بعد قليل إن شاء الله البث القرآني الأسبوعي ضمن سلسلة التفسير والتدبر وموعدنا اليوم بإذن الله مع المجلس الثامن عشر من مجالس تدبر سورة آل عمران
❤4
الحلقة الصوتية 👆
رسول قد خلت من قبله الرسل..
المجلس الثامن عشر من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 140 إلي 148
#العودة_إلى_القرآن
رابط الحلقة على اليوتيوب 👇
https://youtu.be/P0ywkV6eeBM?si=kYEqHDJLmiwGgMXr
رسول قد خلت من قبله الرسل..
المجلس الثامن عشر من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 140 إلي 148
#العودة_إلى_القرآن
رابط الحلقة على اليوتيوب 👇
https://youtu.be/P0ywkV6eeBM?si=kYEqHDJLmiwGgMXr
YouTube
رسول قد خلت من قبله الرسل ll د. محمد علي يوسف ll سورة #آل_عمران 18 الآيات 140-148 #العودة_إلى_القرآن
رسول قد خلت من قبله الرسل..
المجلس الثامن عشر من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 140 إلي 148
#العودة_إلى_القرآن
المجلس الثامن عشر من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 140 إلي 148
#العودة_إلى_القرآن
❤4
لي أكثر من شهر متوقف عن سلسلة #قبل_أن_تتلو وذلك لإتمام مشاريع أخرى بفضل الله
وكنا قد وقفنا عن الفصل الثامن والنظرات الإجمالية لسورة الأنفال
اليوم أعاود النشر في إطارها من جديد بفضل الله وبركته
وإليكم الفصل التاسع منها وتدبرات إجمالية مع بعض التفصيل لقيمة السورة
سورة التوبة
أعلم قبل التعليق المعتاد أنه طويل جدا فهو فصل من كتاب يا أحباب فمن شاء أن يطالعه فليعلم هذا الوصف ليتفهم طبيعته وأسأل الله القبول والنفع
الفصل التاسع: سورة التوبة... حين يُرفع ستارُ البسملة وتُفضحُ السرائر
تُقلّب صفحات المصحف بقلبٍ يبحث عن سكينة..
عن مرفأٍ يرسو عليه في صخب الأيام.
تمرّ بالبقرة وآل عمران وقواعد التأسيس الكبرى للأمة، ثم تسبح في بحر معاني النساء الذي ينسج خيوط العدل والرحمة في بناء الأسرة والمجتمع. تنتقل بعدها للعقود مع الله في سورة المائدة ثم تستمر في تقليب الصفحات فتشعر بشيءٍ مختلف.
يدك ترتجف قليلاً، ثمة وقارٌ مهيبٌ يسبق الكلمات
إنها سورة الأنعام حيث تتدفق مشاعر تعظيم الله وجلاله إلى قلبك
ثم تنبهر بمعاني الحسم واتخاذ القرار المصيري في سورة الأعراف لتفاجأ بعد ذلك بنقلة نوعية إلى القرآن المدني حيث الغزوة الأولى - بدر - والتعليق عليها في سورة الأنفال
تشرع بعدها فيما بعد بدر متوقعا أن يسير الأمر كالمعتاد في كل سورة لكنك تفاجأ من جديد
سورة فريدة، تبدأ بشكل يختلف عن كل ما سبق وما يلي
يُرفع ستارُ الرحمة الظاهرة في البسملة.
هنا لا توجد "بسم الله الرحمن الرحيم" لتُفتتح بها الآيات
هنا... لن تجد تلك الافتتاحية المعهودة التي تُطمئن القلب وتُبارك البدايات.
تلك العبارة الحانية التي اعتدناها في كل سورة مستفتحين لن تجدها في سورة التوبة
سيبدأ الأمر مباشرة ليُكشف عن واقعٍ صارم
عن مواقف مفصلية
عن فضائح لا تحتمل التجميل أو المواربة. كأنها ساحة معركةٍ تُعلن فيها البراءة من المشركين، وتُكشف فيها سرائر المنافقين، وتُوضع فيها النفوس على محك الاختبار الأخير.
إن الخطب جلل والإعلان خطير ولا وقت لمقدمة هادئة أو تمهيد معتاد
هي سورةٌ تبدأ سريعة كريحٍ تفقد صبرها، كسماءٍ تُعلن حالة الطوارئ.
كل شيءٍ فيها يُحذّر، ويُعرّي ويكشف، مرسلا بلسان الحال رسالة لا يُخطئها سمع القلب مفادها: "قد جاء الوقت يا هذا... جاء الوقت لتُفتّش في قلبك، لا في الكتب".
هناك أيامٌ في رحلتنا مع كتاب الله، لا تشبه غيرها.
أيامٌ تشعر فيها بأن الكلمات ليست مجرد حروفٍ تُتلى، بل كأنها سياط تلهب ظهر الغفلة، أو مشرط جراحٍ دقيقٍ يشرّح خبايا النفس ويخرج ما استتر فيها من أدواء. ويومُ تلاوة سورة التوبة هو دائماً واحدٌ من تلك الأيام المختلفة بالنسبة لي.
ربما بدأ الأمر منذ سنوات، حين همس لي صديقٌ عزيزٌ بكلمةٍ عن هذه السورة، كلمةٌ بسيطة لكنها حفرت في وجداني أخدوداً عميقاً، وظلت تتردد في صدري كلما مررتُ بآياتها:
"سورة التوبة ليست فقط فاضحةً للمنافقين والمشركين والطاعنين في الدين...
سورة التوبة، يا صديقي، تفضح عيوبنا نحن أولا
تفضحنا أمام أنفسنا!".
كلماته تلك كانت بمثابة مفتاح لأبواب جديدة لفهم هذه السورة العظيمة
أبواب لم أكن أجرؤ على طرقها من قبل خوفاً من أن أرى ما لا يسرّني من نفسي وخشية أن أكتشف أن بعض تلك الأوصاف المخيفة قد تنطبق عليّ بشكلٍ أو بآخر.
منذ ذلك اليوم كلما شرعتُ في تلاوة سورة التوبة أخلع عن نفسي عباءة "القارئ المحايد" أو "المتأمل من بعيد".
لا أقرأها من موقع ذلك الساكن في برجٍ عاجيٍّ يتخيل نفسه في مأمن مما ورد فيها، و يظن نفسه في قد عُصم من فضائحها ويكتفي بمقعد المشاهد الذي يطالع فيلماً وثائقياً عن كائناتٍ غريبة انقرضت في عصورٍ سحيقة أو مخلوقات أسطورية من كوكب آخر..
أغادر ذلك المقعد المريح كلما برزت الكلمة الافتتاحية "براءة" وأحاول أن أجلس قلبي في موقع المتربص وألبسه ثوب روحٍ متأهبة
أقف أمام مرآتها الكاشفة، وأتعامل مع آياتها التي تتحدث عن صفات النفاق والتردد والقعود كأنها موجهةٌ إليّ أنا ابتداءً.
أقيس نفسي عليها..
أُفتش في زوايا روحي.. وفي دوافعي الخفية و أعذاري الواهية؛ عن أي أثرٍ لتلك الآفات التي فضحتها السورة بوضوحٍ لا يقبل التأويل
وبصراحةٍ لا تعرف المجاملة.
أُذكر نفسي في كل مرة أن هذه الآيات، وإن نزلت في أقوامٍ معينين ولأحداثٍ محددة، إلا أن معانيها تتجاوز الزمان والمكان وأنها تتحدث عن أمراض قلبية وسلوكية قد تُصيب أي إنسانٍ في أي عصر
عن انحرافاتٍ قد تتسلل إلى أي نفسٍ إذا لم تكن يقظةً ومُحصنةً بأسوار الإيمان والتقوى.
أذكر نفسي بكل ذلك بينما أستدعي أسماءها الكثيرة إلى ذهني
وما أكثر أسماءها
وكنا قد وقفنا عن الفصل الثامن والنظرات الإجمالية لسورة الأنفال
اليوم أعاود النشر في إطارها من جديد بفضل الله وبركته
وإليكم الفصل التاسع منها وتدبرات إجمالية مع بعض التفصيل لقيمة السورة
سورة التوبة
أعلم قبل التعليق المعتاد أنه طويل جدا فهو فصل من كتاب يا أحباب فمن شاء أن يطالعه فليعلم هذا الوصف ليتفهم طبيعته وأسأل الله القبول والنفع
الفصل التاسع: سورة التوبة... حين يُرفع ستارُ البسملة وتُفضحُ السرائر
تُقلّب صفحات المصحف بقلبٍ يبحث عن سكينة..
عن مرفأٍ يرسو عليه في صخب الأيام.
تمرّ بالبقرة وآل عمران وقواعد التأسيس الكبرى للأمة، ثم تسبح في بحر معاني النساء الذي ينسج خيوط العدل والرحمة في بناء الأسرة والمجتمع. تنتقل بعدها للعقود مع الله في سورة المائدة ثم تستمر في تقليب الصفحات فتشعر بشيءٍ مختلف.
يدك ترتجف قليلاً، ثمة وقارٌ مهيبٌ يسبق الكلمات
إنها سورة الأنعام حيث تتدفق مشاعر تعظيم الله وجلاله إلى قلبك
ثم تنبهر بمعاني الحسم واتخاذ القرار المصيري في سورة الأعراف لتفاجأ بعد ذلك بنقلة نوعية إلى القرآن المدني حيث الغزوة الأولى - بدر - والتعليق عليها في سورة الأنفال
تشرع بعدها فيما بعد بدر متوقعا أن يسير الأمر كالمعتاد في كل سورة لكنك تفاجأ من جديد
سورة فريدة، تبدأ بشكل يختلف عن كل ما سبق وما يلي
يُرفع ستارُ الرحمة الظاهرة في البسملة.
هنا لا توجد "بسم الله الرحمن الرحيم" لتُفتتح بها الآيات
هنا... لن تجد تلك الافتتاحية المعهودة التي تُطمئن القلب وتُبارك البدايات.
تلك العبارة الحانية التي اعتدناها في كل سورة مستفتحين لن تجدها في سورة التوبة
سيبدأ الأمر مباشرة ليُكشف عن واقعٍ صارم
عن مواقف مفصلية
عن فضائح لا تحتمل التجميل أو المواربة. كأنها ساحة معركةٍ تُعلن فيها البراءة من المشركين، وتُكشف فيها سرائر المنافقين، وتُوضع فيها النفوس على محك الاختبار الأخير.
إن الخطب جلل والإعلان خطير ولا وقت لمقدمة هادئة أو تمهيد معتاد
هي سورةٌ تبدأ سريعة كريحٍ تفقد صبرها، كسماءٍ تُعلن حالة الطوارئ.
كل شيءٍ فيها يُحذّر، ويُعرّي ويكشف، مرسلا بلسان الحال رسالة لا يُخطئها سمع القلب مفادها: "قد جاء الوقت يا هذا... جاء الوقت لتُفتّش في قلبك، لا في الكتب".
هناك أيامٌ في رحلتنا مع كتاب الله، لا تشبه غيرها.
أيامٌ تشعر فيها بأن الكلمات ليست مجرد حروفٍ تُتلى، بل كأنها سياط تلهب ظهر الغفلة، أو مشرط جراحٍ دقيقٍ يشرّح خبايا النفس ويخرج ما استتر فيها من أدواء. ويومُ تلاوة سورة التوبة هو دائماً واحدٌ من تلك الأيام المختلفة بالنسبة لي.
ربما بدأ الأمر منذ سنوات، حين همس لي صديقٌ عزيزٌ بكلمةٍ عن هذه السورة، كلمةٌ بسيطة لكنها حفرت في وجداني أخدوداً عميقاً، وظلت تتردد في صدري كلما مررتُ بآياتها:
"سورة التوبة ليست فقط فاضحةً للمنافقين والمشركين والطاعنين في الدين...
سورة التوبة، يا صديقي، تفضح عيوبنا نحن أولا
تفضحنا أمام أنفسنا!".
كلماته تلك كانت بمثابة مفتاح لأبواب جديدة لفهم هذه السورة العظيمة
أبواب لم أكن أجرؤ على طرقها من قبل خوفاً من أن أرى ما لا يسرّني من نفسي وخشية أن أكتشف أن بعض تلك الأوصاف المخيفة قد تنطبق عليّ بشكلٍ أو بآخر.
منذ ذلك اليوم كلما شرعتُ في تلاوة سورة التوبة أخلع عن نفسي عباءة "القارئ المحايد" أو "المتأمل من بعيد".
لا أقرأها من موقع ذلك الساكن في برجٍ عاجيٍّ يتخيل نفسه في مأمن مما ورد فيها، و يظن نفسه في قد عُصم من فضائحها ويكتفي بمقعد المشاهد الذي يطالع فيلماً وثائقياً عن كائناتٍ غريبة انقرضت في عصورٍ سحيقة أو مخلوقات أسطورية من كوكب آخر..
أغادر ذلك المقعد المريح كلما برزت الكلمة الافتتاحية "براءة" وأحاول أن أجلس قلبي في موقع المتربص وألبسه ثوب روحٍ متأهبة
أقف أمام مرآتها الكاشفة، وأتعامل مع آياتها التي تتحدث عن صفات النفاق والتردد والقعود كأنها موجهةٌ إليّ أنا ابتداءً.
أقيس نفسي عليها..
أُفتش في زوايا روحي.. وفي دوافعي الخفية و أعذاري الواهية؛ عن أي أثرٍ لتلك الآفات التي فضحتها السورة بوضوحٍ لا يقبل التأويل
وبصراحةٍ لا تعرف المجاملة.
أُذكر نفسي في كل مرة أن هذه الآيات، وإن نزلت في أقوامٍ معينين ولأحداثٍ محددة، إلا أن معانيها تتجاوز الزمان والمكان وأنها تتحدث عن أمراض قلبية وسلوكية قد تُصيب أي إنسانٍ في أي عصر
عن انحرافاتٍ قد تتسلل إلى أي نفسٍ إذا لم تكن يقظةً ومُحصنةً بأسوار الإيمان والتقوى.
أذكر نفسي بكل ذلك بينما أستدعي أسماءها الكثيرة إلى ذهني
وما أكثر أسماءها
❤2👍1
"التوبة" "براءة" "الفاضحة" "المقشقشة" "العذاب" "المخزية" "المبعثرة" "المشردة" "المثيرة" "الحافرة" "المنكلة" "المدمدمة" "المنقرة" "البحوث" "الناقضة" "الخالعة" "الكاشفة"
سبعة عشر اسما لسورة واحدة!
ليس عبثًا أن تتعدد الأسماء لأمرٍ واحد… بل هو تجلٍّ من تجليات العظمة والخصوصية.
تأمل في تراث العرب لتجد أسماء متعددة لما عظمه العرب واحترموه
عشرات الأسماء للسيف منها : السيف، المهند، البتّار، الحسام، اليماني، المُصمِت، المِخْذَم، الصرامة، الصمصام، الغمود، الذَّكَر، الذليل، الرفيع، القضيب، المُرهَف، الجراز، الهزيم، القطاع،
الأسد أيضا.. ذلك الحيوان المهيب.. له عند العرب عدد ضخم من الأسماء؛ الليث، الغَضنفر، الهِزبر، الضَّيغم، القَسورة، الرِّئبال، السّبُع، الدَّيْث، العبَوس، الوَرْهَاء، العَنُوق، الهيّاج، الهيثم، عِثار، قَطام، عِندال، غَطريف، ضرغام. الغضنفر، والضرغام، والهِزبر، والهُمَام.
هذه الأشياء ما كانت أدوات فقط ولا حيوانات ولكن رموز ومعاني
صور للقوة والشجاعة، ومواطن للفخر والرواية.
بعد الإسلام استمر الأمر فصار ما له مقام خاص تتعدد أسماؤه أيضا
تأمّل "الفاتحة"... كيف هي: أمّ الكتاب، والسبع المثاني، الشفاء، الرقية، الحمد، الصلاة، الأساس، الوافية، الكافية، الشافية، النور، الكنـز، السؤال.
كل اسم منها كما ترى يفتح بابًا من الرحمة والمعرفة...
يوم القيامة أيضا عد له العلماء ما يزيد عن خمسين اسما
الساعة، اليوم الآخر، يوم البعث، يوم الخروج، يوم الفصل، يوم الحساب، يوم الدين، يوم الوعيد، يوم الحسرة، يوم التناد، يوم الطامة، يوم الصاخة، يوم التغابن، يوم الجمع، يوم الخلود، يوم الندامة، يوم الآزفة، الواقعة، الحاقة، القارعة، الصيحة، الغاشية، يوم النشور، يوم العرض، يوم لا ريب فيه.
هكذا كلما كثرت الأسماء، دلّ ذلك على عظم شأن المسمّى، وعلوّ أثره في النفوس، وسَعة تجليه في التجربة الإنسانية.
إن تعدد الأسماء ليس ترفًا لغويًا، بل هو إشعارٌ بأن هذا الشيء لا يُحتوَى باسمٍ واحد، لأنه يسكن أكثر من زاوية، ويحيا في أكثر من مقام.
كل اسم يُلامس زاوية، وكل نعتٍ يكشف طبقةً من المعنى، كأنك ترى الكيان الواحد بعدسات متعدّدة، فتقع عينك كل مرة على وجهٍ جديد لم تره من قبل.
وهكذا كانت سورة التوبة
لكل اسم من أسمائها مدلول وأثر على النفس
"التوبة" اسمها الأشهر والوارد في المصاحف سأتحدث عنه بتفصيل لكن بعد الكلام عن ذلك الاسم الذي يهابه كل من يعرف السورة ويخشاه
"الفاضحة"..
وامتداده ومثله "الكاشفة" و "المخزية" و"المبعثرة" و "المشردة"
تلك الأسماء التي تحمل معنى ظهور الحقائق وإن كانت مؤلمة وتُجبرك على أن تنظر إلى حقيقة نفسك بلا أقنعة
أسماء في مجملها تعرض آفات المنافقين والمتخلفين ليس على مستوى الواقع ليحذر الناس من شرورهم ولكن على مستوى قلبك وسلوكك ولتتلمس حالك معها بصدقٍ وشجاعة.
ثم ترنو إلى ما يكمن فيه جمالها الأعظم وسرّ تسميتها الأخرى
إلى اسمها الذي يحمل الأمل والنجاة بعد كل هذا الفضح والكشف! ...
"التوبة"
عندئذ تُسارع إلى ذلك العلاج الرباني الشافي..
ذلك الباب المفتوح على مصراعيه الذي تطرحه السورة بإلحاحٍ عجيب حيث يتكرر لفظه عددا من المرات يساوي عدد أسمائها!
نعم... لفظ التوبة ومشتقاته يتكرر في السورة سبعة عشر مرة وكأنه طوق النجاة الوحيد للخلاص من أسر تلك الأمراض، بدلاً من أن نتركها تستتر في الظل وتنمو وتستفحل كسرطانٍ خبيثٍ ينهش الروح حتى يصعب اجتثاثها بعد حين.
لكن المرض الخبيث لا يمكن علاجه قبل الانتباه أصلا إلى وجوده
ومن هنا تأتي قيمة الكشف والفضح
قيمة تتمثل بتلك الكلمة المتكررة في السورة و تشبه في تكرارها ضربات مطرقةٍ على جدار الصمت الداخلي "وَمِنْهُمْ..."، "وَمِنْهُمْ..."، "وَمِنْهُمْ..."
تسمعها تتردد في ثنايا السورة،
في كل مرة، تُحاول نفسك الأمارة أن تُهدّيء من روعك: "أنا لست من هؤلاء... أنا بعيدٌ عن المنافقين، عن القاعدين، عن المتخاذلين..."
هنا أتذكر قول حبر الأمة، عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، حين سأله التابعي الجليل سعيد بن جبير عن سورة براءة، فقال بتلك العبارة التي تهزّ القلوب: "تلك الفاضحةُ، ما زال ينزل: ومنهم ومنهم حتى خفنا ألا تدع أحداً".
تأمل يا صديقي كلمة "خفنا"!
هذا هو الشعور الذي ينبغي أن يُصاحب تلاوة هذه السورة.
خافوا، وهم من هم في صحبتهم لرسول الله وجهادهم وسبقهم..
خافوا من أن يكونوا ممن عناهم القرآن بالنفاق!
ثم تأتيك آية أخرى أشد رهبة في السورة بلا حرجٍ ولا تأجيل:
"يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ".
سبعة عشر اسما لسورة واحدة!
ليس عبثًا أن تتعدد الأسماء لأمرٍ واحد… بل هو تجلٍّ من تجليات العظمة والخصوصية.
تأمل في تراث العرب لتجد أسماء متعددة لما عظمه العرب واحترموه
عشرات الأسماء للسيف منها : السيف، المهند، البتّار، الحسام، اليماني، المُصمِت، المِخْذَم، الصرامة، الصمصام، الغمود، الذَّكَر، الذليل، الرفيع، القضيب، المُرهَف، الجراز، الهزيم، القطاع،
الأسد أيضا.. ذلك الحيوان المهيب.. له عند العرب عدد ضخم من الأسماء؛ الليث، الغَضنفر، الهِزبر، الضَّيغم، القَسورة، الرِّئبال، السّبُع، الدَّيْث، العبَوس، الوَرْهَاء، العَنُوق، الهيّاج، الهيثم، عِثار، قَطام، عِندال، غَطريف، ضرغام. الغضنفر، والضرغام، والهِزبر، والهُمَام.
هذه الأشياء ما كانت أدوات فقط ولا حيوانات ولكن رموز ومعاني
صور للقوة والشجاعة، ومواطن للفخر والرواية.
بعد الإسلام استمر الأمر فصار ما له مقام خاص تتعدد أسماؤه أيضا
تأمّل "الفاتحة"... كيف هي: أمّ الكتاب، والسبع المثاني، الشفاء، الرقية، الحمد، الصلاة، الأساس، الوافية، الكافية، الشافية، النور، الكنـز، السؤال.
كل اسم منها كما ترى يفتح بابًا من الرحمة والمعرفة...
يوم القيامة أيضا عد له العلماء ما يزيد عن خمسين اسما
الساعة، اليوم الآخر، يوم البعث، يوم الخروج، يوم الفصل، يوم الحساب، يوم الدين، يوم الوعيد، يوم الحسرة، يوم التناد، يوم الطامة، يوم الصاخة، يوم التغابن، يوم الجمع، يوم الخلود، يوم الندامة، يوم الآزفة، الواقعة، الحاقة، القارعة، الصيحة، الغاشية، يوم النشور، يوم العرض، يوم لا ريب فيه.
هكذا كلما كثرت الأسماء، دلّ ذلك على عظم شأن المسمّى، وعلوّ أثره في النفوس، وسَعة تجليه في التجربة الإنسانية.
إن تعدد الأسماء ليس ترفًا لغويًا، بل هو إشعارٌ بأن هذا الشيء لا يُحتوَى باسمٍ واحد، لأنه يسكن أكثر من زاوية، ويحيا في أكثر من مقام.
كل اسم يُلامس زاوية، وكل نعتٍ يكشف طبقةً من المعنى، كأنك ترى الكيان الواحد بعدسات متعدّدة، فتقع عينك كل مرة على وجهٍ جديد لم تره من قبل.
وهكذا كانت سورة التوبة
لكل اسم من أسمائها مدلول وأثر على النفس
"التوبة" اسمها الأشهر والوارد في المصاحف سأتحدث عنه بتفصيل لكن بعد الكلام عن ذلك الاسم الذي يهابه كل من يعرف السورة ويخشاه
"الفاضحة"..
وامتداده ومثله "الكاشفة" و "المخزية" و"المبعثرة" و "المشردة"
تلك الأسماء التي تحمل معنى ظهور الحقائق وإن كانت مؤلمة وتُجبرك على أن تنظر إلى حقيقة نفسك بلا أقنعة
أسماء في مجملها تعرض آفات المنافقين والمتخلفين ليس على مستوى الواقع ليحذر الناس من شرورهم ولكن على مستوى قلبك وسلوكك ولتتلمس حالك معها بصدقٍ وشجاعة.
ثم ترنو إلى ما يكمن فيه جمالها الأعظم وسرّ تسميتها الأخرى
إلى اسمها الذي يحمل الأمل والنجاة بعد كل هذا الفضح والكشف! ...
"التوبة"
عندئذ تُسارع إلى ذلك العلاج الرباني الشافي..
ذلك الباب المفتوح على مصراعيه الذي تطرحه السورة بإلحاحٍ عجيب حيث يتكرر لفظه عددا من المرات يساوي عدد أسمائها!
نعم... لفظ التوبة ومشتقاته يتكرر في السورة سبعة عشر مرة وكأنه طوق النجاة الوحيد للخلاص من أسر تلك الأمراض، بدلاً من أن نتركها تستتر في الظل وتنمو وتستفحل كسرطانٍ خبيثٍ ينهش الروح حتى يصعب اجتثاثها بعد حين.
لكن المرض الخبيث لا يمكن علاجه قبل الانتباه أصلا إلى وجوده
ومن هنا تأتي قيمة الكشف والفضح
قيمة تتمثل بتلك الكلمة المتكررة في السورة و تشبه في تكرارها ضربات مطرقةٍ على جدار الصمت الداخلي "وَمِنْهُمْ..."، "وَمِنْهُمْ..."، "وَمِنْهُمْ..."
تسمعها تتردد في ثنايا السورة،
في كل مرة، تُحاول نفسك الأمارة أن تُهدّيء من روعك: "أنا لست من هؤلاء... أنا بعيدٌ عن المنافقين، عن القاعدين، عن المتخاذلين..."
هنا أتذكر قول حبر الأمة، عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، حين سأله التابعي الجليل سعيد بن جبير عن سورة براءة، فقال بتلك العبارة التي تهزّ القلوب: "تلك الفاضحةُ، ما زال ينزل: ومنهم ومنهم حتى خفنا ألا تدع أحداً".
تأمل يا صديقي كلمة "خفنا"!
هذا هو الشعور الذي ينبغي أن يُصاحب تلاوة هذه السورة.
خافوا، وهم من هم في صحبتهم لرسول الله وجهادهم وسبقهم..
خافوا من أن يكونوا ممن عناهم القرآن بالنفاق!
ثم تأتيك آية أخرى أشد رهبة في السورة بلا حرجٍ ولا تأجيل:
"يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ".
❤2👍1
يا إلهي! كانوا يحذرون أن تُنزل سورة تفضح ما في قلوبهم، والله يُخبرهم بأنه مُخرجٌ ما يحذرون!
فكيف لا أحذر أنا، وأنا أقرأ هذه "الفاضحة"
أن تُخرج ما في قلبي من خبايا قد لا أُحب أن تُكشف؟
وهنا أجدني أهمس لنفسي بسؤالٍ مُقلق، سؤالٍ يشبه وخزة ضميرٍ مؤلمة: "ترى.. . هل أنا منهم؟
هل فيّ شيءٌ من صفات هؤلاء الذين تُشير إليهم أصابع الاتهام في السورة ؟.
إذا كان الفاروق عمر نفسه، ذلك الجبل الأشمّ الذي كان الشيطان يفرّ من ظله، كان يسأل سيدنا حذيفة بن اليمان، كاتم سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسماء المنافقين، يسأله بقلبٍ يرتجف، بصوتٍ قد يكون متهدجاً من فرط الخشية: يا حذيفة، أُنشدك الله، هل سماني لك رسول الله (يعني في المنافقين)؟
فلما طمأنه حذيفة بأنه ليس منهم، جادت عينا عمر بالدموع!
بكى فرحاً ونجاةً من هذه التهمة المروعة، بكاءَ طفلٍ صغير وجد أمه بعد ضياع.
فما بالك بي؟ وبك؟
لم يكن سؤال سيدنا عمر مجرد استفسارٍ عابر، أو أداء واجبٍ متكلف، بل كان هماً حقيقياً..
خوفاً صادقاً، نفثته دموعه التي بللت لحيته الشريفة.
يحدث هذا للفاروق، صاحب رسول الله ووزيره، فكيف بنا نحن اليوم، ونحن نرى الكثيرين يأمنون تمام الأمن من هذه الآفة، وكأن بينهم وبين النفاق حجاباً مستوراً وحصناً منيعاً، وكأنهم مُحصنون بلقاحٍ خارق ضد هذا الداء الخفي!
بينما كان الأولى أن يخشونه كما خشي الأولون
كان حذيفة رضي الله عنه، وهو الخبير بأحوال النفاق والمنافقين، يقول تلك الكلمة التي تُوقظ القلوب:
"إن كان الرجل منكم ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصير بها منافقاً، وإني لأسمعها اليوم من أحدكم عشر مرات!".
كأنه يغرس في قلوبنا تلك الخشية التي لا ينبغي أن يخلو منها قلب مؤمن: خشية النفاق.
وقد قيل بحق: "النفاق... لا يخافه إلا مؤمن، ولا يأمنه إلا منافق".
وحين قال رجلٌ لحذيفة: "إني أخاف أن أكون منافقاً"، ردّ عليه حذيفة بتلك الكلمة الجامعة التي تُريح القلوب الخائفة: "المنافق لا يخاف".
(أي لا يخاف أن يكون منافقاً).
"أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخشى النفاق على نفسه، لا يقولن أحدهم إنه على إيمان جبريل وميكائيل!".
هكذا كان يقول التابعي ابن أبي مليكة واصفا حال من أدرك من الصحابة رضي الله عنهم
كلهم يخشون النفاق!
يا لها من شهادةٍ...
كانوا يخشونه لأنهم أدركوا حقيقته الخفية، وطبيعته المتسللة، وقدرته على أن يُصيب القلب وهو لا يشعر، كمرضٍ خبيثٍ لا تظهر أعراضه إلا بعد فوات الأوان، إن ظهرت أصلاً وشعر المنافق بأنه منافق!
إن المنافقين كما يصفهم القرآن في مواضع أخرى، يكذبون ويُخادعون حتى تتشرب قلوبهم الكذب، وحتى يكادوا أن يُصدّقوا أكاذيبهم، فلا يشعرون بمصيبتهم ولا يُدركون حقيقة خديعتهم لأنفسهم قبل غيرهم.
تأمل هذا الوصف الدقيق لحالهم في سورة البقرة: "{وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}" [البقرة: 9]
"{أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ}" [البقرة: 12]
"{أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ}" [البقرة: 13].
تأمل.. "وما يشعرون"، "ولكن لا يشعرون"، "ولكن لا يعلمون"..
غفلةمطبقة و عمى بصيرة مظلم يُصيب من استمرأ الكذب والخداع!
وإن الشعور بالمشكلة ابتداءً هو نعمةٌ عظيمة، وهو أول خطوةٍ في طريق العلاج.
وهذا ما تفعله الفاضحة الكاشفة!
لذلك فحين نتلو آيات النفاق في سورة التوبة أو غيرها، لا ينبغي أن نتعامل معها كمعلوماتٍ تاريخية عن فئةٍ بائدة، أو كقصصٍ أسطورية لا تمتّ لواقعنا بصلة.
بل يجب أن نتعامل مع تفصيل هذا المرض وأعراضه بمنطق الإنسان الحريص على صحته، الذي يقرأ عن أعراض الداء ليحذر منه، ويسعى بصدقٍ للوقاية، أو للعلاج العاجل إن أصابه شيءٌ منه.
هكذا كان يفعل الصحابة الكرام، وهكذا ينبغي أن نكون.
وإن "الفاضحة" لا تكتفي بفضح النفاق القلبي المتسلل، بل تمتد لتُشرّح وتفضح أشكالاً أخرى من التقصير والخذلان الذي قد يُصيب الأمة وأفرادها، كأنها تُريد أن تكشف وتُطهر المجتمع المسلم من كل درنٍ أو مرضٍ قد يُضعفه ويُوهنه:
فهي تفضح ذلك "القعود" المشين عن نصرة الدين، وذلك "التثاقل" المخزي إلى الأرض حين يُدعى المؤمنون إلى النفير في سبيل الله.
تفضحه بسؤالٍ يقرع أسماع متدبر ويُوقظ فيه كل معاني الحياء من الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة: 38]. هو فضحٌ لتعلق القلوب بالدنيا وإيثار الراحة العاجلة والدعة المذمومة على النعيم الباقي والجهاد في سبيل الله.
فكيف لا أحذر أنا، وأنا أقرأ هذه "الفاضحة"
أن تُخرج ما في قلبي من خبايا قد لا أُحب أن تُكشف؟
وهنا أجدني أهمس لنفسي بسؤالٍ مُقلق، سؤالٍ يشبه وخزة ضميرٍ مؤلمة: "ترى.. . هل أنا منهم؟
هل فيّ شيءٌ من صفات هؤلاء الذين تُشير إليهم أصابع الاتهام في السورة ؟.
إذا كان الفاروق عمر نفسه، ذلك الجبل الأشمّ الذي كان الشيطان يفرّ من ظله، كان يسأل سيدنا حذيفة بن اليمان، كاتم سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسماء المنافقين، يسأله بقلبٍ يرتجف، بصوتٍ قد يكون متهدجاً من فرط الخشية: يا حذيفة، أُنشدك الله، هل سماني لك رسول الله (يعني في المنافقين)؟
فلما طمأنه حذيفة بأنه ليس منهم، جادت عينا عمر بالدموع!
بكى فرحاً ونجاةً من هذه التهمة المروعة، بكاءَ طفلٍ صغير وجد أمه بعد ضياع.
فما بالك بي؟ وبك؟
لم يكن سؤال سيدنا عمر مجرد استفسارٍ عابر، أو أداء واجبٍ متكلف، بل كان هماً حقيقياً..
خوفاً صادقاً، نفثته دموعه التي بللت لحيته الشريفة.
يحدث هذا للفاروق، صاحب رسول الله ووزيره، فكيف بنا نحن اليوم، ونحن نرى الكثيرين يأمنون تمام الأمن من هذه الآفة، وكأن بينهم وبين النفاق حجاباً مستوراً وحصناً منيعاً، وكأنهم مُحصنون بلقاحٍ خارق ضد هذا الداء الخفي!
بينما كان الأولى أن يخشونه كما خشي الأولون
كان حذيفة رضي الله عنه، وهو الخبير بأحوال النفاق والمنافقين، يقول تلك الكلمة التي تُوقظ القلوب:
"إن كان الرجل منكم ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصير بها منافقاً، وإني لأسمعها اليوم من أحدكم عشر مرات!".
كأنه يغرس في قلوبنا تلك الخشية التي لا ينبغي أن يخلو منها قلب مؤمن: خشية النفاق.
وقد قيل بحق: "النفاق... لا يخافه إلا مؤمن، ولا يأمنه إلا منافق".
وحين قال رجلٌ لحذيفة: "إني أخاف أن أكون منافقاً"، ردّ عليه حذيفة بتلك الكلمة الجامعة التي تُريح القلوب الخائفة: "المنافق لا يخاف".
(أي لا يخاف أن يكون منافقاً).
"أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخشى النفاق على نفسه، لا يقولن أحدهم إنه على إيمان جبريل وميكائيل!".
هكذا كان يقول التابعي ابن أبي مليكة واصفا حال من أدرك من الصحابة رضي الله عنهم
كلهم يخشون النفاق!
يا لها من شهادةٍ...
كانوا يخشونه لأنهم أدركوا حقيقته الخفية، وطبيعته المتسللة، وقدرته على أن يُصيب القلب وهو لا يشعر، كمرضٍ خبيثٍ لا تظهر أعراضه إلا بعد فوات الأوان، إن ظهرت أصلاً وشعر المنافق بأنه منافق!
إن المنافقين كما يصفهم القرآن في مواضع أخرى، يكذبون ويُخادعون حتى تتشرب قلوبهم الكذب، وحتى يكادوا أن يُصدّقوا أكاذيبهم، فلا يشعرون بمصيبتهم ولا يُدركون حقيقة خديعتهم لأنفسهم قبل غيرهم.
تأمل هذا الوصف الدقيق لحالهم في سورة البقرة: "{وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}" [البقرة: 9]
"{أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ}" [البقرة: 12]
"{أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ}" [البقرة: 13].
تأمل.. "وما يشعرون"، "ولكن لا يشعرون"، "ولكن لا يعلمون"..
غفلةمطبقة و عمى بصيرة مظلم يُصيب من استمرأ الكذب والخداع!
وإن الشعور بالمشكلة ابتداءً هو نعمةٌ عظيمة، وهو أول خطوةٍ في طريق العلاج.
وهذا ما تفعله الفاضحة الكاشفة!
لذلك فحين نتلو آيات النفاق في سورة التوبة أو غيرها، لا ينبغي أن نتعامل معها كمعلوماتٍ تاريخية عن فئةٍ بائدة، أو كقصصٍ أسطورية لا تمتّ لواقعنا بصلة.
بل يجب أن نتعامل مع تفصيل هذا المرض وأعراضه بمنطق الإنسان الحريص على صحته، الذي يقرأ عن أعراض الداء ليحذر منه، ويسعى بصدقٍ للوقاية، أو للعلاج العاجل إن أصابه شيءٌ منه.
هكذا كان يفعل الصحابة الكرام، وهكذا ينبغي أن نكون.
وإن "الفاضحة" لا تكتفي بفضح النفاق القلبي المتسلل، بل تمتد لتُشرّح وتفضح أشكالاً أخرى من التقصير والخذلان الذي قد يُصيب الأمة وأفرادها، كأنها تُريد أن تكشف وتُطهر المجتمع المسلم من كل درنٍ أو مرضٍ قد يُضعفه ويُوهنه:
فهي تفضح ذلك "القعود" المشين عن نصرة الدين، وذلك "التثاقل" المخزي إلى الأرض حين يُدعى المؤمنون إلى النفير في سبيل الله.
تفضحه بسؤالٍ يقرع أسماع متدبر ويُوقظ فيه كل معاني الحياء من الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة: 38]. هو فضحٌ لتعلق القلوب بالدنيا وإيثار الراحة العاجلة والدعة المذمومة على النعيم الباقي والجهاد في سبيل الله.
❤3👍1
ثم تكون العاقبة الوخيمةٌ،
الوخيمةٌ جداً... لمن يختار هذا الطريق المخذول
(إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التوبة: 39].
إن نصرة الدين كما توضح ليست دائنا تطوعاً أو نافلةً يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها، بل هي في مواضع البذل = واجبٌ وفرضٌ على المستطيع، من تخلّف عنه بلا عذرٍ شرعي فقد عرّض نفسه - بمقتضى السورة - لعذاب الله، ولخطر الاستبدال بقومٍ خيرٍ منه وأطوع لله.
كذلك تفضح السورة ذلك "الكذب" الصريح واختلاق "الأعذار الواهية" للقعود عن الجهاد والنفير.
تكشف بوضوح زيف هؤلاء الذين يُبررون تخلفهم بحججٍ أوهى من بيت العنكبوت، فيُقسمون بالله كذباً أنهم لو استطاعوا لخرجوا، وهم في الحقيقة يُهلكون أنفسهم بهذا الكذب والنفاق:
(وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [التوبة: 42].
تتعمق السورة أكثر في الكشف والفضح حين تُبين دافعهم الحقيقي و هو البحث عن "العرض القريب" و"السفر القاصد"
العمل السهل والبذل غير المكلف..
العطاء المشروط بيسره وبعدم احتوائه على أي تضحية
أما إذا كانت "الشقة بعيدة" والمشقة عظيمة، فإنهم يتخلفون ويُقدمون الأعذار
(لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ...) [التوبة: 42].
تفضح السورة أيضا الأعذار الكاذبة وليست فقط الواهية
تكشف ادعاءات هي نقيض الحقيقة تماما ترفع غطاء التستر عمن يطلب الإذن بالقعود بحجة الخوف من الفتنة ويدعي الورع وخشية التأثر بنساء الروم وحسنهن بينما هو في حقيقته قد سقط في فتنةٍ أعظم
فتنة النفاق والخذلان:
(وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا...) [التوبة: 49].
ولا تكتفي السورة بتلك الطبقات من الكشف بل تزيل مزيدا من الأستار وتغوص أكثر في خبايا النفس لتفضح حقيقة المشاعر المزرية
مشاعر من يفرحون بتخلفهم، ويكرهون البذل للدين، ويُثبطون همم الآخرين، ويُقدمون أعذاراً هي أشد قبحاً من الذنب نفسه:
(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) [التوبة: 81].
تأمل اللفظ القرآني
فرح..
تصور أنهم بهذا فرحوا ولهذا ضحكوا وهذا ما أحبوا
تخلفهم عن الجهاد و البذل!
ذلك الصنف الكاذب المطموس على قلبه؛ الذى انتكست فطرته فصار يفرح بتقصيره و عصيانه..
فمثله كمثل الأجرب الذى لا يريحه إلا ما يؤلم الصحيح المعافى!
لا يرتاح إلا بحك جلده حتى يدمى ولو صح جلده لتألم لكنه المرض عافانا الله
وما أقبح ذاك المرض إن كان فى القلب !
نعم قلب المنافق عياذا بالله هو قلب أجرب لا يسعده إلا تمزيقه بالفجور والعصيان
بينما كان الأولى بهم ما قاله الله في الآية التي تليها
"فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ "
هكذا تبين السورة تفاوت ميزان الفرح والحزن وتباين معايير الضحك و البكاء
فمن ضحك بسبب التخاذل و الانبطاح إلى بكاء لفوات بذل و تضحية و عطاء ، و ما بين هذا و ذاك تتباين قلوب الناس
نعم هكذا أبرزت السورة النموذج المقابل؛
فبينما المنافقون فى فرحتهم المقززة بتخلفهم عن ركب الفداء و التضحية وضحكاتهم الفاجرة تتعالى فى الأسواق وقد ظنوا أنهم خادعو الله، إذ هرع إلى النبى ﷺ أقوام يبدو عليهم الفقر والحاجة و تظهر على ثيابهم الرثة علامات شظف العيش و خشونته مع شدة الحاجة أقبلوا على الحبيب مشفقين وجلين، و قد سمعوا أنه لن يخرج إلا من كانت له دابة يركبها ظهر يسافر عليه هذا السفر الطويل
هنالك دخلوا على النبى صلى الله عليه وسلم خائفين أن يردهم عن أسمى أمانيهم التى يتوقون إليها ، فقالوا : احملنا .
يطلبون منه الظهر الذى يسافرون عليه مجاهدين في سبيل الله
لكن الجواب جاء علي غير ما يرغبون
لقد قال رسول الله ﷺ تلك الكلمة التى لم يكن لأعينهم و قلوبهم الصافية طاقة بها
"لا أجد ما أحملكم عليه"
و حين سمع الصادقون إجابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و رده إياهم؛ نزلت الكلمة على قلوبهم شديدة
تزلزل كيان قد بلغ به الصدق مبلغه حين كان قد تجهز لإحدى الحسنيين
فلما فوجئ أنه لن يتمكن اليوم من نيل هذا الشرف تجمع كل سيل هذا الصدق والإخلاص و الشوق وصعد فياضا إلى المآقى ليتفجر أنهارا من دموع الأسف حارة تخالط حرارتها نكهة الصدق و ةطعم الإيمان .
الوخيمةٌ جداً... لمن يختار هذا الطريق المخذول
(إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التوبة: 39].
إن نصرة الدين كما توضح ليست دائنا تطوعاً أو نافلةً يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها، بل هي في مواضع البذل = واجبٌ وفرضٌ على المستطيع، من تخلّف عنه بلا عذرٍ شرعي فقد عرّض نفسه - بمقتضى السورة - لعذاب الله، ولخطر الاستبدال بقومٍ خيرٍ منه وأطوع لله.
كذلك تفضح السورة ذلك "الكذب" الصريح واختلاق "الأعذار الواهية" للقعود عن الجهاد والنفير.
تكشف بوضوح زيف هؤلاء الذين يُبررون تخلفهم بحججٍ أوهى من بيت العنكبوت، فيُقسمون بالله كذباً أنهم لو استطاعوا لخرجوا، وهم في الحقيقة يُهلكون أنفسهم بهذا الكذب والنفاق:
(وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [التوبة: 42].
تتعمق السورة أكثر في الكشف والفضح حين تُبين دافعهم الحقيقي و هو البحث عن "العرض القريب" و"السفر القاصد"
العمل السهل والبذل غير المكلف..
العطاء المشروط بيسره وبعدم احتوائه على أي تضحية
أما إذا كانت "الشقة بعيدة" والمشقة عظيمة، فإنهم يتخلفون ويُقدمون الأعذار
(لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ...) [التوبة: 42].
تفضح السورة أيضا الأعذار الكاذبة وليست فقط الواهية
تكشف ادعاءات هي نقيض الحقيقة تماما ترفع غطاء التستر عمن يطلب الإذن بالقعود بحجة الخوف من الفتنة ويدعي الورع وخشية التأثر بنساء الروم وحسنهن بينما هو في حقيقته قد سقط في فتنةٍ أعظم
فتنة النفاق والخذلان:
(وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا...) [التوبة: 49].
ولا تكتفي السورة بتلك الطبقات من الكشف بل تزيل مزيدا من الأستار وتغوص أكثر في خبايا النفس لتفضح حقيقة المشاعر المزرية
مشاعر من يفرحون بتخلفهم، ويكرهون البذل للدين، ويُثبطون همم الآخرين، ويُقدمون أعذاراً هي أشد قبحاً من الذنب نفسه:
(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) [التوبة: 81].
تأمل اللفظ القرآني
فرح..
تصور أنهم بهذا فرحوا ولهذا ضحكوا وهذا ما أحبوا
تخلفهم عن الجهاد و البذل!
ذلك الصنف الكاذب المطموس على قلبه؛ الذى انتكست فطرته فصار يفرح بتقصيره و عصيانه..
فمثله كمثل الأجرب الذى لا يريحه إلا ما يؤلم الصحيح المعافى!
لا يرتاح إلا بحك جلده حتى يدمى ولو صح جلده لتألم لكنه المرض عافانا الله
وما أقبح ذاك المرض إن كان فى القلب !
نعم قلب المنافق عياذا بالله هو قلب أجرب لا يسعده إلا تمزيقه بالفجور والعصيان
بينما كان الأولى بهم ما قاله الله في الآية التي تليها
"فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ "
هكذا تبين السورة تفاوت ميزان الفرح والحزن وتباين معايير الضحك و البكاء
فمن ضحك بسبب التخاذل و الانبطاح إلى بكاء لفوات بذل و تضحية و عطاء ، و ما بين هذا و ذاك تتباين قلوب الناس
نعم هكذا أبرزت السورة النموذج المقابل؛
فبينما المنافقون فى فرحتهم المقززة بتخلفهم عن ركب الفداء و التضحية وضحكاتهم الفاجرة تتعالى فى الأسواق وقد ظنوا أنهم خادعو الله، إذ هرع إلى النبى ﷺ أقوام يبدو عليهم الفقر والحاجة و تظهر على ثيابهم الرثة علامات شظف العيش و خشونته مع شدة الحاجة أقبلوا على الحبيب مشفقين وجلين، و قد سمعوا أنه لن يخرج إلا من كانت له دابة يركبها ظهر يسافر عليه هذا السفر الطويل
هنالك دخلوا على النبى صلى الله عليه وسلم خائفين أن يردهم عن أسمى أمانيهم التى يتوقون إليها ، فقالوا : احملنا .
يطلبون منه الظهر الذى يسافرون عليه مجاهدين في سبيل الله
لكن الجواب جاء علي غير ما يرغبون
لقد قال رسول الله ﷺ تلك الكلمة التى لم يكن لأعينهم و قلوبهم الصافية طاقة بها
"لا أجد ما أحملكم عليه"
و حين سمع الصادقون إجابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و رده إياهم؛ نزلت الكلمة على قلوبهم شديدة
تزلزل كيان قد بلغ به الصدق مبلغه حين كان قد تجهز لإحدى الحسنيين
فلما فوجئ أنه لن يتمكن اليوم من نيل هذا الشرف تجمع كل سيل هذا الصدق والإخلاص و الشوق وصعد فياضا إلى المآقى ليتفجر أنهارا من دموع الأسف حارة تخالط حرارتها نكهة الصدق و ةطعم الإيمان .
❤2👍1
لقد رجع الصادقون المشتاقون وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون .
"وَلَا عَلَى ٱلَّذِینَ إِذَا مَاۤ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ قُلۡتَ لَاۤ أَجِدُ مَاۤ أَحۡمِلُكُمۡ عَلَیۡهِ تَوَلَّوا۟ وَّأَعۡیُنُهُمۡ تَفِیضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ حَزَنًا أَلَّا یَجِدُوا۟ مَا یُنفِقُونَ"
[سُورَةُ التَّوۡبَةِ: ٩٢]
فشتان شتان بين سلوكهم ، وبين سلوك من سبق ذكره من المعذرين
بين الصادقين بنياتهم مشفوعة بهمهم العالية وإقدامهم المبكر الأمين، وحزنهم العميق علي فوات أسباب العمل الصالح عليهم وآخرين يضحكون ويستبشرون بالكذب والتبرير الواهي والأعذار الزائفة
هؤلاء حزانى على حرمان الطاعة ، وأولئك يطربون ويفرحون بالخلاص منها
هؤلاء صادقون نالوا أجر كل مسير يسار وكل واد يقطع، بصدقهم وإخلاصهم
وأولئك أعقبوا نفاقا فى قلوبهم بكذبهم وإخلافهم وعدهم مع ربهم والأدهى من كل ذلك ؛ والأغرب من مجرد تفويتهم طاعة ربهم = فرحهم بذلك البوار والحرمان العظيم !
"إِنَّمَا ٱلسَّبِیلُ عَلَى ٱلَّذِینَ یَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ وَهُمۡ أَغۡنِیَاۤءُۚ رَضُوا۟ بِأَن یَكُونُوا۟ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ"
[سُورَةُ التَّوۡبَةِ: ٩٣]
فضيحة أخرى تبرزها السورة لأولئك الذين يخدعون أنفسهم قبل أن يخدعوا الناس، والذين يُقدمون أعذاراً هي في حقيقتها دليل ضعف إيمانهم وقلة صدقهم.
بينما المؤمن الحق لا يستأذن في الخير، بل يُسارع إليه، ولا يتردد في البذل والتضحية طالما قدر عليها واحتاج الدين إليها
(لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ "
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) [التوبة: 44-45].
ثم تأتي فضيحةٌ أخرى، من أشد الفضائح وأخطرها على الإيمان
فضيحة "الاستهزاء بالدين وأهله".
حين يتحول الدين وشعائره وحملته إلى مادةٍ للسخرية والتهكم، ولو بزعم "اللعب" و"الخوض" و"تمضية الوقت".
"وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ"
هكذا قالها بعض من فضحتهم سورة التوبة مبررين استهزاءهم وخوضهم
وأي خوض وأي لعب
بالله
بآياته
برسوله
"قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ"
- ما رأينا مثلَ قُرَّائِنا هؤلاءِ أرغبَ بطونًا ولا أكذبَ ألسُنًا ولا أجبَنَ عندَ اللقاءِ .
هكذا قالوها مستهزئين بعلماء الصحابة.
بحفظة الوحي وحراس الشرع وورثة النبي صلى الله عليه وسلم
صحيح أن ديننا لا يعرف كهنوتا ولا يرسخ قداسة للأشخاص غير المعصومين لكنه أيضا يعرف الاحترام وحفظ القدر، وفى الحديث "ليس منا من لم يعرف لعالمنا حقه"
هذه السخرية الممنهجة الاي يكررها منافقو كل زمان ومكان؛ هدفها ببساطة هو إذابة أى قدر متبقٍ من الاحترام فى نفوس الناس لورثة الأنبياء ومن ثم زوال الاحترام لتركتهم التي ورثوها
العلم بالشرع
يزول الاحترام وتجرف الأعراف والقيم وتزعزع الثوابت الدينية التى نشأ عليها الناس.
والعلة الحاضرة دوما = المزاح والفكاهة
- إنما كنا نخوضُ ونتحدثُ حديثَ الركبِ نقطعُ به عنا الطريقَ
كان هذا هو تبريرهم أثناء تعلقهم بناقة رسول الله معتذرين عن مقالتهم الساخرة
كنا نتسلى
نلهو
نمزح
تتعدد المبررات والحقيقة واحدة
"قل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ
لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ"
تأمل الكلمة الأخيرة
"مجرمين"
هذه هي الحقيقة المجردة التي لابد أن تظهر جلية واضحة
هؤلاء كانوا مجرمين
وكل مستهزيء بالشرع محتقر لأحكامه خائض في أصوله وثوابته جادا أو هازلا = مجرم
لا قيمة ها هنا لمعاذير ولا قبول لتبرير
ثمة مقدسات وخطوط حمراء والضحك والإضحاك والهزل والمزاح ليسوا منها
تحذيرٍ صارمٍ ومُفزع..
لا مجال للمزاح أو الهزل في حرمات الدين، فالأمر جدٌ لا هزل فيه، والاستهزاء به، ولو بكلمةٍ عابرة، قد يُخرج صاحبه من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر والعياذ بالله.
"يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ"
سيخرجه الله ويفضحه
ولو بعد حين
وهذا ما فعلته الفاضحة
إن المنافق في الحقيقة لا يستطيع التوقف عن تلك العادة ولا يملك أثناء نفاقه إقلاعا عن إدمان السخرية والاستهزاء
"وَلَا عَلَى ٱلَّذِینَ إِذَا مَاۤ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ قُلۡتَ لَاۤ أَجِدُ مَاۤ أَحۡمِلُكُمۡ عَلَیۡهِ تَوَلَّوا۟ وَّأَعۡیُنُهُمۡ تَفِیضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ حَزَنًا أَلَّا یَجِدُوا۟ مَا یُنفِقُونَ"
[سُورَةُ التَّوۡبَةِ: ٩٢]
فشتان شتان بين سلوكهم ، وبين سلوك من سبق ذكره من المعذرين
بين الصادقين بنياتهم مشفوعة بهمهم العالية وإقدامهم المبكر الأمين، وحزنهم العميق علي فوات أسباب العمل الصالح عليهم وآخرين يضحكون ويستبشرون بالكذب والتبرير الواهي والأعذار الزائفة
هؤلاء حزانى على حرمان الطاعة ، وأولئك يطربون ويفرحون بالخلاص منها
هؤلاء صادقون نالوا أجر كل مسير يسار وكل واد يقطع، بصدقهم وإخلاصهم
وأولئك أعقبوا نفاقا فى قلوبهم بكذبهم وإخلافهم وعدهم مع ربهم والأدهى من كل ذلك ؛ والأغرب من مجرد تفويتهم طاعة ربهم = فرحهم بذلك البوار والحرمان العظيم !
"إِنَّمَا ٱلسَّبِیلُ عَلَى ٱلَّذِینَ یَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ وَهُمۡ أَغۡنِیَاۤءُۚ رَضُوا۟ بِأَن یَكُونُوا۟ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ"
[سُورَةُ التَّوۡبَةِ: ٩٣]
فضيحة أخرى تبرزها السورة لأولئك الذين يخدعون أنفسهم قبل أن يخدعوا الناس، والذين يُقدمون أعذاراً هي في حقيقتها دليل ضعف إيمانهم وقلة صدقهم.
بينما المؤمن الحق لا يستأذن في الخير، بل يُسارع إليه، ولا يتردد في البذل والتضحية طالما قدر عليها واحتاج الدين إليها
(لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ "
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) [التوبة: 44-45].
ثم تأتي فضيحةٌ أخرى، من أشد الفضائح وأخطرها على الإيمان
فضيحة "الاستهزاء بالدين وأهله".
حين يتحول الدين وشعائره وحملته إلى مادةٍ للسخرية والتهكم، ولو بزعم "اللعب" و"الخوض" و"تمضية الوقت".
"وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ"
هكذا قالها بعض من فضحتهم سورة التوبة مبررين استهزاءهم وخوضهم
وأي خوض وأي لعب
بالله
بآياته
برسوله
"قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ"
- ما رأينا مثلَ قُرَّائِنا هؤلاءِ أرغبَ بطونًا ولا أكذبَ ألسُنًا ولا أجبَنَ عندَ اللقاءِ .
هكذا قالوها مستهزئين بعلماء الصحابة.
بحفظة الوحي وحراس الشرع وورثة النبي صلى الله عليه وسلم
صحيح أن ديننا لا يعرف كهنوتا ولا يرسخ قداسة للأشخاص غير المعصومين لكنه أيضا يعرف الاحترام وحفظ القدر، وفى الحديث "ليس منا من لم يعرف لعالمنا حقه"
هذه السخرية الممنهجة الاي يكررها منافقو كل زمان ومكان؛ هدفها ببساطة هو إذابة أى قدر متبقٍ من الاحترام فى نفوس الناس لورثة الأنبياء ومن ثم زوال الاحترام لتركتهم التي ورثوها
العلم بالشرع
يزول الاحترام وتجرف الأعراف والقيم وتزعزع الثوابت الدينية التى نشأ عليها الناس.
والعلة الحاضرة دوما = المزاح والفكاهة
- إنما كنا نخوضُ ونتحدثُ حديثَ الركبِ نقطعُ به عنا الطريقَ
كان هذا هو تبريرهم أثناء تعلقهم بناقة رسول الله معتذرين عن مقالتهم الساخرة
كنا نتسلى
نلهو
نمزح
تتعدد المبررات والحقيقة واحدة
"قل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ
لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ"
تأمل الكلمة الأخيرة
"مجرمين"
هذه هي الحقيقة المجردة التي لابد أن تظهر جلية واضحة
هؤلاء كانوا مجرمين
وكل مستهزيء بالشرع محتقر لأحكامه خائض في أصوله وثوابته جادا أو هازلا = مجرم
لا قيمة ها هنا لمعاذير ولا قبول لتبرير
ثمة مقدسات وخطوط حمراء والضحك والإضحاك والهزل والمزاح ليسوا منها
تحذيرٍ صارمٍ ومُفزع..
لا مجال للمزاح أو الهزل في حرمات الدين، فالأمر جدٌ لا هزل فيه، والاستهزاء به، ولو بكلمةٍ عابرة، قد يُخرج صاحبه من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر والعياذ بالله.
"يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ"
سيخرجه الله ويفضحه
ولو بعد حين
وهذا ما فعلته الفاضحة
إن المنافق في الحقيقة لا يستطيع التوقف عن تلك العادة ولا يملك أثناء نفاقه إقلاعا عن إدمان السخرية والاستهزاء
❤2👍1
ليس فقط لأجل الغرض السابق الذي تحدثنا عنه وهو إزالة الاحترام للشرع وحملته ولكن أيضا لأن أصل تلك السخرية يكمن في نظرته نفسها
نظرته للدين ولحملته
نظرة احتقار واستهزاء
هذه النظرة تشمل كل ما له علاقة بالدين بدءا من المتدين نفسه
وهذا ما أوضحته السورة في موضع آخر
"الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"
عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: "لما أمرنا بالصدقة كنا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رئاء، فنزلت: "الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.. "
احتقار عميق لكل مؤمن مهما فعل
أنفق قليل = يحتقر فقره
أنفق كثيرا = يرمى بالرياء
المهم أن يسفه المؤمن ويسفه عمله
قالوها من قبل وبينتها سورة البقرة
"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ"
هذا هو تصورهم عن المؤمنين
سفهاء وصعاليك ليسوا من مستواهم
" أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ"
وإن استهزاءهم لم يشمل فقط عموم المؤمنين بل العلماء كان لهم النصيب الأكبر من استهزاء المنافقين كما سبق وأشرنا في آية الخوض واللعب
لكن الأبشع على الإطلاق هو استهزاؤهم بسيد العلماء وإمام الدعاة
رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
تخيل أنه هو نفسه بأبي هو وأمي لم يسلم من استهزائهم وسخريتهم
" وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ"
لقد اجترأوا علي التقليل من عقله والانتقاص من إدراكه وقدرته على التمييز
زعموا أنه مجرد أُذُنٌ تسمع كل ما يلقى إليها وتصدقه كله من دون تمييز لصوابه من خطئه ولا لكذبه من صدقه
" قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ۚ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"
سورة التوبة تقطع الطريق على كل تبريرٍ أو اعتذارٍ في هذا الباب وتلقي الضوء على تلك الفضيحة الحقيرة
فضيحة الاستهزاء بالدين
وفي خضم كل هذا، تُبرز السورة أهمية "الغيرة على حرمات الله" وقيمة الرغبة الشرعية دفع أي عدوان عن دينه وأوليائه.
حين تُنتهك حرمات الله، ويُعتدى على دينه، ويُؤذى أولياؤه، ثم لا تتحرك في القلوب غيرةٌ ولا تتمعر الوجوه، فهذه علامةٌ خطيرة على موت القلب أو مرضه الشديد.
السورة تستنهض الهمم وتُوقظ الغيرة الإيمانية المفقودة من خلال عتاب للمؤمنين على التردد في قتال من نكثوا أيمانهم وهمّوا بإخراج الرسول
(أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [التوبة: 13].
هي إذاً دعوةٌ لإيقاظ الحمية الإيمانية، والغيرة على دين الله والدفاع عن حرماته المتعددة
حرمة التوحيد..
حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته..
حرمة المؤمنين..
حرمة المكان والزمان..
حرمة كل ما عظّمه الله وأمر بتعظيمه.. ترسخ السورة لقيمة كل تلك الحرمات وأهمية الغيرة عليها التي هي من علامات صدق الإيمان وغيابها؛ علامة على ضعفه أو حتى غيابه
وهكذا تستمر سورة التوبة في أهم خصائصها
"كاشفة"، "فاضحة"..
لا تترك صغيرةً ولا كبيرةً من أمراض القلوب وسوءات الأعمال إلا وتُسلط عليها الضوء الساطع، وتُعرّيها أمام صاحبها وأمام الملأ.
لكن ماذا بعد كل هذا الفضح والكشف والوعيد؟
هل يُغلق الباب وتُسدّ الطرق؟
أبداً!
إن ختام السورة؛ كبدايتها... يحمل رسالة الأمل والرحمة عبر كل فصولها وفي خضم كل مشهد افتضاح وكشف..
في مفارقة عجيبة ستُظهر لك السورة سعة رحمة الله رغم كل ما فيها من زجر ووعيد بأشد العذاب..
في أشد لحظات الكشف والفضح قوة ، وحين تفضح السورة دوافع القعود، وتُعرّي الأعذار، وتُسقط الأقنعة؛ ينقلب السياق القرآني فجأة، لا نحو التهوين، بل نحو التضميد والعلاج.
و كأنك بعد جراحةٍ مؤلمة لاستئصال ورمٍ خبيث، يُفتح أمامك بابٌ لم تكن تتخيله: باب "التوبة".
هي السورة التي حملت هذا الاسم العظيم
و هو الاسم المدون في المصحف والمعتمد توقيفيا للسورة
الاسم الذي يمثل طوق النجاة بعد كل هذا الفضح والكشف و يفتح أبواب الأمل على مصراعيها لكل من أراد العودة والإصلاح
لكل من شعر بوخز الضمير وأراد أن يُطهّر نفسه.
السورة تُقدم لنا الخيار بوضوحٍ لا لبس فيه:
نظرته للدين ولحملته
نظرة احتقار واستهزاء
هذه النظرة تشمل كل ما له علاقة بالدين بدءا من المتدين نفسه
وهذا ما أوضحته السورة في موضع آخر
"الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"
عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: "لما أمرنا بالصدقة كنا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رئاء، فنزلت: "الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.. "
احتقار عميق لكل مؤمن مهما فعل
أنفق قليل = يحتقر فقره
أنفق كثيرا = يرمى بالرياء
المهم أن يسفه المؤمن ويسفه عمله
قالوها من قبل وبينتها سورة البقرة
"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ"
هذا هو تصورهم عن المؤمنين
سفهاء وصعاليك ليسوا من مستواهم
" أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ"
وإن استهزاءهم لم يشمل فقط عموم المؤمنين بل العلماء كان لهم النصيب الأكبر من استهزاء المنافقين كما سبق وأشرنا في آية الخوض واللعب
لكن الأبشع على الإطلاق هو استهزاؤهم بسيد العلماء وإمام الدعاة
رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
تخيل أنه هو نفسه بأبي هو وأمي لم يسلم من استهزائهم وسخريتهم
" وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ"
لقد اجترأوا علي التقليل من عقله والانتقاص من إدراكه وقدرته على التمييز
زعموا أنه مجرد أُذُنٌ تسمع كل ما يلقى إليها وتصدقه كله من دون تمييز لصوابه من خطئه ولا لكذبه من صدقه
" قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ۚ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"
سورة التوبة تقطع الطريق على كل تبريرٍ أو اعتذارٍ في هذا الباب وتلقي الضوء على تلك الفضيحة الحقيرة
فضيحة الاستهزاء بالدين
وفي خضم كل هذا، تُبرز السورة أهمية "الغيرة على حرمات الله" وقيمة الرغبة الشرعية دفع أي عدوان عن دينه وأوليائه.
حين تُنتهك حرمات الله، ويُعتدى على دينه، ويُؤذى أولياؤه، ثم لا تتحرك في القلوب غيرةٌ ولا تتمعر الوجوه، فهذه علامةٌ خطيرة على موت القلب أو مرضه الشديد.
السورة تستنهض الهمم وتُوقظ الغيرة الإيمانية المفقودة من خلال عتاب للمؤمنين على التردد في قتال من نكثوا أيمانهم وهمّوا بإخراج الرسول
(أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [التوبة: 13].
هي إذاً دعوةٌ لإيقاظ الحمية الإيمانية، والغيرة على دين الله والدفاع عن حرماته المتعددة
حرمة التوحيد..
حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته..
حرمة المؤمنين..
حرمة المكان والزمان..
حرمة كل ما عظّمه الله وأمر بتعظيمه.. ترسخ السورة لقيمة كل تلك الحرمات وأهمية الغيرة عليها التي هي من علامات صدق الإيمان وغيابها؛ علامة على ضعفه أو حتى غيابه
وهكذا تستمر سورة التوبة في أهم خصائصها
"كاشفة"، "فاضحة"..
لا تترك صغيرةً ولا كبيرةً من أمراض القلوب وسوءات الأعمال إلا وتُسلط عليها الضوء الساطع، وتُعرّيها أمام صاحبها وأمام الملأ.
لكن ماذا بعد كل هذا الفضح والكشف والوعيد؟
هل يُغلق الباب وتُسدّ الطرق؟
أبداً!
إن ختام السورة؛ كبدايتها... يحمل رسالة الأمل والرحمة عبر كل فصولها وفي خضم كل مشهد افتضاح وكشف..
في مفارقة عجيبة ستُظهر لك السورة سعة رحمة الله رغم كل ما فيها من زجر ووعيد بأشد العذاب..
في أشد لحظات الكشف والفضح قوة ، وحين تفضح السورة دوافع القعود، وتُعرّي الأعذار، وتُسقط الأقنعة؛ ينقلب السياق القرآني فجأة، لا نحو التهوين، بل نحو التضميد والعلاج.
و كأنك بعد جراحةٍ مؤلمة لاستئصال ورمٍ خبيث، يُفتح أمامك بابٌ لم تكن تتخيله: باب "التوبة".
هي السورة التي حملت هذا الاسم العظيم
و هو الاسم المدون في المصحف والمعتمد توقيفيا للسورة
الاسم الذي يمثل طوق النجاة بعد كل هذا الفضح والكشف و يفتح أبواب الأمل على مصراعيها لكل من أراد العودة والإصلاح
لكل من شعر بوخز الضمير وأراد أن يُطهّر نفسه.
السورة تُقدم لنا الخيار بوضوحٍ لا لبس فيه:
❤2👍1
إما الاستمرار في الغفلة والتقصير والقعود، والتمادي في أمراض النفاق والخذلان، فتكون الفضيحة في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة.
أو الخيار الآخر الذي يحمل وحده النجاة..
خيار المسارعة إلى التوبة الصادقة والالتحاق بركب الصادقين، فتكون النجاة والمغفرة والفوز العظيم.
وهذا هو سرّها الأعظم وجمالها الأخّاذ!
سورةٌ لا تبدأ بالبسملة، كأنها إعلان براءةٍ وحربٍ لا هوادة فيها على المشركين المعاندين والمنافقين المخادعين، لكنها في الوقت نفسه = هي أكثر سورةٍ في القرآن تكرر فيها ذكر التوبة ومشتقاتها
تخيل
كأنها تقول: مهما بلغت ذنوبكم، ومهما تعاظمت فضائحكم، ومهما تلوثت سرائركم... فباب الله مفتوح، ورحمته تسع كل عائدٍ إليه بصدق،
كل نادمٍ على ما فات
كل عازمٍ على الإصلاح.
سبع عشرة مرة تتلألأ فيها كلمة "التوبة" كنجومٍ تُضيء ليل اليائسين، وتُنعش قلوب القانطين، أو كسلالم تُصنع من نور بعد كل فضيحة يرتقي عليها المذنب والمقصر ليصل إلى عنان الخير والفضل والرحمة.
سبع عشرة نافذةً تقول لك: "السياق القرآني لا يفضح ليتشفّى أو ليشمت ، بل ليطهّر.
لا يكشف الجرح ليُهين المجروح، بل ليُداويه".
هل هناك سورة فضحت هذا القدر من النفاق، ثم وعدت بهذا القدر من الرحمة؟
التوبة تُخبرك أن لا أحد بمنأى عن الخطأ، ولكن كل أحدٍ بقُربٍ من التوبة، إن صدق.
وتعرض ذلك الخيار على الجميع..
الجميع بمعنى الكلمة وليس مجازا..
تُع
[ ] تعرضه على الكافرين كفرصةٍ أخيرة للنجاة
"فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ...".
بل تفتح لهم أبواب الأخوة في الدين إن هم صدقوا
"فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ...".
وكذلك تعرض التوبة على المنافقين الذين نطقوا بكلمة الكفر واستهزأوا بالدين وعرضت السورة صنوفا شتى لجرائمهم لا يزال باب التوبة مفتوحاً على مصراعيه
"فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ...".
[ ] أما أولئك المترددون، المُرجَون لأمر الله، الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فباب التوبة لهم مُشرعٌ ينتظر قرارهم:
[ ] (...إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ...) [التوبة: 106].
[ ] والمقصرون الذين اعترفوا بذنوبهم، ولم يجدوا لهم مخرجاً إلا رحمة الله، فالسورة تُطمئنهم وتفتح لهم باب الرجاء: (...عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ...) [التوبة: 102].
[ ] أما الثلاثة الذين خُلِّفوا لكن صدقوا ولم يبرروا كذبا؛ فلهم شأن آخر
ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، فكانت التوبة هي الفرج والمخرج بعد طول انتظارٍ وكربٍ شديد: (...ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة: 118].
رسالةٍ مدوية، تُعلنها السورة في كل اتجاه: الكل بحاجةٍ إلى التوبة، والكل مدعوٌ إليها، والكل يمكن أن ينالها، إذا صدق في طلبها، وأخلص في توجهه.
إن التوبة في السورة تشمل الجميع فعلا
حتى أكرم الخلق صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، المهاجرين والأنصار، في تلك اللحظة العصيبة من غزوة العُسرة، حين كادت بعض القلوب أن تزيغ من شدة البلاء، فكانت توبة الله عليهم سبباً في ثباتهم ورفعتهم
(لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 117].
حتى هم؟
حتى الصفوة؟
نعم!
ببساطة لأن التوبة ليست علاجاً للفاسدين فقط، بل هي غذاءٌ للصالحين، وتربيةٌ للمصطفين، وتذكيرٌ لكل من قصر ولو لوهلة.
التوبة أصل لا يستثنى أحد من وجوبه..
والسورة لا تكتفي بذلك التأصيل العام، بل تُعلنها بشرى عظيمة لكل العباد، تُريح القلوب القلقة وتُطمئن النفوس الخائفة، وتُقطع الطريق على وساوس اليأس والقنوط
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة: 104].
نعم، هو سبحانه يقبل التوبة..
بل ويفرح بها، وهو التواب الذي يتوب على عباده مرةً بعد مرة، الرحيم الذي لا تنفد رحمته ولا يُغلق بابه.
لكن هذه التوبة، التي هي مفتاح النجاة وبوابة الرحمة، ليست مجرد كلمةٍ تُقال باللسان في لحظة انفعال، أو دمعةٍ تُذرف ثم تجفّ ويعود المرء إلى سابق عهده.
إنها تتطلب صدقاً في القلب، وعزماً على الإقلاع، وندماً على ما فات، واستعداداً حقيقياً للتغيير والإصلاح.
ألم يأتِ الأمر الإلهي الحاسم، بعد قصة الثلاثة الذين خُلفوا وتاب الله عليهم، مباشرةً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119]؟
أو الخيار الآخر الذي يحمل وحده النجاة..
خيار المسارعة إلى التوبة الصادقة والالتحاق بركب الصادقين، فتكون النجاة والمغفرة والفوز العظيم.
وهذا هو سرّها الأعظم وجمالها الأخّاذ!
سورةٌ لا تبدأ بالبسملة، كأنها إعلان براءةٍ وحربٍ لا هوادة فيها على المشركين المعاندين والمنافقين المخادعين، لكنها في الوقت نفسه = هي أكثر سورةٍ في القرآن تكرر فيها ذكر التوبة ومشتقاتها
تخيل
كأنها تقول: مهما بلغت ذنوبكم، ومهما تعاظمت فضائحكم، ومهما تلوثت سرائركم... فباب الله مفتوح، ورحمته تسع كل عائدٍ إليه بصدق،
كل نادمٍ على ما فات
كل عازمٍ على الإصلاح.
سبع عشرة مرة تتلألأ فيها كلمة "التوبة" كنجومٍ تُضيء ليل اليائسين، وتُنعش قلوب القانطين، أو كسلالم تُصنع من نور بعد كل فضيحة يرتقي عليها المذنب والمقصر ليصل إلى عنان الخير والفضل والرحمة.
سبع عشرة نافذةً تقول لك: "السياق القرآني لا يفضح ليتشفّى أو ليشمت ، بل ليطهّر.
لا يكشف الجرح ليُهين المجروح، بل ليُداويه".
هل هناك سورة فضحت هذا القدر من النفاق، ثم وعدت بهذا القدر من الرحمة؟
التوبة تُخبرك أن لا أحد بمنأى عن الخطأ، ولكن كل أحدٍ بقُربٍ من التوبة، إن صدق.
وتعرض ذلك الخيار على الجميع..
الجميع بمعنى الكلمة وليس مجازا..
تُع
[ ] تعرضه على الكافرين كفرصةٍ أخيرة للنجاة
"فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ...".
بل تفتح لهم أبواب الأخوة في الدين إن هم صدقوا
"فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ...".
وكذلك تعرض التوبة على المنافقين الذين نطقوا بكلمة الكفر واستهزأوا بالدين وعرضت السورة صنوفا شتى لجرائمهم لا يزال باب التوبة مفتوحاً على مصراعيه
"فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ...".
[ ] أما أولئك المترددون، المُرجَون لأمر الله، الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فباب التوبة لهم مُشرعٌ ينتظر قرارهم:
[ ] (...إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ...) [التوبة: 106].
[ ] والمقصرون الذين اعترفوا بذنوبهم، ولم يجدوا لهم مخرجاً إلا رحمة الله، فالسورة تُطمئنهم وتفتح لهم باب الرجاء: (...عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ...) [التوبة: 102].
[ ] أما الثلاثة الذين خُلِّفوا لكن صدقوا ولم يبرروا كذبا؛ فلهم شأن آخر
ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، فكانت التوبة هي الفرج والمخرج بعد طول انتظارٍ وكربٍ شديد: (...ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة: 118].
رسالةٍ مدوية، تُعلنها السورة في كل اتجاه: الكل بحاجةٍ إلى التوبة، والكل مدعوٌ إليها، والكل يمكن أن ينالها، إذا صدق في طلبها، وأخلص في توجهه.
إن التوبة في السورة تشمل الجميع فعلا
حتى أكرم الخلق صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، المهاجرين والأنصار، في تلك اللحظة العصيبة من غزوة العُسرة، حين كادت بعض القلوب أن تزيغ من شدة البلاء، فكانت توبة الله عليهم سبباً في ثباتهم ورفعتهم
(لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 117].
حتى هم؟
حتى الصفوة؟
نعم!
ببساطة لأن التوبة ليست علاجاً للفاسدين فقط، بل هي غذاءٌ للصالحين، وتربيةٌ للمصطفين، وتذكيرٌ لكل من قصر ولو لوهلة.
التوبة أصل لا يستثنى أحد من وجوبه..
والسورة لا تكتفي بذلك التأصيل العام، بل تُعلنها بشرى عظيمة لكل العباد، تُريح القلوب القلقة وتُطمئن النفوس الخائفة، وتُقطع الطريق على وساوس اليأس والقنوط
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة: 104].
نعم، هو سبحانه يقبل التوبة..
بل ويفرح بها، وهو التواب الذي يتوب على عباده مرةً بعد مرة، الرحيم الذي لا تنفد رحمته ولا يُغلق بابه.
لكن هذه التوبة، التي هي مفتاح النجاة وبوابة الرحمة، ليست مجرد كلمةٍ تُقال باللسان في لحظة انفعال، أو دمعةٍ تُذرف ثم تجفّ ويعود المرء إلى سابق عهده.
إنها تتطلب صدقاً في القلب، وعزماً على الإقلاع، وندماً على ما فات، واستعداداً حقيقياً للتغيير والإصلاح.
ألم يأتِ الأمر الإلهي الحاسم، بعد قصة الثلاثة الذين خُلفوا وتاب الله عليهم، مباشرةً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119]؟
❤2👍1
فالصدق هو قرين التوبة، وروحها، وشرط قبولها.
الصدق مع الله، والصدق مع النفس، والصدق في العزم على عدم العودة..
لذلك حين تجمل السورة ذكر التائبين وتقرن بهم أعظم الصفات من عبادة وحمد وركوع وسجود وأمر بمعروف ونهي عن منكر وحفظ لحدود الله
" ٱلتَّـٰۤائبُونَ ٱلۡعَـٰبِدُونَ ٱلۡحَـٰمِدُونَ ٱلسَّـٰۤائحُونَ ٱلرَّ ٰكِعُونَ ٱلسَّـٰجِدُونَ ٱلۡـَٔامِرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡحَـٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ }[سُورَةُ التَّوۡبَةِ: ١١٢]
قبل أن يذكرهم الله في السورة ويبشرهم سبقت ذلك آية محورية تبين ذلك المعيار الدقيق لصدق التوبة
الاستعداد للتضحية وبيع كل غالٍ ونفيس لله جل في علاه
" إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَ ٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَیَقۡتُلُونَ وَیُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَیۡهِ حَقࣰّا فِی ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِیلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُوا۟ بِبَیۡعِكُمُ ٱلَّذِی بَایَعۡتُم بِهِۦۚ وَذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ"
[سُورَةُ التَّوۡبَةِ: ١١١]
تأمل الوصف
الله اشترى.. وهم باعوا.. والثمن عظيم
الثمن الجنة
وبعد هذه الجولة العظيمة في خضم ذلك الصراع المحتدم بين الحق والباطل، وبين دعوات الخير ودواعي الشر، وفي مواجهة كل هذا الكيد من الأعداء الظاهرين والمنافقين المستترين، وكل هذا التقصير من النفس الأمارة بالسوء؛ تأتي الآية الأخيرة من سورة التوبة لترسم طريق النجاة ومنهج التعامل الأمثل، وكأنها خلاصة الخلاصة والكلمة الفصل في هذه المعركة الوجودية
(فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة: 129].
يا لها من خاتمةٍ عظيمة!
بعد كل هذا الفضح والوعيد، وبعد كل هذا التحذير والترهيب، وبعد كل هذا الحث على الجهاد والتوبة وفي مواجهة كل هذا التولي والإعراض، يأتي التوجيه الحاسم:
(فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة: 129].
حسبنا الله، عليه نتوكل، وبه نكتفي، وهو رب العرش العظيم الذي بيده ملكوت كل شيء.
إنه اللجوء الأخير، والحصن المنيع، والأمل الذي لا ينقطع.
إن تولوا وأعرضوا واستكبروا، فلا تيأس ولا تحزن، بل قل بقلبٍ يملؤه اليقين والسكينة: "حسبي الله".
هو كافيني، هو ناصري، هو وكيلي.
"لا إله إلا هو"
فلا معبود بحقٍ سواه، ولا ملجأ إلا إليه. "عليه توكلت"
أفوض أمري كله إليه
وأعتمد عليه وحده في كل شأني.
"وهو رب العرش العظيم"، رب الملك والملكوت، رب القوة والجبروت، الذي بيده مقاليد كل شيء، ولا يُعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء.
فلنقترب من هذه السورة العظيمة، بقلوبٍ مفتوحة، وعقولٍ متفكرة، ونفوسٍ مستعدةٍ للتغيير.
لنجعلها مرآةً نرى فيها حقيقة أنفسنا بلا مجاملة ولنضع في قلوبنا احتمالاً، ولو يسيراً، أن بعض آياتها قد يفضح شيئاً من خصالنا، على الأقل أمام أنفسنا أو في خلواتنا مع ربنا
لعلنا حينئذٍ، بعد هذا الفحص المؤلم، نُراجع حالنا، ثم نُسارع إلى ذلك التوجيه الذي تكرر في السورة بإلحاحٍ عجيب، ذلك الباب المفتوح الذي لا يُغلق أبداً في وجه صادقٍ...
باب "التوبة".
الصدق مع الله، والصدق مع النفس، والصدق في العزم على عدم العودة..
لذلك حين تجمل السورة ذكر التائبين وتقرن بهم أعظم الصفات من عبادة وحمد وركوع وسجود وأمر بمعروف ونهي عن منكر وحفظ لحدود الله
" ٱلتَّـٰۤائبُونَ ٱلۡعَـٰبِدُونَ ٱلۡحَـٰمِدُونَ ٱلسَّـٰۤائحُونَ ٱلرَّ ٰكِعُونَ ٱلسَّـٰجِدُونَ ٱلۡـَٔامِرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡحَـٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ }[سُورَةُ التَّوۡبَةِ: ١١٢]
قبل أن يذكرهم الله في السورة ويبشرهم سبقت ذلك آية محورية تبين ذلك المعيار الدقيق لصدق التوبة
الاستعداد للتضحية وبيع كل غالٍ ونفيس لله جل في علاه
" إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَ ٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَیَقۡتُلُونَ وَیُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَیۡهِ حَقࣰّا فِی ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِیلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُوا۟ بِبَیۡعِكُمُ ٱلَّذِی بَایَعۡتُم بِهِۦۚ وَذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ"
[سُورَةُ التَّوۡبَةِ: ١١١]
تأمل الوصف
الله اشترى.. وهم باعوا.. والثمن عظيم
الثمن الجنة
وبعد هذه الجولة العظيمة في خضم ذلك الصراع المحتدم بين الحق والباطل، وبين دعوات الخير ودواعي الشر، وفي مواجهة كل هذا الكيد من الأعداء الظاهرين والمنافقين المستترين، وكل هذا التقصير من النفس الأمارة بالسوء؛ تأتي الآية الأخيرة من سورة التوبة لترسم طريق النجاة ومنهج التعامل الأمثل، وكأنها خلاصة الخلاصة والكلمة الفصل في هذه المعركة الوجودية
(فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة: 129].
يا لها من خاتمةٍ عظيمة!
بعد كل هذا الفضح والوعيد، وبعد كل هذا التحذير والترهيب، وبعد كل هذا الحث على الجهاد والتوبة وفي مواجهة كل هذا التولي والإعراض، يأتي التوجيه الحاسم:
(فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة: 129].
حسبنا الله، عليه نتوكل، وبه نكتفي، وهو رب العرش العظيم الذي بيده ملكوت كل شيء.
إنه اللجوء الأخير، والحصن المنيع، والأمل الذي لا ينقطع.
إن تولوا وأعرضوا واستكبروا، فلا تيأس ولا تحزن، بل قل بقلبٍ يملؤه اليقين والسكينة: "حسبي الله".
هو كافيني، هو ناصري، هو وكيلي.
"لا إله إلا هو"
فلا معبود بحقٍ سواه، ولا ملجأ إلا إليه. "عليه توكلت"
أفوض أمري كله إليه
وأعتمد عليه وحده في كل شأني.
"وهو رب العرش العظيم"، رب الملك والملكوت، رب القوة والجبروت، الذي بيده مقاليد كل شيء، ولا يُعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء.
فلنقترب من هذه السورة العظيمة، بقلوبٍ مفتوحة، وعقولٍ متفكرة، ونفوسٍ مستعدةٍ للتغيير.
لنجعلها مرآةً نرى فيها حقيقة أنفسنا بلا مجاملة ولنضع في قلوبنا احتمالاً، ولو يسيراً، أن بعض آياتها قد يفضح شيئاً من خصالنا، على الأقل أمام أنفسنا أو في خلواتنا مع ربنا
لعلنا حينئذٍ، بعد هذا الفحص المؤلم، نُراجع حالنا، ثم نُسارع إلى ذلك التوجيه الذي تكرر في السورة بإلحاحٍ عجيب، ذلك الباب المفتوح الذي لا يُغلق أبداً في وجه صادقٍ...
باب "التوبة".
❤7👍1🤔1
أسطورة "الشاب الأبدي"..
"أعذرَ اللهُ إلى امرئٍ أخَّر أجلَهُ حتى بلَّغه ستين سنةً".
يدوي في أذني ذلك الحديث النبوي المهيب الذي يشبه هزة تنبه كل غافلٍ تجاوز هذا العمر
"أعذرَ اللهُ إليه"...
أي لم يترك له عذراً!
أقام عليه الحجة..
أمهله وأعطاه من السنوات ما يكفي لأن يتوب ويستعد.
بعد الستين، لا يعود هناك مجالٌ لـ"طيش الشباب" أو "جهل الصبا".
فكيف يليق بمن بلغ هذا العمر وزاد عليه بضعة سنوات و أزال الله عنه كل عذر، أن يظلّ أسيراً لـذلك "الجوع"
جوع الروح إلى الأضواء
جوع "الأنا" للبقاء على القمة
جوع الشهرة والتصدر في دائرة الضوء
جوع التميز حتى لو بحلق يُرتدى في الأذن أو وشم مقزز يظهر تحت قميص مفتوح لو ارتداه حفيده لبدى رقيعا لا يمت للوقار بِصِلة
لكنه كما قلت لك يا عزيزي... الجوع
وليس كل جوع ينشأ عن فقر أو فراغ بطون
إن أنواع الجوع الأخرى أشد وطأة وأعظم أثرا على سلوك الإنسان
وهو فقط "جائع!"...
هكذا ببساطة همس لي صديقٌ حكيمٌ ذات يوم حين افتتح نقاش حول تلك الظاهرة..
كلمته البسيطة هذه فتحت أمامي نافذةً جديدة تماماً لفهم كل هذا المشهد.
نعم هو "الجوع"
هذا هو ما يدفعه ليرتدي الحلق، وليرسم الوشم، وليرقص مع ابنته على مسرح، ليس بالضرورة قناعةً بما يفعل، بل لأنه يعلم أن هذه الأفعال الصادمة هي "الطُعم" الذي سيُلقيه لأسماك وسائل التواصل الجائعة أيضا!
جائعة للجدل
سرعان ما ستلتهم سيرته لأيام أو أسابيع وتضمن له البقاء في "دائرة الضوء" أو "التريند" لفترة آخرى حتى لو تحوّل المرء إلى مهرجٍ يُقدم ألعابه الغريبة ويحاول تجديدها بمزيد من الافتعال والتراقص كلما خفت تصفيق الجمهور وانبهارهم.
ولقد كان لصاحبنا ما أراد
اشتعلت وسائل التواصل في الأيام الماضية انبهارا بما أصدره ذلك المتصابي الذي يصر أن يحيا كمراهق يودع عقده الثاني وليس كشيخ في منتصف العقد السابع!
نعم اللفظة كما قرأتها... شيخ!
هي لفظة تطلق على من طعن في السن وليست فقط مرتبطة بمن رسخ في العلم
"وأبونا شيخ كبير"
"وهذا بعلي شيخا"
وردت الكلمة في لسان العرب لابن منظور وفي تهذيب اللغة للأزهري، وفي الصحاح للجوهري، وكلّها ترجع إلى الأصل الثلاثي: (ش ي خ) وهو يدلّ على الكبر والسنّ والتقدّم، وربما أيضًا على الوقار والتجربة.
لكن على أي عمر تُطلق كلمة "شيخ"؟
لم تحدّها العربُ بعددٍ دقيقٍ من السنين، بل جعلوها صفةً تدرك بمظاهر السنّ والتجربة.
لكنهم أشاروا إلى أعمار تقريبية في بعض المواضع
قال الأزهري: الشيخ هو من جاوز الخمسين من عمره، وقيل الستين.
وفي "المحكم" لابن سيده: يُقال للذكر: طفل ثم غلام، ثم شاب، ثم كهل، ثم شيخ إذا شاخ.
والكَهْلُ — كما قيل — من الثلاثين إلى الخمسين، فإذا جاوزها، قيل له شيخ.
طبعا ستبدو اللفظة عجيبة حين تستدعي صورة المغني فاقعة الألوان وظاهرة الوشوم وستبدو أعجب حين تزاحم منشورات التطبيل وفيديوهات النوستالجيا والحنين الممجوج إلى الماضي الجميل الذي يمثله الفنان الذي تتناثر على السوشيال ميديا تدرجات صوره التي تلخص تاريخا يراه البعض تاريخنا شئنا أم أبينا.
قفزت أمام عيني صورةٌ له من الثمانينات، بشعره الكثيف الذي يشبه غابةً صغيرة، وشاربه الخفيف الذي كان موضة العصر، وابتسامة شابٍ يحلم بغزو العالم.
ثم صورةٌ أخرى من التسعينات، وقد أصبح "فتى أحلام" الكثيرات، ببشرته البرونزية وقمصانه المفتوحة التي تُظهر بداية عضلاتٍ مصقولة تنافس في لمعانها شعره (المزلط) الذي يبرق بشكل مريب.
ثم صور أول الألفية، وهو يتربع على عرش النجومية، كأنه إمبراطورٌ لا يهزم ولا تغير فيه السنين إلا ألوان تسريحاته والـ (بلوفر) السماوي الشهير الذي صار (يونيفورم) يندر أن تجد من لا يرتديه وقتها.
ثم تتوالى الصور التي يحرص دوما على تنوعها حتى تكاد تجزم أنها لعدة أشخاص وليست للشخص نفسه!
تنظر إلى هذا التسلسل الزمني المدهش، وتشعر بدوارٍ خفيف.
أي صراعٍ مرير هذا مع عقارب الساعة؟
أي معركةٍ شرسة يخوضها هذا الرجل ضد تاريخ الميلاد المستقر في بطاقته؟
قد ينظر البعض إلى هذا بإعجاب، يرون فيه انتصاراً للإرادة.
وقد ينظر آخرون بسخريةٍ خفيفة، يرون فيه حالة "تصابي" متأخرة، ومحاولةً يائسة للتمسك بماضٍ لن يعود.
لكن فجأة تقفز الصورة الأخيرة
تلك التي نراها اليوم.
الرجل نفسه، وقد تجاوز الستين من عمره بأعوام يقف على المسرح بحلقٍ يلمع في أذنه وقد كان يحرص منذ سنوات على إخفائه وإمالة رأسه بزاوية عند التصوير لا تظهر ذلك التشبه الفج الذي لا ينافسه فجاجة إلا الوشم الضخم الذي يزين صدره وذراعه المفتول الذي يتحدى قوانين الفيزياء والمنطق!
تقرر يوما أن تقلب في بعض مقاطع الفيديو التي جذبك محتواها للأسف لتفاجأ أن (الشيخ المتصابي) لم يزل يتقافز ويتواثب على المسرح لكنه هذه المرة ليس وحده
"أعذرَ اللهُ إلى امرئٍ أخَّر أجلَهُ حتى بلَّغه ستين سنةً".
يدوي في أذني ذلك الحديث النبوي المهيب الذي يشبه هزة تنبه كل غافلٍ تجاوز هذا العمر
"أعذرَ اللهُ إليه"...
أي لم يترك له عذراً!
أقام عليه الحجة..
أمهله وأعطاه من السنوات ما يكفي لأن يتوب ويستعد.
بعد الستين، لا يعود هناك مجالٌ لـ"طيش الشباب" أو "جهل الصبا".
فكيف يليق بمن بلغ هذا العمر وزاد عليه بضعة سنوات و أزال الله عنه كل عذر، أن يظلّ أسيراً لـذلك "الجوع"
جوع الروح إلى الأضواء
جوع "الأنا" للبقاء على القمة
جوع الشهرة والتصدر في دائرة الضوء
جوع التميز حتى لو بحلق يُرتدى في الأذن أو وشم مقزز يظهر تحت قميص مفتوح لو ارتداه حفيده لبدى رقيعا لا يمت للوقار بِصِلة
لكنه كما قلت لك يا عزيزي... الجوع
وليس كل جوع ينشأ عن فقر أو فراغ بطون
إن أنواع الجوع الأخرى أشد وطأة وأعظم أثرا على سلوك الإنسان
وهو فقط "جائع!"...
هكذا ببساطة همس لي صديقٌ حكيمٌ ذات يوم حين افتتح نقاش حول تلك الظاهرة..
كلمته البسيطة هذه فتحت أمامي نافذةً جديدة تماماً لفهم كل هذا المشهد.
نعم هو "الجوع"
هذا هو ما يدفعه ليرتدي الحلق، وليرسم الوشم، وليرقص مع ابنته على مسرح، ليس بالضرورة قناعةً بما يفعل، بل لأنه يعلم أن هذه الأفعال الصادمة هي "الطُعم" الذي سيُلقيه لأسماك وسائل التواصل الجائعة أيضا!
جائعة للجدل
سرعان ما ستلتهم سيرته لأيام أو أسابيع وتضمن له البقاء في "دائرة الضوء" أو "التريند" لفترة آخرى حتى لو تحوّل المرء إلى مهرجٍ يُقدم ألعابه الغريبة ويحاول تجديدها بمزيد من الافتعال والتراقص كلما خفت تصفيق الجمهور وانبهارهم.
ولقد كان لصاحبنا ما أراد
اشتعلت وسائل التواصل في الأيام الماضية انبهارا بما أصدره ذلك المتصابي الذي يصر أن يحيا كمراهق يودع عقده الثاني وليس كشيخ في منتصف العقد السابع!
نعم اللفظة كما قرأتها... شيخ!
هي لفظة تطلق على من طعن في السن وليست فقط مرتبطة بمن رسخ في العلم
"وأبونا شيخ كبير"
"وهذا بعلي شيخا"
وردت الكلمة في لسان العرب لابن منظور وفي تهذيب اللغة للأزهري، وفي الصحاح للجوهري، وكلّها ترجع إلى الأصل الثلاثي: (ش ي خ) وهو يدلّ على الكبر والسنّ والتقدّم، وربما أيضًا على الوقار والتجربة.
لكن على أي عمر تُطلق كلمة "شيخ"؟
لم تحدّها العربُ بعددٍ دقيقٍ من السنين، بل جعلوها صفةً تدرك بمظاهر السنّ والتجربة.
لكنهم أشاروا إلى أعمار تقريبية في بعض المواضع
قال الأزهري: الشيخ هو من جاوز الخمسين من عمره، وقيل الستين.
وفي "المحكم" لابن سيده: يُقال للذكر: طفل ثم غلام، ثم شاب، ثم كهل، ثم شيخ إذا شاخ.
والكَهْلُ — كما قيل — من الثلاثين إلى الخمسين، فإذا جاوزها، قيل له شيخ.
طبعا ستبدو اللفظة عجيبة حين تستدعي صورة المغني فاقعة الألوان وظاهرة الوشوم وستبدو أعجب حين تزاحم منشورات التطبيل وفيديوهات النوستالجيا والحنين الممجوج إلى الماضي الجميل الذي يمثله الفنان الذي تتناثر على السوشيال ميديا تدرجات صوره التي تلخص تاريخا يراه البعض تاريخنا شئنا أم أبينا.
قفزت أمام عيني صورةٌ له من الثمانينات، بشعره الكثيف الذي يشبه غابةً صغيرة، وشاربه الخفيف الذي كان موضة العصر، وابتسامة شابٍ يحلم بغزو العالم.
ثم صورةٌ أخرى من التسعينات، وقد أصبح "فتى أحلام" الكثيرات، ببشرته البرونزية وقمصانه المفتوحة التي تُظهر بداية عضلاتٍ مصقولة تنافس في لمعانها شعره (المزلط) الذي يبرق بشكل مريب.
ثم صور أول الألفية، وهو يتربع على عرش النجومية، كأنه إمبراطورٌ لا يهزم ولا تغير فيه السنين إلا ألوان تسريحاته والـ (بلوفر) السماوي الشهير الذي صار (يونيفورم) يندر أن تجد من لا يرتديه وقتها.
ثم تتوالى الصور التي يحرص دوما على تنوعها حتى تكاد تجزم أنها لعدة أشخاص وليست للشخص نفسه!
تنظر إلى هذا التسلسل الزمني المدهش، وتشعر بدوارٍ خفيف.
أي صراعٍ مرير هذا مع عقارب الساعة؟
أي معركةٍ شرسة يخوضها هذا الرجل ضد تاريخ الميلاد المستقر في بطاقته؟
قد ينظر البعض إلى هذا بإعجاب، يرون فيه انتصاراً للإرادة.
وقد ينظر آخرون بسخريةٍ خفيفة، يرون فيه حالة "تصابي" متأخرة، ومحاولةً يائسة للتمسك بماضٍ لن يعود.
لكن فجأة تقفز الصورة الأخيرة
تلك التي نراها اليوم.
الرجل نفسه، وقد تجاوز الستين من عمره بأعوام يقف على المسرح بحلقٍ يلمع في أذنه وقد كان يحرص منذ سنوات على إخفائه وإمالة رأسه بزاوية عند التصوير لا تظهر ذلك التشبه الفج الذي لا ينافسه فجاجة إلا الوشم الضخم الذي يزين صدره وذراعه المفتول الذي يتحدى قوانين الفيزياء والمنطق!
تقرر يوما أن تقلب في بعض مقاطع الفيديو التي جذبك محتواها للأسف لتفاجأ أن (الشيخ المتصابي) لم يزل يتقافز ويتواثب على المسرح لكنه هذه المرة ليس وحده
❤9👍2😢1
لقد قرر أن الوقت قد حان لتكون ابنته الشابة إلى جواره يغنيان ويرقصان معاً، كأنهما صديقان في نفس العمر، لا أبٌ وابنته!
هذا "التصابي" الذي يُغذيه الجوع الذي تحدثنا عنه؛ يمتدّ ليُحدث هذه النتيجة الحتمية ويورث هذا الاختلاط في الأدوار الذي غفل عنه المطبلون الذين لا يفرق معهم حلال أو حرام ولا يشغلهم نظر شرعي أو قياس ديني لشيء يجاهر به صاحبه وللأسف يقتدى به!
حين ترى أبا يُشارك ابنته عرضا دفع الحاضرون تذكرته؛ لا يسعك إلا أن تتساءل: أين هو الأب حقا؟
أين تلك الهيبة، وذلك الوقار، وذلك الخط الفاصل الذي يُميز بين دور الشخص الذي يصر على أن يُبهر الجمهور، ودور "الأب" الذي يُربي ويُوجّه ويحمي؟
وأين الدين؟!
حين تذوب هذه الحدود، و تُقدّم "الصورة" و"التريند" على حساب القيم والأدوار الحقيقية وتُصبح العلاقة كلها مجرد "لقطة" ة تثير الضجة وتثبت أنه لم يزل في مركز الضوء وحديث الناس = فإننا للأسف نكون أمام شكلٍ آخر من أشكال التدني السلوكي
شكل لا أراه إلا في صورة واحدة
صورة المسخ التي نشهدها اليوم
حسنا... أتوقع طبعا اتهامات بالحكم على الناس والتدخل في خياراتهم والحق أن ذلك السياق لم يعد يشغلني لأن أصحابه كما تغافلوا عن حكم ما يفعل أسطورتهم يتغافلون عن الفارق الواضح بين تتبع من استتر بذنبه وبين الإنكار على من جاهر بمعصيته..
ولسنا هنا نتحدث عن مجرد مجاهر!
شئنا أم أبينا (الشيخ المتصابي) هو من أكثر الناس تأثيرا في أجيال متعاقبة..
وإن لم يكن التأثير بالتقليد المباشر فالانبهار الذي يطمس معايير الهوية والصواب والخطأ والحلال والحرام ووضع ذلك ذلك على رف التجاهل حيث لا صوت يعلو فوق صوت الإعجاب المادي العابر لكل المعايير = كارثة بكل المقاييس!
لذلك لن يعنيني من سيتجاهل كل تلك الفوارق ويصر على اتهامي بما ليس فيّ محتسبا أجر الإنكار العام على المعاصي الظاهرة التي يتم تجاهلها في إطار الانبهار المرضي
وكذلك الإنكار الخاص على الظاهرة محل المدارسة..
إنني حين أنظر إلى تلك الظاهرة، لا أرى مجرد رجلٍ يحافظ على شبابه، بل أرى شيئاً أعمق وأكثر إيلاماً.
أرى معركةً وجودية مع "الظل" الذي يطاردنا جميعاً
ظل الشيخوخة..
ظل الضعف..
ظل النهاية..
أرى محاولةً محمومة لصناعة "قناع" من الشباب الدائم
قناعٍ لامعٍ ومصقول، يُخفي خلفه ما لا يريدنا أن نراه!
وربما... ما لا يريد هو نفسه أن يراه!
لكن الإصرار على ارتداء "قناع الشباب الأبدي" له ثمنٌ باهظ.
إنه يجعلك سجين "صورة" لا تستطيع التخلي عنها.
يجعلك في سباقٍ دائمٍ ومُنهك ضد الزمن، وهو سباقٌ خاسرٌ لا محالة لم يتعظ صاحبنا ممن خسروه قبله وبشكل مؤسف..
سباق لا محالة سيُفقد المتسابق حكمة السن ووقاره وسكينته؛ تلك المراحل الطبيعية التي يُهيئنا الله بها للقائه.
سباق ينسي من في المضمار أن لكل وقتٍ، أذان، ولكل مرحلةٍ جمالها ومقتضياتها وأن استبدال إحداها بالأخرى = نغمة نشازٌ لا تُطرب...
بل هي في الحقيقة تُزعج جدا!
لكن لن يشعر بإزعاجها إلا من ظلت فطرته على طبيعتها ولم تشوهها الصور المشوهة مهما كان ألوانها براقة
"وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ۖ أَفَلَا يَعْقِلُونَ" (يس: 68).
هذه آيةٌ كونية
سُنّةٌ إلهية.
من يحاول أن يُصارع هذه السنة، فهو كمن يُحاول أن يوقف شروق الشمس أو غروبها يوميا.
قد ينجح في حجب ضوئها عن عينيه بنظارات ملونة وقد يفلح في خداع نفسه والآخرين لبعض الوقت؛ لكن الحقيقة ستفرض نفسها في النهاية.
وحدها المرايا الصامتة تعرف الحقيقة.
لا تُجامل الملامح، ولا تُطيل التصفيق.
ووحدهم الذين يُحسنون الإصغاء لصوت الفطرة، يدركون أن الستر أجمل من الافتعال، وأن الضوء الحقيقي لا يُصنع من فلاش الكاميرات، بل من اتساق الداخل مع الخارج ومن التصالح مع الحكمة لا من الهروب منها.
فالزمن – وإن راوغناه بالألوان والعدسات = لا ينسى
لا يُخطئ في عدّ السنين،
ولا يتردّد حين ينزع من الوجوه أقنعتها.
فلا الزينة ستُعيده شاباً، ولا الرقص سيُخفي ترنُّح الحكمة في عينيه، ولا "التريند" سيُبدّد الحقيقة التي حفرتها الأيام على ملامحه...
الحقيقة التي تقول: لقد بلّغك الله الستين، وقد أعذر إليك!
وليس بعد "الإعذار" إلا الحساب، وليس بعد انطفاء البريق إلا من يسأل نفسه: هل كنت أضيء حقاً أم كنت مجرد انعكاس للضوء على سطحٍ أملس... يلمع فقط حين يُسلَّط عليه الضوء؟
وليس ما يؤلم في هذا المشهد أن يشيخ الجسد، بل أن تشيخ الروح وهي تتنكّر في زيّ مراهق!
أن يفقد الإنسان حكمة السنين وهو يطارد سراب الشباب..
أن يُبدّد ما تبقى من وقاره ليشتري لحظةً زائفة من وهج الضوء.
ذلك الضوء الزائف الذي يلتهم ملامح الهوية ويُذيب الفوارق بين الجدّ والمهرج،
وبين الأب… والمُستعرِض.
ثم لا يلبث أن ينطفئ...
ذلك لأن الضوء الذي لا ينبعث من الداخل؛ لا يُنير شيئًا ولا يُبقي من صاحبه إلا ظلًا باهتًا
ظلا يتحاشى أن ينظر إليه أحد.
هذا "التصابي" الذي يُغذيه الجوع الذي تحدثنا عنه؛ يمتدّ ليُحدث هذه النتيجة الحتمية ويورث هذا الاختلاط في الأدوار الذي غفل عنه المطبلون الذين لا يفرق معهم حلال أو حرام ولا يشغلهم نظر شرعي أو قياس ديني لشيء يجاهر به صاحبه وللأسف يقتدى به!
حين ترى أبا يُشارك ابنته عرضا دفع الحاضرون تذكرته؛ لا يسعك إلا أن تتساءل: أين هو الأب حقا؟
أين تلك الهيبة، وذلك الوقار، وذلك الخط الفاصل الذي يُميز بين دور الشخص الذي يصر على أن يُبهر الجمهور، ودور "الأب" الذي يُربي ويُوجّه ويحمي؟
وأين الدين؟!
حين تذوب هذه الحدود، و تُقدّم "الصورة" و"التريند" على حساب القيم والأدوار الحقيقية وتُصبح العلاقة كلها مجرد "لقطة" ة تثير الضجة وتثبت أنه لم يزل في مركز الضوء وحديث الناس = فإننا للأسف نكون أمام شكلٍ آخر من أشكال التدني السلوكي
شكل لا أراه إلا في صورة واحدة
صورة المسخ التي نشهدها اليوم
حسنا... أتوقع طبعا اتهامات بالحكم على الناس والتدخل في خياراتهم والحق أن ذلك السياق لم يعد يشغلني لأن أصحابه كما تغافلوا عن حكم ما يفعل أسطورتهم يتغافلون عن الفارق الواضح بين تتبع من استتر بذنبه وبين الإنكار على من جاهر بمعصيته..
ولسنا هنا نتحدث عن مجرد مجاهر!
شئنا أم أبينا (الشيخ المتصابي) هو من أكثر الناس تأثيرا في أجيال متعاقبة..
وإن لم يكن التأثير بالتقليد المباشر فالانبهار الذي يطمس معايير الهوية والصواب والخطأ والحلال والحرام ووضع ذلك ذلك على رف التجاهل حيث لا صوت يعلو فوق صوت الإعجاب المادي العابر لكل المعايير = كارثة بكل المقاييس!
لذلك لن يعنيني من سيتجاهل كل تلك الفوارق ويصر على اتهامي بما ليس فيّ محتسبا أجر الإنكار العام على المعاصي الظاهرة التي يتم تجاهلها في إطار الانبهار المرضي
وكذلك الإنكار الخاص على الظاهرة محل المدارسة..
إنني حين أنظر إلى تلك الظاهرة، لا أرى مجرد رجلٍ يحافظ على شبابه، بل أرى شيئاً أعمق وأكثر إيلاماً.
أرى معركةً وجودية مع "الظل" الذي يطاردنا جميعاً
ظل الشيخوخة..
ظل الضعف..
ظل النهاية..
أرى محاولةً محمومة لصناعة "قناع" من الشباب الدائم
قناعٍ لامعٍ ومصقول، يُخفي خلفه ما لا يريدنا أن نراه!
وربما... ما لا يريد هو نفسه أن يراه!
لكن الإصرار على ارتداء "قناع الشباب الأبدي" له ثمنٌ باهظ.
إنه يجعلك سجين "صورة" لا تستطيع التخلي عنها.
يجعلك في سباقٍ دائمٍ ومُنهك ضد الزمن، وهو سباقٌ خاسرٌ لا محالة لم يتعظ صاحبنا ممن خسروه قبله وبشكل مؤسف..
سباق لا محالة سيُفقد المتسابق حكمة السن ووقاره وسكينته؛ تلك المراحل الطبيعية التي يُهيئنا الله بها للقائه.
سباق ينسي من في المضمار أن لكل وقتٍ، أذان، ولكل مرحلةٍ جمالها ومقتضياتها وأن استبدال إحداها بالأخرى = نغمة نشازٌ لا تُطرب...
بل هي في الحقيقة تُزعج جدا!
لكن لن يشعر بإزعاجها إلا من ظلت فطرته على طبيعتها ولم تشوهها الصور المشوهة مهما كان ألوانها براقة
"وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ۖ أَفَلَا يَعْقِلُونَ" (يس: 68).
هذه آيةٌ كونية
سُنّةٌ إلهية.
من يحاول أن يُصارع هذه السنة، فهو كمن يُحاول أن يوقف شروق الشمس أو غروبها يوميا.
قد ينجح في حجب ضوئها عن عينيه بنظارات ملونة وقد يفلح في خداع نفسه والآخرين لبعض الوقت؛ لكن الحقيقة ستفرض نفسها في النهاية.
وحدها المرايا الصامتة تعرف الحقيقة.
لا تُجامل الملامح، ولا تُطيل التصفيق.
ووحدهم الذين يُحسنون الإصغاء لصوت الفطرة، يدركون أن الستر أجمل من الافتعال، وأن الضوء الحقيقي لا يُصنع من فلاش الكاميرات، بل من اتساق الداخل مع الخارج ومن التصالح مع الحكمة لا من الهروب منها.
فالزمن – وإن راوغناه بالألوان والعدسات = لا ينسى
لا يُخطئ في عدّ السنين،
ولا يتردّد حين ينزع من الوجوه أقنعتها.
فلا الزينة ستُعيده شاباً، ولا الرقص سيُخفي ترنُّح الحكمة في عينيه، ولا "التريند" سيُبدّد الحقيقة التي حفرتها الأيام على ملامحه...
الحقيقة التي تقول: لقد بلّغك الله الستين، وقد أعذر إليك!
وليس بعد "الإعذار" إلا الحساب، وليس بعد انطفاء البريق إلا من يسأل نفسه: هل كنت أضيء حقاً أم كنت مجرد انعكاس للضوء على سطحٍ أملس... يلمع فقط حين يُسلَّط عليه الضوء؟
وليس ما يؤلم في هذا المشهد أن يشيخ الجسد، بل أن تشيخ الروح وهي تتنكّر في زيّ مراهق!
أن يفقد الإنسان حكمة السنين وهو يطارد سراب الشباب..
أن يُبدّد ما تبقى من وقاره ليشتري لحظةً زائفة من وهج الضوء.
ذلك الضوء الزائف الذي يلتهم ملامح الهوية ويُذيب الفوارق بين الجدّ والمهرج،
وبين الأب… والمُستعرِض.
ثم لا يلبث أن ينطفئ...
ذلك لأن الضوء الذي لا ينبعث من الداخل؛ لا يُنير شيئًا ولا يُبقي من صاحبه إلا ظلًا باهتًا
ظلا يتحاشى أن ينظر إليه أحد.
❤17👍2😢1
الحلقة الصوتية👆
مِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلدُّنۡیَا وَمِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلۡـَٔاخِرَةَ
المجلس التاسع عشر من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 149 إلي 152
#العودة_إلى_القرآن
رابط الحلقة على اليوتيوب 👇
https://youtu.be/4CGEphIEhEA?si=ZWHkA5A_bs-pSlb1
مِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلدُّنۡیَا وَمِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلۡـَٔاخِرَةَ
المجلس التاسع عشر من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 149 إلي 152
#العودة_إلى_القرآن
رابط الحلقة على اليوتيوب 👇
https://youtu.be/4CGEphIEhEA?si=ZWHkA5A_bs-pSlb1
❤3
لم يكن في نيتي أن أكتب عن هذا الشاب المتبجح بإيذائه لغيره أو الآخر الذي أدركته كاميرات المراقبة وهو يطيح بسيدة وبناتها ويوسعهم ضربا دون تفسير واضح أو غيره أو غيره... وغيره كثير!
كنت أنوي تجاهل كل مظاهر انهيار الذوق العام وحوارات "التريند" الذي سيتجدد كل يوم..
لكنني لم أستطع التجاهل حين بلغ الإصرار على الاختلاف في كل شيء هذا الحد!
حين صارت تُبذل محاولات إقناع أن "البلطجة" والاعتداء = ظروف نفسية أو عوامل بيئية أو حتى وجهة نظر.
كيف يمكنك تجاهل فكرة أن ثمة من يؤذيك فقط لأنك مررت بجواره؟
نعم يا صديقي.
ليس لأنك أسأت إليه، ولا لأنك أخذت منه شيئًا، ولا لأنك كنت صوتًا في الاتجاه المعاكس.
بل لأنك تمتلك شيئا يرى أنه ليس من حقك فقط... لأنه لا يملك مثله
أو أحيانا فقط.. لأنك موجود.
من الأنماط البشرية التي ظللت طوال حياتي أظنها من شخصيات الكوميكس: الشرير لمجرد الشر.
ذلك المشهد الهزلي لعدو البطل ذي الضحكة الشريرة، والذي يدمر المدينة لأنه لا يحب شكل مبانيها، أو يطلق الكلاب على الأطفال لأنه لا يحب الصبية صغار السن.
كنت أظن ذلك محض خيال... حتى كبرت وعاينت الحقيقة.
حين كبرت يا عزيزي، رأيت من يحمل مسمارا يمر جوار السيارات ليجرحها به مبررا فعله بأن " أصل معاهم فلوس ما يصلّحوها".
رأيت من يتلصص على النوافذ لا لشيء... إلا ليتلذذ بإحراج الآخرين.
رأيت سيدة تؤذي جارتها لأنها فقط تكره صوت ضحكتها الصافية.
سمعت ممن أثق به عن صبي كان يرش "مياه نار" على السيارات، بلا سبب… إلا ربما كنوع من الفن السريالي
هل يحتاج الإنسان إلى سبب ليؤذي؟
سؤال فلسفي عبثي بامتياز؛ أجبنا عليه منذ زمن دون أن ندري.
هناك صنف من الناس لا يحتاج إلى من يستفزه.
بل يكفي أن تكون "فرحا" أو "مرتاحا" أو أن سيارتك لامعة، أو أنك مبتسم أو تمارس الرياضة.
حينها، ستصير هدفا لعقوبته.
قد يحاول عقلك أن يجد عذرًا:
ربما هو مضغوط…
ربما من ضحايا الطفولة القاسية…
ربما فشل المجتمع في ضمه إلى مظلة الرحمة المجتمعية…
قد يكون كل ذلك أو بعضه صحيحا لكنه سيظل تبريرا سطحيا للمشكلة الأعمق
الإيذاء المتعمد..
الإضرار المباشر..
العقوبة التي يطبقها كاره أو حاقد أو غاضب على من لم يتسبب فيما هو فيه
ومهما حاولت التبرير أو التسطيح، سيقفز في وجهك هذا النوع من البشر الذين يمارسون الأذى كمنهج حياة ليؤكدوا لك أن الأمر لا يبرر دائما.
هناك أذى بلا سبب. بلا تفسير. بلا أمل في تعقل أو إقناع أو منطق!
أذى كأنه هواية لا أكثر..
وهؤلاء لا يحتاجون إلى عدو.
فقط يحتاجون إلى ضحية.
ويا لسوء حظك إن كنت تمرّ من هناك ساعة الصفر.
الأذى هنا لا يشترط أن يكون جسديًا.
يكفيك نظرة كراهية وغل..
كلمة محبطة..
أو دسّ سم الإيذاء في جرعة فرحك.
يكفيك أن يشعروك بالذنب لمجرد أنك بخير.
أو تبدو لهم بخير..
أما الأسوأ في رأيي من وجود هذا النموذج، هو أولئك الذين يدافعون عنهم
سواء بدافع سذاجة أو حالة إنكار
من يحاول تفصيل مبررات جاهزة.
"أكيد استفزوه"
"يمكن عنده ظروف"
"ده مسكين... وبيطلع اللي جواه"
كلا يا عزيري.
هو ليس مسكينًا، بل خطر.
والتعاطف غير المشروط مع المؤذي = تواطؤ ناعم.
بعض الناس لا يحتاجون طبيبًا، بل قاضيًا.
بعضهم لا يحتاج علاجًا نفسيًا عاجلا بل حكمًا فاصلا يمنع الأذى عن الباقين.
ثم مرحبا بالعلاج بعد كف الأذى..
ولقد قال الأولون من أمن العقوبة أساء الأدب
ثمة فارق بين من يتألم فيكاد أن يؤذي، وبين من يتلذذ بالأذى ذاته.
الأول يحتاج يدًا تُمسك به أو تربت على كتفه وتمتص غضبه طالما لم يعتدِ بعد..
أما الثاني... فهو يحتاج سياجًا لا يُمكّنه من إيذاء الآخرين مجددًا.
لا تظنّني غاضبًا.
أنا فقط... مُنهك.
مُنْهك من محاولة فهم هذا النوع.
ومنهك أكثر مما أراه من محاولات تبريره.
فما عاد في القلب طاقة للإنكار ولا في الرأس مساحة للسذاجة.
لابد أن ننضج بما يكفي للاعتراف... هناك من يؤذي بلا سبب.
يضحك حين تتعثر، ويُسرّ حين تخسر، ويكتم ضيقًا حين يسمع ضحكتك.
وهؤلاء، مهما ارتدوا من أقنعة أو ادعوا من لطف حين التمكن منهم = فلا شيء يفسّرهم سوى هذه الحقيقة المجرّدة:
هم يؤذون لأنهم فقط... قادرون على ذلك
ويحبون ذلك!
وللأسف، التماس الأعذار لهم والبحث عن مبررات لن يؤدي إلا إلى أن كثيرًا منهم سيظلون منطلقين في شوارعنا ويتغلغلون في مجتمعنا كورم خبيث لا يكل ولا يمل في ممارسة هوايته
هواية الأذى
كنت أنوي تجاهل كل مظاهر انهيار الذوق العام وحوارات "التريند" الذي سيتجدد كل يوم..
لكنني لم أستطع التجاهل حين بلغ الإصرار على الاختلاف في كل شيء هذا الحد!
حين صارت تُبذل محاولات إقناع أن "البلطجة" والاعتداء = ظروف نفسية أو عوامل بيئية أو حتى وجهة نظر.
كيف يمكنك تجاهل فكرة أن ثمة من يؤذيك فقط لأنك مررت بجواره؟
نعم يا صديقي.
ليس لأنك أسأت إليه، ولا لأنك أخذت منه شيئًا، ولا لأنك كنت صوتًا في الاتجاه المعاكس.
بل لأنك تمتلك شيئا يرى أنه ليس من حقك فقط... لأنه لا يملك مثله
أو أحيانا فقط.. لأنك موجود.
من الأنماط البشرية التي ظللت طوال حياتي أظنها من شخصيات الكوميكس: الشرير لمجرد الشر.
ذلك المشهد الهزلي لعدو البطل ذي الضحكة الشريرة، والذي يدمر المدينة لأنه لا يحب شكل مبانيها، أو يطلق الكلاب على الأطفال لأنه لا يحب الصبية صغار السن.
كنت أظن ذلك محض خيال... حتى كبرت وعاينت الحقيقة.
حين كبرت يا عزيزي، رأيت من يحمل مسمارا يمر جوار السيارات ليجرحها به مبررا فعله بأن " أصل معاهم فلوس ما يصلّحوها".
رأيت من يتلصص على النوافذ لا لشيء... إلا ليتلذذ بإحراج الآخرين.
رأيت سيدة تؤذي جارتها لأنها فقط تكره صوت ضحكتها الصافية.
سمعت ممن أثق به عن صبي كان يرش "مياه نار" على السيارات، بلا سبب… إلا ربما كنوع من الفن السريالي
هل يحتاج الإنسان إلى سبب ليؤذي؟
سؤال فلسفي عبثي بامتياز؛ أجبنا عليه منذ زمن دون أن ندري.
هناك صنف من الناس لا يحتاج إلى من يستفزه.
بل يكفي أن تكون "فرحا" أو "مرتاحا" أو أن سيارتك لامعة، أو أنك مبتسم أو تمارس الرياضة.
حينها، ستصير هدفا لعقوبته.
قد يحاول عقلك أن يجد عذرًا:
ربما هو مضغوط…
ربما من ضحايا الطفولة القاسية…
ربما فشل المجتمع في ضمه إلى مظلة الرحمة المجتمعية…
قد يكون كل ذلك أو بعضه صحيحا لكنه سيظل تبريرا سطحيا للمشكلة الأعمق
الإيذاء المتعمد..
الإضرار المباشر..
العقوبة التي يطبقها كاره أو حاقد أو غاضب على من لم يتسبب فيما هو فيه
ومهما حاولت التبرير أو التسطيح، سيقفز في وجهك هذا النوع من البشر الذين يمارسون الأذى كمنهج حياة ليؤكدوا لك أن الأمر لا يبرر دائما.
هناك أذى بلا سبب. بلا تفسير. بلا أمل في تعقل أو إقناع أو منطق!
أذى كأنه هواية لا أكثر..
وهؤلاء لا يحتاجون إلى عدو.
فقط يحتاجون إلى ضحية.
ويا لسوء حظك إن كنت تمرّ من هناك ساعة الصفر.
الأذى هنا لا يشترط أن يكون جسديًا.
يكفيك نظرة كراهية وغل..
كلمة محبطة..
أو دسّ سم الإيذاء في جرعة فرحك.
يكفيك أن يشعروك بالذنب لمجرد أنك بخير.
أو تبدو لهم بخير..
أما الأسوأ في رأيي من وجود هذا النموذج، هو أولئك الذين يدافعون عنهم
سواء بدافع سذاجة أو حالة إنكار
من يحاول تفصيل مبررات جاهزة.
"أكيد استفزوه"
"يمكن عنده ظروف"
"ده مسكين... وبيطلع اللي جواه"
كلا يا عزيري.
هو ليس مسكينًا، بل خطر.
والتعاطف غير المشروط مع المؤذي = تواطؤ ناعم.
بعض الناس لا يحتاجون طبيبًا، بل قاضيًا.
بعضهم لا يحتاج علاجًا نفسيًا عاجلا بل حكمًا فاصلا يمنع الأذى عن الباقين.
ثم مرحبا بالعلاج بعد كف الأذى..
ولقد قال الأولون من أمن العقوبة أساء الأدب
ثمة فارق بين من يتألم فيكاد أن يؤذي، وبين من يتلذذ بالأذى ذاته.
الأول يحتاج يدًا تُمسك به أو تربت على كتفه وتمتص غضبه طالما لم يعتدِ بعد..
أما الثاني... فهو يحتاج سياجًا لا يُمكّنه من إيذاء الآخرين مجددًا.
لا تظنّني غاضبًا.
أنا فقط... مُنهك.
مُنْهك من محاولة فهم هذا النوع.
ومنهك أكثر مما أراه من محاولات تبريره.
فما عاد في القلب طاقة للإنكار ولا في الرأس مساحة للسذاجة.
لابد أن ننضج بما يكفي للاعتراف... هناك من يؤذي بلا سبب.
يضحك حين تتعثر، ويُسرّ حين تخسر، ويكتم ضيقًا حين يسمع ضحكتك.
وهؤلاء، مهما ارتدوا من أقنعة أو ادعوا من لطف حين التمكن منهم = فلا شيء يفسّرهم سوى هذه الحقيقة المجرّدة:
هم يؤذون لأنهم فقط... قادرون على ذلك
ويحبون ذلك!
وللأسف، التماس الأعذار لهم والبحث عن مبررات لن يؤدي إلا إلى أن كثيرًا منهم سيظلون منطلقين في شوارعنا ويتغلغلون في مجتمعنا كورم خبيث لا يكل ولا يمل في ممارسة هوايته
هواية الأذى
👍12❤6