﺪﻩ.
اﻟﻤﺮاﺩ ﻣﻦ ﺭﻭﺡ اﻟﻘﺪﺱ اﻟﺮﻭﺡ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﺎﻝ: ﺣﺎﺗﻢ اﻟﺠﻮﺩ ﻭﺭﺟﻞ ﺻﺪﻕ ﻓﻮﺻﻒ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﺸﺮﻳﻔﺎ ﻟﻪ ﻭﺑﻴﺎﻧﺎ ﻟﻌﻠﻮ ﻣﺮﺗﺒﺘﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ.ﺳﻤﻲ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺑﺬﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻳﺤﻴﺎ ﺑﻪ اﻟﺪﻳﻦ ﻛﻤﺎ ﻳﺤﻴﺎ اﻟﺒﺪﻥ ﺑﺎﻟﺮﻭﺡ ﻓﺈﻧﻪ ﻫﻮ اﻟﻤﺘﻮﻟﻲ ﻹﻧﺰاﻝ اﻟﻮﺣﻲ ﺇﻟﻰ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻭاﻟﻤﻜﻠﻔﻮﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻳﺤﻴﻮﻥ ﻓﻲ ﺩﻳﻨﻬﻢﻛﺎﻧﻮا ﻛﺬﻟﻚ ﻹﺭاﺩﺗﻬﻢ اﻟﺮﻓﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻃﻠﺒﻬﻢ ﻟﺬاﺗﻬﺎ ﻭاﻟﺘﺮﺅﺱ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻣﺘﻬﻢ ﻭﺃﺧﺬ ﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻖ، ﻭﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﺳﻞ ﺗﺒﻄﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺫﻟﻚ ﻓﻴﻜﺬﺑﻮﻧﻬﻢ ﻷﺟﻞ ﺫﻟﻚ ﻭﻳﻮﻫﻤﻮﻥ ﻋﻮاﻣﻬﻢ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻛﺎﺫﺑﻴﻦ ﻭﻳﺤﺘﺠﻮﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﺘﺤﺮﻳﻒ ﻭﺳﻮء اﻟﺘﺄﻭﻳﻞ
والتأييد الملائكي قد ذكر الله في كتابه أنواعا منه، كالقتال مع المؤمنين، وتثبيتهم.
وأعلى التأييد تأييد جبريل ﷺ.
ومن التأييد العلني ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﺇﻥ ﻟﻠﺸﻴﻄﺎﻥ ﻟﻤﺔ ﺑﺎﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﻭﻟﻞﻣﻠﻚ ﻟﻤﺔ ﻓﺄﻣﺎ ﻟﻤﺔ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻓﺈﻳﻌﺎﺩ ﺑﺎﻟﺸﺮ ﻭﺗﻜﺬﻳﺐ ﺑﺎﻟﺤﻖ، ﻭﺃﻣﺎ ﻟﻤﺔ اﻝﻣﻠﻚ ﻓﺈﻳﻌﺎﺩ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ ﻭﺗﺼﺪﻳﻖ ﺑﺎﻟﺤﻖ، ﻓﻤﻦ ﻭﺟﺪ ﺫﻟﻚ ﻓﻠﻴﻌﻠﻢ ﺃﻧّﻪ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ﻓﻠﻴﺤﻤﺪ اﻟﻠﻪ ﻭﻣﻦ ﻭﺟﺪ اﻷﺧﺮﻯ ﻓﻠﻴﺘﻌﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ اﻟﺮﺟﻴﻢ، ﺛﻢ ﻗﺮﺃ: {اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻳﻌﺪﻛﻢ اﻟﻔﻘﺮ ﻭﻳﺄﻣﺮﻛﻢ ﺑﺎﻟﻔﺤﺸﺎء}».
ثم قال سبحانه: {أَفَكُلَّمَا جَاۤءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰۤ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِیقࣰا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِیقࣰا تَقۡتُلُونَ وَقَالُوا۟ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَقَلِیلࣰا مَّا یُؤۡمِنُونَ}.
إنه الكبر، رأس كل خطيئة من خطاياهم، ولقد بلغ بهم الكبر مبلغًا صاروا معه إلى قسمين:
مكذبين للرسل، وقتلة لهم.
وهنا في قوله تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاۤءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰۤ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ}، فذكر الله ﷻ أنّ من أسباب ردهم للشرع:
مخالفته لهواهم.
وقد وصفهم الله بوصف عجيب!
فنفوسهم طفولية النزعة، فتراهم إذا لم يوافق هواهم شيء ضاقت نفوسهم كبرا.
وهل يملك النبي ﷺ أن يغير الوحي، وأن يأتي بغير ما شرعه الله؟
إن الدعوات والشرائع لا تخضع لأهواء الداخلين، ولا لرغباتهم.
وإن حصول الكبر لعدم وجود الموافق للهوى نوع من الكبر عجيب.
فالكبر نوعان:
كبر على الناس، وكبر على الحق.
فالمتكبر يتكبر إما غمطًا للناس، وإما بطرًا للحق.
فبتكبر لتميّز يراه في نفسه، وهذا الذي يعرفه الناس ويرونه من المتكبرين.
وإما أن يتكبر المتكبر لعدم موافقة الحق هواه، فيستكبر على الحق، وذاك شأن من النفوس عجيب.
وفي صحيح مسلم قال ﷺ: «الكبر بطر الحق، وغمط الناس».
• وقد دعاهم كبرهم أن يقولوا: {وَقَالُوا۟ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ}، ﻭاﻟﻐﻠﻒ ﺑﻀﻢ ﻓﺴﻜﻮﻥ ﺟﻤﻊ ﺃﻏﻠﻒ، ﻭﻫﻮ اﻟﺸﺪﻳﺪ اﻟﻐﻼﻑ، ﻣﺸﺘﻖ ﻣﻦ ﻏﻠﻔﻪ ﺇﺫا ﺟﻌﻞ ﻟﻪ ﻏﻼﻓﺎ، ﻭﻫﻮ اﻟﻮﻋﺎء اﻟﺤﺎﻓﻆ ﻟﻠﺸﻲء، ﻭاﻟﺴﺎﺗﺮ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻭﺻﻮﻝ ﻣﺎ ﻳﻜﺮﻩ ﻟﻪ.
فمن أسباب رد الحق التي ذكرها الله عن بني إسرائيل:
دعوى القلوب الغلف!
ولم تجرِ عادة الناس أن يعترفوا بفساد قلوبهم، ولا بقسوتها عن الحق! فلماذا قال بنو إسرائيل ذلك؟
ويظهر أنهم لم يقصدوا بهذا الوصف وصفًا مذمومًا، ولكن المقصود أن دعوتك يا محمد لا تنفذ إلى عقولنا ووعيينا.
=
﷽
تفسير سورة البقرة من آية (٨٧ إلى آية ٩٣)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد:
فلما ذكر الله تحريف بني إسرائيل للكتاب، ثم ذكر تعطيلهم للكتاب وتركهم له، بين أنهم صنعوا ذلك مع ما أوتي أنبياؤهم من المؤيدات.
فقد تتابعت فيهم الرسل، وهذا يقوي الأخذ بالشرائع وليس تركها.
حتى بعث عيسى عليه السلام، فأيده الله بالمعجزات العظيمة، وأيده بجبريل ﷺ.
ثم ذكر معاذيرهم التي يتعذرون بها لرد الوحي.
فذكر من معاذيرهم عذرا له شُعَب:
فذكر خصلة الكبر التي تفرع عنها كل شر.
- فقد تفرع عن كبرهم، ورؤية أنفسهم: تصامّهم عن سماع الحق، حتى قالوا: قلوبنا مقفلة عن سماع كلامك يا محمد.
- وتفرع عن ذلك: كفرهم بالكتاب الجديد لأنه أنزل على غيرهم، بعد أن كانت أعناقهم متطاولة له، بغيًا وحسدًا، والحسد خصلة تنتج عن الكبر، فإن صاحبها يرى في نفسه استحقاقه لهذه النعمة، لما يرى في نفسه من فضيلة، ثم يحسد من يؤتى تلك النعمة.
- وتفرع عن ذلك الاستغناء عن الوحي، ودعواهم الاكتفاء بما عندهم.
فقال تعالى: {وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ وَقَفَّیۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ وَءَاتَیۡنَا عِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَأَیَّدۡنَـٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ}
{وقفينا}: أي ﺃﺗﺒﻌﻨﺎ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺧﻠﻒ ﺑﻌﺾ، ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻔﻮ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺮﺟﻞ ﺇﺫا ﺳﺎﺭ ﻓﻲ ﺃﺛﺮﻩ.
واﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﺟﻤﻞ ﺫﻛﺮ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﺛﻢ ﻓﺼﻞ ﺫﻛﺮ ﻋﻴﺴﻰ ﻷﻥ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﻞ ﺟﺎءﻭا ﺑﺸﺮﻳﻌﺔ ﻣﻮﺳﻰ ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻣﺘﺒﻌﻴﻦ ﻟﻪ، ﻭﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ ﻋﻴﺴﻰ، ﻷﻥ ﺷﺮﻋﻪ ﻧﺴﺦ ﺃﻛﺜﺮ ﺷﺮﻉ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ.
ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﺃﻳّﺪﻧﺎﻩ ﺑﺮﻭﺡ اﻟﻘﺪﺱ}، هو جبريل، ذكره غير واحد السلف.
ﻭﺳﻤﻰ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﺭﻭﺣﺎ لأن به الحياة، ﻭﺃﺿﺎﻓﻪ ﺇﻟﻰ اﻟﻘﺪﺱ ﻷﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﺑﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﺭﻭﺣﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻭﻻﺩﺓ ﻭاﻟﺪ ﻭﻟﺪﻩ.
اﻟﻤﺮاﺩ ﻣﻦ ﺭﻭﺡ اﻟﻘﺪﺱ اﻟﺮﻭﺡ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﺎﻝ: ﺣﺎﺗﻢ اﻟﺠﻮﺩ ﻭﺭﺟﻞ ﺻﺪﻕ ﻓﻮﺻﻒ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﺸﺮﻳﻔﺎ ﻟﻪ ﻭﺑﻴﺎﻧﺎ ﻟﻌﻠﻮ ﻣﺮﺗﺒﺘﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ.ﺳﻤﻲ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﺑﺬﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻳﺤﻴﺎ ﺑﻪ اﻟﺪﻳﻦ ﻛﻤﺎ ﻳﺤﻴﺎ اﻟﺒﺪﻥ ﺑﺎﻟﺮﻭﺡ ﻓﺈﻧﻪ ﻫﻮ اﻟﻤﺘﻮﻟﻲ ﻹﻧﺰاﻝ اﻟﻮﺣﻲ ﺇﻟﻰ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻭاﻟﻤﻜﻠﻔﻮﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻳﺤﻴﻮﻥ ﻓﻲ ﺩﻳﻨﻬﻢﻛﺎﻧﻮا ﻛﺬﻟﻚ ﻹﺭاﺩﺗﻬﻢ اﻟﺮﻓﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻃﻠﺒﻬﻢ ﻟﺬاﺗﻬﺎ ﻭاﻟﺘﺮﺅﺱ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻣﺘﻬﻢ ﻭﺃﺧﺬ ﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻖ، ﻭﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﺳﻞ ﺗﺒﻄﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺫﻟﻚ ﻓﻴﻜﺬﺑﻮﻧﻬﻢ ﻷﺟﻞ ﺫﻟﻚ ﻭﻳﻮﻫﻤﻮﻥ ﻋﻮاﻣﻬﻢ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻛﺎﺫﺑﻴﻦ ﻭﻳﺤﺘﺠﻮﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﺘﺤﺮﻳﻒ ﻭﺳﻮء اﻟﺘﺄﻭﻳﻞ
والتأييد الملائكي قد ذكر الله في كتابه أنواعا منه، كالقتال مع المؤمنين، وتثبيتهم.
وأعلى التأييد تأييد جبريل ﷺ.
ومن التأييد العلني ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﺇﻥ ﻟﻠﺸﻴﻄﺎﻥ ﻟﻤﺔ ﺑﺎﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﻭﻟﻞﻣﻠﻚ ﻟﻤﺔ ﻓﺄﻣﺎ ﻟﻤﺔ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻓﺈﻳﻌﺎﺩ ﺑﺎﻟﺸﺮ ﻭﺗﻜﺬﻳﺐ ﺑﺎﻟﺤﻖ، ﻭﺃﻣﺎ ﻟﻤﺔ اﻝﻣﻠﻚ ﻓﺈﻳﻌﺎﺩ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ ﻭﺗﺼﺪﻳﻖ ﺑﺎﻟﺤﻖ، ﻓﻤﻦ ﻭﺟﺪ ﺫﻟﻚ ﻓﻠﻴﻌﻠﻢ ﺃﻧّﻪ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ﻓﻠﻴﺤﻤﺪ اﻟﻠﻪ ﻭﻣﻦ ﻭﺟﺪ اﻷﺧﺮﻯ ﻓﻠﻴﺘﻌﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ اﻟﺮﺟﻴﻢ، ﺛﻢ ﻗﺮﺃ: {اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻳﻌﺪﻛﻢ اﻟﻔﻘﺮ ﻭﻳﺄﻣﺮﻛﻢ ﺑﺎﻟﻔﺤﺸﺎء}».
ثم قال سبحانه: {أَفَكُلَّمَا جَاۤءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰۤ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِیقࣰا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِیقࣰا تَقۡتُلُونَ وَقَالُوا۟ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَقَلِیلࣰا مَّا یُؤۡمِنُونَ}.
إنه الكبر، رأس كل خطيئة من خطاياهم، ولقد بلغ بهم الكبر مبلغًا صاروا معه إلى قسمين:
مكذبين للرسل، وقتلة لهم.
وهنا في قوله تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاۤءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰۤ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ}، فذكر الله ﷻ أنّ من أسباب ردهم للشرع:
مخالفته لهواهم.
وقد وصفهم الله بوصف عجيب!
فنفوسهم طفولية النزعة، فتراهم إذا لم يوافق هواهم شيء ضاقت نفوسهم كبرا.
وهل يملك النبي ﷺ أن يغير الوحي، وأن يأتي بغير ما شرعه الله؟
إن الدعوات والشرائع لا تخضع لأهواء الداخلين، ولا لرغباتهم.
وإن حصول الكبر لعدم وجود الموافق للهوى نوع من الكبر عجيب.
فالكبر نوعان:
كبر على الناس، وكبر على الحق.
فالمتكبر يتكبر إما غمطًا للناس، وإما بطرًا للحق.
فبتكبر لتميّز يراه في نفسه، وهذا الذي يعرفه الناس ويرونه من المتكبرين.
وإما أن يتكبر المتكبر لعدم موافقة الحق هواه، فيستكبر على الحق، وذاك شأن من النفوس عجيب.
وفي صحيح مسلم قال ﷺ: «الكبر بطر الحق، وغمط الناس».
• وقد دعاهم كبرهم أن يقولوا: {وَقَالُوا۟ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ}، ﻭاﻟﻐﻠﻒ ﺑﻀﻢ ﻓﺴﻜﻮﻥ ﺟﻤﻊ ﺃﻏﻠﻒ، ﻭﻫﻮ اﻟﺸﺪﻳﺪ اﻟﻐﻼﻑ، ﻣﺸﺘﻖ ﻣﻦ ﻏﻠﻔﻪ ﺇﺫا ﺟﻌﻞ ﻟﻪ ﻏﻼﻓﺎ، ﻭﻫﻮ اﻟﻮﻋﺎء اﻟﺤﺎﻓﻆ ﻟﻠﺸﻲء، ﻭاﻟﺴﺎﺗﺮ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻭﺻﻮﻝ ﻣﺎ ﻳﻜﺮﻩ ﻟﻪ.
فمن أسباب رد الحق التي ذكرها الله عن بني إسرائيل:
دعوى القلوب الغلف!
ولم تجرِ عادة الناس أن يعترفوا بفساد قلوبهم، ولا بقسوتها عن الحق! فلماذا قال بنو إسرائيل ذلك؟
ويظهر أنهم لم يقصدوا بهذا الوصف وصفًا مذمومًا، ولكن المقصود أن دعوتك يا محمد لا تنفذ إلى عقولنا ووعيينا.
=
=
وقد أخبرنا الله أن الأمر ليس كما ذكروه، ولكنها اللعنة التي لعنوها!
وقد أخبرنا الله بأسباب لعن بني إسرائيل:
- رد الحق بعد المعرفة كما في الآية التالية.
- كتم الحق، كما قال سبحانه: {إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡتُمُونَ مَاۤ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَیَّنَّـٰهُ لِلنَّاسِ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَیَلۡعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ}، [سُورَةُ البَقَرَةِ: ١٥٩].
- التحايل على الأوامر، {كَمَا لَعَنَّاۤ أَصۡحَـٰبَ ٱلسَّبۡتِۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولًا}، [سُورَةُ النِّسَاءِ: ٤٧].
- نقض الميثاق، كما قال سبحانه: {فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّیثَـٰقَهُمۡ لَعَنَّـٰهُمۡ}، [سُورَةُ المَائـِدَةِ: ١٣]
- ترك إنكار المنكر، قال تعالى: { كَانُوا۟ لَا یَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرࣲ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ (٧٩)
- تولي الكفار، قال تعالى: {تَرَىٰ كَثِیرࣰا مِّنۡهُمۡ یَتَوَلَّوۡنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ۚ}.
ثم قال سبحانه: {وَلَمَّا جَاۤءَهُمۡ كِتَـٰبࣱ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقࣱ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُوا۟ مِن قَبۡلُ یَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فَلَمَّا جَاۤءَهُم مَّا عَرَفُوا۟ كَفَرُوا۟ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡ أَن یَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡیًا أَن یُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَاۤءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبࣲۚ وَلِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ}.
ﻋﻦ ﻋﻠﻲ بن علي اﻷﺯﺩﻱ: "ﻓﻲ ﻗﻮﻝ اﻟﻠﻪ: {ﻭﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻳﺴﺘﻔﺘﺤﻮﻥ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭا}، ﻗﺎﻝ: اﻟﻴﻬﻮﺩ، ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: اﻟﻠﻬﻢ اﺑﻌﺚ ﻟﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺤﻜﻢ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻭﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎﺱ.
وﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ: "ﺃﻥ ﻳﻬﻮﺩ، ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﻔﺘﺤﻮﻥ ﻋﻠﻰ اﻷﻭﺱ ﻭاﻟﺨﺰﺭﺝ ﺑﺮﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺒﻞ ﻣﺒﻌﺜﻪ. ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻌﺜﻪ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺮﺏ، ﻛﻔﺮﻭا ﺑﻪ، ﻭﺟﺤﺪﻭا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻓﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ ﻣﻌﺎﺫ ﺑﻦ ﺟﺒﻞ ﻭﺑﺸﺮ ﺑﻦ اﻟﺒﺮاء ﺑﻦ ﻣﻌﺮﻭﺭ ﺃﺧﻮ ﺑﻨﻲ ﺳﻠﻤﺔ: ﻳﺎ ﻣﻌﺸﺮ ﻳﻬﻮﺩ، اﺗﻘﻮا اﻟﻠﻪ ﻭﺃﺳﻠﻤﻮا. ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺘﻢ ﺗﺴﺘﻔﺘﺤﻮﻥ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﻤﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻧﺤﻦ ﺃﻫﻞ ﺷﺮﻙ، ﻭﺗﺨﺒﺮﻭﻧﻨﺎ ﺃﻧﻪ ﻣﺒﻌﻮﺙ، ﻭﺗﺼﻔﻮﻧﻪ ﻟﻨﺎ ﺑﺼﻔﺘﻪ. ﻓﻘﺎﻝ ﺳﻼﻡ ﺑﻦ ﻣﺸﻜﻢ ﺃﺧﻮ ﺑﻨﻲ اﻟﻨﻀﻴﺮ: ﻣﺎ ﺟﺎءﻧﺎ ﺑﺸﻲء ﻧﻌﺮﻓﻪ، ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺑﺎﻟﺬﻱ ﻛﻨﺎ ﻧﺬﻛﺮ ﻟﻜﻢ. ﻓﺄﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﺛﻨﺎﺅﻩ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﻟﻤﺎ ﺟﺎءﻫﻢ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﻣﺼﺪﻕ ﻟﻤﺎ ﻣﻌﻬﻢ ﻭﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻳﺴﺘﻔﺘﺤﻮﻥ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭا ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎءﻫﻢ ﻣﺎ ﻋﺮﻓﻮا ﻛﻔﺮﻭا ﺑﻪ ﻓﻠﻌﻨﺔ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ}.
وفي قوله ﷻ: {بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡ أَن یَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡیًا أَن یُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَاۤءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبࣲۚ}.
للعلماء خلاف في الغضبين:
ويظهر أن غضب الله عليهم تارة لكفرهم، وتارة لسبب هذا الكفر وهو الحسد.
فإن من المعاصي ما يكون سببها معصية، فقد كفروا بمحمد ﷺ حسدًا أن تنال النبوة من ليس منهم.
وهكذا في كل معصية سببها معصية، كمن يغتاب حسدا، ومن يرد الحق كبرا، ومن يترك الصلاة لانشغاله بمعصية.
وانظر قوله تعالى: {بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡ}، والشراء يطلق ويقصد به البيع، فقد باعوا أنفسهم بثمن بخيس!
وكل واحد منا بائع لنفسه بثمن، وفي صحيح مسلم: «ﻛﻞ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻐﺪﻭ ﻓﺒﺎﻳﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻤﻌﺘﻘﻬﺎ ﺃﻭ ﻣﻮﺑﻘﻬﺎ»!
فانظر ثمن نفسك! أين وضعتها؟ وفيم وضعتها؟ وما أهدافها؟ وما مشاريعها؟
وبهذا سترى نفسك
ومما تفرع على كبرهم، مقالتهم إذا دعوا ليؤمنوا بالنبي ﷺ: {وَإِذَا قِیلَ لَهُمۡ ءَامِنُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُوا۟ نُؤۡمِنُ بِمَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا وَیَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَاۤءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِیَاۤءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ (٩١) ۞ وَلَقَدۡ جَاۤءَكُم مُّوسَىٰ بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَـٰلِمُونَ (٩٢) وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُوا۟ مَاۤ ءَاتَیۡنَـٰكُم بِقُوَّةࣲ وَٱسۡمَعُوا۟ۖ قَالُوا۟ سَمِعۡنَا وَعَصَیۡنَا وَأُشۡرِبُوا۟ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا یَأۡمُرُكُم بِهِۦۤ إِیمَـٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ (٩٣) }
[سُورَةُ البَقَرَةِ: ٨٧-٩٣]
لما ذكر الله أنهم كفروا بالنبي ﷺ حسدًا، ذكر عذرا آخر: وهو وهم الاكتفاء بما عندهم من الحق.
فنقض الله عليهم هذا العذر بأمور:
- أولًا: كيف تكفرون بما وجدتم تصديقه لكتابكم، {وَیَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَاۤءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا مَعَهُمۡۗ}، فمن كذب بما يصدق كتابه، فقد كذب بكتابه.
- ثانيًا: نقض القرآن عليهم فأخبرهم أنكم إن كنتم ترون الكفاية في شرائع أنبيائكم؛ فلماذا كفرتم بما أنزل عليكم! وقتلتم الأنبياء؟!
=
وقد أخبرنا الله أن الأمر ليس كما ذكروه، ولكنها اللعنة التي لعنوها!
وقد أخبرنا الله بأسباب لعن بني إسرائيل:
- رد الحق بعد المعرفة كما في الآية التالية.
- كتم الحق، كما قال سبحانه: {إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡتُمُونَ مَاۤ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَیَّنَّـٰهُ لِلنَّاسِ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَیَلۡعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ}، [سُورَةُ البَقَرَةِ: ١٥٩].
- التحايل على الأوامر، {كَمَا لَعَنَّاۤ أَصۡحَـٰبَ ٱلسَّبۡتِۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولًا}، [سُورَةُ النِّسَاءِ: ٤٧].
- نقض الميثاق، كما قال سبحانه: {فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّیثَـٰقَهُمۡ لَعَنَّـٰهُمۡ}، [سُورَةُ المَائـِدَةِ: ١٣]
- ترك إنكار المنكر، قال تعالى: { كَانُوا۟ لَا یَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرࣲ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ (٧٩)
- تولي الكفار، قال تعالى: {تَرَىٰ كَثِیرࣰا مِّنۡهُمۡ یَتَوَلَّوۡنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ۚ}.
ثم قال سبحانه: {وَلَمَّا جَاۤءَهُمۡ كِتَـٰبࣱ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقࣱ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُوا۟ مِن قَبۡلُ یَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فَلَمَّا جَاۤءَهُم مَّا عَرَفُوا۟ كَفَرُوا۟ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡ أَن یَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡیًا أَن یُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَاۤءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبࣲۚ وَلِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ}.
ﻋﻦ ﻋﻠﻲ بن علي اﻷﺯﺩﻱ: "ﻓﻲ ﻗﻮﻝ اﻟﻠﻪ: {ﻭﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻳﺴﺘﻔﺘﺤﻮﻥ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭا}، ﻗﺎﻝ: اﻟﻴﻬﻮﺩ، ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: اﻟﻠﻬﻢ اﺑﻌﺚ ﻟﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺤﻜﻢ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻭﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎﺱ.
وﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ: "ﺃﻥ ﻳﻬﻮﺩ، ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﻔﺘﺤﻮﻥ ﻋﻠﻰ اﻷﻭﺱ ﻭاﻟﺨﺰﺭﺝ ﺑﺮﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺒﻞ ﻣﺒﻌﺜﻪ. ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻌﺜﻪ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺮﺏ، ﻛﻔﺮﻭا ﺑﻪ، ﻭﺟﺤﺪﻭا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻓﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ ﻣﻌﺎﺫ ﺑﻦ ﺟﺒﻞ ﻭﺑﺸﺮ ﺑﻦ اﻟﺒﺮاء ﺑﻦ ﻣﻌﺮﻭﺭ ﺃﺧﻮ ﺑﻨﻲ ﺳﻠﻤﺔ: ﻳﺎ ﻣﻌﺸﺮ ﻳﻬﻮﺩ، اﺗﻘﻮا اﻟﻠﻪ ﻭﺃﺳﻠﻤﻮا. ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺘﻢ ﺗﺴﺘﻔﺘﺤﻮﻥ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﻤﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻧﺤﻦ ﺃﻫﻞ ﺷﺮﻙ، ﻭﺗﺨﺒﺮﻭﻧﻨﺎ ﺃﻧﻪ ﻣﺒﻌﻮﺙ، ﻭﺗﺼﻔﻮﻧﻪ ﻟﻨﺎ ﺑﺼﻔﺘﻪ. ﻓﻘﺎﻝ ﺳﻼﻡ ﺑﻦ ﻣﺸﻜﻢ ﺃﺧﻮ ﺑﻨﻲ اﻟﻨﻀﻴﺮ: ﻣﺎ ﺟﺎءﻧﺎ ﺑﺸﻲء ﻧﻌﺮﻓﻪ، ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺑﺎﻟﺬﻱ ﻛﻨﺎ ﻧﺬﻛﺮ ﻟﻜﻢ. ﻓﺄﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﺛﻨﺎﺅﻩ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﻟﻤﺎ ﺟﺎءﻫﻢ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﻣﺼﺪﻕ ﻟﻤﺎ ﻣﻌﻬﻢ ﻭﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻳﺴﺘﻔﺘﺤﻮﻥ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭا ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎءﻫﻢ ﻣﺎ ﻋﺮﻓﻮا ﻛﻔﺮﻭا ﺑﻪ ﻓﻠﻌﻨﺔ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ}.
وفي قوله ﷻ: {بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡ أَن یَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡیًا أَن یُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَاۤءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبࣲۚ}.
للعلماء خلاف في الغضبين:
ويظهر أن غضب الله عليهم تارة لكفرهم، وتارة لسبب هذا الكفر وهو الحسد.
فإن من المعاصي ما يكون سببها معصية، فقد كفروا بمحمد ﷺ حسدًا أن تنال النبوة من ليس منهم.
وهكذا في كل معصية سببها معصية، كمن يغتاب حسدا، ومن يرد الحق كبرا، ومن يترك الصلاة لانشغاله بمعصية.
وانظر قوله تعالى: {بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡ}، والشراء يطلق ويقصد به البيع، فقد باعوا أنفسهم بثمن بخيس!
وكل واحد منا بائع لنفسه بثمن، وفي صحيح مسلم: «ﻛﻞ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻐﺪﻭ ﻓﺒﺎﻳﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻤﻌﺘﻘﻬﺎ ﺃﻭ ﻣﻮﺑﻘﻬﺎ»!
فانظر ثمن نفسك! أين وضعتها؟ وفيم وضعتها؟ وما أهدافها؟ وما مشاريعها؟
وبهذا سترى نفسك
ومما تفرع على كبرهم، مقالتهم إذا دعوا ليؤمنوا بالنبي ﷺ: {وَإِذَا قِیلَ لَهُمۡ ءَامِنُوا۟ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُوا۟ نُؤۡمِنُ بِمَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا وَیَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَاۤءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِیَاۤءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ (٩١) ۞ وَلَقَدۡ جَاۤءَكُم مُّوسَىٰ بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَـٰلِمُونَ (٩٢) وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُوا۟ مَاۤ ءَاتَیۡنَـٰكُم بِقُوَّةࣲ وَٱسۡمَعُوا۟ۖ قَالُوا۟ سَمِعۡنَا وَعَصَیۡنَا وَأُشۡرِبُوا۟ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا یَأۡمُرُكُم بِهِۦۤ إِیمَـٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ (٩٣) }
[سُورَةُ البَقَرَةِ: ٨٧-٩٣]
لما ذكر الله أنهم كفروا بالنبي ﷺ حسدًا، ذكر عذرا آخر: وهو وهم الاكتفاء بما عندهم من الحق.
فنقض الله عليهم هذا العذر بأمور:
- أولًا: كيف تكفرون بما وجدتم تصديقه لكتابكم، {وَیَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَاۤءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا مَعَهُمۡۗ}، فمن كذب بما يصدق كتابه، فقد كذب بكتابه.
- ثانيًا: نقض القرآن عليهم فأخبرهم أنكم إن كنتم ترون الكفاية في شرائع أنبيائكم؛ فلماذا كفرتم بما أنزل عليكم! وقتلتم الأنبياء؟!
=
=
ثالثًا: بل إنكم خالفتم وعصيتم أعظم الأنبياء الذين بعثوا فيكم، وفي أشرف أحواله وأحوالكم، وهو موسى ﷺ حين ذهب لمواعدة ربه، فاتخذتم العجل!
رابعا: أنكم تركتم الوحي، مع عظم الاستيثاق منكم بالميثاق: {وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُوا۟ مَاۤ ءَاتَیۡنَـٰكُم بِقُوَّةࣲ وَٱسۡمَعُوا۟ۖ قَالُوا۟ سَمِعۡنَا وَعَصَیۡنَا وَأُشۡرِبُوا۟ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡ}
وهكذا جمعوا بين تكذيب الرسول الموحى إليه، ورد الوحي، ورد الملك الذي أنزل بالوحي.
وفي قوله تعالى: {وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُوا۟ مَاۤ ءَاتَیۡنَـٰكُم بِقُوَّةࣲ وَٱسۡمَعُوا۟ۖ}.
جاء الحديث عن أخذ الميثاق والأمر بأخذ الكتاب بقوة مع رفع الطور، وهذا المعنى تكرر في القرآن في ثلاثة مواطن، فمن أوتي زيادة في الأدلة والبراهين والعلم طولب بالازدياد في العبادة والأخذ بالشريعة!
ولهذا فالواجب على العلماء من العبادة أعظم من غيرهم، والمؤاخذة عليهم أكثر.
وقوله تعالى: {وَأُشۡرِبُوا۟ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ}، أي صارت قلوبهم ممتلئة بحب عبادة العجل كأنها شربته.
وهي دركة سفلى في الضلال، ولذا قال ﷻ: {وَأُشۡرِبُوا۟ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡ}، فالكفر هو السبب لهذه المرحلة من التشبع بحب الباطل، وحبّ غير الله، لأن المعاصي تأخذ بأعناق بعض، والمعصية تسبب معصية، والله المستعان.
والله أعلم.
ثالثًا: بل إنكم خالفتم وعصيتم أعظم الأنبياء الذين بعثوا فيكم، وفي أشرف أحواله وأحوالكم، وهو موسى ﷺ حين ذهب لمواعدة ربه، فاتخذتم العجل!
رابعا: أنكم تركتم الوحي، مع عظم الاستيثاق منكم بالميثاق: {وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُوا۟ مَاۤ ءَاتَیۡنَـٰكُم بِقُوَّةࣲ وَٱسۡمَعُوا۟ۖ قَالُوا۟ سَمِعۡنَا وَعَصَیۡنَا وَأُشۡرِبُوا۟ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡ}
وهكذا جمعوا بين تكذيب الرسول الموحى إليه، ورد الوحي، ورد الملك الذي أنزل بالوحي.
وفي قوله تعالى: {وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُوا۟ مَاۤ ءَاتَیۡنَـٰكُم بِقُوَّةࣲ وَٱسۡمَعُوا۟ۖ}.
جاء الحديث عن أخذ الميثاق والأمر بأخذ الكتاب بقوة مع رفع الطور، وهذا المعنى تكرر في القرآن في ثلاثة مواطن، فمن أوتي زيادة في الأدلة والبراهين والعلم طولب بالازدياد في العبادة والأخذ بالشريعة!
ولهذا فالواجب على العلماء من العبادة أعظم من غيرهم، والمؤاخذة عليهم أكثر.
وقوله تعالى: {وَأُشۡرِبُوا۟ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ}، أي صارت قلوبهم ممتلئة بحب عبادة العجل كأنها شربته.
وهي دركة سفلى في الضلال، ولذا قال ﷻ: {وَأُشۡرِبُوا۟ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡ}، فالكفر هو السبب لهذه المرحلة من التشبع بحب الباطل، وحبّ غير الله، لأن المعاصي تأخذ بأعناق بعض، والمعصية تسبب معصية، والله المستعان.
والله أعلم.
.
﷽
تفسير سورة البقرة من آية ٩٤ - إلى ٩٦
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلما ذكر الله سبحانه أثر الكبر ورؤية النفس ونتيجة وهم التميز؛ في رد الوحي، وما تفرع عن صفة الكبر هاته، من أقوالهم وأفعالهم الباطلة:
كقولهم: قلوبنا غلف، وردّهم الوحي لنزوله على العرب، ودعواهم الاكتفاء بما عندهم، ونقض عليهم كل ذلك، وألزمهم بلوازم تبين كذبهم، وخداعهم، وتجعل بني إسرائيل أمام أنفسهم، وأزال عنهم المعاذير، ورفع عنهم حجب الانحراف؛ ذكر خصلة أخرى مما لها تعلّق بكبر النفوس، وهو وهم تميزهم في الآخرة، وأن ثواب الآخرة لهم دون غيرهم، ثم ردّ عليهم دعواهم، وجعلهم أمام أنفسهم بالحجة، فقال:
{قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةࣰ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُا۟ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ (٩٤) وَلَن یَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِینَ (٩٥) وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَیَوٰةࣲ وَمِنَ ٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ۚ یَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ یُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةࣲ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن یُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا یَعۡمَلُونَ}
إنهم قوم يرون لأنفسهم منزلة عظمى، ويتمنون الأماني العريضة في الدنيا والأخرى مع عظيم التفريط، فهم قد جمعوا بين عظم الأماني والدعاوى ورؤية النفس، وعظم التفريط والانحراف.
وقد سبق من دعاوى اليهود {وَقَالُوا۟ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّاۤ أَیَّامࣰا مَّعۡدُودَةࣰۚ}.
وﺣﻜﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ: {وَقَالُوا۟ لَن یَدۡخُلَ ٱلۡجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا}
[سُورَةُ البَقَرَةِ: ١١١]}، ﻭﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻧﺤﻦ ﺃﺑﻨﺎء اﻟﻠﻪ ﻭﺃﺣﺒﺎﺅﻩ}.
وفي هذه الآيات قد أكّدوا أرفعيتهم بأمرين:
{عِندَ ٱللَّهِ}، فقد رأوا أن اختصاصهم بالآخرة اختصاص قرب من الله.
ورأوا أن هذا الأمر خالص لهم دون سواهم، {خَالِصَةࣰ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ}.
فلما زعموا أن الآخرة لهم، أي خيرها وحسنها، فجعل الله لهم معيارًا مهمًا في ذلك، وهو معيار الصلاح لكل أحد، فهو برهان جعله الله ليكشف لهم لأنفسهم، وهو كذلك لكل من أراد أن يرى حظ الآخرة عنده، وحظه من الآخرة، فقال: {قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةࣰ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُا۟ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ}.
ثم إن هذا في حال الحجاج والنقض، ولا يلزم أن يكون تمني الموت محبوبا ممدوحا، فقد جاء في شريعتنا، ففي الصحيحين ﻋﻦ ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻗﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: «ﻻ يتمنين ﺃﺣﺪﻛﻢ اﻟﻤﻮﺕ ﻣﻦ ﺿﺮ ﺃﺻﺎﺑﻪ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻻ ﺑﺪ ﻓﺎعلا، ﻓﻠﻴﻘﻞ: اﻟﻠﻬﻢ ﺃﺣﻴﻨﻲ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﻴﺎﺓ ﺧﻴﺮا ﻟﻲ، ﻭﺗﻮﻓﻨﻲ ﺇﺫا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻮﻓﺎﺓ ﺧﻴﺮا ﻟﻲ».
وفيهما عن أبي ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﻘﻮﻝ: «ﻟﻦ ﻳﺪﺧﻞ ﺃﺣﺪا ﻋﻤﻠﻪ اﻟﺠﻨﺔ» ﻗﺎﻟﻮا: ﻭﻻ ﺃﻧﺖ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ؟ ﻗﺎﻝ: «ﻻ، ﻭﻻ ﺃﻧﺎ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﺘﻐﻤﺪﻧﻲ اﻟﻠﻪ ﺑﻔﻀﻞ ﻭﺭﺣﻤﺔ، ﻓﺴﺪﺩﻭا ﻭﻗﺎﺭﺑﻮا، ﻭﻻ يتمنينّ ﺃﺣﺪﻛﻢ اﻟﻤﻮﺕ: ﺇﻣﺎ ﻣﺤﺴﻨﺎ ﻓﻠﻌﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺰﺩاﺩ ﺧﻴﺮا، ﻭﺇﻣﺎ ﻣﺴﻴﺌﺎ ﻓﻠﻌﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﺘﺐ».
وفي السنن عند أبي داود والنسائي، ﻋﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ اﻟﺴﻠﻤﻲ ﻗﺎﻝ: ﺁﺧﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺑﻴﻦ ﺭﺟﻠﻴﻦ، ﻓﻘﺘﻞ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ، ﻭﻣﺎﺕ اﻵﺧﺮ بعده ﺑﺠﻤﻌﺔ، ﺃﻭ ﻧﺤﻮﻫﺎ، ﻓﺼﻠﻴﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﻣﺎ ﻗﻠﺘﻢ؟» ﻓﻘﻠﻨﺎ: ﺩﻋﻮﻧﺎ ﻟﻪ، ﻭﻗﻠﻨﺎ: اﻟﻠﻬﻢ اﻏﻔﺮ ﻟﻪ ﻭﺃﻟﺤﻘﻪ ﺑﺼﺎﺣﺒﻪ!
ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ : «ﻓﺄﻳﻦ ﺻﻼﺗﻪ ﺑﻌﺪ ﺻﻼﺗﻪ، ﻭﺻﻮﻣﻪ ﺑﻌﺪ ﺻﻮﻣﻪ».
فنهى عن تمنّي الموت لأمرين:
- أن يكون من التسخط على الأقدار.
- أنّه قطع لزمن العبادة، والتوبة، والازدياد في الطاعة.
ثم أخبر الله عنهم: {وَلَن یَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِینَ وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَیَوٰةࣲ وَمِنَ ٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ۚ یَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ یُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةࣲ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن یُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا یَعۡمَلُونَ}
فنفى عنهم تمني الموت، وأكّده بالتأبيد، ثم ذكر سبب ذلك: {بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡۚ}، لأن من عمّر آخرته أحب النقلة للعمران، ومن خرّبها كره الانتقال للخراب!
ولهذا من لم يتمن الموت لأنه يريد الازدياد في الطاعة، فليس داخلا في الذم، وفي الترمذي فعن ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮﺓ: ﺃﻥ رجلًا ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺃﻱ اﻟﻨﺎﺱ ﺧﻴﺮ؟
ﻗﺎﻝ: «ﻣﻦ ﻃﺎﻝ ﻋﻤﺮﻩ، ﻭﺣﺴﻦ ﻋﻤﻠﻪ»!
ﻗﺎﻝ: ﻓﺄﻱ اﻟﻨﺎﺱ ﺷﺮ؟
ﻗﺎﻝ: «ﻣﻦ ﻃﺎﻝ ﻋﻤﺮﻩ ﻭﺳﺎء ﻋﻤﻠﻪ»!
ثم قال: {وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِینَ}، والظلم هنا وصف وصفه الله بهم لأنهم ظلموا بدعوى ما ليس لهم بحق، فادعوا استحقاق الجنة، وكذبوا في ذلك، فوصفهم الله بالظلم.
=
﷽
تفسير سورة البقرة من آية ٩٤ - إلى ٩٦
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلما ذكر الله سبحانه أثر الكبر ورؤية النفس ونتيجة وهم التميز؛ في رد الوحي، وما تفرع عن صفة الكبر هاته، من أقوالهم وأفعالهم الباطلة:
كقولهم: قلوبنا غلف، وردّهم الوحي لنزوله على العرب، ودعواهم الاكتفاء بما عندهم، ونقض عليهم كل ذلك، وألزمهم بلوازم تبين كذبهم، وخداعهم، وتجعل بني إسرائيل أمام أنفسهم، وأزال عنهم المعاذير، ورفع عنهم حجب الانحراف؛ ذكر خصلة أخرى مما لها تعلّق بكبر النفوس، وهو وهم تميزهم في الآخرة، وأن ثواب الآخرة لهم دون غيرهم، ثم ردّ عليهم دعواهم، وجعلهم أمام أنفسهم بالحجة، فقال:
{قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةࣰ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُا۟ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ (٩٤) وَلَن یَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِینَ (٩٥) وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَیَوٰةࣲ وَمِنَ ٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ۚ یَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ یُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةࣲ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن یُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا یَعۡمَلُونَ}
إنهم قوم يرون لأنفسهم منزلة عظمى، ويتمنون الأماني العريضة في الدنيا والأخرى مع عظيم التفريط، فهم قد جمعوا بين عظم الأماني والدعاوى ورؤية النفس، وعظم التفريط والانحراف.
وقد سبق من دعاوى اليهود {وَقَالُوا۟ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّاۤ أَیَّامࣰا مَّعۡدُودَةࣰۚ}.
وﺣﻜﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ: {وَقَالُوا۟ لَن یَدۡخُلَ ٱلۡجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا}
[سُورَةُ البَقَرَةِ: ١١١]}، ﻭﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻧﺤﻦ ﺃﺑﻨﺎء اﻟﻠﻪ ﻭﺃﺣﺒﺎﺅﻩ}.
وفي هذه الآيات قد أكّدوا أرفعيتهم بأمرين:
{عِندَ ٱللَّهِ}، فقد رأوا أن اختصاصهم بالآخرة اختصاص قرب من الله.
ورأوا أن هذا الأمر خالص لهم دون سواهم، {خَالِصَةࣰ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ}.
فلما زعموا أن الآخرة لهم، أي خيرها وحسنها، فجعل الله لهم معيارًا مهمًا في ذلك، وهو معيار الصلاح لكل أحد، فهو برهان جعله الله ليكشف لهم لأنفسهم، وهو كذلك لكل من أراد أن يرى حظ الآخرة عنده، وحظه من الآخرة، فقال: {قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةࣰ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُا۟ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ}.
ثم إن هذا في حال الحجاج والنقض، ولا يلزم أن يكون تمني الموت محبوبا ممدوحا، فقد جاء في شريعتنا، ففي الصحيحين ﻋﻦ ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻗﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: «ﻻ يتمنين ﺃﺣﺪﻛﻢ اﻟﻤﻮﺕ ﻣﻦ ﺿﺮ ﺃﺻﺎﺑﻪ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻻ ﺑﺪ ﻓﺎعلا، ﻓﻠﻴﻘﻞ: اﻟﻠﻬﻢ ﺃﺣﻴﻨﻲ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﻴﺎﺓ ﺧﻴﺮا ﻟﻲ، ﻭﺗﻮﻓﻨﻲ ﺇﺫا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻮﻓﺎﺓ ﺧﻴﺮا ﻟﻲ».
وفيهما عن أبي ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﻘﻮﻝ: «ﻟﻦ ﻳﺪﺧﻞ ﺃﺣﺪا ﻋﻤﻠﻪ اﻟﺠﻨﺔ» ﻗﺎﻟﻮا: ﻭﻻ ﺃﻧﺖ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ؟ ﻗﺎﻝ: «ﻻ، ﻭﻻ ﺃﻧﺎ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﺘﻐﻤﺪﻧﻲ اﻟﻠﻪ ﺑﻔﻀﻞ ﻭﺭﺣﻤﺔ، ﻓﺴﺪﺩﻭا ﻭﻗﺎﺭﺑﻮا، ﻭﻻ يتمنينّ ﺃﺣﺪﻛﻢ اﻟﻤﻮﺕ: ﺇﻣﺎ ﻣﺤﺴﻨﺎ ﻓﻠﻌﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺰﺩاﺩ ﺧﻴﺮا، ﻭﺇﻣﺎ ﻣﺴﻴﺌﺎ ﻓﻠﻌﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﺘﺐ».
وفي السنن عند أبي داود والنسائي، ﻋﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ اﻟﺴﻠﻤﻲ ﻗﺎﻝ: ﺁﺧﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺑﻴﻦ ﺭﺟﻠﻴﻦ، ﻓﻘﺘﻞ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ، ﻭﻣﺎﺕ اﻵﺧﺮ بعده ﺑﺠﻤﻌﺔ، ﺃﻭ ﻧﺤﻮﻫﺎ، ﻓﺼﻠﻴﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﻣﺎ ﻗﻠﺘﻢ؟» ﻓﻘﻠﻨﺎ: ﺩﻋﻮﻧﺎ ﻟﻪ، ﻭﻗﻠﻨﺎ: اﻟﻠﻬﻢ اﻏﻔﺮ ﻟﻪ ﻭﺃﻟﺤﻘﻪ ﺑﺼﺎﺣﺒﻪ!
ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ : «ﻓﺄﻳﻦ ﺻﻼﺗﻪ ﺑﻌﺪ ﺻﻼﺗﻪ، ﻭﺻﻮﻣﻪ ﺑﻌﺪ ﺻﻮﻣﻪ».
فنهى عن تمنّي الموت لأمرين:
- أن يكون من التسخط على الأقدار.
- أنّه قطع لزمن العبادة، والتوبة، والازدياد في الطاعة.
ثم أخبر الله عنهم: {وَلَن یَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِینَ وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَیَوٰةࣲ وَمِنَ ٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ۚ یَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ یُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةࣲ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن یُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا یَعۡمَلُونَ}
فنفى عنهم تمني الموت، وأكّده بالتأبيد، ثم ذكر سبب ذلك: {بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡۚ}، لأن من عمّر آخرته أحب النقلة للعمران، ومن خرّبها كره الانتقال للخراب!
ولهذا من لم يتمن الموت لأنه يريد الازدياد في الطاعة، فليس داخلا في الذم، وفي الترمذي فعن ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮﺓ: ﺃﻥ رجلًا ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺃﻱ اﻟﻨﺎﺱ ﺧﻴﺮ؟
ﻗﺎﻝ: «ﻣﻦ ﻃﺎﻝ ﻋﻤﺮﻩ، ﻭﺣﺴﻦ ﻋﻤﻠﻪ»!
ﻗﺎﻝ: ﻓﺄﻱ اﻟﻨﺎﺱ ﺷﺮ؟
ﻗﺎﻝ: «ﻣﻦ ﻃﺎﻝ ﻋﻤﺮﻩ ﻭﺳﺎء ﻋﻤﻠﻪ»!
ثم قال: {وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِینَ}، والظلم هنا وصف وصفه الله بهم لأنهم ظلموا بدعوى ما ليس لهم بحق، فادعوا استحقاق الجنة، وكذبوا في ذلك، فوصفهم الله بالظلم.
=
=
ثمّ إنّ من لم يتمنّ الموت قد يكون لغير الحرص، فبيّن الله أنّ عدم تمنيهم هم بسبب الحرص على الحياة:
{وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَیَوٰةࣲ وَمِنَ ٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ۚ یَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ یُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةࣲ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن یُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا یَعۡمَلُونَ}.
فأخبر ﺃﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﺤﺮﺹ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎﺓ ﻷﻥ ﻫﺎﻫﻨﺎ من ﻻ ﻳﺘﻤﻨﻰ اﻟﻤﻮﺕ، ولكن ﻻ ﻳﺘﻤﻨﻰ اﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻘﺎﻝ: ﻭﻟﺘﺠﺪﻧﻬﻢ ﺃﺣﺮﺹ اﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺓ.
ثم إنّه ﷻ لم يصفْهم بحب الدنيا فحسب، بل بالحرص وهو قدر زائد على مجرد الحب.
وقال: {حياة}: فحرصهم على الحياة ليس مقيدا بحياة موصوفة بأوصاف كريمة، بل إن حرصهم على الحياة كيفما كانت هذه الحياة، ولو كانت حياة ضعة وصغار ومهانة وكفر وإعراض عن الشرع.
ثم ختم الله السياق بموعظتين:
فقال: {وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن یُعَمَّرَ}، وهذا تذكير لهم بالعقوبة، وموعظة في وسط الكلام، وزجر بذكر العذاب ممزوج بالنقض والهدم لكلامهم ومذهبهم.
ثم قال: {وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا یَعۡمَلُونَ }، وهذا ﺧﺒﺮ أتى للتخويف والتهديد، فإن الجاني إذا قيل له: إن القادر عليك بصير بما عملت من الجنايات؛ توقع العقوبة، فكان في ذلك زجر له وترهيب.
وهذا مسلك دعوي ينبغي ألا يغفل عنه المصلحون وأهل العلم؛ أن يمزجوا الرد على المبطلين بالوعظ والترهيب بالنار والعذاب والتذكير بالآخرة، فربما كانت هذه الزاجرة هي التي تزع عن الباطل، وتكسر المبطل.
والله أعلم.
ثمّ إنّ من لم يتمنّ الموت قد يكون لغير الحرص، فبيّن الله أنّ عدم تمنيهم هم بسبب الحرص على الحياة:
{وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَیَوٰةࣲ وَمِنَ ٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ۚ یَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ یُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةࣲ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن یُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا یَعۡمَلُونَ}.
فأخبر ﺃﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﺤﺮﺹ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎﺓ ﻷﻥ ﻫﺎﻫﻨﺎ من ﻻ ﻳﺘﻤﻨﻰ اﻟﻤﻮﺕ، ولكن ﻻ ﻳﺘﻤﻨﻰ اﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻘﺎﻝ: ﻭﻟﺘﺠﺪﻧﻬﻢ ﺃﺣﺮﺹ اﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺓ.
ثم إنّه ﷻ لم يصفْهم بحب الدنيا فحسب، بل بالحرص وهو قدر زائد على مجرد الحب.
وقال: {حياة}: فحرصهم على الحياة ليس مقيدا بحياة موصوفة بأوصاف كريمة، بل إن حرصهم على الحياة كيفما كانت هذه الحياة، ولو كانت حياة ضعة وصغار ومهانة وكفر وإعراض عن الشرع.
ثم ختم الله السياق بموعظتين:
فقال: {وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن یُعَمَّرَ}، وهذا تذكير لهم بالعقوبة، وموعظة في وسط الكلام، وزجر بذكر العذاب ممزوج بالنقض والهدم لكلامهم ومذهبهم.
ثم قال: {وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا یَعۡمَلُونَ }، وهذا ﺧﺒﺮ أتى للتخويف والتهديد، فإن الجاني إذا قيل له: إن القادر عليك بصير بما عملت من الجنايات؛ توقع العقوبة، فكان في ذلك زجر له وترهيب.
وهذا مسلك دعوي ينبغي ألا يغفل عنه المصلحون وأهل العلم؛ أن يمزجوا الرد على المبطلين بالوعظ والترهيب بالنار والعذاب والتذكير بالآخرة، فربما كانت هذه الزاجرة هي التي تزع عن الباطل، وتكسر المبطل.
والله أعلم.
• السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيبدأ البث على القناة العامة بعد قليل، بإذن ﷲ- :
https://www.tgoop.com/mohdromih_drs
وستنزل مكتوبة -بإذن الله- لمن رأى فيها فائدة لمدارستها على هذه القناة.
سيبدأ البث على القناة العامة بعد قليل، بإذن ﷲ- :
https://www.tgoop.com/mohdromih_drs
وستنزل مكتوبة -بإذن الله- لمن رأى فيها فائدة لمدارستها على هذه القناة.
.
﷽
تفسير سورة البقرة من آية ٩٧ إلى آية ١٠١
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمن عجيب ما ذكره الله عن اليهود، ما جاء في هذه الآية:
{قُلۡ مَن كَانَ عَدُوࣰّا لِّجِبۡرِیلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَهُدࣰى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِینَ}.
وفي البخاري عن ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺳﻼﻡ أنه ذهب للنبي ﷺ لما قدم المدينة، ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﻲ ﺳﺎﺋﻠﻚ ﻋﻦ ﺛﻼﺙ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻬﻦ ﺇﻻ ﻧﺒﻲ ﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﺃﻭﻝ ﺃﺷﺮاﻁ اﻟﺴﺎﻋﺔ؟ ﻭﻣﺎ ﺃﻭﻝ ﻃﻌﺎﻡ ﻳﺄﻛﻠﻪ ﺃﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ؟ ﻭﻣﻦ ﺃﻱ ﺷﻲء ﻳﻨﺰﻉ اﻟﻮﻟﺪ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻴﻪ؟ ﻭﻣﻦ ﺃﻱ ﺷﻲء ﻳﻨﺰﻉ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﻮاﻟﻪ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﺧﺒﺮﻧﻲ ﺑﻬﻦ ﺁﻧﻔﺎ ﺟﺒﺮﻳﻞ»، ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﺎﻝ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺫاﻙ ﻋﺪﻭ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ!
وعن ﻗﺘﺎﺩﺓ: "ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻋﺪﻭًا ﻟﺠﺒﺮﻳﻞ}، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻟﺖ اﻟﻴﻬﻮﺩ: ﺇﻥ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻫﻮ ﻋﺪﻭﻧﺎ ﻷﻧﻪ ﻳﻨﺰﻝ ﺑﺎﻟﺸﺪﺓ ﻭاﻟﺤﺮﺏ ﻭاﻟﺴﻨﺔ، ﻭﺇﻥ ﻣﻴﻜﺎﺋﻴﻞ ﻳﻨﺰﻝ ﺑﺎﻟﺮﺧﺎء ﻭاﻟﻌﺎﻓﻴﺔ ﻭاﻟﺨﺼﺐ، ﻓﺠﺒﺮﻳﻞ ﻋﺪﻭﻧﺎ. ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﺛﻨﺎﺅﻩ: {ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻋﺪﻭا ﻟﺠﺒﺮﻳﻞ}.
وهذا جارٍ على ما سبق من تعلّلهم وأعذارهم التي يتعذرون بها لترك دعوة النبي ﷺ، وأنّهم رفضوا الدعوة حسدا وكبرا.
فانظر كيف يؤمنون أنه ملك ينزل بالأمر من الله، ثم يكفرون به!
وهذا حمق منهم عجيب.
ومن العجب أن تبلغ عداوتهم للنبي ﷺ مبلغًا يعادون بسببه أحدًا من الملائكة!
ولذا رد الله عليهم جهالتهم هذه: بأن جبريل إنما ينزل بأمر الله، وليس بإرادته المحضة ورغبته!
فمن عاداه فقد عادى الذي بعثه في الحقيقة.
فلما ذكر ذلك عنهم، عقّب عليهم بأمور، فوصف القرآن بخمس صفات:
- ﺃﻧﻪ ﻣﻨﺰﻝ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﺈﺫﻥ اﻟﻠﻪ.
- ﻭﺑﺄﻧﻪ ﻣﻨﺰّﻝ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ اﻟﺮﺳﻮﻝ.
وهذا فيه إغاظة لليهود، فمن طرق الرد على المبطلين أن يغايظوا بإثبات ما يغيظهم وذكره دون تواري، فكأنه يقول: أتبغضون جبريل؟ فهو الذي أنزل الوحي على محمد!
ﻭالقول بأن ﺳﺒﺐ ﻋﺪاﻭﺗﻬﻢ ﻟﻪ لأنه نزل باﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﷺ فيه وجاهة، يدل عليه قوله: {فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ}، وهذا ﻣﺸﻌﺮ ﺑﺄﻥ ﻫﺬا اﻟﺘﻨﺰﻳﻞ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎ ﻟﻠﻌﺪاﻭﺓ ﻷﻧﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﻠﻪ ﻓﻼ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎ ﻟﻠﻌﺪاﻭﺓ.
لكن حديث عبد الله بن سلام السابق يدل على أن عداوتهم لجبريل من قبل بعثة النبي ﷺ، وأنها ليست مستحدثة.
وقوله: {على قلبك}، أي ﻧﺰﻝ ﺑﻪ فثبته ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺣﻔﻈﺎ ﺣﺘﻰ ﺃﺩاﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺘﻪ، ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺳﺒﺐ ﺗﻤﻜﻨﻪ ﻣﻦ اﻷﺩاء ﺛﺒﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺣﻔﻈﺎ ﺟﺎﺯ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ: ﻧﺰﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻚ.
- ﺃﻧﻪ ﻣﺼﺪﻕ ﻟﻤﺎ ﺳﺒﻘﻪ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ.
فكيف تعادونه وقد نزل بالوحي الذي يصدق ما في أيديكم من التوراة.
ﻭﺗﺼﺪﻳﻖ الرسول للرسل اﻟﺴﺎﻟﻔﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﺩﻻﺋﻞ صدقه، ﻷﻥ اﻟﺪﺟﺎﺟﻠﺔ اﻟﻤﺪﻋﻴﻦ اﻟﻨﺒﻮاﺕ ﻳﺄﺗﻮﻥ ﺑﺘﻜﺬﻳﺐ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻬﻢ، ﻷﻥ ﻣﺎ جاء به سيخالف ما هم عليه.
- ﺃﻧﻪ ﻫﺪﻯ.
- ﺃﻧﻪ ﺑﺸﺮﻯ، وذلك كالرد على دعواهم أن جبريل ملك الشدة والغلظة، فإنه ينزل ما فيه الهداية والبشرى.
فأثنى ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﻜﺮﻡ مخرجه، ﻭﻛﺮﻡ محل تلقيه، ﻭكرم ما فيه، ﻭأنه ﻣﻔﻴﺾ اﻟﺨﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﺗﺒﺎﻋﻪ اﻷﺧﻴﺎﺭ ﺧﻴﺮا ﻋﺎﺟﻼ ﻭﻭاﻋﺪ ﻟﻬﻢ ﺑﻌﺎﻗﺒﺔ اﻟﺨﻴﺮ.
ثم قال: {مَن كَانَ عَدُوࣰّا لِّلَّهِ وَمَلَـٰۤئكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِیلَ وَمِیكَلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوࣱّ لِّلۡكَـٰفِرِینَ}.
فأثبت في الآية الأخرى أن من عادى جبريل فقد عادى اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻭاﻟﺮﺳﻞ، لأن عداوة جبريل ﺁﺋﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﺪاﻭﺓ ﺟﻨﺲ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ، الذين يأتمرون بأمر ربهم.
وعداوة النبي ﷺ ﺁﺋﻠﺔ ﺇﻟﻰ عداوة ﺟﻨﺲ الرسل.
وقد ﺃﻋﺎﺩ ﺫﻛﺮ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻭﻣﻴﻜﺎﺋﻴﻞ ﻣﻊ اﻧﺪﺭاﺟﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ، وﺃﻓﺮﺩﻫﻤﺎ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ؛ ﻟﻔﻀﻠﻬﻤﺎ ومنزلتهما.
وفي قوله: {فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوࣱّ لِّلۡكَـٰفِرِینَ}، ﺫﻛﺮ اﺳﻢ اﻟﺠﻼﻟﺔ ﺑﻠﻔﻈﻪ اﻟﻈﺎﻫﺮ ﻭﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﻓﺈﻧﻲ ﻋﺪﻭ ﺃﻭ ﻓﺈﻧﻪ ﻋﺪﻭ، ﻟﻤﺎ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ اﻟﻈﺎﻫﺮ ﻫﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺪﺭﺓ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ، والجلال والتأكيد، فإن الأمير أو كل ذي وصف مفخم إذا أراد أن يأمر وينهى قال: الأمير يأمر بكذا.
ثم عطف السياق يخاطب النبي ﷺ يخاطبه تسلية له وتهوينا عليه فسلاه بثلاثة أمور، فقال: {وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲۖ وَمَا یَكۡفُرُ بِهَاۤ إِلَّا ٱلۡفَـٰسِقُونَ أَوَكُلَّمَا عَـٰهَدُوا۟ عَهۡدࣰا نَّبَذَهُۥ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ}.
- سلّاه بأنّه قد أكرمه بالبينات، والآيات الباهرة، فالنفس الموقنة بالنعمة العظيمة لا يحزنها تكديرات فاقدي النعمة.
- وسلاه بأن خصومه أراذل الناس، أيحزن من كان خصمه الأرذلون؟ فمثلهم لا يؤبه له!
فقد ذمهم الله بالفسق، وهو وصف شائع يصفهم الله به في القرآن.
واستشعار المصلح والداعي إلى الله استعلاءه بإيمانه وعلمه ومنهجه مما يهون عليه مخاوف الدعوة، وتكديرات المعارضة، ولذا قال ﷲ لموسى ﷺ لما رأى العصي انقلبت حيات، قال: {قُلۡنَا لَا تَخَفۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡأَعۡلَىٰ}.
﷽
تفسير سورة البقرة من آية ٩٧ إلى آية ١٠١
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمن عجيب ما ذكره الله عن اليهود، ما جاء في هذه الآية:
{قُلۡ مَن كَانَ عَدُوࣰّا لِّجِبۡرِیلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَهُدࣰى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِینَ}.
وفي البخاري عن ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺳﻼﻡ أنه ذهب للنبي ﷺ لما قدم المدينة، ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﻲ ﺳﺎﺋﻠﻚ ﻋﻦ ﺛﻼﺙ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻬﻦ ﺇﻻ ﻧﺒﻲ ﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﺃﻭﻝ ﺃﺷﺮاﻁ اﻟﺴﺎﻋﺔ؟ ﻭﻣﺎ ﺃﻭﻝ ﻃﻌﺎﻡ ﻳﺄﻛﻠﻪ ﺃﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ؟ ﻭﻣﻦ ﺃﻱ ﺷﻲء ﻳﻨﺰﻉ اﻟﻮﻟﺪ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻴﻪ؟ ﻭﻣﻦ ﺃﻱ ﺷﻲء ﻳﻨﺰﻉ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﻮاﻟﻪ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﺧﺒﺮﻧﻲ ﺑﻬﻦ ﺁﻧﻔﺎ ﺟﺒﺮﻳﻞ»، ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﺎﻝ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺫاﻙ ﻋﺪﻭ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ!
وعن ﻗﺘﺎﺩﺓ: "ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻋﺪﻭًا ﻟﺠﺒﺮﻳﻞ}، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻟﺖ اﻟﻴﻬﻮﺩ: ﺇﻥ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻫﻮ ﻋﺪﻭﻧﺎ ﻷﻧﻪ ﻳﻨﺰﻝ ﺑﺎﻟﺸﺪﺓ ﻭاﻟﺤﺮﺏ ﻭاﻟﺴﻨﺔ، ﻭﺇﻥ ﻣﻴﻜﺎﺋﻴﻞ ﻳﻨﺰﻝ ﺑﺎﻟﺮﺧﺎء ﻭاﻟﻌﺎﻓﻴﺔ ﻭاﻟﺨﺼﺐ، ﻓﺠﺒﺮﻳﻞ ﻋﺪﻭﻧﺎ. ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﺛﻨﺎﺅﻩ: {ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻋﺪﻭا ﻟﺠﺒﺮﻳﻞ}.
وهذا جارٍ على ما سبق من تعلّلهم وأعذارهم التي يتعذرون بها لترك دعوة النبي ﷺ، وأنّهم رفضوا الدعوة حسدا وكبرا.
فانظر كيف يؤمنون أنه ملك ينزل بالأمر من الله، ثم يكفرون به!
وهذا حمق منهم عجيب.
ومن العجب أن تبلغ عداوتهم للنبي ﷺ مبلغًا يعادون بسببه أحدًا من الملائكة!
ولذا رد الله عليهم جهالتهم هذه: بأن جبريل إنما ينزل بأمر الله، وليس بإرادته المحضة ورغبته!
فمن عاداه فقد عادى الذي بعثه في الحقيقة.
فلما ذكر ذلك عنهم، عقّب عليهم بأمور، فوصف القرآن بخمس صفات:
- ﺃﻧﻪ ﻣﻨﺰﻝ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﺈﺫﻥ اﻟﻠﻪ.
- ﻭﺑﺄﻧﻪ ﻣﻨﺰّﻝ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ اﻟﺮﺳﻮﻝ.
وهذا فيه إغاظة لليهود، فمن طرق الرد على المبطلين أن يغايظوا بإثبات ما يغيظهم وذكره دون تواري، فكأنه يقول: أتبغضون جبريل؟ فهو الذي أنزل الوحي على محمد!
ﻭالقول بأن ﺳﺒﺐ ﻋﺪاﻭﺗﻬﻢ ﻟﻪ لأنه نزل باﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﷺ فيه وجاهة، يدل عليه قوله: {فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ}، وهذا ﻣﺸﻌﺮ ﺑﺄﻥ ﻫﺬا اﻟﺘﻨﺰﻳﻞ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎ ﻟﻠﻌﺪاﻭﺓ ﻷﻧﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﻠﻪ ﻓﻼ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎ ﻟﻠﻌﺪاﻭﺓ.
لكن حديث عبد الله بن سلام السابق يدل على أن عداوتهم لجبريل من قبل بعثة النبي ﷺ، وأنها ليست مستحدثة.
وقوله: {على قلبك}، أي ﻧﺰﻝ ﺑﻪ فثبته ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺣﻔﻈﺎ ﺣﺘﻰ ﺃﺩاﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺘﻪ، ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺳﺒﺐ ﺗﻤﻜﻨﻪ ﻣﻦ اﻷﺩاء ﺛﺒﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺣﻔﻈﺎ ﺟﺎﺯ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ: ﻧﺰﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻚ.
- ﺃﻧﻪ ﻣﺼﺪﻕ ﻟﻤﺎ ﺳﺒﻘﻪ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ.
فكيف تعادونه وقد نزل بالوحي الذي يصدق ما في أيديكم من التوراة.
ﻭﺗﺼﺪﻳﻖ الرسول للرسل اﻟﺴﺎﻟﻔﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﺩﻻﺋﻞ صدقه، ﻷﻥ اﻟﺪﺟﺎﺟﻠﺔ اﻟﻤﺪﻋﻴﻦ اﻟﻨﺒﻮاﺕ ﻳﺄﺗﻮﻥ ﺑﺘﻜﺬﻳﺐ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻬﻢ، ﻷﻥ ﻣﺎ جاء به سيخالف ما هم عليه.
- ﺃﻧﻪ ﻫﺪﻯ.
- ﺃﻧﻪ ﺑﺸﺮﻯ، وذلك كالرد على دعواهم أن جبريل ملك الشدة والغلظة، فإنه ينزل ما فيه الهداية والبشرى.
فأثنى ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﻜﺮﻡ مخرجه، ﻭﻛﺮﻡ محل تلقيه، ﻭكرم ما فيه، ﻭأنه ﻣﻔﻴﺾ اﻟﺨﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﺗﺒﺎﻋﻪ اﻷﺧﻴﺎﺭ ﺧﻴﺮا ﻋﺎﺟﻼ ﻭﻭاﻋﺪ ﻟﻬﻢ ﺑﻌﺎﻗﺒﺔ اﻟﺨﻴﺮ.
ثم قال: {مَن كَانَ عَدُوࣰّا لِّلَّهِ وَمَلَـٰۤئكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِیلَ وَمِیكَلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوࣱّ لِّلۡكَـٰفِرِینَ}.
فأثبت في الآية الأخرى أن من عادى جبريل فقد عادى اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻭاﻟﺮﺳﻞ، لأن عداوة جبريل ﺁﺋﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﺪاﻭﺓ ﺟﻨﺲ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ، الذين يأتمرون بأمر ربهم.
وعداوة النبي ﷺ ﺁﺋﻠﺔ ﺇﻟﻰ عداوة ﺟﻨﺲ الرسل.
وقد ﺃﻋﺎﺩ ﺫﻛﺮ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻭﻣﻴﻜﺎﺋﻴﻞ ﻣﻊ اﻧﺪﺭاﺟﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ، وﺃﻓﺮﺩﻫﻤﺎ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ؛ ﻟﻔﻀﻠﻬﻤﺎ ومنزلتهما.
وفي قوله: {فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوࣱّ لِّلۡكَـٰفِرِینَ}، ﺫﻛﺮ اﺳﻢ اﻟﺠﻼﻟﺔ ﺑﻠﻔﻈﻪ اﻟﻈﺎﻫﺮ ﻭﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﻓﺈﻧﻲ ﻋﺪﻭ ﺃﻭ ﻓﺈﻧﻪ ﻋﺪﻭ، ﻟﻤﺎ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ اﻟﻈﺎﻫﺮ ﻫﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺪﺭﺓ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ، والجلال والتأكيد، فإن الأمير أو كل ذي وصف مفخم إذا أراد أن يأمر وينهى قال: الأمير يأمر بكذا.
ثم عطف السياق يخاطب النبي ﷺ يخاطبه تسلية له وتهوينا عليه فسلاه بثلاثة أمور، فقال: {وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲۖ وَمَا یَكۡفُرُ بِهَاۤ إِلَّا ٱلۡفَـٰسِقُونَ أَوَكُلَّمَا عَـٰهَدُوا۟ عَهۡدࣰا نَّبَذَهُۥ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ}.
- سلّاه بأنّه قد أكرمه بالبينات، والآيات الباهرة، فالنفس الموقنة بالنعمة العظيمة لا يحزنها تكديرات فاقدي النعمة.
- وسلاه بأن خصومه أراذل الناس، أيحزن من كان خصمه الأرذلون؟ فمثلهم لا يؤبه له!
فقد ذمهم الله بالفسق، وهو وصف شائع يصفهم الله به في القرآن.
واستشعار المصلح والداعي إلى الله استعلاءه بإيمانه وعلمه ومنهجه مما يهون عليه مخاوف الدعوة، وتكديرات المعارضة، ولذا قال ﷲ لموسى ﷺ لما رأى العصي انقلبت حيات، قال: {قُلۡنَا لَا تَخَفۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡأَعۡلَىٰ}.
وهؤلاء اليهود لو كانوا ذوي صحة في العقول، وصحة في القلوب لم يردوا هذه البراهين الواضحة.
وهنا باب من أبواب قرآنية الدعوة ينبه الدعاة والمصلحين والمناظرين لأهل الباطل؛ ألا يظنوا أن كل من يناظرهم أو يعارضهم يصنع ذلك بقناعة وتحقيق وبحث عن الحق، بل إن كثيرًا منهم يؤثر فيهم فسقهم وهواهم وانحرافهم.
- ثم سلاه بأن هذا الذي تراه من القوم عادة لهم، فليس ثَمّ جديد، بل القوم لا زالوا على هذا الشأن، فقال: {أَوَكُلَّمَا عَـٰهَدُوا۟ عَهۡدࣰا نَّبَذَهُۥ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ}.
وهنا بصيرة دعوية، فإنّ المصلح والمناظر لأهل الانحراف والداعي إلى الله؛ إذا علم أنّ ما يراه من معارضة المبطلين، ومحادة المنحرفين ليست جديدة طريّة، ولكنها طريق عتيقة للمبطلين، وأسلوب قديم للمنحرفين؛ فإذا علم ذلك سلى ولم يحزن، ولذا قال الله لنبيه ﷺ مسليًا له إذ سأله أهل الكتاب أن ينزل عليهم كتابًا من السماء: {یَسۡـَٔلُكَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَـٰبِ أَن تُنَزِّلَ عَلَیۡهِمۡ كِتَـٰبࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِۚ فَقَدۡ سَأَلُوا۟ مُوسَىٰۤ أَكۡبَرَ مِن ذَ ٰلِكَ فَقَالُوۤا۟ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهۡرَةࣰ}.
ثم قال سبحانه: {وَلَمَّا جَاۤءَهُمۡ رَسُولࣱ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقࣱ لِّمَا مَعَهُمۡ نَبَذَ فَرِیقࣱ مِّنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَرَاۤءَ ظُهُورِهِمۡ كَأَنَّهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ}.
فوصف الله سبحانه موقفهم من الكتاب، بصفات:
- الأول: أنهم نبذوه، ﻭاﻟﻨﺒﺬ ﺇﻟﻘﺎء اﻟﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻴﺪ، ﻛﻤﺎ ﺳﻤﻮا اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻬﺪ ﻭاﻟﻮﻓﺎء ﺑﻪ ﺗﻤﺴﻜﺎ.
- الثاني: أنهم نبذوهم ﻭﺭاء ﻇﻬﻮﺭﻫﻢ، وهو ﺗﻤﺜﻴﻞ لتمام الإعراض، ﻷﻥ ﻣﻦ ﺃﻋﺮﺽ ﻋﻦ ﺷﻲء ﺗﺠﺎﻭﺯﻩ ﻓﺨﻠﻔﻪ ﻭﺭاء ﻇﻬﺮﻩ.
- أنهم فعلوا ذلك مع العلم، فكانوا يعلمون أن اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ.
- وهذا النبذ وقع لكتاب نازل من عند الله، مصدق لما بين أيديهم من الكتب.
- أنهم استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، فنبذوا الكتاب الكريم، والرسول المطهر، والنور والقداسة، واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، واتبعوا الظلام والقذر والقماءة!
والله أعلم.
وهنا باب من أبواب قرآنية الدعوة ينبه الدعاة والمصلحين والمناظرين لأهل الباطل؛ ألا يظنوا أن كل من يناظرهم أو يعارضهم يصنع ذلك بقناعة وتحقيق وبحث عن الحق، بل إن كثيرًا منهم يؤثر فيهم فسقهم وهواهم وانحرافهم.
- ثم سلاه بأن هذا الذي تراه من القوم عادة لهم، فليس ثَمّ جديد، بل القوم لا زالوا على هذا الشأن، فقال: {أَوَكُلَّمَا عَـٰهَدُوا۟ عَهۡدࣰا نَّبَذَهُۥ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ}.
وهنا بصيرة دعوية، فإنّ المصلح والمناظر لأهل الانحراف والداعي إلى الله؛ إذا علم أنّ ما يراه من معارضة المبطلين، ومحادة المنحرفين ليست جديدة طريّة، ولكنها طريق عتيقة للمبطلين، وأسلوب قديم للمنحرفين؛ فإذا علم ذلك سلى ولم يحزن، ولذا قال الله لنبيه ﷺ مسليًا له إذ سأله أهل الكتاب أن ينزل عليهم كتابًا من السماء: {یَسۡـَٔلُكَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَـٰبِ أَن تُنَزِّلَ عَلَیۡهِمۡ كِتَـٰبࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِۚ فَقَدۡ سَأَلُوا۟ مُوسَىٰۤ أَكۡبَرَ مِن ذَ ٰلِكَ فَقَالُوۤا۟ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهۡرَةࣰ}.
ثم قال سبحانه: {وَلَمَّا جَاۤءَهُمۡ رَسُولࣱ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقࣱ لِّمَا مَعَهُمۡ نَبَذَ فَرِیقࣱ مِّنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَرَاۤءَ ظُهُورِهِمۡ كَأَنَّهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ}.
فوصف الله سبحانه موقفهم من الكتاب، بصفات:
- الأول: أنهم نبذوه، ﻭاﻟﻨﺒﺬ ﺇﻟﻘﺎء اﻟﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻴﺪ، ﻛﻤﺎ ﺳﻤﻮا اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻬﺪ ﻭاﻟﻮﻓﺎء ﺑﻪ ﺗﻤﺴﻜﺎ.
- الثاني: أنهم نبذوهم ﻭﺭاء ﻇﻬﻮﺭﻫﻢ، وهو ﺗﻤﺜﻴﻞ لتمام الإعراض، ﻷﻥ ﻣﻦ ﺃﻋﺮﺽ ﻋﻦ ﺷﻲء ﺗﺠﺎﻭﺯﻩ ﻓﺨﻠﻔﻪ ﻭﺭاء ﻇﻬﺮﻩ.
- أنهم فعلوا ذلك مع العلم، فكانوا يعلمون أن اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ.
- وهذا النبذ وقع لكتاب نازل من عند الله، مصدق لما بين أيديهم من الكتب.
- أنهم استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، فنبذوا الكتاب الكريم، والرسول المطهر، والنور والقداسة، واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، واتبعوا الظلام والقذر والقماءة!
والله أعلم.
• السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صبحكم الله برحماته، يا كرام
أعتذر منكم اليوم، فمن البارح وأنا متعب، من الكحة والوهن في جسمي.
فأكرر الاعتذار، رضي الله عنكم، ودعواتكم.
صبحكم الله برحماته، يا كرام
أعتذر منكم اليوم، فمن البارح وأنا متعب، من الكحة والوهن في جسمي.
فأكرر الاعتذار، رضي الله عنكم، ودعواتكم.