ها نحن نودّع زميلًا كان بيننا قبل أيامٍ قلائل...يضحك ملءَ الحياة، ويسعى كأن العمر يمتدُّ بلا انقضاء.ثم فجأة...صمتت
خطواته، وغابت ضحكته، وصعدت روحه إلى بارئها.
إنه الدكتور أيمن غوث، زميلُنا الذي ودّع الدنيا في هدوء،وترك في قلوبنا رجفة، وفي أعيننا دمعة، وفي صدورنا سؤالًا مُرًّا: متى دوري؟ متى دورك؟ أيَحسب أحدُنا أن الموت ينتظر التخرّج؟
أو يؤجِّل موعده إلى ما بعد التخصّص؟
أو بعد أن ننقذ عددًا كافيًا من الأرواح؟
كلا والله…فالموت لا يعرف شرطًا، ولا ينتظر إذنًا،يأخذ من يشاء، متى شاء، كيف شاء،ولا يطرقُ بابًا، ولا يُمهل رجاء...فكن على يقين: كل لحظةٍ تعيشها هي نعمة، وكل زفيرٍ تُخرجه هو هبةٌ من الله،وكل سجدةٍ تقدر عليها هي فرصة لا تُقدّر بثمن. فلا تكن ممن رأى الموت… ثم عاد إلى الغفلة،شمّ رائحة الكافور… ثم أدار ظهره للآخرة منشغلًا بالدنيا.
سيُنادى اسمك يومًا، لا لدخول اختبار،
بل للعرض على العزيز الجبار...وهناك ستُسأل:"ماذا قدّمتَ لروحك؟""أين كنت حين ناداك المؤذن خمسًا كل يوم؟"
"وماذا فعلتَ حين رأيتَ زميلك يُغسّل ويُوارى؟" قد تحفظ مسارات الأعصاب،
وتُتقن وصف المضادات، لكن… هل تعرف مسار العودة إلى الله؟هل أنقذتَ قلبك كما أنقذتَ غيرك؟
ما نفعُ أن تُنقذ قلبًا يحتضر...
وقلبُك أنت لا ينبض إلا بالدنيا؟
ما فائدة أن تُجيد الإنعاش...
وأنت تموت داخليًا بغفلةٍ طالت سنينًا؟
> ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾(سورة المؤمنون، الآية 115) .
أيمن غوث… لم يكن درسًا في "الطب الشرعي"،
ولا رقمًا في أرشيف المستشفى…
كان إنسانًا، زميلًا، قلبًا نابضًا بالحياة،
لكنها سنّة الله في خلقه:
> ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾(سورة آل عمران، الآية 185)
فتأمّل: أن أول ما تُسأل عنه في القبر…
ليس عن علمك الطبي، بل عن ربك،
عن صلاتك، عن قلبك، عن روحك...
فإلى نفسي ونفسك أقول:
من يُنقذها إن تاهت؟
من يُنعشها إن مات فيها الخشوع؟
من يُقيمها إن كسرتها المقارنات والطموحات الجوفاء؟
> ﴿ وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا۟ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾
(سورة السجدة، الآية 12)
لكن… لن نرجع.
فمن لم يُبصر في المستشفى ويعتبر…
سيبقى أعمى في القبر.
هل نظرت في عيون مريضٍ يحتضر، وهمست لنفسك:قد أكون أنا غدًا مكانه…
رقمًا على سوار، وجسدًا بلا حراك؟
فاللهم لا تجعلنا ممن قلتَ فيهم:
> ﴿ أَفَرَءَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ﴾(سورة الجاثية، الآية 23)
اللهم لا تجعل الطب حجابًا بيننا وبينك،
ولا العلم سببًا في غفلتنا عنك...
بل اجعلنا ممن عرفوا الطريق إليك،
وسجدوا على بساط التوبة قبل فوات الأوان.
> ﴿ فَفِرُّوٓا إِلَى ٱللَّهِ ۖ إِنِّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾
(سورة الذاريات، الآية 50)
يا طالب الطب…أظننت أن الموت يُمهلك حتى الامتياز؟ أو ينتظرك حتى تنتهي من آخر حالة سريرية؟ لا، بل هو أقرب إليك من الشريان الذي تدرسه.ف وربّ الطب ، وربّ الأرواح، وربّ الموت والحياة… إنها ليست محاضرة، ولا حالة طارئة… إنها الحقيقة التي تُطفئ كلّ وهم،وتُضيء كلّ غافل.
رحل أيمن... لكن لم ترحل العِبرة.
سكن الثرى... لكنه أيقظ فينا ما كان نائمًا.نعم، مضى بجسده، لكنه ترك لنا رسالةً بصوته الصامت، وصورته الصامتة، وسريره الخالي:أن الحياة قصيرة مهما طالت، وأن الغفلة قاتلة مهما زُيّنت.. اللهم ارحم عبدك أيمن، وارزقه دارًا خيرًا من داره، وأهلاً خيرًا من أهله،واجعل قبره روضة من رياض الجنة، واجعل كل دمعةٍ سقطت عليه، شهادةً له لا عليه. اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنّا بعده، وأحسن خاتمتنا إذا حان أوان الرحيل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،وصلى الله وسلّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
خطواته، وغابت ضحكته، وصعدت روحه إلى بارئها.
إنه الدكتور أيمن غوث، زميلُنا الذي ودّع الدنيا في هدوء،وترك في قلوبنا رجفة، وفي أعيننا دمعة، وفي صدورنا سؤالًا مُرًّا: متى دوري؟ متى دورك؟ أيَحسب أحدُنا أن الموت ينتظر التخرّج؟
أو يؤجِّل موعده إلى ما بعد التخصّص؟
أو بعد أن ننقذ عددًا كافيًا من الأرواح؟
كلا والله…فالموت لا يعرف شرطًا، ولا ينتظر إذنًا،يأخذ من يشاء، متى شاء، كيف شاء،ولا يطرقُ بابًا، ولا يُمهل رجاء...فكن على يقين: كل لحظةٍ تعيشها هي نعمة، وكل زفيرٍ تُخرجه هو هبةٌ من الله،وكل سجدةٍ تقدر عليها هي فرصة لا تُقدّر بثمن. فلا تكن ممن رأى الموت… ثم عاد إلى الغفلة،شمّ رائحة الكافور… ثم أدار ظهره للآخرة منشغلًا بالدنيا.
سيُنادى اسمك يومًا، لا لدخول اختبار،
بل للعرض على العزيز الجبار...وهناك ستُسأل:"ماذا قدّمتَ لروحك؟""أين كنت حين ناداك المؤذن خمسًا كل يوم؟"
"وماذا فعلتَ حين رأيتَ زميلك يُغسّل ويُوارى؟" قد تحفظ مسارات الأعصاب،
وتُتقن وصف المضادات، لكن… هل تعرف مسار العودة إلى الله؟هل أنقذتَ قلبك كما أنقذتَ غيرك؟
ما نفعُ أن تُنقذ قلبًا يحتضر...
وقلبُك أنت لا ينبض إلا بالدنيا؟
ما فائدة أن تُجيد الإنعاش...
وأنت تموت داخليًا بغفلةٍ طالت سنينًا؟
> ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾(سورة المؤمنون، الآية 115) .
أيمن غوث… لم يكن درسًا في "الطب الشرعي"،
ولا رقمًا في أرشيف المستشفى…
كان إنسانًا، زميلًا، قلبًا نابضًا بالحياة،
لكنها سنّة الله في خلقه:
> ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾(سورة آل عمران، الآية 185)
فتأمّل: أن أول ما تُسأل عنه في القبر…
ليس عن علمك الطبي، بل عن ربك،
عن صلاتك، عن قلبك، عن روحك...
فإلى نفسي ونفسك أقول:
من يُنقذها إن تاهت؟
من يُنعشها إن مات فيها الخشوع؟
من يُقيمها إن كسرتها المقارنات والطموحات الجوفاء؟
> ﴿ وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا۟ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾
(سورة السجدة، الآية 12)
لكن… لن نرجع.
فمن لم يُبصر في المستشفى ويعتبر…
سيبقى أعمى في القبر.
هل نظرت في عيون مريضٍ يحتضر، وهمست لنفسك:قد أكون أنا غدًا مكانه…
رقمًا على سوار، وجسدًا بلا حراك؟
فاللهم لا تجعلنا ممن قلتَ فيهم:
> ﴿ أَفَرَءَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ﴾(سورة الجاثية، الآية 23)
اللهم لا تجعل الطب حجابًا بيننا وبينك،
ولا العلم سببًا في غفلتنا عنك...
بل اجعلنا ممن عرفوا الطريق إليك،
وسجدوا على بساط التوبة قبل فوات الأوان.
> ﴿ فَفِرُّوٓا إِلَى ٱللَّهِ ۖ إِنِّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾
(سورة الذاريات، الآية 50)
يا طالب الطب…أظننت أن الموت يُمهلك حتى الامتياز؟ أو ينتظرك حتى تنتهي من آخر حالة سريرية؟ لا، بل هو أقرب إليك من الشريان الذي تدرسه.ف وربّ الطب ، وربّ الأرواح، وربّ الموت والحياة… إنها ليست محاضرة، ولا حالة طارئة… إنها الحقيقة التي تُطفئ كلّ وهم،وتُضيء كلّ غافل.
رحل أيمن... لكن لم ترحل العِبرة.
سكن الثرى... لكنه أيقظ فينا ما كان نائمًا.نعم، مضى بجسده، لكنه ترك لنا رسالةً بصوته الصامت، وصورته الصامتة، وسريره الخالي:أن الحياة قصيرة مهما طالت، وأن الغفلة قاتلة مهما زُيّنت.. اللهم ارحم عبدك أيمن، وارزقه دارًا خيرًا من داره، وأهلاً خيرًا من أهله،واجعل قبره روضة من رياض الجنة، واجعل كل دمعةٍ سقطت عليه، شهادةً له لا عليه. اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنّا بعده، وأحسن خاتمتنا إذا حان أوان الرحيل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،وصلى الله وسلّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
😢1