Telegram Web
أهلاً بصاحبي المهموم والقلق ..

أعلمُ واللهِ أنها أيامٌ ثِقال عليك، وأعلمُ مرارة مكابدة التمسّك بخشبة الأمل وأنت تغرق في أمواج الهموم والقلق، وأعلمُ صعوبة أن يمضي يومك وأنت تبحث عن بشيرٍ يُلقي عليك قميصاً فيه رائحة الطمأنينة والسكينة.
ولكن، خذ منّي هذه الكلمات :
مريم عليها السلام عندما كرهت واقعها قالت :
"يا لَيتَني مِتُّ قَبلَ هذا وَكُنتُ نَسياً مَنسِيّاً"
أرأيت ذلك الحزن؟ لم يكن هيّناً على ربِّ الفرج
"فَناداها مِن تَحتِها أَلّا تَحزَني"
كُن مُتيقناً أنه لن ينسى همّك ما دمت حيّاً، ولكنّك في طور الإختبار فتمسّك بوعد الله "إِنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا" حتى يأتيك الفرج مصحوباً بـ "نِعمَ العَبدُ إِنَّهُ أَوّابٌ".
متى يتعافى المرء ؟

عندما يعشعش اليقين في قلبه، ذلك اليقين الذي لا ريب فيه، بأنّ الله أرحم به من نفسه ووالديه، يقيناً يضمّد به جروحه عندما تنهشه أنياب الحياة، وتمزّقه أظفار البلاء، يقيناً يكون له متّكاً عندما تتباعد عنه الأكتاف، يقيناً بأن في الجنة سينسى آخر تنهيدة آهٍ خرجت منه.
عندما تأسر قلبك الهموم، وتحيط بك الكروب، وتضيق بك الدروب، يأتيك الشيطان على هيئة وساوسٍ وخواطر سيئة، يريد بها أن تسيء الظنَّ بالله وأن تبتعد عنه ذراعاً لا شبراً، لا تركن لها بل ادفعها بالدعاء والحوقلة، فلن يترك الله قلباً كان سوره الدعاء، وسيفه الوحيد "لا حول ولا قوّة إلا بالله".
نحن في زمنٍ هبّت فيه رياح الفتن حتى أوقدت الجمر ناراً فأذابت يد القابض عليها، اصبر وصابر ورابط وعاهد مصحفك وحافظ على صلاتك واشدد على مبادئك، ما هو إلا امتحان وسينتهي ومحطة عبور سنجتازها نهاية المطاف بعونٍ من الله، وكُن على يقين بأننا :
‏سنجلسُ يوماً في ظلِّ شجرة في الجنة
‏ونضحك على كل ما مرَّ بنا في هذه الدنيا الفانية.
لماذا أنا يا رب من بين ملايين البشر ؟
أتدري ما هو الجميل ؟
‏أن الله مطلع عليك ويرى جهادك مع نفسك قبل وقوع المعصية، وصراعك عند وقوعها، وتأنيب ضميرك وانكسار قلبك بعد وقوعها، ذلك الجهاد مُحببٌ إلى الرحمن، فلا تمل ولا تسأم من تكرار التوبة بسبب كثرة انتصارات نفسك بل جهز عدّتك الإيمانية، فأنت لا تزال في نضال دائم مع نفسك والشيطان.
أرأيت هذه الأيام العسيرة ؟

ستمرُّ عليك مرور الكرام ولن تلبث طويلاً، ستصبح مجرَّد ذكرى في صفحات حياتك، فدوام الحال من المُحال وما الحياة إلا كعجلة مستديرة في تقلّباتها وأنها متغيرة بغمضة عين، احرس قلبك بشباك اليقين فاليأس ذئبٌ لا يأكُل إلا من القلوب القاصية عن مفهوم اليقين بالله.
قد يعترض عليك في يومك طيف همٍّ فيكدّر عليك صفو يومك ويشغل تفكيرك ويبعد عنك سكينة قلبك وطمأنينته، فإذا اعترض عليك ذلك الطيف ردّد بتكرار ويقين هذا الذكر العظيم ؛ لا حول ولا قوّة إلا بالله، وستغمرك الطمأنينة والسّعة وراحة البال، وكأنما ضُمِّد جرحٌ نازفٌ في عمق روحك فارتحت من أذاه.
هل تخيّلت تلك الرائحة التي تسبق المطر ؟
‏فيهطل بعدها مطراً غزيراً .
‏إنّ للدعاء علامات ما هي إلا كنسائم غيمةٍ تسبق المطر تخبرك بقرب الاستجابة، بعد إلحاحِك في دعائك وكثرة مناجاتك تغمر قلبك تلك الطمأنينة التّامة وهي الأنس بالله والرضا بقدر الله فينشرح صدرك بعدما كان ضيّقاً حرجا .
مرضك الذي لا يعلمه إلا الله اجعل له صدقة خفيّة، والهمُّ الذي يدكّ صدرك اجعل له استغفاراً خفيّاً، والمخاوف التي تغشاك اجعل لها ركعتين لله في الخفاء، وكل ابتلاء أصابك في الخفاء قابله بعبادةٍ في الخفاء فالله قريبٌ من أولئك المُتضرعين له في الخفاء .
بُثَّ كلّ مافي قلبك في سجدةٍ واحدة، لا تترك في قلبك أي ندبة أو رغبة مهما تخالطت دموعك بكلماتك وتكركب لسانك من فيضِ عِباراتك وعَبراتك، فوالله ستمرُّ الأيام وقد تنسى تلك الدعوات وتنشغل في أمور حياتك، وإجابة تلك الدعوات تُنسجُ لك من حيث لا تعلم لتفرح بها من حيث لا تحتسب !
مرت مريم بنت عمران بموقف عصيب
ومع ذلك قال ربّي لها :
‏"فَكُلي واشرَبي وقَرّي عَيناً"
عش حياتك ولا ترهق نفسك بالتفكير فالله عنده حسن التدبير، وكُن على يقين بأنه حين يشاء الله تتبدل جميع المعادلات وتنقلب الأحداث وتُذلّل السبُل فيصبح المستحيل واقعاً، أتظن أنّ الرقيب لا يرى تقلب قلبك يمنة و يسرة، يرقب بُشرى الفرج ؟
‏كلا وربّي إنه أقرب من نفسك إليك، من لا يعجزه شَيء في الأرض ولا في السماء قادرٌ سُبحانه .
فاللهم وقع كوقع "إنا نبشرك" في نفس زكريا !
ما بالك تخاف من الأشياء قبل حدوثها ؟
لا ترهق نفسك بكثرة التفكير وكيف سيصبح ويصير، أبعد فكرك وتفسيراتك ومخاوفك عن الأقدار فهي في علم الله، وكن على يقينٍ بأن البلاء ينزل ومعه من الألطاف الخفيّة ما لا تتخيّله، فإذا امتلأ قلبك بمعاني اليقين هانت عليك الأيام وعشت مُطمئن البال والحال .
شيخي، ما معنى الدعاء بيقين ؟

‏هو أن تدعو الله بشيء وكل شيء حولك يخبرك بأنّ الأمر مستحيل، وأنّ الطريق مسدود، وأنك ستصطدم بجدار اليأس لا محالة، ولكنّ إيماناً في قلبك يخبرك بأن الله إذا شاء أمراً فلا مردّ له، ولو رفضه أهل الأرض، وتقطعت السُّبل، وعدمت الأسباب، ذلك هو اليقين يا بُني .
إذا شكوتَ للبشر ينتهي الكلام غالباً بـ "الله يعينك"
‏اختصرها واشتكِ لمن يعينك حقّاً، اشتكِ لمن وعد أن بعد العسر يسراً، اشتكِ لمن يُحبّ أن يسمع شكواك لا من ينفر منها، ففي خلوتك مع الله لن يصيبك شعور الإحراج إن ذرفت عيناك أو تلعثم لسانك، فالضعف بين يديه عزَّة وقوَّة !
لا يزال ترديد "لا حول ولا قوة إلا بالله" يُنقذني !
‏عندما أجتهد في أمر ما، وأريده على أكمل وجه وأحسن شكل، فتتعقّد الأمور وتتشابك في بعضها البعض حتى أصل إلى مرحلة العجز والإخفاق بل وخطورة المآلات، فإذا بتدبير الله يغمرني وينتشلني من بئر تخبّطاتي .
عندما تغلق الدنيا بوجهي أردّد "لعلّ الله يُحدثُ بعد ذلك أمراً"، وإذا سمعت كلاماً يؤذيني أكرّر "ولا يحزنك قولهم"، وإذا توالت عليّ الابتلاءات أتذكّر "وبشّر الصابرين"، وإذا سقطت مراراً أُسند روحي على "إنّ الله على كلّ شيء قدير" .. القرآن معكازك الوحيد إن أسقطتك الحياة.
أرأيت كلّ ما أهمَّ قلبك وأوجع خلجات صدرك بثّه في سجدةٍ واحدة، لا تترك في قلبك أي شيء مهما تخالطت دموعك بكلماتك وتكركب لسانك من فيضِ عِباراتك وعَبراتك، فوالله ستمرُّ الأيام سريعاً وقد تنسى تلك الدعوات وتنشغل في أمور حياتك، وإجابة تلك الدعوات تُنسجُ لك من حيث لا تعلم لتفرح بها من حيث لا تحتسب، فتمسّك بحبل الدعاء المُمتد للسماء السابعة حتى تنقشع عنك سحب البلاء وتأتيك من بعدها سحب الهناء ♥️.
لاشيء لاشيء يهذّبك، ويؤدّبك، ويرشدك، وينهض بروحك كمثل ملازمة آي القرآن، صدّقني، متى ما جعلته صاحبك الأول والأقرب أخذ بروحك لا شعورياً نحو معالي الأمور وشريفها، ونقّاك من سفاسف الأمور وقبيحها، وكلما تمسّكت به أعزّك وآنسك وأكرمك في الدُّنيا والآخرة ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزيزٌ ﴾.
"يُؤتِكُم خيرًا مما أُخِذَ منكُم"
‏جهادك العظيم على ترك محبوب لا يحبّه الله، وتجلّدك في الابتعاد عنه وأنت تدرك قسوة الأمر على قلبك وطبعك، لن يتركك الله بعد ذلك خالي الوفاض بل سيجازيك ويعوّضك ولطالما جاء عوض الله غزيراً يُنسيك مرارة الترك والابتعاد.
2024/10/05 07:32:42
Back to Top
HTML Embed Code: