تفكر، ماذا أنت في أمة محمد صلي الله عليه وسلم؟ ماذا أنت في الأمم الماضية؟ هل أنت من الصالحين؟ هل أنت بالله من العارفين؟ هل قدمت من العمل الصالح ما يؤهلك لتيسير حسابك ودخولك الجنة؟ تأمل قليلاً واطرد عنك العجب والغرور، وحاسب نفسك وعاتبها على الكسل والخمول، وتفكر في قليل ما عملت، وانظر لكثير تقصيرك قبل البعث والنشور، ثم الزم المخافة فلربما كنت من المبعدين عن الفوز والسرور، ولا تأمن وكأنك ضامن للجنة، فقد كان قبلنا ممن بُشِر بها وما زالت مخافته تملأه حتى كأنه في النار سيكون، فما بالنا نحن لا نبصر ما يبصرون!
ينتظر الشيطان منك لحظة غضب أو حزن، فيزيد من غضبك إلى الغضب المذموم، فتثور أفعالك بما لا يحبه الله ولا يقبله الناس، ويزيد من حزنك فيملأ قلبك باليأس، فإذا بك يضيق صدرك وتشعر بأنك محاط بالخطر، ولكن إذا أنت أبصرت ترى النور، فتتذكر لطف الله بك في كل لحظة، ومن ثم تستشعر تدبير الله وأنك تحت تصرفه وعلمه، فلا يضرك شيء أو ينفعك إلا بإذنه، فتسكن لما علمت.
قال تعالي: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].
قال تعالي: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].
ومن كان قلبه معلقاً بالله كان أحرص أن يحقق العبودية لله، تراه يتخذ كل وسيلة في حياته ليرتقي بها في مقام الخضوع والمحبة لله، تراه في المعاملات أقرب لآداء الحقوق وأقرب من العفو وأبعد عن الإساءة، تراه خفيف الحمل من أمور الدنيا كلها دون تواكل عما تصلح به معيشته، تراه أسبق السابقين لأبواب الخير، تراه ينتهز كل فرصة تقربه من الرضوان، تراه كثير الرغبة في الجنان، كثير الحذر مما يوجب النيران، ومن وضع الغاية والهدف أمامه، فلا بد وأن يعينه الله سبحانه، فالصابر التقي، الطاهر الزكي، اختار السعادة وعمل لأجلها، وهذا لمن فطن ونوى، وعمل فارتوي.
تأخر كثيراً من قدم التفكير في دنياه على التفكير في أخراه، ونزل كثيراً من انشغل بمنزلته عند الناس قبل منزلته عند رب الناس، انشغلنا بنصيبنا من الدنيا رغم أنه مضمون، وأهملنا نصيبنا من الآخرة رغم كونه محل الطلب والعمل، وليس فوت في الآخرة كفوت في الدنيا، إذ إن الفوت في الآخرة ليس له عوض عنه، أما الدنيا فكل أمورها بين وبين، ألا فأحسن التأمل، فإن الأمر حق وليس تخيل.
تعالى اقترب أُحدثك: اعلم أن ما بينك وبين الناس والذي أنت تتظاهر في تحسينه لا ينفعك، إنما المقياس هو ما بينك وبين الله، فالظاهر مجاملات، والسر حقائق المعاملات، فيا ربحك إن جمّلته، ويا ويلك ثم يا ويلك إن قبحته، لن ينفعك هذا الظاهر ولن يغني عنك أحد من الناس شيئاً، إذاً أصلح ما بينك وبين الله أعزك الله، أكرم نفسك بطاعته، واحذر من سوء عاقبة معصيته، ثم لا تكن غافل، ولا تمد في الأمل، وأحسن يا قليل العمل، وبادر فما أسرع الأجل.
مطمئن عند الاضطراب، آمن في الخوف، ساكن مع القلق، صابر حين البأس، راضٍ رغم المنع، فرح بأقدار الله، مع الأمر حيث كان، عند النهي حيث ورد، هكذا المؤمن، هكذا المؤمن.
اترك من قابلته في حال أفضل مما كان عليه، وسع دائرة عطاءك، جاور الكرماء وتعلم الكرم، واعلم أنما الدنيا فناء وليس للإنسان خلود، ولكن لعل طيب الذكرى يلحقك، من لا يعرف العطاء لا يعرف السعادة، والعطاء في يد الجميع، ولا يشترط له شروط، فابذل وكن رحمة، هكذا كان نبينا صلي الله عليه وسلم، فهكذا كن.
تتشكل عوامل بناء النفس بأشياء كثيرة ومنها اختلاطك بأناس دون أناس، وبمعنى أوضح، الناس أقربون وغيرهم يساهمون في تكوين يومك، فمنهم من يقوى همتك ويدعم عزيمتك، فتجد بعد تركهم عزيمةً ورشداً في الأمر، ومنهم من يضعف قوتك ويدفعك للخمول فتجد نفسك دون طاقة، وآخرون مضيعون مفرطون تجد نفسك بعدهم مهمل كسول، وبعضهم تغادره وقد ملأ قلبك سعادة، وبعضهم يملأ قلبك حسرة وندامة، وأفضلهم على الإطلاق من يجعل قلبك سليماً متجهاً لرضوان الله ومحبته فتجد بعدهم رغبة في الآخرة وحكمة في تصريف أمور دنياك، فصحبتهم ووجودهم فقط كافٍ عن غيرهم من الناس، وأنت ومن تصاحب، فعحباً لمن لا يختار من في صحبته سعادة الدارين!
وأما عن الصحبة الملازمة لك فهكذا يكون الجليس، إما أن يرقى بك في درجات الخير وبهذا يكون لك أنيس، أو يكون لك خسارة وتضييعاً لكل ما هو نفيس، ويشدك للخطأ والعصيان وبهذا يكون من أعوان إبليس، يخلط الأمر عليك ولا يزيدك إلا تلبيس، فهل اخترت من في صحبته الأمان وتركت من في صحبته الضياع والتدليس!