Telegram Web
يُعطِّلُ فيكَ فَـقْدُ مَن تُحب قدرتَك على الاستمتاعِ بأيِّ شيءٍ في أيّامك التي تمرّ من خلالك دون أن تدري، ويرجعُ ذلك إلى انعدام استجابتك لكُل ما يُثير مِن حولك، فتصيرُ لا تَفرَحُ بما يُفرِحُ الناس، ولا تندهش بِما يُدهِشهم، أنتَ المفطورُ بلا رتق، إذ تكاد لا تنظرُ مِن لوحةِ الحياة إلا لوَنينِ، الأسود والأبيض، الألوان التي بها يَتَزَيّنُ العالَم، بالنسبةِ لك حقيقتُها مدفونةٌ في تُربة مَن تُحب.. حيثُ كل شيءٍ ساكنٍ وجميل.. هُناك.
حسنًا يا أيّتها الملائكةُ الموكَلَةُ بِقَطفِ أرواح العالمين، هل تقبلون المقايضة؟ لنتفقْ مِن جديد، أموتُ أنا، وتعود بَـنين.
مجدُك الذي تريد بناءه، سيبقى منقوصًا بفقد مَن تُحب.. لا العمل ولا الشهادة ولا المال يرممُ الشرخَ الذي أحدثه الفقدُ بك. وأنت تقطع يومك ذاهبًا وآيبا يمرُ من شرخك الحزن، ويغادر إلى آخر، ويعلق بك من أوصاله أشياء وأشياء، لن تنساه ولن ينساك.
مواجعُ الإنسان تتحرّك في زمنٍ عكس عادته، تستيقظُ في الصباح لتبدأ مشوار يومك فتنشغل بوجوه العابرين ظاهرًا، وفي سرِّك يغفو الألم، تعود في الليل لتختمَ يومك، تفزُّ مواجِعُك، تستيقظُ ، تُعدِّلُ نفسَها لتظهرَ لك في أقسى حلّة، ثمّ تحاولُ تغلبها فتغلبك، تنام موجوعًا، لتكرر ذات اليوم بعمرٍ جديد..

أنا عالِمٌ بِالحُزنِ منذُ طفولتي
رفيقي فما أُخطيه حين أُقابِلُه..
يدقُّ فيك الفقدُ مسمارَه الأخير، ليُعلِنَ أنّك الآنَ تابوتٌ أجوفٌ يمشي، تحملُ في ثناياك الراحلين إلى عالمهم الأخير، وبعد هذه وتلك، تُحمَل كما حَمَلت..
ألا هل قاطعٌ يصلُ
‏لِما عيّت به الرُّسُلُ؟
قضيّةُ الإنسان المصيريّة هي الموت.
‏كلُّ الفلسفاتِ البشريّة قامتْ على أحد الأمرَين:
إمّا كيفيّة التهيؤ لاستقباله، أو كيفيّة الانشغال بغيرِه لنسيانه!
لِمن الأمر؟ : لله
ليسَ للملك ولا لابن الملك وليس لك ولا لأبيك..

الإنسانُ كائنٌ ضعيفٌ محدودٌ من جهاته الست، لا يُمكنه أن يثقَ بنفسِه في مواردَ متعددة، فيستعين بالأدوات، يضربُه العَوز والنقصُ والحُزنُ والمرضُ والوهنُ والفشل، في كثيرٍ من الأحيان، ولا يمكنه أن يحميَ نفسَه من القضاء إذا نزل، فهل مِن الحِكمة أن يرى نفسَه مستغنيًا عن الله العظيم؟ أو أنْ يمشي في طريقٍ موازٍ لطريقِ الله، ظاهرُه قريب، لكنّه لا يلتقي معه؟ في الحقيقة هذا هو الإنسان إذا تمكّنَ قليلًا في الأرض أُصيب بداء الـ"الطغيان" فيَحسب نفسه السيّد الذي لا يُقهر، وهو بذلك كالملكةِ في مملكة النمل، تُسحق بأرجلِ العابرين، وهي عند خَدَمِها ملكة!

[كَلَّاۤ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَیَطۡغَىٰۤ - أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰۤ-
إِنَّ إِلى‏ رَبِّكَ الرُّجْعى‏]
لأبي ذؤيب الهذلي :

‏والنفس راغبةٌ إذا رغَّبتها
‏ وإذا تردّ إلى قليل تقنعُ

‏قال عنه الأصمعيّ: أبرع بيت قالته العرب .
(وَيُريدونَ أَن تَضِلُّوا السَّبيلَ)..

‏أشدُّ أنواع الصّبر .. هو الصّبر على التمسّك بالقيم والمبادىء في عالَمٍ مائعٍ متلونٍ أحول.

‏طوبى للصابرين .. القابضين على الجمر . فهُم شرارة التغيير و بقيةُ الروح في جسد العالَم الميت الذي يُحتَضر.
إذا أبْقَتِ الدُّنيا على المرءِ دِيْنَهُ
‏ فما فاتَهُ منها فليس بِضَائر
يركّزُ سَلفُنا أبو العتاهية على بيانِ مفاهيم الأولويّة والأهمّية في حياة الإنسان، فيرى أنّ الدنيا بكلِّ أحوالِها وتقلُّباتِها وخساراتها لا تعني شيئًا، إذا سَلِمَ دينُ المرء من الضرر، فَمِعْيارُه وأُسُ الوجود عندَه هو دينُ الإنسان الذي به يُعتَقد ويُتعَبَّد وعليهِ يُلقَى الربّ العظيم، ولا قيمة لِما يفوت المرء من دينارٍ أو تِـبرٍ أو نَشب، وهو بذلك يُعزز معنى أن الإنسان خُلِق لعبور هذه الرحلة إلى الحياة الأبديّة التي لا يمكن الفلاح فيها إلا بالتزام شريعة السماء! ومما يجدرُ بالذكر أنَّ هذا القولَ صادر عن شاعرٍ له تجرِبةٌ شبابيّة في دروبِ اللهو والمجون، ثمّ انصرفَ بعدها إلى النسك والتعبّد، فقولُه هُنا نابع مِن تجرِبة حسّية، لما مرّ به في الحياتَينِ؛ الماجنة والملتزمة.. فكانت الثانيةُ عنده هي الشرف الكبير.. نعم، هذه الدُّنيا لا تساوي قشرة بَصَلَة.
يصيحُ الإلبيري (شاعرٌ أندلسيّ)في تائـيَّـتِـهِ الشهيرة:
ولا تحزنْ على ما فاتَ منها
إذا ما أنتَ في أُخراكَ فُـزْتـا
وَأَنا القَلِيلُ الَّذِي كَثَّرْتَهُ ..


‏" الإمام السجاد ع "
في كل لحظة من هذا العمر المديد للبشرية، هناك صنفان، صنف في طاعة وصنف في معصية، وهذا أمر سائر على الجاهل والعالمِ، والفقير والغنيّ، والشريف في قومه والوضيع، ولكنّك لا تدري ما يدور حولك؟ ولا تضمن مَن الطائع ومَن العاصي، ولكَ ظواهر الناس.. ولعلّك لو كشفتَ ما استترَ عليك ممن حولك لرشقته حجارةً ولعلّه يفعل ذلك بك، ولكن الله يرحمُ عباده بالستر والعفو والرحمة، وإنْ كانوا غير أهلٍ لذلك.. الله سبحانه يَمنّ على عبده بالستر؛ فيطغى العبدُ متصورًا متوهمًا أنّ هذا أمْنٌ مِن جزاء عمله، ويفوته أنَّ ذلك اختبار لا يطول ما لم يقتص الحق من نفسه.
‏[ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ] فنتيجة كل رذيلة هي الخسارة، فينبغي للعبد أن يسارع لأن ينجو بنفسه قبل أن يسحب الله عنه سترَه فيهلك ويهوى!
على كل حال، فَلو افتضح أحدٌ، فليس هناك نصٌ ديني مقدس -سماويٌ أو أرضي- يوصي بإفشاء الرذيلة والتشهير بفاعلها وتداولها لتكون مبثوثة في كل بيت .. لما في ذلك مِن آثارٍ معنويّة وأخلاقية على نسيج المجتمع عمومًا وليس على الفرد فحسب..
وبهذا الصدد أذكرُ نصًا للمولى النراقيّ يقول:

‏”.. وتأمّل أنَّهُ لو أظهرَ أحدٌ بعضَ فواحشك عند الناس كيف يكون حالك، فَـقِسْ عليه حالَ غيرِك ممن تكشفُ أنت بعضَ فواحِشه. وقد ثبتَ ووضحَ من الأخبار والتجرِبة: أنَّ من يَفضح يُفتَضح، فيا حبيبي، ترحّم على نفسك وتأسَّ بربِّك فاسبلِ السترَ على عيوبِ غيرك“.

روي عن الإمام الباقر عليه السلام:
[يجب للمؤمن على المؤمن أن يستر عليه سبعين كبيرة] -الكافي الشريف 2،207،8
ذاتَ فجر ..
‏على وقع صوت الأذان
‏تمنّى الأيتام لو لم يتميز
‏خيطُهم الأبيض من الأسود
‏لو تقاسموا رغيفَ الأمس ..
‏حيث كل رغيفٍ لم يعجن
‏بحنان قلبك و جودِ يدك
‏﴿لا يُسمِنُ وَلا يُغني مِن جوعٍ﴾

‏ما شبعَ يتيمٌ مِن بعدِك يا عليّ ..

‏" اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَمينَ اللهِ في اَرْضِه "
عن أبي ذر الغفاريّ، قال سمعتُ رسولَ اللّٰه (ص) يقول:

(لولا أنا وعليّ ما عُرِفَ اللَّه، ولولا أنا وعليّ ما عُبِدَ اللَّه، ولولا أنا وعليّ ما كان ثواب ٌولا عقاب )

كتاب سُليم بن قيس صـ 381
فـما لِمثلِك إلا اللهُ مُمتَدِحٌ

وخالقُ الخلقِ أدرىٰ بالذي صَنَعَا

‏⁧
يعرفُ مَن يعرفني، أنني في ليلةٍ كهذه، أمرُّ بموجةِ كآبة، وتمشي نفسي تائهةً في (لا أدري)، كَمَن فقدَ مالَه وعيالَه، لا ملجأَ له ولا سند، تتهشّم قوالبُ جلادَتي، وأنزوي مكسورًا، قُتِل عليّ، ما أوجعَها من عبارة، وما أفجَعَه مِن نبأ، ذاك عليٌ الرجل الذي أحببتُ اسمَه حين كنتُ طفلًا قبل معرفتي به، وتصابيتُ على حُبِّه وقراءته، ونضجتُ على نشره والدفاع عنه.. كلّما عصفتْ بي الدنيا وجرّني غرورُها، وكلّما كادت أن تُزلّ قدمي، أرجعني عليّ إلى حضنِه الدافئ ورُكنه الشديد، هو المولى والإمام والسيّد وصاحب الفضل والشرف على سائر المسلمين، عليٌ حافظُ بيضة الرسالة، وصائن دولة الله في الأرض، عليٌ رجلُ السماء ليستْ أرضيةً خصالُه ..
عليٌ الرجل المَنقَبة، المعدوم المثالب، الكامل المزايا الحسان.. مهما حاولت أقلّام وصّافيه، فهي كليلة؛ ومهما تعاونت كلمات مادحيه فهي قليلة، عليّ أرفع وأكبر..
عليٌ قُتُل وخسرت الأمّة من بعده، وتهدمت أركان الهُدى، وظلّ العالم إلى اليوم يسبح في بحور التيه والظلمات..

اللهمّ العنْ قتلةَ أمير المؤمنين لعنًا وبيلًا
اللهمّ ارحمْ ضعفنا من بعده، وأجرنا على محبته واتباعه والإخلاص له بالولاية وحدَه..
اللهمّ إني التائقُ لرؤيته، والظمآن للقائه والراجي مسحة كفّ يده فلا تحرمني ذلك يا رؤوف يا رحيم..

السلام على ابن عم رسول الله وأخيه وصهره ووصيه والوليّ من بعده سيدنا ومولانا أبي الحسن علي بن أبي طالب باب الله الذي منه يؤتى..
[وإنّا لله وإنا إليه راجعون]
2024/09/29 06:18:34
Back to Top
HTML Embed Code: