Telegram Web
وبعد أن تعافى، بدأ في رد الجميل لجيرانه بأن قدم لهم من محصوله دون أن يطلبوا منه شيئًا.
هذه القصة تعلمنا أن رد الجميل لا يحتاج إلى كلمات، بل يكفي أن ترد الإحسان بالإحسان، وأن تعترف بفضل الناس عليك.

أيها المؤمنون،
إن رد الجميل وعدم نكران المعروف له أثر عظيم في حياة الناس، فهو يزيد من الألفة والمحبة بينهم، ويزرع في قلوبهم الشكر والتقدير. وقد قال الشاعر:

إذا كانَ شُكْرِي نِعْمَةً اللَّهِ نِعْمَةً ** عَلَيَّ لَهُ في مِثْلِها يَجِبُ الشُّكْرُ
فَكَيْفَ وَقَدْ أَسْدَى إِلَيَّ وَأَغْنَـنِي ** وَأَلْبَسَنِي فَضْلًا وَإِنْ لَازَمَ العُسْرُ

أيها المسلمون،
فلنتعلم من هذه القصص والعبر أن نكون من أهل الشكر ورد الجميل، وأن نبتعد عن نكران المعروف والجحود، فإن ذلك من الأخلاق التي حذرنا الله منها ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.*

الخطبة الثانية:
الحمدلله وكفى وسلاماً على عباده الذي اصطفى أما بعد:
أيها الإخوة، لنحرص جميعًا على أن نكون من أهل الشكر والاعتراف بالجميل، وأن نرد الإحسان بالإحسان. ولنبدأ بأن نشكر أولاً وأخيرًا من أنعم علينا بكل شيء، وهو الله سبحانه وتعالى. فقد قال الله تعالى: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُم إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172].
ثم لنتذكر من أحسن إلينا من الناس، ولنرد لهم جميلهم بأفضل ما نستطيع، فإن ذلك من شيم المؤمنين، ومن علامات حسن الخلق وكمال الإيمان.

وتذكروا، أيها الإخوة، أن من صور رد الجميل والاعتراف بالمعروف أن نشكر الوالدين الذين سهروا على تربيتنا، وأن نبرهما كما أمر الله في قوله تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23].

ولا ننسى أيضًا فضل المعلمين الذين علمونا ووجهونا، فعلينا أن نكرمهم ونعترف بفضلهم ونسعى لنشر العلم الذي تلقيناه منهم. وكذلك الأصدقاء والجيران وكل من أسدى إلينا معروفًا.

نسأل الله أن يرزقنا قلوبًا شاكرة، وألسنة ذاكرة، وأن يجعلنا من أهل الإحسان والشكر، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

هـــذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
ربنا اغفر لنا ولأبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغاراً
اللهم انصر اخواننا المستضعفين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وانصرهم وثبت اقدامها في غزة وفلسطين واهلك اللهم عدوك وعدوهم أجمعين
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
https://www.tgoop.com/menber10
.
خطبة جمعة:

إياك ومشاعر الآخرين*

الحمد لله الذي أمرنا بحسن الخلق، وجعل مراعاة شعور الآخرين من علامات الإيمان والتقوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:
فيا أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي أساس السعادة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].

أيها الإخوة المؤمنون،
إن من أعظم ما يمكن أن يتحلى به المسلم هو مراعاة شعور الآخرين من حوله، سواء كانوا من أهله أو أصدقائه أو جيرانه أو زملائه، فإن احترام مشاعر الناس والرفق بهم والاهتمام بحالتهم النفسية والعاطفية من أبرز صفات المؤمنين. فالمسلم الحق هو من يتجنب جرح مشاعر الآخرين بقول أو فعل، بل يسعى دائمًا إلى أن يكون سببًا في إدخال السرور عليهم.

أيها المسلمون،
لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بحسن الخلق والرفق بالناس، فقال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]. فالكلمة الطيبة والقول الحسن هما من علامات الإيمان ومن دلائل حسن الخلق. وفي نفس السياق يقول الله تعالى في محكم التنزيل: {وَلَا تَقُولُوا لِلنَّاسِ سُوءًا} [النساء: 148].
فهذا توجيه واضح من الله سبحانه وتعالى أن نتجنب الأقوال التي تجرح مشاعر الآخرين، وأن نحرص على أن يكون كلامنا طيبًا ولينًا.

أيها الإخوة،
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نموذجًا حيًا في مراعاة مشاعر الآخرين، فقد كان صلى الله عليه وسلم لطيفًا رفيقًا بالناس، لا يؤذيهم بكلام أو فعل، بل كان يسعى دائمًا لجبر خواطرهم وتطييب نفوسهم. فقد روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، وكان في بيته يخدم أهله، وكان يجيب دعوة المساكين، ويعود المرضى، ويتبع الجنائز، ويجلس مع الفقراء».
فقد كان صلى الله عليه وسلم يراعي مشاعر الناس ويهتم بأحوالهم، ولا يفرق بينهم بغض النظر عن مكانتهم أو حالتهم الاجتماعية.

ومن أقواله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» [رواه البخاري ومسلم].
هذا الحديث الشريف يعلمنا أن المسلم يجب أن يحرص على كلامه، فلا يقول إلا خيرًا، وإذا لم يكن لديه ما يقوله من خير، فالصمت أولى.

أيها الإخوة المؤمنون،
إن الصحابة رضوان الله عليهم قد فهموا هذا الدرس من النبي صلى الله عليه وسلم، وطبقوه في حياتهم. ومن القصص العظيمة التي تحكي عن مراعاة مشاعر الآخرين قصة الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. فقد روى لنا التاريخ أن عبد الله بن عمر كان يمشي في المدينة، فرأى رجلاً يشتكي له حاله وفقره، فقال له ابن عمر: "تعال معي." ثم أخذه إلى بيته، وأعطاه من ماله وقال له: "هذا لك ولأهلك، فلا تخبر أحدًا."
هذه القصة تعلمنا أن مراعاة مشاعر الناس يكون في السر كما يكون في العلن، وأن المسلم يجب أن يسعى لإدخال السرور على قلوب الناس دون أن ينتظر الشكر أو الجزاء.

أيها المسلمون،
ومن القصص العظيمة التي تحكي عن مراعاة مشاعر الآخرين قصة المرأة السوداء التي كانت تنظف مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. فقد روى البخاري ومسلم أن هذه المرأة ماتت، ولم يُعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فكان يسأل عنها، فلما علم بموتها، ذهب إلى قبرها وصلى عليها.
هذه القصة تعلمنا أن مراعاة مشاعر الآخرين لا تكون فقط في حياتهم، بل حتى بعد موتهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم راعى شعور هذه المرأة وأعطاها حقها حتى بعد وفاتها.

أيها الإخوة،
ومن القصص الحديثة التي تدل على أهمية مراعاة مشاعر الآخرين قصة الطفل الصغير الذي كان يذهب إلى المدرسة وهو يرتدي ملابس قديمة ومهترئة، وكان يتعرض للسخرية من زملائه. فلاحظ أحد المعلمين ذلك، وقرر أن يفعل شيئًا. فقام المعلم بشراء ملابس جديدة لهذا الطفل وأهداها له دون أن يعلم أحد من زملائه، ودون أن يشعر الطفل بالحرج.
هذه القصة تعلمنا أن مراعاة مشاعر الآخرين قد تكون في أشياء بسيطة، لكنها تترك أثرًا كبيرًا في حياتهم، وتزرع في قلوبهم المحبة والتقدير.

أيها المؤمنون،
إن مراعاة مشاعر الآخرين ليست فقط بالكلام الجميل أو الهدايا، بل قد تكون في أفعال بسيطة تؤثر في حياة الناس بشكل كبير. فقد قال أحد الحكماء: "رب كلمة طيبة ترفع من قدر الإنسان، ورب نظرة طيبة تجبر خاطره وتزيل عنه الهم."
ولقد قال الشاعر:

لا تَحْقِرَنَّ صَغِيرًا في مُرَاعَاتِهِ ** فَالْمَاءُ يَنْحَتُ في الصَّخْرِ الأَحْجَارَا
وَالصَّبْرُ يَكْسِبُ في الحَرْبِ العَظَائِمَ ** وَالْرِّفقُ يُظْهِرُ في النَّاسِ الأَخْيَارَا
أيها الإخوة،
إن مراعاة مشاعر الآخرين تؤدي إلى بناء مجتمع متماسك ومحب، حيث يسود فيه الود والاحترام. فالمسلم يجب أن يكون كالمرآة لأخيه المسلم، يعينه على الخير، ويحذره من الشر، ويراعي مشاعره في كل الأحوال. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن مرآة المؤمن» [رواه الطبراني].

وفي هذا السياق، يقول الإمام الغزالي رحمه الله: "إن مراعاة مشاعر الناس من مكارم الأخلاق التي يثاب عليها المسلم، فهي تزرع المحبة والألفة بين الناس، وتبعد عنهم الحقد والكراهية."

أيها المسلمون،
فلنتق الله في أنفسنا، ولنحرص على أن تكون أفعالنا وأقوالنا خالية من الأذى والجرح، ولنكن عونًا لبعضنا البعض، فإن الناس في هذه الحياة يكفيهم ما يلاقونه من متاعب ومصاعب، فلا نزيد عليهم بأفعالنا أو أقوالنا.
*أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.*

الخطبة الثانية:
الحمدلله وكفى وسلاما على عباده الذين اصطفى اما بعد:

عباد الله: نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الرفق واللين، وأن يرزقنا قلوبًا طيبة تراعي مشاعر الناس، وتحرص على جبر خواطرهم. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هـــذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
ربنا اغفر لنا ولأبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغاراً
اللهم انصر اخواننا المستضعفين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وانصرهم وثبت اقدامها في غزة وفلسطين واهلك اللهم عدوك وعدوهم أجمعين
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.https://www.tgoop.com/menber10
.
خطبة جمعة:
جبر الخواطر وتطييب النفوس

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:
فيا أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإنها رأس الأمر، ومفتاح الخير، وسبيل الفلاح في الدنيا والآخرة. يقول الله تعالى في محكم التنزيل:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].

أيها المؤمنون، حديثنا اليوم عن خلق عظيم من أخلاق الإسلام، وعن عبادة قلبية لها أثر عظيم في حياة الناس، إنها عبادة جبر الخواطر وتطييب النفوس، هذه العبادة التي تغيب عن كثير من الناس في خضم حياتهم اليومية، رغم أنها من أعظم القربات وأفضل الأعمال.

أيها الإخوة المؤمنون،
إن جبر الخواطر من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله، فقد أمر الله بها في كتابه الكريم، وجعلها من صفات عباده الصالحين. يقول الله تعالى: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75].
فهؤلاء المستضعفون الذين اشتد عليهم ظلم قومهم، ووقعوا في الضيق والحرج، سألوا الله جبر خواطرهم وتطييب نفوسهم، فجاءهم العون والنصرة من الله سبحانه وتعالى.

ولما ذكر الله قصة يوسف عليه السلام وما وقع عليه من كيد إخوته وظلمهم له، ختمها بقوله تعالى: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]، ثم قال على لسان يوسف: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92].
فكان يوسف عليه السلام جابراً لخواطر إخوته، وطيب نفوسهم بعد أن ظلموه، وغفر لهم، وهذا من أعظم صور الجبر والتسامح.

أيها المسلمون،
إن جبر الخواطر وتطييب النفوس ليس مقتصراً على الكبار أو الأغنياء، بل هو مطلوب من كل مؤمن ومؤمنة. ففي الحديث الشريف، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» [رواه مسلم].
هذا الحديث العظيم يوضح لنا أن جبر الخواطر وتطييب النفوس له أجر عظيم عند الله، وأنه طريق إلى رحمة الله وعونه.

ولقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على جبر الخواطر وتطييب النفوس، فقد كان يزور المرضى، ويعزي الحزانى، ويدخل السرور على قلوب الناس. روى الإمام مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، وكان في بيته يخدم أهله، وكان يجيب دعوة المساكين، ويعود المرضى، ويتبع الجنائز، ويجلس مع الفقراء» [رواه مسلم].

أيها المؤمنون،
إن جبر الخواطر ليس فقط بالكلام الجميل أو العبارات الطيبة، بل قد يكون بالفعل والعمل، فإن الله يحب من عباده أن يرفعوا عن الآخرين ما يعانون منه من آلام أو مصاعب، وأن يدخلوا السرور والراحة على نفوسهم. ومن أعظم أمثلة ذلك، ما حدث مع الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقد روي أن رجلاً جاء إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقال له: "إني أريد أن أبيع نفسي في سبيل الله، فهل لي من نصيحة؟" فقال له عبد الله بن عمر: "أترك البيع، واشتغل بجبر الخواطر، فإنك بذلك تكون جندياً في جيش الله". فانطلق الرجل يعمل في جبر الخواطر، حتى كان يسد دين المدينين، ويعطي من ماله للفقراء والمحتاجين، حتى صار من أحب الناس إلى الله وإلى رسوله.

أيها المسلمون،
إن جبر الخواطر ليس مقتصراً على المسلمين فحسب، بل هو خلق عالمي، يجب أن يكون بين كل الناس، بغض النظر عن أديانهم أو مذاهبهم. وقد ضرب الصحابة والتابعون أمثلة رائعة في هذا الخلق العظيم. فقد روى الإمام أحمد في مسنده أن رجلاً يهودياً كان جاراً للصحابي الجليل عبد الله بن عمر، وكان هذا اليهودي يؤذيه كثيراً. ومع ذلك، كان عبد الله بن عمر يحسن إليه، ويجبر خاطره، حتى أسلم اليهودي وقال: "والله لقد جبرت خاطري، ولم أكن أظن أن أحداً منكم على هذا الخلق العظيم إلا أنتم".
أيها الإخوة،
إن جبر الخواطر وتطييب النفوس له أثر عظيم في حياة الناس، فهو يزرع في القلوب المحبة والمودة، ويزيل البغضاء والعداوة. وإن من أعظم القصص التي تحكي عن أثر جبر الخواطر في حياة الناس، قصة المرأة التي كانت تأتي إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وتكنس المسجد وتنظفه. فلما ماتت، لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فسأل عنها، فقيل له: "ماتت يا رسول الله". فقال: "ألا كنتم آذنتموني؟" ثم ذهب إلى قبرها، وصلى عليها، ودعا لها.
هذه القصة تعلمنا أن جبر الخواطر وتطييب النفوس ليس مقتصراً على الأحياء فقط، بل حتى الموتى لهم حق علينا في أن نذكرهم بالخير، وندعو لهمفأحيوا هذه العبادة في نفوسكم وفي مجتمعاتكم تفلحوا في دنياكم وأخراكم قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ..

الخطبة الثانية:
الحمدلله وكفى وسلاما على عباده الذين اصطفى أما بعد ::

أيها المؤمنون،
إن جبر الخواطر هو من أعظم القربات إلى الله، وإنه من الأعمال التي تقرب العبد إلى ربه، وتزيد من محبته في قلوب الناس. يقول الله تعالى في الحديث القدسي: «إن الله يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟» [رواه مسلم].
فالذي يجبر خواطر الناس، ويعطف عليهم، إنما يجبر خاطر الله، ويجد ذلك عند الله يوم القيامة.

أيها الإخوة،
فلنتق الله في أنفسنا، ولنحرص على جبر خواطر إخواننا وأخواتنا، ولنكن عوناً لهم في الشدائد والمصائب. فإن جبر الخواطر هو طريق إلى الجنة، ومفتاح إلى قلوب الناس. وإنه لخلق عظيم يحتاج منا إلى تدريب النفس عليه، وتذكيرها بفضله وأجره.

وفي الختام،
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم قلباً رحيماً، ولساناً طيباً، ويداً كريمة، وأن يجعلنا من جابري الخواطر، ومن الذين يسعون في تطييب نفوس الناس، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

هـــذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
ربنا اغفر لنا ولأبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغاراً
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.https://www.tgoop.com/menber10
١-الظلم والثبات في غزة..!!
٢-رد الجميل وعدم نكران المعروف..!!
٣-إياك ومشاعر الآخرين..!!
٤-جبر الخواطر وتطييب النفوس..!!
الرجولة قيم وأخلاق

الخطبة الأولى:

الحمد لله ذي العرش المجيد، والبطش الشديد، المنتقم ممن عصاه بالنار بعد الإنذار بها والوعيد، المكرِّم لمن خافه واتقاه بدارٍ لهم فيها من كل خير مزيد، أحمده وهو أهلٌ للحمد والثناء والتمجيد، وأشكره ونعمه بالشكر تدوم وتزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا كفو ولا نديد.

الشمسُ والبدر من أنوار حكمته *** والبَرُّ والبحر فيضٌ مِن عطاياهُ
الموجُ كبَّره والوَحْشُ مجَّدَهُ *** والطيرُ سبَّحَهُ والحوت ناجاهُ
والنملُ تحت الصُّخور الصُّمِّ قدَّسَه *** والنحلُ يهتف حمدا في خلاياهُ
والناسُ يعصُونه جهرا فيسترُهُم *** والعبدُ ينسى وربي ليس ينساهُ

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى التوحيد، الساعي بالنصح للقريب والبعيد، المحذر للعصاة من نار تَلَظَّى بدوام الوقيد، المبشر للمؤمنين بدار لا ينفد نعيمها ولا يبيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد:
عباد الله: إن الأممَ والرسالاتْ تحتاج إلى المعادنِ المذخورة، والثرواتِ المنشورة، ولكنها تحتاجُ قبل ذلك إلى الرؤوسِ المفكرةِ التي تستغلها، والقلوبِ الكبيرةِ التي ترعاها، والعزائمِ القويةِ التي تنفذها.

إنها تحتاجُ إلى الرجال، فالرجلُ أعزُ من كل معدَنٍ نفيس، وأغلى من كل جوهر ثمين، فالرجلُ الكُفءُ الصالحُ هو عماد الرسالات وروح النهْضات، به تتطور الأمم، وتتقدم الشعوب، وتزدهر الأوطان.
إن القوةَ ليست بحَدِّ السلاحِ بقدر ما هي في قلبِ الجندي، والتربيةَ ليست في صفحاتِ الكتابِ بقدرِ ما هي في روحِ المعلم، وإنجازَ المشروعاتِ ليس في تجهبز المعدات بقدر ما هو في حماسةِ القائمين عليها.

فلله ما أحكمَ عمر بن الخطابْ! حين لم يتمن فضةً ولا ذهباً، ولا لؤلؤاً ولا جوهراً، ولكنه تمنى رجالاً من الطراز الممتازِ الذين تتفتح على أيديهم كنوزُ الأرض وأبوابُ السماء، فقد قال لجلسائه يومًا: تمنوا. فقال أحدهم: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت دراهم، فأنفقها في سبيل الله. فقال: تمنوا. فقال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت ذهبًا، فأنفقه في سبيل الله. فقال عمر: لكني أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجالاً من أمثال أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، فأستعملهم في طاعة الله. رواه البخاري.

عباد الله: لقد جاء وصف الرجولة في القرآن الكريم في مواضع عده، منها في مقام تحمل الرسل لأعباء الرسالة: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ) [يوسف:109].

وفي مقام الصدق مع الله قال -تعالى-: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب:23].
وجاء ذكرهم في مقام العبودية وعدم الانشغال عن الذكر والآخرة: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور:37].

فأولويات الرجال هي الدار الآخرة والإعداد لها؛ فهم يصلحون دنياهم وقلوبهم، وأشواقهم هناك في الدار الآخرة، ألسنتهم ذاكرة، ونياتهم خالصة، الرجال يعملون، يجتهدون، يربحون، ليسوا عالةً على غيرهم، فنعم المال الصالح للعبد الصالح! ولكن قلوبهم لا تتعلق إلا بما عند الله، و تسبيح الرجال، بالغدو والآصال، إنها أذكار الصباح والمساء، والمحافظة عليها من صفات الرجال.

إن رجلاً واحداً قد يساوي مائة، ورجلاً قد يوازي ألفاً، ورجلاً قد يزن شعباً بأسره، وقد قيل: رجلٌ ذو همة يُحيي به أمة.
لما كانت معركة القادسية طلب سعد بن أبي وقاص من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مدداً، فما أمده إلا برجل واحدٍ هو القعقاعُ بنُ عمرو التميمي، وقال: لا يُهزم جيش فيه مثله، وكان يقول: لَصوتُ القعقاعِ في الجيش خيرٌ من ألف مقاتل!.
وتصل الأخبار سنة 21هـ إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن ملك الفرس يزدجر قد جمع مائة وخمسين ألفاً من رجاله لغزو مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستئصال شأفة الإسلام وأهله، فماذا يفعل عمر وهو يسمع بهذا الجيش الجرار بعدده وعدته؟.
ذهب عمر -رضي الله عنه- إلى المسجد محراب العبادة وغرفة العمليات ليجري اتصالاً ربانيا عاجلاً بجبار الأرض والسماوات؛ لأنه عرف أن القوة بيد الله، وأن النصر يأتي من عنده، ومَن يخذله الله فلا ناصر له.
وبعد الصلاة ألتفت عمر فوجد رجلاً من الصحابة، رجل من الطراز الفريد، وجده يصلي بخشوع، فإذا هو النعمان بن مقرن -رضي الله عنه-، فلما أكمل قال له عمر: يا نعمان، إني أريد أن أوليك أمراً عظيما، فقال له النعمان: يا أمير المؤمنين، إن كنت تريد أن توليني على أمر من أمور المال وجمع المال وحساب المال فلست لذلك الأمر، إني أخاف الله رب العالمين، فالمال فتنة، وأنا أخشى الوقوع فيها، وان كنت تريدني للقتال في سبيل الله فإنني أناشدك الله أن لا تحرمني الشهادة في سبيل الله.
فقال عمر: أريدك أن تكون قائد جيش المسلمين لملاقاة الفرس بنهاوند، وتولى القيادة، وسار بجيش المسلمين إلى نهاوند، واصطف الجيشان، وحانت ساعة الصفر، وصمتت الألسنة، ونطقت السيوف، قال النعمان لجيشه: إني سأكبر ثلاث مرات، وسأدعو الله ثلاث دعوات؛ فأمِّنوا.
وخفقت القلوب، وخشعت الأصوات، وعنت الوجوه، قال النعمان: اللهم أَعِزَّ دينَك، ثم قال: اللهم انصر عبادك، ثم قال: اللهم اجعلني أول شهيد في هذه المعركة.
وأمير المؤمنين عمر هنالك في عاصمة الخلافة لا ينام الليل، ولا يهدأ له بال حتى تقرحت عيناه من طول السهر، ينتظر الأنباء في وقت لم يكن فيه إنترنت ولا قنوات فضائية ولا اتصالات لاسلكية.
ودارت المعركة، وكان النعمان أول شهيد، وقُتل من الفرس وجرح وأُسر منهم أعدادٌ كبيرة، وهرب منهم مَن هرب، ودخل المسلمون حصون نهاوند يدكونها ويغنمون ما فيها، وكان النصر حليفهم بإذن الله.
إنه عمر -رضي الله عنه- الذي كان يبحث دائماً عن معدن الرجال في أخلاقهم وقيمهم، وصلتهم بالله، وعلو همتهم؛ ليستعملهم في طاعة الله.

أيها المؤمنون عباد الله: فإذا كانت الرجولة بهذه الأهمية وبهذه المنزلة العظيمة عند الله، وأثرها ودورها في الحياة بهذا الوضوح والسمو والفاعلية، فإن الرجولة -إذاً- ليست بالمظاهر والصور، والعدد والعدَّة، والمال والعقار، فرُبَّ إنسان أوتي بَسْطَةً في الجسم وصحة في البدن يطيش عقله فيغدو كالهباء، ورب عبدٍ ضعيفِ البدن قليل المال وهو مع ذلك يعيش بهمة الرجال.

فالرجولة مضمون قبل أن تكون مظهرًا، وما أكثر ما ضيَّعَت المظاهر الجوفاء من حقوق وواجبات! وكم طمَسَت من حقائق! عن سهل بن سعد قال: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟". قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ. قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: "مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟"، قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا" رواه البخاري.

وعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" رواه مسلم.

وعن حارثة بن وهب الخزاعي قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ: كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ" رواه البخاري.
إنَّ الرجولةَ أخلاقٌ وقيم تدور مع الحق والخير، وتربأ بنفسها عن سفاسفِ الأمور، وتتعلق بمعاليها، فالاستجابة للاستفزاز، والانفعال عند الغضب، ورمْي الشتائم كالصاعقة على القريب والبعيد، أمْرٌ يجيده الكثير؛ لكنَّ الذي لا يُجيده إلا الرجالُ الحلمَ والصبر عندما تطيش عقول السفهاء، في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ".

وسئل الأحنف بن قيس: بم سُدتَّ قومك؟ قال: وجدت الحِلم أنصَرَ لي من الرجال.

ولله درُّ الشاعر إذ قال:
أحبُّ مكارمَ الأخلاق جَهدي *** وأكْرَهُ أن أَعيبَ وأن أُعابا
وأصفح عن سِباب الناس حِلماً *** وشرُّ الناس مَن يهوَى السبابا
ومَن هاب الرجال تهيّبُوهُ *** ومَن حقر الرجالَ فلن يُهابا

ومن أخلاق الرجولة في الإسلام العفة عن الحرام، والغيرة على الحرمات، وتقديم النفع، والبعد عن الظلم، ونصرة المظلوم، ودفع الضر عنه؛ ولم تر البشرية رجولة حقيقية كما رأتها في خير خلق الله محمد -صلى الله عليه وسلم- في عدله وخلقه ومعاملته وحلمه وشهامته.

ولْننظر إلى هذا الموقف: فقد قدم رجل من أراش بإبل له إلى مكّة، فابتاعها منه أبو جهل بن هشام، فماطله بأثمانها، فأقبل الأراشي حتى وقف على نادي قريش، ورسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- جالس في ناحية المسجد، فقال: يا معشر قريش، من رجل يعديني على أبي الحكم بن هشام، فإني غريب، وابن سبيل، وقد غلبني على حقي؟ فقال أهل المجلس: ترى ذلك، يهمزون به إلى رسول الله -صلى
الله عليه وآله وسلم- لما يعلمون ما بينه وبين أبي جهل من العداوة، إذهب إليه، فهو يعديك عليه.
فأقبل الأراشي حتى وقف على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فذكر ذلك له، فقام معه، فلما رأوه قام معه، قالوا لمن معهم: اتبعه فانظر ما يصنع؟ فخرج إليه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حتى جاءه فضرب عليه بابه، فقال مَن هذا؟ قال: محمد، فاخرج. فخرج إليه، وما في وجهه قطرة دم، وقد امتقع لونه، فقال: أعْطِ هذا الرجل حقّه، قال: لا يبرح حتى أعطيه الذي له، قال: فدخل، فخرج إليه بحقه، فدفعه إليه.

ثمّ انصرف رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وقال للأراشي: "إلحق لشأنك"، فأقبل الأراشي حتى وقف على المجلس، فقال: جزاه الله خيراً، فقد أخذ الذي لي. ابن كثير في البداية والنهاية.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير مَن زكاها، أنت وليها ومولاها. قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.


الخطبة الثانية: الحمد لله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد:

عباد الله: ومن أخلاق الرجولة العفو حين لا يكون إلا الإنتقام وتحين الفرص، فالعفو والصفح لا يجيده إلا الرجال، قال -تعالى-: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199]، وقال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آلعمران:134].
والعفو هو التفضل على المخطئ والمسيء بالمسامحة والتجاوز، وعدم معاقبته أو معاملته بالمثل.

والإحسان إلى من يسيء منزلة لا يطيقها إلا الرجال، لقد دخل على القاضي ابن هبيرة وهو في مجلس القضاء رجلان من المسلمين ومعهما رجل مربوط بحبل بينهما، فقالوا: أيها القاضي، إن هذا الرجل قتل أبانا ونريد القصاص منه، فالتفت ابن هبيرة اليه وقال: أقتلت أباهم؟ قال: نعم. ثم قال لهم ابن هبيرة: تقبلون مني مئة من الإبل وتعفون عنه؟ قالوا لا نقبل. قال: فمائتين؟ قالوا: نقبل بثلاث. فأعطاهم ابن هبيرة ثم انصرفوا.

ثم قام إلى ذلك الرجل وفك وثاقه وأطلق سراحه، والناس قد أخذتهم الدهشة وهم يرون ما جرى، قالوا: يا ابن هبيرة، ما رأيناك عملت كما عملت اليوم! يعترف القاتل وتدافع عنه وتعطي أهل المقتول الدية من مالك؟ قال: أرأيتم إلى عيني اليمنى، والله! ما أرى بها منذ أربعين سنة ولقد ضربني هذا القاتل وأنا ذاهب لطلب العلم منذ أربعين سنة، فأردت أن أطيع الله فيه كما عصى الله في!.



إن علينا أن نتخلق بهذه القيم ونمارسها سلوكاً في الحياة، نُرضي بها ربنا، ونقوي بها صفنا، وينتفع بها مجتمعنا، وتتآلف بها القلوب، وتحفظ بها الحقوق، ولنحذر من استعمال نعم الله علينا من صحة أو مال ومنصب وجاه في ما يغضبه -سبحانه-، و لنعلم أنه متى ما فسدت أخلاقنا وساءت تصرفاتنا ضاقت علينا نفوسنا، وتكدر عيشنا، وكثرت مشاكلنا.

لَعَمْرُكَ مَا ضَاقَتْ بِلَادٌ بأهلها *** ولكنَّ أخلاقَ الرجالِ تَضيقُ

فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، ولا تفتنا في ديننا ولا دنيانا، والحمد لله رب العالمين، وصلَّى وسلَّم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
.
خطبة جمعة:

"فلا تسودوا وجهي"
قالها رسول الله .. !!
(ذكرى المولد النبوي)

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه ومن سار على هديه واستن بسنته وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد :

أيها المؤمنون / عباد الله: يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران:164)

عباد الله: تعيش أمة الإسلام هذه الأيام ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فميلاده ميلاد أمة وميلاد فجر جديد سطع على البشرية ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد،
وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ ...
وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ
الروحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَهُ ...
لِلدينِ وَالدُنيا بِهِ بُشَراءُ
بِكَ بَشَّرَ اللَهُ السَماءَ فَزُيِّنَت...
وَتَضَوَّعَت مِسكاً بِكَ الغَبراءُ

تعيش أمتنا هذه الذكرى في ظل ظروفًا صعبة في ظاهرها، ولكنها تحمل في طياتها الخير الكثير لمستقبل الإسلام والمسلمين وللبشرية جمعاء ، فما بعد العسر إلا يسرا وما بعد الشدة إلا فرجا ومخرجا ، وذاك هو حسن ظن المؤمن بربه واقتداءه بنبيه صلى الله عليه وسلم الذي زرع الأمل والتفاؤل حتى في أحلك الظروف وأصعب المواقف .

عباد الله: لقد ختم الله منهج الدعوات وقافلة الرسالات ومسيرة الإصلاحات برسالة محمد صل الله عليه وآله وسلم إلى الناس كافة قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) (سبأ/28) .. و قال عز من قائل : (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) [الأحزاب:40].. وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الأنبياء/107].. وكان من رحمة الله بنا أن بعث فينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمرنا بالإيمان به وتصديقه وإتباعه والإقتداء به والإنتصار له ومحبته وتقديمه على النفس والمال والولد .. على يديه كمل الدين ، وبه ختمت الرسالات - صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128) ... حريصُ عليكم رحيمُ بكم مشفقُ عليكم يتمنى سعادتكم وراحتكم فهل بعد ذلك يقابل بالبعد والجفاء وبعدم الإقتداء به والسير على سنته ... لقد كانت ولادته ومبعثة برسالة ربه إلى هذه الأمة بمثابة الغيث الذي يروى الأرض القاحلة وبمثابة الروح التي تبعث في الجسد الحياة من جديد
جاء النبيون بالآيات فانصرمت **
وجئتنا بحكيم غير منصرم

آياته كلما ذال المدى جدد **
يزينهن جلال العتق والقدم

البدر دونك في حسن وفي شرف **
والبحر دونك في خير وفي كرم

أخوك عيسى دعا ميتا فقام له **
وأنت أحييت أجيالا من الرمم.

أيها المؤمنون /عبـاد الله :- في ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم علينا ان نلتزم طريقه ونسلك مسلكه ونعمل بسنته ونتبع شرعه ونهتدي بهداه ونسلم لما جاء به فقد جعل المولى سبحانه وتعالى التسليم لمنهج محمد صلى الله عليه وآله وسلم دلالة وعلامة على الإيمان الحق الصادق، قال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء/65).

إن الإيمان ينفث في قلب المؤمن حب هذا الرسول صلى الله عليه وسلم وإتباعه لأن أثر ذلك سيكون على الفرد والمجتمع والأمة عظيماً وواضحاً وجلياً فلا سعادة للفرد ولا حياة للمجتمع ولا عزة لهذه الأمة إلا بالتسليم لشرعه والإقتداء به قال تعالى ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63) .. وهل محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلا من محبة الله تعالى ؟! وهل طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا من طاعة الله عز وجل ؟ القائل (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(آل عمران/31) ...
وجاء في صحيح البخاري عن نبي الهدى صلى الله عليه وسلم قوله: "فو الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده " ..لذلك أدرك الصحابة وأدركت الأمة على فترات من تاريخها فضل الرسول صلى الله عليه وسلم عليها بل وعلى العالم كله وجنت ثمار محبته في الدنيا سعادة ً وراحة ويقين وعزة ونصر وتمكين ويوم القيامة لن يكون جزائها وثوابها إلا الجنة إن صدقت في ذلك قال تعالى ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً)(الفتح: من الآية17) .. و عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي ، فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي ) (رواه البخاري) .. ولماذا يُحال بين رسول الله صل الله عليه وآله وسلم وبين طائفة من أتباعه ؟ لأن هؤلاء فهموا حب النبي على أنه مجرد كلمات وأشعار ومدائح وأمنيات بعيداً عن تطبيق منهجه ونشر دينه وتبليغ سنته والاقتداء بسلوكه وأخلاقه وحب أزواجه وآل بيته وأصحابه فكان إتباعهم منقوص بل مخزٍ وفاضح يوم القيامة ..

عباد الله : لقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من النكوص والتفريط والتقصير ، ففي خطبة حجة الوداع قال: (ألا وإني فرطكم على الحوض، وأكاثر بكم الأمم. فلا تسودوا وجهي، ألا وإني مستنقذِ أناسًا، ومستنقَذ مني أناس، فأقول: يا رب! أصحابي فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) (صحيح ابن ماجه (2481 ـ 3057) .. يا لها من كلمة ..! لا تسودوا وجهي بأعمالكم وعبثكم وصراعاتكم وتنافسكم على الدنيا ونسيانكم للدين .

اللهم ردنا إلى دينك ردا جميلا. ....
قلت قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه .
الخطبة الثانية :
الحمدلله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه أجمعين أما بعد :

عـباد الله : - إن الحب الصادق لنبينا صل الله عليه وآله وسلم لا يكون إلا بالعقيدة السليمة والإتباع الحسن والخلق القويم والمعاملة الطيبة والتضحية من أجل هذا الدين ودعوة الناس إليه وتعريفهم به وضبط سلوكياتنا ومعاملاتنا بتوجيهاته وتقوية أخوتنا وحفظ دمائنا وصيانة أعراضنا وبناء مجتمعاتنا ونبذ الفرقة والعصبيات الجاهلية والشوق بعد ذلك للقاءه وقد أخبر صل الله عليه وآله وسلم عن حبكم له فقال :"طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى ثم طوبي ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرآني )السلسلة الصحيحة رقم(1241)".. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “من أشد أمتي لي حباً ، ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله.( رواه مسلم ).

ألا يامحب المصطفى زد صبابة ..
وضمخ لسان الذكر منك بطيبه.
ولا تعبأن بالمبطلين فإنما ...
علامة حب الله حب حبيبه.

اللهم اجعلنا من صالحي أمته، واحشُرْنا يوم القيامة في زُمْرَته ..

اللهُمَّ إنَّا نسألُك إيمانًا يُباشرُ قُلوبنا ويقينًا صادقًا وتوبةً قبلَ الموتِ وراحةً بعده .. هذا وصلوا وسلِّموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين وقائد الغُرِّ المُحجلين، وعلى آلهِ وصحابته أجمعين، وارض اللهُمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعنا معهم بمن وكرمك يا أرحم الراحمين. والحمدلله رب العالمين.
١-الرجولة قيم وأخلاق...!!
٢-فلا تسودوا وجهي قالها رسول الله
(ذكرى المولد النبوي).
ميلاد رسول وحياة أمة

الحمدُ لله مُجزِل العطايا مسبِل النِّعَم، رافِع البلايا دافِع النِّقم، يعلَم الخفايا ويرى ما في الظُّلم، أحمده - تعالى -وأشكره خَلقَنا من العدَم وأمدَّنا بالنّعم، هدانا للإسلام؛ فللّه الحمد مِن قبلُ ومِن بعد، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، مجيب الدعاء كاشف البلوى عالم النجوى. الخطبة الأولى الحمدُ لله مُجزِل العطايا مسبِل النِّعَم، رافِع البلايا دافِع النِّقم، يعلَم الخفايا ويرى ما في الظُّلم، أحمده - تعالى -وأشكره خَلقَنا من العدَم وأمدَّنا بالنّعم، هدانا للإسلام؛ فللّه الحمد مِن قبلُ ومِن بعد، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، مجيب الدعاء كاشف البلوى عالم النجوى. أنت الملاذ إذا ما أزمة شملت * وأنت ملجأ من ضاقت به الحيلُ. أنت المنادى به في كل حادثة * أنت الإله وأنت الذخر والأملُ. أنت الرجاء لمن سدت مذاهبه * أنت الدليل لمن ضّلَّتْ به السبلُ. إنا قصدناك والآمال واقعة * عليك والكل ملهوف ومبتهل. وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّة وجاهد في الله حقَّ جهاده حتى آتاه اليقين، - صلى الله عليه وسلم -، وعلى آله وصحبِه ومن سار على نهجِه الأقوَم أ ما بعد:-

عباد الله: - لقد بُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حين فترة من الرسل وانقطاع من الوحي فهدى الله به من الضلالة وبصر به من العمى وأحياء الله على يديه هذا الإنسان التائه الحيران فكان ميلاده - صلى الله عليه وسلم - ميلاد جديد لهذا الإنسان ومبعثه حياة للبشرية جمعاً و جعل - سبحانه وتعالى - الاستجابة لدينه وإتباع رسوله هو الحياة الحقيقية قال - تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ وأَنَّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال: 24].... فكيف يدعونا الله إلى الحياة ونحن أحياء؟ وما هي الحياة الحقيقية؟ وهل تعني الحياة الأكل والشرب والعمل وبناء المدن وتشييد المباني وصناعة الآلات؟ وماذا يريد الله بهذا الخطاب؟... إن الله - سبحانه وتعالى - يوجهنا في هذا الخطاب إلى أمر عظيم ألا وهو بيان أن حياة الإنسان الحقيقية تبدأ عندما يستجيب لأمر الله ورسوله ويلتزم بهما ويطبقهما في واقع حياته فما أرسلت الرسل وما أنزلت الكتب إلا لبيان واجب العباد تجاه ربهم وتنظيم حياتهم وهي حياة القلب والعقل، بالعقيدة التي تعمر القلب، فتملأ كيان الإنسان نوراً وهداية قال - تعالى-: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 122]... وهي العقيدة التي تهدي العقل، وتضبط حركته وعمله، فتحميه من التيه والضياع، وهي حياة للروح والجسد، ولن تتحقق هذه الحياة إلا بوحي الله - سبحانه وتعالى -: ( وكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ ولا الإيمَانُ ولَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشاءُ مِنْ عِبَادِنَا وإنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ أَلا إلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ) [الشورى: 52-53].... فالذين يستجيبون لله وللرسول ظاهراً باطناً هم الأحياء وإن ماتوا، وهم الأغنياء وإن قلَّت ذات أيديهم، وهم الأعزة وإن قلَّ الأهل والعشيرة... وغيرهم هم الأموات حقيقةً وإن كانوا أحياء الأبدان، يَسْعَوْنَ بين الناس ذهاباً و إيابا، (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ومَا يَشْعُرُونَ) [النحل: 21]، وهم الفقراء، ولو امتلاءت خزائنهم بالذهب والفضة.. وكان من فضائل إتباع هذه الأمة أفراداً وجماعات وشعوب ودول لأمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وتطبيق هذا الدين في واقع الحياة أن خصها وشرفها وميزها على سائر الأمم والأديان.. بالعديد من الخصائص والمزايا تفضلاً ورحمةً بها وتكريماً لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - المبعوث فيها رسولاً للعالمين فكانت سمة التميز صفة بارزه في عبادتها وسلوكها وأخلاقها بل حتى في مظهرها وأعيادها وعلاقاتها لتعيش الحياة الطيبة والآخرة السعيدة قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ) [آل عمران: 110].. أيها المؤمنون /عباد الله: - وإن أعظم خُصُوصية لهذه الأمة هي التوحيد، فالمسلم يعتقد أن الخالق والرازق والمدبر هو الله، وأنه هو المستحق للعبادة والخضوع والذل والخشوع بين يديه (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)(الأنعام: 102) فلم تضل هذه الأمة عن ربها وما زالت عقيدة
التوحيد هي السمة البارزة في حياتها ومن ينظر إلى أمم الأرض يجد هذه الحقيقة فلا يوجد اليوم أمة توحد الله في أسمائه وصفاته في الأرض غير أمة الإسلام فاليهود والنصارى قد انحرفوا قديماً عن هذا الصراط وعبدوا غير الله قال - تعالى-: ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (التوبة: ٣٠) وهناك من يعبدون البقر وأمم كثيرة يعبدون بوذا وهناك من يعبد الشمس والقمر والشجر والحجر وهناك أمم وقبائل في وغيرها يعبدون الخرافات والشعوذة وهناك أمم وقبائل تعيش حياة الوثنية والجاهلية الأولى.. وخص الله هذه الأمة في أداء العبادات من صلاة وصيام وحج وغيرها وحتى في قبلتها فقد ظل المسلمون ثلاث سنوات وهم يصلون إلى المسجد الأقصى وقد كان اليهود يصلون إليه فقالوا لو لم يكن ديننا وقبلتنا حق لما صلى إليها محمد فكان - صلى الله عليه وسلم - يحزن من كلامهم هذا فأراد الله - سبحانه وتعالى - أن تتميز هذه الأمة فأنزل قوله - تعالى -: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) [البقرة: 144]. وخصها أن جعل صفوفها في الصلاة كصفوف الملائكة، ولم يكن هذا لأمة قبلها، فقد جاء في الحديث الذي رواه حذيفة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فضلنا على الناس بثلاث))، وذكر منها: ((جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة)) [مسلم: 522] وميزت هذه الأمة بنصرها بالرعب وأحلت لها الغنائم وجعل الله لها الأرض مسجداً وطهوراً وأعطيت الشفاعة فالنبي يشفع لها والأولاد الصغار والصالحين يشفعون لآبائهم وأمهاتهم والشهداء يشفعون وحفظة القرآن يشفعون عن جابر - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((أُعطيت خمساً لم يُعطهن أحد من الأنبياء: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأحلت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأُعطيت الشفاعة، وكان النَّبيّ يبُعث إلى قومه خاصَّة وبُعثت إلى النَّاس عامة)) البُخاريُّ - الفتح (1/519)، رقم / 335)... ومن خصائص أمتكم أمة الإسلام أن الله قبل شهادتكم وجعلكم شهداءه في أرضه، فقد جاء في حديث أنس بن مالك أن جنازة مرت فأثني عليه خيراً فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وجبت وجبت)) ثم مرت أخرى فأثني عليها شراً فقال النبي: ((وجبت وجبت)) فلما سأله عمر عن ذلك قال: ((من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض)) [البخاري: 1367، ومسلم: 949].. فالمسلم الحق وهو من يحسن علاقته بربه وبالناس من حوله ويؤدي الحقوق والواجبات التي عليه ويبتعد عن الحرام ويكف يده عن أخذ حقوق الناس وأموالهم ويحفظ دمائهم حتى ينال هذه الشهادة التي تكون سبباً في سعادته وراحته في الدنيا والآخرة.. بل نشهد لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أنه بلغ رسالة ربه ونشهد للأنبياء فعن أبي سعيدٍ - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((يجيء نوحُ وأمته، فيقول الله - تعالى-: هل بلغت؟ فيقول: نعم، أي ربِّ!! فيقول لأمته: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبيّ!! فيقولُ لنوح: من شهد لك؟ فيقول: مُحمَّد - صلى الله عليه وسلم - وأمته، فنشهد أنه قد بلغ، وهو قوله - جَلَّ ذكره -: (وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على النَّاس)) (143: البقرة)، (البُخاريُّ الفتح (6/427)

ومن خصائص هذه الأمة المحمدية أنها محفوظة من الهلاك والاستئصال فلا تهلك بالسنين ولا بجوع ولا بغرق ولا يسلط عليها عدو من غيرها فيستبيح بيضتها ويستأصلها، فعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض (أي الروم وفارس)، وإني سألت ربي ألا يهلكها بسنة عامة وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة (أي قحط) وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضا)) [مسلم: 2889].

عباد الله: - ومما اختص الله به أمتكم أمة الإسلام أن جعلها أقل الأمم عملاً وأكثرها أجراً فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثير والعمل الصالح بنية صادقة قد يكون سبباً في دخول العبد جنة ربه ورضوانه فالصلاة والصيام والحج والصدقة وبذل المعروف وتقديم النفع وغيرها من الأعمال ولو كان يسيراً قد يبلغ بصاحبه رضوان الله ورحمته وجنته..
خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن صلى الفجر وقعد وقام ليدخل بيته فوجد جويرية - رضي الله عنها - من بعد الفجر جالسة كما هي، سألها: ((ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟)) قالت: نعم، قال: ((لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم)) طيلة الوقت هذا الماضي ((لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته)) [رواه مسلم2726].. وانظروا إلى هذا العمل البسيط اليسير لو قام به كل واحدٍ منا بنية صالحة وعمل خالص لهذبت النفوس وتآلفت القلوب وانشرحت الصدور وزادت الأجور وغفر الله به الذنوب.. عن حذيفة -رضي الله - تعالى -عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المؤمن إذا لقي المؤمن، فسلم عليه وأخذ بيده، فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر)) (أخرجه الطبراني في الأوسط، وله شواهد، وصححه الألباني).. بل حتى الكلمة الطيبة يؤجر العبد عليها والبسمة يؤجر عليها وحتى النية الصالحة يؤجر عليها.. عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه- تبارك وتعالى -قال: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة)) (رواه البخاري/6491).. اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين برحمتك يا أرحم الراحمين.. قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه

الخطبة الثانية:

عباد الله: - إنها رحمة الله بنا وإنها نعم ينبغي شكر الله عليها بالتزام شرعه ومنهجه والإقتداء برسوله - صلى الله عليه وسلم - وحب هذا الدين والتضحية من أجله والتخلق بأخلاق الإسلام وإن كل هذه الخصائص وغيرها ليست ميراثاً يورث، وإنما هي عمل صالح يكتسب والله - سبحانه وتعالى - لا يبالى لمن حاد عن منهجه في أي وادٍ هلك.. فأخلصوا النيات وأحسنوا الأعمال واغنموا مواسم الطاعات وأوقات القبول للدعوات ولنحذر من الظلم والعدوان على بعضنا البعض ولنصلح ذات بيننا فقد حذر - عليه الصلاة والسلام - من ذلك فقال: ((... فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدِّينَ))[صححه ابن حبان (5092)، وحسنه المنذري في الترغيب (3/321)، وانظر غاية المرام للألباني (414). ]. فالنزاعات والخصومات على هذه الدنيا قد يذهب الدين والإيمان من القلوب وما فائدة الحياة وقد فقد المرء دينه وخلقه وأمانته ولنكن على الخير حتى نرد الحوض على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم – القائل: ((ترد عليّ أمتي الحوض، وأنا أذود النَّاس عنه كما يذود الرّجل إبل الرّجل عن إبله، قالوا: يا نبي الله! أتعرفنا؟ قال: نعم، لكم سيما ليست لأحدٍ غيركم، تردون عليّ غرّاً محجَّلين من آثار الوضوء...)) (صحيح مسلم (1/217)..

وإذا كانت هذه الخصائص والمزايا من صفات هذه الأمة بسبب ما تحمله من قيم وأخلاق ومبادئ وبها تميزت على سائر أمم الأرض فإنه يجب على المسلمين كأفراد حكاماً ومحكومين، رجالاً ونساءاً أن يتميزوا بتزكية نفوسهم بالإيمان والتقوى ومراقبة الله وعليهم جميعاً أن يتميزوا في عباداتهم والمحافظة عليهم وإتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - والإقتداء بسنته وحب أصحابه مشاعل الهدى ومصابيح الدجى - رضي الله عنهم - أجمعين.. وعلى المسلمين أن يتميزوا بأخلاقهم الفاضلة وسلوكهم الحسن مع جميع الناس من حولهم وعلينا كذلك أن نتميز بالقيام بالمسئوليات التي تحملناها في البيت والوظيفة وتقلد المناصب من حسن الرعاية وأداء الأمانة يستوي في ذلك الحاكم والمحكوم.. ثم إن علينا كذلك أن نتميز في عطائنا الحضاري وتقديم النفع والخير لأمم الأرض من حولنا في شتى جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعلمية... وهكذا بنت أمتنا مجدها وسطرت تاريخها وإن هذه الأمة قد تضعف لكنها لا تموت أو تنتهي أو ينقطع خيرها لأنها أمة خير الأنبياء وخاتمهم والله - سبحانه وتعالى - قد تكفل بحفظ كتابها ودستورها إلى يوم القيامة وعلى كل فرد أن يستشعر مسئوليته وواجبه حتى يكون لبنة صالحة في بناء هذه الأمة ولن يضيع الله أجوركم وأعمالكم فلا حياة بلا إيمان ولا حياة بلا أخلاق ولا حياة بلا قيم ولا حياة بلا إتباع واقتداء برسول البشرية محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -... فاللهم إنا نسألك أن توفقنا إلى ما تحب وترضى، وأن ترزقنا الاستمساك بالعروة الوثقى، أكرمنا يا كريم، ومن علينا يا منان، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب،..
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56) والحمد لله رب العالمين.
ميلاد رسول وحياة أمة..!!
2024/10/01 09:27:04
Back to Top
HTML Embed Code: