Telegram Web
.
خطبة جمعة:
اسم الله المجيب وآثاره الإيمانية ..!!
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلوات ربي وسلامه عليه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))[آل عمران: 102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1] ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً))[الأحزاب: 70 و71]. أما بعد:
عباد الله: إن معرفة أسماء الله وأدراك حقيقة معناها يربي نفس المسلم على التواضع والانكسار لله سبحانه وتعالى فإذا عرفت عزته تعالى فاعرف ذلتك، وإذا عرفت قوته فاعرف ضعفك، وإذا عرفت ملكوته فاعرف فقرك، وإذا عرفت كماله فاعرف نقصك، وإذا عرفت كمال أوصافه وجمال أسمائه فاعرف كمال فقرك وافتقارك وذُلَّك وصغارك، فما أنت إلا عبد وقد أمرك أن تدعوه بأسمائه ؛ قال تعالى(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف: 180]
وإن من أسماء الله ؛ اسم "المجيب" وقد ورد في موضع واحد من القرآن الكريم ،وهو قوله تعالى 🙁 وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) [هود : 61] ؛ وورد بصيغة الجمع في قوله تعالى:( وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) [الصافات: 75].
واسم الله تعالى (المجيب) يدل على أنه سبحانه يسمع دعاء الداعين ،ويجيب سؤال السائلين ،ولا يخيّب مؤمنًا دعاه ،ولا يرد مسلمًا ناجاه .
قال الزجاج رحمه الله تعالى: « (المجيب): اسم الفاعل من أجاب يجيب فهو مجيب، فالله - عز وجل - مجيب دعاء عباده إذا دعوه، وقال أبو سليمان الخطابي: «هو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويغيث الملهوف إذا ناداه.
و اسم "المجيب"، كما يجيب اللهُ دعاءَ من يُحبُّ، فإنه قد يجيب دعاء مَن يُبغِض، ومَن ليس له عنده أي كرامة، فقد استجاب الله لإبليس دعوته حين طلب أن يُنظِرَه الله إلى يوم الوقت المعلوم:( قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) [الحجر: 36 - 38]، قال العلامة السعدي في تفسيره: "وليس لإجابة اللهِ لدعائه كرامة في حقه، وإنما ذلك امتحان وابتلاء من اللهِ له وللعباد".
و استجاب الله لفرعونِ هذه الأمة أبي جهل حين استفتح يوم بَدْرٍ فقال مقولته: "اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرِفُه، فأَحِنْه الغداة، اللهم أينا أحبُّ إليك، وأرضى عندك، فانصُرْه اليوم، وفي ذلك أنزَل الله تعالى: (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) [الأنفال: 19]
و استجاب اللهُ لقوم سبأ في سورةٍ سمَّاها باسمهم؛ وذلك حين أنعَم اللهُ عليهم بنِعَمِه العظيمة، وآلائه الجسيمة، فاستكثروا نِعَم الله، وقابَلوها بالجحود والنُّكران: ( فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ) [سبأ: 19].
ويستجيب سبحانه وتعالى مَن دعاه في حالة الاضطرار، مؤمن أو كافر؛ قال تعالى: ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ) [النمل: 62].
و قال تعالى: ( أَلَمْ تَرَ أَنّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللّهِ لِيُرِيَكُمْ مّنْ آيَاتِهِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّكُلّ صَبّارٍ شَكُورٍ * وَإِذَا غَشِيَهُمْ مّوْجٌ كَالظّلَلِ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرّ فَمِنْهُمْ مّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ ) [لقمان / 32]
قال ابن القيم:
وهو المجيب يقول من يدعو أجيبــــ *** ـــــــه أنا المجيب لكل من ناداني
وهو المجيب لدعوة المضطر إذ *** يدعوه في سر وفي إعلان.
هذا يدعوه في البر وذاك في البحر وآخر تحت الهدم ؛ وهذا يدعوه في الجبل ؛ وهذا يدعوه فوق الطائرة وهذا فوق السيارة وذاك يدعوه في المستشفى وآخر يدعوه في الصحراء ؛ الكل يدعوه ويسأله لأنه "المجيب" عن قدرة وكمال.
فسبحان من يجيب الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، فلا يشغله سمع عن سمع، ولا يتبرم بإلحاح الملحين في سؤاله، ولا ينقص ذلك من ملكه شيئاً وفي الحديث القدسي : (يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) (رواه مسلم )
عبـــاد الله : إن الله سبحانه وتعالى يحب أن يسأله العباد جميع مصالحهم الدينية والدنيوية .وقد ورد في السنة النبوية أحاديث عديدة في الترغيب بالدعاء ،وبيان أن الله تبارك وتعالى يجيب الداعين ويعطي السائلين ،وأنه جل وعلا حيي كريم ،أكرم من أن يرد من دعاه أو يخيّب من ناجاه ،أو يمنع من سأله؛ روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن سلمان الفارسي –رضي الله عنه –عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا).وفي حديث النزول الإلهي يقول صلى الله عليه وسلم : ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول :من يدعوني فأستجيب له،من يسألني فأعطيه ،من يستغفرني فأغفر له ) (متفق عليه).
لا تسألن بُنيَّ آدم حاجةً *** وسل الذي أبوابه لا تُحجبُ
الله يغضبُ إن تركت سؤاله *** و بُنَيَّ آدم حينَ يُسألُ يغضبُ
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ..
الخطبة الثانية : -
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهدٌ أن لا إله إلإ الله وحده لا شريك له، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرًا أما بعد
أيها المسلمون : إن التعلق بأسماء الله معرفة وحباً وتعظيماً يكسب العبد آثار إيمانية يانعة تجلب له السعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة فمن ذلك:
محبته سبحانه والأنس به، لأن الإيمان بإجابة الدعوة، وقرب المجيب يثمر المحبة والطمأنينة والأنس به سبحانه، وطلب العون منه وحده.
مجيب السائلين.. حملت ذنبي *** وسرت على الطريق إلى حماكا
ورحت أدق بابك مستجير *** ومعتذراً... ومنتظراً رضاكا
دعوتك يا مفرج كل كرب *** ولست ترد مكروباً دعاكا
وتبت إليك.. توبة من تراه *** غريقاً في الدموع.. ولا يراكا .
ومنها: قوة الرجاء في الله سبحانه، وعدم اليأس من رحمته، والتضرع بين يديه فهو قريب لمن ناجاه مجيب لمن دعاه، وهذا يثمر الأمل والرَّوح في القلب، ويزرع حسن الظن به سبحانه في قضاء الحاجات وتفريج الكربات، ويفتح باب الدعاء والتضرع من العبد لربه سبحانه، ويخلص القلب من شوائب الشرك والتعلق بالمخلوقين ممن يسمون بالأولياء الذين يتخذهم كثير من الناس شفعاء ووسطاء عند الله - عز وجل - كالحاجب بين يدي الملك، ولكن إذا أيقن العبد بقرب ربه سبحانه ورحمته دخل على ربه مباشرة وتضرع بين يديه وألقى حاجته إليه وحده؛ أما هؤلاء فلن يسمعوا ولن يستجيبوا ولا يملكون من أمرهم شيئاً ؛ قال تعالى: (إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) [قاطر14] ؛ فالمجيب في كل الأحوال والظروف ومن بيده الملك والملكوت هو الله سبحانه وتعالى ؛
اللهم استجب دعائنا وأصلح أحوالنا ؛
هـــذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ وانصر عبادك الموحدين، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات،
اللهم َأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبهم، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ واهدهم سواء السبيل، وردنا جميعاً إلى دينك رداً جميلاً،
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا والمؤمنين عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
.
خطبة جمعة:
سآوي إلى جبل يعصمني ... !!
الحمد للَّه رب الأرض ورب السماء خلق آدم وعلمه الأسماء و أسجـد له ملائكـتـه وأسـكـنـه الـجـنة دار البـقاء وجعل الدنيا لذريته دار عمل لا دار جزاء و تجلت رحمته بهم فتوالت الرسل و الأنبياء... نحمده تبارك و تعالى على النعماء و السراء...ونستعينه عـلى البأسـاء و الضـراء... ونعوذ بنور وجهه الكريم من جهد البلاء ودرك الشقاء وعضال الداء وشماتـة الأعداء..وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ليس له أنداد ولا أشباه ولا شركاء... وأشهد أن سيدنا محمدا خاتم الرسل والأنبياء و إمـام المـجـاهـديـن والأتـقيـاء ...سبـح الـحصـى في كـفـه بخـير الأسماء .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته الأجلاء وعلى السائرين على دربه و الداعين بدعوته إلى يوم اللقاء ما تعـاقب الصبح والمساء و مادام في الكون ظلمة وضياء .. أما بعـد :
عبـــــاد الله : - لقد خلق المولى سبحانه وتعالى الخلق في هذه الدنيا لعبادته وطاعته بما شرع وجعلها دار ابتلاء وتمحيص وبين فيها طريق الخير من الشر والحق من الباطل وأمر عباده بالإستقامة والصبر والثبات على الحق لأنهم سيواجهون فتن ومصائب وشهوات فقد جبلت هذه الحياة على ذلك ليكون التمايز بين الناس عند الله ويكون الأجر والثواب والحساب والعقاب على قدر قوة الإيمان به سبحانه والعمل الصالح الذي يبتغي به العبد رضا الله ويرجو به رحمته في كل الأحوال والظروف، في السراء والضراء وفي الشدة والرخاء وفي العسر واليسر .. ولم يترك المولى سبحانه وتعالى عباده يواجهون الفتن والمصائب والمحن دون قوة يستندون إليها أو يأوون إليها بل عرفهم بنفسه وبقدرته وقوته وحكمته وعدله وأثبت ذلك بإنزال الكتب وإرسال الرسل وبالمعجزات وبما جعله في هذا الكون الفسيح من آثار مخلوقاته وبديع صنعه .. قال تعالى (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الزمر:67) .. وقال تعالى (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (الحج: 5، 6).. وجميع الخلق فقراء إلى الله محتاجون إليه وهو غني عنهم قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)(فاطر:15).. ولا نجاة للعباد من فتن الدنيا وأحداث الزمان وتسلط العدو وشر النفوس إلا بالإعتصام بالله وحده واللجوء إليه وطلب المدد والعون منه سبحانه القائل:( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (آل عمران:101).. وقد أمر سبحانه عباده المؤمنين بذلك فقال ( وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:78).
من يتق الله يحمد فـى عواقبـه ... ويكفيه شر من عزوا ومن هانوا
من إستجار بغيـر الله فى جذع ... فـإن نـاصـره ذلٌ وخـذلانٌ
أشدد يديك بحبـل الله معتصمـاً ... فإنه الركـن إن خانتـك أركان.
أيها المؤمنون /عبـاد الله : - أمتنا اليوم تتعرض لفتن ومؤامرات وابتلاءات ومحن على مستوى الأفراد والمجتمع والدول ، حروب وصراعات وخلافات أهلكت الحرث والنسل ودمرت الأرض والإنسان وفتحت شهية العدو الحاقد المتربص ليوغل في عدوانه وابرام الخطط وتأجيج الصراعات بين المسلمين وتفكيك وحدتهم ونهب ثرواتهم وتعطيل حياتهم ، وربما حدث ذلك بسبب الذنوب والمعاصي والتقصير في واجباتنا تجاه ربنا وديننا وعلاقاتنا مع بعضنا البعض كمسلمين وعلاقاتنا مع غيرنا من أمم الأرض وهذا الأمر يستدعي مراجعة وتوبة صادقة وتصحيح أعمال وسلوكيات وتضرع بين يديه سبحانه ،قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:42-43).. ولكن قست قلوبهم .. واستمروا في طريق الغي والضلال والعناد وزين لهم الشيطان أعمالهم الشريرة وحدثت إنتكاسة في المفاهيم والقيم عند كثير من المسلمين وظنوا أن علاج مشاكلهم وكشف كرباتهم وسبيل نجاتهم ودفع الضر عنهم يكمن في القوة المادية التي يأوون إليها ، فهذا يأوي إلى قبيلته وهذا إلى حزبه وهذا إلى جماعته وهذا إلى قوته وماله وهذا إلى الغرب وهذا إلى الشرق وهذا إلى مجلس الأمن وعصبة الأمم .. حتى في ابسط الأمور والضائقة الإقتصادية التي نمر بها لا يخطر على بال الكثير بأن الرزاق هو الله وأن الرزق مثل الأجل وأنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها ..
قال تعالى (قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَـٰنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ قُلِ ٱللَّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ)(الأنعام:63، 64).. ركب يونس عليه السلام البحر، فساهم مع ركاب السفينة التي أشرقت على الغرق أيهم يلقى منها لتخفيف حمولتها فكان من المدحضين، فألقي في لجج البحار، وانقطع عنه النهار، والتقمه الحوت، فصار في ظلمات بعضها فوق بعض، فبمن اعتصم؟! لقد نادى في الظلمات: ( أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ) (الأنبياء:87)، فسمع الله نداءه وأجاب دعاءَه، فنجَّاه من الغم، وكذلك ينجِّي المؤمنين .. وهكذا لا يأتي فرج الله للعبد إلا بعد أن تنقطع من نفسه كل الأسباب المادية والدنيوية لتبقى قدرة الله وقوته ورحمته وحدها في نفس هذا العبد فيعتصم بها .. وانظروا إلى ابن نوحٍ عليه السلام قال تعالى عنه: ( وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ )(هود/42، 43) .. لقد ظن أن هذا الجبل رغم ارتفاعه الشاهق وحجمه الكبير سيكون سبباً لنجاته ولم يفكر بأن الله قادر على كل شيء فيعتصم به ويأوي إليه فخذله هذا الجبل ، وهكذا كل فرد أو جماعة او دولة غافل عن الله يظن أن الجبل الذي سيوفر له السعادة والأمن والنجاة هو الجبل المادي من مال أو قوة أو سلطان أو ذكاء أو منصب وأتباع او دول واسلحة ومتاع ولكن سيجد أن ذلك سراب فكل من يأوي إلى أحد غير الله فمصيره الخذلان ..
إن مسنا الضر أو ضاقت بنا الحيل ... فلن يخيـب لنا في ربنـا أمـلُ
الله في كل خطب حسبنا وكفـى ... إليـه نرفع شكوانـا ونبتهـلُ
من ذا نلوذ به في كشف كربتنـا ... ومن عليه سوى الرحمن نتكـلُ
فافزع إلى الله واقرع باب رحمتـه ... فهو الرجاء لمن أعيت به السبلُ
عبـــــاد الله : - لعل من أهم الأسباب التي تجعل العبد يأوي إلى غير الله ويعتمد على غيره هو الجهل بمقام الربوبية و الألوهية، فمن لم يعرف رب الناس، ملك الناس، إله الناس، وما له سبحانه من الأسماء الحسنى، والصفات العلا، لا يتصور منه أن يتوكل عليه جل جلاله .. من لم يعرف الله غنياً له ما في السموات وما في الأرض يحتاج إليه كل مخلوق، ولا يحتاج إلى أحد سبحانه . أخبر تعالى عن غناه في الحديث القدسي فقال: "يا عبادي؛ لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، اجتمعوا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته، ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر".. ومن لم يعرف الله قديراً، لا يحد قدرته حد، ولا يعجزها ضد: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) (يس: 82). تعمل قدرته تعالى من خلال الأسباب التي خلقها، وتعمل -إن شاء سبحانه- من غير الأسباب، آية لنبي، أو كرامة لولي، أو إعانة لمظلوم، أو تفضلاً على محروم: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وان يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير * وهو القاهر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير) (الأنعام: 17، 18).. و من لم يعرف الله جواداً كريماً، يده سحاء الليل والنهار، يرزق البر والفاجر، ويعطي المؤمن والكافر: (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق، وكان الإنسان قتوراً) (الإسراء: 100) .. ولم يعرف الله قهاراً أخذ الجبابرة العتاة، المتألهين في الأرض، أخذ عزيز مقتدر، فما كان لهم من فئة ينصرونهم من دون الله وما كانوا من المنتصرين. كما قال تعالى: (فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا، وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) (العنكبوت: 40).. وقال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ - أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ - أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ - أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) (الأعراف: 96 – 99) .. من لم يعرف الله تعالى بهذه الأسماء، والصفات وغيرها، لا ينتظر منه أن يجعل اعتماده عليه أو يعتصم به ..
لذا يجب تصحيح عقيدتنا بربنا وعلينا تقوية صلتنا به وأن نعتصم بحبله المتين وبدينه القويم ونتبع رسول الكريم صل الله عليه وسلم ونؤدي ما افترضه علينا من عبادات ونكثر من قراءة القرآن والدعاء ونبذل ما استطعنا من الأسباب المادية فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها .. قال تعالى( إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ فَأُولَئِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ المُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء:145 - 146) .. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم
قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطــبة الثانــية : - الحمدلله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد:
عبــــــــاد الله :- الاعتصام بالله عصمة للقلب، وملاذ للنفس، وطمأنينة للفؤاد، ولا أجمل ولا أكمل ولا أفضل ولا أحفظ ولا أسلم للمؤمن من الاعتصام بالواحد الأحد - جل وعلا.. فهل يُهْزم من اعتصم بجنابه؟ وهل يخاف من لجأ إلى محرابه؟ وهل يحرم من انطرح على أعتابه؟
إن الاعتصام به - جل وعلا - حفظ للمرء، وصيانة للنفس، وحماية للدين، وأمنٌ من المخاوف، وضمان من المخاطر، ونجاة من المهالك، ونصرة على الأعداء، وحرز من الشيطان .. ولنعلم جميعاً أن من أهم مقومات الاعتصام بالله والتوكل عليه واللجوء إليه هو الاعتصام بحبله المتين وهو الدين القويم والقرآن العظيم الذي فيه الخير والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة قال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (آل عمران 103) .. وثقوا بأن الله سبحانه وتعالى رحيم بعباده يدبر الأمور وفق مشيئته وإرادته فأحسنوا الظن به وتوكلوا عليه وأحسنوا العمل وأدوا ما أفترض عليكم وتآخوا فيما بينكم وأكثروا من الدعاء والتضرع بين يديه ... اللهم أصلح أحوالنا وأهد قلوبنا وألف ذات بيننا وأهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور برحمتك يا عزيز يا غفور .. اللهم اجعلنا ممن طابت نفوسهم وحسنت سريرتهم وصلحت علانيتهم .. اللهم جنبنا وجميع المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن واحقن دماء المسلمين في كل أرض ومكان واجعلنا من الراشدين هذا وصلوا وسلموا على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين برحمتك يا أرحم الراحمين
.
خطبة جمعة:
عندما تدفع عنك صنائعك .. !!
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً, وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً... اللهم لك الحمد خيراً مما نقول, وفوق ما نقول, ومثلما نقول, عزّ جاهك، وجلّ ثناؤك، وتقدست أسماؤك, ولا إله غيرك ولا معبودٌ بحق سواك الأرض أرضك والسماءُ سماؤك وما بنا من نعمة فمن فيض جودك وعطاؤك , والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين, من ربه أما بعـــد : -
عبــــــاد الله :- لقد جرت سنة الله تبارك وتعالى في البشر أن سخر بعضهم لبعض ، لا تتم لهم سعادة إلا بالتعاون والتواصل، ولا تستقر حياتهم إلا بالتعاطف والتراحم و المودة. يرفق القويُّ بالضعيف، ويُحسن المكثر على المقلِّ ويساعد القادر المحتاج ولا يكون الشقاء ولا يحيق البلاء إلا حين يفشو في الناس التقاطع والتدابر، والأنانية فلا يعرفون إلا أنفسهم، ولا يسارعون إلا لتلبية رغباتهم أما غيرهم فلا يعترفون لهم بحقوق ولا يقومون تجاههم بواجب ... إنه لعزيزٌ على النفس المؤمنة أن ترى مسكيناً أو محتاجاً أو مريضاً أو عاجزاً أو مصاباً أو منكوباً ثم لا تسارع إلى تقديم المعروف وبذل الجهد المستطاع لنفع الآخرين ذلك أن الله سبحانه وتعالى حين خلق المعروف خلق له أهلاً، فحبَّبه إليهم، وحبَّب إليهم إسداءه، قال تعالى:- { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} (الأنبياء/73) وقال تعالى:- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج:77) ..
ويوم أن نزل جبريل عليه السلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في غار حراء رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: (( زملوني زملوني )) فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة الخبر وقال: لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة وهي تبين له أن من يعمل المعروف ويقدم النفع للآخرين لا يمكن أن يخزيه الله أبدا: (كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب) .[البخاري ح4، مسلم ح160] .. وكان صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه وامته إلى بذل المعروف وتقديم النفع للآخرين وحتى يكون ما قدموه من خير ذخراٌ لهم في الدنيا والآخرة قال صلى الله عليه وسلم ( من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر في الدنيا ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ، ما كان العبد في عون أخيه (صحيح الترمذي للألباني/ 1930).
عبــــــاد الله :- إن بذل المعروف وتقديم النفع للآخرين يرفع درجة العبد عند الله ويدفع البلاء ويقي مصارع السوء فكم من عمل قام به المرء لا يلقي له بالاً دفع عنه مصائب وشرور لم تكن بالحسبان .. قال صلى الله عليه وسلم ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء و الصدقة خفيا تطفيء غضب الرب ، و صلة الرحم زيادة في العمر ، و كل معروف صدقة ، و أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة و أهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخره . . ) (الألباني صحيح الجامع / 3796 ) .. إن بذل المعروف وتقديمه سوى كان للمسلم أو للكافر .. للبر أو للفاجر .. للإنسان أو للحيوان يعتبر نوع من أنواع المعاملة مع الله قبل أن يكون مع خلقه لأنه سبحانه وتعالى أمر بذلك .. عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه له صدقة، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير فهو له صدقة ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة))[مسلم ح1552] وفي الحديث القدسي ( يقول الله يوم القيامة يا ابن آدم مرضت ولم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لودت ذلك عندي يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب وكيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي ) (مسلم/2569 عن أبي هريرة) ..
فكم نحن محتاجين إلى بذل المعروف وتقديمه للآخرين دون أن ننتظر منهم شكراً أو ثناءاً قال تعالى على لسان أهل المعروف من عباده ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ) (الإنسان/9) ..
كم يحتاج المرء في هذه الحياة إلى من يقف إلى جانبه ويشد من أزره ويجلب الطمأنينة إلى نفسه وهو يواجه تقلبات الدهر وفتن الزمان ومشاكل الحياة .. كم هو محتاج إلى من يدفع عنه وعن أهل بيته وعن مجتمعه المصائب والكوارث والأمراض ومصارع السوء والآفات والهلكات ولن يجد المرء بعد الله خير ولا أفضل من العمل الصالح والمعروف الذي يقدمه بين يدي الله فينفع مجتمعه وأمته والناس من حوله .. قال صلى الله عليه وسلم ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات .. وأهل المعروف في الدنيا .. هم أهل المعروف في الآخرة ) ( رواه الحاكم عن أنس .. وصححه الألباني في صحيح الجامع 3795) .. ذكر بن كثير عليه رحمة الله أن رجلاً من الصالحين من عرض له وزير من وزراء بني العباس- فحكم عليه بالسجن وبالتعذيب الجسدي، وذهب الوزير لينام قبل أن ينفذ هذا الحكم فكان الوزير يرى في منامه امرأة عجوز تشير أمامه بقطعة خبز تدافع بها عن هذا الرجل الصالح فيقوم من منامه خائفاً فزعاً واستمر الأمر ثلاثة أيام لم يذق طعم النوم فاستدعى الرجل وقال: أسألك بالله ! أن تصدقني .. بعدما حكمت عليك وأودعتك السجن وأردت أن أنفذ عليك العقوبة رأيت كأن عجوزاً تحول بيني وبينك برغيف وكأنك جالس هناك، قال: أما وقد سألتني فوالله ما نمت ليلة إلا وقرص خبز عند رأسي كانت تصنعه أمي وتجعله عند رأسي، فإذا أتى الصباح تصدقت به على مسكين ، فلما كبرت وحضر أمي الموت، قالت: يا بني! لا تترك الوصية، قلت: ماذا؟ قالت: هذا الرغيف لا تتركه أبداً، اصنع رغيفاً واجعله عند رأسك وأعطه المساكين، فإن الله يمنعك [فإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء ] قال: فوالله ما مرت عليَّ ليلة وأردت أن أنام إلا ووضعت هذا الرغيف عند رأسي قال الوزير: والله لا تمسك مني عقوبة أبداً، ثم عفا عنه ... بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ... قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ..
الخطــــبة الثانــية : - الحمدلله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
عبـــاد الله :- إن أبواب المعروف كثيرةٌ وحوائجُ الناس متنوعة: إطعامُ جائع وكِسوةُ عاري وعيادةُ مريض أوتعليمُ جاهل وإنظارُ معسر عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا: أعملت من الخير شيئاً؟ قال: لا. قالوا: تذكر ،قال: كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوزوا عن الموسر، قال: قال الله: عز وجل تجوزوا عنه)) وفي رواية عند مسلم ((فقال الله أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي )) [مسلم ح1560، البخاري ح2077].. وقد يكون المعروف أن تطردُ عن أخيك همًا أو تزيلُ عنه غمًا، أو تكفُل يتيمًا أو تشفع لمحتاج أو ترفع أذىً على الناس أو في طريقهم عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس)) [مسلم ح1914] وقد يكون المعروف بإصلاحك بين الناس فتحقن بهذا المعروف دمًا وترد به حقاً لأصحابه وتجبر به قلوباً وتدخل به سروراً على آخرين وقد يكون المعروف بأن تكف شرك عن الآخرين من حولك فلا تؤذي أحداُ بلسانك ولا بيدك ولا بقلمك فتلقى الله وهو غاضب عليك لسوء عملك ... ومن المعروف الذي يدفع الله به البلاء ويقي به مصارع السوء على الفرد والمجتمع نصرة المظلوم والأخذ على يدي الظالم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }(الأعراف 165) ثم اعلموا أن للمعروف خصال ثلاث: تعجيله، وتيسيره، وعدم المن به، فمن أخل بواحدة منها فقد بخس المعروف حقه، وأما من منعه وهو قادرٌ عليه فإن حسابه عند الله عسير قال تعالى (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون}[الماعون:4-7] {ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين }[المدثر:41-44] {ولا يحض على طعام المسكين فليس له اليوم ههنا حميم ولا طعام إلا من غسلين}[الحاقة:34-35] .. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم )) فذكر منهم ((ورجل منع فضل ماء فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك)) [البخاري ح2369]
عبــاد الله :- اتقوا الله رحمكم الله وأصلحوا ذات بينكم، وقدموا المعروف تفلحوا ولتكن النفوس سخية، والأيدي بالخير ندية، وادفعوا عن انفسكم البلاء والمصائب والشرور ببذل المعروف واستمسكوا بعرى الإيمان وقيم السماحة والأخوة وسارعوا إلى كل خير .... اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا غاية رغبتنا واجعل الحياة زيادة لنا من كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر برحمتك يا أرحم الراحمين ... هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56)اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
.
١-معايشة النصر والفرج..
٢-المداومة على العمل الصالح..
٣-المسارعة في الخيرات..
٤-الموعظة الحسنة..
٥-طلب العلم الشرعي..
٦-اللهم امنا في روعاتنا..
٧-اسم الله المجيب وآثارة..
٨-سآوي إلى جبل يعصمني..
٩-عندما تدفع عنك صنائعك..
خطبة جمعة:
إنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا.. !!

الخطبة الأولى:
الحمد لله المتفرد بالملك والخلق والتدبير، يعطي ويمنع وهو على كل شئ قدير، له الحكم وله الأمر وهو العليم الخبير، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه وهو اللطيف القدير .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها صادقا من قلبه من أهوال يوم عظيم ، يوم يقوم الناس لرب العالمين، واشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صاحب الشفاعة ، ولا يدخل الجنة إلا من أطاعه ، سيد الأولين ، والآخرين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين ، ومن سار على دربهم ، واقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعـــد :

عبــــــــــــــــاد الله : - لقد أراد الإسلام من أتباعه ومعتنقيه رجالاً ونساءاً صغاراً وكباراً أن يكونوا أصحاب عزة وشموخ وأن لا يرضوا بالخنوع والذل والضعف أو أن يكون أحدهم إمعة لا رأي له ولا هدف ولا غاية وذلك لأنهم عبيدٌ للقوي العزيز فمنه يستمدون العزة ولأنهم أتباع نبي عظيم صلى الله عليه وسلم أرسله ربه إلى الناس كافة و ختم به الرسالات ولأن منهجهم الإسلام فلا دين ولا قانون يعلو عليه وهو دين الله الذي ارتضاه لعباده قال تعالى ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون: من الآية8)
ومـمـا زادني شرفاً وتيها ** ًوكدتُ بأخمصي أطُأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي ** وأن صـيرت أحمد لي نبيا
والعزة تعني أن يستشعر المسلم عظمة الله وقوته وقدرته وسعة ملكه وسلطانه فيترفع ويبتعد عن مواطن الذل والمهانة فلا يخاف من أجله ولا يخشى على رزقه ولا يتنازل عن قيمه ومبادئه قال تعالى ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) (آل عمران:145) وقال تعالى ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (هود:6) هذا موسى عليه السلام لما قاس أمر مجابهة فرعون بمقاييس البشر، قال ( رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى ) (طه:45) فجاءه الأمان من الله، إن الله معك وأخيك وإن الله ناصرك، و مؤيدك وحافظك، قال لهما :( لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طه:46) ولما رأى موسى قوة وجبروت فرعون وجنوده، أصابه شيءٌ من الخوف أو التردد، فجاء لموسى من ربه:( لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ) (طه:68) كأنه يقول يا رب! هم ملايين وأنا واحدٌ، فيقول الله له: (( لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ) (طه: 68) يقول: يا رب! هم أقوياء وأنا ضعيف، فيقول الله له:( لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى )(طه:68) أنت الأعلى بإيمانك، وأنت الأعلى لأن الله معك ... و هكذا الإسلام يدعونا للعزة والكرامة وعدم الذل والخضوع والضعف قال تعالى ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:146) وقال تعالى ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً )(الفتح: من الآية29
عبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاد الله : - إن الدول والشعوب لتسعى جاهدة للوصول إلى أسباب عزتها ورفعتها بين الأمم بكل الوسائل والطرق لتحفظ حماها وتصون عرينها فتربي في نفوس أبناءها العزة والكبرياء إما بالقوة والسلاح وإما بالمال والثروات وإما بالتعليم والتخطيط والتصنيع والإنتاج وإما بالحفاظ حقوق الإنسان وصيانة كرامته وتوفير سبل الحياة الكريمة له، وما الصراع بين الدول في مجالات العلوم المختلفة وجوانب الحياة المتنوعة والحروب والنزاعات إلا دليلٌ واضحٌ على سعي كل أمة من الأمم إلى أن يكون لها الصدارة في كل شيء ... ومع ذلك فإن أي عزة تقوم على غير الإيمان بالله وإتباع شرعه وليس فيها سعادة الفرد في الدنيا والآخرة فهي عزةٌ واهية باطلة منقضية فانية متصدعة، وهي زائلة عما قليل، تحول وتزول وتنتهي، حتى وإن استمرت في بغيٍ وطغيان .. قال تعالى (،وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (الحج:31) وقال تعالى ( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (آل عمران:196-197) فمهما علت وتكبرت
وتجبرت فإنها لن تدوم ولن تبقى ومصيرها إلى الهلاك لأنها أممٌ قامت عزتها على الظلم والشرك والإفساد، والله لا يصلح عمل المفسدين وأعتزت بأموالها وقوتها وعددها وعدتها ولهذا لما تقرر عند قوم شعيب عليه السلام أن العزة إنما تكون بما لدى المرء أو قومه من قوة وأسباب دنيوية فقط، صحح لهم نبيهم –عليه السلام-هذا المفهوم وأرشدهم إلى مصدر العزة الحقيقي، قال الملأ كما أخبر الله _عز وجل_ عنهم:( قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) (هود:91) فهم يرون أنه في نفسه غير عزيز، ويرون أن الذي يعزه ويمنعه هم قومه، فقال لهم: " ( يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (هود:92) فماذا كانت نتيجة هذا التعنت والكبر قال تعالى ( وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) (هود:94) ...

فالعزة إذاً من الله وحده ولا تطلب لا منه قال تعالى: ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) (فاطر:10) " يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ : " من كان يحب أن يكون عزيزاً في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله ) يقول طاووس بن كيسان ـ وهو من تلاميذ ابن عباس رضي الله عنه, و من رواة البخاري ومسلم يقول: دخلت الحرم لأعتمر، قال: فلما أديت العمرة جلست عند المقام بعد أن صليت ركعتين، فالتفت إلى الناس وإلى البيت، فإذا بجلبة الناس والسلاح .. والسيوف .. والدرق .. والحراب .. والتفتت فإذا هو الحجاج بن يوسف، !! يقول طاووس: فرأيت الحراب فجلست مكاني، وبينما أنا جالس إذا برجل من أهل اليمن، فقير زاهد عابد، أقبل فطاف بالبيت ثم جاء ليصلي ركعتين، فتعلق ثوبه بحربة من حراب جنود الحجاج، فوقعت الحربة على الحجاج، فاستوقفه الحجاج، وقال له: من أنت؟ قال: مسلم. قال: من أين أنت؟ قال: من اليمن. قال: كيف أخي عندكم؟ وكان أخوه والياً على اليمن ... قال الرجل: تركته سمينًا بدينًا بطينًا! قال الحجاج: ما سألتك عن صحته، لكن عن عدله؟ قال: تركته غشومًا ظلومًا! قال: أما تدري أنه أخي! قال الرجل: فمن أنت؟ قال: أنا الحجاج بن يوسف. قال: أتظن أنه يعتز بك أكثر من اعتزازي بالله ؟! قال طاووس: فما بقيت في رأسي شعرة إلا قامت! قال: فأفلته الحجاج وتركه أي عزة هذه وأي عظمة هذه ينفثها الإيمان في روع المسلم وقلبه فتصغر في عينية الدنيا وفتنها ومغرياتها وقواها وابتلاءاتها .
أيها المؤمنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون : - أمتنا اليوم أحوج ما تكون إلى تربية أبناءها على العزة والكرامة وأن تحرر بنيها من ثقافة الرق والتبعية والضعف والخضوع وذلك بتربية النفوس على قيم الإيمان بالله وبرسوله وبكتابه وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيره وشره ثم بعد ذلك الأخذ بالأسباب المادية لتعمير الأرض وبناء الحياة وإخراج هذه البشرية من حياة التعاسة والشقاء التي تحياها اليوم .
وإن على وسائل التربية وميادينها المختلفة أن تقوم بواجبها إبتداءاً بالوالدين والمسجد والمدرسة والإعلام وغير ذلك لأن عزة الفرد ستكون مصدر عزة للأمة ... فما أحوجنا إلى الموظف العزيز في عمله فلا يغش ولا يرتشي لأنها مذلة في حقه وما أحوجنا إلى رب الأسرة العزيز في أخلاقه القدوة لأبناءه فلا يعرض نفسه لمواطن الذل والمهانة من أجل دينار أو درهم وما أحوجنا إلى المدير الذي يربي موظفيه على قول كلمة الحق وعدم السكوت على الأخطاء والتجاوزات مهما كانت الإغراءات وما أحوجنا إلى ذلك العالم الذي يعتز بما يحمله من ميراث النبوة من العلم فلا يرضى أن يكون تابعاً لغير الحق ...
هذا الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ يقول :
أنا إن عشت لست أعدم قوتا **و إن أنا مت لست أعدم قبرا
همتي همة الملوك و نفسي**نفس حر ترى المذلة كفرا
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو في أشد محنته يقول : (ما يصنع أعدائي بي ؟أنا جنتي وبستاني في صدري أينما اتجهت لا تفارقني ،أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة ،وإخراجي من بلدي سياحة ) .. يا للروعة إنها كلمات تضيء النفوس ،وتنبهر بها العقول، وتهتز لها القلوب ،وتغمر الكون بالصفاء والروحانية والثقة واليقين والعزة ... وما أحوجنا إلى تلك المرأة التي تعتز بدينها وأخلاقها وحجابها وسترها وعفافها مهما كانت الظروف ومهما كثر الضجيج وأنتشر الفساد وكثرت الملهيات والمغريات لكنها تبقى صامدة وثابتة بإيمان ويقين وعزة هدفها رضا الله ...
هذه آسية بنت مزاحم زوجة فرعون كانت ملكة عرشها ..على أسرةٍ ممهدة ، وفرشٍ منضدة ..بين خدم يخدمون .. وأهلٍ يكرمون لكنها كانت مؤمنة تكتم إيمانها..إنها آسية .. امرأة فرعون .. كانت في نعيم مقيم ..فلما رأت الذل والعبودية لغير الله ورأت قوافل الشهداء .. تتسابق إلى السماء .. اشتاقت لمجاورة ربّها .. وكرهت مجاورة فرعون ..دخل عليها زوجها فرعونَ يستعرض أمامها قواه .. فصاحت : الويل لك ! ما أجرأك على الله .. ثم أعلنت إيمانها بالله .. فغضب فرعون .. وأقسم لتذوقَن الموت .. أو لتكفرَن بالله ..ثم أمر فرعون بها فمدت بين يديه على لوحٍ .. وربطت يداها وقدماها في أوتاد من حديد.. وأمر بضربها فضربت ..حتى بدأت الدماء تسيل من جسدها .. واللحم ينسلخ عن عظامها ..فلما اشتدّ عليها العذاب وعاينت الموت رفعت بصرها إلى السماء وقالت : ( قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(التحريم: من الآية11) } ..وارتفعت دعوتها إلى السماء ..قال ابن كثير : فكشف الله لها عن بيتها في الجنة فتبسمت ثم ماتت) ..

ما أحوجنا اليوم إلى أمة يعتز الجميع فيها بربهم وبدينهم وعقيدتهم الحاكم والمحكوم الرجل والمرأة الضابط والجندي الفلاح والعامل الطالب والمعلم فتنشأ أمة لا ترضخ لطمع الطامعين ولا تذل لقوى المستعمرين فتحفظ أراضيها ومقدساتها وثرواتها .
لما نقض الروم الصلح مع المسلمين وعزلوا ملكتهم وملكوا عليهم نقفور تعرض للحجاج المسلمين وهم في طريقه إلى الحج وقتل بعضهم وكتب إلى هارون الرشيد يطلب منه رد ما دفعته إليه الملكة السابقة من أموال قائلاً له : وافدِ نفسك به و إلا فالسيف بيننا وبينك. فغضب هارون الرشيد غضباً شديداً وكتب على ظهر الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه لا ما تسمعه فسار بجيشه حتى أسره وألقاه في السجن ثم قتله بعد ذلك .
إذا شهدوا الوغى كانوا كماة ** يدكون المعاقل والحصونا
وإن جن المساء فلا تراهم **من الإشفاق إلا ساجدينا
شباب لم تحطمه الليالي ** ولم يسلم إلى الخصم العرينا
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبة الثانية : الحمد لله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد:
عبــــــــــــــاد الله : العزة لا تطلب إلا من الله بإيمان صادق وعبادة صحيحة وعمل صالح وثقة بوعد الله، وعندما تطلب من غير ذلك لن يكون إلا الخضوع والخنوع والذل والاستكانة، فالعزة الحقيقية لا تأتي بكثرة الأموال ولا بعدد الأتباع ولا بالمناصب ولا بقوة البدن ولا بالحسب والنسب ولا تأتي من رضا الأعداء وقبولهم والتنازل لهم وقد صور الله سبحانه وتعالى المنافقين وعلاقتهم مع الكافرين من يهود ونصارى وموالاتهم لهم سعياً للعزة فما وصلوا إلى العزة ولا تنعموا بها فقال تعالى ( الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (النساء:139) وقال تعالى ( وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ) (الحج:18)

أيها المؤمنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون : ومع كل هذه المؤمرات والدسائس على هذه الأمة ومحاولة تيئيس أبناءها وبث الهزيمة في نفوسهم إلا أنك ترى كثير من صور العزة والإباء ... ترى هذه العزة في أولئك الأبطال في فلسطين وصمودهم الأسطوري ودفاعهم عن أراضيهم وعن مقدسات المسلمين وما يحدث في غزة من حرب مدمرة وإبادة جماعية لم تستثني صغيراً ولا كبيراً ولا رجلاً ولا إمرأة ولا بيتاً ولا شارعاً ولا مستشفاً ولا مدرسة في مؤامرة يهودية غربية، مع هذا كله رأينا العزة والشموخ في أطفال غزة ونسائها ورجالها وأبطالها المقاومين الذي يلقنون العدو الضربات الموجعة في أفراده وآلياته متوكلين على الله مستمدين القوة منه بعد تركهم أو خذلهم أو سكت عن حقوقهم الكثير من المسلمين، وعجزت دول العرب والمسلمين بأموالها وجيوشها وقدراتها أن تدخل للمحاصرين في غزة شربة ماء أو علبة دواء إلا بموافقة الكيان الإسرائيلي.

لقد رأينا رجال ونساء وأطفال فلسطين كلها وغزة ، رأينا الرجل كبير السن والمرأة العجوز والمقعد على الكرسي المتحرك والمبتورة قدماء والمشلول، والطفل الذي ينضخ رأسه دماً، رأينا صبرهم وجلدهم ومعنوياتهم وإصرارهم وعزتهم بالله وحده، كيف لا يكون ذلك وعزتهم لم تطلب إلا من الله ، وكيف لا يكون ذلك وقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" رواه أحمد والطبراني.
وإن على المسلمين جميعاً مناصرتهم والوقوف بجانبهم ودعمهم بكل الوسائل مادياً وعنوياً وعسكرياً وتبنى قضيتهم إعلامياً وفي المحافل العالمية والمؤسسات الدولية وذلك أقل الواجب، فهم إخوة في الدين وأصحاب قضية حقه.

عباد الله : من اعتز بغير الله ذل ، ومن استعان بغيره خاب ، ومن توكل على غيره افتقر ، ومن أنس بسواه كان في عيشة موحشة ولو غمرته الاضواء وحفت به المواكب ، اللهم قلّ الناصر وخان الفاجر واستكبر الكافر وتمادى المنافق، اللهم فكن لأهلنا في القدس وغزة وفلسطين مؤيدا ونصيرا ومعينا وظهيرا، اللهم إنا نبرأ من الحول والقوة، إلا حول الله وقوته؛ فلا تردنا يا ربنا خائبين ولا محرومين من الإجابة؛ فكن بنا حفيا ولدعائنا مجيبا.
اللهم اجعل لإخواننا في غزة وفلسطين من كل هماً فرجاً ومن كل ضيق مخرجا ومن كل عسر يسرا ومن كل بلاء عافية .. اللهم أنزل عليهم من الصبر والنصر والثبات واليقين أضعاف ما نزل بهم من البلء اللهم مكن لدينك وكتابك وعبادك الصالحين ، اللهم عليك باليهود المعتدين ومن ناصرهم، اللهم لا تحقق لهم غاية ولا ترفع لهم راية واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية .. يا قوي يا عزيز......هـــذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم أصلح أولادنا واجعلهم قرن أعين لنا في الدنيا والآخرة
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغاراً .
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
.
سلسلة أثر الإيمان:
أثر الإيمان في حفظ الحقوق وأداء الأمانات

الخطبة الأولى:
الحمدُ لله العظيم الشأن ، الكبير السلطان ، خلق آدمَ من طين ثم قال له كن فكان ، أحسن كل شيء خَلْقه وأبدع الإحسان والإتقان ، أحمده سبحانه وحمدُه واجبٌ على كل إنسان ، وأشكره على ما أسداه من الإنعام والتوفيق للإيمان لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه .. أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، عالم
الغيوب مفرّج الكروب، مجيب دعوة المضطر المكروب،
سهرت أعينٌ ونامت عيـون *** في شئون تكون أو لا تكونُ
فاطرح الهـم مـا استطعت *** فحمـلانك الهمـوم جنـونُ
إن ربا كفاك ما كان بالأمس *** سيكفيـك فـي غدٍ ما يكونُ
، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كثير الخير دائم السلطان ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الآيات والبرهان ، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه حملة العلم والقرآن ، وسلم تسليما كثيراً أمَّا بَعْــد: -
عبــــاد الله : - ينقلنا صلى الله عليه وسلم إلى عصر من العصور الغابرة ليحدثنا عن قصة وقعت بين رجلين في ذلك الزمان فقال (( أن رجلاً فيمن قبلنا استدان من رجل ألف دينار, فقال له: من عنده الدنانير: أبغني كفيلاً, قال: كفى بالله كفيلاً, قال: أبغني شهيداً, قال: كفى بالله شهيداً, فأعطاه ألف دينار على أن يسددها بعد عام وقدر ذلك الشهر وذلك اليوم الذي يكون فيه السداد.. لما مضى العام الكامل وجاء اليوم الذي هو موعد السداد خرج ذلك الرجل بألف دينار ليجد مركباً لعله أن يوصله إلى صاحب الحق فيعطيه حقه في وقته, فما وجد سفينة يركبها, ما وجد مركبا بحريا يسير عليه, فلما انقضى ذلك اليوم وهو يراقب عسى مركب بحريا يوصله إلى مكان صاحب الحق, فأيس من ذلك, فأخذ خشبة ونجرها وجعل فيها الألف الدينار وصحيفة العقد وزجها وختمها وألقاها في البحر, وقال: اللهم إن فلان طلب مني كفيلاً فرضي بك كفيلاً, ورضي بك شهيداً, وهذا حقه فأسألك أن توصله إليه... قال: وخرج ذلك الرجل ( صاحب المال ) في ذلك اليوم يرتقب الموعد الذي وعده صاحبه, فما وجد أحداً جاء, وإنما رأى خشبة قد ألقيت على ساحل البحر, فأخذها من باب أنها حطب لأهله, فلما نشرها إذا الصحيفة والألف الدينار موجود فيها, فأخذ حقه ألف الدينار, وأخذ صحيفته, وحمد الله, وأثنى على صاحب الحق أنه أوصل حقه في يومه... و بعد أيام وجد الذي عليه الدين مركباً فسار عليه يريد صاحب المال يعطيه ماله يظن أن المبلغ الذي وضعه في تلك الخشبة لم يصل إلى صاحبه فلما وجده قال له: إني أعتذر فقد أخرت الوفاء فوالله ما وجدت مركباً أسير عليه، قال: ألم تبعث لي خشبة فيها ألف دينار وصحيفة، قال: يا أخي والله ما وجدت مركباً أسير عليه، قال: اعلم أن الله قد قضى عنك ما عليك, وأن تلك الخشبة التي ألقيتها في البحر ما زالت الريح بها حتى ألقتها على الساحل, فأخذتها وأخذت نصيبي, فارجع راشداً بما معك, فجزاك الله خيراً) أخرجه البخاري (2169)، من حديث أبي هريرة.]. هــذا هو الإيمان إذا وقر في القلوب صدقه العمل وقاد صاحبه إلى كل خير وحفظه من طمع النفوس وجشعها ومن غمط الحقوق وخيانة الأمانات وتضييعها.
أيها المؤمنون/عباد الله : - المسلم تربطه علاقات بمن حوله من الناس وعليه حقوق وواجبات نحوهم ومن أجل أن تكون هذه العلاقة نافعة ومثمرة وواضحة وحتى لا تضيع حقوق الآخرين أو يعتدى عليها شرع الإسلام ضوابط وسن قوانين وأحكام وأمر المسلم بصيانتها والحفاظ عليها والقيام بها من ذلك دعوة الإسلام أتباعه لأداء الحقوق وحفظ الأمانات قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)(النساء: من الآية58) وقال تعالى ( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)(البقرة: من الآية283) وقد أعد الله على أداء الحقوق وحفظ الأمانات أعظمَ الثواب فقال تعالى: وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ [المؤمنون:8-11] إن قيام المسلم بأداء الحقوق وحفظ الأمانات يعتبر ثمرة من ثمار الإيمان وأثر من آثاره في حياتنا فالمسلم يعتقد أنه محاسب بين يدي الله على كل عمل يقوم به من خير أو شر فلا يجوز له الاعتداء على حقوق الآخرين ولا ينبغي له أن يخون عهودهم ومواثيقهم معه قال صلى الله عليه وسلم : " لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له " [ حديث صحيح ، وإسناده جيد رواه الإمام أحمد والبيهقي ] .
2025/01/08 15:03:59
Back to Top
HTML Embed Code: