Telegram Web
من المسائل المُهمّة التي طرأت على المسلمين منذ قرون، وما زال صداها في هذا الزمان، مذهب وحدة الوجود مع ما يشتمل عليه من مسائل، وما يثيره من إشكالات، وما يقدّمه من رؤى خاصة للعقيدة والعالم وتفسير آيات القرآن وأحكامه، ... وقد وقفنا على كتاب لطيف يتسم بالدقة يناقش بعض الجهات التي يقول بها هذا المذهب، ولمّا قرأناه واطلعنا على بعض ما فيه، عزمنا على نشره ليفوح عطر المعارف التي انتشرت في أرجائه، وهو صغير في الحجم لكنه عظيم في العلم، كتبه أحد العلماء المتأخرين من الأتراك، واسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن موسى الجلوتي الرومي، وأطلق على كتابه اسم «التحفة النديرة، في منع إطلاق المطلق على وجود الحق»

وخصَّصه لمناقشة الشيخ عبد الغني النابلسي في رسالته التي ألّفها في وحدة الوجود وأطلق عليها اسم «إيضاح المقصود من وحدة الوجود» وقد ذكر العلامة الجلوتي في ردّه هذا دقائق من النّكات العلمية، وعلّق على كثير من الآراء المتعلقة بهذا المبحث المهم، وقد ذكر أهم ما قرره النابلسي في رسالته وردّ عليه مبيناً وجه الانحراف عن أصول أهل السنة بكلام واضح صريح مختصر.

والمصنف الجلوتي يصرح بأن القول بأن وجود الله تعالى بمعنى أن ذاته عامٌّ منبسط إلى جميع هياكل الموجودات: "فإن ظاهره باطل لا يفيد إلا الترهات"، وذكر أن ذلك كله لا تجد له تأييداً من الكتاب والسنة، وهذا مخالف لما اشترطه الصوفية الملتزمون بالسنة من أن التصوف لا يصح أن يأتي بما هو مخالف للكتاب والسنة...وأيد المصنف ما قرره التفتازاني في شرح المقاصد من أن قولهم بأن الله مطلق لا يقيّد بصفة، وأنه مبدأ المتقابلات حتى إنهم قرروا أنه: "لا يقال له موجود ولا معدوم، ولا واحد ولا واجب، مبالغة في التنزيه" اهـ، ولذلك وصف قولهم بأنه: "هذيان بيّن البطلان" اهـ.

وميز المصنف بطريقة واضحة بين قول هذه الطائفة بوحدة الوجود المبني على الوجود المطلق وأنه لا وجود حادثا للمخلوقات، وأن كل ما نراه هو عبارة عن ظهور الوجود القديم بمظاهر الكائنات، وبين #وحدة #الشهود التي يؤول معناها إلى اضمحلال مشاهدة وجود ما سوى الله تعالى بحيث لا يشاهد إلا وجود الله تعالى وحده، كما لا يشاهد في النهار من الكواكب إلا الشمس، مع أن بقية الكواكب موجودة مستقلة عن الشمس وغاية الأمر أنّا نحن الذين لا نشاهدها لاستغراقنا في مشاهدة الشمس ومنعها من مشاهدة غيرها بسطوع نورها. وصرّح المصنف وهو محق في ذلك بأن: "هذا أي تشبيه العالم بالكواكب الخافية عند غلبة شمس المشارق والمغارب هو مذهب #الغزالي ومن تبعه من المتصوفة" اهـ، خلافا لما يشيعه بعض الوجوديين من أن الغزالي موافق لهم فيما يزعمون من خيالات من نفي وجود غير الله تعالى من الكائنات التي خلقها، وأنها عبارة عن أمور اعتبارية يظهر بها الذات المطلق عن كل قيد.

ومن التعبيرات اللطيفة التي نجدها عند المصنف، قوله: «سبحان من أوجد الأشياء وهو غيرها» في مقابل قول أهل الوحدة الوجودية: «سبحان من أوجد الأشياء وهو عينها»

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد
بتصرف من مقدّمة المحقق.

للطلب والاستفسار من جميع الدول:
http://wa.me/962790924582
17👍6
لا ريب في أن خالق العالم هو الله تعالى، وأنه الفاعل المختار، ولا عبرة بمن يخالف ويعاند. وقياس أفعال الله تعالى بأفعال العباد خطأ بيّن، ... فالخلق خلقه، والعبد عبده، فله أن يفعل ما يشاء. وكذا قياس صفاته تعالى على صفات المخلوقات ضلالة محضة.

ألا ترى أن المعتزلة لما ظنوا أن الرؤية لا تتصور إلا بأن يكون المرئي جزءاً متشكلاً متلوناً، حكموا باستحالة رؤيته تعالى يوم القيامة؟ مع أن كلام المعصوم الإلهي، الترجمان الرباني، الذي قال تعالى فيه: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤] ناطق بإثباتها. فكان الواجب عليهم أن يُحكّموه فيما أشكل عليهم من الآيات المحتملة في زعمهم، كما قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥].

وهم إنما قدّموا آراءهم في أمورهم، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وأخرجوا النصوص الظاهرة والقاطعة عن مقتضاها، وسحبوها إلى شهوات النفوس وهواها. وهكذا ديدن أهل العقول، إذا استصعبوا كلاماً ترقّى عن مدارك عقولهم، فإن لم يحجزهم عن الطعن فيه اعتقاد العصمة أو الحفظ في قائله، رفضوه مطلقاً، ورموا قائله بالفسق أو الكفر. وإن حجرهم عن ذلك الاعتقاد، بادروا إلى كلامه بالتحريف.

ومن أشنع ما يخرجون به كلام الشارع ﷺ عن حقيقته، مراعاة آراء فلاسفتهم وحكمائهم ومشايخهم وآبائهم. فحفظ آرائهم عندهم أهم من إجراء كلام نبيهم على حقيقته، كما يتحاشون عما يتلاعبون به من إبداء التأويلات البعيدة التي يمجّها سمع من لا صمم له. قلبوا الحق تقليباً مشؤوماً، وجعلوا الإمام ملوماً.

فليتهم عزلوا ورجعوا إلى سنة نبيهم! فإنّه يجب الرجوع إليه في جميع المشكلات. وانظر إلى السلف الصالح كيف حرموا على أنفسهم تأويل ما ورد به الكتاب والسنة مما يتعلق بذاته تعالى وصفاته العليا، كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والإتيان في ظلل من الغمام؛ فقالوا: يجب الإيمان بها على حقيقتها، بالوجه الذي أراده قائله الكريم، مع تنزيهه تعالى عما يوجب التشبيه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: ۱۱].

وبالجملة، فإنما الواجب علينا الاتباع لطريقة المعصوم المطاع، والتمسك بقوله الفصل.

اللهم ثبتنا على شريعتك، وحققنا بحقيقتك. وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

«تُحْفَةُ الأَخْيَارِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَسْبِ وَالِاخْتِيَارِ» تأليف الشيخ عبد القادر المجّاوِي (تـ 1914م)، تحقيق وتعليق الأستاذ الدكتور مرزوق العمري، أستاذ العقيدة والفلسفة في جامعة باتنة، الجزائر.

سعر الكتاب: ديناران (3 دولارات).
للطلب والاستفسار من أي دولة، تواصلوا معنا عبر الرسائل الخاصة.

http://wa.me/962790924582
8👍4
للطلب والاستفسار من أي دولة، تواصلوا معنا عبر الرسائل الخاصة.

http://wa.me/962790924582
👍42
کتێبە نوێیەکانی جەنابی دکتۆر سەعید فوده😊😀
6
کتب وتحقیقات الشیخ الدکتور سعید فودە.

للطلب والإستفسار:
@Xalynaujuly
6
کتب وتحقیقات الشیخ الدکتور سعید فودە.

للطلب والإستفسار:
@Xalynaujuly
8👍1
2025/07/09 11:09:23
Back to Top
HTML Embed Code: