من يشــهد لك إذا رحلت ..؟
الحمد لله الذي جعل بعد الشدة فرجاً ، وبعد الضر والضيق سعة ومخرجاً ، ولم يخل محنة من منحة ،ولا نقمة من نعمة ، ولا نكبة ورزية من موهبة وعطية .. خلق فقدَّر ودبّر فيسر ، فكل عبد إلى ما قَدَّره عليه وقضاه صائر .. أحمده سبحانه على خفيّ لطفه وسعت عفوه، وجزيل بره المتظاهر .. أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، عالم الغيوب و مفرّج الكروب، ومجيب دعوة المضطر المكروب ..
سهرت أعينٌ ونامت عيـون ... في شئون تكون أو لا تكونُ
فاطرح الهـم مـا استطعت ... فحمـلانك الهمـوم جنـونُ
إن ربا كفاك ما كان بالأمس ... سيكفيـك فـي غدٍ ما يكونُ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كثير الخير دائم السلطان ، وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله صاحب الآيات والبرهان ، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً أمَّا بَعْــــــــد : -
عبــــــــاد الله :- ما أجمل أن يذكر الإنسان بالذكر الحسن والثناء الجميل عند الله سبحانه وتعالى فيكون هذا الذكر وهذا الثناء سبباً للنجاة يوم القيامة وطريقاً موصلاً إلى مرضاته وسبباً لتوفيق الله ومعيته في هذه الدنيا قال تعالى ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الأَخْيَارِ * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِياًّ﴾( ص 45 -48) .. وذكر الله سبحانه وتعالى زكريا عليه السلام ووصفه وأهله بصفات عظيمة وأثناء عليهم فقال ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) (الأنبياء90) .. وقال تعالى (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً ) (مريم 41) .. وأثنى سبحانه وتعالى على أهل الإيمان والصدق والإخلاص من النصارى الذين استمعوا إلى الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فآمنوا واتبعوا فقال (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) (المائدة 83) .. إنها ليست شهادة من ملك أو زعيم أو رئيس أو عالم .. إنها شهادة من الله وثناء منه لأنهم آمنوا بالحق واتبعوه فلم ينسى أن يجازيهم بالثناء الحسن إلى يوم القيامة.. ويوم أن جاء الفقراء من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن دعا للجهاد في سبيل الله يوم تبوك .. يريدون الجهاد لنشر الحق وإعلاء راية الدين وصد المعتدين لكنهم فقراء ليس لديهم لا مال ولا راحلة فردهم صلى الله عليه وسلم وقال لا أجد ما أحملكم عليه .. فهل شعروا بالراحة لعدم خروجهم أو لأن رسول الله عذرهم أو قالوا الحمد لله فقد كفينا شر هذه الحرب وهذه المواجهه مع الروم .. كلا لم يقولوا ذلك بل تولوا يبكون حسرة وندامة لأنه حرموا من هذا الشرف والأجر والثواب بسبب ضيق الحال فذكر الله قصتهم وأثنى عليهم فقال (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ)( التوبة 92) .. لقد نالوا الذكر الحسن والأجر والثواب معاً بسبب إخلاصهم وصدقهم مع الله فقد قال صلى الله عليه وسلم عند عودة من غزوة تبوك «إنَّ أقْواماً خَلْفَنَا بالْمَدِينَةِ مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلا وَادياً، إلا وَهُمْ مَعَنَا؛ حَبَسَهُمُ العُذْرُ» (البخاري) .. وَفي روَايَة: «إلا شَرَكُوكُمْ في الأجْرِ» (رواهُ مسلمٌ) .. ولقد أثنى الله سبحانه وتعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ووصفهم بأطيب الصفات وأجمل الكلام فقال (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح 29).
الحمد لله الذي جعل بعد الشدة فرجاً ، وبعد الضر والضيق سعة ومخرجاً ، ولم يخل محنة من منحة ،ولا نقمة من نعمة ، ولا نكبة ورزية من موهبة وعطية .. خلق فقدَّر ودبّر فيسر ، فكل عبد إلى ما قَدَّره عليه وقضاه صائر .. أحمده سبحانه على خفيّ لطفه وسعت عفوه، وجزيل بره المتظاهر .. أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، عالم الغيوب و مفرّج الكروب، ومجيب دعوة المضطر المكروب ..
سهرت أعينٌ ونامت عيـون ... في شئون تكون أو لا تكونُ
فاطرح الهـم مـا استطعت ... فحمـلانك الهمـوم جنـونُ
إن ربا كفاك ما كان بالأمس ... سيكفيـك فـي غدٍ ما يكونُ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كثير الخير دائم السلطان ، وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله صاحب الآيات والبرهان ، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً أمَّا بَعْــــــــد : -
عبــــــــاد الله :- ما أجمل أن يذكر الإنسان بالذكر الحسن والثناء الجميل عند الله سبحانه وتعالى فيكون هذا الذكر وهذا الثناء سبباً للنجاة يوم القيامة وطريقاً موصلاً إلى مرضاته وسبباً لتوفيق الله ومعيته في هذه الدنيا قال تعالى ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الأَخْيَارِ * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِياًّ﴾( ص 45 -48) .. وذكر الله سبحانه وتعالى زكريا عليه السلام ووصفه وأهله بصفات عظيمة وأثناء عليهم فقال ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) (الأنبياء90) .. وقال تعالى (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً ) (مريم 41) .. وأثنى سبحانه وتعالى على أهل الإيمان والصدق والإخلاص من النصارى الذين استمعوا إلى الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فآمنوا واتبعوا فقال (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) (المائدة 83) .. إنها ليست شهادة من ملك أو زعيم أو رئيس أو عالم .. إنها شهادة من الله وثناء منه لأنهم آمنوا بالحق واتبعوه فلم ينسى أن يجازيهم بالثناء الحسن إلى يوم القيامة.. ويوم أن جاء الفقراء من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن دعا للجهاد في سبيل الله يوم تبوك .. يريدون الجهاد لنشر الحق وإعلاء راية الدين وصد المعتدين لكنهم فقراء ليس لديهم لا مال ولا راحلة فردهم صلى الله عليه وسلم وقال لا أجد ما أحملكم عليه .. فهل شعروا بالراحة لعدم خروجهم أو لأن رسول الله عذرهم أو قالوا الحمد لله فقد كفينا شر هذه الحرب وهذه المواجهه مع الروم .. كلا لم يقولوا ذلك بل تولوا يبكون حسرة وندامة لأنه حرموا من هذا الشرف والأجر والثواب بسبب ضيق الحال فذكر الله قصتهم وأثنى عليهم فقال (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ)( التوبة 92) .. لقد نالوا الذكر الحسن والأجر والثواب معاً بسبب إخلاصهم وصدقهم مع الله فقد قال صلى الله عليه وسلم عند عودة من غزوة تبوك «إنَّ أقْواماً خَلْفَنَا بالْمَدِينَةِ مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلا وَادياً، إلا وَهُمْ مَعَنَا؛ حَبَسَهُمُ العُذْرُ» (البخاري) .. وَفي روَايَة: «إلا شَرَكُوكُمْ في الأجْرِ» (رواهُ مسلمٌ) .. ولقد أثنى الله سبحانه وتعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ووصفهم بأطيب الصفات وأجمل الكلام فقال (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح 29).
أيها المؤمنون /عبــاد الله :- من ذكره الله بخير وأثنى عليه فقد فاز في الدنيا والآخرة وحصلت له أسباب السعادة وراحة القلب وبرد اليقين ، ومنزلة الذكر الحسن والثناء الجميل عند الله لا ينالها العبد إلا بالإيمان الصادق والعمل الصالح والبذل والعطاء والإخلاص لله سبحانه .. فجددوا إيمانكم وأصلحوا أعمالكم وأخلصوا نياتكم لتكونوا ممن يذكرهم الله ويثني عليهم من فوق سبع سموات فيحبهم أهل السماء والأرض ويكتب لهم القبول .. وإن من علامات حسن الثناء والذكر الجميل للعبد عند الله وقبول العمل هو ذكر الناس له والثناء عليه .. وبقاء الذكر الجميل ، واستمرار الثناء الحسن والصيت الطيب ، والحمد الدائم للعبد بعد رحيله عن هذه الدار نعمة عظيمة يختص الله بها من يشاء من عباده ممن بذلوا الخير والبر ، ونشروا الإحسان ونفعوا الخلق ، وجمعوا مع التقوى والصلاح مكارم الخصال وجميل الخلال .. وشهادة الناس لك من حولك وثنائهم عليك خيراً قد تكون سبباً لدخولك الجنة .. عن أنس -رضي الله عنه- قال: مر على النبي -صلى الله عليه وسلم- بجنازة، فأُثني عليها خيراً، وتتابعت الألسن بالخير، فقالوا: كان ـ ما علمنا ـ يحب الله ورسوله، فقال نبي الله -صلى الله عليه وسلم- :" وجبت وجبت وجبت"، ومُر بجنازة فأثني عليها شراً وتتابعت الألسن لها بالشر، فقالوا: بئس المرء كان في دين الله، فقال نبي الله -صلى الله عليه وسلم- :" وجبت وجبت وجبت"، فقال عمر: فدىً لك أبي وأمي، مُر بجنازة فأثني عليها خيراً، فقلت: وجبت وجبت وجبت، ومر على جنازة فأثني عليها شراً، فقلت: وجبت وجبت وجبت؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، الملائكة شهداء الله في السماء، وأنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض "، وفي رواية:" والمؤمنون شهداء الله في الأرض، إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر"( أخرجه البخاري ومسلم، وغيرهما، انظر تخريج الحديث،"أحكام الجنائز" للشيخ ناصر، ص 44).. وعن أبي الأسود الديلي قال: أتيت المدينة وقد وقع بها مرض، وهم يموتون موتاً ذريعاً، فجلست إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ، فمرت جنازة، فأثني خيراً، فقال: عمر: وجبت، فقلت: ما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :" أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة، قلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة، قلنا: واثنان؟ قال: واثنان، ثم لم نسأله في الواحد "( أخرجه البخاري وغيره، أحكام الجنائز).. وقال -صلى الله عليه وسلم- :" إذا صلوا على جنازة فأثنوا خيراً، يقول الرب: أجزت شهادتهم فيما يعلمون، وأغفر له ما لا يعلمون "( صحيح الجامع:662).. وقال تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].. شهداء على الناس جميعاً .. ليست هيئة الأمم ولا مجلس الأمن ولا المنظمات الدولية ولا منظمة العفو ولا منظمات حقوق الإنسان هي من يشهد على خيرية الأنسان والمجتمعات والشعوب والدول .. بل أنتم من يشهد بذلك .. وأنتم من يعتمد شهادته ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم شهيداً عليكم ... من هذه النصوص الصحيحة والصريحة يتبين مدى أهمية ثناء الناس من حولك وذكرهم لك بالخير في حياتك وبعد مماتك وكذلك خطورة الذكر السيىء للإنسان ممن حوله بسوء أعماله وتصرفاته وسلوك واثر ذلك عليه في الدنيا والآخرة .. وعليه فإن المسلم يجب أن يسعى لتكون صفحته ناصعة بأحسن الأعمال وأجمل الأفعال والأقوال وأصدق النيات يبتغي بذلك رب الأرض والسماوات فهو وحده من يلقى الحب في قلوب العباد ومن يجري على ألسنتهم الذكر الحسن والثناء الجميل ... فليحذر أولئك الذين فسدت أخلاقهم وساءت أعمالهم من شهادة الناس من حولهم فستكون لعنة عليهم وإن لم يسمعوا بها في حياتهم فقلوب العباد تلعنهم ...وليحذر الظلمة وأعوان الظلمة والجبابرة والطغاة من الظلم والقتل وسفك الدماء وهتك الأعراض وترويع الناس والتسلط عليهم فمهما خاف الناس من الإفصاح بشهادتهم وذكرهم بسوء أعمالهم وقبيح أفعالهم فإنها ستكون نقمة عليهم .. فالمؤمنون الصالحون المتقون شهداء الله في أرضه .. وليحذر الأبن العاق والجار الذي يؤذي جيران والموظف المقصر في عمله والمدير والوزير والأمير والقاضي الذي يخون في أمانته ويجور في حكمه ..أخلص في عملك لله وقم بواجبك كما ينبغي واحذر شهادة الناس لك بالسوء وثنائهم القبيح على أعمالك فتحرم رحمة الله وعفوه ومغفرته .. قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) (يس 12) ..
عبــــــــاد الله :- كونوا ممن يشهد لهم ويثنى عليهم بعمارة المساجد بالصلاة وقراءة القرآن وممن يشهد لهم بصلة الرحم وحسن الجوار وممن يشهد لهم بحسن الأخلاق وبذل المعروف وكف الأذى وحب الخير لجميع الناس .. وكونوا ممن يشهد لهم الناس بالتزام الحق وكلمة الحق .. ممن لا يعرفون النفاق ولا المجاملة على حساب الدين والقيم والوطن ومصالح الناس .. احرصوا بحسن أعمالكم على شهادة الصالحين وأهل الخير لكم من حولكم .. وسل نفسك كيف سترحل وماذا سيقول الناس عنك ؟ وبماذا سيشهدون لك ؟ ماذا قدمت ؟.. يقول الشاعر:
كم طامع بالثنا من غير بذل يد **** ومشتهٍ حمداً ولكن بمجاني
والناس أكيس من أن يمدحوا رجلاً *** حتى يروا عنده آثار إحسانِ
لقد رحل العظماء والصالحين رجالاً كانوا أو نساءً فبكت عليهم الدنيا وتأثر الناس لفقدهم لجميل صنيعهم وحسن أعمالهم وتقواهم لربهم ومازالت مآثرهم تذكر إلى اليوم وهي في ميزان حسناتهم ... مات عمر بن عبد العزيز وما مات ذِكره، ولا يموت ذِكرُ الصالحين، لهج المسلمون بالدعاء والثناء عليه، ليس المسلمون فحسب، هاهو ملك الروم ليون الثالث يقول : لو كان رجل يحي الموتى بعد عيسى لكان عمر ، واللهِ لا أَعجَب من راهبٍ جلس في صَوْمعته وقال إنَّي زاهد، لكنِّي أعجب من عمر يوم أَتَتْه الدنيا حتى أناخت عند قدميه فركلها بقدميه وأعرض عنها واختار ما عند الله .. ليس هذا فحسب، بل بكى عليه أحد رُهبان النصارى، فقيل له: لِمَ تبك عليه وعمر على غير دينك؟ قال : يرحمه الله قد كان نوراً في الأرض فأُطفِئ.
يقول الشاعر: فَارْفَعْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا * * * فَالذِّكْرُ لِلإِنْسَانِ عُمْرٌ ثَانِ. ... فاللهم واجعل لنا لسان صدق في الآخرين، ولا تُخزنا يوم يبعثون، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.. قلت قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية /عبـــاد الله :- الناس شهداء الله في أرضه، لكن لا ينبغي أن يحكموا على إنسان بالجنة، ولا يحكموا على آخر بالنار، ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما في، صحيح مسلم وغيره؛ أن رجلاً من بني إسرائيل كان عابداً، فكان يأتي إلى رجل آخر من الفساق الفجار فينهاه عن معصيته فيقول له: خلِّ بيني وبين ربي ولا يستجيب له، فقال هذا الرجل العابد: {والله لا يغفر الله لفلان فقال الله عز وجل: { من ذا الذي يتألَّى عليَّ أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت له وأحبطت عملك } ... ولكن أن نشهد بصلاح الأعمال وحسن الأخلاق وجميل الصفات ونثني الثناء الحسن على هذا الإنسان بصدق وأمانة فهذا هو المطلوب ونكل أمر الجنة والنار إلى الله .. وعلينا أن نحذر من الشهادة السيئة لنا من الناس حولنا أهل الدين والإستقامة والصلاح فهم من تقبل شهادتهم .. ولنحرص على الأعمال الصالحة ولا نحقر منها شيئاً فرب عمل يسير بنية صالحة يكون سبباً لدخول الجنة .. وعلى المسلم أن يكسب مودة أخوانه المسلمين وجيرانه من حوله بالقيام بواجبات الأخوة وحقوقها وبحسن التعامل ولين الجانب وبذل المعروف وتقديم النفع واصلاح ذات البين ونصرة المظلوم وغيرها من الأعمال .. اللهم يا من لا تراه في الدنيا العيون، ولا تُخالِطه الظنون، ولا يصِفه الواصفون! يا من قَدَّر الدهور، ودبَّر الأمور، وعلِم هواجس الصدور! يا من عزَّ فارتفع! وذلُّ كلُّ شيء له فخضع، وجهك أكرم الوجوه، وجاهُك أعظم الجاه، وعطيِّتك أعظم العطيِّة، تجيب المضطرَّ، وتكشف الضرَّ، وتغفر الذنب، وتقبل التوب، لا إله إلا أنت .. اختم بالصالحات أعمارنا وحقق آمالنا واصلح أعمالنا برحمتك يا أرحم الراحمين .. والحمدلله رب العالمين.
كم طامع بالثنا من غير بذل يد **** ومشتهٍ حمداً ولكن بمجاني
والناس أكيس من أن يمدحوا رجلاً *** حتى يروا عنده آثار إحسانِ
لقد رحل العظماء والصالحين رجالاً كانوا أو نساءً فبكت عليهم الدنيا وتأثر الناس لفقدهم لجميل صنيعهم وحسن أعمالهم وتقواهم لربهم ومازالت مآثرهم تذكر إلى اليوم وهي في ميزان حسناتهم ... مات عمر بن عبد العزيز وما مات ذِكره، ولا يموت ذِكرُ الصالحين، لهج المسلمون بالدعاء والثناء عليه، ليس المسلمون فحسب، هاهو ملك الروم ليون الثالث يقول : لو كان رجل يحي الموتى بعد عيسى لكان عمر ، واللهِ لا أَعجَب من راهبٍ جلس في صَوْمعته وقال إنَّي زاهد، لكنِّي أعجب من عمر يوم أَتَتْه الدنيا حتى أناخت عند قدميه فركلها بقدميه وأعرض عنها واختار ما عند الله .. ليس هذا فحسب، بل بكى عليه أحد رُهبان النصارى، فقيل له: لِمَ تبك عليه وعمر على غير دينك؟ قال : يرحمه الله قد كان نوراً في الأرض فأُطفِئ.
يقول الشاعر: فَارْفَعْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا * * * فَالذِّكْرُ لِلإِنْسَانِ عُمْرٌ ثَانِ. ... فاللهم واجعل لنا لسان صدق في الآخرين، ولا تُخزنا يوم يبعثون، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.. قلت قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية /عبـــاد الله :- الناس شهداء الله في أرضه، لكن لا ينبغي أن يحكموا على إنسان بالجنة، ولا يحكموا على آخر بالنار، ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما في، صحيح مسلم وغيره؛ أن رجلاً من بني إسرائيل كان عابداً، فكان يأتي إلى رجل آخر من الفساق الفجار فينهاه عن معصيته فيقول له: خلِّ بيني وبين ربي ولا يستجيب له، فقال هذا الرجل العابد: {والله لا يغفر الله لفلان فقال الله عز وجل: { من ذا الذي يتألَّى عليَّ أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت له وأحبطت عملك } ... ولكن أن نشهد بصلاح الأعمال وحسن الأخلاق وجميل الصفات ونثني الثناء الحسن على هذا الإنسان بصدق وأمانة فهذا هو المطلوب ونكل أمر الجنة والنار إلى الله .. وعلينا أن نحذر من الشهادة السيئة لنا من الناس حولنا أهل الدين والإستقامة والصلاح فهم من تقبل شهادتهم .. ولنحرص على الأعمال الصالحة ولا نحقر منها شيئاً فرب عمل يسير بنية صالحة يكون سبباً لدخول الجنة .. وعلى المسلم أن يكسب مودة أخوانه المسلمين وجيرانه من حوله بالقيام بواجبات الأخوة وحقوقها وبحسن التعامل ولين الجانب وبذل المعروف وتقديم النفع واصلاح ذات البين ونصرة المظلوم وغيرها من الأعمال .. اللهم يا من لا تراه في الدنيا العيون، ولا تُخالِطه الظنون، ولا يصِفه الواصفون! يا من قَدَّر الدهور، ودبَّر الأمور، وعلِم هواجس الصدور! يا من عزَّ فارتفع! وذلُّ كلُّ شيء له فخضع، وجهك أكرم الوجوه، وجاهُك أعظم الجاه، وعطيِّتك أعظم العطيِّة، تجيب المضطرَّ، وتكشف الضرَّ، وتغفر الذنب، وتقبل التوب، لا إله إلا أنت .. اختم بالصالحات أعمارنا وحقق آمالنا واصلح أعمالنا برحمتك يا أرحم الراحمين .. والحمدلله رب العالمين.
اسم الله "المنتقم" .. !!
عناصر الخطبة:
1/معرفة العباد لأسماء الله تكسبهم تعظيمه وحسن الظن به.
2/اسم الله "المنتقم" معناه ودلالته.
3/ مراحل انتقام الله من الطغاة والظالمين.
3/ الآثار الإيمانية لاسم الله "المنتقم".
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1] ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب: 70 و71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صل الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد :
عباد الله : إن معرفة العبد لأسماء الله وصفاته تزيد في إيمانه وتكسب العبد محبة الله وتعظيمه وبها يتعرف على خالقه عز وجل وكمال قدرته وسلطانه ؛ وتكسبه الثقة وحسن الظن بخالقه سبحانه قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج 73/74] ؛
وإن من أسماء الله التي ينبغي أن نتدبرها ونفهم معناها ونتعرف على آثارها في حياتنا اسم الله " المنتقم "
والمنتقم هو الذى يقسم ظهور الطغاة ويشدد العقوبة على العصاة وذلك بعد الإنذار والإمهال ،
والله يغضب في حق خلقه بما لا يغضب في حق نفسه ، فينتقم لعباده بما لا ينتقم لنفسه ، وإنه إن عرفت أنه كريم رحيم فأعرف أنه منتقم شديد عظيم .
واسم الله " المنتقم " لا يطلق على الله إلا مضافاً أو مقيداً ؛
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ)[المائدة 95]
قال العلاَّمة حافظ الحكميُّ -- في " معارج القبول " (1/147): ( واعلم أنَّ مِن أسماء الله -عزَّ وجلَّ- ما لا يُطلَق عليه إلاَّ مُقتَرِنًا بمُقابِله، فإذا أُطْلِقَ وحدَه؛ أوهمَ نقصًا - تعالى الله عن ذلك-،ومن ذلك: (المنتقِم)؛ لَمْ يأتِ في القرآن إلاَّ مُضافًا إلى " ذو "؛ كقوله : (عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) [آل عمران:4]، أو مُقيَّدًا بالمجرمين؛ كقوله : (إنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ) [السَّجدة:22]
والمنتقم هو الذي يعاقب من يشاء ، أما الإنسان فلا يستطيع أن يعاقب من يشاء إذ لا يعاقب إلا من هو دونه ، ولا يستطيع أن يعاقب نداً أو مساوياً له ، وأما أن يعاقب من هو أعلى منه فهذا مستحيل ، لكن الله سبحانه وتعالى ينتقم ممن يشاء ؛ أي يعاقب من يشاء ، فإذا كنت مع القوي فأنت قوي ، مهما يكن عدوك كبيراً ، أو قوياً أو جباراً ، أو طاغياً ، أو متطاولاً ، فالله جل جلاله ينتقم منه ويوقفه عند حده ، ويحجزه عن أن يؤذي خلق الله عز وجل وبهذا المعنى نفهم الانتقام .
معاشر المؤمنين : كثيرٌ من النَّاس يظنُّ أنَّ انتقام اللهِ من الظلمة والطغاة والعصاة لابد أن يكون، سريعاً بعد ظلمهم مباشرةً، ويمكثُ يرقبُ نزول انتقام الله-عز وجل-العاجل على الظَّالم، فإذا ما تأخرتِ العقوبةُ، ولم ير بعينه مصارعَ الظَّالمين شك َّويأسَ وَقنِطَ، وهذا خطأٌ كله، وعدمُ فهمٍ لتعامل الله -عز وجل-مع الظالمين. فالظالم يمرُّ بأربع مراحل-قبل أن يحَقَّ عليهِ القول-لا بدَّ من فهمها جيداً:
عناصر الخطبة:
1/معرفة العباد لأسماء الله تكسبهم تعظيمه وحسن الظن به.
2/اسم الله "المنتقم" معناه ودلالته.
3/ مراحل انتقام الله من الطغاة والظالمين.
3/ الآثار الإيمانية لاسم الله "المنتقم".
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1] ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب: 70 و71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صل الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد :
عباد الله : إن معرفة العبد لأسماء الله وصفاته تزيد في إيمانه وتكسب العبد محبة الله وتعظيمه وبها يتعرف على خالقه عز وجل وكمال قدرته وسلطانه ؛ وتكسبه الثقة وحسن الظن بخالقه سبحانه قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج 73/74] ؛
وإن من أسماء الله التي ينبغي أن نتدبرها ونفهم معناها ونتعرف على آثارها في حياتنا اسم الله " المنتقم "
والمنتقم هو الذى يقسم ظهور الطغاة ويشدد العقوبة على العصاة وذلك بعد الإنذار والإمهال ،
والله يغضب في حق خلقه بما لا يغضب في حق نفسه ، فينتقم لعباده بما لا ينتقم لنفسه ، وإنه إن عرفت أنه كريم رحيم فأعرف أنه منتقم شديد عظيم .
واسم الله " المنتقم " لا يطلق على الله إلا مضافاً أو مقيداً ؛
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ)[المائدة 95]
قال العلاَّمة حافظ الحكميُّ -- في " معارج القبول " (1/147): ( واعلم أنَّ مِن أسماء الله -عزَّ وجلَّ- ما لا يُطلَق عليه إلاَّ مُقتَرِنًا بمُقابِله، فإذا أُطْلِقَ وحدَه؛ أوهمَ نقصًا - تعالى الله عن ذلك-،ومن ذلك: (المنتقِم)؛ لَمْ يأتِ في القرآن إلاَّ مُضافًا إلى " ذو "؛ كقوله : (عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) [آل عمران:4]، أو مُقيَّدًا بالمجرمين؛ كقوله : (إنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ) [السَّجدة:22]
والمنتقم هو الذي يعاقب من يشاء ، أما الإنسان فلا يستطيع أن يعاقب من يشاء إذ لا يعاقب إلا من هو دونه ، ولا يستطيع أن يعاقب نداً أو مساوياً له ، وأما أن يعاقب من هو أعلى منه فهذا مستحيل ، لكن الله سبحانه وتعالى ينتقم ممن يشاء ؛ أي يعاقب من يشاء ، فإذا كنت مع القوي فأنت قوي ، مهما يكن عدوك كبيراً ، أو قوياً أو جباراً ، أو طاغياً ، أو متطاولاً ، فالله جل جلاله ينتقم منه ويوقفه عند حده ، ويحجزه عن أن يؤذي خلق الله عز وجل وبهذا المعنى نفهم الانتقام .
معاشر المؤمنين : كثيرٌ من النَّاس يظنُّ أنَّ انتقام اللهِ من الظلمة والطغاة والعصاة لابد أن يكون، سريعاً بعد ظلمهم مباشرةً، ويمكثُ يرقبُ نزول انتقام الله-عز وجل-العاجل على الظَّالم، فإذا ما تأخرتِ العقوبةُ، ولم ير بعينه مصارعَ الظَّالمين شك َّويأسَ وَقنِطَ، وهذا خطأٌ كله، وعدمُ فهمٍ لتعامل الله -عز وجل-مع الظالمين. فالظالم يمرُّ بأربع مراحل-قبل أن يحَقَّ عليهِ القول-لا بدَّ من فهمها جيداً:
المرحلة الأولى: الإمهال والإملاء: (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [القلم: 45] وفيها يمهل الله الظَّالم لعلَّه يتوبُ أو يرجع عمَّا فعل ؛ فالله سبحانه لا يعاجل بالعقوبة والانتقام .
المرحلة الثانية: الاستدراج: (...سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) [القلم:44] وليس معناه أن تضيقَ الدَّنيا عليه، لا، بل تُفْتَحُ عليه الُّدنيا وترتفع الدرجة، وتبسط عليه اللذات، ويعطيه الله ما يطلب ويرجو، بل وفوق ما طلب؛ لأن الدرج يدل على الارتفاع، والدرك يدل على النزول.
المرحلة الثالثة: التزيين: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ...) [العنكبوت: 38]، وفيها يموتُ قلبُ الظَّالم فيرى ما يراهُ حسناً بل هو الواجب فعله. لم يعد في قلبه حياةٌ؛ ليلومه على ما يفعل.
المرحلة الرابعة: الأخذ والإنتقام : (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102]، وفيها تتنزَّلُ العقوبةُ من الله-تعالى-على الظَّالم وتكون العقوبةُ شديدةٌ-جداً-بحيث تكون عبرة وعظة للعالمين. وهي قد تكون في الدنيا؛ ليرتدع بها الناس، وينزجر بها من تُسَوِّلُ له نفسُه سلوكَ نفسِ الطريقِ، وقد يؤخرها الله-عز وجل-ليوم القيامة حيثُ العقوبةُ أَشَدُّ، والفضيحةُ أخزى،
هذا فرعون كان يملك كل شيء؛ مال وجاه ومنصب وجيوش واتباع ؛ وادعى لنفسه الألوهية والربوبية وتكبر وتجبر؛ سنوات وسنوات هو وجنوده ثم جاء أمر الله قال تعالى (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ)[الأعراف 136]
و التاريخُ حافلٌ بتساقطِ الظَّالمين وخذلان اللهِ لهمْ؛ وانتقامه منهم بعدَ أن بلغوا غايةَ القوةِ والتسلُّط والجبروت ؛
بلغ الفساد والظلم بالبرامكة وكانوا ولاه في الدولة العباسية ووزرائها مبلغاً عظيماً إلى جانب الإسراف
والتبذير حتى قاموا بطلاء قصورهم بماء الذهب فإذا أشرقت الشمس في الصباح انتشر الضوء الوهاج في أرجاء المدينة حتى جاء الخليفة هارون الرشيد وقضى عليهم ووضع لهم حد وألقى بهم في السجون ..
فقال ابن ليحي البرمكى وزير هارون الرشيد و هم في السجن و القيود على أيديهم وأرجلهم: يا أبتاه بعد الأمر و النهى و النعمة صرنا إلى هذا الحال !!! , فقال : يا بنى ... دعوة مظلوم سرت في جوف الليل غفلنا عنها , و لم يغفل عنها الله ... وصدق الله إذ يقول قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء)[إبراهيم:42- 43].
وهكذا هو انتقام الله عبر التاريخ والأمم ؛ وورد في الصَّحيحين من حديث أبي مُوسى الأشعري أنَّ الحبيب النَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال:(إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، حتَّى إِذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ)، وقرأ النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قولَ الله - تعالى -: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) [هود: 102].
وسبب تأخير انتقام الله من الظلمة والطغاة والعصاة والجبابرة هو تمحيص واختبار المؤمنين ؛ وايضاً إقامة الحجة والإعذار ؛ وحتى يعْلَمَ المسلمون أنَّ سلعةَ اللهِ غاليةٌ ولا تُنَالُ إلاَّ بالصبرِ والمصابرةِ، ومواجهةِ الباطلِ والتصدِّي للظُّلم، وعدمُ السَّماحِ لليأسِ أو الشَّكِ أنْ يتسربا إلى نفوسهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ..
الخطبة الثانية : -
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهدٌ أن لا إله إلإ الله وحده لا شريك له، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرًا أما بعد
أيها المسلمون :
ذكر الإمام الذهبي في كتاب الكبائر :
أن رجلا مقطوع اليد كان ينادي في من رآني فلا يظلمن أحدا فقال له رجل: ما قصتك؟ قال: يا أخي قصتي عجيبة، وذلك أني كنت من أعوان الظلمة، فرأيت يوما صيادا قد اصطاد سمكة كبيرة فأعجبتني، فجئت إليه وقلت له: أعطني هذه السمكة، فقال: لا أعطيكها أنا آخذ بثمنها قوتا لعيالي، فضربته وأخذتها منه قهرا ومضيت بها، قال: فبينما أنا ماش بها إذا عضت إبهامي عضة قوية وآلمتني ألما شديدا حتى لم أنم من شدة الوجع وورمت يدي فلما أصبحت أتيت الطبيب وشكوت إليه الألم، فقال: هذه بدوّ آكلة اقطعها وإلا تلفت يدك كلها، قال: فقطت إبهامي ثم ضربت يدي فلم أطق النوم ولا القرار من شدة الألم فقطعتها، فقال لي بعض الناس: ما سبب هذا فذكرت له قصة السمكة، فقال لي: لو كنت رجعت من أول ما أصابك الألم إلى صاحب السمكة، فاستحللت منه واسترضيته، لما قطعت يدك فاذهب الآن وابحث عنه واطلب منه الصفح
المرحلة الثانية: الاستدراج: (...سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) [القلم:44] وليس معناه أن تضيقَ الدَّنيا عليه، لا، بل تُفْتَحُ عليه الُّدنيا وترتفع الدرجة، وتبسط عليه اللذات، ويعطيه الله ما يطلب ويرجو، بل وفوق ما طلب؛ لأن الدرج يدل على الارتفاع، والدرك يدل على النزول.
المرحلة الثالثة: التزيين: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ...) [العنكبوت: 38]، وفيها يموتُ قلبُ الظَّالم فيرى ما يراهُ حسناً بل هو الواجب فعله. لم يعد في قلبه حياةٌ؛ ليلومه على ما يفعل.
المرحلة الرابعة: الأخذ والإنتقام : (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102]، وفيها تتنزَّلُ العقوبةُ من الله-تعالى-على الظَّالم وتكون العقوبةُ شديدةٌ-جداً-بحيث تكون عبرة وعظة للعالمين. وهي قد تكون في الدنيا؛ ليرتدع بها الناس، وينزجر بها من تُسَوِّلُ له نفسُه سلوكَ نفسِ الطريقِ، وقد يؤخرها الله-عز وجل-ليوم القيامة حيثُ العقوبةُ أَشَدُّ، والفضيحةُ أخزى،
هذا فرعون كان يملك كل شيء؛ مال وجاه ومنصب وجيوش واتباع ؛ وادعى لنفسه الألوهية والربوبية وتكبر وتجبر؛ سنوات وسنوات هو وجنوده ثم جاء أمر الله قال تعالى (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ)[الأعراف 136]
و التاريخُ حافلٌ بتساقطِ الظَّالمين وخذلان اللهِ لهمْ؛ وانتقامه منهم بعدَ أن بلغوا غايةَ القوةِ والتسلُّط والجبروت ؛
بلغ الفساد والظلم بالبرامكة وكانوا ولاه في الدولة العباسية ووزرائها مبلغاً عظيماً إلى جانب الإسراف
والتبذير حتى قاموا بطلاء قصورهم بماء الذهب فإذا أشرقت الشمس في الصباح انتشر الضوء الوهاج في أرجاء المدينة حتى جاء الخليفة هارون الرشيد وقضى عليهم ووضع لهم حد وألقى بهم في السجون ..
فقال ابن ليحي البرمكى وزير هارون الرشيد و هم في السجن و القيود على أيديهم وأرجلهم: يا أبتاه بعد الأمر و النهى و النعمة صرنا إلى هذا الحال !!! , فقال : يا بنى ... دعوة مظلوم سرت في جوف الليل غفلنا عنها , و لم يغفل عنها الله ... وصدق الله إذ يقول قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء)[إبراهيم:42- 43].
وهكذا هو انتقام الله عبر التاريخ والأمم ؛ وورد في الصَّحيحين من حديث أبي مُوسى الأشعري أنَّ الحبيب النَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال:(إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، حتَّى إِذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ)، وقرأ النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قولَ الله - تعالى -: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) [هود: 102].
وسبب تأخير انتقام الله من الظلمة والطغاة والعصاة والجبابرة هو تمحيص واختبار المؤمنين ؛ وايضاً إقامة الحجة والإعذار ؛ وحتى يعْلَمَ المسلمون أنَّ سلعةَ اللهِ غاليةٌ ولا تُنَالُ إلاَّ بالصبرِ والمصابرةِ، ومواجهةِ الباطلِ والتصدِّي للظُّلم، وعدمُ السَّماحِ لليأسِ أو الشَّكِ أنْ يتسربا إلى نفوسهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ..
الخطبة الثانية : -
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهدٌ أن لا إله إلإ الله وحده لا شريك له، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرًا أما بعد
أيها المسلمون :
ذكر الإمام الذهبي في كتاب الكبائر :
أن رجلا مقطوع اليد كان ينادي في من رآني فلا يظلمن أحدا فقال له رجل: ما قصتك؟ قال: يا أخي قصتي عجيبة، وذلك أني كنت من أعوان الظلمة، فرأيت يوما صيادا قد اصطاد سمكة كبيرة فأعجبتني، فجئت إليه وقلت له: أعطني هذه السمكة، فقال: لا أعطيكها أنا آخذ بثمنها قوتا لعيالي، فضربته وأخذتها منه قهرا ومضيت بها، قال: فبينما أنا ماش بها إذا عضت إبهامي عضة قوية وآلمتني ألما شديدا حتى لم أنم من شدة الوجع وورمت يدي فلما أصبحت أتيت الطبيب وشكوت إليه الألم، فقال: هذه بدوّ آكلة اقطعها وإلا تلفت يدك كلها، قال: فقطت إبهامي ثم ضربت يدي فلم أطق النوم ولا القرار من شدة الألم فقطعتها، فقال لي بعض الناس: ما سبب هذا فذكرت له قصة السمكة، فقال لي: لو كنت رجعت من أول ما أصابك الألم إلى صاحب السمكة، فاستحللت منه واسترضيته، لما قطعت يدك فاذهب الآن وابحث عنه واطلب منه الصفح
والمغفرة قبل أن يصل الألم إلى بدنك قال: فلم أزل أطلبه في البلد حتى وجدته فوقعت على رجليه أقبلهما وأبكي، وقلت: يا سيدي سألتك بالله إلا ما عفوت عني، فقال لي: ومن أنت؟ فقلت :أنا الذي أخذت منك السمكة غصبا وذكرت له ما جرى وأريته يدي، فبكى حين رآها، ثم قال: قد سامحتك لما قد رأيت من هذا البلاء، فقلت :بالله يا سيدي، هل كنت دعوت علي؟ قال: نعم، قلت: اللهم هذا تقوّى علي بقوته علي وضعفي وأخذ مني ما رزقتني ظلما فأرني فيه قدرتك. ( إنـــــــه الجبـــــــــــــار المنتقـــــــــم جــــــل جلالـــــه )
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( اتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب ) ( متفق عليه )
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا * * * فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه * * * يدعو عليك وعين الله لم تنم
عباد الله : إذا علم العبد أن ربه هو المنتقم من الظلمة والطغاة والعصاة خاف على نفسه من التقصير أو أن يتصف بهذه الأخلاق والسلوكيات السيئة فاستراح في نفسه واراح الناس من حوله وفاز برضا ربه وجنته ؛ ومن آثار ذلك: يقين العبد بعدل الله وانتقامه ورفع البغي والظلم ولو بعد حين ؛ ومن ذلك بيان قدرة الله وعظمته وسعة ملكه وسلطانه فيزيد الخشوع والخضوع ولإجلال للمولى سبحانه ؛ ومن آثار ذلك : لجوء العبد إلى الله وطلب المعونه والنصر والتمكين منه سبحانه ؛ هذا لوط عليه السلام بعد أن رآى كفر قومه وعنادهم بعد أن بين لهم ما ينفعهم دون فائده توجه إلى الله بحال ومقاله قال تعالى على لسان لوط (قَالَ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ* فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ * وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ ) [الحجر71/79].
اللهم احفظنا بحفظك ولنا على الحق وثبتنا عليه وانتقم من الظالمين واخرجنا من كيدهم سالمين
هذا وصل الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطبين الطاهرين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( اتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب ) ( متفق عليه )
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا * * * فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه * * * يدعو عليك وعين الله لم تنم
عباد الله : إذا علم العبد أن ربه هو المنتقم من الظلمة والطغاة والعصاة خاف على نفسه من التقصير أو أن يتصف بهذه الأخلاق والسلوكيات السيئة فاستراح في نفسه واراح الناس من حوله وفاز برضا ربه وجنته ؛ ومن آثار ذلك: يقين العبد بعدل الله وانتقامه ورفع البغي والظلم ولو بعد حين ؛ ومن ذلك بيان قدرة الله وعظمته وسعة ملكه وسلطانه فيزيد الخشوع والخضوع ولإجلال للمولى سبحانه ؛ ومن آثار ذلك : لجوء العبد إلى الله وطلب المعونه والنصر والتمكين منه سبحانه ؛ هذا لوط عليه السلام بعد أن رآى كفر قومه وعنادهم بعد أن بين لهم ما ينفعهم دون فائده توجه إلى الله بحال ومقاله قال تعالى على لسان لوط (قَالَ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ* فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ * وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ ) [الحجر71/79].
اللهم احفظنا بحفظك ولنا على الحق وثبتنا عليه وانتقم من الظالمين واخرجنا من كيدهم سالمين
هذا وصل الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطبين الطاهرين.
الرجولة أخلاق. ... !!
الحمد لله ذي العز المجيد والبطش الشديد, الحمد لله ذي العز المجيد والبطش الشديد,المنتقم ممن عصاه بالنار بعد الإنذار بها والوعيد .. المكرم لمن خافه واتقاه بدار لهم فيها من كل خير مزيد , , أحمده وهو أهل للحمد والثناء والتمجيد وأشكره ونعمه بالشكر تدوم وتزيد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا كفو ولا نديد ,,,,
الشمسُ والبدر من أنوار حكمته ... والبر والبحر فيضٌ من عطاياهُ
المـوجُ كبره والوحشُ مجده .... والطيرُ سبحه والحوت ناجاهُ
والنملُ تحت الصخور الصم قدسه ... والنحلُ يهتف حمدا في خلاياهُ
والناسُ يعصُونه جهرا فيسترهم .... والعبدُ ينسى وربي ليس ينساهُ
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى التوحيد الساعي بالنصح للقريب والبعيد المحذر للعصاة من نار تلظى بدوام الوقيد المبشر للمؤمنين بدار لا ينفد نعيمها ولا يبيد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً أما بعــد :
عبــــــــاد الله : إن الأممَ والرسالاتْ تحتاج إلى المعادنِ المذخورة ، والثرواتِ المنشورة ، ولكنها تحتاجُ قبل ذلك إلى الرؤوسِ المفكرةِ التي تستغلها ، والقلوبِ الكبيرةِ التي ترعاها والعزائمِ القويةِ التي تنفذها : إنها تحتاجُ إلى الرجال ، فالرجلُ أعزُ من كل معدَنٍ نفيس ، وأغلى من كل جوهر ثمين ، فالرجلُ الكُفءُ الصالحُ هو عماد الرسالات وروح النهْضات .. به تتطور الأمم وتتقدم الشعوب وتزدهر الأوطان .. إن القوةَ ليست بحدِ السلاحِ بقدر ما هي في قلبِ الجندي ، والتربيةَ ليست في صفحاتِ الكتابِ بقدرِ ما هي في روحِ المعلم ، وإنجازَ المشروعاتِ ليس في تجهبز المعدات بقدر ما هو في حماسةِ القائمين عليها ، فلله .. ما أحكمَ عمر بن الخطابْ حين لم يتمن فضةً ولا ذهباً ، ولا لؤلؤاً ولا جوهراً ، ولكنه تمنى رجالاً من الطراز الممتازِ الذين تتفتح على أيديهم كنوزُ الأرض وأبوابُ السماء فقد قال لجلسائه يومًا: تمنوا. فقال أحدهم: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت دراهم، فأنفقها في سبيل الله. فقال: تمنوا. فقال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت ذهبًا، فأنفقه في سبيل الله. فقال عمر: لكني أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجالاً من أمثال أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، فأستعملهم في طاعة الله. [البخاري].
عبــــــاد الله : - لقد جاء وصف الرجولة في القرآن الكريم في مواضع عده منها:في مقام تحمل الرسل لأعباء الرسالة (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ) (يوسف:109) وفي مقام الصدق مع الله قال تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا). [الأحزاب:23] .. وجاء ذكرهم في مقام العبودية وعدم الانشغال عن الذكر والآخرة ( رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ .لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ).( النور:37) فأولويات الرجال هي الدار الآخرة والإعداد لها؛ فهم يصلحون دنياهم وقلوبهم.. وأشواقهم هناك في الدار الآخرة.. ألسنتهم ذاكرة ونياتهم خالصة.. الرجال يعملون.. يجتهدون.. يربحون.. ليسوا عالةً على غيرهم.. فنعم المال الصالح للعبد الصالح.. ولكن قلوبهم لا تتعلق إلا بما عند الله.. و تسبيح الرجال.. بالغدو والآصال.. إنها أذكار الصباح والمساء.. والمحافظة عليها من صفات الرجال ... إن رجلاً واحداً قد يساوي مائة ، ورجلاً قد يوازي ألفاً ، ورجلاً قد يزن شعباً بأسره ، وقد قيل : رجلٌ ذو همة يُحيي به أمة ... لما كانت معركة القادسية طلب سعد بن أبي وقاص من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مدداً ، فما أمده إلا برجل واحدٍ هو القعقاعُ بنُ عمرو التميمي وقال : لا يُهزم جيش فيه مثله ، وكان يقول : لصوتُ القعقاعِ في الجيش خيرٌ من ألف مقاتل ! .. و تصـل الأخبار سنة 21 هـ إلى عمــر بن الخطاب رضي الله عنه أن ملك الفرس يزدجر قد جمع مائة وخمسين ألفاً من رجاله لغزو مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستئصال شأفة الإسلام وأهله ؟ فماذا يفعل عمر وهو يسمع بهذا الجيش الجرار بعدده وعدته فذهب عمر رضي الله عنه إلى المسجد محراب العبادة وغرفة العمليات ليجري اتصالاً ربانيا عاجــلاً بجبار الأرض والسماوات لأنه عرف أن القوة بيد الله وأن النصر يأتي من عنده ومن يخذله الله فلا ناصرا له .. وبعد الصلاة ألتفت عمر فوجد رجل من الصحابة ..
الحمد لله ذي العز المجيد والبطش الشديد, الحمد لله ذي العز المجيد والبطش الشديد,المنتقم ممن عصاه بالنار بعد الإنذار بها والوعيد .. المكرم لمن خافه واتقاه بدار لهم فيها من كل خير مزيد , , أحمده وهو أهل للحمد والثناء والتمجيد وأشكره ونعمه بالشكر تدوم وتزيد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا كفو ولا نديد ,,,,
الشمسُ والبدر من أنوار حكمته ... والبر والبحر فيضٌ من عطاياهُ
المـوجُ كبره والوحشُ مجده .... والطيرُ سبحه والحوت ناجاهُ
والنملُ تحت الصخور الصم قدسه ... والنحلُ يهتف حمدا في خلاياهُ
والناسُ يعصُونه جهرا فيسترهم .... والعبدُ ينسى وربي ليس ينساهُ
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى التوحيد الساعي بالنصح للقريب والبعيد المحذر للعصاة من نار تلظى بدوام الوقيد المبشر للمؤمنين بدار لا ينفد نعيمها ولا يبيد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً أما بعــد :
عبــــــــاد الله : إن الأممَ والرسالاتْ تحتاج إلى المعادنِ المذخورة ، والثرواتِ المنشورة ، ولكنها تحتاجُ قبل ذلك إلى الرؤوسِ المفكرةِ التي تستغلها ، والقلوبِ الكبيرةِ التي ترعاها والعزائمِ القويةِ التي تنفذها : إنها تحتاجُ إلى الرجال ، فالرجلُ أعزُ من كل معدَنٍ نفيس ، وأغلى من كل جوهر ثمين ، فالرجلُ الكُفءُ الصالحُ هو عماد الرسالات وروح النهْضات .. به تتطور الأمم وتتقدم الشعوب وتزدهر الأوطان .. إن القوةَ ليست بحدِ السلاحِ بقدر ما هي في قلبِ الجندي ، والتربيةَ ليست في صفحاتِ الكتابِ بقدرِ ما هي في روحِ المعلم ، وإنجازَ المشروعاتِ ليس في تجهبز المعدات بقدر ما هو في حماسةِ القائمين عليها ، فلله .. ما أحكمَ عمر بن الخطابْ حين لم يتمن فضةً ولا ذهباً ، ولا لؤلؤاً ولا جوهراً ، ولكنه تمنى رجالاً من الطراز الممتازِ الذين تتفتح على أيديهم كنوزُ الأرض وأبوابُ السماء فقد قال لجلسائه يومًا: تمنوا. فقال أحدهم: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت دراهم، فأنفقها في سبيل الله. فقال: تمنوا. فقال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت ذهبًا، فأنفقه في سبيل الله. فقال عمر: لكني أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجالاً من أمثال أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، فأستعملهم في طاعة الله. [البخاري].
عبــــــاد الله : - لقد جاء وصف الرجولة في القرآن الكريم في مواضع عده منها:في مقام تحمل الرسل لأعباء الرسالة (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ) (يوسف:109) وفي مقام الصدق مع الله قال تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا). [الأحزاب:23] .. وجاء ذكرهم في مقام العبودية وعدم الانشغال عن الذكر والآخرة ( رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ .لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ).( النور:37) فأولويات الرجال هي الدار الآخرة والإعداد لها؛ فهم يصلحون دنياهم وقلوبهم.. وأشواقهم هناك في الدار الآخرة.. ألسنتهم ذاكرة ونياتهم خالصة.. الرجال يعملون.. يجتهدون.. يربحون.. ليسوا عالةً على غيرهم.. فنعم المال الصالح للعبد الصالح.. ولكن قلوبهم لا تتعلق إلا بما عند الله.. و تسبيح الرجال.. بالغدو والآصال.. إنها أذكار الصباح والمساء.. والمحافظة عليها من صفات الرجال ... إن رجلاً واحداً قد يساوي مائة ، ورجلاً قد يوازي ألفاً ، ورجلاً قد يزن شعباً بأسره ، وقد قيل : رجلٌ ذو همة يُحيي به أمة ... لما كانت معركة القادسية طلب سعد بن أبي وقاص من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مدداً ، فما أمده إلا برجل واحدٍ هو القعقاعُ بنُ عمرو التميمي وقال : لا يُهزم جيش فيه مثله ، وكان يقول : لصوتُ القعقاعِ في الجيش خيرٌ من ألف مقاتل ! .. و تصـل الأخبار سنة 21 هـ إلى عمــر بن الخطاب رضي الله عنه أن ملك الفرس يزدجر قد جمع مائة وخمسين ألفاً من رجاله لغزو مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستئصال شأفة الإسلام وأهله ؟ فماذا يفعل عمر وهو يسمع بهذا الجيش الجرار بعدده وعدته فذهب عمر رضي الله عنه إلى المسجد محراب العبادة وغرفة العمليات ليجري اتصالاً ربانيا عاجــلاً بجبار الأرض والسماوات لأنه عرف أن القوة بيد الله وأن النصر يأتي من عنده ومن يخذله الله فلا ناصرا له .. وبعد الصلاة ألتفت عمر فوجد رجل من الصحابة ..
رجل من الطراز الفريد وجده يصلي بخشوع فإذا هو النعمــان بن مقــرن رضي الله عنه فلما أكمل قال له عمر : يا نعمان إني أريد أن أوليك أمراً عظيما .. فقال له النعمان يا أمير المؤمنين إن كنت تريد أن توليني على أمر من أمور المال وجمع المال وحساب المال فلست لذلك الأمر إني أخاف الله رب العالمين فالمال فتنة وأنا أخشى الوقوع فيها وان كنت تريدني للقتال في سبيل الله فإنني أناشدك الله أن لا تحرمني الشهادة في سبيل الله فقال عمر أريدك أن تكون قائد جيش المسلمين لملاقاة الفرس بنهاوند .. وتولى القيادة وسار بجيش المسلمين إلى نهاوند واصطف الجيشان وحانت ساعة الصفر وصمتت الألسنة ونطقت السيوف قال النعمان لجيشه: إني سأكبر ثلاث مرات وسأدعو الله ثلاث دعوات فأمنوا وخفقت القلوب وخشعت الأصوات وعنت الوجوه قال النعمان : اللهم اعز دينك ثم قال اللهم انصر عبادك ثم قال اللهم اجعلني أول شهيد في هذه المعركة) ... وأمير المؤمنين عمر هنالك فى عاصمة الخلافة لا ينام الليل ولا يهدأ له بال حتى تقرحت عيناه من طول السهر ينتظر الأنباء فى وقت لم يكن فيه انترنت ولا قنوات فضائية ولا اتصالات لاسلكية ودارت المعركة وكان النعمان أول شهيد وقتل من الفرس وجرح وأسر منهم أعداد كبيرة وهرب منهم من هرب ودخل المسلمون حصون نهــاوند يدكونها ويغنمون ما فيها وكان النصر حليفهم بإذن الله .. إنه عمر رضي الله عنه الذي كان يبحث دائماً عن معدن الرجال في أخلاقهم وقيمهم وصلتهم بالله وعلو همتهم ليستعملهم في طاعة الله.
أيها المؤمنون / عبــــاد الله : - فإذا كانت الرجولة بهذه الأهمية وبهذه المنزلة العظيمة عند الله وأثرها ودورها في الحياة بهذا الوضوح والسمو والفاعلية فإن الرجولة إذاً ليست بالمظاهر والصور والعدد والعدة والمال والعقار فرب إنسان أوتي بسطة في الجسم وصحة في البدن يطيش عقله فيغدو كالهباء، ورب عبد ضعيف البدن قليل المال وهو مع ذلك يعيش بهمة الرجال. فالرجولة مضمون قبل أن تكون مظهرًا، وما أكثر ما ضيعت المظاهر الجوفاء من حقوق وواجبات و كم طمست من حقائق .. عن سهل بن سعد قال: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: ((مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟)) قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ، قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: ((مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟)) قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا) (البخاري/ 4803) ... وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" (رواه مسلم 2622) .. وعن حارثة بن وهب الخزاعي قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ: كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ" (رواه البخاري 4918)
الرجولة أخلاق وقيم تدور مع الحق والخير وتربا بنفسها عن سفاسف الأمور وتتعلق بمعاليها فالاستجابة للاستفزاز، والانفعال عند الغضب، ورمي الشتائم كالصاعقة على القريب والبعيد أمر يجيده الكثير لكن الذي لا يجيده إلا الرجال الحلم والصبر عندما تطيش عقول السفهاء، في الصحيحن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ") .. وسئل الأحنف بن قيس بم سدت قومك؟ قال وجدت الحِلم أنصر لي من الرجال.
ولله درُّ الشاعر إذ قال:
أحبُّ مـكارمَ الأخلاق جَهدي *** وأكـره أن أَعـيب وأن أُعابا
وأصفح عن سِباب الناس حِلماً *** وشرُّ الناس من يهوى السبابا
ومـن هـاب الرجـال تهيّبوه *** ومـن حقّر الرجالَ فلن يُهابا
ومن أخلاق الرجولة في الإسلام العفة عن الحرام والغيرة على الحرمات وتقديم النفع والبعد عن الظلم ونصرة المظلوم ودفع الضر عنه .. ولم ترى البشرية رجولة حقيقية كما رأتها في خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم في عدله وخلقه ومعاملته وحلمه وشهامته ... ولننظر إلى هذا الموقف فقد قدم رجل من أراش بإبل له إلى مكّة ، فابتاعها منه أبو جهل بن هشام ، فماطله بأثمانها ، فأقبل الأراشي حتى وقف على نادي قريش ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالس في ناحية المسجد ، فقال : يا معشر قريش من رجل يعديني على أبي الحكم بن هشام ، فإني غريب ، وابن سبيل ، وقد غلبني على حقي ، فقال أهل المجلس : ترى ذلك ، يهمزون به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما يعلمون
أيها المؤمنون / عبــــاد الله : - فإذا كانت الرجولة بهذه الأهمية وبهذه المنزلة العظيمة عند الله وأثرها ودورها في الحياة بهذا الوضوح والسمو والفاعلية فإن الرجولة إذاً ليست بالمظاهر والصور والعدد والعدة والمال والعقار فرب إنسان أوتي بسطة في الجسم وصحة في البدن يطيش عقله فيغدو كالهباء، ورب عبد ضعيف البدن قليل المال وهو مع ذلك يعيش بهمة الرجال. فالرجولة مضمون قبل أن تكون مظهرًا، وما أكثر ما ضيعت المظاهر الجوفاء من حقوق وواجبات و كم طمست من حقائق .. عن سهل بن سعد قال: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: ((مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟)) قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ، قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: ((مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟)) قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا) (البخاري/ 4803) ... وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" (رواه مسلم 2622) .. وعن حارثة بن وهب الخزاعي قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ: كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ" (رواه البخاري 4918)
الرجولة أخلاق وقيم تدور مع الحق والخير وتربا بنفسها عن سفاسف الأمور وتتعلق بمعاليها فالاستجابة للاستفزاز، والانفعال عند الغضب، ورمي الشتائم كالصاعقة على القريب والبعيد أمر يجيده الكثير لكن الذي لا يجيده إلا الرجال الحلم والصبر عندما تطيش عقول السفهاء، في الصحيحن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ") .. وسئل الأحنف بن قيس بم سدت قومك؟ قال وجدت الحِلم أنصر لي من الرجال.
ولله درُّ الشاعر إذ قال:
أحبُّ مـكارمَ الأخلاق جَهدي *** وأكـره أن أَعـيب وأن أُعابا
وأصفح عن سِباب الناس حِلماً *** وشرُّ الناس من يهوى السبابا
ومـن هـاب الرجـال تهيّبوه *** ومـن حقّر الرجالَ فلن يُهابا
ومن أخلاق الرجولة في الإسلام العفة عن الحرام والغيرة على الحرمات وتقديم النفع والبعد عن الظلم ونصرة المظلوم ودفع الضر عنه .. ولم ترى البشرية رجولة حقيقية كما رأتها في خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم في عدله وخلقه ومعاملته وحلمه وشهامته ... ولننظر إلى هذا الموقف فقد قدم رجل من أراش بإبل له إلى مكّة ، فابتاعها منه أبو جهل بن هشام ، فماطله بأثمانها ، فأقبل الأراشي حتى وقف على نادي قريش ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالس في ناحية المسجد ، فقال : يا معشر قريش من رجل يعديني على أبي الحكم بن هشام ، فإني غريب ، وابن سبيل ، وقد غلبني على حقي ، فقال أهل المجلس : ترى ذلك ، يهمزون به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما يعلمون
ما بينه وبين أبي جهل من العداوة ، إذهب إليه ، فهو يعديك عليه ، فأقبل الأراشي حتى وقف على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكر ذلك له ، فقام معه فلما رأوه قام معه ، قالوا لمن معهم : اتبعه فانظر ما يصنع ؟ فخرج إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى جاءه فضرب عليه بابه ، فقال مَن هذا ؟ قال : محمد ، فاخرج ، فخرج إليه ، وما في وجهه قطرة دم ، وقد امتقع لونه ، فقال : إعط هذا الرجل حقّه ، قال : لا يبرح حتى أعطيه الذي له ، قال فدخل ، فخرج إليه بحقه ، فدفعه إليه ، ثمّ انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال للأراشي إلحق لشأنك . . فأقبل الأراشي حتى وقف على المجلس ، فقال : جزاه الله خيراً ، فقد أخذ الذي لي .. »( البداية والنهاية ، ج3 ، ص 59-60 .) ... اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ...
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه
الخطبـة الثـانية :
عبــــــاد الله : - ومن أخلاق الرجولة العفو حين لا يكون إلا الإنتقام وتحين الفرص، فالعفو والصفح لا يجيده إلا الرجال قال تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]. وقال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134].. و العفو هو التفضل على المخطئ والمسيء بالمسامحة والتجاوز، وعدم معاقبته أو معاملته بالمثل. والإحسان إلى من يسيء منزلة لا يطيقها إلا الرجال .. لقد دخل على القاضي ابن هبيرة وهو في مجلس القضاء رجلان من المسلمين ومعهما رجل مربوط بحبل بينهما فقالوا أيها القاضي إن هذا الرجل قتل أبانا ونريد القصاص منه فالتفت بن هبيرة اليه وقال أقتلت أباهم قال نعم ثم قال لهم ابن هبيرة تقبلون مني مئة من الإبل وتعفون عنه قالوا لا نقبل قال فمائتين قالوا نقبل بثلاث فأعطاهم ابن هبيرة ثم أنصرفوا ثم قام إلى ذلك الرجل وفك وثاقه وأطلق سراحه والناس قد أخذتهم الدهشة وهم يرون ماجرى قالوا يابن هبيرة ما رأيناك عملت كما عملت اليوم يعترف القاتل وتدافع عنه وتعطي أهل المقتول الدية من مالك قال : ارايتم إلى عيني اليمنى والله ما أرى بها منذ أربعين سنة ولقد ضربني هذا القاتل وأنا ذاهب لطلب العلم منذ أربعين سنة فأردت أن أطيع الله فيه كما عصى الله فيا .. إن علينا أن نتخلق بهذه القيم ونمارسها سلوكاً في الحياة نرضي بها ربنا ونقوي بها صفنا وينتفع بها مجتمعنا .. وتتىآلف بها القلوب وتحفظ بها الحقوق ولنحذر من استعمال نعم الله علينا من صحة أو مال ومنصب وجاه في ما يغضبه سبحانه.. و لنعلم أنه متى ما فسدت أخلاقنا وساءت تصرفاتنا ضاقت علينا نفوسنا وتكدر عيشنا وكثرت مشاكلنا ... لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق
فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت .. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً ولا تفتنا في ديننا ولا دنيانا .. والحمد لله رب العالمين وصلى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين .
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه
الخطبـة الثـانية :
عبــــــاد الله : - ومن أخلاق الرجولة العفو حين لا يكون إلا الإنتقام وتحين الفرص، فالعفو والصفح لا يجيده إلا الرجال قال تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]. وقال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134].. و العفو هو التفضل على المخطئ والمسيء بالمسامحة والتجاوز، وعدم معاقبته أو معاملته بالمثل. والإحسان إلى من يسيء منزلة لا يطيقها إلا الرجال .. لقد دخل على القاضي ابن هبيرة وهو في مجلس القضاء رجلان من المسلمين ومعهما رجل مربوط بحبل بينهما فقالوا أيها القاضي إن هذا الرجل قتل أبانا ونريد القصاص منه فالتفت بن هبيرة اليه وقال أقتلت أباهم قال نعم ثم قال لهم ابن هبيرة تقبلون مني مئة من الإبل وتعفون عنه قالوا لا نقبل قال فمائتين قالوا نقبل بثلاث فأعطاهم ابن هبيرة ثم أنصرفوا ثم قام إلى ذلك الرجل وفك وثاقه وأطلق سراحه والناس قد أخذتهم الدهشة وهم يرون ماجرى قالوا يابن هبيرة ما رأيناك عملت كما عملت اليوم يعترف القاتل وتدافع عنه وتعطي أهل المقتول الدية من مالك قال : ارايتم إلى عيني اليمنى والله ما أرى بها منذ أربعين سنة ولقد ضربني هذا القاتل وأنا ذاهب لطلب العلم منذ أربعين سنة فأردت أن أطيع الله فيه كما عصى الله فيا .. إن علينا أن نتخلق بهذه القيم ونمارسها سلوكاً في الحياة نرضي بها ربنا ونقوي بها صفنا وينتفع بها مجتمعنا .. وتتىآلف بها القلوب وتحفظ بها الحقوق ولنحذر من استعمال نعم الله علينا من صحة أو مال ومنصب وجاه في ما يغضبه سبحانه.. و لنعلم أنه متى ما فسدت أخلاقنا وساءت تصرفاتنا ضاقت علينا نفوسنا وتكدر عيشنا وكثرت مشاكلنا ... لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق
فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت .. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً ولا تفتنا في ديننا ولا دنيانا .. والحمد لله رب العالمين وصلى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين .
وعجلت إليك ربي لترضى .. !!
الحمد لله المتفرِّدِ بالعظمة والبقاء والدوام، يكوِّر الليل على النهار، ويكوِّر النهار على الليل، ويصرّف الشهور والأعوام، لا إله إلا هو، الخلقُ خلقه، الأمر أمرُه، فتبارك ذو الجلال والإكرام، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه أستغفره، والى علينا نعَمَه، وتابع علينا آلاءه، وبالشكر يزيد الإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قدّر الأمور بإحكام، وأجراها على أحسن نظام، وأشهد أن سيّدنا ونبيَّنا محمّدًا عبد الله ورسوله، أفضل الرسل وسيّد الأنام، صلى الله وسلم وبارك عليه،وعلى آله الأطهار وأصحابه الكرام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليمـــا كثـــيرا على الدوام أما بعـــــــد :
عباد الله: كان من دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم أَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَـى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَـى لِقَائِكَ، فِي غَيْـرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ" [النسائي], "في غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ" أي هو الشوق الناشئ عن محض المحبة لله -تعالى-.
إنَّ هذا الدعاء قد حوى أعظم لذة في الدنيا، وهي الشوق إلى لقاء الله -تعالى-، وأعظم لذة في الآخرة، وهي النظر إلى وجهه -عَزَّ وجل- ولقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- كثير الشوق إلى ربه -سبحانه-, ولما خيّره ربه بين زهرة الحياة الدنيا وبين ما عند الله اختار لقاء الله, ثم خرج على أصحابه فقال لهم: "إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَ اللَّهِ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ الله". فبكى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, فلما حضرته الوفاة حقق هذا الشوق والحنين فقال: "بل الرفيق الأعلى, بل الرفيق الأعلى, بل الرفيق الأعلى" [الترمذي].
حقيقة الشوق إلى الله
أيها الناس: إن الشوق إلى الله: هو سفر القلب في طلب المحبوب -سبحانه-، ونزوعه إليه، فالمحب دائماً مشتاق إلى لقاء حبيبه، لا يهدأ قلبه، ولا يقر قراره إلا بالوصول إليه, فلا محبوب عنده في الحقيقة إلا الله -سبحانه-, ولا مستحق للمحبة التامة أحداً سواه.
إن الشوق إلى الله لذة لا يتلذذ بها إلا من عاش مع الله, وتلذذ بمعاني هذه الحياة مع الله!, فأصبح لا يجري في قلبه غير الله, يعيش حياة الملوك من عرف الله حتى لو كان لا يجد مأكله ومشربه وملبسه, حتى لو كان لا يجد ما يظله, فظله ذاك الحب الذي خالط شغاف قلبه وسرى في عروقه, حتى ولو كان ألم المرض يكسر عظامه ويفتت لحمه, فقد ملأ ذلك الحب جسده, فلم يعد يشعر بشيء غير الله.
هذا موسى -عليه الصلاة والسلام- يقول: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84] قال بعض السلف: معناه شوقاً إليك, ويونس ينادي ربه في الظلمات: (أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ), وإبراهيم -عليه الصلاة والسلام- طامعاً فيما عند ربه: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [ الشعراء: 82-83].
فكل دعاء أنبياء الله ورسله رجوع لله! وطلب لله! وتعلق بالله! وشوق لله! وحب لله!, وصدق الله إذ يقول فيهم: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 90], وهذا الدعاء واللجوء إلى الله منهم يعبر عن شوقهم إلى الله وتلهفهم إليه, إذ الدعاء عبادة, لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء هو العبادة" [صحيح الترغيب], والعبادة محبة وتذلل وخضوع, يقول البراء بن عازب -رضي الله عنه-: "والشوق روح الدعاء ومحركه، ومائه وحقيقته، فمشتاق لما عنده الله ومثوبة الله، ومشتاق لله ووجه الله، وكل بيد الله ورحمة الله".
أيها المؤمنون: محبة الله والشوق إليه هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون, واليها شمر المشمرون, وعليها تفانى المحبون, وهي اللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وأحزان, يقول الحسن -رحمه الله-: "والذي نفسي بيده ما أصبح في هذه القرية من مؤمن إلا وقد أصبح مهموماً محزونًا، ففروا إلى ربكم وافزعوا إليه؛ فإنه ليس لمؤمن راحة دون لقائه", وكان أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: "أحب الموت اشتياقا لربي", وقال يحيى بن معاذ: "يخرج العارف من الدنيا ولا يقضي وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه, وشوقه إلى ربه".
أيها الأحبة: في معركة بدر صاح النبي -صلى الله عليه وسلم- في أصحابه وقال لهم: "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض, والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر؛ إلا أدخله الله الجنة". فألقى عمير بن الحمام وقد حركه الشوق تمرات كانت في يده,: وقال "والله إنها لحياة طويلة حتى آكل هذه التمرات", فقاتل حتى قتل.
الحمد لله المتفرِّدِ بالعظمة والبقاء والدوام، يكوِّر الليل على النهار، ويكوِّر النهار على الليل، ويصرّف الشهور والأعوام، لا إله إلا هو، الخلقُ خلقه، الأمر أمرُه، فتبارك ذو الجلال والإكرام، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه أستغفره، والى علينا نعَمَه، وتابع علينا آلاءه، وبالشكر يزيد الإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قدّر الأمور بإحكام، وأجراها على أحسن نظام، وأشهد أن سيّدنا ونبيَّنا محمّدًا عبد الله ورسوله، أفضل الرسل وسيّد الأنام، صلى الله وسلم وبارك عليه،وعلى آله الأطهار وأصحابه الكرام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليمـــا كثـــيرا على الدوام أما بعـــــــد :
عباد الله: كان من دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم أَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَـى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَـى لِقَائِكَ، فِي غَيْـرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ" [النسائي], "في غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ" أي هو الشوق الناشئ عن محض المحبة لله -تعالى-.
إنَّ هذا الدعاء قد حوى أعظم لذة في الدنيا، وهي الشوق إلى لقاء الله -تعالى-، وأعظم لذة في الآخرة، وهي النظر إلى وجهه -عَزَّ وجل- ولقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- كثير الشوق إلى ربه -سبحانه-, ولما خيّره ربه بين زهرة الحياة الدنيا وبين ما عند الله اختار لقاء الله, ثم خرج على أصحابه فقال لهم: "إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَ اللَّهِ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ الله". فبكى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, فلما حضرته الوفاة حقق هذا الشوق والحنين فقال: "بل الرفيق الأعلى, بل الرفيق الأعلى, بل الرفيق الأعلى" [الترمذي].
حقيقة الشوق إلى الله
أيها الناس: إن الشوق إلى الله: هو سفر القلب في طلب المحبوب -سبحانه-، ونزوعه إليه، فالمحب دائماً مشتاق إلى لقاء حبيبه، لا يهدأ قلبه، ولا يقر قراره إلا بالوصول إليه, فلا محبوب عنده في الحقيقة إلا الله -سبحانه-, ولا مستحق للمحبة التامة أحداً سواه.
إن الشوق إلى الله لذة لا يتلذذ بها إلا من عاش مع الله, وتلذذ بمعاني هذه الحياة مع الله!, فأصبح لا يجري في قلبه غير الله, يعيش حياة الملوك من عرف الله حتى لو كان لا يجد مأكله ومشربه وملبسه, حتى لو كان لا يجد ما يظله, فظله ذاك الحب الذي خالط شغاف قلبه وسرى في عروقه, حتى ولو كان ألم المرض يكسر عظامه ويفتت لحمه, فقد ملأ ذلك الحب جسده, فلم يعد يشعر بشيء غير الله.
هذا موسى -عليه الصلاة والسلام- يقول: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84] قال بعض السلف: معناه شوقاً إليك, ويونس ينادي ربه في الظلمات: (أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ), وإبراهيم -عليه الصلاة والسلام- طامعاً فيما عند ربه: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [ الشعراء: 82-83].
فكل دعاء أنبياء الله ورسله رجوع لله! وطلب لله! وتعلق بالله! وشوق لله! وحب لله!, وصدق الله إذ يقول فيهم: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 90], وهذا الدعاء واللجوء إلى الله منهم يعبر عن شوقهم إلى الله وتلهفهم إليه, إذ الدعاء عبادة, لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء هو العبادة" [صحيح الترغيب], والعبادة محبة وتذلل وخضوع, يقول البراء بن عازب -رضي الله عنه-: "والشوق روح الدعاء ومحركه، ومائه وحقيقته، فمشتاق لما عنده الله ومثوبة الله، ومشتاق لله ووجه الله، وكل بيد الله ورحمة الله".
أيها المؤمنون: محبة الله والشوق إليه هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون, واليها شمر المشمرون, وعليها تفانى المحبون, وهي اللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وأحزان, يقول الحسن -رحمه الله-: "والذي نفسي بيده ما أصبح في هذه القرية من مؤمن إلا وقد أصبح مهموماً محزونًا، ففروا إلى ربكم وافزعوا إليه؛ فإنه ليس لمؤمن راحة دون لقائه", وكان أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: "أحب الموت اشتياقا لربي", وقال يحيى بن معاذ: "يخرج العارف من الدنيا ولا يقضي وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه, وشوقه إلى ربه".
أيها الأحبة: في معركة بدر صاح النبي -صلى الله عليه وسلم- في أصحابه وقال لهم: "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض, والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر؛ إلا أدخله الله الجنة". فألقى عمير بن الحمام وقد حركه الشوق تمرات كانت في يده,: وقال "والله إنها لحياة طويلة حتى آكل هذه التمرات", فقاتل حتى قتل.
ولما حضرت بلالَ الوفاةُ وغشيته سكرات الموت, قالت امرأته: واكرباه، فقال لها بلال: "بل وافرحاه، غداً ألقى الأحبة محمداً وحزبه".
ليس في قلوب المشتاقين محبوب أعظم ولا أحب من الله -عز وجل-، فمحبته فوق كل محبة، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة: 165]، وحينما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ الله لِقَاءَه". فقالت بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: "إنا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ" قال: "ليس ذاك، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إذا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ, فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إليه مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ الله لِقَاءَهُ" [البخاري ومسلم], وفي رواية أخرى يقول: "من أحب لقاء الله -عز وجل- أحب الله تعالى لقاءه، ومن كره لقاء الله تعالى كره الله -عز وجل- لقاءه"، فبكى القوم، فقالوا: يا رسول الله، وأينا لا يكره الموت؟ قال: "لست ذلك أعني، ولكن الله -تبارك وتعالى- قال (فَأَمَّا إن كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ)، فإذا كان عند ذلك أحب لقاء الله تعالى، والله -عز وجل- للقائه أحب، (وَأَمَّا إن كَانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضَالِينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ)، فإذا كان كذلك كره لقاء الله تعالى، والله -عز وجل- للقائه أكره".
وتأمل -أخي الكريم- قول الله - تعالى- معزياً للمشتاقين ومبشراً لهم بقرب لقائه بهم: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [العنكبوت: 5].
قلت ما سمعتم وأستغفر الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده
أيها المسلمون: الشوق أثر من آثار معرفة الله ومحبته، والمحبة أعلى منه؛ لأن الشوق عنها يتولد، وعلى قدرها يقوى ويضعف، وعلامة الشوق: السير إلى الله بالعبادة والاستقامة, وفطام الجوارح عن الشهوات التي تعيق سيره.
ولا بد من إثارة كوامن شوقك إلى الله -عز وجل- حتى تلين لك الطاعات فتؤديها ذائقًا حلاوتها ولذتها، وأية لذة يمكن أن تحصلها من قيام الليل ومكابدة السهر, ومراوحة الأقدام المتعبة, أو ظمأ الهواجر, أو ألم جوع البطون, إذا لم يكن كل ذلك مبنيًا على معنى: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84 ] ؟!.
عباد الرحمن: إن الناس في أشواقهم على ثلاثةِ مراتب:
الأولى: مرتبةُ السابقين: وهم أولئك الذين توجهت أشواقهم إلى معالي الأمور، فامتلأت قلوبهم بالشوق إلى الله وجنته ورسوله وضروب طاعتِهِ.
والثانية: مرتبة العالقين: وهم الذين تنازعتهم الأشواق، فمرةً إلى العليا ومرةً إلى الدنيا، يسمو بهم إيمانهم وتكبو بهم أدرانهم.
والثالثة: مرتبة الغارقين: وهم الذي غرقوا في الدنيا وتعلقت قلوبهم بها, فما عرفوا شوقاً إلى غيرها، ملأت قلوبهم فسعوا إليها لا يبالون حلالها من حرامِها, وتضخمتْ محبتها حتى لم تبق لمحبة الله مكاناً.
وقد لفت الله تعالى انتباهنا إلى هذه المراتب في قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فاطر: 32].
فكن -يا عبد الله- من أصحاب المرتبة الأولى الذين يشتاقون إلى رؤية وجه الله -عز وجل- في الجنة, فقلوبهم متلهفة لنيل هذا الشرف العظيم واللذة الكبرى، ثبت عن صهيب الرومي -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا دخل أهل الجنة الجنة, يقول -تبارك وتعالى-: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا؟ ألم تُدخلنا الجنة وتنجّنا من النار؟ فيُكشفُ الحجاب، فما أُعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم". [مسلم]. فيرجع المؤمن بعد لقاءَ الله والنظر إلى وجهه -تعالى-, وقد ازداد نضرة ونوراً وجمالاً, يراه أهله فيبتهجون ويبشرون به، والله يقول: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة: 22، 23].
أيها المسلمون: هذا هو الشوق، فإذا أردت أن تعرف هل أنت من المشتاقين فاعلم أن الشوق إلى لقاء الله -تعالى- يستلزم عدم الركون إلى الدنيا, والاطمئنان إليها والرضى بها، فالمشتاقون حقاً إلى لقاء الله المتطلعون إلى الولوج في بحبوحة كرامته، وواسع فضله، يعتبرون الدنيا محطة استعدادٍ وتزودٍ للقاء المحبوب.
المشتاقون: يشكرون ربهم على نعمائه، ويصبرون على قضائه, ويعبدونه حتى يأتيهم اليقين، يفرّون من المعاصي، ويرجون رحمة ربهم ويدعونه خوفا وطمعا, يعيشون مع الناس بأجسادهم وقلوبهم محلقة في علياء ربهم، يعمرون أرضه بذكره وإعلاء كلمته، لا يخافون في الله لومة لائم، لو علم الملوك بحالهم وسعادتهم لقاتلوهم على تلك السعادة بالسيوف.
ليس في قلوب المشتاقين محبوب أعظم ولا أحب من الله -عز وجل-، فمحبته فوق كل محبة، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة: 165]، وحينما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ الله لِقَاءَه". فقالت بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: "إنا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ" قال: "ليس ذاك، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إذا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ, فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إليه مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ الله لِقَاءَهُ" [البخاري ومسلم], وفي رواية أخرى يقول: "من أحب لقاء الله -عز وجل- أحب الله تعالى لقاءه، ومن كره لقاء الله تعالى كره الله -عز وجل- لقاءه"، فبكى القوم، فقالوا: يا رسول الله، وأينا لا يكره الموت؟ قال: "لست ذلك أعني، ولكن الله -تبارك وتعالى- قال (فَأَمَّا إن كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ)، فإذا كان عند ذلك أحب لقاء الله تعالى، والله -عز وجل- للقائه أحب، (وَأَمَّا إن كَانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضَالِينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ)، فإذا كان كذلك كره لقاء الله تعالى، والله -عز وجل- للقائه أكره".
وتأمل -أخي الكريم- قول الله - تعالى- معزياً للمشتاقين ومبشراً لهم بقرب لقائه بهم: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [العنكبوت: 5].
قلت ما سمعتم وأستغفر الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده
أيها المسلمون: الشوق أثر من آثار معرفة الله ومحبته، والمحبة أعلى منه؛ لأن الشوق عنها يتولد، وعلى قدرها يقوى ويضعف، وعلامة الشوق: السير إلى الله بالعبادة والاستقامة, وفطام الجوارح عن الشهوات التي تعيق سيره.
ولا بد من إثارة كوامن شوقك إلى الله -عز وجل- حتى تلين لك الطاعات فتؤديها ذائقًا حلاوتها ولذتها، وأية لذة يمكن أن تحصلها من قيام الليل ومكابدة السهر, ومراوحة الأقدام المتعبة, أو ظمأ الهواجر, أو ألم جوع البطون, إذا لم يكن كل ذلك مبنيًا على معنى: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84 ] ؟!.
عباد الرحمن: إن الناس في أشواقهم على ثلاثةِ مراتب:
الأولى: مرتبةُ السابقين: وهم أولئك الذين توجهت أشواقهم إلى معالي الأمور، فامتلأت قلوبهم بالشوق إلى الله وجنته ورسوله وضروب طاعتِهِ.
والثانية: مرتبة العالقين: وهم الذين تنازعتهم الأشواق، فمرةً إلى العليا ومرةً إلى الدنيا، يسمو بهم إيمانهم وتكبو بهم أدرانهم.
والثالثة: مرتبة الغارقين: وهم الذي غرقوا في الدنيا وتعلقت قلوبهم بها, فما عرفوا شوقاً إلى غيرها، ملأت قلوبهم فسعوا إليها لا يبالون حلالها من حرامِها, وتضخمتْ محبتها حتى لم تبق لمحبة الله مكاناً.
وقد لفت الله تعالى انتباهنا إلى هذه المراتب في قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فاطر: 32].
فكن -يا عبد الله- من أصحاب المرتبة الأولى الذين يشتاقون إلى رؤية وجه الله -عز وجل- في الجنة, فقلوبهم متلهفة لنيل هذا الشرف العظيم واللذة الكبرى، ثبت عن صهيب الرومي -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا دخل أهل الجنة الجنة, يقول -تبارك وتعالى-: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا؟ ألم تُدخلنا الجنة وتنجّنا من النار؟ فيُكشفُ الحجاب، فما أُعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم". [مسلم]. فيرجع المؤمن بعد لقاءَ الله والنظر إلى وجهه -تعالى-, وقد ازداد نضرة ونوراً وجمالاً, يراه أهله فيبتهجون ويبشرون به، والله يقول: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة: 22، 23].
أيها المسلمون: هذا هو الشوق، فإذا أردت أن تعرف هل أنت من المشتاقين فاعلم أن الشوق إلى لقاء الله -تعالى- يستلزم عدم الركون إلى الدنيا, والاطمئنان إليها والرضى بها، فالمشتاقون حقاً إلى لقاء الله المتطلعون إلى الولوج في بحبوحة كرامته، وواسع فضله، يعتبرون الدنيا محطة استعدادٍ وتزودٍ للقاء المحبوب.
المشتاقون: يشكرون ربهم على نعمائه، ويصبرون على قضائه, ويعبدونه حتى يأتيهم اليقين، يفرّون من المعاصي، ويرجون رحمة ربهم ويدعونه خوفا وطمعا, يعيشون مع الناس بأجسادهم وقلوبهم محلقة في علياء ربهم، يعمرون أرضه بذكره وإعلاء كلمته، لا يخافون في الله لومة لائم، لو علم الملوك بحالهم وسعادتهم لقاتلوهم على تلك السعادة بالسيوف.
المشتاقون: صارت أسماء ربهم وصفاته مشهدا لقلوبهم، أَنْسَتْـهم ذكر غيره، وشغلتهم عن حب من سواه، وجذبتهم إلى حبه -تعالى- وحده.
المشتاقون لربهم: قلوبهم متعلقة بخالقهم في كل حين, يقول عبد الواحد بن زيد: "يا إخوتاه ألا تبكون شوقا إلى الله؟ ألا من بكى شوقا إلى سيده لم يحرمه النظر إليه".
فلنوطن أنفسنا على الشوق إلى لقاء الله، والتطلع إلى ما أعده لعباده المؤمنين ولنحذر من لصوص الشوق وقطاع الطريق إلى الله فإنهم العدو الأكبر والخطر الأعظم: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف: 28] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون:9 ].
قلوب العارفين لها عيون *** ترى ما لا يراه الناظرونا
وأجنحة تطير بكل شوق *** فتأوي عند رب العالمينا
فانظر إلى قلبك الآن, وابحث فيه: أتجد فيه شوقاً إلى خالقك؟ وحنيناً إلى لقاء مولاك؟ ونزوعاً إلى رؤية وجهه الكريم؟ إن وجدت فافرح وازدد, وإلا فاستدرك.
صلوا وسلموا على السراج المنير والبشير النذير؛ حيث أمركم الله فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
المشتاقون لربهم: قلوبهم متعلقة بخالقهم في كل حين, يقول عبد الواحد بن زيد: "يا إخوتاه ألا تبكون شوقا إلى الله؟ ألا من بكى شوقا إلى سيده لم يحرمه النظر إليه".
فلنوطن أنفسنا على الشوق إلى لقاء الله، والتطلع إلى ما أعده لعباده المؤمنين ولنحذر من لصوص الشوق وقطاع الطريق إلى الله فإنهم العدو الأكبر والخطر الأعظم: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف: 28] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون:9 ].
قلوب العارفين لها عيون *** ترى ما لا يراه الناظرونا
وأجنحة تطير بكل شوق *** فتأوي عند رب العالمينا
فانظر إلى قلبك الآن, وابحث فيه: أتجد فيه شوقاً إلى خالقك؟ وحنيناً إلى لقاء مولاك؟ ونزوعاً إلى رؤية وجهه الكريم؟ إن وجدت فافرح وازدد, وإلا فاستدرك.
صلوا وسلموا على السراج المنير والبشير النذير؛ حيث أمركم الله فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
خطبة جمعة:
واجبات مضيّعة ... !!
الحمد لله المطلع على ما تكنه النفوس والضمائر، الذي أحاط علمه بكل شيء باطنٍ و ظاهر إليه تصير الأمور، وبيدِه تصريفُ الدّهور، أحمده سبحانه وأشكره، عمَّ الخلائقَ فضلُه وإحسانه،ووسِع المذنبين عفوُه وغفرانُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، عظُم شأنه وعزّ سلطانه،
أوليتني نعما أبوح بشكرها ... وكفيتني كل الأمور بأسرها .
فلأشكرنك ما حييت وإن أمت ... فلتشكرنك أعظمي في قبرها .
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، ما ترك خيراً إلا ودل أمته عليه ولا شراً إلا وحذرها منه فتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتبعها إلا كل منيبٍ سالك فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً أما بعــد:-
عبــــاد الله :- لقد خلقنا الله جميعاً وسخر لنا هذا الكون بما فيه من نعم وكلفنا بواجبات متعددة ومهام متنوعة وأمرنا أن نؤدي هذه الواجبات على أكمل صورة وأحسن أداء ورتب على ذلك السعادة في الدنيا والثواب في الآخرة قال تعالى (إن الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا ) (مريم/96) وقال تعالى (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ* فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزلزلة:6-8}،... وإن من أعظم هذه الواجبات والتي ينبغي أن نؤديها ونسعى إليها هي تزكية نفوسنا بالإيمان بالله وتوحيده وحسن عبادته وهذا هو أعظم الواجبات التي أمرنا الله بها وأرسل الرسل وأنزل الكتب من أجلها ولذلك فقد أجاب عيسى عليه السلام ربه عندما سأله عن قومه وفحوى رسالته التي بلغهم إياها قائلا:”مَا قُلْتُ لَهُمُ إِلاَّ مآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنُ اَعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبـَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ على كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ” [المائدة: 117]. هذه العقيدة وهذه العبادة الخالصة لله تحرر النفس من الخضوع لكل شيء غير الله، سواء كان شخصاً، أو جهةً، أو صنماً، أو مال أو دنيا أو متاع وأن تخضع لله في كل شأن من شؤون حياتها، ثم تزكيتها بعد ذلك بالأخلاق والقيم العظيمة وتربيتها على فضائل الأعمال وهذا ما أوصانا به الحبيبُ - صلَّى الله عليه وسلم - قائلاً:(اتَّقِ الله حيثُما كنتَ، وأتبِعِ السيِّئةَ الحسنة تَمْحُها، وخالِقِ الناسَ بِخُلُق حسن)[ أخرجه التِّرمذي في "البِرِّ والصِّلة"، وصحَّح الألباني إسناده في "الجامع"، ح/ 97.].. وإن القيام بمثل هذه الواجبات يحتاج إلى إخلاص وصبر ومصابرة وقال تعالى (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا {الكهف:110}
أيها المؤمنون /عبـــاد الله :- وهناك واجبات على العبد تجاه أهله وأولاده وجيرانه وأرحامه من حسن الرعاية والتربية والصلة والمعاملة الحسنة والصبر على ذلك وإنها لمسئولية عظيمة يسأل عنها يوم القيامة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راعٍ في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسئول عن رعيته). (البخاري (8/104)... وقال تعالى:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون ) [6سورة التحريم] .. وهناك واجبات عليك تجاه إخوانك في المجتمع الذي تعيش فيه فتسعى لبناء علاقات وثيقة معهم تقوم على الحب والتراحم والتعاون والإيثار والنصح ولا خير في مجتمع لا يحب أفراده بعضهم البعض ولا بعطف بعضهم على بعض ولا يتفقد بعضهم أحوال بعض وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتعاون على البر والتقوى، ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان، روى أبو بردة عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على كل مسلم صدقة) فقالوا: يا نبي الله، فمن لم يجد؟ قال: (يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق) قالوا: فإن لم يجد؟ قال: (يعين ذا الحاجة الملهوف) قالوا: فان لم يجد؟ قال: (فليعمل بالمعروف، ويمسك عن الشر، فإنها له صدقة).(مسلم (2/699) .. والذي يقضي حاجة أخيه في الدنيا يقضي الله حاجته يوم القيامة، عندما يكون أحوج إليها من حاجة أخيه في الدنيا ... عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ).
واجبات مضيّعة ... !!
الحمد لله المطلع على ما تكنه النفوس والضمائر، الذي أحاط علمه بكل شيء باطنٍ و ظاهر إليه تصير الأمور، وبيدِه تصريفُ الدّهور، أحمده سبحانه وأشكره، عمَّ الخلائقَ فضلُه وإحسانه،ووسِع المذنبين عفوُه وغفرانُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، عظُم شأنه وعزّ سلطانه،
أوليتني نعما أبوح بشكرها ... وكفيتني كل الأمور بأسرها .
فلأشكرنك ما حييت وإن أمت ... فلتشكرنك أعظمي في قبرها .
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، ما ترك خيراً إلا ودل أمته عليه ولا شراً إلا وحذرها منه فتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتبعها إلا كل منيبٍ سالك فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً أما بعــد:-
عبــــاد الله :- لقد خلقنا الله جميعاً وسخر لنا هذا الكون بما فيه من نعم وكلفنا بواجبات متعددة ومهام متنوعة وأمرنا أن نؤدي هذه الواجبات على أكمل صورة وأحسن أداء ورتب على ذلك السعادة في الدنيا والثواب في الآخرة قال تعالى (إن الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا ) (مريم/96) وقال تعالى (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ* فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزلزلة:6-8}،... وإن من أعظم هذه الواجبات والتي ينبغي أن نؤديها ونسعى إليها هي تزكية نفوسنا بالإيمان بالله وتوحيده وحسن عبادته وهذا هو أعظم الواجبات التي أمرنا الله بها وأرسل الرسل وأنزل الكتب من أجلها ولذلك فقد أجاب عيسى عليه السلام ربه عندما سأله عن قومه وفحوى رسالته التي بلغهم إياها قائلا:”مَا قُلْتُ لَهُمُ إِلاَّ مآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنُ اَعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبـَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ على كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ” [المائدة: 117]. هذه العقيدة وهذه العبادة الخالصة لله تحرر النفس من الخضوع لكل شيء غير الله، سواء كان شخصاً، أو جهةً، أو صنماً، أو مال أو دنيا أو متاع وأن تخضع لله في كل شأن من شؤون حياتها، ثم تزكيتها بعد ذلك بالأخلاق والقيم العظيمة وتربيتها على فضائل الأعمال وهذا ما أوصانا به الحبيبُ - صلَّى الله عليه وسلم - قائلاً:(اتَّقِ الله حيثُما كنتَ، وأتبِعِ السيِّئةَ الحسنة تَمْحُها، وخالِقِ الناسَ بِخُلُق حسن)[ أخرجه التِّرمذي في "البِرِّ والصِّلة"، وصحَّح الألباني إسناده في "الجامع"، ح/ 97.].. وإن القيام بمثل هذه الواجبات يحتاج إلى إخلاص وصبر ومصابرة وقال تعالى (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا {الكهف:110}
أيها المؤمنون /عبـــاد الله :- وهناك واجبات على العبد تجاه أهله وأولاده وجيرانه وأرحامه من حسن الرعاية والتربية والصلة والمعاملة الحسنة والصبر على ذلك وإنها لمسئولية عظيمة يسأل عنها يوم القيامة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راعٍ في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسئول عن رعيته). (البخاري (8/104)... وقال تعالى:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون ) [6سورة التحريم] .. وهناك واجبات عليك تجاه إخوانك في المجتمع الذي تعيش فيه فتسعى لبناء علاقات وثيقة معهم تقوم على الحب والتراحم والتعاون والإيثار والنصح ولا خير في مجتمع لا يحب أفراده بعضهم البعض ولا بعطف بعضهم على بعض ولا يتفقد بعضهم أحوال بعض وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتعاون على البر والتقوى، ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان، روى أبو بردة عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على كل مسلم صدقة) فقالوا: يا نبي الله، فمن لم يجد؟ قال: (يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق) قالوا: فإن لم يجد؟ قال: (يعين ذا الحاجة الملهوف) قالوا: فان لم يجد؟ قال: (فليعمل بالمعروف، ويمسك عن الشر، فإنها له صدقة).(مسلم (2/699) .. والذي يقضي حاجة أخيه في الدنيا يقضي الله حاجته يوم القيامة، عندما يكون أحوج إليها من حاجة أخيه في الدنيا ... عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ).
[البخاري (3/98) ومسلم (4/1696)] وفي الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم 😞 أيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله" (رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والحاكم. وقال المنذري في الترغيب: بعض أسانيده جيد، وكذا العراقي في تخريج "الإحياء" وصححه الشيخ شاكر في تخريج المسند 4880) .. ومن ذلك أن يدرك المرء خطورة الاعتداء على أموال وأعراض ودماء المسلمين وغير المسلمين في المجتمع المسلم تحت أي مسمى وإن الانجرار في هذا الطريق والتساهل في هذه الأعمال يقود إلى سخط جبار الأرض والسموات ويذهب الأمن وتنتشر الجريمة وعندها تحل النكبات والمصائب في المجتمعات ، فالمسلم الحق من سلم المسلمون من لسانه ويده .
عبــــاد الله :- وهناك واجبات تجاه وظائفنا في متاجرنا ومصانعنا ووزاراتنا ومدارسنا ومؤسساتنا وفي جميع أعمالنا ينبغي أن نقوم بها من ذلك الإتقان في الأعمال فقد قال صلى الله عليه وسلم :(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه))[ السلسلة الصحيحة (1113)] .. ومن ذلك الأمانة واستشعار المسئولية ومراقبة الله قدم الأحنف بن قيس على عمر رضي الله عنه في وفد من العراق في يومٍ صائفٍ شديد الحر وهو محتجز بعباءة،يحاول إدراك بعيرًا من إبل الصدقة،شرد فقال: يا أحنف ضع ثيابك، وهلم فَأَعِنْ أمير المؤمنين على هذا البعير؛ فإنه من إبل الصدقة، فيه حق لليتيم والمسكين والأرملة، فقال رجل من القوم: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين، هلا أمرت عبدًا من عبيد الصدقة يكفيك هذا، قال عمر: ثكلتك أمك، وأُيُ عبدٍ هو أعبد مني ومن الأحنف .. يا الله ! ورب عمر إن مشهدًا كهذا خير من الدنيا وما فيها .. وقال نافع : خرجت مع ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له فوضعوا سفرة فمر بهم راع فقال له عبد الله : هلم يا راعي فأصب من هذه السفرة. فقال : إني صائم .. فقال له عبد الله : في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت في هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم .. فقال الراعي : أبادر أيامي الخالية فعجب ابن عمر .. وقال : هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها ونطعمك من لحمها ما تقطر عليه وتعطيك ثمنها .. قال : إنها ليست لي إنها لمولاي ... قال : فما عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب ...؟ ! فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول فأين الله ؟؟؟ قال : فلم يزل ابن عمر يقول : قال : الراعي فأين الله .. فما عدا أن قدم المدينة فبعث إلى سيده فاشترى منه الراعي والغنم فأعتق الراعي ووهب له الغنم رحمه الله ) صفة الصفوة ( 2 / 188) .. ومن ذلك الالتزام بمواعيد العمل وقوانينه وتطوير الأداء والنصح للجميع وحفظ الأموال العامة والخاصة ومراعاة مصالح الناس .. هذا عمر بن عبد العزيز يعطي درساً في المسئولية لعامله على بيت مال المسلمين في اليمن وهب بن منبه ، فكتب وهب إلى عمر بن العزيز رضي الله عنه : إني فقدت من بيت مال المسلمين ديناراً . فكتب إليه :" إني لا أتهم دينك ولا أمانتك ، ولكن أتهم تضييعك وتفريطك . وأنا حجيج المسلمين في أموالهم ، و لِأدناهم عليك أن تحلف ، والسلام " وكأنه يقول له عليك أن تحلف بالله لجميع المسلمين أنك أضعت هذا الدينار دون أن يكون منك تفريط أو تقصير ... وقد بين صلى الله عليه وسلم خطورة الغلول و أن يأخذ المرء مالاً أو متاع ليس له فيه حق فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فذكر الغلول فعظمه ، وعظم أمره ، ثم قال : " لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، يقول : يا رسول الله ، أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئاً ، قد أبلغتك .. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة ، فيقول : يا رسول الله، فأقول : لا أملك لك شيئاً ، قد أبلغتك .. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء ، يقول : يا رسول الله ، أغثني ، فأقول : لا أملك شيئاً قد أبلغتك .. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح ، فيقول : يا رسول الله، أغثني ، فأقول : لا أملك شيئاً ، قد أبلغتك ... لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رأسهرقاع تخفق ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئاً ، قد أبلغتك ... لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت (الذهب والفضة) ، فيقول : يا رسول الله ، فأقول : لا أملك لك شيئاً ، قد أبلغتك " (رواه البخاري (2908) ومسلم واللفظ له (1831))
عبــــاد الله :- إن الحفاظ على هذه الأموال العامة ورعايتها واستعمالها فيما خصصت له من الأمانات العظيمة والقائم بذلك محبوب عند الله وعند خلقه مجزيءٌ بعمله يوم القيامة خيراً كثيراً وقد حذر الإسلام من التساهل في هذه الجانب تحت أي مسمى ومهما كانت الحجج ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بعفة اليد ، وخطب في الناس عقب غنمهم لغنائم حنين محذرا إياهم من الافتتان بما يرون من أموال قد تكون سببا في الغلول فقال لهم عليه
عبــــاد الله :- وهناك واجبات تجاه وظائفنا في متاجرنا ومصانعنا ووزاراتنا ومدارسنا ومؤسساتنا وفي جميع أعمالنا ينبغي أن نقوم بها من ذلك الإتقان في الأعمال فقد قال صلى الله عليه وسلم :(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه))[ السلسلة الصحيحة (1113)] .. ومن ذلك الأمانة واستشعار المسئولية ومراقبة الله قدم الأحنف بن قيس على عمر رضي الله عنه في وفد من العراق في يومٍ صائفٍ شديد الحر وهو محتجز بعباءة،يحاول إدراك بعيرًا من إبل الصدقة،شرد فقال: يا أحنف ضع ثيابك، وهلم فَأَعِنْ أمير المؤمنين على هذا البعير؛ فإنه من إبل الصدقة، فيه حق لليتيم والمسكين والأرملة، فقال رجل من القوم: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين، هلا أمرت عبدًا من عبيد الصدقة يكفيك هذا، قال عمر: ثكلتك أمك، وأُيُ عبدٍ هو أعبد مني ومن الأحنف .. يا الله ! ورب عمر إن مشهدًا كهذا خير من الدنيا وما فيها .. وقال نافع : خرجت مع ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له فوضعوا سفرة فمر بهم راع فقال له عبد الله : هلم يا راعي فأصب من هذه السفرة. فقال : إني صائم .. فقال له عبد الله : في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت في هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم .. فقال الراعي : أبادر أيامي الخالية فعجب ابن عمر .. وقال : هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها ونطعمك من لحمها ما تقطر عليه وتعطيك ثمنها .. قال : إنها ليست لي إنها لمولاي ... قال : فما عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب ...؟ ! فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول فأين الله ؟؟؟ قال : فلم يزل ابن عمر يقول : قال : الراعي فأين الله .. فما عدا أن قدم المدينة فبعث إلى سيده فاشترى منه الراعي والغنم فأعتق الراعي ووهب له الغنم رحمه الله ) صفة الصفوة ( 2 / 188) .. ومن ذلك الالتزام بمواعيد العمل وقوانينه وتطوير الأداء والنصح للجميع وحفظ الأموال العامة والخاصة ومراعاة مصالح الناس .. هذا عمر بن عبد العزيز يعطي درساً في المسئولية لعامله على بيت مال المسلمين في اليمن وهب بن منبه ، فكتب وهب إلى عمر بن العزيز رضي الله عنه : إني فقدت من بيت مال المسلمين ديناراً . فكتب إليه :" إني لا أتهم دينك ولا أمانتك ، ولكن أتهم تضييعك وتفريطك . وأنا حجيج المسلمين في أموالهم ، و لِأدناهم عليك أن تحلف ، والسلام " وكأنه يقول له عليك أن تحلف بالله لجميع المسلمين أنك أضعت هذا الدينار دون أن يكون منك تفريط أو تقصير ... وقد بين صلى الله عليه وسلم خطورة الغلول و أن يأخذ المرء مالاً أو متاع ليس له فيه حق فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فذكر الغلول فعظمه ، وعظم أمره ، ثم قال : " لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، يقول : يا رسول الله ، أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئاً ، قد أبلغتك .. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة ، فيقول : يا رسول الله، فأقول : لا أملك لك شيئاً ، قد أبلغتك .. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء ، يقول : يا رسول الله ، أغثني ، فأقول : لا أملك شيئاً قد أبلغتك .. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح ، فيقول : يا رسول الله، أغثني ، فأقول : لا أملك شيئاً ، قد أبلغتك ... لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رأسهرقاع تخفق ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئاً ، قد أبلغتك ... لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت (الذهب والفضة) ، فيقول : يا رسول الله ، فأقول : لا أملك لك شيئاً ، قد أبلغتك " (رواه البخاري (2908) ومسلم واللفظ له (1831))
عبــــاد الله :- إن الحفاظ على هذه الأموال العامة ورعايتها واستعمالها فيما خصصت له من الأمانات العظيمة والقائم بذلك محبوب عند الله وعند خلقه مجزيءٌ بعمله يوم القيامة خيراً كثيراً وقد حذر الإسلام من التساهل في هذه الجانب تحت أي مسمى ومهما كانت الحجج ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بعفة اليد ، وخطب في الناس عقب غنمهم لغنائم حنين محذرا إياهم من الافتتان بما يرون من أموال قد تكون سببا في الغلول فقال لهم عليه
الصلاة والسلام 😞 من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه ، ومن كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه)رواه أبو داود وفي رواية للبيهقي :(ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم) (رواه أبو داود (2708) والدارمي (2488) وصححه ابن حبان (4850) وحسنه الحافظ في الفتح (6\256) .. إن رزق الإنسان سيأتي له كما يأتي أجله قد قدره الله كماً ونوعاً وزمناً فلماذا يضعف الإنسان ويطلبه بالحرام ولو صبر لجاءه كما أراد الله بما فيه من بركة وخير ومنفعه لكنها حظوظ النفس عندما يضعف المرء في تربيتها وتزكيتها .. روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: افتتحنا خيبر ولم نغنم ذهبا ولا فضة إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القُرى ومعه عبد له يقال له مِدْعَم أهداه له أحد بني الِضباب فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر حتى أصاب ذلك العبد فقال الناس هنيئا له الشهادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو بشراكين فقال هذا شيء كنت أصبته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شراك أو شراكان من نار) (رواه البخاري (3993) ومسلم (115) .. لم يشفع له أنه كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج معه للجهاد في سبيل الله بل أخُذ بعمله .. والشراك هو الخيط الذي تربط به النعال ، فإذا كان الغال يؤاخذ بشراك النعل الذي لا يساوي شيئا فكيف بما فوقه من المال والمتاع العظيم ؟! فيا ويل من استحلوا الأموال العظيمة بمجرد وصولهم إليها ، وائتمانهم عليها ،ماذا سيحملون يوم القيامة على رقابهم؟ وما جوابهم لربهم حين يسألهم .. أسأل الله تعالى أن يغنينا بحلاله عن حرامه ، وبطاعته عن معصيته ، وبفضله عمن سواه إنه سميع مجيب ،
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ..
الخطــــبة الثانــية : -
عبـــاد الله :- عندما نؤدي هذه الواجبات وغيرها ونقوم بها على أكمل وجه نكون قد استجبنا لأمر الله ورسوله وأحيينا بذلك قلوبنا ومجتمعاتنا وأوطاننا قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (الأنفال/24) .. وإن الخير بعد ذلك سيعم البلاد والعباد والحقوق ستكون مصانة محفوظة ويقوى التآلف والترابط بين أفراد المجتمع .. وتحفظ بسبب ذلك الدماء والأموال والأعراض ويقام الشرع ويحكم الدين وتزدهر الأوطان وتتطور المجتمعات ويأذن الله بنزول رحمته وحلول بركته .
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم .. وقد أمركم ربكم فقال قولاً كريماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين .
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ..
الخطــــبة الثانــية : -
عبـــاد الله :- عندما نؤدي هذه الواجبات وغيرها ونقوم بها على أكمل وجه نكون قد استجبنا لأمر الله ورسوله وأحيينا بذلك قلوبنا ومجتمعاتنا وأوطاننا قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (الأنفال/24) .. وإن الخير بعد ذلك سيعم البلاد والعباد والحقوق ستكون مصانة محفوظة ويقوى التآلف والترابط بين أفراد المجتمع .. وتحفظ بسبب ذلك الدماء والأموال والأعراض ويقام الشرع ويحكم الدين وتزدهر الأوطان وتتطور المجتمعات ويأذن الله بنزول رحمته وحلول بركته .
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم .. وقد أمركم ربكم فقال قولاً كريماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين .
١-صدق التوكل وراحة البال!!
٢-الأعراض عن الله!!
٣-لا غالب إلا الله !!
٤-من يشهد لك إذا رحلت !!
٥-اسم الله المنتقم !!
٦-الرجوله اخلاق!!
٧-وعجلت إليك رب لترضى!!
٨-واجبات مضيعه!!
٢-الأعراض عن الله!!
٣-لا غالب إلا الله !!
٤-من يشهد لك إذا رحلت !!
٥-اسم الله المنتقم !!
٦-الرجوله اخلاق!!
٧-وعجلت إليك رب لترضى!!
٨-واجبات مضيعه!!