Telegram Web
> "في متاهاتِ الكلماتِ، نُسافرُ بلا وجهةٍ، ونبحثُ عن ضوءٍ في ظلمةِ المعنى. انضموا إلى قناة" "ضلال ضائعة ، حيثُ نُشاركُ معكم أسرارَنا ونُغوصُ في أعماقِ النفسِ الإنسانيةِ."
>
الفهرس .
التعليمات .
رواية النهايه ليست نهايه

روايه شيقه باحداثها واحاسيسها الممتعه
### الفصل الأول: لقاء في المحطة

كانت الليلة باردة والساعة تقترب من منتصف الليل عندما وصلت إلى محطة الحافلات المهجورة. الظلام كان يلف المكان، والصمت لم يُعكر صفوه سوى صوت الرياح الباردة. كنت قد قررت العودة إلى مدينتي بعد زيارة طويلة، وجلست على المقعد الوحيد في المحطة، منتظرًا وصول الحافلة.

لم أكن وحدي. على المقعد المجاور، كان يجلس شاب في منتصف العشرينات، يبدو عليه التعب والحزن. عيناه الشاردتان كانتا تركزان على نقطة بعيدة في الأفق، وكأنهما تبحثان عن شيء أو شخص.

قررت أن أكسر الصمت وسألته: "من تنتظر؟ لم أرَ أي سيارة تمر هنا منذ فترة طويلة. أليس من الغريب أن تكون هنا في هذا الوقت المتأخر؟"

التفت إليّ ببطء، وعيناه مملوءتان بالحزن، ثم قال بصوت هادئ ومتحشرج: "لا أنتظر أحدًا. أنا هنا فقط لأودع الراحلين. لا أبحث عن وجهة، فقط أراقب الرحيل."

استغربت من رده، ولكنني شعرت بصدق كلماته. "ألا تسكن هنا؟" سألته.

أجاب: "أحيانًا أأتي إلى هنا. أحب أن أرى أعين المسافرين عند رحيلهم. هناك شيء يريحني في مراقبة الناس وهم يغادرون."

زاد فضولي وسألته: "هل يمكنك أن تحكي لي سبب ذلك؟"

ابتسم ابتسامة حزينة وقال: "هل لديك حلم ما؟"

أجبته: "نعم، جميعنا نملك أحلامًا. سيارة، منزل، أن نكون أثرياء أو علماء... الجميع لديه أحلام."

هز رأسه نفيًا وقال: "لا أقصد ذلك. أقصد شيئًا تتمسك بالحياة من أجله. شخصًا يجعل الحياة تستحق العيش."

حاولت الإجابة، لكن كلماته أصابتني في الصميم. لم يعطني فرصة للرد، فقد استمر في الحديث: "تخيل نفسك في الخامسة عشرة من عمرك، تجد نفسك تحب شخصًا دون أن تدرك معنى هذه المشاعر. بالتدريج، تجد نفسك تفقد القدرة على تحمل الحياة دونه."

صمت قليلاً، ثم تابع: "كنت في ذلك العمر، وكنت أحب فتاة تعيش بالقرب منا. لم أكن أفهم مشاعري في ذلك الوقت، ولكنها كانت تملأ حياتي ببهجة لا توصف. كانت تخرج من منزلها مسرعة إلى دار جارتها، وكنت أحب رؤيتها حتى لو كانت بضع ثوان."

كانت كلماته مليئة بالحنين والأسى. حاولت أن أواسيه، ولكن قبل أن أتمكن من ذلك، نظر إلى ساعته واستأذن للرحيل: "يبدو أن الوقت قد تأخر، يجب أن أذهب الآن. شكرًا على الاستماع."

ترك ورقة صغيرة على المقعد، ثم اختفى في الظلام. أخذت الورقة ووضعتها في جيبي دون أن أنظر إليها.

في اليوم التالي، بينما كنت أفكر في حديثه، تذكرت الورقة. فتحتها بحذر ووجدت رقم هاتف مكتوبًا بخط يد متقن، وتحت الرقم اسم "إيثان".

---
### الفصل الثاني: ذكريات مبهمة

استيقظت في اليوم التالي على ضوء الشمس الذي تسلل عبر ستائر نافذتي. جلست على سريري، محاولاً استيعاب تفاصيل الليلة السابقة. كانت كلمات إيثان لا تزال ترن في أذني، وصورته الحزينة لم تفارق ذهني.

نهضت من سريري وتوجهت إلى المطبخ لأعد فنجانًا من القهوة. بينما كنت أنتظر الماء ليغلي، تذكرت الورقة التي تركها إيثان. هرعت إلى سترتي المعلقة على الكرسي وأخرجت الورقة من جيبها.

كان الرقم مكتوبًا بخط يده المتقن، وتحت الرقم اسم "إيثان". تساءلت في نفسي: "من هو إيثان حقًا؟ ولماذا ترك لي هذا الرقم؟" لم أستطع مقاومة الفضول، فقررت أن أتصل بالرقم.

رفعت الهاتف بيدي المرتعشة وبدأت أضغط الأرقام ببطء. رن الهاتف عدة مرات قبل أن يجيب صوت هادئ: "مرحبًا، من معي؟"

ترددت لبرهة ثم قلت: "مرحبًا، أنا الشخص الذي التقيت به الليلة الماضية في محطة الحافلات. هل هذا إيثان؟"

أجاب الصوت بهدوء: "نعم، أنا إيثان. كيف يمكنني مساعدتك؟"

شعرت بالارتياح لرده الودي، وقلت: "أردت فقط أن أتحدث معك عن حديثنا الليلة الماضية. يبدو أنك تحمل الكثير من الألم، وأعتقد أنني أود أن أعرف المزيد عن قصتك."

تردد قليلاً قبل أن يجيب: "حسنًا، لنلتقِ في مكان ما. هناك مقهى صغير في وسط المدينة، دعنا نلتقي هناك مساء اليوم."

وافقت على الفور، وأغلقت الهاتف بعد تبادل بعض التفاصيل. كان لدي شعور بأن هذا اللقاء سيكشف الكثير من الأسرار عن إيثان وعن ألمه.

في المساء، توجهت إلى المقهى الذي حدده إيثان. كان المكان هادئًا ودافئًا، مليئًا برائحة القهوة الطازجة. جلست في زاوية وانتظرت وصوله. لم يمضِ وقت طويل حتى رأيته يدخل المقهى، بنظراته الشاردة وعيناه المليئتان بالحزن.

جلس إيثان أمامي وبدأ الحديث بصوت هادئ: "أعتذر إذا كنت قد أزعجتك الليلة الماضية. لكنني شعرت بالحاجة إلى الحديث مع شخص ما."

ابتسمت وقلت: "لا بأس، كنت سعيدًا بالاستماع إليك. أريد أن أعرف المزيد عنك وعن قصتك."

تنهد إيثان وقال: "هناك أشياء كثيرة يصعب الحديث عنها. بعض الألم لا يمكن مشاركته بسهولة."

شعرت بتردد إيثان في الحديث، فقررت أن أتركه يأخذ وقته. قلت: "خذ وقتك، لست مضطرًا للحديث عن كل شيء الآن."

ابتسم إيثان بخفة وقال: "شكرًا لتفهمك. هناك بعض الأمور التي لا تزال عالقة في ذهني منذ زمن طويل. ربما في يوم من الأيام سأتمكن من البوح بكل شيء."

لاحظت أن إيثان يتجنب التفاصيل، وكأن هناك سرًا كبيرًا يخفيه. حاولت أن أغير الموضوع قليلاً لتخفيف التوتر: "ما الذي يجعلك تحب مشاهدة الناس يرحلون؟"

نظر إيثان إلى فنجان القهوة أمامه، ثم قال: "الرحيل يذكرني بشيء مهم. كل شخص يغادر يحمل معه قصة، وكل رحلة تحمل في طياتها ألمًا وأملًا. ربما يكون في مراقبتهم نوع من العلاج لنفسي."

كانت كلماته غامضة، ولكنها مليئة بالمعاني. شعرت برغبة قوية في معرفة المزيد، ولكنني قررت ألا أضغط عليه. بقينا نتحدث عن أمور أخرى، محاولين التعرف على بعضنا بشكل أفضل.

بينما كنا نتحدث، لاحظت أن إيثان يحمل في قلبه حزنًا عميقًا، وأن هناك الكثير من الأشياء التي لم يكشف عنها بعد. كان اللقاء بداية لفهم جزئي لحياته، ولكنني أدركت أن هناك الكثير من الغموض الذي يجب اكتشافه.

---
### الفصل الثالث: أسرار الماضي

مرت الأيام بسرعة، ولم أستطع التوقف عن التفكير في إيثان وكلماته الغامضة. قررت أن ألتقي به مرة أخرى، لعلي أستطيع فهم أعمق لقصته. تواصلت معه وحددنا موعدًا جديدًا في نفس المقهى.

في الموعد المحدد، وصلت إلى المقهى مبكرًا وجلست في نفس الزاوية التي جلسنا فيها في اللقاء السابق. دقائق مرت قبل أن أرى إيثان يدخل، بابتسامته الهادئة ونظراته الشاردة.

جلسنا وبدأنا الحديث عن الأمور العادية، عن الطقس والأخبار اليومية. ثم قررت أن أخطو خطوة نحو كشف الغموض: "إيثان، تحدثت في المرة الماضية عن الرحيل والألم. أريد أن أفهم أكثر. لماذا تعيش كل هذه المشاعر العميقة؟"

تنهد إيثان وقال: "ليس من السهل الحديث عن الماضي. هناك أشياء أتمنى لو أنني أستطيع نسيانها، لكن لا يمكنني."

شعرت بأنه بحاجة إلى من يصغي إليه، فقلت: "أحيانًا يكون التحدث عن الأشياء الصعبة بداية للشفاء. أنا هنا لأستمع."

نظر إلي إيثان بعمق ثم قال: "كانت هناك فتاة. أحببتها منذ كنا صغارًا، لكن الأمور لم تسر كما توقعت. كل شيء كان معقدًا ومليئًا بالآلام."

صمت لبرهة، وكأن الذكريات كانت تؤلمه، ثم تابع: "كنا معًا، نمضي الوقت ونتحدث عن أحلامنا. لكن عندما كبرنا، بدأت الأمور تتغير. بدأت أشعر بالغيرة، وبدأت تبتعد عني تدريجيًا."

أحسست بألم كلماته، وقلت: "هل كنتما قريبين جدًا؟"

أجاب إيثان: "نعم، كنا نعيش في نفس الحي، وكانت دائماً تملأ حياتي بالفرح. لكنني لم أكن أعرف كيف أتعامل مع مشاعري، وهذا ما أفسد كل شيء."

سألته: "هل حاولت التحدث معها بعد ذلك؟"

أجاب ببطء: "نعم، لكن بعد فوات الأوان. كانت قد وجدت شخصًا آخر. لم أكن مستعدًا لذلك، وفقدتها إلى الأبد."

شعرت بثقل الحزن في كلماته، فقلت: "أحيانًا تكون الأمور خارج سيطرتنا. لكن الحياة تستمر، وربما تكون هناك فرص جديدة."

ابتسم إيثان بخفة وقال: "ربما تكون على حق. لكنني لم أتعافى بعد. كلما شاهدت أحدًا يرحل، أشعر أنني أودعه مرة أخرى."

بينما كنا نتحدث، بدأت أفهم عمق الألم الذي يشعر به إيثان. كانت كلماته تملأني بالحزن والتعاطف. قررت أن أكون إلى جانبه، لأساعده على تجاوز هذه المحنة.

قبل أن نغادر، قال إيثان: "شكرًا لك على الاستماع. لا أدري لماذا أخبرتك بكل هذا، لكنني أشعر بشيء من الراحة."

ابتسمت وقلت: "أنا سعيد لأنك شعرت بالراحة. سأكون هنا دائمًا إذا كنت بحاجة إلى الحديث."

غادرنا المقهى وكل منا يحمل أفكاره ومشاعره. كانت هذه بداية قصه ايثان .

---.
### الفصل الرابع: ضوء في الظلام

كانت الأيام تمر بسرعة، وصداقة جديدة تتشكل بيني وبين إيثان. بدأنا نتقابل بانتظام، نتحدث عن أمور الحياة ونتشارك القصص والتجارب. كان إيثان يتحدث عن رحلاته إلى محطة الحافلات وكيف يشعر بالراحة وهو يشاهد المسافرين يرحلون. كنت أستمع وأحاول أن أكون له عونًا في محنته.

في إحدى الأمسيات، قررنا أن نقوم بنزهة في الحديقة العامة. كانت الأجواء هادئة، والسماء مغطاة بالنجوم. جلسنا على مقعد خشبي تحت شجرة كبيرة، وبدأ إيثان في الحديث مجددًا عن الفتاة التي أحبها.

"كانت تدعى سيفدا"، قال بصوت مفعم بالحزن. "كانت أروع شخص عرفته في حياتي. كنا نتشارك كل شيء، من الأحلام الصغيرة إلى الطموحات الكبيرة. نشأنا في نفس الحي، وكنا نتحدث في صغرنا بشكل عفوي ومصادف."

سألته: "كيف اكتشفت أنك تحبها، إيثان؟"

تنهد وقال: "عندما بلغت الخامسة عشرة من عمري، بدأت أعي أنني أكن مشاعر خاصة تجاهها. كنت أراقبها وأحاول معرفة كل شيء عنها. اكتشفت أنها تميل لحب المال والثراء والتفوق، وهذا ليس من فراغ، بل كان نتيجة توجه عائلتها التي غرست فيها هذا الطبع."

سألته بحذر: "هل كان لهذا تأثير على علاقتكما؟"

أجاب إيثان: "لم أهتم لذلك في البداية، بل جعلت منه دافعًا للنجاح. كنت أريد أن أكون الشخص الذي تستحقه. درست بجد وحصلت على أعلى الدرجات في الثانوية. بعد التخرج، تخصصت في مجال دراسي يناسب طموحاتي، بينما هي درست في قسم آخر ضمن نفس التخصص."

أحسست بعمق ألمه، فقلت: "هل حاولت أن تصارحها بمشاعرك في ذلك الوقت؟"

هز رأسه وقال: "لا، لم أكن مستعدًا لذلك. التزمت بحدود العلاقة الدراسية وفضلت الصمت. كنت أخشى أن أفقدها إذا كشفت عن مشاعري."

صمت قليلاً ثم تابع: "كلما شاهدت أحدًا يرحل، أشعر أنني أودعها مرة أخرى. كانت تلك اللحظات القليلة التي كنا نتحدث فيها عن الدراسة هي كل ما أملك."

شعرت بعمق ألمه وقلت: "إيثان، لا يمكننا تغيير الماضي، لكن يمكننا أن نتعلم منه. ربما كان هناك سبب لكل ما حدث. ربما كان عليك أن تمر بهذه التجربة لتصبح الشخص الذي أنت عليه الآن."

ابتسم إيثان بخفة وقال: "ربما تكون على حق. لكن الألم لا يزال موجودًا. كلما شاهدت أحدًا يرحل، أشعر أنني أودعها مرة أخرى."

بقيت كلمات إيثان تتردد في ذهني طوال المساء. كنت أعلم أن الوقت وحده يمكنه أن يشفي جروح الماضي، لكنني كنت مصممًا على أن أكون إلى جانبه لمساعدته في تجاوز هذه الذكرى .

---
### الفصل الخامس: ظل الماضي

بعد مرور عدة أسابيع على بداية صداقتنا، لاحظت أن إيثان بدأ ينفتح لي بشكل أكبر. كنا نلتقي بانتظام في الأماكن التي اعتدنا عليها، نتبادل الأحاديث ونتشارك القصص. كان الحديث عن سيفدا يتكرر أحيانًا، لكنني شعرت أنه يحاول تجنب الغوص في تفاصيل ماضيه المؤلمة.

في إحدى الليالي الهادئة، قررنا أن نجلس في مقهى قريب من محطة الحافلات. كانت الأجواء مريحة، والناس من حولنا منشغلون بأحاديثهم. بادر إيثان بالحديث هذه المرة.

"هل تعلم، لم أكن أعرف كيف أتعامل مع مشاعري نحو سيفدا. كانت تستحق الأفضل، وكنت أحاول دائمًا أن أكون ذلك الشخص الأفضل."

سألته: "كيف كنت تحاول تحقيق ذلك؟"

ابتسم إيثان بخفة وقال: "كنت أراقبها بعناية، أحاول معرفة ما تحب وما تكره. اكتشفت أنها تميل لحب المال والثراء، وهذا ما دفعني للتفوق في دراستي والعمل بجد. كنت أريد أن أكون الشخص الذي يمكنها الاعتماد عليه."

أجبته بحذر: "هل كانت تعرف مشاعرك نحوها؟"

هز رأسه بنفي وقال: "لم أصارحها بمشاعري قط. لم يكن الأمر يتعلق بالشجاعة، بل كنت أحاول حمايتها من تفاهات المراهقة. كنت أفضل أن أبقى بجانبها كصديق بدلاً من أن أخسرها تمامًا."

تنهد إيثان وأضاف: "بعد تخرجنا، دخلنا الجامعة، أنا في تخصص وهي في قسم آخر ضمن نفس التخصص. كانت أيام الجامعة مليئة بالعمل والدراسة، لكنني كنت أجد الوقت دائمًا لمراقبتها من بعيد. كنت أراها تتفوق وتنجح، وكنت أشعر بالفخر، ولكن أيضًا بالحزن لأنني لم أكن جزءًا من حياتها كما كنت أريد."

شعرت بعمق ألمه وقلت: "إيثان، ربما كان عليك أن تخبرها بما تشعر به. ربما كانت تشعر بنفس الشيء نحوك."

ابتسم إيثان بمرارة وقال: "ربما، ولكنني لم أرغب في أن يسيء الناس الظن بها. كنت أحفظ مشاعري في أعماق نفسي كي لا تُفهم بشكل خاطئ. بعد التخرج، شعرت أنني اكتملت على ما يبدو، لكنني لم أستطع المبادرة. أردت أن أبقى كصديق بدلاً من أن أفقدها تمامًا."

سألته: "وماذا عن سيفدا؟ هل كانت تدرك ما كنت تشعر به؟"

هز إيثان رأسه بالإيجاب وقال: "نعم، كانت تعي جيدًا ما كنت أفعله طوال تلك المدة. كانت تتجاوب دائمًا مع الأعذار التي أختلقها لبدء الحديث. كأنها كانت تنتظر مني أن أتحدث بصراحة، لكنها لم تضغط عليّ."
### الفصل السادس: الرسالة واللحظة الطائشة

كانت ليلة هادئة، يضيء فيها القمر بنوره الفضي أرجاء المدينة. جلس إيثان في مكتبه منهمكًا بأوراقه، مستغرقًا في العمل حتى نسِيَ الوقت. كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل عندما انتهى أخيرًا من مهمته. شعر بالإرهاق والتعب، فقرر أن يستريح قليلاً قبل العودة إلى منزله.

بينما كان يغلق ملفاته، تذكر هاتفه الذي تركه في جيب معطفه طوال اليوم دون أن يلقي نظرة عليه. أخرجه ليرى العديد من الرسائل غير المقروءة، جميعها من سيفدا.

فتح الرسائل بسرعة، ليجد سيفدا تعاتبه برقة على تأخره في الرد. كتبت: "أين كنت؟ لقد انتظرتك طويلاً. لا أستطيع النوم دون أن أتحدث معك."

شعر إيثان بحرارة الكلمات تتسرب إلى قلبه، فرد عليها معتذرًا عن التأخير، وأخبرها بكمية العمل التي كانت عليه اليوم. تتابعت الرسائل بينهما، حوارهم كان مليئًا بالعاطفة والحنين، دون أن يتجرأ أحدهما على الاعتراف بمشاعره.

استمرت المحادثة لساعة أو أكثر، كل منهما يحاول فهم ما وراء كلمات الآخر. كانت سيفدا تعبر عن اهتمامها وعتابها بطريقة غير مباشرة، وكأنها تنتظر منه خطوة لتوضيح مشاعره.

وفجأة، في لحظة طائشة، خرجت الكلمات من فم إيثان قبل أن يدرك. كتب لها: "أتعلمين؟ لقد أحببتك منذ أن كنا أطفالاً."

توقفت أنفاسه للحظة، ينتظر ردها بقلق. كانت اللحظة ثقيلة على قلبه، لا يعرف إن كانت ستتفهم أو ترفض.

جاء الرد بعد دقائق قليلة، لكنها بدت له كأنها دهور. كتبت سيفدا: "كنت أعلم، ولكنني كنت أنتظر منك الاعتراف. كنت أنتظرك طوال هذه السنين، إيثان."

شعر إيثان بفرحة عارمة، وكأن حملاً ثقيلاً أُزيح عن كاهله. استمر الحديث بينهما، لكنه أخذ منحىً جديدًا، أصبح أكثر دفئًا وصدقًا.

في تلك الليلة الباردة المقمرة، تحولت صداقتهما إلى شيء أعمق، شيء كانا يترقبانه بصمت. بدأ التواصل بينهما يأخذ شكلاً مختلفًا، يعبر كل منهما عن مشاعره بصدق دون خوف أو تردد.

---
### الفصل السابع: تحديات وحيل

مع مرور الأيام، أصبحت العلاقة بين إيثان وسيفدا أقوى. تواصلوا بشكل منتظم، يتشاركون الأحلام والآمال، ويسترجعون ذكريات الطفولة. كانت محادثاتهم مليئة بالدفء والحميمية، وكانت سيفدا تزداد قربًا من إيثان يومًا بعد يوم.

كان إيثان يشعر بالسعادة والاطمئنان، وكأن جزءًا مفقودًا من حياته قد اكتمل أخيرًا. لم تعد المسافات تعني شيئًا، فقد كانت قلوبهم أقرب من أي وقت مضى.

لكن إيثان كان يعلم أن هناك تحديات قادمة. كان عليهما أن يتعاملوا مع توقعات العائلة والمجتمع، ومع أهدافهم الشخصية والمهنية. ومع ذلك، كان يشعر بأنه مستعد لمواجهة كل شيء طالما كانت سيفدا بجانبه

ففي ظل مجتمع محافظ، كانت العلاقة بين إيثان وسيفدا تواجه تحدياتها. رغم الحب العميق الذي يجمعهما، كانت توقعات عائلة سيفدا تقف حاجزًا أمامهما. لطالما حلمت والدتها أن تتزوج سيفدا من رجل ثري يملك شركة أو متجرًا كبيرًا، يقود سيارة فارهة، وكان هذا الحديث يتكرر كثيرًا في المنزل، كتحذير غير مباشر لسيفدا.

لم تكن والدة سيفدا على علم بعلاقة ابنتها بإيثان، لكنها كانت تشك في شيء ما. بدأت تشعر بأن هناك شيئًا غير عادي في حياة سيفدا، خاصة عندما لاحظت تكرار محادثاتها على الهاتف وابتسامتها الدائمة عند تلقيها الرسائل.

عندما اشتد الشك في قلب والدة سيفدا، قررت التصرف. بدأت بمراقبة سيفدا عن كثب، وحاولت التحدث معها بطريقة غير مباشرة حول المستقبل والزواج، دائمًا ما تركز على أهمية الزواج من رجل ثري ومكانة عائلية مرموقة.

لم يكن هذا الحديث يؤثر في سيفدا، فهي كانت تعلم جيدًا مشاعرها تجاه إيثان. ومع ذلك، كانت تعلم أن المواجهة الحقيقية لم تأتِ بعد.

بعد فترة قصيرة، تمكنت والدة سيفدا من اكتشاف العلاقة بين ابنتها وإيثان. كانت صدمتها كبيرة، وقررت شن حرب لإبعاد سيفدا عن إيثان. بدأت بتنفيذ خطتها بخبث، محاولة تشويه صورة إيثان وعائلته في نظر سيفدا.

قالت والدتها بحدة: "أنت تعلمين جيدًا أن عائلة إيثان تحمل الكره على عائلتنا. كيف ستعيشين معهم؟ هل تعتقدين أن حبكما وحده يكفي؟"

كانت سيفدا تستمع بصمت، تعلم أن والدتها تستخدم كل وسيلة ممكنة لإبعادها عن إيثان. لكن حبها لإيثان كان أقوى من كل هذه المحاولات.

انتقلت والدة سيفدا إلى خطط شتى بالتدريج، تارة تشكك في حب إيثان لسيفدا وتارة تجعله يتخيل حياتها معه بعد الزواج وكيف سيستطيع أن يحقق أحلامها طالما هو بهذا المستوى المالي.

رغم أن مستوى إيثان لا يختلف عن عائلة سيفدا، إلا أن جشع والدتها كان يحاول أن يجعل منها بضاعة لصيد أثرياء المدينة. لا تعرف لماذا، هل تكره إيثان إلى هذا الحد أم أن طمعها أنساها أن الله وحده من يحدد أرزاق الخلائق؟

ربما حتى وإن كانت من نصيب رجل ثري، فلن يكون لها نفس الحب الذي يكنه إيثان لسيفدا. فإيثان قد يفعل المستحيل لتحقيق رغبات سيفدا، لكن الرجل الثري لن يفعل حتى ما هو متاح لتحقيق رغبة لها.

.
### الفصل الثامن: صراع وحيره

استمرت ضغوطات والدة سيفدا والمراقبة المستمرة، فلم تكن تستطيع أن تحادث إيثان إلا عندما تكون خارج المنزل في دوامها. المعذرة، نسيت أن أخبرك، سيفدا تقدمت لوظيفة في إحدى الشركات، وشاءت الأقدار أن تُقبل للعمل قبل أن تكتشف والدتها علاقتها بإيثان، مما جعل موقف سيفدا قويًا؛ فأمام أم جشعة محبة للمال، لن تقسوا على ابنتها التي تعمل وتكسب المال.

في الشركة، كانت سيفدا تجتهد في عملها، تسعى لتحقيق النجاح والتميز. كانت تجد في العمل هروبًا من الضغوط المنزلية وفرصة للتواصل بحرية مع إيثان. كانت تجلس في مكتبها، ترسل له الرسائل النصية، تخبره عن يومها وتستمع لقصصه.

لكن الأمور لم تكن بهذه البساطة. بدأت والدة سيفدا بالضغط عليها بطرق جديدة، محاولة إيجاد طريقة لتوجيهها بعيدًا عن إيثان. كانت تسألها يوميًا عن زملاء عملها وعن مديرها بالتحديد. "كيف كان يومك؟ كيف هو مديرك؟ هل يعاملك بلطف؟" كانت الأسئلة تبدو بريئة، لكن النية كانت واضحة.

بدأت والدة سيفدا تتحدث عن مديرها بشكل متزايد، تحاول خلق رابط بينهما. "يبدو أن مديرك يقدرك كثيرًا، أليس كذلك؟ دائمًا ما يفضلك على الآخرين. معاملته لك ليست عادية، هناك شيء مميز في طريقته معك."

---

على الجانب الآخر من القصة، كان إيثان يشعر بالغيرة نتيجة معاملة المدير لسيفدا واختلاطها بالزملاء الذكور. لم يكن من السهل عليه رؤية شخص آخر يحاول الاقتراب منها، حتى لو كان ذلك في إطار العمل. حاول إيثان أن يخبر سيفدا بما يزعجه، وكان دائمًا على تواصل معها ليعرف كل صغيرة وكبيرة تحدث في حياتها.

شعر إيثان بتقرب المدير من سيفدا، وقرر فتح حوار معها حول مشاعره. ولكن عندما صارحها بغيرته، لم تتفهم سيفدا مشاعره بل ألقت اللوم عليه، متهمة إياه بأنه لا يجب أن يشك بها. "إيثان، كيف يمكن أن تشك في؟ علاقتي بالمدير وبقية الزملاء هي علاقة عمل بحتة."

رغم توضيحات سيفدا، كان لإيثان نظرة أبعد. "سيفدا، أعرف جيدًا هذا النوع من الرجال. هم لا يتوقفون عند حدود العمل، بل يستخدمون مناصبهم ذريعة للتقرب من الفتيات." لم يكن كلامه مجرد اتهامات بلا أساس، بل كان نابعًا من خوفه الحقيقي على علاقتهما ورغبته في حماية سيفدا من أي مكائد محتملة.

كانت هذه النقطة تتسبب في توتر العلاقة بينهما. فبينما كانت سيفدا ترى أن إيثان يجب أن يثق بها دون تردد، كان إيثان يرى أن من واجبه حمايتها حتى من الأشخاص الذين قد تبدو نواياهم بريئة ظاهريًا.
### الفصل التاسع: الشك واليقين

لم يكن ظن إيثان خاطئًا، ولم يكن هو الوحيد الذي لاحظ التغيرات. الجميع في المكتب كانوا يتحدثون عن العلاقة الواضحة بين المدير وسيفدا. كانت الإشارات صغيرة في البداية، كالأوقات التي يقضيانها معًا، والتفضيلات التي يمنحها المدير لسيفدا في جدول عملها.

في إحدى الأمسيات، بينما كان إيثان يستعد للخروج من العمل، تلقى رسالة من أحد زملائه في العمل. كانت الرسالة تحتوي على صورة لسيفدا والمدير يتحدثان بمفردهما في مكتبه، بعد ساعات العمل. شعر إيثان بالغضب والإحباط. كان قد طلب من سيفدا مرات عديدة أن تكون صادقة معه، لكنها أكدت له أنها لا تجالس المدير منعزلين.

بدأت الشكوك تتزايد في عقل إيثان. لاحظ التغيرات في سلوك سيفدا معه: الردود البطيئة على رسائله، الأعذار المتكررة لتجنب المكالمات الهاتفية، والتوتر الذي يسيطر على حديثها عندما يسألها عن يومها في العمل.

قرر إيثان مواجهة سيفدا مرة أخرى. في إحدى الليالي، قرر إيثان أن يتحدث مع سيفدا عبر الهاتف. اتصل بها وكان صوته مليئًا بالجدية: "سيفدا، علينا أن نتحدث بصدق. لقد رأيت الصورة، وأنا أعرف أنك لم تكوني صادقة معي بشأن مديرك."

ترددت سيفدا للحظة، ثم حاولت التلاعب بالإجابة: "إيثان، لم نكن وحدنا تمامًا. كان هناك بعض الزملاء في المكتب."

لكن إيثان لم يكن مقتنعًا: "سيفدا، الصورة تظهر بوضوح أنك كنتِ معه بمفردكما. لماذا لم تخبريني بالحقيقة من البداية؟"

حاولت سيفدا الدفاع عن نفسها مرة أخرى: "إيثان، لم يكن الوقت طويلاً. كانت محادثة قصيرة حول العمل، لا شيء أكثر من ذلك."

إلا أن إيثان لم يكن راضيًا بهذه الإجابات المتناقضة: "الأمر ليس فقط حول الوقت الذي قضيته معه، بل حول الثقة التي انكسرت بيننا. كيف يمكنني أن أثق بك إذا كنتِ تكذبين عليّ بشأن هذا الأمر؟"

صمتت سيفدا للحظة، لكنها قررت قلب الطاولة لصالحها بأسلوب ماكر. بدأت تلوم إيثان على تتبعها وذرفت الدموع، محاولة إظهار نفسها كضحية. "إيثان، كيف يمكنك أن تتبعني وتراقبني بهذا الشكل؟ لم أكن أتوقع منك هذا. أنا فقط أحببتك، ولكن يبدو أنني كنت مخطئة في ذلك. ربما يجب أن ألوم نفسي لأنني أحببتك إلى هذا الحد."

كانت دموعها تلعب دورًا كبيرًا في محاولتها لقلب الأمور لصالحها، لكنها كانت تعرف في قرارة نفسها أن إيثان محق في مشاعره وشكوكه. ومع ذلك، كانت تحاول بكل جهدها أن تبرر أفعالها وأن تضع اللوم على إيثان بدلاً من مواجهة الحقيقة.

على الطرف الآخر، شعر إيثان بالإحباط واليأس. لم يكن يتوقع أن تتحول الأمور إلى هذا الشكل. حاول أن يهدئ من روعه وقال بصوت هادئ: "سيفدا، لستُ أبحث عن مبررات، أبحث عن الحقيقة. إذا كنتِ ترغبين في إنهاء هذه العلاقة، قوليها بوضوح. لا تحاولي قلب الطاولة عليّ ولومني على ما أشعر به."

بقيت سيفدا صامتة، دموعها لا تزال تنهمر. كانت تعلم أن اللعبة انتهت، وأن الحقيقة ستظهر في النهاية. في تلك اللحظة، أدركت أن عليها اتخاذ قرار صعب بشأن علاقتها بإيثان، وأنه لا يمكنها الاستمرار في التلاعب بمشاعره إلى الأبد.

مع نهاية المكالمة، كان إيثان يشعر بأنه قد فقد شيئًا ثمينًا. رغم كل شيء، كان يعلم أن هذا الفصل من حياته قد أغلق، وأنه بحاجة للمضي قدمًا مهما كانت النتائج.
الفصل العاشر: دوامة التوبة والخداع

بعد انقطاع دام لأسبوع، أرسلت سيفدا رسالة اعتذار مليئة بالوعود بالتوبة. كان إيثان، الذي لا يريد أن يفرط بسيفدا، يقبل أعذارها ووعودها بلهفة. لم يكن ينتظر من سيفدا أن تعتذر، فقد اختلق هو الأعذار في داخله مرارًا وتكرارًا. كان قلب إيثان دائمًا حاضرًا للدفاع عنها أمام عقله.

قبل إيثان اعتذارها، وعادا إلى بعضهما بطريقة مضطربة. تارةً تقف العلاقة وتارةً تسقط، وكأنها تسير على حبل مشدود. لم تتوقف والدة سيفدا عن المكائد والافتراءات ضد إيثان، محاولة بكل الطرق الممكنة إبعاد ابنتها عنه. كانت الأم تتلاعب بالعواطف والأحداث، تبحث عن أي فرصة لتشويه سمعة إيثان وإظهاره بمظهر الشخص غير المناسب لابنتها.

أما والد سيفدا، فقد كان له دور مختلف في هذه الدراما. بدا وكأنه يستخدم ابنته كورقة رابحة في إنجاز معاملاته وصفقاته. كان يتحدث عنها وكأنها سلعة للتفاوض، وسيلة لتحقيق مكاسبه الشخصية. في بعض الأحيان، كنت أتساءل عن نوع الدم الذي يجري في عروقه، وكأنه تاجر أعضاء بشرية، لا يهتم إلا بمصالحه الشخصية.

إيثان، على الرغم من محاولاته اليائسة لإعادة الأمور إلى نصابها، بدأ يشعر بأن الأمور تخرج عن سيطرته. كان يعلم أن حبه لسيفدا يجعله يتغاضى عن الكثير من الأمور التي لا يمكن التغاضي عنها في علاقة طبيعية. لكن حبه العميق لها كان يجعله مستعدًا لتحمل كل الصعوبات من أجلها.

في إحدى الأمسيات، تلقى إيثان رسالة من سيفدا تخبره بأنها ستذهب إلى حفلة لصديقتها. سألها: "ألن تذهبي للعمل؟" أجابت: "لا، سأبدل دوامي لوقت آخر." شعر إيثان بأن الأمر غريب، لكنه لم يعترض. في اليوم التالي، اكتشف أن مدير الشركة قد عاد من سفره، وأعلن عن ذلك عبر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي. بدأ الشك يتسلل إلى قلبه.

عندما واجه إيثان سيفدا بالأمر عبر الهاتف، حاولت التلاعب بالإجابات. تارةً تقول إنهم لم يكونوا وحيدين، وتارةً تقول إن الوقت لم يكن طويلاً. صمتت سيفدا رغم معرفتها أن إيثان محق، ثم حاولت قلب الطاولة لصالحها بأسلوب ماكر. ألقت اللوم على إيثان لتتبعه لها، ذرفت الدموع واتهمته بأنه لا يثق بها، وأنها هي التي أخطأت بحبه.

حاول إيثان تصحيح الأمور، معتقدًا أنها الكذبة الأولى ولا يجب أن يقسو عليها بسببها. أعطى سيفدا بعض الوقت كي تراجع خطأها. حاول إيثان إعادة الأمور إلى نصابها على مضض، لكن سيفدا لم تتعلم من أخطائها رغم اعترافها بها. كانت التوترات بينهما تتصاعد، وإيثان يشعر بأن حب حياته ينفلت من بين يديه.

توقف إيثان عن سرد القصة فجأة، وصمت دون أن يبدي أي رد فعل. حاولت أن أقول له شيئًا، لكن بدا أنه لا يسمع أي شيء من حوله. "إيثان، إيثان"، كان هذا كل ما استطعت قوله في تلك اللحظة. أما إيثان، فكان كتلة من الجماد بعينين شاردتين ووجه متجهم.

لم يكسر هذا الموقف إلا الزجاج المتطاير من بين يديه، نتيجة ضغطه الشديد على الكأس، تاركًا جرحًا في كفه. تجمدت للحظة، ثم سارعت إليه، "إيثان، هل أنت بخير؟!" أمسكت بيده المصابة، والدماء تسيل منها ببطء.

بدا أن الألم الجسدي قد أعاده إلى وعيه، حيث نظر إليّ بعينين مملوءتين بالحزن والتعب. "أنا آسف... لم أقصد أن أضعك في هذا الموقف"، قال بصوت متعب. كانت الكلمات تخرج منه وكأنها تجر وراءها عبء سنوات من الألم والمعاناة.

سارعت لإحضار بعض المناديل والضمادات ، وحاولت إيقاف النزيف. "لا بأس، إيثان. أنا هنا لمساعدتك." بدأت بتنظيف الجرح بلطف، محاولًا تهدئته. كان الوقت يمر ببطء، وكانت مشاعر الحزن والإحباط تخيم على الجو.

بينما كنت أضمد جرحه، شعرت بعمق الألم الذي يحمله إيثان. لم يكن الألم الجسدي هو ما يعذبه، بل كان حمل الذكريات والخيانة التي تعرض لها من أقرب الناس إليه. "سيفدا كانت كل شيء بالنسبة لي، ولكني كنت مجرد شيء عابر بالنسبة لها"، قال إيثان بصوت خافت.

أخذت نفسًا عميقًا، محاولًا إيجاد الكلمات المناسبة لتهدئته. "إيثان، أنت تستحق أفضل من ذلك. لا يجب أن تحمل عبء خيانات الآخرين. حياتك ما زالت أمامك، وهناك الكثير من الأمور الجميلة التي تنتظرك."

نظر إليّ بنظرة امتنان، وأكمل: "أعلم ذلك، ولكن الجرح ما زال طازجًا. ربما سيحتاج الوقت للشفاء."

انتهيت من تضميد جرحه، وجلسنا هناك بصمت للحظة، كل منا غارق في أفكاره. كان واضحًا أن هذا لم يكن مجرد جرح عابر، بل كان علامة على جرح أعمق بكثير. ومع ذلك، كنت مصممًا على مساعدته على التعافي، مهما استغرق الأمر من وقت وجهد.
الفصل الحادي عشر: تصادم الحقائق والخيبات

في صمت مشحون بالتوتر، استمر إيثان في تنظيف جرحه الذي تركته سيفدا بعناية شديدة. كان ينظر إلى يديه التي كانت تنزف ببطء، لكن الألم الذي شعر به في قلبه كان أكثر حدة بكثير. كانت كلمات سيفدا، أو بالأحرى غياب كلماتها، تتردد في عقله، مثل صدمات عديدة تصطدم بواقعه.

حاول إيثان بكل جهد سؤال سيفدا عن السبب وراء سلوكها الغامض والمؤذي. كانت الإجابات، كالعادة، ضبابية ومتناقضة، مما زاد من إحباطه وحيرته. حاولت سيفدا أن تلفت الأنظار بخبث، حيث تباينت بين العناد والردود الوقحة، ولم تعطِ إيثان الاستجابة المناسبة التي يحتاجها.

مع كل محاولة يائسة من إيثان لإصلاح العلاقة، زادت سيفدا من التعقيدات والردود الجارحة، دون أي تفسير أو تبرير واضح. بينما كان إيثان يشعر باليأس والإحباط، حاول الابتعاد لبعض الوقت ليفكر في الموقف، لكن سيفدا لم تظهر أي اهتمام أو تقدير لمشاعره، فكانت منشغلة بحياتها الخاصة وشؤونها الجديدة.

وفي لحظة من الضعف، بعد شهر من الصمت المؤلم، حاول إيثان الاتصال بها مجددًا، عسى أن يجد شرحًا أو بداية لفهم الوضع، لكن كانت الصدمة تنتظره. بدلاً من الشرح أو العذر، بادرت سيفدا بإعلان واضح عن حبها الجديد، كما لو أنها تريد إيثان أن يعلم أنه قد تم استبداله بسرعة وبلا تردد.

تسبب هذا الإعلان القاسي في تعمق الجرح في قلب إيثان، حيث شعر بأنه تم استغلاله وخيانته في أعمق مشاعره وثقته. كانت هذه اللحظة تمثل نهاية مؤلمة للعلاقة التي كان يأمل في أن تكون دائمة ومستقرة، وبدا واضحًا أن الحقائق المؤلمة والخيبات العميقة كانت قد أتت لتصطدم بأحلامه بلا رحمة.

وبينما كان إيثان يحاول تجاوز صدمته والتأقلم مع الحقيقة المؤلمة، تبدلت نظرته لسيفدا إلى شيء من الخيبة والغضب. كان يشعر بالخيانة والظلم، حيث لم يكن يتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحد بينهما. كانت الأيام التي قضوها معًا تظهر أمامه كأحلام متلاشية، وكان يشعر بأنه تم استخدامه ورميه جانبًا بلا رحمة.

لم يكن الجرح الناتج عن الخيانة فقط جسديًا، بل كان أكثر عمقًا وتأثيرًا على روحه. كان يتمنى أن يكون الأمر مختلفًا، أن تكون سيفدا قادرة على الوفاء بوعودها والاستمرار في العلاقة بصدق واستقرار. لكن الواقع المرير كان يظهر له بكل وضوح، وكان يعرف أنه لا يمكن استعادة ما فقد بالفعل.

بعد أن تمكن إيثان من التعامل مع الصدمة الأولى، قرر أن يبتعد نهائيًا عن سيفدا وعن هذه العلاقة المؤلمة. حاول أن يستعيد قوته الداخلية ويتجاوز مرحلة الخيانة والألم. كانت هذه الفترة من التأمل والبحث عن السلام الداخلي، حيث حاول إعادة بناء نفسه وإصلاح الجروح النفسية التي تسببت فيها سيفدا.

في الأشهر التالية، كانت الأيام تجري ببطء، ولكن بتدريج، بدأ إيثان يستعيد توازنه وثقته بنفسه. كان يتعلم الدروس من الخيبات التي مر بها، ويفهم أن الحياة لا تتوقف عند حبس الألم والخيبات، بل يجب أن ينظر إلى المستقبل بأمل وتفاؤل.

وبينما كانت الأيام تمر، وجد إيثان نفسه يتعلم الرحمة والتسامح، لا نحو سيفدا فحسب، ولكن نحو نفسه أيضًا. كان يدرك أن التجارب الصعبة تشكل جزءًا من رحلة الحياة، وأنها تمنحه الفرصة للنمو والتقدم نحو أفضل إصدار من نفسه.

وهكذا، وسط ألم الخيانة والخيبات، تمكن إيثان أخيرًا من الوقوف مستقيمًا، متأملاً في المستقبل بثقة وأمل جديدين، متعلمًا من كل تجربة مر بها في رحلته الشخصية نحو النضج والسلام الداخلي.
2024/11/24 08:22:27
Back to Top
HTML Embed Code: