أعمال الشيخ سعيد فودة 2730

❤6👍2

3.49K views15:38

الحمد لله رب العالمين الذي أبدع وجود هذا العالم بعد أن لم يكُ شيئا، وأبقاه بقدرته، ولو انقطع تعلق القدرة لما بقي لهذا ‏العالم وجود أصلا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين الذي ارتضاه الله مبلغا رسالة الإسلام إلى ‏العالمين، وجعل كتابه بيّنا محكما، وأمرنا بالرجوع إلى المحكم إذا اشتبهت علينا معاني بعض آياته. وهـذا هو المنـهج ‏الـذي ارتضاه أهل السنة قادة المسلمين ومحققو علومهم الدينية.‏

وقد أوجب الله تعالى على أهل العلم بيان هذا الدين، ولم يعذرهم بإنكار الناس والمخالفين عليهم، ولا التشنيع عليهم، بل ‏أمرهم بالجـدال بالتي هي أحـسن، وكشـف الغـمّة عـن المسلمين بالتي هي أحسن، وذلك بحسب الوسع والطاقة.‏

ولن تزال هذه الوظيفة مناطة بأهل العلم والباحثين الذين تصـدوا لمضـايق المسائل ومـا يحـتاجه الناس في دينهم، وهم ‏يعلمون أن النكير الذي توجه على أنبياء الله تعالى لما أرسلهم، فتحملوا الأذى الجسدي والنفسي، ولم يمنعهم ذلك من ‏المضي في هذا الطريق الصعب الذي لا محالة متوجه عليهم. وبأمثال هذا الأذى يمتنع في مجرى العادة أن لا يتوجه ‏على أتباعهم في هذا الزمـان كـما في كـل زمـان، والواجب دائما هو الثبات على الطريق الحق والصراط المستقيم ما ‏أمكن.‏

ومما نراه صار واجبًا في هذا الزمان البدء بالكشف شيئًا فشيئًا عن مذهب خطير بناه أصحابه على أصول مخالفة ‏لأصول أهل السنة، وفرعوا عليه فروعا عجيبة يصاب المرء بالدهشة إذا فهم ما يقولون؛ لأنه يعلم تماما أن كثيرا من ‏أقوالهم تفضي إلى مناقضة ما استقرت عليه أفهام أعلام الإسلام من مختلف الفرق الإسلامية فضلا عن أهل السنة ‏والجماعة القائمين بالحق عبر القرون والعصور، ولا يكاد المطلع على مذهبهم أن يصدق أن هذه المعاني الظاهرة هي ‏فعلا التي يقصدونها، ولذلك حار في التعامل معهم أعلام الناس عبر السنين.‏

ونحن نشير إلى أهل مذهب وحدة الوجود وأتباع ابن عربي الحاتمي، لا إلى زعيمهم بعينه، فإن ادعى هو أن الكشف ‏كان قائدا له، فأتباعه له منقادون إما بنظر أو بتقليد، لا يخلو الأمر من هذين الاحتمالين. أما من يزعم الكشف من أمثال ‏القونوي وأنه وصل إلى ما قرره ابن عربي بالكشف والعرفان أيضًا، كما كان يزعم شيخه، فهو ملحق به والكلام ‏والنقاش ينبغي أن يكون مع كلا الفريقين، مَن ادعىٰ الكشف إما جزئيا أو كليا، ومن زعم أنه متابع للعرفاء واثق بكلامهم ‏كائنا ما كان لا يقدِّم عليهم أحدًا، ولا يعارض ما قرروه بمناقضات أهل النظر لأن هؤلاء كلهم محجوبون في عرفه، ‏قاصرون عن إدراك مرتبة هؤلاء المشايخ الذين يزعمون العرفان.‏

وقد أظهرنا للناس أجمعين في الكتاب الذي أصدرناه في مسألة تحول عذاب أهل النار إلى عذوبة بعد فترة من الآلام، أن ‏كثيرًا من الأصول التي يبني عليها ابن عربي رأيه هي النظر والاستدلال بالكتاب والسنة، وتأويلات خاصة له لكلمات ‏في بعض آيات القرآن أو أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام لا يكاد يستسيغها من يعرف قواعد الأصول أو وضع ‏اللغة العربية وقواعدها النحوية والبيانية وبيَّنَّا أن ما يزعمونه من أن هذه الأحكام الصادرة عنهم إنما هي كشف أو ‏عرفان غير مبني على أنظار وتأويلات مجرد كلام لا وزن له، ودعاوى ينقضها ابن عربي نفسه وأعاظم أتباعه، فلئن ‏زعموا الكشف والعرفان، فإنهم أيضًا يزعمون أن أدلة الشريعة تدل على أفهامهم الغريبة.‏

ونحن يجوز لنا أن نعيد النظر فيما قرروه من كلتا الجهتين. أما دعوى العرفان والكشف، فيجب أن لا يخالف الكشف ما ‏أظهرته أدلة الشريعة، كما اتفق على ذلك أهل السنة وغيرهم من أعلام المسلمين من مختلف الفرق. وأما ما ساقوه من ‏تأويلات وأفهام أو معارضات لكلام الأعلام، فنحن وهم فيه سواء، الحجة بالحجة والدليل بالدليل.‏

ومن هذا المنطلق، فقد أحببنا أن ننشر بعض الكتب التي طبقنا فيها هذه المنهجية ومنها الكتاب الذي بحثنا فيه دعواهم ‏بتحول عذاب أهل النار الذين هم أهلها إلى عذوبة، وانقطاع الألم وحلول النعيم عليهم أبد الآبدين ما داموا في النار، وهم ‏لن يزالوا مقيمين فيها لا يخرجون منها، بل لو عرض عليهم الخروج منها في تلك المرحلة لأبوا وأصروا على البقاء في ‏منزلهم ذلك.‏

وهذا الكتاب «الرد على كتاب الوجود الحقّ والخطاب الصدق للشيخ عبد الغني النابلسي» يدور كلّه على بيان مفهوم ‏وحدة الوجود وأصولها وأسسها، والفرق بينها وبين التصورات الأخرى للوجود الإلهي والوجود الحادث، فمن المعلوم أن ‏القائل بوحدة الوجود يقول بتكثر الموجودات، والموجود عنده غير مستلزم لوجود خاص لذلك الموجود، بل كل ‏الموجودات إنما سميت موجودات لانتسابها الاعتباري للوجود الواحد المطلق وهو الله تعالى عندهم، فكل الموجودات ‏قائمة بعين الوجود الإلهي، وليس لها وجود مستقل مغاير لله، بل وجودها التي هي به قائمة هو عين وجود الله تعالى ‏المطلق، وإنما الموجودات تصاوير أو رسوم أو مظاهر لا قيام لها بنفسها ولا قيام لها إلا بوجوده الذي هو الوجود الواحد ‏الذي يستحيل أن يتحقق وجود

❤15👍5

4.46K views15:38