.
قال ابن تيمية : "ﻭﺑﻜﻞ ﺣﺎﻝ ﻓﺎﻟﻌﺒﺪ ﻣﻔﺘﻘﺮ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﻬﺪﻳﻪ ﻭﻳﻠﻬﻤﻪ ﺭﺷﺪﻩ.
ﻭﺇﺫا ﺣﺼﻞ ﻟﻪ ﻋﻠﻢ ﺑﺪﻟﻴﻞ ﻋﻘﻠﻲ، ﻓﻬﻮ ﻣﻔﺘﻘﺮ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺗﺼﻮﺭ ﻣﻘﺪﻣﺎﺕ ﺫﻟﻚ اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻭﻳﺠﻤﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ، ﺛﻢ ﻳﺤﺪﺙ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺬﻱ ﺣﺼﻞ ﺑﻬﺎ.
ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ ﺃﺫﻛﻴﺎء اﻟﻨﺎﺱ ﻭﺃﺣﺪّﻫﻢ ﻧﻈﺮًا ﻭﻳﻌﻤﻴﻪ ﻋﻦ ﺃﻇﻬﺮ اﻷﺷﻴﺎء.
ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﺑﻠﺪ اﻟﻨﺎﺱ ﻭﺃﺿﻌﻔﻬﻢ ﻧﻈﺮًا ﻭﻳﻬﺪﻳﻪ ﻟﻤﺎ اﺧﺘﻠﻒ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﻖ ﺑﺈﺫﻧﻪ، ﻓﻼ ﺣﻮﻝ ﻭﻻ ﻗﻮﺓ ﺇﻻ ﺑﻪ.
ﻓﻤﻦ اﺗﻜﻞ ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺮﻩ ﻭاﺳﺘﺪﻻﻟﻪ ﺃﻭ ﻋﻘﻠﻪ ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻪ، ﺧﺬﻝ.
ﻭﻟﻬﺬا ﻛﺎﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻓﻲ اﻷﺣﺎﺩﻳﺚ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻛﺜﻴﺮا ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻝ: «ﻳﺎ ﻣﻘﻠﺐ اﻟﻘﻠﻮﺏ ﺛﺒﺖ ﻗﻠﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺩﻳﻨﻚ»، ﻭﻳﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻳﻤﻴﻨﻪ: «ﻻ ﻭﻣﻘﻠﺐ اﻟﻘﻠﻮﺏ».
ﻭﻳﻘﻮﻝ: «ﻭاﻟﺬﻱ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻴﺪﻩ»، ﻭﻳﻘﻮﻝ: «ﻣﺎ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﻣﻦ ﻗﻠﻮﺏ اﻟﻌﺒﺎﺩ ﺇﻻ ﻭﻫﻮ ﺑﻴﻦ ﺇﺻﺒﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﺻﺎﺑﻊ اﻟﺮﺣﻤﻦ، ﻭﺇﻥ ﺷﺎء ﺃﻥ ﻳﻘﻴﻤﻪ ﺃﻗﺎﻣﻪ، ﻭﺇﻥ ﺷﺎء ﺃﻥ ﻳﺰﻳﻐﻪ ﺃﺯاﻏﻪ».
ثم قال بعدُ:
"ﻭﻫﺬا ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ ﻛﺎﻹﺭاﺩاﺕ ﻓﻲ اﻷﻋﻤﺎﻝ، ﻓﺈﻥّ اﻟﻌﺒﺪ ﻣﻔﺘﻘﺮ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﺤﺒﺐ ﺇﻟﻴﻪ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﻳﺒﻐﺾ ﺇﻟﻴﻪ اﻟﻜﻔﺮ، ﻭﺇﻻ ﻓﻘﺪ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﺤﻖ ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﺤﺒﻪ ﻭﻻ ﻳﺮﻳﺪﻩ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﻧﺪﻳﻦ اﻟﺠﺎﺣﺪﻳﻦ".
(درء تعارض العقل والنقل، ٩ / ٣٥)
قال ابن تيمية : "ﻭﺑﻜﻞ ﺣﺎﻝ ﻓﺎﻟﻌﺒﺪ ﻣﻔﺘﻘﺮ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﻬﺪﻳﻪ ﻭﻳﻠﻬﻤﻪ ﺭﺷﺪﻩ.
ﻭﺇﺫا ﺣﺼﻞ ﻟﻪ ﻋﻠﻢ ﺑﺪﻟﻴﻞ ﻋﻘﻠﻲ، ﻓﻬﻮ ﻣﻔﺘﻘﺮ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺗﺼﻮﺭ ﻣﻘﺪﻣﺎﺕ ﺫﻟﻚ اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻭﻳﺠﻤﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ، ﺛﻢ ﻳﺤﺪﺙ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺬﻱ ﺣﺼﻞ ﺑﻬﺎ.
ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ ﺃﺫﻛﻴﺎء اﻟﻨﺎﺱ ﻭﺃﺣﺪّﻫﻢ ﻧﻈﺮًا ﻭﻳﻌﻤﻴﻪ ﻋﻦ ﺃﻇﻬﺮ اﻷﺷﻴﺎء.
ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﺑﻠﺪ اﻟﻨﺎﺱ ﻭﺃﺿﻌﻔﻬﻢ ﻧﻈﺮًا ﻭﻳﻬﺪﻳﻪ ﻟﻤﺎ اﺧﺘﻠﻒ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﻖ ﺑﺈﺫﻧﻪ، ﻓﻼ ﺣﻮﻝ ﻭﻻ ﻗﻮﺓ ﺇﻻ ﺑﻪ.
ﻓﻤﻦ اﺗﻜﻞ ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺮﻩ ﻭاﺳﺘﺪﻻﻟﻪ ﺃﻭ ﻋﻘﻠﻪ ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻪ، ﺧﺬﻝ.
ﻭﻟﻬﺬا ﻛﺎﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻓﻲ اﻷﺣﺎﺩﻳﺚ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻛﺜﻴﺮا ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻝ: «ﻳﺎ ﻣﻘﻠﺐ اﻟﻘﻠﻮﺏ ﺛﺒﺖ ﻗﻠﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺩﻳﻨﻚ»، ﻭﻳﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻳﻤﻴﻨﻪ: «ﻻ ﻭﻣﻘﻠﺐ اﻟﻘﻠﻮﺏ».
ﻭﻳﻘﻮﻝ: «ﻭاﻟﺬﻱ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻴﺪﻩ»، ﻭﻳﻘﻮﻝ: «ﻣﺎ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﻣﻦ ﻗﻠﻮﺏ اﻟﻌﺒﺎﺩ ﺇﻻ ﻭﻫﻮ ﺑﻴﻦ ﺇﺻﺒﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﺻﺎﺑﻊ اﻟﺮﺣﻤﻦ، ﻭﺇﻥ ﺷﺎء ﺃﻥ ﻳﻘﻴﻤﻪ ﺃﻗﺎﻣﻪ، ﻭﺇﻥ ﺷﺎء ﺃﻥ ﻳﺰﻳﻐﻪ ﺃﺯاﻏﻪ».
ثم قال بعدُ:
"ﻭﻫﺬا ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ ﻛﺎﻹﺭاﺩاﺕ ﻓﻲ اﻷﻋﻤﺎﻝ، ﻓﺈﻥّ اﻟﻌﺒﺪ ﻣﻔﺘﻘﺮ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﺤﺒﺐ ﺇﻟﻴﻪ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﻳﺒﻐﺾ ﺇﻟﻴﻪ اﻟﻜﻔﺮ، ﻭﺇﻻ ﻓﻘﺪ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﺤﻖ ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﺤﺒﻪ ﻭﻻ ﻳﺮﻳﺪﻩ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﻧﺪﻳﻦ اﻟﺠﺎﺣﺪﻳﻦ".
(درء تعارض العقل والنقل، ٩ / ٣٥)
.
في صحيح مسلم ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻗﺎﻝ ﻳﻮﻡ ﺧﻴﺒﺮ: «ﻷﻋﻄﻴﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﺮاﻳﺔ ﺭﺟﻼ ﻳﺤﺐ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ، ﻳﻔﺘﺢ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ»!
ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎﺏ: ﻣﺎ ﺃﺣﺒﺒﺖ اﻹﻣﺎﺭﺓ ﺇﻻ ﻳﻮﻣﺌﺬ!
ﻗﺎﻝ: ﻓﺘﺴﺎﻭﺭﺕ ﻟﻬﺎ ﺭﺟﺎء ﺃﻥ ﺃﺩﻋﻰ ﻟﻬﺎ!
ﻗﺎﻝ: ﻓﺪﻋﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ، ﻓﺄﻋﻄﺎﻩ ﺇﻳﺎﻫﺎ، ﻭﻗﺎﻝ:
«اﻣﺶِ ﻭﻻ ﺗﻠﺘﻔﺖ، ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺘﺢ اﻟﻠﻪ عليك»!
ﻗﺎﻝ: ﻓﺴﺎﺭ ﻋﻠﻲٌ ﺷﻴﺌًﺎ ﺛﻢ ﻭﻗﻒ! ﻭﻟﻢ ﻳﻠﺘﻔﺖ!
ﻓﺼﺮﺥ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ! ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺫا ﺃﻗﺎﺗﻞ اﻟﻨﺎﺱ؟
ﻗﺎﻝ: «ﻗﺎﺗﻠﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﺸﻬﺪﻭا ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﻥّ ﻣﺤﻤﺪا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻓﺈﺫا ﻓﻌﻠﻮا ﺫﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻣﻨﻌﻮا ﻣﻨﻚ ﺩﻣﺎءﻫﻢ ﻭﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ، ﺇﻻ ﺑﺤﻘﻬﺎ ﻭﺣﺴﺎﺑﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ».
•• في هذا الحديث فائدتان جليلتان:
واحدة في الحياد والتجرّد والزهد في الشرف.
والثانية في عظمة الامتثال، والمتابعة للنبي ﷺ، وعدم الخروج عن أمره قيد أنملة!
وهما فضيلتان متفردتان، ومنزلتان عظيمتان.
- ففي خبر عمر -رضي الله عنه- ذكر لفضيلة عظيمة له، ببيان ما كان عليه من الزكاء والطهر حتى إنّه لم يحب الإمارة في عمره الإسلامي كله إلا مرة!
- وفي خبر علي -رضي الله عنه- بيان لعظمة امتثاله، حتى إنه حين سمع أمر النبي ﷺ: «اﻣﺶِ ﻭﻻ ﺗﻠﺘﻔﺖ، ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺘﺢ اﻟﻠﻪ عليك»!
وأراد أن يسأل النبي ﷺ، لم يلتفت! لأن النبي ﷺ قال له: «لا تلتفت»!
في صحيح مسلم ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻗﺎﻝ ﻳﻮﻡ ﺧﻴﺒﺮ: «ﻷﻋﻄﻴﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﺮاﻳﺔ ﺭﺟﻼ ﻳﺤﺐ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ، ﻳﻔﺘﺢ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ»!
ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎﺏ: ﻣﺎ ﺃﺣﺒﺒﺖ اﻹﻣﺎﺭﺓ ﺇﻻ ﻳﻮﻣﺌﺬ!
ﻗﺎﻝ: ﻓﺘﺴﺎﻭﺭﺕ ﻟﻬﺎ ﺭﺟﺎء ﺃﻥ ﺃﺩﻋﻰ ﻟﻬﺎ!
ﻗﺎﻝ: ﻓﺪﻋﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ، ﻓﺄﻋﻄﺎﻩ ﺇﻳﺎﻫﺎ، ﻭﻗﺎﻝ:
«اﻣﺶِ ﻭﻻ ﺗﻠﺘﻔﺖ، ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺘﺢ اﻟﻠﻪ عليك»!
ﻗﺎﻝ: ﻓﺴﺎﺭ ﻋﻠﻲٌ ﺷﻴﺌًﺎ ﺛﻢ ﻭﻗﻒ! ﻭﻟﻢ ﻳﻠﺘﻔﺖ!
ﻓﺼﺮﺥ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ! ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺫا ﺃﻗﺎﺗﻞ اﻟﻨﺎﺱ؟
ﻗﺎﻝ: «ﻗﺎﺗﻠﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﺸﻬﺪﻭا ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﻥّ ﻣﺤﻤﺪا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻓﺈﺫا ﻓﻌﻠﻮا ﺫﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻣﻨﻌﻮا ﻣﻨﻚ ﺩﻣﺎءﻫﻢ ﻭﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ، ﺇﻻ ﺑﺤﻘﻬﺎ ﻭﺣﺴﺎﺑﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ».
•• في هذا الحديث فائدتان جليلتان:
واحدة في الحياد والتجرّد والزهد في الشرف.
والثانية في عظمة الامتثال، والمتابعة للنبي ﷺ، وعدم الخروج عن أمره قيد أنملة!
وهما فضيلتان متفردتان، ومنزلتان عظيمتان.
- ففي خبر عمر -رضي الله عنه- ذكر لفضيلة عظيمة له، ببيان ما كان عليه من الزكاء والطهر حتى إنّه لم يحب الإمارة في عمره الإسلامي كله إلا مرة!
- وفي خبر علي -رضي الله عنه- بيان لعظمة امتثاله، حتى إنه حين سمع أمر النبي ﷺ: «اﻣﺶِ ﻭﻻ ﺗﻠﺘﻔﺖ، ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺘﺢ اﻟﻠﻪ عليك»!
وأراد أن يسأل النبي ﷺ، لم يلتفت! لأن النبي ﷺ قال له: «لا تلتفت»!
.
روي في الترمذي وأبي داود ﻋﻦ ﺛﻮﺑﺎﻥ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﺛﻼﺙ ﻻ ﻳﺤﻞ ﻷﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻠﻬﻦّ:
ﻻ ﻳﺆﻡ ﺭﺟﻞ ﻗﻮﻣﺎ ﻓﻴﺨﺺ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء ﺩﻭﻧﻬﻢ، ﻓﺈﻥ ﻓﻌﻞ ﻓﻘﺪ ﺧﺎﻧﻬﻢ!..»
وجاء بنحوه ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، وﻗﺎﻝ فيه ﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ: "ﻫﺬا ﻣﻦ ﺳﻨﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺸﺎﻡ ﻟﻢ ﻳﺸﺮﻛﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺣﺪ".
•• هذا حديث عظيم القدر، كريم المنزل، وفيه شأن نادر، وتنبيه عجيب.
ففيه نهي الإمام عن الدعاء بصيغة الإفراد في الدعاء الذي يؤمن عليه المأموم.
وهو يدل على حفاوة الشريعة بحق المسلم على المسلم.
وأنّ من قدّمه الله لفضلية من الفضائل -كالإمامة- فيجب أن يرعى إخوانه في ذلك، وألا يفعل ما يوحش نفوسهم، ويوغر صدورهم.
وفيه دفع للأثَرة والاستبداد، وذم لحب النفس.
وفيه أن من فرط في حق المسلم عليه فقد يكون داخلًا في خيانة الأمانة.
والله المستعان.
روي في الترمذي وأبي داود ﻋﻦ ﺛﻮﺑﺎﻥ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﺛﻼﺙ ﻻ ﻳﺤﻞ ﻷﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻠﻬﻦّ:
ﻻ ﻳﺆﻡ ﺭﺟﻞ ﻗﻮﻣﺎ ﻓﻴﺨﺺ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء ﺩﻭﻧﻬﻢ، ﻓﺈﻥ ﻓﻌﻞ ﻓﻘﺪ ﺧﺎﻧﻬﻢ!..»
وجاء بنحوه ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، وﻗﺎﻝ فيه ﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ: "ﻫﺬا ﻣﻦ ﺳﻨﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺸﺎﻡ ﻟﻢ ﻳﺸﺮﻛﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺣﺪ".
•• هذا حديث عظيم القدر، كريم المنزل، وفيه شأن نادر، وتنبيه عجيب.
ففيه نهي الإمام عن الدعاء بصيغة الإفراد في الدعاء الذي يؤمن عليه المأموم.
وهو يدل على حفاوة الشريعة بحق المسلم على المسلم.
وأنّ من قدّمه الله لفضلية من الفضائل -كالإمامة- فيجب أن يرعى إخوانه في ذلك، وألا يفعل ما يوحش نفوسهم، ويوغر صدورهم.
وفيه دفع للأثَرة والاستبداد، وذم لحب النفس.
وفيه أن من فرط في حق المسلم عليه فقد يكون داخلًا في خيانة الأمانة.
والله المستعان.
.
• مما جاء مقرونًا من أسماء الله في القرآن، الشكور والعليم، في موضعين:
فقال: ﴿إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَاۤئرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَیۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِ أَن یَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَیۡرࣰا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِیمٌ﴾.
وقوله: ﴿مَّا یَفۡعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمۡ إِن شَكَرۡتُمۡ وَءَامَنتُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِیمࣰا﴾
قال ابن تيمية: "لأن العلم يحيط بتفاصيل الأعمال"، أي فالعليم بتفاصيل الأعمال يشكر عباده عليها.
المستدرك على مجموع الفتاوى، (١ / ٣٥).
• مما جاء مقرونًا من أسماء الله في القرآن، الشكور والعليم، في موضعين:
فقال: ﴿إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَاۤئرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَیۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِ أَن یَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَیۡرࣰا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِیمٌ﴾.
وقوله: ﴿مَّا یَفۡعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمۡ إِن شَكَرۡتُمۡ وَءَامَنتُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِیمࣰا﴾
قال ابن تيمية: "لأن العلم يحيط بتفاصيل الأعمال"، أي فالعليم بتفاصيل الأعمال يشكر عباده عليها.
المستدرك على مجموع الفتاوى، (١ / ٣٥).
.
من المعاني العظيمة التي أتت بها الأدلة أنّ لتسوية الصفوف أثرًا في اجتماع قلوب المؤمنين!
وأن لترك التسوية أثرًا في نكث انتظام المؤمنين واختلاف قلوبهم!
ففي الصحيحين عن اﻟﻨﻌﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﺑﺸﻴﺮ، قال: ﻗﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ: «ﻟﺘﺴﻮﻥ ﺻﻔﻮﻓﻜﻢ، ﺃﻭ ﻟﻴﺨﺎﻟﻔﻦ اﻟﻠﻪ ﺑﻴﻦ ﻭﺟﻮﻫﻜﻢ».
وعبر عن اختلاف الوجوه لأنه يظهر في الوجه الكراهة، ﻭينطبع عليه ما يكون من ﺗﻐﻴﺮ ﻗﻠﺒﻪ.
وﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺼﻔﻮﻑ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻓﻲ ﻇﻮاﻫﺮﻫﻢ ﻭاﺧﺘﻼﻑ اﻟﻈﻮاﻫﺮ ﺳﺒﺐ ﻻﺧﺘﻼﻑ اﻟﺒﻮاﻃﻦ.
وقد جاء في سنن أبي داود: «أو ليخالفن ﷲ بين قلوبكم».
ويدل عليه ما في مسلم عن ﺃﺑﻲ ﻣﺴﻌﻮﺩ اﻷﻧﺼﺎﺭﻱ، ﻗﺎﻝ: ﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﻤﺴﺢ ﻣﻨﺎﻛﺒﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﻼﺓ، ﻭﻳﻘﻮﻝ: «اﺳﺘﻮﻭا ﻭﻻ ﺗﺨﺘﻠﻔﻮا ﻓﺘﺨﺘﻠﻒ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ».
ومفهوم الحديث جاء ما يدل عليه، كما روي عند اﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ ﻋﻦ ﻋﻠﻲ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «اﺳﺘﻮﻭا ﺗﺴﺘﻮﻱ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ ﻭﻻ ﺗﺨﺘﻠﻔﻮا، ﻭﺗﻤﺎﺳّﻮا ﺗﺮاﺣﻤﻮا».
وهذا الأمر من عجائب ما دلّت عليه النّصوص، فإن وقوع الاختلاف خارج المسجد لاختلاف الصف داخل المسجد من العجائب.
ولعل ذلك بسبب شؤم مماسّة الشيطان!
ففي سنن أبي داود والنسائي ﻋﻦ ﺃﻧﺲ قال ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﺭﺻّﻮا ﺻﻔﻮﻓﻜﻢ ﻭﻗﺎﺭﺑﻮا ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﺣﺎﺫﻭا ﺑﺎﻷﻋﻨﺎﻕ، ﻓﻮاﻟﺬﻱ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻴﺪﻩ ﺇﻧﻲ ﻷﺭﻯ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﺧﻠﻞ اﻟﺼﻒ ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﺤﺬﻑ»!
والحذف غنم صغار ليس لها آذان، وذنبها صغير، تكون بجنوب الجزيرة، ونسميها عندنا (الصُّمع).
فملاصقة الشيطان، ومماسته ومجاورته في الصف لها أثرها في تسلطه على الإنسان وتمكن تفلّته عليه!
وروى عبد الرزاق ﻋﻦ ﻋﻠﻘﻤﺔ ﻗﺎﻝ: ﻛﻨّﺎ ﻧﺼﻠﻲ ﻣﻊ ﻋﻤﺮ، ﻓﻴﻘﻮﻝ: "ﺳﺪﻭا ﺻﻔﻮﻓﻜﻢ، ﻟﺘﻠﺘﻘﻲ ﻣﻨﺎﻛﺒﻜﻢ، ﻻ ﻳﺘﺨﻠﻠﻜﻢ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ، ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺑﻨﺎﺕ ﺣﺬﻑ".
ومما يجب التنبّه له: أن ترك التسوية لعذر من الأعذار قد لا يمنع حصول آثار الاختلاف!
وهذا أصل يجب أن يعتني به، وأن تتوارد عليه أقلام أهل العلم.
فقد جاء ما يدل على أنّ ترك الطاعة لعذر لا يمنع من حصول آثار هذا الترك، كما ثبت في الصحيحين قال ﷺ: «ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﻣﻦ ﻧﺎﻗﺼﺎﺕ ﻋﻘﻞ ﻭﺩﻳﻦ ﺃﺫﻫﺐ ﻟﻠﺐ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺤﺎﺯﻡ ﻣﻦ ﺇﺣﺪاﻛﻦّ»، ثم ذكر سبب نقص الدين: «ﻭﺗﻤﻜﺚ اﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﻣﺎ ﺗﺼﻠﻲ، ﻭﺗﻔﻄﺮ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻓﻬﺬا ﻧﻘﺼﺎﻥ اﻟﺪﻳﻦ».
فقد نقص دينهنّ مع أنّهن مأمورات بترك الصلاة، وهنّ معذورات بترك الصلاة والصيام، ومع هذا أثّر تركهن للطاعة في دينهنّ مع وجود العذر.
وقد حصلت شكاية مبكرة في الأمة من التقصير في هذا الأمر، فقد ثبت في البخاري ﻋﻦ ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ، ﺃﻧﻪ ﻗﺪﻡ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ: ﻣﺎ ﺃﻧﻜﺮﺕ ﻣﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﻳﻮﻡ ﻋﻬﺪﺕ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ؟
ﻗﺎﻝ: "ﻣﺎ ﺃﻧﻜﺮﺕ ﺷﻴﺌﺎ ﺇﻻ ﺃﻧﻜﻢ ﻻ ﺗﻘﻴﻤﻮﻥ اﻟﺼﻔﻮﻑ"!
وكان أنس يذكر تغير الناس في هذا ويقارنه بما كان عليه الحال مع نبيهم ﷺ، فروى ابن أبي شيبة ﻋﻦ ﺃﻧﺲ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «اﻋﺘﺪﻟﻮا ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻓﻜﻢ، ﻓﺈﻧّﻲ ﺃﺭاﻛﻢ ﻣﻦ ﻭﺭاء ﻇﻬﺮﻱ» ﻗﺎﻝ ﺃﻧﺲ: ﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﺣﺪﻧﺎ ﻳﻠﺰﻕ ﻣﻨﻜﺒﻪ ﺑﻤﻨﻜﺐ ﺻﺎﺣﺒﻪ، ﻭﻗﺪﻣﻪ ﺑﻘﺪﻣﻪ، ﻭﻟﻮ ﺫﻫﺒﺖ ﺗﻔﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﻟﺘﺮﻯ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻛﺄﻧﻪ ﺑﻐﻞ ﺷﻤﻮﺱ.
وأثر ملابسة الشيطان وملامسته على الإنسان دلت عليها أدلة:
- ففي مسلم عن أبي سعيد ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﺇﺫا ﺗﺜﺎءﺏ ﺃﺣﺪﻛﻢ، ﻓﻠﻴﻤﺴﻚ ﺑﻴﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﻓﻴﻪ، ﻓﺈﻥ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻳﺪﺧﻞ».
فهذا تسلط بدخول الشيطان للجوف.
- وفي الصحيحين ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ بن مسعود، ﻗﺎﻝ: ﺫﻛﺮ ﻋﻨﺪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺭﺟﻞ ﻧﺎﻡ ﻟﻴﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﺃﺻﺒﺢ، ﻗﺎﻝ: «ﺫاﻙ ﺭﺟﻞ ﺑﺎﻝ الشيطان ﻓﻲ ﺃﺫﻧﻴﻪ»!
وهذا تسلط آخر بهذه الهيئة المستقبحة، والأصل حمله على حقيقته لا المجاز.
- ومنه ما جاء في الصحيحين ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻗﺎﻝ: «ﺇﺫا اﺳﺘﻴﻘﻆ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻣﻪ ﻓﺘﻮﺿﺄ ﻓﻠﻴﺴﺘﻨﺜﺮ ﺛﻼﺛﺎ، ﻓﺈﻥ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻳﺒﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﺧﻴﺸﻮﻣﻪ».
فلولا أن لبيتوتة الشيطان أثرًا لما أمرنا بالاستنثار ثلاثا بعد بيتوتته.
والله أعلم.
من المعاني العظيمة التي أتت بها الأدلة أنّ لتسوية الصفوف أثرًا في اجتماع قلوب المؤمنين!
وأن لترك التسوية أثرًا في نكث انتظام المؤمنين واختلاف قلوبهم!
ففي الصحيحين عن اﻟﻨﻌﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﺑﺸﻴﺮ، قال: ﻗﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ: «ﻟﺘﺴﻮﻥ ﺻﻔﻮﻓﻜﻢ، ﺃﻭ ﻟﻴﺨﺎﻟﻔﻦ اﻟﻠﻪ ﺑﻴﻦ ﻭﺟﻮﻫﻜﻢ».
وعبر عن اختلاف الوجوه لأنه يظهر في الوجه الكراهة، ﻭينطبع عليه ما يكون من ﺗﻐﻴﺮ ﻗﻠﺒﻪ.
وﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺼﻔﻮﻑ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻓﻲ ﻇﻮاﻫﺮﻫﻢ ﻭاﺧﺘﻼﻑ اﻟﻈﻮاﻫﺮ ﺳﺒﺐ ﻻﺧﺘﻼﻑ اﻟﺒﻮاﻃﻦ.
وقد جاء في سنن أبي داود: «أو ليخالفن ﷲ بين قلوبكم».
ويدل عليه ما في مسلم عن ﺃﺑﻲ ﻣﺴﻌﻮﺩ اﻷﻧﺼﺎﺭﻱ، ﻗﺎﻝ: ﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﻤﺴﺢ ﻣﻨﺎﻛﺒﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﻼﺓ، ﻭﻳﻘﻮﻝ: «اﺳﺘﻮﻭا ﻭﻻ ﺗﺨﺘﻠﻔﻮا ﻓﺘﺨﺘﻠﻒ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ».
ومفهوم الحديث جاء ما يدل عليه، كما روي عند اﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ ﻋﻦ ﻋﻠﻲ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «اﺳﺘﻮﻭا ﺗﺴﺘﻮﻱ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ ﻭﻻ ﺗﺨﺘﻠﻔﻮا، ﻭﺗﻤﺎﺳّﻮا ﺗﺮاﺣﻤﻮا».
وهذا الأمر من عجائب ما دلّت عليه النّصوص، فإن وقوع الاختلاف خارج المسجد لاختلاف الصف داخل المسجد من العجائب.
ولعل ذلك بسبب شؤم مماسّة الشيطان!
ففي سنن أبي داود والنسائي ﻋﻦ ﺃﻧﺲ قال ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﺭﺻّﻮا ﺻﻔﻮﻓﻜﻢ ﻭﻗﺎﺭﺑﻮا ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﺣﺎﺫﻭا ﺑﺎﻷﻋﻨﺎﻕ، ﻓﻮاﻟﺬﻱ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻴﺪﻩ ﺇﻧﻲ ﻷﺭﻯ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﺧﻠﻞ اﻟﺼﻒ ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﺤﺬﻑ»!
والحذف غنم صغار ليس لها آذان، وذنبها صغير، تكون بجنوب الجزيرة، ونسميها عندنا (الصُّمع).
فملاصقة الشيطان، ومماسته ومجاورته في الصف لها أثرها في تسلطه على الإنسان وتمكن تفلّته عليه!
وروى عبد الرزاق ﻋﻦ ﻋﻠﻘﻤﺔ ﻗﺎﻝ: ﻛﻨّﺎ ﻧﺼﻠﻲ ﻣﻊ ﻋﻤﺮ، ﻓﻴﻘﻮﻝ: "ﺳﺪﻭا ﺻﻔﻮﻓﻜﻢ، ﻟﺘﻠﺘﻘﻲ ﻣﻨﺎﻛﺒﻜﻢ، ﻻ ﻳﺘﺨﻠﻠﻜﻢ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ، ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺑﻨﺎﺕ ﺣﺬﻑ".
ومما يجب التنبّه له: أن ترك التسوية لعذر من الأعذار قد لا يمنع حصول آثار الاختلاف!
وهذا أصل يجب أن يعتني به، وأن تتوارد عليه أقلام أهل العلم.
فقد جاء ما يدل على أنّ ترك الطاعة لعذر لا يمنع من حصول آثار هذا الترك، كما ثبت في الصحيحين قال ﷺ: «ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﻣﻦ ﻧﺎﻗﺼﺎﺕ ﻋﻘﻞ ﻭﺩﻳﻦ ﺃﺫﻫﺐ ﻟﻠﺐ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺤﺎﺯﻡ ﻣﻦ ﺇﺣﺪاﻛﻦّ»، ثم ذكر سبب نقص الدين: «ﻭﺗﻤﻜﺚ اﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﻣﺎ ﺗﺼﻠﻲ، ﻭﺗﻔﻄﺮ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻓﻬﺬا ﻧﻘﺼﺎﻥ اﻟﺪﻳﻦ».
فقد نقص دينهنّ مع أنّهن مأمورات بترك الصلاة، وهنّ معذورات بترك الصلاة والصيام، ومع هذا أثّر تركهن للطاعة في دينهنّ مع وجود العذر.
وقد حصلت شكاية مبكرة في الأمة من التقصير في هذا الأمر، فقد ثبت في البخاري ﻋﻦ ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ، ﺃﻧﻪ ﻗﺪﻡ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ: ﻣﺎ ﺃﻧﻜﺮﺕ ﻣﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﻳﻮﻡ ﻋﻬﺪﺕ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ؟
ﻗﺎﻝ: "ﻣﺎ ﺃﻧﻜﺮﺕ ﺷﻴﺌﺎ ﺇﻻ ﺃﻧﻜﻢ ﻻ ﺗﻘﻴﻤﻮﻥ اﻟﺼﻔﻮﻑ"!
وكان أنس يذكر تغير الناس في هذا ويقارنه بما كان عليه الحال مع نبيهم ﷺ، فروى ابن أبي شيبة ﻋﻦ ﺃﻧﺲ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «اﻋﺘﺪﻟﻮا ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻓﻜﻢ، ﻓﺈﻧّﻲ ﺃﺭاﻛﻢ ﻣﻦ ﻭﺭاء ﻇﻬﺮﻱ» ﻗﺎﻝ ﺃﻧﺲ: ﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﺣﺪﻧﺎ ﻳﻠﺰﻕ ﻣﻨﻜﺒﻪ ﺑﻤﻨﻜﺐ ﺻﺎﺣﺒﻪ، ﻭﻗﺪﻣﻪ ﺑﻘﺪﻣﻪ، ﻭﻟﻮ ﺫﻫﺒﺖ ﺗﻔﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﻟﺘﺮﻯ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻛﺄﻧﻪ ﺑﻐﻞ ﺷﻤﻮﺱ.
وأثر ملابسة الشيطان وملامسته على الإنسان دلت عليها أدلة:
- ففي مسلم عن أبي سعيد ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﺇﺫا ﺗﺜﺎءﺏ ﺃﺣﺪﻛﻢ، ﻓﻠﻴﻤﺴﻚ ﺑﻴﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﻓﻴﻪ، ﻓﺈﻥ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻳﺪﺧﻞ».
فهذا تسلط بدخول الشيطان للجوف.
- وفي الصحيحين ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ بن مسعود، ﻗﺎﻝ: ﺫﻛﺮ ﻋﻨﺪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺭﺟﻞ ﻧﺎﻡ ﻟﻴﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﺃﺻﺒﺢ، ﻗﺎﻝ: «ﺫاﻙ ﺭﺟﻞ ﺑﺎﻝ الشيطان ﻓﻲ ﺃﺫﻧﻴﻪ»!
وهذا تسلط آخر بهذه الهيئة المستقبحة، والأصل حمله على حقيقته لا المجاز.
- ومنه ما جاء في الصحيحين ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻗﺎﻝ: «ﺇﺫا اﺳﺘﻴﻘﻆ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻣﻪ ﻓﺘﻮﺿﺄ ﻓﻠﻴﺴﺘﻨﺜﺮ ﺛﻼﺛﺎ، ﻓﺈﻥ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻳﺒﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﺧﻴﺸﻮﻣﻪ».
فلولا أن لبيتوتة الشيطان أثرًا لما أمرنا بالاستنثار ثلاثا بعد بيتوتته.
والله أعلم.
.
قال ابن القيم في فوائد الذكر:
"اﻟﺬﻛﺮ ﻳﻌﻄﻲ اﻟﺬاﻛﺮ ﻗﻮﺓ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻟﻴﻔﻌﻞ ﻣﻊ اﻟﺬﻛﺮ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻈﻦ ﻓﻌﻠﻪ ﺑﺪﻭﻧﻪ! ﻭﻗﺪ ﺷﺎﻫﺪﺕ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ ﺷﻴﺦ اﻹﺳﻼﻡ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺳﻨﻨﻪ ﻭﻛﻼﻣﻪ ﻭﺇﻗﺪاﻣﻪ ﻭﻛﺘﺎﺑﻪ ﺃﻣﺮًا ﻋﺠﻴﺒًﺎ.
ﻓﻜﺎﻥ ﻳﻜﺘﺐ ﻓﻲ اﻟﻴﻮﻡ ﻣﻦ اﻟﺘﺼﻨﻴﻒ ﻣﺎ ﻳﻜﺘﺒﻪ اﻟﻨﺎﺳﺦ ﻓﻲ ﺟﻤﻌﻪ ﻭﺃﻛﺜﺮ!
ﻭﻗﺪ ﺷﺎﻫﺪ اﻟﻌﺴﻜﺮ ﻣﻦ ﻗﻮﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﺮﺏ ﺃﻣﺮا ﻋﻈﻴﻤﺎ.
ﻭﻗﺪ ﻋﻠّﻢ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ اﺑﻨﺘﻪ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻭﻋﻠﻴًﺎ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﺃﻥ ﻳﺴﺒّﺤﺎ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﺇﺫا ﺃﺧﺬﻭا ﻣﻀﺎﺟﻌﻬﻤﺎ ﺛﻼﺛًﺎ ﻭﺛﻼﺛﻴﻦ، ﻭﻳﺤﻤﺪا ﺛﻼﺛًﺎ ﻭﺛﻼﺛﻴﻦ، ﻭﻳﻜﺒﺮا ﺃﺭﺑﻌًﺎ ﻭﺛﻼﺛﻴﻦ، ﻟﻤﺎ ﺳﺄﻟﺘﻪ اﻟﺨﺎﺩﻡ ﻭﺷﻜﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﺎ ﺗﻘﺎﺳﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻄﺤﻦ ﻭاﻟﺴﻌﻲ ﻭاﻟﺨﺪﻣﺔ، ﻓﻌﻠﻤﻬﺎ ﺫﻟﻚ، ﻭﻗﺎﻝ: «ﺇﻧﻪ ﺧﻴﺮ ﻟﻜﻤﺎ ﻣﻦ ﺧﺎﺩﻡ».
ﻓﻘﻴﻞ ﺃﻥ ﻣﻦ ﺩاﻭﻡ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻭﺟﺪ ﻗﻮﺓ ﻓﻲ ﻳﻮﻣﻪ ﻣﻐﻨﻴﻪ ﻋﻦ ﺧﺎﺩﻡ".
الوابل الصيب (٧٧)
قال ابن القيم في فوائد الذكر:
"اﻟﺬﻛﺮ ﻳﻌﻄﻲ اﻟﺬاﻛﺮ ﻗﻮﺓ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻟﻴﻔﻌﻞ ﻣﻊ اﻟﺬﻛﺮ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻈﻦ ﻓﻌﻠﻪ ﺑﺪﻭﻧﻪ! ﻭﻗﺪ ﺷﺎﻫﺪﺕ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ ﺷﻴﺦ اﻹﺳﻼﻡ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺳﻨﻨﻪ ﻭﻛﻼﻣﻪ ﻭﺇﻗﺪاﻣﻪ ﻭﻛﺘﺎﺑﻪ ﺃﻣﺮًا ﻋﺠﻴﺒًﺎ.
ﻓﻜﺎﻥ ﻳﻜﺘﺐ ﻓﻲ اﻟﻴﻮﻡ ﻣﻦ اﻟﺘﺼﻨﻴﻒ ﻣﺎ ﻳﻜﺘﺒﻪ اﻟﻨﺎﺳﺦ ﻓﻲ ﺟﻤﻌﻪ ﻭﺃﻛﺜﺮ!
ﻭﻗﺪ ﺷﺎﻫﺪ اﻟﻌﺴﻜﺮ ﻣﻦ ﻗﻮﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﺮﺏ ﺃﻣﺮا ﻋﻈﻴﻤﺎ.
ﻭﻗﺪ ﻋﻠّﻢ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ اﺑﻨﺘﻪ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻭﻋﻠﻴًﺎ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﺃﻥ ﻳﺴﺒّﺤﺎ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﺇﺫا ﺃﺧﺬﻭا ﻣﻀﺎﺟﻌﻬﻤﺎ ﺛﻼﺛًﺎ ﻭﺛﻼﺛﻴﻦ، ﻭﻳﺤﻤﺪا ﺛﻼﺛًﺎ ﻭﺛﻼﺛﻴﻦ، ﻭﻳﻜﺒﺮا ﺃﺭﺑﻌًﺎ ﻭﺛﻼﺛﻴﻦ، ﻟﻤﺎ ﺳﺄﻟﺘﻪ اﻟﺨﺎﺩﻡ ﻭﺷﻜﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﺎ ﺗﻘﺎﺳﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻄﺤﻦ ﻭاﻟﺴﻌﻲ ﻭاﻟﺨﺪﻣﺔ، ﻓﻌﻠﻤﻬﺎ ﺫﻟﻚ، ﻭﻗﺎﻝ: «ﺇﻧﻪ ﺧﻴﺮ ﻟﻜﻤﺎ ﻣﻦ ﺧﺎﺩﻡ».
ﻓﻘﻴﻞ ﺃﻥ ﻣﻦ ﺩاﻭﻡ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻭﺟﺪ ﻗﻮﺓ ﻓﻲ ﻳﻮﻣﻪ ﻣﻐﻨﻴﻪ ﻋﻦ ﺧﺎﺩﻡ".
الوابل الصيب (٧٧)
.
شجون فقهية
من فقه العالم في نظره للمذاهب والتمذهب، أن يكون متوسطًا بين من ينفر عن التمذهب، ويمنع الدراسة المذهبية، وبين من يتعصب لذلك، ويلتزم بفروع المذهب في كل صغير وكبير، ويحرم النظر في الأدلة.
ومن الأمثلة اللطيفة في هذا ما ذكره ابن القيم عن ابن تيمية، قال: "ﻭﻗﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﺷﻴﺨﻨﺎ -ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ- ﻳﻘﻮﻝ: ﺟﺎءﻧﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻣﻦ اﻟﺤﻨﻔﻴﺔ ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﺳﺘﺸﻴﺮﻙ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ!
ﻗﻠﺖ: ﻣﺎ ﻫﻮ؟
ﻗﺎﻝ: ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﻧﺘﻘﻞ ﻋﻦ ﻣﺬﻫﺒﻲ!
ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﻭﻟﻢ؟
ﻗﺎﻝ: ﻷﻧﻲ ﺃﺭﻯ اﻷﺣﺎﺩﻳﺚ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻛﺜﻴﺮًا ﺗﺨﺎﻟﻔﻪ، ﻭاﺳﺘﺸﺮﺕ ﻓﻲ ﻫﺬا ﺑﻌﺾ ﺃﺋﻤﺔ ﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ: ﻟﻮ ﺭﺟﻌﺖ ﻋﻦ ﻣﺬﻫﺒﻚ ﻟﻢ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻤﺬﻫﺐ، ﻭﻗﺪ ﺗﻘﺮﺭﺕ اﻟﻤﺬاﻫﺐ، ﻭﺭﺟﻮﻋﻚ ﻏﻴﺮ ﻣﻔﻴﺪ.
ﻭﺃﺷﺎﺭ ﻋﻠﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﺸﺎﻳﺦ اﻟﺘﺼﻮﻑ ﺑﺎﻻﻓﺘﻘﺎﺭ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻭاﻟﺘﻀﺮﻉ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺳﺆاﻝ اﻟﻬﺪاﻳﺔ ﻟﻤﺎ ﻳﺤﺒﻪ ﻭﻳﺮﺿﺎﻩ.
ﻓﻤﺎﺫا ﺗﺸﻴﺮ ﺑﻪ ﺃﻧﺖ ﻋﻠﻲ؟
ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: اﺟﻌﻞ اﻟﻤﺬﻫﺐ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻗﺴﺎﻡ:
ﻗﺴﻢ اﻟﺤﻖ ﻓﻴﻪ ﻇﺎﻫﺮ ﺑﻴﻦ ﻣﻮاﻓﻖ ﻟﻠﻜﺘﺎﺏ ﻭاﻟﺴﻨﺔ، ﻓﺎﻗﺾ ﺑﻪ ﻭﺃﻓﺖ ﺑﻪ ﻃﻴﺐ اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻨﺸﺮﺡ اﻟﺼﺪﺭ.
ﻭﻗﺴﻢ ﻣﺮﺟﻮﺡ ﻭﻣﺨﺎﻟﻔﻪ ﻣﻌﻪ اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻓﻼ ﺗﻔﺖ ﺑﻪ ﻭﻻ ﺗﺤﻜﻢ ﺑﻪ ﻭاﺩﻓﻌﻪ ﻋﻨﻚ.
ﻭﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺋﻞ اﻻﺟﺘﻬﺎﺩ اﻟﺘﻲ اﻷﺩﻟﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺘﺠﺎﺫﺑﺔ؛ ﻓﺈﻥ ﺷﺌﺖ ﺃﻥ ﺗﻔﺘﻲ ﺑﻪ ﻭﺇﻥ ﺷﺌﺖ ﺃﻥ ﺗﺪﻓﻌﻪ ﻋﻨﻚ!
ﻓﻘﺎﻝ: ﺟﺰاﻙ اﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮًا".
إعلام الموقعين (٤/ ١٨٢)
وكنت قد ذهبت لبعض البلدان المسلمة التي يتدين فيها الناس بمذهب الشافعي رحمه الله، فلقيت جمعًا من أهل العلم وطلابه، منهم حنابلة ومنهم شافعية، وكلهم في المعتقد على معتقد أهل الأثر، متوادين متحابين، فقلت متلطفًا بهم: أخذكم بمذهب الشافعي أنفع!
فوجم أصحابي الحنابلة! وهم من أذكياء أهل العلم ومبدعيهم، واستغربوا من كلامي!
فتابعت وقلت: لأنكم في بلاد لا يتعجب الناس أن يكون العالم حنبليًا أثريًا، وربما لمزوه وقالوا: هذا شخص وهابي!
ولكن إن جاءهم شافعي يعلمهم معتقد السلف، وينشر فيهم مذهب الشافعي في الأصول والفروع، كان أكثر قبولًا في نفوسهم، وأقرب ألا ينفروا منه، وشأن الفروع يسير، كما قال ابن تيمية، فيما نقله تلميذه البزار، قال عن شيخه:
"ﻭﻟﻘﺪ أﻛﺜﺮ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ اﻟﺘﺼﻨﻴﻒ ﻓﻲ الأﺻﻮﻝ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻌﻠﻮﻡ، ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﺫﻟﻚ، ﻭاﻟﺘﻤﺴﺖ ﻣﻨﻪ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻧﺺ ﻓﻲ اﻟﻔﻘﻪ، ﻳﺠﻤﻊ اﺧﺘﻴﺎﺭاﺗﻪ ﻭﺗﺮﺟﻴﺤﺎﺗﻪ، ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻋﻤﺪﺓ ﻓﻲ الإﻓﺘﺎء، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﺎﻩ: اﻟﻔﺮﻭﻉ أﻣﺮﻫﺎ ﻗﺮﻳﺐ، ﻭﻣﻦ ﻗﻠﺪ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻴﻬﺎ أﺣﺪ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻤﻘﻠﺪﻳﻦ ﺟﺎﺯ ﻟﻪ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻴﻘﻦ ﺧﻄﺄﻩ، ﻭأﻣﺎ الأﺻﻮﻝ ﻓﺈﻧﻲ ﺭأﻳﺖ أﻫﻞ اﻟﺒﺪﻉ ﻭاﻟﻀﻼﻻﺕ ﻭالأﻫﻮاء ﻛﺎﻟﻤﺘﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭاﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ ﻭاﻟﻤﻼﺣﺪﺓ ﻭاﻟﻘﺎﺋﻠﻴﻦ ﺑﻮﺣﺪﺓ اﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭاﻟﺪﻫﺮﻳﺔ ﻭاﻟﻘﺪﺭﻳﺔ ﻭاﻟﻨﺼﻴﺮﻳﺔ ﻭاﻟﺠﻬﻤﻴﺔ ﻭاﻟﺤﻠﻮﻟﻴﺔ ﻭاﻟﻤﻌﻄﻠﺔ ﻭاﻟﻤﺠﺴﻤﺔ ﻭاﻟﻤﺸﺒﻬﺔ ﻭاﻟﺮاﻭﻧﺪﻳﺔ ﻭاﻟﻜﻼﺑﻴﺔ ﻭاﻟﺴﻠﻴﻤﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺒﺪﻉ ﻗﺪ ﺗﺠﺎﺫﺑﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺄﺯﻣّﺔ اﻟﻀﻼﻝ.." إلى آخر ما قال.
الأعلام العليّة (٣٣)
شجون فقهية
من فقه العالم في نظره للمذاهب والتمذهب، أن يكون متوسطًا بين من ينفر عن التمذهب، ويمنع الدراسة المذهبية، وبين من يتعصب لذلك، ويلتزم بفروع المذهب في كل صغير وكبير، ويحرم النظر في الأدلة.
ومن الأمثلة اللطيفة في هذا ما ذكره ابن القيم عن ابن تيمية، قال: "ﻭﻗﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﺷﻴﺨﻨﺎ -ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ- ﻳﻘﻮﻝ: ﺟﺎءﻧﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻣﻦ اﻟﺤﻨﻔﻴﺔ ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﺳﺘﺸﻴﺮﻙ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ!
ﻗﻠﺖ: ﻣﺎ ﻫﻮ؟
ﻗﺎﻝ: ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﻧﺘﻘﻞ ﻋﻦ ﻣﺬﻫﺒﻲ!
ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﻭﻟﻢ؟
ﻗﺎﻝ: ﻷﻧﻲ ﺃﺭﻯ اﻷﺣﺎﺩﻳﺚ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻛﺜﻴﺮًا ﺗﺨﺎﻟﻔﻪ، ﻭاﺳﺘﺸﺮﺕ ﻓﻲ ﻫﺬا ﺑﻌﺾ ﺃﺋﻤﺔ ﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ: ﻟﻮ ﺭﺟﻌﺖ ﻋﻦ ﻣﺬﻫﺒﻚ ﻟﻢ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻤﺬﻫﺐ، ﻭﻗﺪ ﺗﻘﺮﺭﺕ اﻟﻤﺬاﻫﺐ، ﻭﺭﺟﻮﻋﻚ ﻏﻴﺮ ﻣﻔﻴﺪ.
ﻭﺃﺷﺎﺭ ﻋﻠﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﺸﺎﻳﺦ اﻟﺘﺼﻮﻑ ﺑﺎﻻﻓﺘﻘﺎﺭ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻭاﻟﺘﻀﺮﻉ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺳﺆاﻝ اﻟﻬﺪاﻳﺔ ﻟﻤﺎ ﻳﺤﺒﻪ ﻭﻳﺮﺿﺎﻩ.
ﻓﻤﺎﺫا ﺗﺸﻴﺮ ﺑﻪ ﺃﻧﺖ ﻋﻠﻲ؟
ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: اﺟﻌﻞ اﻟﻤﺬﻫﺐ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻗﺴﺎﻡ:
ﻗﺴﻢ اﻟﺤﻖ ﻓﻴﻪ ﻇﺎﻫﺮ ﺑﻴﻦ ﻣﻮاﻓﻖ ﻟﻠﻜﺘﺎﺏ ﻭاﻟﺴﻨﺔ، ﻓﺎﻗﺾ ﺑﻪ ﻭﺃﻓﺖ ﺑﻪ ﻃﻴﺐ اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻨﺸﺮﺡ اﻟﺼﺪﺭ.
ﻭﻗﺴﻢ ﻣﺮﺟﻮﺡ ﻭﻣﺨﺎﻟﻔﻪ ﻣﻌﻪ اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻓﻼ ﺗﻔﺖ ﺑﻪ ﻭﻻ ﺗﺤﻜﻢ ﺑﻪ ﻭاﺩﻓﻌﻪ ﻋﻨﻚ.
ﻭﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺋﻞ اﻻﺟﺘﻬﺎﺩ اﻟﺘﻲ اﻷﺩﻟﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺘﺠﺎﺫﺑﺔ؛ ﻓﺈﻥ ﺷﺌﺖ ﺃﻥ ﺗﻔﺘﻲ ﺑﻪ ﻭﺇﻥ ﺷﺌﺖ ﺃﻥ ﺗﺪﻓﻌﻪ ﻋﻨﻚ!
ﻓﻘﺎﻝ: ﺟﺰاﻙ اﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮًا".
إعلام الموقعين (٤/ ١٨٢)
وكنت قد ذهبت لبعض البلدان المسلمة التي يتدين فيها الناس بمذهب الشافعي رحمه الله، فلقيت جمعًا من أهل العلم وطلابه، منهم حنابلة ومنهم شافعية، وكلهم في المعتقد على معتقد أهل الأثر، متوادين متحابين، فقلت متلطفًا بهم: أخذكم بمذهب الشافعي أنفع!
فوجم أصحابي الحنابلة! وهم من أذكياء أهل العلم ومبدعيهم، واستغربوا من كلامي!
فتابعت وقلت: لأنكم في بلاد لا يتعجب الناس أن يكون العالم حنبليًا أثريًا، وربما لمزوه وقالوا: هذا شخص وهابي!
ولكن إن جاءهم شافعي يعلمهم معتقد السلف، وينشر فيهم مذهب الشافعي في الأصول والفروع، كان أكثر قبولًا في نفوسهم، وأقرب ألا ينفروا منه، وشأن الفروع يسير، كما قال ابن تيمية، فيما نقله تلميذه البزار، قال عن شيخه:
"ﻭﻟﻘﺪ أﻛﺜﺮ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ اﻟﺘﺼﻨﻴﻒ ﻓﻲ الأﺻﻮﻝ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻌﻠﻮﻡ، ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﺫﻟﻚ، ﻭاﻟﺘﻤﺴﺖ ﻣﻨﻪ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻧﺺ ﻓﻲ اﻟﻔﻘﻪ، ﻳﺠﻤﻊ اﺧﺘﻴﺎﺭاﺗﻪ ﻭﺗﺮﺟﻴﺤﺎﺗﻪ، ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻋﻤﺪﺓ ﻓﻲ الإﻓﺘﺎء، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﺎﻩ: اﻟﻔﺮﻭﻉ أﻣﺮﻫﺎ ﻗﺮﻳﺐ، ﻭﻣﻦ ﻗﻠﺪ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻴﻬﺎ أﺣﺪ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻤﻘﻠﺪﻳﻦ ﺟﺎﺯ ﻟﻪ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻴﻘﻦ ﺧﻄﺄﻩ، ﻭأﻣﺎ الأﺻﻮﻝ ﻓﺈﻧﻲ ﺭأﻳﺖ أﻫﻞ اﻟﺒﺪﻉ ﻭاﻟﻀﻼﻻﺕ ﻭالأﻫﻮاء ﻛﺎﻟﻤﺘﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭاﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ ﻭاﻟﻤﻼﺣﺪﺓ ﻭاﻟﻘﺎﺋﻠﻴﻦ ﺑﻮﺣﺪﺓ اﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭاﻟﺪﻫﺮﻳﺔ ﻭاﻟﻘﺪﺭﻳﺔ ﻭاﻟﻨﺼﻴﺮﻳﺔ ﻭاﻟﺠﻬﻤﻴﺔ ﻭاﻟﺤﻠﻮﻟﻴﺔ ﻭاﻟﻤﻌﻄﻠﺔ ﻭاﻟﻤﺠﺴﻤﺔ ﻭاﻟﻤﺸﺒﻬﺔ ﻭاﻟﺮاﻭﻧﺪﻳﺔ ﻭاﻟﻜﻼﺑﻴﺔ ﻭاﻟﺴﻠﻴﻤﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺒﺪﻉ ﻗﺪ ﺗﺠﺎﺫﺑﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺄﺯﻣّﺔ اﻟﻀﻼﻝ.." إلى آخر ما قال.
الأعلام العليّة (٣٣)
.
من أسئلة الإيمان العظيمة التي ينبغي أن يسألها الإنسان نفسه صبحه ومساه:
كم من خصم سيوقفني يوم القيامة؟
من أسئلة الإيمان العظيمة التي ينبغي أن يسألها الإنسان نفسه صبحه ومساه:
كم من خصم سيوقفني يوم القيامة؟
.
قال ابن تيمية عن دعاء الفاتحة: ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ﴾:
"ﻭﻟﻬﺬا ﺃُﻣِﺮ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﻼﺓ ﻟﻔﺮﻁ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳَﻌﺮﻑ ﺑﻌﺾ ﻗﺪﺭه ﻣﻦ اﻋﺘﺒﺮ ﺃﺣﻮاﻝ ﻧﻔﺴﻪ؛ ﻭﻧﻔﻮﺱ اﻹﻧﺲ ﻭاﻟﺠﻦ اﻟﻤﺄﻣﻮﺭﻳﻦ ﺑﻬﺬا اﻟﺪﻋﺎء؛ ﻭﺭﺃﻯ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﻞ ﻭاﻟﻈﻠﻢ اﻟﺬﻱ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺷﻘﺎءﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭاﻵﺧﺮﺓ؛ ﻓﻴﻌﻠﻢ ﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻔﻀﻠﻪ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﺟﻌﻞ ﻫﺬا اﻟﺪﻋﺎء ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ اﻷﺳﺒﺎﺏ اﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺔ ﻟﻠﺨﻴﺮ اﻟﻤﺎﻧﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺮ".
• مجموع الفتاوى (٨/ ٢١٦)
قال ابن تيمية عن دعاء الفاتحة: ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ﴾:
"ﻭﻟﻬﺬا ﺃُﻣِﺮ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﻼﺓ ﻟﻔﺮﻁ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳَﻌﺮﻑ ﺑﻌﺾ ﻗﺪﺭه ﻣﻦ اﻋﺘﺒﺮ ﺃﺣﻮاﻝ ﻧﻔﺴﻪ؛ ﻭﻧﻔﻮﺱ اﻹﻧﺲ ﻭاﻟﺠﻦ اﻟﻤﺄﻣﻮﺭﻳﻦ ﺑﻬﺬا اﻟﺪﻋﺎء؛ ﻭﺭﺃﻯ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﻞ ﻭاﻟﻈﻠﻢ اﻟﺬﻱ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺷﻘﺎءﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭاﻵﺧﺮﺓ؛ ﻓﻴﻌﻠﻢ ﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻔﻀﻠﻪ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﺟﻌﻞ ﻫﺬا اﻟﺪﻋﺎء ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ اﻷﺳﺒﺎﺏ اﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺔ ﻟﻠﺨﻴﺮ اﻟﻤﺎﻧﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺮ".
• مجموع الفتاوى (٨/ ٢١٦)
.
في فائدة إخفاء الدعاء وعدم الجهر به، قال ابن تيمية:
"ﺃﻋﻈﻢ اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻹﻗﺒﺎﻝ ﻭاﻟﺘﻌﺒﺪ، ﻭﻟﻜﻞ ﻧﻌﻤﺔ ﺣﺎﺳﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭﻫﺎ ﺩﻗﺖ ﺃﻭ ﺟﻠﺖ، ﻭﻻ ﻧﻌﻤﺔ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﻨﻌﻤﺔ، ﻓﺈﻥ ﺃﻧﻔﺲ اﻟﺤﺎﺳﺪﻳﻦ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻬﺎ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻠﻤﺤﺴﻮﺩ ﺃﺳﻠﻢ ﻣﻦ ﺇﺧﻔﺎء ﻧﻌﻤﺘﻪ ﻋﻦ اﻟﺤﺎﺳﺪ!
ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﻳﻌﻘﻮﺏ ﻟﻴﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ ﴿ﻻ ﺗﻘﺼﺺ ﺭﺅﻳﺎﻙ ﻋﻠﻰ ﺇﺧﻮﺗﻚ ﻓﻴﻜﻴﺪﻭا ﻟﻚ ﻛﻴﺪا﴾.
ﻭﻛﻢ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ ﻗﻠﺐ ﻭﺟﻤﻌﻴﺔ ﻭﺣﺎﻝ ﻣﻊ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ ﺗﺤﺪﺙ ﺑﻬﺎ ﻭﺃﺧﺒﺮ ﺑﻬﺎ ﻓﺴﻠﺒﻪ ﺇﻳﺎﻫﺎ اﻷﻏﻴﺎﺭ!
ﻭﻟﻬﺬا ﻳﻮﺻﻲ اﻟﻌﺎﺭﻓﻮﻥ ﻭاﻟﺸﻴﻮﺥ ﺑﺤﻔﻆ اﻟﺴﺮ ﻣﻊ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻻ ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺣﺪ!
ﻭاﻟﻘﻮﻡ ﺃﻋﻈﻢ ﺷﻴﺌًﺎ ﻛﺘﻤﺎﻧﺎ ﻷﺣﻮاﻟﻬﻢ ﻣﻊ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ، ﻭﻣﺎ ﻭﻫﺐ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺘﻪ ﻭاﻷﻧﺲ ﺑﻪ ﻭﺟﻤﻌﻴﺔ اﻟﻘﻠﺐ.
ﻭﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﻟﻠﻤﻬﺘﺪﻱ اﻟﺴﺎﻟﻚ، ﻓﺈﺫا ﺗﻤﻜﻦ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻭﻗﻮﻱ ﻭﺛﺒﺖ ﺃﺻﻮﻝ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺠﺮﺓ اﻟﻄﻴﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺃﺻﻠﻬﺎ ﺛﺎﺑﺖ ﻭﻓﺮﻋﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ - ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﺨﺸﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﺻﻒ- ﻓﺈﻧﻪ ﺇﺫا ﺃﺑﺪﻯ ﺣﺎﻟﻪ ﻣﻊ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻴﻘﺘﺪﻯ ﺑﻪ ﻭﻳﺆﺗﻢ ﺑﻪ ﻟﻢ ﻳﺒﺎﻝ.
ﻭﻫﺬا ﺑﺎﺏ ﻋﻈﻴﻢ اﻟﻨﻔﻊ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﺃﻫﻠﻪ.
ﻭﺇﺫا ﻛﺎﻥ اﻟﺪﻋﺎء اﻟﻤﺄﻣﻮﺭ ﺑﺈﺧﻔﺎﺋﻪ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺩﻋﺎء اﻟﻄﻠﺐ ﻭاﻟﺜﻨﺎء ﻭاﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭاﻹﻗﺒﺎﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ؛ ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﻋﻈﻴﻢ اﻟﻜﻨﻮﺯ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺣﻖ ﺑﺎﻹﺧﻔﺎء ﻋﻦ ﺃﻋﻴﻦ اﻟﺤﺎﺳﺪﻳﻦ، ﻭﻫﺬﻩ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﺷﺮﻳﻔﺔ ﻧﺎﻓﻌﺔ".
مجموع الفتاوى (١٥/ ١٨)
في فائدة إخفاء الدعاء وعدم الجهر به، قال ابن تيمية:
"ﺃﻋﻈﻢ اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻹﻗﺒﺎﻝ ﻭاﻟﺘﻌﺒﺪ، ﻭﻟﻜﻞ ﻧﻌﻤﺔ ﺣﺎﺳﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭﻫﺎ ﺩﻗﺖ ﺃﻭ ﺟﻠﺖ، ﻭﻻ ﻧﻌﻤﺔ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﻨﻌﻤﺔ، ﻓﺈﻥ ﺃﻧﻔﺲ اﻟﺤﺎﺳﺪﻳﻦ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻬﺎ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻠﻤﺤﺴﻮﺩ ﺃﺳﻠﻢ ﻣﻦ ﺇﺧﻔﺎء ﻧﻌﻤﺘﻪ ﻋﻦ اﻟﺤﺎﺳﺪ!
ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﻳﻌﻘﻮﺏ ﻟﻴﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ ﴿ﻻ ﺗﻘﺼﺺ ﺭﺅﻳﺎﻙ ﻋﻠﻰ ﺇﺧﻮﺗﻚ ﻓﻴﻜﻴﺪﻭا ﻟﻚ ﻛﻴﺪا﴾.
ﻭﻛﻢ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ ﻗﻠﺐ ﻭﺟﻤﻌﻴﺔ ﻭﺣﺎﻝ ﻣﻊ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ ﺗﺤﺪﺙ ﺑﻬﺎ ﻭﺃﺧﺒﺮ ﺑﻬﺎ ﻓﺴﻠﺒﻪ ﺇﻳﺎﻫﺎ اﻷﻏﻴﺎﺭ!
ﻭﻟﻬﺬا ﻳﻮﺻﻲ اﻟﻌﺎﺭﻓﻮﻥ ﻭاﻟﺸﻴﻮﺥ ﺑﺤﻔﻆ اﻟﺴﺮ ﻣﻊ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻻ ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺣﺪ!
ﻭاﻟﻘﻮﻡ ﺃﻋﻈﻢ ﺷﻴﺌًﺎ ﻛﺘﻤﺎﻧﺎ ﻷﺣﻮاﻟﻬﻢ ﻣﻊ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ، ﻭﻣﺎ ﻭﻫﺐ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺘﻪ ﻭاﻷﻧﺲ ﺑﻪ ﻭﺟﻤﻌﻴﺔ اﻟﻘﻠﺐ.
ﻭﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﻟﻠﻤﻬﺘﺪﻱ اﻟﺴﺎﻟﻚ، ﻓﺈﺫا ﺗﻤﻜﻦ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻭﻗﻮﻱ ﻭﺛﺒﺖ ﺃﺻﻮﻝ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺠﺮﺓ اﻟﻄﻴﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺃﺻﻠﻬﺎ ﺛﺎﺑﺖ ﻭﻓﺮﻋﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ - ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﺨﺸﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﺻﻒ- ﻓﺈﻧﻪ ﺇﺫا ﺃﺑﺪﻯ ﺣﺎﻟﻪ ﻣﻊ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻴﻘﺘﺪﻯ ﺑﻪ ﻭﻳﺆﺗﻢ ﺑﻪ ﻟﻢ ﻳﺒﺎﻝ.
ﻭﻫﺬا ﺑﺎﺏ ﻋﻈﻴﻢ اﻟﻨﻔﻊ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﺃﻫﻠﻪ.
ﻭﺇﺫا ﻛﺎﻥ اﻟﺪﻋﺎء اﻟﻤﺄﻣﻮﺭ ﺑﺈﺧﻔﺎﺋﻪ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺩﻋﺎء اﻟﻄﻠﺐ ﻭاﻟﺜﻨﺎء ﻭاﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭاﻹﻗﺒﺎﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ؛ ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﻋﻈﻴﻢ اﻟﻜﻨﻮﺯ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺣﻖ ﺑﺎﻹﺧﻔﺎء ﻋﻦ ﺃﻋﻴﻦ اﻟﺤﺎﺳﺪﻳﻦ، ﻭﻫﺬﻩ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﺷﺮﻳﻔﺔ ﻧﺎﻓﻌﺔ".
مجموع الفتاوى (١٥/ ١٨)
.
من الناس من ينشغل برد الباطل عن تأسيس وتقرير القول الحق، والمؤمن الزكي لا يشغله رد الباطل عن تأسيس الحق وتقريره.
ومنهم من إذا رد قولًا باطلًا أو مذهبًا منكرًا، تساهل مع ما يقابله من الأقوال والمذاهب، والعاقل لا يشغله رد قول باطل عن رد ضده من الباطل.
ومنهم من ينشغل بالخصومة مع المبتدع أو الفاسق، عن الخصومة الكبرى مع كافر.
وذو التقوى يرتّب أولياته بحسب ترتيب الشريعة، لا بحسب هواه.
من الناس من ينشغل برد الباطل عن تأسيس وتقرير القول الحق، والمؤمن الزكي لا يشغله رد الباطل عن تأسيس الحق وتقريره.
ومنهم من إذا رد قولًا باطلًا أو مذهبًا منكرًا، تساهل مع ما يقابله من الأقوال والمذاهب، والعاقل لا يشغله رد قول باطل عن رد ضده من الباطل.
ومنهم من ينشغل بالخصومة مع المبتدع أو الفاسق، عن الخصومة الكبرى مع كافر.
وذو التقوى يرتّب أولياته بحسب ترتيب الشريعة، لا بحسب هواه.
.
لابن تيمية حظ وافر من فهم طبائع النفوس، وتحليل أمراضها، وما فيها من أدواء، ولديه فقه خاص لمعرفة علاجها، ومعرفة لما يعرض للقلوب.
ومن نظر كتبه وقرأ في تراجمه رأى ذلك واضحًا، وهذا ثمرة ثلاثة أمور إذا تساعدت أثمرت لصاحبها ذلك:
توفيق وتسديد، وحفظ واطلاع واسع، وتأمل وتفكر، ومن ذلك ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية:
"وحب الشرف يحمل صاحبه على انتقاص الآخرين بالهمز واللمز!".
الفتاوى (١٧/ ٥٢٢)
ولما ذكر ابن تيمية آثار البدعة على صاحبها ذكر منها:
"نقص منفعة الشريعة في حقه!
إذ القلب لا يتسع للعوض والمعوض منه".
اقتصاء الصراط المستقيم (١/ ٥٤٤).
ولما ذكر بعض علل تحريم الميسر والنرد وردّ قول من قصره على أكل مال المسلم بغير حق، قال:
"ﻓﻜﻴﻒ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻤﻔﺴﺪﺓ اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻫﻲ ﺣﻜﻤﺔ اﻟﻨﻬﻲ ﻓﻘﻂ ﻭﻫﻲ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻭﺗﺘﺮﻙ اﻟﻤﻔﺴﺪﺓ اﻷﺻﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﺴﺎﺩ اﻟﻌﻘﻞ ﻭاﻟﻘﻠﺐ ﻭاﻟﻤﺎﻝ ﻣﺎﺩﺓ اﻟﺒﺪﻥ ﻭاﻟﺒﺪﻥ ﺗﺎﺑﻊ اﻟﻘﻠﺐ".
ثم تابع هذا المعنى الشريف فقال:
"ﻭﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻘﺼﺮ ﻧﻈﺮﻩ ﻋﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ ﻳﺤﺒﻪ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭاﻟﻨﻔﻮﺱ ﻭﻣﻔﺎﺳﺪﻫﺎ، ﻭﻣﺎ ﻳﻨﻔﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﻣﺎ ﻳﻀﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﻔﻠﺔ ﻭاﻟﺸﻬﻮﺓ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا﴾، ﻭﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿فَأَعۡرِضۡ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكۡرِنَا وَلَمۡ یُرِدۡ إِلَّا ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا ذَ ٰلِكَ مَبۡلَغُهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِۚ﴾، ﻓﺘﺠﺪ ﻛﺜﻴﺮا ﻣﻦ ﻫﺆﻻء ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﻜﺎﻡ ﻻ ﻳﺮﻯ ﻣﻦ اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﻭاﻟﻤﻔﺎﺳﺪ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻋﺎﺩ ﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻤﺎﻝ ﻭاﻟﺒﺪﻥ".
(مجموع الفتاوى ٣٢/ ٢٣٢- ٢٣٣).
وفي أثر صلاح القلب في دفع السوء، قال:
"فاﻟﻠﻪ ﻳﺼﺮﻑ ﻋﻦ ﻋﺒﺪﻩ ﻣﺎ ﻳﺴﻮءﻩ ﻣﻦ اﻟﻤﻴﻞ ﺇﻟﻰ اﻟﺼﻮﺭ ﻭاﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ ﻭﻳﺼﺮﻑ ﻋﻨﻪ اﻟﻔﺤﺸﺎء ﺑﺈﺧﻼﺻﻪ ﻟﻠﻪ. ﻭﻟﻬﺬا ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺬﻭﻕ ﺣﻼﻭﺓ اﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻟﻠﻪ ﻭاﻹﺧﻼﺹ ﻟﻪ ﺗﻐﻠﺒﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ اﺗﺒﺎﻉ ﻫﻮاﻫﺎ ﻓﺈﺫا ﺫاﻕ ﻃﻌﻢ اﻹﺧﻼﺹ ﻭﻗﻮﻱ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ اﻧﻘﻬﺮ ﻟﻪ ﻫﻮاﻩ ﺑﻼ ﻋﻼﺝ.
المجموع (١٠/ ١٨٨).
وقال في أنواع القلوب مع العلم:
"اﻟﻘﻠﺐ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﺭﻗﻴﻘﺎ ﻟﻴﻨﺎ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻮﻟﻪ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺳﻬﻼ ﻳﺴﻴﺮا!
ﻭﺭﺳﺦ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻴﻪ ﻭﺛﺒﺖ ﻭﺃﺛﺮ!
ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﺎﺳﻴﺎ ﻏﻠﻴﻈﺎ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻮﻟﻪ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺻﻌﺒﺎ ﻋﺴﻴﺮا.
ﻭﻻ ﺑﺪ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺯﻛﻴﺎ ﺻﺎﻓﻴﺎ ﺳﻠﻴﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺰﻛﻮ ﻓﻴﻪ اﻟﻌﻠﻢ ﻭﻳﺜﻤﺮ ﺛﻤﺮا ﻃﻴﺒﺎ. ﻭﺇﻻ ﻓﻠﻮ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻭﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﻛﺪﺭ ﻭﺧﺒﺚ؛ ﺃﻓﺴﺪ ﺫﻟﻚ اﻟﻌﻠﻢ! ﻭﻛﺎﻥ ﻛﺎﻟﺪﻏﻞ ﻓﻲ اﻟﺰﺭﻉ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻊ اﻟﺤﺐ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﺒﺖ؛ ﻣﻨﻌﻪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺰﻛﻮ ﻭﻳﻄﻴﺐ ﻭﻫﺬا ﺑﻴﻦ ﻷﻭﻟﻲ اﻷﺑﺼﺎﺭ.".
المجموع (٩/ ٣١٥)
وهكذا في مواضع كثيرة كثيرة، تجد هذا ظاهرًا.
لابن تيمية حظ وافر من فهم طبائع النفوس، وتحليل أمراضها، وما فيها من أدواء، ولديه فقه خاص لمعرفة علاجها، ومعرفة لما يعرض للقلوب.
ومن نظر كتبه وقرأ في تراجمه رأى ذلك واضحًا، وهذا ثمرة ثلاثة أمور إذا تساعدت أثمرت لصاحبها ذلك:
توفيق وتسديد، وحفظ واطلاع واسع، وتأمل وتفكر، ومن ذلك ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية:
"وحب الشرف يحمل صاحبه على انتقاص الآخرين بالهمز واللمز!".
الفتاوى (١٧/ ٥٢٢)
ولما ذكر ابن تيمية آثار البدعة على صاحبها ذكر منها:
"نقص منفعة الشريعة في حقه!
إذ القلب لا يتسع للعوض والمعوض منه".
اقتصاء الصراط المستقيم (١/ ٥٤٤).
ولما ذكر بعض علل تحريم الميسر والنرد وردّ قول من قصره على أكل مال المسلم بغير حق، قال:
"ﻓﻜﻴﻒ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻤﻔﺴﺪﺓ اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻫﻲ ﺣﻜﻤﺔ اﻟﻨﻬﻲ ﻓﻘﻂ ﻭﻫﻲ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻭﺗﺘﺮﻙ اﻟﻤﻔﺴﺪﺓ اﻷﺻﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﺴﺎﺩ اﻟﻌﻘﻞ ﻭاﻟﻘﻠﺐ ﻭاﻟﻤﺎﻝ ﻣﺎﺩﺓ اﻟﺒﺪﻥ ﻭاﻟﺒﺪﻥ ﺗﺎﺑﻊ اﻟﻘﻠﺐ".
ثم تابع هذا المعنى الشريف فقال:
"ﻭﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻘﺼﺮ ﻧﻈﺮﻩ ﻋﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ ﻳﺤﺒﻪ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭاﻟﻨﻔﻮﺱ ﻭﻣﻔﺎﺳﺪﻫﺎ، ﻭﻣﺎ ﻳﻨﻔﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﻣﺎ ﻳﻀﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﻔﻠﺔ ﻭاﻟﺸﻬﻮﺓ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا﴾، ﻭﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿فَأَعۡرِضۡ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكۡرِنَا وَلَمۡ یُرِدۡ إِلَّا ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا ذَ ٰلِكَ مَبۡلَغُهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِۚ﴾، ﻓﺘﺠﺪ ﻛﺜﻴﺮا ﻣﻦ ﻫﺆﻻء ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﻜﺎﻡ ﻻ ﻳﺮﻯ ﻣﻦ اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﻭاﻟﻤﻔﺎﺳﺪ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻋﺎﺩ ﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻤﺎﻝ ﻭاﻟﺒﺪﻥ".
(مجموع الفتاوى ٣٢/ ٢٣٢- ٢٣٣).
وفي أثر صلاح القلب في دفع السوء، قال:
"فاﻟﻠﻪ ﻳﺼﺮﻑ ﻋﻦ ﻋﺒﺪﻩ ﻣﺎ ﻳﺴﻮءﻩ ﻣﻦ اﻟﻤﻴﻞ ﺇﻟﻰ اﻟﺼﻮﺭ ﻭاﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ ﻭﻳﺼﺮﻑ ﻋﻨﻪ اﻟﻔﺤﺸﺎء ﺑﺈﺧﻼﺻﻪ ﻟﻠﻪ. ﻭﻟﻬﺬا ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺬﻭﻕ ﺣﻼﻭﺓ اﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻟﻠﻪ ﻭاﻹﺧﻼﺹ ﻟﻪ ﺗﻐﻠﺒﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ اﺗﺒﺎﻉ ﻫﻮاﻫﺎ ﻓﺈﺫا ﺫاﻕ ﻃﻌﻢ اﻹﺧﻼﺹ ﻭﻗﻮﻱ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ اﻧﻘﻬﺮ ﻟﻪ ﻫﻮاﻩ ﺑﻼ ﻋﻼﺝ.
المجموع (١٠/ ١٨٨).
وقال في أنواع القلوب مع العلم:
"اﻟﻘﻠﺐ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﺭﻗﻴﻘﺎ ﻟﻴﻨﺎ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻮﻟﻪ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺳﻬﻼ ﻳﺴﻴﺮا!
ﻭﺭﺳﺦ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻴﻪ ﻭﺛﺒﺖ ﻭﺃﺛﺮ!
ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﺎﺳﻴﺎ ﻏﻠﻴﻈﺎ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻮﻟﻪ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺻﻌﺒﺎ ﻋﺴﻴﺮا.
ﻭﻻ ﺑﺪ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺯﻛﻴﺎ ﺻﺎﻓﻴﺎ ﺳﻠﻴﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺰﻛﻮ ﻓﻴﻪ اﻟﻌﻠﻢ ﻭﻳﺜﻤﺮ ﺛﻤﺮا ﻃﻴﺒﺎ. ﻭﺇﻻ ﻓﻠﻮ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻭﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﻛﺪﺭ ﻭﺧﺒﺚ؛ ﺃﻓﺴﺪ ﺫﻟﻚ اﻟﻌﻠﻢ! ﻭﻛﺎﻥ ﻛﺎﻟﺪﻏﻞ ﻓﻲ اﻟﺰﺭﻉ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻊ اﻟﺤﺐ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﺒﺖ؛ ﻣﻨﻌﻪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺰﻛﻮ ﻭﻳﻄﻴﺐ ﻭﻫﺬا ﺑﻴﻦ ﻷﻭﻟﻲ اﻷﺑﺼﺎﺭ.".
المجموع (٩/ ٣١٥)
وهكذا في مواضع كثيرة كثيرة، تجد هذا ظاهرًا.
• نعوذ بالله من الخصومة بالدين.
العنوان ينقض بعضه بعضًا!
فالسلفية المعاصرة ليست على نمط واحد في باب التفقه، فمنهم المقلد، الذي يحرّم الخروج عن المذهب إلا بالقيود الثقال، ومنهم المتمذهب واسع البطان في الخروج عن المذهب إذا رأى لذلك موجبًا، ثم درجات بعد ذلك حتى تصل إلى نموذج من أتباع الظاهرية.
وعليه فهذه العناوين الطيّارة ليست حياديّة في شكلها ولا موضوعها.
وقد دبّ إلينا داء (ردات الفعل)، داء الأفكار والمعتقدات القديم!
فجاء بعض أنصار التمذهب وقد احتملتهم ردة فعل من الفوضى الفقهية عند بعض المعاصرين، فجاؤوا يُزْرون على منهج الترجيح، ويعودون باللوم والعذل على منهج التفقه بالترجيح بالدليل.
والأفكار والمناهج والمعتقدات ليست بريئة من التحيّز للفعل ولعكسه.
بل سترى أن كثيرًا من الأفكار والمعتقدات تنشأ ردّ فعل لمبدأ مضاد تحت ظروف معينة.
وتاريخ الأفكار والعقائد شاهد بمثل هذا، ثقيل بنماذجه، وليس يسلم من هذا إلا من سلّمه ﷲ وعافاه.
=
العنوان ينقض بعضه بعضًا!
فالسلفية المعاصرة ليست على نمط واحد في باب التفقه، فمنهم المقلد، الذي يحرّم الخروج عن المذهب إلا بالقيود الثقال، ومنهم المتمذهب واسع البطان في الخروج عن المذهب إذا رأى لذلك موجبًا، ثم درجات بعد ذلك حتى تصل إلى نموذج من أتباع الظاهرية.
وعليه فهذه العناوين الطيّارة ليست حياديّة في شكلها ولا موضوعها.
وقد دبّ إلينا داء (ردات الفعل)، داء الأفكار والمعتقدات القديم!
فجاء بعض أنصار التمذهب وقد احتملتهم ردة فعل من الفوضى الفقهية عند بعض المعاصرين، فجاؤوا يُزْرون على منهج الترجيح، ويعودون باللوم والعذل على منهج التفقه بالترجيح بالدليل.
والأفكار والمناهج والمعتقدات ليست بريئة من التحيّز للفعل ولعكسه.
بل سترى أن كثيرًا من الأفكار والمعتقدات تنشأ ردّ فعل لمبدأ مضاد تحت ظروف معينة.
وتاريخ الأفكار والعقائد شاهد بمثل هذا، ثقيل بنماذجه، وليس يسلم من هذا إلا من سلّمه ﷲ وعافاه.
=
=
ثم لست أدري من أين أتت تلك النظرة المثالية للتمذهب!
النظرة التي تتجاوز إشكالياته، مع شهود التاريخ على مفاسد يصح أن يُقَابَل بها ما يراه بعضهم من مفاسد منهج الانتصار للقول الراجح.
فكما إن لمنهج ترك المذاهب إشكالات ومؤاخذات، فكذلك ستجد إشكاليات ومؤاخذات ابتلي بها بعض أصحاب المذاهب.
والتاريخ يقرأ علينا أحداث المنع من الصلاة خلف بعضهم، ويصيح بنا للنظر في فتاوى النهي عن الزواج من بعضهم، وتفريق الأمة، والأخذ بالأقوال الضعيفة، وترك صحيح السنة في المسائل الواضحة.
وقد كان أبو الحسن الكرخي حجة على من ظن سلامة التمذهب من الإشكالات، حين كان يقول:
كل حديث خالف مذهبنا فهو منسوخ أو متأول!
وأما صنيع أصبغ بن خليل القرطبي حين وضع حديثًا في ترك رفع اليدين في الركوع والرفع منه، فتلك التي يقال عندها: لليدين والفم!
وادّعى أبو بشر الدولابي في حديث انتقاض الوضوء بالقهقهة دعوى ليصح.
ووضع ابن الثلجي الحنفي أحاديث تنصر مذهبه، وكان يقول: يجب أن يذبح أصحاب أحمد!
وقد جعل بعضهم تضعيف يحيى بن معين للشافعي من هذا الباب، وإن كان الإمام يحيى في نفسي أعظم من ذلك وأطهر!
وكان أصبغ بن خليل القرطبي يقول: لئن يكون في تابوتي رأس خنزير؛ أحب من أن يكون فيه مصنف ابن أبي شيبة!
وأما أخبار المنتقلين من مذهب إلى آخر فذاك الذي تعرق من بعضه جباه أهل الدين والوحي!
فلما تحوّل عثمان بن الحداد المغربي من مذهب مالك إلى مذهب الشافعية كان يسمي المدونة المدودة!
وحين تحوّل منصور السمعاني من مذهبه، حصلت فتنة كبيرة بمرو، واقتتال بين الشافعية والحنفية.
وابن العربي مع ما لديه من تعظيم للسنة تعرض لأصحاب أحمد في العواصم بما لا ينبغي أن يقع من مثله.
ولما توفي محمد بن عبد الله الشافعي رفض الحنابلة أن يدفن بمقبرة أحمد بن حنبل.
وفي سنة خمس مائة وستين (٥٦٠)، وقعت فتنة عبد اللطيف الخجندي الشافعي بأصفهان، ووقع اقتتال دام ثمانية أيام.
وأحرق الحنفية مسجدا للشافعية بناه مسعود بن علي الخوارزمي.
وذكر ياقوت أن أصفهان عمها الخراب لتعصب المذاهب!
ثم إني أعوذ بالله أن يظن بي رغبة عن طريق الأئمة، أو نشوز عن سبيلهم في التفقه والعمل.
ولكن أردت أن أشير إلى أن كل نمط في الدراسة الفقهية فله حسناته، وعليه مؤاخذته، والمعافى من عافاه الله.
ولا زال شيوخنا في بلادنا يحثوننا على حفظ متون الفقه، ويرغبون في التفقه على طريق أهل المذاهب، وينهون عن الجراءة على الفتيا، ويرون أن كلمة:
(أرى والراجح عندي وأجناسها) حطةٌ بصاحبها، خدشةٌ في وجهه إلا إذا بلغ مبلغًا كبيرًا.
ثم هم بعد ذلك لا يغلظون في الأخذ بالمذهب في كل صغير وكبير، ولا يشتدون في ذلك.
وقد أدركت عامة شيوخنا الكبار يحفظون متن زاد المستقنع، ويدرسون كتب المذهب، ولا ينكرون على من أخذ بالمذهب، بل يرونه من الرزانة العلمية، والسكينة في الطلب، والتواضع النفسي.
ومع هذا فقد حدثت نبوة عظيمة عن هذا عند بعض المتبعين للأثر، خاصة في الهند وباكستان والشام، ووقعت وقائع أنكرها شيوخنا حينًا، وتعجبوا حينًا.
والله المستعان.
ثم لست أدري من أين أتت تلك النظرة المثالية للتمذهب!
النظرة التي تتجاوز إشكالياته، مع شهود التاريخ على مفاسد يصح أن يُقَابَل بها ما يراه بعضهم من مفاسد منهج الانتصار للقول الراجح.
فكما إن لمنهج ترك المذاهب إشكالات ومؤاخذات، فكذلك ستجد إشكاليات ومؤاخذات ابتلي بها بعض أصحاب المذاهب.
والتاريخ يقرأ علينا أحداث المنع من الصلاة خلف بعضهم، ويصيح بنا للنظر في فتاوى النهي عن الزواج من بعضهم، وتفريق الأمة، والأخذ بالأقوال الضعيفة، وترك صحيح السنة في المسائل الواضحة.
وقد كان أبو الحسن الكرخي حجة على من ظن سلامة التمذهب من الإشكالات، حين كان يقول:
كل حديث خالف مذهبنا فهو منسوخ أو متأول!
وأما صنيع أصبغ بن خليل القرطبي حين وضع حديثًا في ترك رفع اليدين في الركوع والرفع منه، فتلك التي يقال عندها: لليدين والفم!
وادّعى أبو بشر الدولابي في حديث انتقاض الوضوء بالقهقهة دعوى ليصح.
ووضع ابن الثلجي الحنفي أحاديث تنصر مذهبه، وكان يقول: يجب أن يذبح أصحاب أحمد!
وقد جعل بعضهم تضعيف يحيى بن معين للشافعي من هذا الباب، وإن كان الإمام يحيى في نفسي أعظم من ذلك وأطهر!
وكان أصبغ بن خليل القرطبي يقول: لئن يكون في تابوتي رأس خنزير؛ أحب من أن يكون فيه مصنف ابن أبي شيبة!
وأما أخبار المنتقلين من مذهب إلى آخر فذاك الذي تعرق من بعضه جباه أهل الدين والوحي!
فلما تحوّل عثمان بن الحداد المغربي من مذهب مالك إلى مذهب الشافعية كان يسمي المدونة المدودة!
وحين تحوّل منصور السمعاني من مذهبه، حصلت فتنة كبيرة بمرو، واقتتال بين الشافعية والحنفية.
وابن العربي مع ما لديه من تعظيم للسنة تعرض لأصحاب أحمد في العواصم بما لا ينبغي أن يقع من مثله.
ولما توفي محمد بن عبد الله الشافعي رفض الحنابلة أن يدفن بمقبرة أحمد بن حنبل.
وفي سنة خمس مائة وستين (٥٦٠)، وقعت فتنة عبد اللطيف الخجندي الشافعي بأصفهان، ووقع اقتتال دام ثمانية أيام.
وأحرق الحنفية مسجدا للشافعية بناه مسعود بن علي الخوارزمي.
وذكر ياقوت أن أصفهان عمها الخراب لتعصب المذاهب!
ثم إني أعوذ بالله أن يظن بي رغبة عن طريق الأئمة، أو نشوز عن سبيلهم في التفقه والعمل.
ولكن أردت أن أشير إلى أن كل نمط في الدراسة الفقهية فله حسناته، وعليه مؤاخذته، والمعافى من عافاه الله.
ولا زال شيوخنا في بلادنا يحثوننا على حفظ متون الفقه، ويرغبون في التفقه على طريق أهل المذاهب، وينهون عن الجراءة على الفتيا، ويرون أن كلمة:
(أرى والراجح عندي وأجناسها) حطةٌ بصاحبها، خدشةٌ في وجهه إلا إذا بلغ مبلغًا كبيرًا.
ثم هم بعد ذلك لا يغلظون في الأخذ بالمذهب في كل صغير وكبير، ولا يشتدون في ذلك.
وقد أدركت عامة شيوخنا الكبار يحفظون متن زاد المستقنع، ويدرسون كتب المذهب، ولا ينكرون على من أخذ بالمذهب، بل يرونه من الرزانة العلمية، والسكينة في الطلب، والتواضع النفسي.
ومع هذا فقد حدثت نبوة عظيمة عن هذا عند بعض المتبعين للأثر، خاصة في الهند وباكستان والشام، ووقعت وقائع أنكرها شيوخنا حينًا، وتعجبوا حينًا.
والله المستعان.
.
لا تنس أنّ هؤلاء الرافضة الذين قُتِلوا بالأمس في لبنان؛ كانوا للتوّ قد رجعوا من قتل المسلمين في الشام والعراق واليمن!
ولكنْ من النّاس من يضيق نظره عن اجتماع الحسن والقبح، والمحبوب والمكروه، في الأشخاص والأحداث والأحكام، في وقت واحد ومحل واحد.
خاصة إذا جاء الحسن والقبح من جهات مختلفة منفكّة، فتراه ينحصر ولا ينفسح نظره لتزاحمها في ذلك المحل.
فهلاك الطاغي وقطع دابر المفسد من محبوبات المؤمنين.
وهلاكه على يد يهودي -يستطيل بذلك على المسلمين ويكسر نفوسهم ويفرح به ويفتخر- من مكروهات المؤمنين.
ثم تبقى أمور أخرى وراء ذلك، من مآلات هذا الحدث، سيؤثر فيها -بلا شك- ما سيظهر من سبب هذه التقانة العسكرية.
فإنّ مفاجأة هذه الأداة وغموضها وجدّتها -إن كانت جديدة- سيقوّي نفوس الصهاينة، ويرفع أسهم رئيسهم، وربما فتت عزائم المسلمين، وخوّفت عامّتهم، وأرجفت قلوبهم.
ثم لا ينبغي أن ننسى أن إيران لم تصطنع (حزب الله) في لبنان لمهمّة مقاتلة اليهود! وليس ذلك شأنه الأوّلي!
ولكنّه غذّيَ لمحاربة السنّة في المنطقة، ورعته إيران ليكون نقطة متقدّمة لها في تصدير الثورة الشيعية.
فهذا شأنه الأوّل، وما سوى ذلك هامش!
لا تنس أنّ هؤلاء الرافضة الذين قُتِلوا بالأمس في لبنان؛ كانوا للتوّ قد رجعوا من قتل المسلمين في الشام والعراق واليمن!
ولكنْ من النّاس من يضيق نظره عن اجتماع الحسن والقبح، والمحبوب والمكروه، في الأشخاص والأحداث والأحكام، في وقت واحد ومحل واحد.
خاصة إذا جاء الحسن والقبح من جهات مختلفة منفكّة، فتراه ينحصر ولا ينفسح نظره لتزاحمها في ذلك المحل.
فهلاك الطاغي وقطع دابر المفسد من محبوبات المؤمنين.
وهلاكه على يد يهودي -يستطيل بذلك على المسلمين ويكسر نفوسهم ويفرح به ويفتخر- من مكروهات المؤمنين.
ثم تبقى أمور أخرى وراء ذلك، من مآلات هذا الحدث، سيؤثر فيها -بلا شك- ما سيظهر من سبب هذه التقانة العسكرية.
فإنّ مفاجأة هذه الأداة وغموضها وجدّتها -إن كانت جديدة- سيقوّي نفوس الصهاينة، ويرفع أسهم رئيسهم، وربما فتت عزائم المسلمين، وخوّفت عامّتهم، وأرجفت قلوبهم.
ثم لا ينبغي أن ننسى أن إيران لم تصطنع (حزب الله) في لبنان لمهمّة مقاتلة اليهود! وليس ذلك شأنه الأوّلي!
ولكنّه غذّيَ لمحاربة السنّة في المنطقة، ورعته إيران ليكون نقطة متقدّمة لها في تصدير الثورة الشيعية.
فهذا شأنه الأوّل، وما سوى ذلك هامش!
.
مواعظ من سيرة الشيخ
محمد العليّط
هو الشيخ العابد الزاهد محمد بن سليمان العليط، الذي وصفه الشيخ محمد العبودي في معجم أسر بريدة: بالعلامة!
كان رحمه الله نادرًا في عبادته، متفردًا في زهده، على طريق واحدة منذ أكثر من ستين سنة!
ولذا كان لا يخلّ بورده، ولا يترك حزبه، حتى إنه كان مرةً يقرأ حزبه بين العشائين فجاءه من أخبره أنّ ابنه صدمه شخص بالسيارة، فأكمل ورده!
ولمّا خرج بعد العشاء جاء من يبشره بسلامة ابنه.
ومن ثباته أنّه ما أذّن المؤذّن إلا وهو في المسجد، ولم يصلّ في الصف الثاني، وكان ينقل عن شيخه محمد الصالح المطوع أنه قال: إذا أذن المؤذن وأنت في السوق، فقل: إنا لله وإنا إليه راجعون!
ومن ثباته على الطاعة، ولزومه طريقها، أنه ليلة زواجه من بنت الشيخ عمر بن سليم رحمه الله، حضر درس الفجر عند شيخه ابن حمید رحمهما الله!
وإذا ذكر الشيخ محمد العليّط فلابد أن يذكر العابد الصالح الشيخ صالح الرشيد الفرج.
فهما قرينان في السن والطلب والصحبة والخلق، ودرسا معًا في المعهد العلمي، وكانا لا يكادان يفترقان، ويحجّان مع بعضهما.
حتى كان الشيخ محمد العليط إذا دعي لوليمة ودعوة، قال: انظروا صالح الرشيد، أي هل يسمح وقته.
ومن اللطائف أنّ الشيخ حدثّ قال: رأيتُ في المنام أن قائلا يقول: النبي ﷺ في مكان كذا وكذا، إن أحببت أن تسلّم عليه!
قال: فذهبت -أي في المنام- لبيت صالح الرشيد وطرقت عليه الباب!
وذهبنا للسلام على النبي ﷺ!
وقد ذكر العلامة الرحالة الشيخ محمد العبودي وكان مدير المعهد العلمي في بريدة: إن الشيخ صالح الرشيد، كان من الطلّاب المجدّين في المعهد، وتخرج منه بتفوق، ونال الشهادة الثانوية منه، ولكنه توقف عند ذلك زهدًا وورعًا وبعدًا عن التعلّق بالوظائف خشية الافتتان!
رحمهم الله، وجمعنا بهم في الجنة.
مواعظ من سيرة الشيخ
محمد العليّط
هو الشيخ العابد الزاهد محمد بن سليمان العليط، الذي وصفه الشيخ محمد العبودي في معجم أسر بريدة: بالعلامة!
كان رحمه الله نادرًا في عبادته، متفردًا في زهده، على طريق واحدة منذ أكثر من ستين سنة!
ولذا كان لا يخلّ بورده، ولا يترك حزبه، حتى إنه كان مرةً يقرأ حزبه بين العشائين فجاءه من أخبره أنّ ابنه صدمه شخص بالسيارة، فأكمل ورده!
ولمّا خرج بعد العشاء جاء من يبشره بسلامة ابنه.
ومن ثباته أنّه ما أذّن المؤذّن إلا وهو في المسجد، ولم يصلّ في الصف الثاني، وكان ينقل عن شيخه محمد الصالح المطوع أنه قال: إذا أذن المؤذن وأنت في السوق، فقل: إنا لله وإنا إليه راجعون!
ومن ثباته على الطاعة، ولزومه طريقها، أنه ليلة زواجه من بنت الشيخ عمر بن سليم رحمه الله، حضر درس الفجر عند شيخه ابن حمید رحمهما الله!
وإذا ذكر الشيخ محمد العليّط فلابد أن يذكر العابد الصالح الشيخ صالح الرشيد الفرج.
فهما قرينان في السن والطلب والصحبة والخلق، ودرسا معًا في المعهد العلمي، وكانا لا يكادان يفترقان، ويحجّان مع بعضهما.
حتى كان الشيخ محمد العليط إذا دعي لوليمة ودعوة، قال: انظروا صالح الرشيد، أي هل يسمح وقته.
ومن اللطائف أنّ الشيخ حدثّ قال: رأيتُ في المنام أن قائلا يقول: النبي ﷺ في مكان كذا وكذا، إن أحببت أن تسلّم عليه!
قال: فذهبت -أي في المنام- لبيت صالح الرشيد وطرقت عليه الباب!
وذهبنا للسلام على النبي ﷺ!
وقد ذكر العلامة الرحالة الشيخ محمد العبودي وكان مدير المعهد العلمي في بريدة: إن الشيخ صالح الرشيد، كان من الطلّاب المجدّين في المعهد، وتخرج منه بتفوق، ونال الشهادة الثانوية منه، ولكنه توقف عند ذلك زهدًا وورعًا وبعدًا عن التعلّق بالوظائف خشية الافتتان!
رحمهم الله، وجمعنا بهم في الجنة.
.
سألت شيخنا المسند العلامة محمد الكنـتي عن اسم (البكاي) في نسبه.
فحدّثني أنه وصف لجدّه الأعلى (أحمد بن محمد بن علي بن يحيى) -وكان من أهل العلم والإصلاح، وهو أول من انتقل من الجزائر إلى موريتانيا-
وكان يقال له: أبو دمعة.
وكان من خبره أنه فاتته ركعة من الصلاة، فظل يبكي لفواتها حتى سمي بالبكاي، رحمه الله ورحم شيخنا وجميع مشايخنا والقارئين.
وسألته عن أعبد من لقي من أهل العلم، فقال: عمي (اعمر الشيخ)، أي عمر بنطقهم في جنوب الجزائر، منطقة تامنرست.
وكان عالمًا عابدًا، وكان يكثر أن يقول لهم: احذروا علماء الألسن! ممن ليسوا من علماء القلوب!
وكان عم شيخنا يقول: إن أعبد من لقي هو والد شيخنا، وهو أخوه الكبير.
وكانوا قد أخذوا النسك والعبادة عن أبيهما (جد شيخنا)، الذي شهد له أقرانه أنه منذ كان صغيرًا ما وقف بقدميه مع سفيه قط!
وكان قد تفرغ لطلب العلم أربعين سنة.
سألت شيخنا المسند العلامة محمد الكنـتي عن اسم (البكاي) في نسبه.
فحدّثني أنه وصف لجدّه الأعلى (أحمد بن محمد بن علي بن يحيى) -وكان من أهل العلم والإصلاح، وهو أول من انتقل من الجزائر إلى موريتانيا-
وكان يقال له: أبو دمعة.
وكان من خبره أنه فاتته ركعة من الصلاة، فظل يبكي لفواتها حتى سمي بالبكاي، رحمه الله ورحم شيخنا وجميع مشايخنا والقارئين.
وسألته عن أعبد من لقي من أهل العلم، فقال: عمي (اعمر الشيخ)، أي عمر بنطقهم في جنوب الجزائر، منطقة تامنرست.
وكان عالمًا عابدًا، وكان يكثر أن يقول لهم: احذروا علماء الألسن! ممن ليسوا من علماء القلوب!
وكان عم شيخنا يقول: إن أعبد من لقي هو والد شيخنا، وهو أخوه الكبير.
وكانوا قد أخذوا النسك والعبادة عن أبيهما (جد شيخنا)، الذي شهد له أقرانه أنه منذ كان صغيرًا ما وقف بقدميه مع سفيه قط!
وكان قد تفرغ لطلب العلم أربعين سنة.