وها أنا ذا ربي عند بابك أتذللُ، وقد امتلاءت بالخطايا وإليك المفزعُ، جئت محملاً بالهموم مما اكتسبته، ووقفت بين يديك بالتضرع أخشعُ، وما لي حيلة إذا لم ترحمني، فاغفري لي ربي عندما أسجد وأركعُ، لك وحدك ربي فأنت الله لا شريك لك، وأنت غفار الذنوب وأنا في عفوك أطمعُ.
وأما عن الطهارة فإنها شعور لا يعرفه من تلطخ بالنجاسات ونسي أن يتوب، ذلك الذي عصي الرحمن ونسي أنه مطلع علام للغيوب، وأما التائب فإنه عند الله محبوب، ذلك بأن الله رحيم ودود، يستر العيب ويغفر الذنوب، أما المصر القانط من رحمة الله فإن قلبه ملئ بالثقوب، ترك التوجه للرحمن وتأخر أن يعود، ألا فارجع إلى ربك مهما امتلأت بالعيوب، وانتهى عن المعاصي خوفاً من الحرمان لأن المعاصي تعمى القلوب، إن الله أفرح بعودتك حين يوفقك فتتوب.
ألا فاعلموا أن القلوب أنقى ما تملكون، وإن العبد ليتعرض للفتن ما دام حيا، وإن العبد ضعيف، فأغلق أبواب الشرور عنك، وابتعد عن الشبهات ما استطعت من قوة، فإن القلب يتشرب ما يتعرض له، فطهروا القلوب من الدنس، وخلصوها من رق الأوزار، ومن تعلق بحرامٍ يوجب لها النار، فقلوب تحيا بخوف من الجبار، خير من قلوب عمية عن الأخطار، وقلوب سليمة مليئة بالأطهار، خير لصاحبها تقود لجنة عذبة أنهار.
الوفاء في الغياب هو الوفاء، وليس الوفاء ما كان تصنعاً أو رياء، وليس أحد أكرم على الله ممن عظمه حق تعظيمه، وليس أحد أقرب إلى الله كالذي عرف الله وخافه، أما المتمادي بالعصيان والخطأ فهو في أسر الهوان والبعد، وما أشد عماية قلب من لم يرج لله وقاراً! أترضي بما لم يرضه الله وتطلب العافية! فاعلم أنك إذا أشد الناس بلاءاً وليس لصدرك أي شافية، خنت الله وظننت أنه لا يراك، وجعلت الناس محل خوفك وتقاك، والله سبحانه تنزه عن السِنة إنه يراك، والله أحق بالتعظيم والخوف وتقاك.
وهكذا المعاصي والإسراف فيها، في بحر اليأس أغرقتك، وفي سجن الأوهام كبلتك، وعن النور والهدى حجبتك، وعن ربك أبعدتك، ومن النار قربتك، فهلا تتركن الشهوة إذ دعتك! وفر من الذنوب مهما نادتك، واحفظ نفسك عن نداء هيت لك.
تُحرَم بالذنب الخير الوفير، وتُعوَّض إذا تركته بأجرٍ كبير، فهلا تركت الذنب الخطير! ورجعت لربك العليم الخبير.
وما يضر البلاء ولا المحنة، ولا أذى مثل مَن تعرض للذنب والفتنة، والعاصي تزول عنه النعمة، والمصر باء بالنقمة.
ويصيب العبد من العطاء بقدر ابتعاده عن الذنوب، ويناله من الحرمان بقدر اقترابه من الذنوب، وكيف بك لو حُرِمتَ النعيم؟! وأصابكَ العذابُ المُوجِع الأليم؟!