تزييف الحقائق وحصائد الألسن ... !!
الخطبة الأولى :
الحمدُ لله العليّ الأعلى، الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهَدى. له ملكُ السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى. الملكُ الحقُّ المبين الذي على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، وقد وسعَ كلَّ شيءٍ رحمة وعلمًا. أحمده سبحانه وبحمده يَلْهجُ أُولو الأحلام والنهى. وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له عالم السر والنجوى. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى كلمة التقوى. اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أئمة العلم والهدى. وسلم تسليمًا كثيرًا.أما بعد:
عبــــــاد الله: – لقد ميّز الله بني آدم عن سائرِ المخلوقات بنعمةُ اللسان، وبه تفضّل عليهم قال الله جل وعلا: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) [البلد:8، 9]، وقال تعالى ( الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن:1-4] أي يبين عن ما في نفسه بلسانه، فبهذا اللسان ينطق الإنسان بكلمة التوحيد "لا إله إلا الله" خيرُ قولٍ وأفضله، يقول صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بِضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله» [البخاري (9)].
وباللسان يتعارف الناس على بعضهم البعض، وعن طريق اللسان يتعلم الناس العلوم الشرعية والعلوم الدنيوية وعن طريق اللسان يعرف الحق من الباطل والصواب من الخطأ والصدق من الكذب والأمانة من الخيانة وباللسان يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقال الحق ويعبد الله بتلاوة كتابة وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وباللسان يُعرف الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق والمسلم من الكافر والبر من الفاجر والتقي من الشقي…
باللسان يبلغ الفرد المنازل العالية في قلوب الخلق وبه أيضًا يكتب عليه السخط في قلوبهم إلى يوم القيامة، وباللسان يبلغ العبد الدرجات العلى عند الله، وبه يسقط في دركات النار وسخط الجبار قال صلى الله عليه وسلم: «إنّ العبدَ ليتكلّم بالكلمة من سخَط الله، ما يظنّ أن تبلغَ ما بلغت، يهوي بها في النارِ أبعدَ مما بين المشرِق والمغرب. وإنّ العبدَ ليتكلّم بالكلمة من رضوانِ الله، ما يظنّ أن تبلغَ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانَه إلى يوم يَلقاه» [البخاري في الرقاق 6477]..
إن اللسان ترجمان القلوب والأفكار.. وآلة البيان وطريق الخطاب.. له في الخير مجال كبير وله في الشر باع طويل.. فمن استعمله للحكمة والقول النافع.. وقضاء الحوائج.. وقيده بلجام الشرع.. فقد أقر بالنعمة ووضع الشيء في موضعه.. وهو بالنجاة جدير.. ومن أطلق لسانه وأهمله.. سلك به الشيطان كل طريق.. أيها المسلمون: وإذا كان اللسان بهذه الأهمية في حياة الإنسان فإنه ينبغي عليه أن يستعمله في الخير وفي ما يقربه من الله سبحانه وتعالى القائل ( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَـاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَـاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114].
إن اللسان في الإسلام له أهمية عظيمة في سعادة الفرد وصلاح المجتمع ولذلك فقد تحدث القرآن الكريم والسنة النبوية عنه وكيفية حفظه واستعماله وحذرا من آفاته ومزالقه… ذلك أن الكلمة التي تنبع منه لها منزلة عظيمة عند الله ولها تأثير في حياة الفرد في الدنيا والآخرة فقد يكون الكفر بكلمة قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا..) [المائدة:17].
ويكون الإسلام كذلك بكلمة فقد وصف الله عباده بقولهم: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران:53].
ويكون الزواج بكلمة ويكون الطلاق بكلمة وتقوم الحروب بكلمة وتقطع الأرحام بكلمة وتحقن الدماء بكلمة وتطيّب الخواطر بكلمة وتمتلئ القلوب غيظًا وحنقًا بكلمة ويصبح الحق باطلاً والباطل حقًا بكلمة زور وبهتان، ويسقط العبد من نظر الله بكلمة ويرتفع مقامه عند الله بكلمة..
لذلك فقد دعا الإسلام إلى حفظ اللسان واستعماله في الخير وحذر من الغفلة عن هذا العضو الصغير في جسد الإنسان والذي قد يكون سببًا في سعادته أو سببًا في تعاسته في الدنيا والآخرة عن معاذ رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت يا رسول اللّه أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره اللّه عليه: تعبد اللّه ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال: ثم تلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ
الخطبة الأولى :
الحمدُ لله العليّ الأعلى، الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهَدى. له ملكُ السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى. الملكُ الحقُّ المبين الذي على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، وقد وسعَ كلَّ شيءٍ رحمة وعلمًا. أحمده سبحانه وبحمده يَلْهجُ أُولو الأحلام والنهى. وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له عالم السر والنجوى. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى كلمة التقوى. اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أئمة العلم والهدى. وسلم تسليمًا كثيرًا.أما بعد:
عبــــــاد الله: – لقد ميّز الله بني آدم عن سائرِ المخلوقات بنعمةُ اللسان، وبه تفضّل عليهم قال الله جل وعلا: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) [البلد:8، 9]، وقال تعالى ( الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن:1-4] أي يبين عن ما في نفسه بلسانه، فبهذا اللسان ينطق الإنسان بكلمة التوحيد "لا إله إلا الله" خيرُ قولٍ وأفضله، يقول صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بِضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله» [البخاري (9)].
وباللسان يتعارف الناس على بعضهم البعض، وعن طريق اللسان يتعلم الناس العلوم الشرعية والعلوم الدنيوية وعن طريق اللسان يعرف الحق من الباطل والصواب من الخطأ والصدق من الكذب والأمانة من الخيانة وباللسان يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقال الحق ويعبد الله بتلاوة كتابة وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وباللسان يُعرف الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق والمسلم من الكافر والبر من الفاجر والتقي من الشقي…
باللسان يبلغ الفرد المنازل العالية في قلوب الخلق وبه أيضًا يكتب عليه السخط في قلوبهم إلى يوم القيامة، وباللسان يبلغ العبد الدرجات العلى عند الله، وبه يسقط في دركات النار وسخط الجبار قال صلى الله عليه وسلم: «إنّ العبدَ ليتكلّم بالكلمة من سخَط الله، ما يظنّ أن تبلغَ ما بلغت، يهوي بها في النارِ أبعدَ مما بين المشرِق والمغرب. وإنّ العبدَ ليتكلّم بالكلمة من رضوانِ الله، ما يظنّ أن تبلغَ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانَه إلى يوم يَلقاه» [البخاري في الرقاق 6477]..
إن اللسان ترجمان القلوب والأفكار.. وآلة البيان وطريق الخطاب.. له في الخير مجال كبير وله في الشر باع طويل.. فمن استعمله للحكمة والقول النافع.. وقضاء الحوائج.. وقيده بلجام الشرع.. فقد أقر بالنعمة ووضع الشيء في موضعه.. وهو بالنجاة جدير.. ومن أطلق لسانه وأهمله.. سلك به الشيطان كل طريق.. أيها المسلمون: وإذا كان اللسان بهذه الأهمية في حياة الإنسان فإنه ينبغي عليه أن يستعمله في الخير وفي ما يقربه من الله سبحانه وتعالى القائل ( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَـاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَـاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114].
إن اللسان في الإسلام له أهمية عظيمة في سعادة الفرد وصلاح المجتمع ولذلك فقد تحدث القرآن الكريم والسنة النبوية عنه وكيفية حفظه واستعماله وحذرا من آفاته ومزالقه… ذلك أن الكلمة التي تنبع منه لها منزلة عظيمة عند الله ولها تأثير في حياة الفرد في الدنيا والآخرة فقد يكون الكفر بكلمة قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا..) [المائدة:17].
ويكون الإسلام كذلك بكلمة فقد وصف الله عباده بقولهم: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران:53].
ويكون الزواج بكلمة ويكون الطلاق بكلمة وتقوم الحروب بكلمة وتقطع الأرحام بكلمة وتحقن الدماء بكلمة وتطيّب الخواطر بكلمة وتمتلئ القلوب غيظًا وحنقًا بكلمة ويصبح الحق باطلاً والباطل حقًا بكلمة زور وبهتان، ويسقط العبد من نظر الله بكلمة ويرتفع مقامه عند الله بكلمة..
لذلك فقد دعا الإسلام إلى حفظ اللسان واستعماله في الخير وحذر من الغفلة عن هذا العضو الصغير في جسد الإنسان والذي قد يكون سببًا في سعادته أو سببًا في تعاسته في الدنيا والآخرة عن معاذ رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت يا رسول اللّه أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره اللّه عليه: تعبد اللّه ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال: ثم تلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ)[السجدة:16] حتى بلغ (يعملون) ثم قال: ألا أخبركم برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه: قلت: بلى يا رسول اللّه قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله"، قلت بلى يا رسول اللّه، قال: فأخذ بلسانه، قال: "كف عليك هذا". فقلت: يا نبي اللّه وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال:" ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم» [أخرجه أحمد والترمذي].
عبــــــاد الله: – لقد عُني الإسلام بأمر اللسان أيما عناية، وبين منزلة الكلمة وأثرها فحث ربنا جل وعلا في محكم التنزيل وعلى لسان سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه على حفظ اللسان وصيانة المنطق، ومجانبة الفحش والبذاء، فقال جل وعلا: (وَقُل لّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّا مُّبِينًا) [الإسراء: 53].
ووصف الله عز وجل ذوي الإيمان وأرباب التقى بالإعراض عن اللغو، ومجانبة الباطل من القول، فقال عز شأنه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَـاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ) [المؤمنون: 1 ـ 3]، وقال سبحانه: (وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَا أَعْمَـالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـالُكُمْ سَلَـامٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى الْجَـاهِلِينَ)[القصص: 55].
إن حفظ اللسان عن المآثم والحرام عنوانٌ على استقامة الدين وكمال الإيمان، كما في الحديث عند الإمام أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه» [صححه الألباني في صحيح الترغيب(2554، 2865)].
بل إن جوارح الإنسان كلها مرتبطة باللسان في الاستقامة والاعوجاج، فقد روى الترمذي في سننه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفِّر اللسان، تقول: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا»[حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1962).]، قال الإمام النووي رحمه الله: "معنى ((تكفر اللسان)) أي: تذل له وتخضع" [رياض الصالحين، حديث رقم (1529)]…
أيها المؤمنون: إنه لمن العجب أن الإنسان يسهل عليه البعد عن أكل الحرام والظلم والسرقة وشرب الخمر والنظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه حفظ لسانه، حتى ترى ذلك الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالاً، ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول… دخل رجل على عمر بن عبد العزيز فذكر له عن رجل شيئًا، فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات:6] وإن كنت صادقًا فأنت من أهل هذه الآية (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [القلم:11] وإن شئت عفونا عنك؟ فقال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبدا.. فاللهم إنا نسألك خير القول وخير العمل وخير الذكر وخير الدعاء برحمتك يا أرحم الراحمين…، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه
الخطــــبة الثانــية : الحمد لله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد:
عبـــاد الله:- هل يمكن أن يصبح الحق باطلاً والباطل حقًا؟ وهل يمكن أن تقلب الحقائق وتزيف الوقائع والأحداث؟ وهل يمكن أن تؤخذ الحقوق من أصحابها وتعطى لمن لا يستحق ويقتنع الآخرين؟ وهل يمكن أن يتهم الإنسان بما ليس فيه ويصدق الناس من حوله؟ وهل يمكن أن تقوم حروب وصراعات ومشاكل بين الأفراد والأسر والمجتمعات والدول دون أن يكون هناك سببٌ حقيقي يلمسه الجميع؟ وهل يمكن أن يقتنع كثير من الناس يومًا بأن المظلوم هو الجاني وأن الظالم هو الضحية؟.. أقول نعم قد يحدث ذلك عندما يضعف الإيمان ومراقبة الواحد الديان وعندما تفسد القيم والأخلاق..
أقول نعم قد يحدث ذلك في عصر الحضارة المادية وثورة الاتصالات والفضائيات وشبكة المعلومات عندما لم يحسن استخدامها..
أقول نعم قد يحدث ذلك.. وعندما نبحث عن الأسباب نجد أن اللسان ومنطق الإنسان وكلامه سبب رئيس في ذلك.. فكم من معاصٍ وذنوب كان سببها اللسان، وكم من حقائق زورت وأحداث تم تزييفها وإخراجها على غير حقيقتها، وكان السبب في ذلك اللسان.. وكم من دماء سُفكت وأموال تم الاعتداء عليها وحقوق سُلبت وكان السبب في ذلك اللسان..
عبــــــاد الله: – لقد عُني الإسلام بأمر اللسان أيما عناية، وبين منزلة الكلمة وأثرها فحث ربنا جل وعلا في محكم التنزيل وعلى لسان سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه على حفظ اللسان وصيانة المنطق، ومجانبة الفحش والبذاء، فقال جل وعلا: (وَقُل لّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّا مُّبِينًا) [الإسراء: 53].
ووصف الله عز وجل ذوي الإيمان وأرباب التقى بالإعراض عن اللغو، ومجانبة الباطل من القول، فقال عز شأنه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَـاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ) [المؤمنون: 1 ـ 3]، وقال سبحانه: (وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَا أَعْمَـالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـالُكُمْ سَلَـامٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى الْجَـاهِلِينَ)[القصص: 55].
إن حفظ اللسان عن المآثم والحرام عنوانٌ على استقامة الدين وكمال الإيمان، كما في الحديث عند الإمام أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه» [صححه الألباني في صحيح الترغيب(2554، 2865)].
بل إن جوارح الإنسان كلها مرتبطة باللسان في الاستقامة والاعوجاج، فقد روى الترمذي في سننه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفِّر اللسان، تقول: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا»[حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1962).]، قال الإمام النووي رحمه الله: "معنى ((تكفر اللسان)) أي: تذل له وتخضع" [رياض الصالحين، حديث رقم (1529)]…
أيها المؤمنون: إنه لمن العجب أن الإنسان يسهل عليه البعد عن أكل الحرام والظلم والسرقة وشرب الخمر والنظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه حفظ لسانه، حتى ترى ذلك الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالاً، ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول… دخل رجل على عمر بن عبد العزيز فذكر له عن رجل شيئًا، فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات:6] وإن كنت صادقًا فأنت من أهل هذه الآية (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [القلم:11] وإن شئت عفونا عنك؟ فقال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبدا.. فاللهم إنا نسألك خير القول وخير العمل وخير الذكر وخير الدعاء برحمتك يا أرحم الراحمين…، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه
الخطــــبة الثانــية : الحمد لله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد:
عبـــاد الله:- هل يمكن أن يصبح الحق باطلاً والباطل حقًا؟ وهل يمكن أن تقلب الحقائق وتزيف الوقائع والأحداث؟ وهل يمكن أن تؤخذ الحقوق من أصحابها وتعطى لمن لا يستحق ويقتنع الآخرين؟ وهل يمكن أن يتهم الإنسان بما ليس فيه ويصدق الناس من حوله؟ وهل يمكن أن تقوم حروب وصراعات ومشاكل بين الأفراد والأسر والمجتمعات والدول دون أن يكون هناك سببٌ حقيقي يلمسه الجميع؟ وهل يمكن أن يقتنع كثير من الناس يومًا بأن المظلوم هو الجاني وأن الظالم هو الضحية؟.. أقول نعم قد يحدث ذلك عندما يضعف الإيمان ومراقبة الواحد الديان وعندما تفسد القيم والأخلاق..
أقول نعم قد يحدث ذلك في عصر الحضارة المادية وثورة الاتصالات والفضائيات وشبكة المعلومات عندما لم يحسن استخدامها..
أقول نعم قد يحدث ذلك.. وعندما نبحث عن الأسباب نجد أن اللسان ومنطق الإنسان وكلامه سبب رئيس في ذلك.. فكم من معاصٍ وذنوب كان سببها اللسان، وكم من حقائق زورت وأحداث تم تزييفها وإخراجها على غير حقيقتها، وكان السبب في ذلك اللسان.. وكم من دماء سُفكت وأموال تم الاعتداء عليها وحقوق سُلبت وكان السبب في ذلك اللسان..
وما يحدث في غزة وفلسطين اليوم من قتل وتدمير وحرب إبادة جماعية وتطهير عرقي من قبل الصهاينة ومن يقدم لهم الدعم من دول الغرب وتزييف الحقائق والتاريخ لدليل صارخ على ذلك، فقد أصبحت الضحية جلاد والجلاد ضحية في وسائل الإعلام وفي أقبية السياسة ومنظمات القرار الغربي، وأصبحت قضية فلسطين العادلة قضية مشوهة من قبل هؤلاء ولقد حاولوا طمس معالمها عشرات السنين، ولكن هيهات فأصحاب الأرض ما باعوا ولا تنازلوا ولا ضعفوا ولا استكانوا بل صمدوا وصبروا ودافعوا عدوهم بما يمتلكون من وسائل وإمكانيات بين أيديهم وكشفوا للعالم صورة هذا المحتل البغيض ومن يدعمه ويسكت عن جرائمهم وأثبتوا أن هذا الجيش الذي لا يقهر قد تم قهره وإذلاله فبعد 110 يوم من القتل والتدمير لم يفلح في تركيع الفلسطينيين واخراجهم من بلدهم وكسر شوكتهم رغم الجراحات والدماء والإشلاء ، و إن على المسلمين أن ينصروا إخوانهم أهل فلسطين وأهل غزة، دول وحكومات ومؤسسات وأفراد كلا بما يستطيع لآن هذا واجب ديني وإنساني، قال صلى الله عليه وسلم ( ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته". (رواه أحمد)، هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، اللهم اجعل لإخواننا في غزة وفلسطين من كل هماً فرجاً ومن كل ضيق مخرجا ومن كل عسر يسرا ومن كل بلاء عافية .. اللهم أنزل عليهم من الصبر والنصر والثبات واليقين أضعاف ما نزل بهم من البلء اللهم مكن لدينك وكتابك وعبادك الصالحين ، اللهم عليك باليهود المعتدين ومن ناصرهم، اللهم لا تحقق لهم غاية ولا ترفع لهم راية واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية .. يا قوي يا عزيز.
اللهم أصلح أولادنا واجعلهم قرن أعين لنا في الدنيا والآخرة
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغاراً .
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
اللهم أصلح أولادنا واجعلهم قرن أعين لنا في الدنيا والآخرة
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغاراً .
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
قُلِ اللَّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا ..!!
الخطبة الأولى :
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه يليق بجلاله وعظمته، اللهم لك الحمد أنت أحق من ذكر وأحق من عبِد، لك الحمد أنت أجود من سئِل وأوسع من أعطى وأرأف من ملك، أنت المليك لا شريك لك، وأنت الفرد الذي لا ندّ لك، كلّ شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصَى إلا بعلمك، تطاع فتشكر، وتعصى فتغفر، القلوب لك مفضية، والسرّ عندك علانية، والحلال ما أحللت، والحرام ما حرّمت، والدين ما شرعت، والأمر أمرك، والخلق خلقك، ونحن عبيدك بنو إمائك.. ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أحسن الناس خَلْقاً وخُلقاً .. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه واستن بسنته وسلم تسليمًا كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد:
عباد الله: مع فتن الحياة وكثرة مشاكلها وصراعاتها وابتلاءاتها يحتاج المسلم إلى قوة يلجأ إليها يستمد منها الخلاص والنجاة، وإن أعظم قوة يلجأ إليها المسلم هي قوة الله، وإن أعظم طريق يسلكه المسلم هو الطريق الذي يوصله إلى الله، وإن أعظم باب يطرقه المسلم فيسأل حاجته هو باب الله، وإن أعظم ركن يستعين به المسلم على أمور الدنيا والآخرة هو التوكل على الله، وإن أعظم الأمنيات التي يسعى المسلم لتحقيقها في حياته لا تتحقق إلا بتوفيق الله ورضاه ..
فهو -سبحانه وتعالى- القادر على كل شيء والذي بيده كل شيء والذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فكم نحن بحاجة إلى اللجوء إلى الله في كل ما يعرض علينا اليوم من فتن ومشاكل ومصائب، وحروب وصراعات، وظلم وعدوان أو فقر وحرمان أو مرض في الأبدان أو غير ذلك مما لا يملك كشفه وإزالته إلا الله وحده قال تعالى: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَواتِ وَالأرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) [الأنعام:14] ..
فالله -سبحانه وتعالى- هو الركن الشديد ذو القوة المتين .. عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يطوي الله السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرض بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون" (صحيح مسلم: 4/2148).
وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد: 2].. لذلك ينبغي أن لا تُعلق الآمال إلا به ولا يطلب إلا منه ولا يخضع العبد إلا له ولا يمتلئ قلبه إلا بحبه ولا يطلب رضاه ..
بهذه العقيدة يعيش الفرد المسلم والمجتمع المسلم حياة سعيدة طيبة بعيدة عن القلق والاضطرابات النفسية وكثرة الهموم مهما كانت الظروف وضاقت الأحوال فلا يعلق المسلم آماله إلا بالله في أي شيء من أمور الدنيا أو الآخرة …
أيها المسلمون: إن اللجوء إلى المولى سبحانه في أوقات الشدة والرخاء، وفي كل ما يعرض للعبد من سوء وبلاء، هو دأب الأنبياء والصالحين من عباد الله تعالى، فما من نبي من الأنبياء أصابه ضر ومصيبة إلا ولجأ في دعائه وتضرعه واستغاثته إلى الله مالك الملك، ومدبر الأمر، وخالق الكون فيكشف الله ما نزل به، ويرفعه درجات، ويزيده من فضله وعنايته، فالله أكرم من أن يرد سائلًا، أو يخيب ظن قائلًا؛ كيف وهو القائل: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) [غافر: 60]؟
ورد في السِّيَر أنه لما عاد -صلى الله عليه وسلم- من الطائف، وقد رُجم بالحجارة من قبل السفهاء والمجانين وسُدت في وجهه طرق البلاغ لدين الله لم يزد على أن قال كلمات يطلب فيها رضا ربه قائلاً: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل عليَّ غضبك، أو ينزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك".
فماذا كانت النتيجة؟ لقد أعزه الله ونصره، وأيده بجنوده، ونشر دينه في الآفاق وجعل ذكره على كل لسان إلى يوم القيامة.
و ركب يونس -عليه السلام- البحر، فساهم مع ركاب السفينة التي أشرقت على الغرق؛ أيهم يُلقى منها لتخفيف حمولتها، فكان من المدحضين، فأُلقي في لجج البحار، وانقطع عنه النهار، والتقمه الحوت، فصار في ظلمات بعضها فوق بعض، فأين التجأ؟! وبمن اعتصم؟! لقد نادى في الظلمات: (أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87]، فسمع الله نداءه
الخطبة الأولى :
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه يليق بجلاله وعظمته، اللهم لك الحمد أنت أحق من ذكر وأحق من عبِد، لك الحمد أنت أجود من سئِل وأوسع من أعطى وأرأف من ملك، أنت المليك لا شريك لك، وأنت الفرد الذي لا ندّ لك، كلّ شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصَى إلا بعلمك، تطاع فتشكر، وتعصى فتغفر، القلوب لك مفضية، والسرّ عندك علانية، والحلال ما أحللت، والحرام ما حرّمت، والدين ما شرعت، والأمر أمرك، والخلق خلقك، ونحن عبيدك بنو إمائك.. ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أحسن الناس خَلْقاً وخُلقاً .. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه واستن بسنته وسلم تسليمًا كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد:
عباد الله: مع فتن الحياة وكثرة مشاكلها وصراعاتها وابتلاءاتها يحتاج المسلم إلى قوة يلجأ إليها يستمد منها الخلاص والنجاة، وإن أعظم قوة يلجأ إليها المسلم هي قوة الله، وإن أعظم طريق يسلكه المسلم هو الطريق الذي يوصله إلى الله، وإن أعظم باب يطرقه المسلم فيسأل حاجته هو باب الله، وإن أعظم ركن يستعين به المسلم على أمور الدنيا والآخرة هو التوكل على الله، وإن أعظم الأمنيات التي يسعى المسلم لتحقيقها في حياته لا تتحقق إلا بتوفيق الله ورضاه ..
فهو -سبحانه وتعالى- القادر على كل شيء والذي بيده كل شيء والذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فكم نحن بحاجة إلى اللجوء إلى الله في كل ما يعرض علينا اليوم من فتن ومشاكل ومصائب، وحروب وصراعات، وظلم وعدوان أو فقر وحرمان أو مرض في الأبدان أو غير ذلك مما لا يملك كشفه وإزالته إلا الله وحده قال تعالى: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَواتِ وَالأرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) [الأنعام:14] ..
فالله -سبحانه وتعالى- هو الركن الشديد ذو القوة المتين .. عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يطوي الله السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرض بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون" (صحيح مسلم: 4/2148).
وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد: 2].. لذلك ينبغي أن لا تُعلق الآمال إلا به ولا يطلب إلا منه ولا يخضع العبد إلا له ولا يمتلئ قلبه إلا بحبه ولا يطلب رضاه ..
بهذه العقيدة يعيش الفرد المسلم والمجتمع المسلم حياة سعيدة طيبة بعيدة عن القلق والاضطرابات النفسية وكثرة الهموم مهما كانت الظروف وضاقت الأحوال فلا يعلق المسلم آماله إلا بالله في أي شيء من أمور الدنيا أو الآخرة …
أيها المسلمون: إن اللجوء إلى المولى سبحانه في أوقات الشدة والرخاء، وفي كل ما يعرض للعبد من سوء وبلاء، هو دأب الأنبياء والصالحين من عباد الله تعالى، فما من نبي من الأنبياء أصابه ضر ومصيبة إلا ولجأ في دعائه وتضرعه واستغاثته إلى الله مالك الملك، ومدبر الأمر، وخالق الكون فيكشف الله ما نزل به، ويرفعه درجات، ويزيده من فضله وعنايته، فالله أكرم من أن يرد سائلًا، أو يخيب ظن قائلًا؛ كيف وهو القائل: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) [غافر: 60]؟
ورد في السِّيَر أنه لما عاد -صلى الله عليه وسلم- من الطائف، وقد رُجم بالحجارة من قبل السفهاء والمجانين وسُدت في وجهه طرق البلاغ لدين الله لم يزد على أن قال كلمات يطلب فيها رضا ربه قائلاً: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل عليَّ غضبك، أو ينزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك".
فماذا كانت النتيجة؟ لقد أعزه الله ونصره، وأيده بجنوده، ونشر دينه في الآفاق وجعل ذكره على كل لسان إلى يوم القيامة.
و ركب يونس -عليه السلام- البحر، فساهم مع ركاب السفينة التي أشرقت على الغرق؛ أيهم يُلقى منها لتخفيف حمولتها، فكان من المدحضين، فأُلقي في لجج البحار، وانقطع عنه النهار، والتقمه الحوت، فصار في ظلمات بعضها فوق بعض، فأين التجأ؟! وبمن اعتصم؟! لقد نادى في الظلمات: (أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87]، فسمع الله نداءه
وأجاب دعاءَه، فنجَّاه من الغم، وكذلك ينجِّي المؤمنين ..
أيها المؤمنون/ عباد الله: لقد لجأ كثير من الناس عند الشدائد والمحن والفتن إلى قوتهم وجاههم وأموالهم، وأحزابهم وجماعاتهم وقبائلهم، واعتمدوا عليها، وغرتهم أنفسهم وزين لهم الشيطان أعمالهم وصدهم عن طريق الله، ولم يلجئوا إليه بالتوبة والدعاء والاستغفار والتضرع، فما نفعهم ذلك في شيء، ولم يجدوا لذة الراحة ولا برد اليقين، ولا سلموا من فتن الحياة ومشاكلها؛ ذلك أن من مقاصد الفتن والمشاكل والابتلاءات تربية النفوس وخضوعها للحق والشرع وتضرعها بين يدي الله قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) [الأنعام: 42-44]..
وانظروا لمن لجأ إلى غير الله!! هل وجد النجاة وهل وصل إلى مبتغاه؟! .. هذا ابن نوحٍ -عليه السلام- قال تعالى عنه: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ)[هود: 42، 43] ..
عباد الله: إن على المسلم أن يلجأ إلى الله في سائر أحواله وظروفه ويتضرع بين يديه ويرجوه، ويتوسل إليه بأن يصلح أحوالنا، ويحفظ علينا ديننا، ويعصم دماءنا وأموالنا، وأن يؤمن خوفنا، ويكفينا شر الأشرار وكيد الفجار ومكر الليل والنهار، ومهما كانت المصائب والأزمات والحروب والإبتلاءات شديدة وقاسية ويكاد لا يرى في أحداثها بصيص أمل أو طريق نجاة إلا أن المسلم واثق من ربه متوكلاً عليه ولذلك يدرك بأن الله موجود ومطلع على عباده وهو أرحم بهم من أنفسهم وهو سبحانه من سينجيهم، ويكف بأس عدوه عنهم،
إن مسنا الضر أو ضاقت بنا الحيل *** فلن يخيب لنا في ربنا أملُ
الله في كل خطب حسبنا وكفى *** إليه نرفع شكوانا ونبتهلُ
من ذا نلوذ به في كشف كربتنا *** ومن عليه سوى الرحمن نتكلُ
فافزع إلى الله واقرع باب رحمته *** فهو الرجاء لمن أعيت به السبلُ
اللهم اهدنا بهداك ولا تولنا أحداً سواك قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية : الحمد لله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد:
أيها المؤمنون: يا أهل غزة وفلسطين ، أعلموا أن النصرَ مع الصبر، وإن الفرجَ مع الكرب، ومهما تفاقُمت المحن، واشتدت الفِتن، فإن في طيِّ كلِّ محنةٍ مِنحة، ومع كلِّ بليةٍ عطية، ولا تخلو رزيةٌ من مزية .. والإسلامُ لا يتألقُ إلا في أجواء التحدي، والمسلمون لا يعودون إلى دينهم إلا إذا أحسوا بالخطر، ف( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) [النور: 11]، {سَيَجْعَلُ اللهُ بعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7]، ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) [البقرة: 216]، و( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) [آل عمران: 179]، ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) [آل عمران: 146]، و( إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )} [يوسف: 90] .. و( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة: 51]، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ) [يوسف: 21]، فاثبتوا على دينكم وأرضكم والجأوا إلى الله بعد قل الناصر وتنكر القريب وتجهم البعيد وظننتم أن لا ملجأ ولا نجاة وتسآءل الناس من ينجيكم من هذا الكرب ومن هذه المحنة العظيمة وبعد أكثر من 100 يوم من الدمار والقتل والإبادة فليكن شعاركم ( قُلِ اللَّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ )[الأنعام: 64].. فالله معكم حافظاً وناصراً وعيناً، وعلى المسلمين جميعاً أن يقوموا بواجبهم تجاه المسجد الأقصى وأرض فلسطين وغزة الجريحة التي تقاوم كل هذا العدوان والهمجية وحرب الإبادة والقتل والتدمير بعزيمة واصرار ورباطة جأش وصمود اسطوري، وإنهم لمنصورون -بإذن الله- قال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي
أيها المؤمنون/ عباد الله: لقد لجأ كثير من الناس عند الشدائد والمحن والفتن إلى قوتهم وجاههم وأموالهم، وأحزابهم وجماعاتهم وقبائلهم، واعتمدوا عليها، وغرتهم أنفسهم وزين لهم الشيطان أعمالهم وصدهم عن طريق الله، ولم يلجئوا إليه بالتوبة والدعاء والاستغفار والتضرع، فما نفعهم ذلك في شيء، ولم يجدوا لذة الراحة ولا برد اليقين، ولا سلموا من فتن الحياة ومشاكلها؛ ذلك أن من مقاصد الفتن والمشاكل والابتلاءات تربية النفوس وخضوعها للحق والشرع وتضرعها بين يدي الله قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) [الأنعام: 42-44]..
وانظروا لمن لجأ إلى غير الله!! هل وجد النجاة وهل وصل إلى مبتغاه؟! .. هذا ابن نوحٍ -عليه السلام- قال تعالى عنه: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ)[هود: 42، 43] ..
عباد الله: إن على المسلم أن يلجأ إلى الله في سائر أحواله وظروفه ويتضرع بين يديه ويرجوه، ويتوسل إليه بأن يصلح أحوالنا، ويحفظ علينا ديننا، ويعصم دماءنا وأموالنا، وأن يؤمن خوفنا، ويكفينا شر الأشرار وكيد الفجار ومكر الليل والنهار، ومهما كانت المصائب والأزمات والحروب والإبتلاءات شديدة وقاسية ويكاد لا يرى في أحداثها بصيص أمل أو طريق نجاة إلا أن المسلم واثق من ربه متوكلاً عليه ولذلك يدرك بأن الله موجود ومطلع على عباده وهو أرحم بهم من أنفسهم وهو سبحانه من سينجيهم، ويكف بأس عدوه عنهم،
إن مسنا الضر أو ضاقت بنا الحيل *** فلن يخيب لنا في ربنا أملُ
الله في كل خطب حسبنا وكفى *** إليه نرفع شكوانا ونبتهلُ
من ذا نلوذ به في كشف كربتنا *** ومن عليه سوى الرحمن نتكلُ
فافزع إلى الله واقرع باب رحمته *** فهو الرجاء لمن أعيت به السبلُ
اللهم اهدنا بهداك ولا تولنا أحداً سواك قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية : الحمد لله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد:
أيها المؤمنون: يا أهل غزة وفلسطين ، أعلموا أن النصرَ مع الصبر، وإن الفرجَ مع الكرب، ومهما تفاقُمت المحن، واشتدت الفِتن، فإن في طيِّ كلِّ محنةٍ مِنحة، ومع كلِّ بليةٍ عطية، ولا تخلو رزيةٌ من مزية .. والإسلامُ لا يتألقُ إلا في أجواء التحدي، والمسلمون لا يعودون إلى دينهم إلا إذا أحسوا بالخطر، ف( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) [النور: 11]، {سَيَجْعَلُ اللهُ بعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7]، ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) [البقرة: 216]، و( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) [آل عمران: 179]، ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) [آل عمران: 146]، و( إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )} [يوسف: 90] .. و( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة: 51]، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ) [يوسف: 21]، فاثبتوا على دينكم وأرضكم والجأوا إلى الله بعد قل الناصر وتنكر القريب وتجهم البعيد وظننتم أن لا ملجأ ولا نجاة وتسآءل الناس من ينجيكم من هذا الكرب ومن هذه المحنة العظيمة وبعد أكثر من 100 يوم من الدمار والقتل والإبادة فليكن شعاركم ( قُلِ اللَّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ )[الأنعام: 64].. فالله معكم حافظاً وناصراً وعيناً، وعلى المسلمين جميعاً أن يقوموا بواجبهم تجاه المسجد الأقصى وأرض فلسطين وغزة الجريحة التي تقاوم كل هذا العدوان والهمجية وحرب الإبادة والقتل والتدمير بعزيمة واصرار ورباطة جأش وصمود اسطوري، وإنهم لمنصورون -بإذن الله- قال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[غافر:51] ، فاللهم احفظ المسجد الأقصى وأرض فلسطين وجميع بلاد المسلمين, اللهم استعملنا في طاعتك وامنحنا الصبر والثبات على دينك .. اللهم اجعل لإخواننا في غزة وفلسطين من كل هماً فرجاً ومن كل ضيق مخرجا ومن كل عسر يسرا ومن كل بلاء عافية .. اللهم أنزل عليهم من الصبر والنصر والثبات واليقين أضعاف ما نزل بهم من البلء اللهم مكن لدينك وكتابك وعبادك الصالحين ، اللهم عليك باليهود المعتدين ومن ناصرهم، اللهم لا تحقق لهم غاية ولا ترفع لهم راية واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية .. يا قوي يا عزيز......هـــذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم أصلح أولادنا واجعلهم قرن أعين لنا في الدنيا والآخرة
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغاراً .
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
اللهم أصلح أولادنا واجعلهم قرن أعين لنا في الدنيا والآخرة
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغاراً .
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
غزة ونصرة المظـلـــــــوم.. !!
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وعلمنا الحكمة والقرآن، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وألبسنا لباس التقوى خير لباس ...
الحمد لله حمداً طـاب وانتشرا *** على ترادف جود في الوجــــود سرى
الحمد لله حمـداً سرمداً أبــدا *** ما أضحك الغيث وجه الأرض حين جرى
حمدا كثيرا به أرقى لحضـرته *** على منابــر أنس أبلـــــغ الوطرا
ثم الصلاة على ختم النبوة مـن *** إذا تــــــقدم كـان الأولــون ورا
مع السلام الذي يهدى لحضرته *** يعم آلاً وصحباً ســــادة غــــررا
ونسأل الله توفيقاً لطاعتـــه *** ورحمة لا نجـــد من بعـــدها كدرا... أما بعـــــد :
عبـــــــاد الله :- لقد حرص الإسلام إن يعيش أبناءه في ترابط وتعاون وتناصر حتى يسود المجتمع الأمن والأمان والمحبة والحنان .. الحقوق محفوظة ومصونة والواجبات معروفة ومطلوبة من شأنها أن تشد الروابط بين المسلمين وتزيد الألفة فيما بينهم في مشارق الأرض ومغاربها، وتحفظ وحدتهم وتصون كرامتهم، وتحفظ حقوقهم ذلك إن المؤمن شأنه إن يعيش عزيزا فهو يحمل رسالة عظيمة وينتمي لأمة عظيمة ورسوله صلى الله عليه وسلم أعظم الرسل يقول الله تعالى: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلذين مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سيماهم في وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ في ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ في ٱلإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شطاه فأزره فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسترىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلزين امنوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلجٰن مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الفتح: 29].
وبقدر تمسك الفرد منا بهذه القيم والواجبات وجعلها نظام عمل في هذه الحياة بقدر ما يكون قريبا من الله .... قريبا من خلقه . ولعل من أهم الواجبات والحقوق التي على المسلم لأخيه المسلم موارد في حديث البراءة بن عازب رضي الله عنه: حيث قال "أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض وإتباع الجنازة وتشميت العاطس وإجابة الداعي وإفشاء السلام ونصر المظلوم وإبرار المقسم ) (البخاري ومسلم) ... فأين نحن من القيام بهذه الحقوق والواجبات كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نقوم ببعض هذه الحقوق مع تقصيرنا الشديد فيها فمنا من قد يزور مريض وآخر قد ينبع جنازة ويشمت عاطسا وآخر قد يجيب الداعي ويبر القسم .. لكن أين من ينصر مظلوما ؟ في هذا الزمان ... وما أكثر المظلومين في زماننا وكم يرى الناس من إنسان ينتهك عرضه وتداس كرامته ويسلب ماله ويسفك دمه ثم لايجد من ينصره أو من يقف بجانبه وأصبح هذا الحق والواجب ضائعا وغريبا في حياتنا .. قال تعالى ( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً) [النساء: 75]، وقال تعالى {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].. و يقول صلى الله عليه وسلم ( ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته". (رواه أحمد) .. وعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أُذِلّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذلّه الله على رؤوس الأشهاد يوم القيامة” (رواه أحمد بسند حسن) ... والله تعالى يقول ( لُعِنَ ٱلذين كَفَرُواْ مِن بني أسرٰأيل عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلق بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ لا يتناهون عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لبأس مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة:78، 79]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) (حسنه الألباني في صحيح الترمذي (1762) .. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (المسلم أخو المسلم ولا يسلمه، ومن كانفي حاجة مسلم كان الله في خاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة)(البخاري (2310) قال ابن حجر رحمه الله تعالى (قوله (لا يسلمه) أي لا يتركه مع من يؤذيه بل ينصره ويدفع عنه، وهذا أخص من ترك الظلم)( فتح الباري (5
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وعلمنا الحكمة والقرآن، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وألبسنا لباس التقوى خير لباس ...
الحمد لله حمداً طـاب وانتشرا *** على ترادف جود في الوجــــود سرى
الحمد لله حمـداً سرمداً أبــدا *** ما أضحك الغيث وجه الأرض حين جرى
حمدا كثيرا به أرقى لحضـرته *** على منابــر أنس أبلـــــغ الوطرا
ثم الصلاة على ختم النبوة مـن *** إذا تــــــقدم كـان الأولــون ورا
مع السلام الذي يهدى لحضرته *** يعم آلاً وصحباً ســــادة غــــررا
ونسأل الله توفيقاً لطاعتـــه *** ورحمة لا نجـــد من بعـــدها كدرا... أما بعـــــد :
عبـــــــاد الله :- لقد حرص الإسلام إن يعيش أبناءه في ترابط وتعاون وتناصر حتى يسود المجتمع الأمن والأمان والمحبة والحنان .. الحقوق محفوظة ومصونة والواجبات معروفة ومطلوبة من شأنها أن تشد الروابط بين المسلمين وتزيد الألفة فيما بينهم في مشارق الأرض ومغاربها، وتحفظ وحدتهم وتصون كرامتهم، وتحفظ حقوقهم ذلك إن المؤمن شأنه إن يعيش عزيزا فهو يحمل رسالة عظيمة وينتمي لأمة عظيمة ورسوله صلى الله عليه وسلم أعظم الرسل يقول الله تعالى: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلذين مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سيماهم في وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ في ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ في ٱلإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شطاه فأزره فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسترىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلزين امنوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلجٰن مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الفتح: 29].
وبقدر تمسك الفرد منا بهذه القيم والواجبات وجعلها نظام عمل في هذه الحياة بقدر ما يكون قريبا من الله .... قريبا من خلقه . ولعل من أهم الواجبات والحقوق التي على المسلم لأخيه المسلم موارد في حديث البراءة بن عازب رضي الله عنه: حيث قال "أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض وإتباع الجنازة وتشميت العاطس وإجابة الداعي وإفشاء السلام ونصر المظلوم وإبرار المقسم ) (البخاري ومسلم) ... فأين نحن من القيام بهذه الحقوق والواجبات كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نقوم ببعض هذه الحقوق مع تقصيرنا الشديد فيها فمنا من قد يزور مريض وآخر قد ينبع جنازة ويشمت عاطسا وآخر قد يجيب الداعي ويبر القسم .. لكن أين من ينصر مظلوما ؟ في هذا الزمان ... وما أكثر المظلومين في زماننا وكم يرى الناس من إنسان ينتهك عرضه وتداس كرامته ويسلب ماله ويسفك دمه ثم لايجد من ينصره أو من يقف بجانبه وأصبح هذا الحق والواجب ضائعا وغريبا في حياتنا .. قال تعالى ( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً) [النساء: 75]، وقال تعالى {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].. و يقول صلى الله عليه وسلم ( ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته". (رواه أحمد) .. وعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أُذِلّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذلّه الله على رؤوس الأشهاد يوم القيامة” (رواه أحمد بسند حسن) ... والله تعالى يقول ( لُعِنَ ٱلذين كَفَرُواْ مِن بني أسرٰأيل عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلق بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ لا يتناهون عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لبأس مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة:78، 79]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) (حسنه الألباني في صحيح الترمذي (1762) .. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (المسلم أخو المسلم ولا يسلمه، ومن كانفي حاجة مسلم كان الله في خاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة)(البخاري (2310) قال ابن حجر رحمه الله تعالى (قوله (لا يسلمه) أي لا يتركه مع من يؤذيه بل ينصره ويدفع عنه، وهذا أخص من ترك الظلم)( فتح الباري (5
/ 97).
عبـــــــاد الله : إن نصرة المظلوم من الفروض الكفائية فإذا قام بها البعض وتمت النصرة سقطت عن الباقين في المجتمع المسلم وإذا لم يقوم بها أحد أثم من كان مستطيعاً وعنده القدرة على ذلك .. وانظروا إلى التأريخ وهو يحدثنا عن موقف أنساني فذ فريد للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل بعثته ، أعطاه القيمة الكبرى بعد البعثة وهو موقفه في حلف الفضول و حلف الفضول كان تجمعاً وميثاقاً إنسانياً تنادت فيه المشاعر الإنسانية ، لنصرة الإنسان المظلوم ، والدفاع عن الحق المضيع ، لم تحدثه سلطات ، ولا قوى دولية ، بل أنشأته قوى اجتماعية بدوافع إنسانية ، وإحساس وجداني عميق بضرورة نصرة المستضعفين والمظلومين . . لنستمع للتأريخ ، وهو يروي لنا قصة هذا الحدث الحضاري الكبير في عالم الإنسان : روى اليعقوبي في تأريخه ما نصه : «حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حلف الفضول ، وقد جاوز العشرين ، وقال بعد ما بعثه الله : حضرت في دار عبدا لله بن جذعان حلفاً ما يسرني به ؟ النعم ، ولو دعيت إليه اليوم لأجبت» ... إن ذلك الموقف الصادر عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومثله الموقف في حلف الفضول يؤكد أنّ الدفاع عن الحق ، ونصرة المظلوم مسؤولية يسأل عنها الإنسان ، والقادر على القيام بها تجاه المظلومين والمضطهدين ، وبغض النظر عن عقيدة المظلوم أو لغته أو طبقته الاجتماعية أو انتمائه السياسي . .
والقائم بخلق النصرة يجب أن يكون الباعث على قيامه بهذا الخلق قصد وجه الله تعالى، ومنع الظلم بأنواعه، وتحقيق العدل على جميع الناس، وإعانة الفقراء والمحتاجين على لوازم الحياة الكريمة، فلا ينتصر لعرق أو حزب أو طائفة، أو ينصر أحدا لطلب مال أو شرف أو جاه، فكل ذلك من خصال الجاهلية وطباع البهيمية السافلة، قال تعالى في قصة ذي القرنين {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً} [الكهف: 94، 95] .. والنصرة تكون باللسان واليد وبالمقال الصحفي وبالمحاماة وبالمال وبالنصح والتوجيه وكف الأذى وبالجهاد في سبيل الله وبالدعاء في ظهر الغيب وتكون النصرة بنشر قضية المظلوم وتعرية الظالم وفضحه وزجره وتكون كذلك بالإصلاح بين الناس ومعالجة المشاكل وغير ذلك كل حسب قدرته واستطاعته .. فاللهم وفقنا إلى كل خير وأهدنا سبلنا واجعلنا من الراشدين ..
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطــبة الثانيــة : الحمد لله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد:
عبــــــاد اللـه : - لقد كان خلق النصرة للمظلوم من ابرز وأظهر الأخلاق عند المسلمين حكاما ومحكومين .... الم يجهز الخليفة العباسي المعتصم جيشا عظيما يوم عمورية لأن الخبر بلغه عن طريق التجار والركبان إن رجل من الروم لطم امرأة مسلمة فنادت وآمعتصماه فاقتص لها ممن ظلمها.. وتصل رسالة إلى الملك الناصر صلاح الدين من أسير للمسلمين في سجون الصليبيين في مدينة القدس بعد أن سقطت بأيديهم قال فيها : -
يا أيها الملك ااـذي ** لمعالم الصلبان نكس
جاءت إليك ظلامة تسعى ** من البيت المقدس
كل المساجد طهرت وأنا ** على شرفي أنجس
فسار بجيشه ودخل المسلمون بيت المقدس، وطهروه من الصليب وطهروه من الخنزير، و نادى المسلمون بالآذان ووحدوا الرحمن وجاء الحق وبطلت الأباطيل وكثرت السجدات وتنوعت العبادات وارتفعت الدعوات وتنزلت البركات وتجلت الكربات وأقيمت الصلوات وأذن المؤذنون وأحضر منبر نور الدين الشهيد عليه رحمة الله الجليل الذي كان يأمل أن يكون الفتح على يديه فكان على يدي تلميذه صلاح الدين، ورقى الخطيب المنبر في أول جمعة بعد تعطل للجمعة والجماعة في المسجد الأقصى دام واحد وتسعين عاما، فكان مما بدأ به الخطيب خطبته بعد أن حمد الله أن قال: ( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:45)، ( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) (الروم:4) ...
ولما تولى أبو يوسف يعقوب بن يوسف خلافة الموحدين بعد استشهاد أبيه مجاهدا ً ضد النصارى في الأندلس ، وذلك في جمادى الأولى سنة 580هـ وصلته رسالة من المسلمين الذين هجم عليهم ألفونسو السادس ملك قشتالة ودمر بيوتهم وقتل الرجال وسبى النساء حتى كتب ألفونسو السادس خطاباً يدعوه فيه إلى القتال فيه سخرية واستهانة بالمسلمين ، فلما قرأ أبو يوسف الخطاب كتب على ظهر رقعة منه : { ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون } الجواب ما ترى لا ما تسمع وخرج بجيشه وأتجه إلى بلاد الأندلس والتقى بجيش الفرنجة في موقعة .
عبـــــــاد الله : إن نصرة المظلوم من الفروض الكفائية فإذا قام بها البعض وتمت النصرة سقطت عن الباقين في المجتمع المسلم وإذا لم يقوم بها أحد أثم من كان مستطيعاً وعنده القدرة على ذلك .. وانظروا إلى التأريخ وهو يحدثنا عن موقف أنساني فذ فريد للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل بعثته ، أعطاه القيمة الكبرى بعد البعثة وهو موقفه في حلف الفضول و حلف الفضول كان تجمعاً وميثاقاً إنسانياً تنادت فيه المشاعر الإنسانية ، لنصرة الإنسان المظلوم ، والدفاع عن الحق المضيع ، لم تحدثه سلطات ، ولا قوى دولية ، بل أنشأته قوى اجتماعية بدوافع إنسانية ، وإحساس وجداني عميق بضرورة نصرة المستضعفين والمظلومين . . لنستمع للتأريخ ، وهو يروي لنا قصة هذا الحدث الحضاري الكبير في عالم الإنسان : روى اليعقوبي في تأريخه ما نصه : «حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حلف الفضول ، وقد جاوز العشرين ، وقال بعد ما بعثه الله : حضرت في دار عبدا لله بن جذعان حلفاً ما يسرني به ؟ النعم ، ولو دعيت إليه اليوم لأجبت» ... إن ذلك الموقف الصادر عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومثله الموقف في حلف الفضول يؤكد أنّ الدفاع عن الحق ، ونصرة المظلوم مسؤولية يسأل عنها الإنسان ، والقادر على القيام بها تجاه المظلومين والمضطهدين ، وبغض النظر عن عقيدة المظلوم أو لغته أو طبقته الاجتماعية أو انتمائه السياسي . .
والقائم بخلق النصرة يجب أن يكون الباعث على قيامه بهذا الخلق قصد وجه الله تعالى، ومنع الظلم بأنواعه، وتحقيق العدل على جميع الناس، وإعانة الفقراء والمحتاجين على لوازم الحياة الكريمة، فلا ينتصر لعرق أو حزب أو طائفة، أو ينصر أحدا لطلب مال أو شرف أو جاه، فكل ذلك من خصال الجاهلية وطباع البهيمية السافلة، قال تعالى في قصة ذي القرنين {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً} [الكهف: 94، 95] .. والنصرة تكون باللسان واليد وبالمقال الصحفي وبالمحاماة وبالمال وبالنصح والتوجيه وكف الأذى وبالجهاد في سبيل الله وبالدعاء في ظهر الغيب وتكون النصرة بنشر قضية المظلوم وتعرية الظالم وفضحه وزجره وتكون كذلك بالإصلاح بين الناس ومعالجة المشاكل وغير ذلك كل حسب قدرته واستطاعته .. فاللهم وفقنا إلى كل خير وأهدنا سبلنا واجعلنا من الراشدين ..
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطــبة الثانيــة : الحمد لله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد:
عبــــــاد اللـه : - لقد كان خلق النصرة للمظلوم من ابرز وأظهر الأخلاق عند المسلمين حكاما ومحكومين .... الم يجهز الخليفة العباسي المعتصم جيشا عظيما يوم عمورية لأن الخبر بلغه عن طريق التجار والركبان إن رجل من الروم لطم امرأة مسلمة فنادت وآمعتصماه فاقتص لها ممن ظلمها.. وتصل رسالة إلى الملك الناصر صلاح الدين من أسير للمسلمين في سجون الصليبيين في مدينة القدس بعد أن سقطت بأيديهم قال فيها : -
يا أيها الملك ااـذي ** لمعالم الصلبان نكس
جاءت إليك ظلامة تسعى ** من البيت المقدس
كل المساجد طهرت وأنا ** على شرفي أنجس
فسار بجيشه ودخل المسلمون بيت المقدس، وطهروه من الصليب وطهروه من الخنزير، و نادى المسلمون بالآذان ووحدوا الرحمن وجاء الحق وبطلت الأباطيل وكثرت السجدات وتنوعت العبادات وارتفعت الدعوات وتنزلت البركات وتجلت الكربات وأقيمت الصلوات وأذن المؤذنون وأحضر منبر نور الدين الشهيد عليه رحمة الله الجليل الذي كان يأمل أن يكون الفتح على يديه فكان على يدي تلميذه صلاح الدين، ورقى الخطيب المنبر في أول جمعة بعد تعطل للجمعة والجماعة في المسجد الأقصى دام واحد وتسعين عاما، فكان مما بدأ به الخطيب خطبته بعد أن حمد الله أن قال: ( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:45)، ( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) (الروم:4) ...
ولما تولى أبو يوسف يعقوب بن يوسف خلافة الموحدين بعد استشهاد أبيه مجاهدا ً ضد النصارى في الأندلس ، وذلك في جمادى الأولى سنة 580هـ وصلته رسالة من المسلمين الذين هجم عليهم ألفونسو السادس ملك قشتالة ودمر بيوتهم وقتل الرجال وسبى النساء حتى كتب ألفونسو السادس خطاباً يدعوه فيه إلى القتال فيه سخرية واستهانة بالمسلمين ، فلما قرأ أبو يوسف الخطاب كتب على ظهر رقعة منه : { ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون } الجواب ما ترى لا ما تسمع وخرج بجيشه وأتجه إلى بلاد الأندلس والتقى بجيش الفرنجة في موقعة .
الأرك في 9 شعبان 591هـ وانتهى يوم الأرك بهزيمة النصارى على نحو مروع ، وسقط منهم في القتال ثلاثون ألف قتيل ، وأسروا عشرين ألفاً ، وغنم المسلمون معسكر الأسبان بجميع ما فيه من المتاع والمال ، واقتحموا عقب المعركة حصن الأرك ، وقلعة رباح المنيعتين
عباد الله: إنه لا يوجد ظلم في عصرنا الحديث تعرض له شعب كما تعرض له أهل فلسطين فقد هجروا وشردوا من أرضهم وأقيمت لهم آلالاف المجارز واستشهد منهم مئات الآلاف وحوصروا وسجنوا لسنوات طويلة، والآن حرب الإبادة الصهيونية في غزة والقتل الممنهج للأطفال والنساء والشيوخ وتدمير كل مقومات الحياة والعالم ينظر إليهم ودمائهم تسفك على مستوى الساعة والدقيقة منذ ثلاثة أشهر، فأين حق النصرة من المسلمين لهولاء؟ أوليس لهم علينا حقاً ؟ أوليسوا مسلمين ؟ أوليسوا مظلومين في جميع المواثيق والمعاهدات الإنسانية والدولية؟ إنهم رغم الخذلان الذي يجدونه ، رغم ذلك فهم صامدون وصابرون ويدافعون عن دينهم وأرضهم وكرامتهم ويقاومون عدوهم بما يمتلكون من قوة ويسطرون أروع البطولات وأرغموا أنف هذا الجيش الصهيوني في التراب وأذلوه وأثخنوا فيه الجراح وقتلوا جنوده ودمروا آلياته وقاموا بما استطاعوا وما زالوا على ثغرة وفي رباط .
إن على المسلمين أن ينصروا إخوانهم أهل فلسطين وأهل غزة، دول وحكومات ومؤسسات وأفراد كلا بما يستطيع لآن هذا واجب ديني وإنساني، قال صلى الله عليه وسلم ( ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته". (رواه أحمد) .. وعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أُذِلّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذلّه الله على رؤوس الأشهاد يوم القيامة” (رواه أحمد بسند حسن)
فاللهم احفظ المسجد الأقصى وأرض فلسطين وجميع بلاد المسلمين, اللهم استعملنا في طاعتك وامنحنا الصبر والثبات على دينك .. اجعل لإخواننا في غزة وفلسطين من كل هماً فرجاً ومن كل ضيق مخرجا ومن كل عسر يسرا ومن كل بلاء عافية .. اللهم أنزل عليهم من الصبر والنصر والثبات واليقين أضعاف ما نزل بهم من البلء اللهم مكن لدينك وكتابك وعبادك الصالحين ، اللهم عليك باليهود المعتدين ومن ناصرهم، اللهم لا تحقق لهم غاية ولا ترفع لهم راية واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية .. يا قوي يا عزيز......هـــذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم أصلح أولادنا واجعلهم قرن أعين لنا في الدنيا والآخرة
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغاراً .
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
عباد الله: إنه لا يوجد ظلم في عصرنا الحديث تعرض له شعب كما تعرض له أهل فلسطين فقد هجروا وشردوا من أرضهم وأقيمت لهم آلالاف المجارز واستشهد منهم مئات الآلاف وحوصروا وسجنوا لسنوات طويلة، والآن حرب الإبادة الصهيونية في غزة والقتل الممنهج للأطفال والنساء والشيوخ وتدمير كل مقومات الحياة والعالم ينظر إليهم ودمائهم تسفك على مستوى الساعة والدقيقة منذ ثلاثة أشهر، فأين حق النصرة من المسلمين لهولاء؟ أوليس لهم علينا حقاً ؟ أوليسوا مسلمين ؟ أوليسوا مظلومين في جميع المواثيق والمعاهدات الإنسانية والدولية؟ إنهم رغم الخذلان الذي يجدونه ، رغم ذلك فهم صامدون وصابرون ويدافعون عن دينهم وأرضهم وكرامتهم ويقاومون عدوهم بما يمتلكون من قوة ويسطرون أروع البطولات وأرغموا أنف هذا الجيش الصهيوني في التراب وأذلوه وأثخنوا فيه الجراح وقتلوا جنوده ودمروا آلياته وقاموا بما استطاعوا وما زالوا على ثغرة وفي رباط .
إن على المسلمين أن ينصروا إخوانهم أهل فلسطين وأهل غزة، دول وحكومات ومؤسسات وأفراد كلا بما يستطيع لآن هذا واجب ديني وإنساني، قال صلى الله عليه وسلم ( ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته". (رواه أحمد) .. وعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أُذِلّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذلّه الله على رؤوس الأشهاد يوم القيامة” (رواه أحمد بسند حسن)
فاللهم احفظ المسجد الأقصى وأرض فلسطين وجميع بلاد المسلمين, اللهم استعملنا في طاعتك وامنحنا الصبر والثبات على دينك .. اجعل لإخواننا في غزة وفلسطين من كل هماً فرجاً ومن كل ضيق مخرجا ومن كل عسر يسرا ومن كل بلاء عافية .. اللهم أنزل عليهم من الصبر والنصر والثبات واليقين أضعاف ما نزل بهم من البلء اللهم مكن لدينك وكتابك وعبادك الصالحين ، اللهم عليك باليهود المعتدين ومن ناصرهم، اللهم لا تحقق لهم غاية ولا ترفع لهم راية واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية .. يا قوي يا عزيز......هـــذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم أصلح أولادنا واجعلهم قرن أعين لنا في الدنيا والآخرة
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغاراً .
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
المنافقون وأوقات الأمة الحرجة .. !!
الخطلة الأولى:
الحمد لله الذي أنزل كتابه الكريم هدى للمتقين، وعبرة للمعتبرين، ورحمة وموعظة للمؤمنين، ونبراساً للمهتدين، وشفاءً لما في صدور العالمين، أحمده تعالى على آلائه، وأشكره على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحيا بكتابه القلوب، وزكى به النفوس، هدى به من الضلالة، وذكر به من الغفلة، وأمر فيه بالتقوى ... فسبحان من يعلم السر والنجوى ويكشف الضر والبلوى ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن ترسم خطاه وسار على نهجه، ما تعاقب الجديدان، وتتابع النيران، وسلم تسليماً كثيراً أما بعد : -
أيها المؤمنون :بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة التاسعة الهجرية أن الروم تتجمع لحربه ولتهديد الدولة الإسلامية في ذلك الوقت، يريدون مبادرته بالحرب قبل أن يبادرهم؛ لكونه قد أذاقهم مرارة الهزيمة في غزوة مؤتة التي جلبوا لها مائتيْ ألف، ولم يتمكنوا من إبادة ثلاثة آلاف مقاتل؛ بل ولا هزيمتهم، عند ذلك أعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأول مرة عن مقصده، وأعلن التعبئة، ووضع الخطة، واستعد لإدارة صراع مرير مع الكفر والنفاق.
ونادى صلى الله عليه وسلم في المسلمين فتجهز أقوام وأبطأ آخرون، تجهز ثلاثون ألف مقاتل قد باعوا أنفسهم لله، وأعلنوا نصرة لا إله إلا الله و تساقط المنافقون، ومَن يرد الله فتنته فلن تجد له سبيلاً! ها هو أحد المنافقين يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- له: "هل لك في جلاد بني الأصفر؟!"، يعني الروم، فيقول: يا رسول الله: ائذن لي ولا تفتني؛ فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبًا بالنساء منِّي، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر.
فَرَّ من الموت وفي الموت وقع، أعرض عنه -صلى الله عليه وسلم- وعذَره، لكن الذي يعلم خائنة الأعين، والذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء فَضَحَهُ وأذلَّه وأنزل فيه قرآنًا يُتلى: (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) [التوبة:49].
ويأتي سبعة رجال مؤمنون صادقون، لكنهم فقراء لم يجدوا زادًا ولا راحلة، وعزّ عليهم التخلف، نياتهم صادقة لكن ليس هناك عدة، فأتَوْا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون: يا رسول الله: لا زاد ولا راحلة! ويبحث لهم -صلى الله عليه وسلم- عن زاد وراحلة فلا يجد ما يحملهم عليه؛ فرجعوا (وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) [التوبة: 92].
عباد الله: ها هي ثمار المدينة تدنو للحصاد، و الحر شديد، والمسافة إلى بعيدة والعدو مئات الآلاف مدججين بأقوى أنواع الأسلحة ويبتلي الله مَن يشاء مِن عباده: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ) [العنكبوت:2].
ويخرج -صلى الله عليه وسلم-، وقبل مسيره تقوم فرقةٌ للصَدِّ عن سبيل الله من أهل النفاق، تُثبِّط الناس وتزهّد في الجهاد-: يقولون لا تنفروا في الحَرِّ! تشكك في الحق، وترجف برسول الحق، ويتولى الحق -سبحانه- الرد: (وَقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) [التوبة:81].
وينتهي المسير بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى تبوك، ويقيم بضع عشرة ليلة حافلة بالأحداث المثيرة، ولما علم الروم بقوم جيش المسلمين ولوا هاربين فقد قذف الله الرعب في قلوبهم وكفى الله المؤمنين القتال.
عباد الله: إن الآيات التي أنزلها الله في كتابه المتعلقة بغزوة العسرة هي أطول ما نزل في قتال المسلمين وخصومهم، وقد بدأت باستنهاض الهمم لرد هجوم الروم ، وإشعارهم بأن الله لا يقبل ذرة تفريط في حماية دينه ونصرة نبيه، وإن التراجع أمام الصعوبات الحائلة دون قتال الروم، يعد مزلقة إلى الردة والنفاق، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ*إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) التوبة: 38، 39.
بل عاتب القرآن الكريم من تخلف عتابًا شديدًا، وتميزت غزوة تبوك عن سائر الغزوات بأن الله حث على الخروج فيها -وعاتب من تخلف عنها- والآيات الكريمة جاءت بذلك، كقوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) التوبة: 41.
الخطلة الأولى:
الحمد لله الذي أنزل كتابه الكريم هدى للمتقين، وعبرة للمعتبرين، ورحمة وموعظة للمؤمنين، ونبراساً للمهتدين، وشفاءً لما في صدور العالمين، أحمده تعالى على آلائه، وأشكره على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحيا بكتابه القلوب، وزكى به النفوس، هدى به من الضلالة، وذكر به من الغفلة، وأمر فيه بالتقوى ... فسبحان من يعلم السر والنجوى ويكشف الضر والبلوى ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن ترسم خطاه وسار على نهجه، ما تعاقب الجديدان، وتتابع النيران، وسلم تسليماً كثيراً أما بعد : -
أيها المؤمنون :بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة التاسعة الهجرية أن الروم تتجمع لحربه ولتهديد الدولة الإسلامية في ذلك الوقت، يريدون مبادرته بالحرب قبل أن يبادرهم؛ لكونه قد أذاقهم مرارة الهزيمة في غزوة مؤتة التي جلبوا لها مائتيْ ألف، ولم يتمكنوا من إبادة ثلاثة آلاف مقاتل؛ بل ولا هزيمتهم، عند ذلك أعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأول مرة عن مقصده، وأعلن التعبئة، ووضع الخطة، واستعد لإدارة صراع مرير مع الكفر والنفاق.
ونادى صلى الله عليه وسلم في المسلمين فتجهز أقوام وأبطأ آخرون، تجهز ثلاثون ألف مقاتل قد باعوا أنفسهم لله، وأعلنوا نصرة لا إله إلا الله و تساقط المنافقون، ومَن يرد الله فتنته فلن تجد له سبيلاً! ها هو أحد المنافقين يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- له: "هل لك في جلاد بني الأصفر؟!"، يعني الروم، فيقول: يا رسول الله: ائذن لي ولا تفتني؛ فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبًا بالنساء منِّي، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر.
فَرَّ من الموت وفي الموت وقع، أعرض عنه -صلى الله عليه وسلم- وعذَره، لكن الذي يعلم خائنة الأعين، والذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء فَضَحَهُ وأذلَّه وأنزل فيه قرآنًا يُتلى: (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) [التوبة:49].
ويأتي سبعة رجال مؤمنون صادقون، لكنهم فقراء لم يجدوا زادًا ولا راحلة، وعزّ عليهم التخلف، نياتهم صادقة لكن ليس هناك عدة، فأتَوْا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون: يا رسول الله: لا زاد ولا راحلة! ويبحث لهم -صلى الله عليه وسلم- عن زاد وراحلة فلا يجد ما يحملهم عليه؛ فرجعوا (وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) [التوبة: 92].
عباد الله: ها هي ثمار المدينة تدنو للحصاد، و الحر شديد، والمسافة إلى بعيدة والعدو مئات الآلاف مدججين بأقوى أنواع الأسلحة ويبتلي الله مَن يشاء مِن عباده: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ) [العنكبوت:2].
ويخرج -صلى الله عليه وسلم-، وقبل مسيره تقوم فرقةٌ للصَدِّ عن سبيل الله من أهل النفاق، تُثبِّط الناس وتزهّد في الجهاد-: يقولون لا تنفروا في الحَرِّ! تشكك في الحق، وترجف برسول الحق، ويتولى الحق -سبحانه- الرد: (وَقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) [التوبة:81].
وينتهي المسير بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى تبوك، ويقيم بضع عشرة ليلة حافلة بالأحداث المثيرة، ولما علم الروم بقوم جيش المسلمين ولوا هاربين فقد قذف الله الرعب في قلوبهم وكفى الله المؤمنين القتال.
عباد الله: إن الآيات التي أنزلها الله في كتابه المتعلقة بغزوة العسرة هي أطول ما نزل في قتال المسلمين وخصومهم، وقد بدأت باستنهاض الهمم لرد هجوم الروم ، وإشعارهم بأن الله لا يقبل ذرة تفريط في حماية دينه ونصرة نبيه، وإن التراجع أمام الصعوبات الحائلة دون قتال الروم، يعد مزلقة إلى الردة والنفاق، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ*إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) التوبة: 38، 39.
بل عاتب القرآن الكريم من تخلف عتابًا شديدًا، وتميزت غزوة تبوك عن سائر الغزوات بأن الله حث على الخروج فيها -وعاتب من تخلف عنها- والآيات الكريمة جاءت بذلك، كقوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) التوبة: 41.
أيها المؤمنون: من الدروس من غزوة تبوك أن الله تعالى كتب العزة والقوة لهذه الأمة متى صدقت وأخلصت؛ فها هي دولة الإسلام الناشئة تقف في وجه الكفر كله بقواه المادية فتهزمه وتنتصر عليه: (وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ).
ومن هذه الدروس: أنه ما تسلل العدو سابقًا ولاحقًا إلا من خلال الصفوف المنافقة، ولم يكن الضعف والتفرقة في هذه الأمة إلا من قِبَل أصحاب المسالك الملتوية: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [التوبة:47].
أن النفاق داء عضال، وانحراف خلقي خطير في حياة الأفراد، والمجتمعات، والأمم، فخطره عظيم، وشرور أهله كثيرة، وتبدو خطورته الكبيرة حينما نلاحظ آثاره المدمرة على الأمة كافة.
قال ابن القيم -رحمه الله- وهو يتحدث عن المنافقين وخطرهم على الدين والأمة: "فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه! وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه! وكم من عَلم له قد طمسوه! وكم من لواءٍ له مرفوع قد وضعوه! وكم ضربوا بمعاول الشُّبَهِ في أصول غراسه ليقلعوها! وكم عمّوا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها! فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية، ولا يزال يطرقه من شُبَهِهِم سريةٌ بعد سرية، ويزعمون أنهم بذلك مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون، ولكن لا يشعرون، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون". اهـ
إن النفاق اليوم له قيادة، وهذه القيادة تخطط وتنظم حركة أتباعه، ويغذونهم بالباطل والكفر والخيانة، والقرآن يسمي هذه القيادة بالشياطين: (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَـاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ) [البقرة:14].
وقد أثبت التاريخ يومًا بعد يوم أن نكبة الأمة بالمنافقين تسبق كل النكبات، وأن نكايتهم فيها وجنايتهم عليها تزيد على كل النكايات والجنايات، فالكفر الظاهر -على خطره وضرره- يعجز في كل مرة يواجه فيها أمة الإسلام، ولن يحرز نصرًا عليها في أي موطن ما لم يكن مسنودًا بطابور خامس من داخل أوطان المسلمين، يتسمى بأسماء المسلمين، يمد الأعداء بالعون، ويخلص لهم في النصيحة، ويزيل من أمامهم العقبات، ويفتح لهم الأبواب.
عباد الله: إن خطورة المنافقين تكمن في موالاة الكافرين ونصرتهم على المؤمنين، قال تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [النساء:138-139].
وأما عن مناصرة المنافقين لليهود فلهم في ذلك صولات وجولات، فقد سطرت كتب التاريخ مواقف غدر وخيانة لهم مع بني قينقاع وبني النضير، سجل القرآن أحداثها، يقول الله -عز وجل-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) [الحشر: 11-12].
ومن خطورتهم العمل على توهين المؤمنين وتخذيلهم: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً) [الأحزاب:12-13].
ومن ذلك تدبير المؤامرات ضد المسلمين، والمشاركة فيها، والتاريخ مليء بالحوادث التي تثبت تآمر المنافقين ضد أمة الإسلام، بل واقعنا اليوم يشهد بهذا، فما سقطت فلسطين واحتلت وتعرّض أبناؤها للقتل والاغتيالات والتشريد، وما دمّرت العراق وأفغانستان، وما حدثت المشاكل والحروب والقلاقل في بلاد المسلمين إلا كان للمنافقين الدور الأعظم في ذلك
وما طُعن في الدين وأحكامه، وما نشرت الرذيلة وطمست الفضيلة في مجتمع إلا كان للمنافقين الدور الأكبر في ذلك،
واليوم وما يحدث في غزة وفلسطين ظهر النفاق وأهله بصور ورايات ولافتات مختلفة، فحقيقة هؤلاء المنافقين تظهر جلية في أيام الأمة الحرجة فيظهر دورهم في التثبيط وتفخيم شأن العدو والتقليل من جهود المؤمنين المقاومين والتشكيك بجدوى المقاومة المتواضعة والطعن في النوايا وشق الصف وتمني ظهور العدو وقلب الحقائق وأحيانا الدعوة للوقوف على الحياد ومحاولة التوفيق بين الحق والباطل والغمز واللمز في المجاهدين وقتل الشعور لدى الناس بالمسؤولية تجاه أحداث الأمة العظيمة فيقولون ليست
ومن هذه الدروس: أنه ما تسلل العدو سابقًا ولاحقًا إلا من خلال الصفوف المنافقة، ولم يكن الضعف والتفرقة في هذه الأمة إلا من قِبَل أصحاب المسالك الملتوية: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [التوبة:47].
أن النفاق داء عضال، وانحراف خلقي خطير في حياة الأفراد، والمجتمعات، والأمم، فخطره عظيم، وشرور أهله كثيرة، وتبدو خطورته الكبيرة حينما نلاحظ آثاره المدمرة على الأمة كافة.
قال ابن القيم -رحمه الله- وهو يتحدث عن المنافقين وخطرهم على الدين والأمة: "فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه! وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه! وكم من عَلم له قد طمسوه! وكم من لواءٍ له مرفوع قد وضعوه! وكم ضربوا بمعاول الشُّبَهِ في أصول غراسه ليقلعوها! وكم عمّوا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها! فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية، ولا يزال يطرقه من شُبَهِهِم سريةٌ بعد سرية، ويزعمون أنهم بذلك مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون، ولكن لا يشعرون، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون". اهـ
إن النفاق اليوم له قيادة، وهذه القيادة تخطط وتنظم حركة أتباعه، ويغذونهم بالباطل والكفر والخيانة، والقرآن يسمي هذه القيادة بالشياطين: (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَـاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ) [البقرة:14].
وقد أثبت التاريخ يومًا بعد يوم أن نكبة الأمة بالمنافقين تسبق كل النكبات، وأن نكايتهم فيها وجنايتهم عليها تزيد على كل النكايات والجنايات، فالكفر الظاهر -على خطره وضرره- يعجز في كل مرة يواجه فيها أمة الإسلام، ولن يحرز نصرًا عليها في أي موطن ما لم يكن مسنودًا بطابور خامس من داخل أوطان المسلمين، يتسمى بأسماء المسلمين، يمد الأعداء بالعون، ويخلص لهم في النصيحة، ويزيل من أمامهم العقبات، ويفتح لهم الأبواب.
عباد الله: إن خطورة المنافقين تكمن في موالاة الكافرين ونصرتهم على المؤمنين، قال تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [النساء:138-139].
وأما عن مناصرة المنافقين لليهود فلهم في ذلك صولات وجولات، فقد سطرت كتب التاريخ مواقف غدر وخيانة لهم مع بني قينقاع وبني النضير، سجل القرآن أحداثها، يقول الله -عز وجل-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) [الحشر: 11-12].
ومن خطورتهم العمل على توهين المؤمنين وتخذيلهم: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً) [الأحزاب:12-13].
ومن ذلك تدبير المؤامرات ضد المسلمين، والمشاركة فيها، والتاريخ مليء بالحوادث التي تثبت تآمر المنافقين ضد أمة الإسلام، بل واقعنا اليوم يشهد بهذا، فما سقطت فلسطين واحتلت وتعرّض أبناؤها للقتل والاغتيالات والتشريد، وما دمّرت العراق وأفغانستان، وما حدثت المشاكل والحروب والقلاقل في بلاد المسلمين إلا كان للمنافقين الدور الأعظم في ذلك
وما طُعن في الدين وأحكامه، وما نشرت الرذيلة وطمست الفضيلة في مجتمع إلا كان للمنافقين الدور الأكبر في ذلك،
واليوم وما يحدث في غزة وفلسطين ظهر النفاق وأهله بصور ورايات ولافتات مختلفة، فحقيقة هؤلاء المنافقين تظهر جلية في أيام الأمة الحرجة فيظهر دورهم في التثبيط وتفخيم شأن العدو والتقليل من جهود المؤمنين المقاومين والتشكيك بجدوى المقاومة المتواضعة والطعن في النوايا وشق الصف وتمني ظهور العدو وقلب الحقائق وأحيانا الدعوة للوقوف على الحياد ومحاولة التوفيق بين الحق والباطل والغمز واللمز في المجاهدين وقتل الشعور لدى الناس بالمسؤولية تجاه أحداث الأمة العظيمة فيقولون ليست
قضيتي
ومن هذه الدروس فإن مواجهة الأعداء لا يشترط فيها تكافؤ القوى؛ يكفي المؤمنين أن يعدُّوا أنفسهم بما استطاعوا من قوة، ثم يثقوا بالله، ويتعلقوا به، ويثبتوا، ويصبروا، وعندها يكون لهم النصر، يقول عبدالله بن رواحة رضي الله عنه: "والله ما نقاتل الناس بعَدد ولا عُدد! ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي كرمنا الله به".
ومنها أن الحق لابد له من قوة تحرسه، لا يكفي حق بلا قوة! وما يحدث في غزة من همجية صهيونية وصمود بطولي لأبناء فلسطين بما يمتلكون من قوة وعتاد بسيط ومن صنع أيديهم؛ ليدل بكل وضوح على أن إعداد القوة مهما كانت واجب شرعي وهم يسطرون ملاحم بطولية في الثبات والجهاد وإثخان العدو الصهيوني الذي يلجأ بسبب هزيمته إلى قتل المدنيين والأطفال والنساء وتدمير البيوت وتفجير المساجد والمستشفيات ، ولكن الله غالب على أمره وناصر جنده، فاللهم أنت الناصر لدينك، والمعز لأوليائك؛ افتح لنا ولإخواننا في فلسطين وغزة وكل مكان فتحًا مبينًا، وانصرهم نصرًا عزيزًا، واجعل لهم من لدنك سلطانًا نصيرًا، اللهم ثبِّت أقدامهم، وزلزل أعداءهم، اللهم أدخل الرعب في قلوبهم أعدائهم، واستأصل شأفتهم، واقطع دابرهم، وأَبِدْ خضراءهم، واجعل تدبيرهم تدميرهم، وأورثنا أرضهم وديارهم وأموالهم، وكن لنا وليًّا، وبنا حفيًّا.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية: الحمدلله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد:
أيها المسلمون: يعود -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، بعد إرهاب أعداء الله من نصارى ويهود ومشركين، يعود في يوم بهيج، لتستقبله المدينة، لتستقبل نور بصرها -صلى الله عليه وسلم-، يخرج الأطفال في فرح ليصطفُّوا على مداخل المدينة، وعلى أفواه الطرقات، ليستقبلوا رسول البرية -صلى الله عليه وسلم-.
وهنا قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ بالمدينة رجالاً، ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا، ولا وَطَئِتُم موطئًا يغيظ الكفار، إلا كانوا معكم، حبسهم العذر". قالوا: يا رسول الله: وهم بالمدينة؟! قال: "نعم، وهم بالمدينة".
ومن هنا تظهر أهمية النية الخالصة الصادقة في نيل الأجر والثواب، ولو حمل كل مسلم هم الدين ونصرته ونصرة إخوانه وكان صادقًا لكان له أجر عظيم.
وهكذا انتصر المسلمون في تبوك على شهواتهم وأنفسهم، وبالتالي انتصروا على أعدائهم؛ (وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40]، هذه غزوة تبوك قائدها محمد -صلى الله عليه وسلم-، جنودها صحابته -رضوان الله عليهم-، عزّ فيها المؤمنون، وسقط المنافقون، وذل الكافرون.
ولنثق جميعًا بنصر الله وتمكينه بعد أن نقوم بما علينا تجاه ديننا وأمتنا، وأن نعد ما نستطيع من قوة نحفظ بها أعراضنا ودماءنا وأرضنا وبلادنا، ولْندرك خطورة المنافقين ودورهم في نكسات الأمة وتفريق صفها وتثبيط عزيمتها وتوهين قوتها، وأن نفضح ونحذر من مخططاتهم في كل البلاد، وأبشر وأملوا بالنصر والتمكين لهذه الأمة، وما النصر إلا من عند الله، فاللهم اجعل لأهل فلسطين النصرة والعزة والغلبة والقوة والهيبة ، اللهم انصر أهل فلسطين وثبت أقدامهم وسدد رميتهم واربط على قلوبهم وأمدهم بجنود من عندك/ اللهم عليك باليهود الغاصبين، اللهم لا ترفع لهم راية ولا تحقق لهم غاية واجعلهم لمن خلفهم من المجرمين والمنافقين والمطبعين عبرة وآية ، هـــذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
ومن هذه الدروس فإن مواجهة الأعداء لا يشترط فيها تكافؤ القوى؛ يكفي المؤمنين أن يعدُّوا أنفسهم بما استطاعوا من قوة، ثم يثقوا بالله، ويتعلقوا به، ويثبتوا، ويصبروا، وعندها يكون لهم النصر، يقول عبدالله بن رواحة رضي الله عنه: "والله ما نقاتل الناس بعَدد ولا عُدد! ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي كرمنا الله به".
ومنها أن الحق لابد له من قوة تحرسه، لا يكفي حق بلا قوة! وما يحدث في غزة من همجية صهيونية وصمود بطولي لأبناء فلسطين بما يمتلكون من قوة وعتاد بسيط ومن صنع أيديهم؛ ليدل بكل وضوح على أن إعداد القوة مهما كانت واجب شرعي وهم يسطرون ملاحم بطولية في الثبات والجهاد وإثخان العدو الصهيوني الذي يلجأ بسبب هزيمته إلى قتل المدنيين والأطفال والنساء وتدمير البيوت وتفجير المساجد والمستشفيات ، ولكن الله غالب على أمره وناصر جنده، فاللهم أنت الناصر لدينك، والمعز لأوليائك؛ افتح لنا ولإخواننا في فلسطين وغزة وكل مكان فتحًا مبينًا، وانصرهم نصرًا عزيزًا، واجعل لهم من لدنك سلطانًا نصيرًا، اللهم ثبِّت أقدامهم، وزلزل أعداءهم، اللهم أدخل الرعب في قلوبهم أعدائهم، واستأصل شأفتهم، واقطع دابرهم، وأَبِدْ خضراءهم، واجعل تدبيرهم تدميرهم، وأورثنا أرضهم وديارهم وأموالهم، وكن لنا وليًّا، وبنا حفيًّا.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية: الحمدلله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد:
أيها المسلمون: يعود -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، بعد إرهاب أعداء الله من نصارى ويهود ومشركين، يعود في يوم بهيج، لتستقبله المدينة، لتستقبل نور بصرها -صلى الله عليه وسلم-، يخرج الأطفال في فرح ليصطفُّوا على مداخل المدينة، وعلى أفواه الطرقات، ليستقبلوا رسول البرية -صلى الله عليه وسلم-.
وهنا قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ بالمدينة رجالاً، ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا، ولا وَطَئِتُم موطئًا يغيظ الكفار، إلا كانوا معكم، حبسهم العذر". قالوا: يا رسول الله: وهم بالمدينة؟! قال: "نعم، وهم بالمدينة".
ومن هنا تظهر أهمية النية الخالصة الصادقة في نيل الأجر والثواب، ولو حمل كل مسلم هم الدين ونصرته ونصرة إخوانه وكان صادقًا لكان له أجر عظيم.
وهكذا انتصر المسلمون في تبوك على شهواتهم وأنفسهم، وبالتالي انتصروا على أعدائهم؛ (وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40]، هذه غزوة تبوك قائدها محمد -صلى الله عليه وسلم-، جنودها صحابته -رضوان الله عليهم-، عزّ فيها المؤمنون، وسقط المنافقون، وذل الكافرون.
ولنثق جميعًا بنصر الله وتمكينه بعد أن نقوم بما علينا تجاه ديننا وأمتنا، وأن نعد ما نستطيع من قوة نحفظ بها أعراضنا ودماءنا وأرضنا وبلادنا، ولْندرك خطورة المنافقين ودورهم في نكسات الأمة وتفريق صفها وتثبيط عزيمتها وتوهين قوتها، وأن نفضح ونحذر من مخططاتهم في كل البلاد، وأبشر وأملوا بالنصر والتمكين لهذه الأمة، وما النصر إلا من عند الله، فاللهم اجعل لأهل فلسطين النصرة والعزة والغلبة والقوة والهيبة ، اللهم انصر أهل فلسطين وثبت أقدامهم وسدد رميتهم واربط على قلوبهم وأمدهم بجنود من عندك/ اللهم عليك باليهود الغاصبين، اللهم لا ترفع لهم راية ولا تحقق لهم غاية واجعلهم لمن خلفهم من المجرمين والمنافقين والمطبعين عبرة وآية ، هـــذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
كيف تكون أعبد الناس؟
الحمدُ لله العزيز الغفور الحليم الشّكور، يعلم خائنَة الأعين وما تخفي الصّدور، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره ... الملائكة من خشيتِه مشفِقون، والعباد من عظمته وجلون وكلّ من في السموات والأرض له قانتون .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يبعث من في القبور للوقوف بين يديه يوم النشور ، وأشهد أن نبينا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله، بعثه الله بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرًا أما بعــــــــــد : -
عبــــــــاد الله :- كم نحن بحاجة اليوم إلى ضبط سلوكنا وتصرفاتنا وأقوالنا لتستقيم على الحق والخير والصلاح خاصة ونحن في زمن رأينا فيه الجرأة على حدود الله وحرماته وارتكاب الكثير من المعاصي والذنوب والمجاهرة بفعل المنكر دون حياءٍ أو خجل حتى غدا الناس ينظرون في كثير من الأحيان إلى هذه الأفعال والأعمال والأقوال على أنها نوع من الشطارة والذكاء وحسن التصرف وأنها فريضة الوقت وشريعة الزمان .. شعارهم في ذلك إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب والغاية تبررها الوسيلة وهي صفات تنبئ عن الغدر والخداع والخيانة وضعف الثقة وتحين الفرص وقسوة القلب وذهاب القيم وغياب المعروف والأنانية وحب التسلط وغير ذلك من مساوئ الأخلاق .. فلا يسأل هذا الإنسان عن الحق أو الباطل ولا يتحرى الخير من الشرف ولا يفرق بين المصلحة والمفسدة .. لا يهمه ذلك في البيت أو في الوظيفة والسوق ومكان العمل .. لا يشعر بالحرج أو الخوف من الله أو بتأنيب الضمير .. ومن يبحث عن الأسباب التي أدت إلى ذلك يجد أن ضعف الإيمان بالله وتقواه ومخافته والغرور بالدنيا وميل النفس إلى شهواتها ولذاتها ونسيان الآخرة وذهاب خلق الورع من القلوب وضعفه في النفوس ..
أيها المسلمون: إذا ذهب خلق الورع واختفى من حياة الناس فسدت أحوالهم وساءت تصرفاتهم وإذا غاب الورع من حياتنا ساءت أخلاقنا فلا ترى إلا غشاً وخداعاً في المعاملات وظلماً وعدواناً وهضماً للحقوق والواجبات وتعدياً على الأعراض والنفوس والممتلكات لأن هذا الخلق يربي النفس على أداء الوجبات وترك المحرمات والبعد الشبهات خوفاً وتعبداً لرب الأرض والسموات الذي وصف عباده فقال ( إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) (المؤمنون: 57/61) .. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- (مجموع الفتاوى:10/512): "تمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيريْن، وشرّ الشرّيْن....فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية، والمفسدة الشرعية؛ فقد يدع الواجبات، ويفعل المحرمات، ويظن أن ذلك من الورع .. ) .. وها هو الحبيب صلى الله عليه وسلم يحض الأمة على الورع فيقول: «فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع» (صححه الألباني).. وعن عبد الله عن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمه»( رواه أحمد والحاكم عن ابن عمر وصححه الألباني في صحيح الجامع (873).. و كان صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على الورع حتى يكون خلقاً وسلوكاً يمارس في واقع الحياة وتظهر ثمرته على الفرد والمجتمع والأمة فقال صلى الله عليه وسلم ( يا أبا هريرة ! كن ورعا تكن من أعبد الناس ، وارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس ، وأحب للمسلمين والمؤمنين ما تحب لنفسك وأهل بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك تكن مؤمنا ، وجاور من جاورت بإحسان تكن مسلما ، وإياك وكثرة الضحك ؛ فإن كثرة الضحك فساد القلب ) (صحيح الجامع / 7833) .. ولأهمية الورع فقد تواصى به الصالحون فعن معاوية بن قرة: دخلت على الحسن البصري وهو متكئ على سريره، فقلت: يا أبا سعيد: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة في جوف الليل والناس نيام. قلت: فأي الصوم أفضل؟ قال: في يوم صائف. قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمناً. قلت: فما تقول في الورع؟ قال: ذاك رأس الأمر كله..
أيها المؤمنون / عبـاد الله :- إننا نحتاج أن نرى الورع واقعاً في سلوكنا في حفظ الأمانات وفي العمل والوظائف والبيع والشراء وفي حفظ جوارحنا وفي طعامنا وشرابنا وفي أخلاقنا وتعاملنا مع الناس من حولنا ... أننا نحتاج خلق الورع ليتزين به الرجال والشباب والنساء فتجد ذلك في أفعالهم وكلامهم وملبسهم ومطعمهم ... إننا بحاجة إلى خلق الورع لتقوى الروابط وتزيد الألفة بين أبناء المجتمع ..
الحمدُ لله العزيز الغفور الحليم الشّكور، يعلم خائنَة الأعين وما تخفي الصّدور، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره ... الملائكة من خشيتِه مشفِقون، والعباد من عظمته وجلون وكلّ من في السموات والأرض له قانتون .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يبعث من في القبور للوقوف بين يديه يوم النشور ، وأشهد أن نبينا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله، بعثه الله بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرًا أما بعــــــــــد : -
عبــــــــاد الله :- كم نحن بحاجة اليوم إلى ضبط سلوكنا وتصرفاتنا وأقوالنا لتستقيم على الحق والخير والصلاح خاصة ونحن في زمن رأينا فيه الجرأة على حدود الله وحرماته وارتكاب الكثير من المعاصي والذنوب والمجاهرة بفعل المنكر دون حياءٍ أو خجل حتى غدا الناس ينظرون في كثير من الأحيان إلى هذه الأفعال والأعمال والأقوال على أنها نوع من الشطارة والذكاء وحسن التصرف وأنها فريضة الوقت وشريعة الزمان .. شعارهم في ذلك إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب والغاية تبررها الوسيلة وهي صفات تنبئ عن الغدر والخداع والخيانة وضعف الثقة وتحين الفرص وقسوة القلب وذهاب القيم وغياب المعروف والأنانية وحب التسلط وغير ذلك من مساوئ الأخلاق .. فلا يسأل هذا الإنسان عن الحق أو الباطل ولا يتحرى الخير من الشرف ولا يفرق بين المصلحة والمفسدة .. لا يهمه ذلك في البيت أو في الوظيفة والسوق ومكان العمل .. لا يشعر بالحرج أو الخوف من الله أو بتأنيب الضمير .. ومن يبحث عن الأسباب التي أدت إلى ذلك يجد أن ضعف الإيمان بالله وتقواه ومخافته والغرور بالدنيا وميل النفس إلى شهواتها ولذاتها ونسيان الآخرة وذهاب خلق الورع من القلوب وضعفه في النفوس ..
أيها المسلمون: إذا ذهب خلق الورع واختفى من حياة الناس فسدت أحوالهم وساءت تصرفاتهم وإذا غاب الورع من حياتنا ساءت أخلاقنا فلا ترى إلا غشاً وخداعاً في المعاملات وظلماً وعدواناً وهضماً للحقوق والواجبات وتعدياً على الأعراض والنفوس والممتلكات لأن هذا الخلق يربي النفس على أداء الوجبات وترك المحرمات والبعد الشبهات خوفاً وتعبداً لرب الأرض والسموات الذي وصف عباده فقال ( إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) (المؤمنون: 57/61) .. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- (مجموع الفتاوى:10/512): "تمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيريْن، وشرّ الشرّيْن....فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية، والمفسدة الشرعية؛ فقد يدع الواجبات، ويفعل المحرمات، ويظن أن ذلك من الورع .. ) .. وها هو الحبيب صلى الله عليه وسلم يحض الأمة على الورع فيقول: «فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع» (صححه الألباني).. وعن عبد الله عن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمه»( رواه أحمد والحاكم عن ابن عمر وصححه الألباني في صحيح الجامع (873).. و كان صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على الورع حتى يكون خلقاً وسلوكاً يمارس في واقع الحياة وتظهر ثمرته على الفرد والمجتمع والأمة فقال صلى الله عليه وسلم ( يا أبا هريرة ! كن ورعا تكن من أعبد الناس ، وارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس ، وأحب للمسلمين والمؤمنين ما تحب لنفسك وأهل بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك تكن مؤمنا ، وجاور من جاورت بإحسان تكن مسلما ، وإياك وكثرة الضحك ؛ فإن كثرة الضحك فساد القلب ) (صحيح الجامع / 7833) .. ولأهمية الورع فقد تواصى به الصالحون فعن معاوية بن قرة: دخلت على الحسن البصري وهو متكئ على سريره، فقلت: يا أبا سعيد: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة في جوف الليل والناس نيام. قلت: فأي الصوم أفضل؟ قال: في يوم صائف. قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمناً. قلت: فما تقول في الورع؟ قال: ذاك رأس الأمر كله..
أيها المؤمنون / عبـاد الله :- إننا نحتاج أن نرى الورع واقعاً في سلوكنا في حفظ الأمانات وفي العمل والوظائف والبيع والشراء وفي حفظ جوارحنا وفي طعامنا وشرابنا وفي أخلاقنا وتعاملنا مع الناس من حولنا ... أننا نحتاج خلق الورع ليتزين به الرجال والشباب والنساء فتجد ذلك في أفعالهم وكلامهم وملبسهم ومطعمهم ... إننا بحاجة إلى خلق الورع لتقوى الروابط وتزيد الألفة بين أبناء المجتمع ..
إننا بحاجة إلى تربية نفوسنا على خلق الورع ليعيش المجتمع في أمن وأمان ولتحفظ الدماء والأموال والأعراض .. فاليوم هناك جرأة عجيبة على الدماء وإزهاق الأرواح ولم تعد المشكلة فيمن يباشر القتل و سفك الدماء فقط ، بل المشكلة الآن في الطابور العريض من أبناء المجتمع والأمة إما جهلاً أو تعصباً الذي يقف خلف القاتل حاشدين عشرات التأويلات والتخريجات لفعله ، مبررين جرما شهدت نصوص الكتاب والسنة ببشاعته والتحذير منه ، وما هذا إلا قلة في الورع عن التخوض في الدماء المحرمة ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يزال المسلم في فسحة من دينه مالم يصب دما حراما " (رواه البخاري ) ، ولو لم يكن إلا هذا الحديث لكفى في تنزيه الإنسان نفسه عن التخوض في الدماء ، والتبرؤ من كل عمل فيه فتك بمسلم يشهد ألا اله إلا الله وان محمد رسول الله ..! أو حتى ذمي يهودياً كان أو نصراني وهو في بلاد المسلمين طالما كان آمناً ومسالماً ومعاهداً .. عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً). (أخرجه البخاري) .. فكيف بمن يقتل مسلماً ومؤمناً دون وجه حق ؟ قال تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} ا(لنساء/93) .. أي شهوة وغاية وراء قتل المسلم لأخيه المسلم فهي والله ليست من أجل الدين ولا من أجل نصرة الإسلام والمسلمين ولا من أجل أعداء المسلمين ولكنها من أجل حظوظ النفس والطمع في السلطان والملك والتأويل الفاسد لتوجيهات الكتاب والسنة .. فأين الورع ومخافة الله ؟ اين الإستعداد للقاءه والوقوف بين يديه ؟ أين نحن من تقديم مصلحة البلاد والعباد على مصالح النفس والقبائل والمذاهب والأحزاب ؟ أين الصبر في ذات الله وابتغاء مرضاته والطمع فيما عنده ؟ ..
إن أبواب الجنة لا يطرقها إلا أصحاب الأخلاق العظيمة مهما كانت حاجتهم وكيفما كانت ظروفهم .. ضبط الورع سلوكهم ووجه أفعالهم رغم حاجتهم وفقرهم وكان بينهم وبين الحرام سداً منيعاً وحصناً مشيداً ..
عن عبدالله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله قالوا الله ورسوله أعلم قال أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء والمهاجرون الذين تسد بهم الثغور ويتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته ائتوهم فحيوهم فتقول الملائكة نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم قال إنهم كانوا عبادا يعبدوني لا يشركون بي شيئا وتسد بهم الثغور ويتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء قال فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب { سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } ( رواه أحمد 10/77 و إسناده صحيح ) .. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اشترى رجلٌ من رجل عقارًا، فوجد الذي اشترى العقار في عقاره جَرَّة فيها ذهب، فقال الذي اشترى العقار للبائع: خذ ذهبك، أنا اشتريت منك الأرض، ولم أشترِ الذهب؛ وقال الذي باع له الأرض: إنما بعتُك الأرض وما فيها؛ فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟! قال أحدُهما: نعم؛ وقال الآخر: لي جارية -أي بنت-؛ قال: أنكحا الغلام الجارية، وأنفقا على أنفسهما منه؛ فانصرفا".( البخاري ومسلم) .. إن من يقرأ هذا الحديث لا يدري بأيهما يعجب أكثر؛ من البائع، أم من المشتري، أم الحكم؟! فكل واحد منهم أشد عجبًا، أي خلق هذا الذي يضبط النفوس ويوجه السلوك ويولد القناعات!! إنه خلق الورع الذي به تزكو النفوس، وبه يرتقي العبد في مراتب الإيمان ودرجاته، وبه ينال العبد محبة الله ومحبة خلقه، وبه تعم السعادة حياة الأفراد والمجتمعات، وبه يعرف الحق من الباطل والخير من الشر والحلال من الحرام.
عبــــاد الله :- إننا بحاجة إلى خلق الورع حكاماً ومحكومين رجالاً ونساءاً .. فهو دين يعبد الله به وهو خلق يقود العبد إلى رضوان الله وجنته ، به يسعد الفرد والمجتمع ويأمن الخائف ويقوى الضعيف وتحفظ الحقوق وتقال كلمة الحق وينصر المظلوم وينتشر الخير والصلاح وبه يكون المرء حارساً على نفسه ويمنعها من الغواية والضلال .. هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأتيه غلامه بطعام وكان صائماً فأكل منه فقال له غلامه لم تسألني يا خلفة رسول الله من أين جئت بهذا الطعام كما كنت تسألني كل ليلة قال : ومن أين جئت به ؟ قال الغلام هذا مال كنت قد تكهنت به في الجاهليه لقومٍ فلم يعطوني مالي إلا اليوم ..
إن أبواب الجنة لا يطرقها إلا أصحاب الأخلاق العظيمة مهما كانت حاجتهم وكيفما كانت ظروفهم .. ضبط الورع سلوكهم ووجه أفعالهم رغم حاجتهم وفقرهم وكان بينهم وبين الحرام سداً منيعاً وحصناً مشيداً ..
عن عبدالله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله قالوا الله ورسوله أعلم قال أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء والمهاجرون الذين تسد بهم الثغور ويتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته ائتوهم فحيوهم فتقول الملائكة نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم قال إنهم كانوا عبادا يعبدوني لا يشركون بي شيئا وتسد بهم الثغور ويتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء قال فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب { سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } ( رواه أحمد 10/77 و إسناده صحيح ) .. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اشترى رجلٌ من رجل عقارًا، فوجد الذي اشترى العقار في عقاره جَرَّة فيها ذهب، فقال الذي اشترى العقار للبائع: خذ ذهبك، أنا اشتريت منك الأرض، ولم أشترِ الذهب؛ وقال الذي باع له الأرض: إنما بعتُك الأرض وما فيها؛ فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟! قال أحدُهما: نعم؛ وقال الآخر: لي جارية -أي بنت-؛ قال: أنكحا الغلام الجارية، وأنفقا على أنفسهما منه؛ فانصرفا".( البخاري ومسلم) .. إن من يقرأ هذا الحديث لا يدري بأيهما يعجب أكثر؛ من البائع، أم من المشتري، أم الحكم؟! فكل واحد منهم أشد عجبًا، أي خلق هذا الذي يضبط النفوس ويوجه السلوك ويولد القناعات!! إنه خلق الورع الذي به تزكو النفوس، وبه يرتقي العبد في مراتب الإيمان ودرجاته، وبه ينال العبد محبة الله ومحبة خلقه، وبه تعم السعادة حياة الأفراد والمجتمعات، وبه يعرف الحق من الباطل والخير من الشر والحلال من الحرام.
عبــــاد الله :- إننا بحاجة إلى خلق الورع حكاماً ومحكومين رجالاً ونساءاً .. فهو دين يعبد الله به وهو خلق يقود العبد إلى رضوان الله وجنته ، به يسعد الفرد والمجتمع ويأمن الخائف ويقوى الضعيف وتحفظ الحقوق وتقال كلمة الحق وينصر المظلوم وينتشر الخير والصلاح وبه يكون المرء حارساً على نفسه ويمنعها من الغواية والضلال .. هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأتيه غلامه بطعام وكان صائماً فأكل منه فقال له غلامه لم تسألني يا خلفة رسول الله من أين جئت بهذا الطعام كما كنت تسألني كل ليلة قال : ومن أين جئت به ؟ قال الغلام هذا مال كنت قد تكهنت به في الجاهليه لقومٍ فلم يعطوني مالي إلا اليوم ..
فقامت قيامته رضي الله عنه إذ كيف يدخل في جوفه طعاماً من حرام وأخذ يسأل كيف يخرج تلك اللقمة من جوفه ؟ فأدخل أبو بكر يده في حلقه، فجعل يتقيَّأ ذلك الطعام قالوا هون عليك يا خليفة رسول الله قال : والله لتخرجن هذه اللقمة أو لتخرجن نفسي ... و قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه مسك وعنبر من البحرين، فقال عمر: والله لوددت أني أجد امرأة حسنة، تزن لي هذا الطيب حتى أفرقه بين المسلمين .. فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: أنا جيدة الوزن، فهلم أزن لك .. قال: لا. قالت: ولم؟! قال: إني أخشى أن تأخذيه هكذا - وأدخل أصابعه في صدغيه - وتمسحين عنقك، فأصيب فضلاً عن المسلمين أي ورع هذا وأي عظمة هذه ؟ .. قال تعالى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) (النازعات 40-41) . جاءت أخت بشر الحافي، إلى الأمام أحمد بن حنبل و قالت : إنا نغزل على سطوحنا فتمر بنا مشاعل الظاهرية ( وهي أضواء بيت جيرانهم ) ، ويقع الشعاع علينا ، أيجوز لنا الغزل في شعاعها ؟ فقال أحمد : من أنت عافاك الله تعالى ؟ فقالت : أخت بشر الحافي : فبكى أحمد، وقال : من بيتكم يخرج الورع الصادق ، لا تغزلي في شعاعها... اللهم املأ قلوبَنا بتقواك، واجعلنا نخشَاك كأنّا نراك، وبارِك لنا في القرآن والسنّة، وانفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطــــبة الثانــية : - الحمد لله وكفى وسلاماً على عباده الذي اصطفى أما بعد:
أيها المؤمنون: إن المسلم لا يحتاج لمن يقول له هذا العمل حرام أو أن هذا العمل فيه أثمٌ أو فيه شبهة ففي قلبه وازع الورع والتقوى يهديه إلى الخير ويحذره من الشر وهذه نعمة من الله يجب يعمل العبد بمقتضاها .. فلا تخدع نفسك فتخسر دنياك وآخرتك عن النواس بن سمعان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس" (رواه مسلم) و يقول صلى الله عليه وسلم : (البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب, والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب وإن أفتاك المفتون )( صحيح الجامع: 2881) ..
عبــــــــاد الله :- لنحفظ الحقوق ونؤدي الواجبات ونربي أنفسنا على خلق الورع ونضبط سلوكنا وأفعالنا وأقوالنا على يحبه الله ويرضاه وعلينا أن نتذكر أننا إلى ربنا راجعون ولأعمالنا محاسبون ولندرك جميعاً أهمية الأخوة والتآلف وجمع الكلمة وتوحيد الجهود في بناء الأوطان .. اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً وخذ بأيدينا إلى كل خير يا أرحم الراحمين ، هـــذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغاراً .
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
الخطــــبة الثانــية : - الحمد لله وكفى وسلاماً على عباده الذي اصطفى أما بعد:
أيها المؤمنون: إن المسلم لا يحتاج لمن يقول له هذا العمل حرام أو أن هذا العمل فيه أثمٌ أو فيه شبهة ففي قلبه وازع الورع والتقوى يهديه إلى الخير ويحذره من الشر وهذه نعمة من الله يجب يعمل العبد بمقتضاها .. فلا تخدع نفسك فتخسر دنياك وآخرتك عن النواس بن سمعان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس" (رواه مسلم) و يقول صلى الله عليه وسلم : (البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب, والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب وإن أفتاك المفتون )( صحيح الجامع: 2881) ..
عبــــــــاد الله :- لنحفظ الحقوق ونؤدي الواجبات ونربي أنفسنا على خلق الورع ونضبط سلوكنا وأفعالنا وأقوالنا على يحبه الله ويرضاه وعلينا أن نتذكر أننا إلى ربنا راجعون ولأعمالنا محاسبون ولندرك جميعاً أهمية الأخوة والتآلف وجمع الكلمة وتوحيد الجهود في بناء الأوطان .. اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً وخذ بأيدينا إلى كل خير يا أرحم الراحمين ، هـــذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغاراً .
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.